أصول الكافي المجلد 2

هوية الکتاب

سرشناسه : كليني، محمّد بن يعقوب، - 329ق.

عنوان قراردادي : الكافي

عنوان و نام پديدآور : اصول الكافي/ محمّد بن يعقوب الكليني؛ ضبطه و صححه و علق عليه محمّدجعفر شمس الدين.

مشخصات نشر :بيروت : دارالتعارف للمطبوعات، 1411ق. = 1990م.= 1369.

مشخصات ظاهري : 2ج.

فروست : موسوعة الكتب الاربعه في احاديث النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و العتره؛1،2.

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر در سالهاي مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : شمس الدين، محمّدجعفر

رده بندي كنگره : BP129/ك 8ك 22 1369

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : م 81-8050

محرّر الرقمي: محمّد رادمرد

ص: 1

اشارة

ص: 2

مَوْسُوعَة الكتب الأربَعَة في أحاديث النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والعترة (عَلَيهِم السَّلَامُ) 2

أصول الكافي

الجزء الثاني

ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكلينى (رَحمهُ اللّه)

المتوفى سنة 329/328 ه-

ضبطه وصحّحه وعلّق عليه

محمّد جعفر شمس الدِّين

وار التعارف للمطبوعات

بيروت لبنات

ص: 3

مكتبة مؤمن قريش

حُقوق الطبع محفوظة

1411ه- - 1990م

المعارف المطبوعات

وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند اللّه اتقاكم

المكتب : شارع سوريا - بناية دوريش - الطابق الثالث

الادارة والمعرض - حارة حريك - المنشية - شارع دكاش - بناية الحسنين تلفون - 837857

ص.ب 8601 - 11

ص: 4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب الإيمان والكفر من كتاب الكافي

إشارة:

[تصنيف الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ)](1)

باب طينة المؤمن والكافر

1 - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن رجل. عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق (2) النبيّين من طينة (3) علّيّين (4) : قلوبهم وأبدانهم (5). وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة. و [جعل] خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك، وخلق الكفّار من طينة سجّين (6) : قلوبهم وأبدانهم (7)، فخلط بين الطينتين (8)، فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن، ومن ههنا يصيب المؤمن السيّئة، ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحنُّ (9) إلى ما خلقوا منه، وقلوب الكافرين تحنُّ إلى ما خلقوا منه.

2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفّار

ص: 5


1- هذه الديباجة إما من المصنف (قدّس سِرُّه) نفسه أو من أحد الرواة عنه لكتاب الكافي. وهي غير مثبتة في بعض النسخ. وفي العنوان «قدّم الإيمان على الكفر لأنه الأصل والأهم، أو لأنه وجودي كما قيل» مرآة المجلسي 1/7.
2- أي كوّن أو قدّر.
3- في النهاية : طينة الرجل : خلقه وأصله.
4- قد يراد بها السماء السابعة، وقيل : هي اسم لديوان الحفظة من الملائكة حيث ترفع إليهم الأعمال الصالحة لعباد اللّه الصالحين توطئة لرفعها إليه سبحانه. وقيل : هي كناية عن المراتب الشريفة والأماكن العالية في الجنّة، وقيل : سدرة المنتهى، الخ.
5- بدل النبيّين.
6- في القاموس : سجّين : موضع فيه كتاب الفجار، وواد في جهنم، أو حجر في الأرض السابعة
7- بدل من الكفار.
8- أي مزج بينهما عند خلق بدن آدم ومن هنا كان في الإنسان قابلية السمو والهبوط والإيمان والكفر، والصلاح والفساد.
9- أي تتوّق وتشتاق.

الجازيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق المؤمن من طينة الجنّة (1) وخلق الكافر من طينة النّار ؛ وقال : إذا أراد اللّه عزّ وجلّ بعبد خيراً(2) طيّب (3) روحه وجسده فلا يسمع شيئاً من الخير إلّا عرفه ولا يسمع شيئاً من المنكر إلّا أنكره ؛ قال : وسمعته يقول : الطينات ثلاث : طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلّا أنَّ الأنبياء هم من صفوتها هم الأصل ولهم فضلهم، والمؤمنون الفرع من طين لازب (4)، كذلك لا يفرق اللّه عزّ وجلّ بينهم وبين شيعتهم ؛ وقال : طينة الناصب (5) من حمأ مسنون (6). وأما المستضعفون (7) فمن تراب لا يتحول مؤمنٌ. عن إيمانه، ولا ناصب عن نصبه واللّه المشيئة فيهم. (8)

3 - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): جُعلتُ فِداك: من أي شيء خلق اللّه عزّ وجلّ طينة المؤمن فقال : من طينة الأنبياء، فلم تنجس أبداً. (9)

4 - محمّد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمّد وغيره عن محمّد بن خلف، عن أبي نهشل قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه جلَّ وعزَّ خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت ممّا خلقنا منه، ثمّ تلا هذه الآية «كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» وخلق عدوّنا من سجّين وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لأنها خلقت ممّا خلقوا منه، ثمّ تلا هذه الآية : «كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ *

ص: 6


1- أي يعلم سبحانه أنّه بسبب حسن اختياره وما سوف يصدر عنه من أعمال صالحة أنّه سوف يكون من أهل الجنّة.
2- أي بأن يختم له بالسعادة وحسن العاقبة.
3- أي بلطفه وتوفيقه.
4- اللازب : اللاصق واللازم وكأنه أراد أن المؤمن ملازم لخط الأنبياء والأوصياء لاصق به باعتباره متفرعاً عنه لصوق الطين بعضه ببعض، ودخول بعضه ببعض. ويؤيد هذا ما بعده.
5- أي المبغض لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
6- الحما: الطين الأسود، والمسنون المنتن، وهو طينة سجين الّتي ذُكر في الحديث الأوّل أنّه سبحانه خلق منها قلوب الكفار وأبدانهم.
7- المستضعف : هو الّذي لا يعرف الحق ولم يعتنق الباطل، أو من لم يدخل لا في الإيمان فيكون من أهله ولا في الكفر فيكون من أهله.
8- أي إلّا ما شاء اللّه، وهو إشارة إلى البداء.
9- بنجاسة الشرك والكفر وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة، مرآة المجلسي 7/7.

كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» (1).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وغير واحد، عن الحسين بن الحسن جميعاً، عن محمّد بن أورمة، عن محمّد بن عليّ، عن إسماعيل بن يسار، عن عثمان بن يوسف قال : أخبرني عبد اللّه بن كيسان، عن أبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك أنا مولاك، عبد اللّه بن کیسان قال أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك (2)، قال : قلت له : إني ولدت بالجبل، ونشأت في أرض فارس، وإنّني أخالط النّاس في التجارات وغير ذلك، فأخالط الرّجل، فأرى له حسن السمت (3) وحسن الخلق و [كثرة] أمانة، ثمّ أفتشه فأتبينه عن عداوتكم (4) وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلّة أمانة وزعارة (5)، ثمّ أُفتشه فأتينه عن ولايتكم (6)، فكيف يكون ذلك ؟ فقال لي : أما علمت يا ابن كيسان، أنَّ اللّه عزّ وجلّ أخذ طينة من الجنّة وطينة من النار، فخلطهما جميعاً، ثمّ نزع هذه من هذه ؛ وهذه من هذه (7)، فما رأيت من أولئك (8) من الأمانة وحسن الخلق وحسن السّمت فمما مسّتهم من طينة الجنّة، وهم يعودون إلى ما خلقوا منه، وما رأيت من هؤلاء (9) من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة، فمما مستهم من طينة النّار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن صالح بن سهل قال : قلت لأبي عبد اللّه :(عَلَيهِ السَّلَامُ): المؤمنون من طينة الأنبياء؟ قال : نعم.

7 - عليّ بن محمّد عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن ابن، عليّ بن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ لما أراد أن يخلق آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، بعث جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أول ساعة من يوم الجمعة، فقبض بيمينه قبضة، بلغت قبضته

ص: 7


1- مر هذا الحديث بعينه في المجلد الأوّل باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورقمه (4) مع اختلاف طفيف في السند إذ هناك (عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن خالد وبقية السند عينه. واختلاف طفيف أيضاً في بعض كلماته وحروفه وعلقنا عليه فراجع).
2- يعني شخصياً أو من حيث المذهب وهو التشيع.
3- أي حسن الظاهر والهيئة.
4- أي اكتشف أنّه ممّن يضمر لكم العداوة أهل البيت.
5- أي سوء الخلق والإسم منه زعرور. وفي بعض النسخ (دعارة) وهي الفحش والفساد.
6- أي من مواليكم ومحبيكم.
7- «معناه أنّه نزع طينة الجنّة من طينة النّار وطينة النّار من طينة الجنّة بعدما مست إحداهما الأخرى ثمّ خلق أهل الجنّة من طينة الجنّة وخلق أهل النّار من طينة النار» مرآة المجلسي 9/7.
8- أي من مبغضي أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
9- أي الموالين لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).

من السّماء السّابعة إلى السّماء الدُّنيا، وأخذ من كلّ سماء تربة، وقبض قبضة أخرى من الأرض السّابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى، فأمر اللّه عزّ وجلّ كلمته (1) فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله، ففلق (2) الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا (3) ومن السماوات ذرواً فقال للّذي بيمينه : منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصدّيقون والمؤمنون والسعداء، ومن أريد كرامته، فوجب لهم ما قال كما قال وقال للّذي (4) بشماله : منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته، فوجب لهم ما قال كما قال، ثمّ إنّ الطينتين خلطتا جميعاً، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»(5)، فالحب طينة المؤمنين (6) الّتي ألقى اللّه عليها محبته، والنوى طينة الكافرين الّذين نأوا(7) عن كلّ خير. وإنما سمّي النوى من أجل أنّه نأى عن كلّ خير وتباعد عنه، وقال اللّه عزّ وجلّ: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) (8) فالحيُّ : المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر، والميت الّذي يخرج منالحي : هو الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن. فالحي: المؤمن، والميت : الكافر، وذلك قوله عزّ وجلّ : (أَوَ مَنْ كان مَيْتاً فأحييناه) (9) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر، وكانت حياته حين فرق اللّه عزّ وجلّ بينهما بكلمته، كذلك يخرج اللّه عزّ وجلّ المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور، وذلك قوله عزّ وجلّ: (لِيُنْذِرَ مَن كان حيّاً ويَحِقَّ القولُ على الكافرين) (10).

باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأول

باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأول(11)

1 - أبو عليّ الأشعريّ ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن

ص: 8


1- أي جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- أي : فشق.
3- أي نثراً وإذهاباً.
4- أي الجزء الّذي بشماله من الطين.
5- الأنعام / 95.
6- هذا من بطون الآية الّتي كشف عنه تأويله (عَلَيهِ السَّلَامُ). وعليه فالمراد «بالفلق شق كلّ منهما وإخراج الآخر منه أو شق كلّ منهما عن صاحبه أو خلقهما» مرآة المجلسي 12/7.
7- أي بعدوا.
8- الأنعام / 95.
9- الأنعام / 122.
10- يس / 70 ومعنى :يحق : يجب. والمقصود بالقول : كلمة العذاب.
11- إنما كان هذا الباب من الباب الأوّل لاشتماله على كيفية بدء الخلق وذكر الطينة الّتي خُلق منها كلّ أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. وإنما أفرده بالذكر مع ذلك لاشتمال رواياته على أمر زائد لم يرد في الأحاديث السابقة وهو موضوع التكليف وما يجر إليه من القول في مسألة الجبر والاختيار فتدبر.

الحكم، عن أبان بن عثمان عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو علم النّاس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان (1)، إنَّ اللّه عزّ وجلّ قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذباً أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي وكن ملحاً أجاجاً أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثمّ أمرهما فامتزجا، فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن، ثمّ أخذ طيناً من أديم (2) الأرض فعركه (3) عركاً شديداً فإذا هم كالذرّ يدبّون، فقال (4) لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام، وقال لأصحاب الشمال إلى النّار ولا أبالي، ثمّ أمر ناراً فأسعرت فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها (5)، فقال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فقال : كوني برداً وسلاماً فكانت برداً وسلاماً. فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا (6) فقال : قد أقلتكم فادخلوها، فذهبوا فهابوها، فَثَمَّ (7) ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ؛ ولا هؤلاء من هؤلاء(8) .

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أنَّ رجلاً سأل أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه جل وعزَّ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى - إلى آخر الآية) (9) فقال وأبوه (10) يسمع (عَلَيهِ السَّلَامُ): حدّثني أبي أنَّ اللّه عزّ وجلّ قبض قبضة من تراب التربة الّتي خلق منها آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصب عليها الماء العذب الفرات، ثمّ تركها أربعين صباحاً، ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحاً، فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركاً شديداً، فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله، وأمرهم جميعاً أن يقعوا في النار، فدخل (11) أصحاب اليمين، فصارت عليهم برداً

ص: 9


1- «أي في مسألة الاستطاعة والاختيار والجبر، أو... في أمر من أمور الدين لاختلاف أفهامهم وقابلياتهم وطينتهم» مرآة المجلسي 16/7.
2- أي وجه الأرض.
3- أي فدلكه، والظاهر أنّه عجنه بالماء العذب والماء الأجاج الّذي أنشأه أولاً وخاطبه.
4- كناية عن هدايتهم بألطافه إلى سلوك طريقها. وكذا ما بعده ولكن بسلب الإلطاف.
5- أي خافوها.
6- لعل الاستقالة كناية عن تمنيهم الإطاعة ولكن مع غلبة شقوتهم لا يفعلونها.
7- أي فهناك أو عند ذلك.
8- أي أن حسن الاختيار لفريق المؤمنين الّذي أهلهم لتلقي الألطاف الإلهية لا يمكن أن يجتمع مع سوء اختيار فريق أصحاب النّار حيث سُلبت عنهم بسببه تلك الألطاف. فسبقت من اللّه الحسنى للأول وحق القول وكلمة العذاب على الآخرين.
9- الأعراف/ 172.
10- أي الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
11- أي باختيارهم.

وسلاماً وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها (1).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان عن محمّد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه عزّ وجلّ لما أراد أن يخلق آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أرسل الماء على الطين، ثمّ قبض قبضة فعركها ثمّ فرَّقها فرقتين بيده، ثمّ ذرأهم فإذا هم يدبّون، ثمّ رفع لهم ناراً فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها فلم يدخلوها، ثمّ أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها، فأمر اللّه جل وعزّ النّار فكانت عليهم برداً وسلاماً، فلمّا رأى ذلك أهل الشمال قالوا ربنا أقلنا، فأقالهم، ثمّ قال لهم : ادخلوها، فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها، فأعادهم طيناً وخلق منها آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ). وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء. قال : فيرون (2) أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أول من دخل تلك النّار فلذلك قوله جلَّ وعزَّ : «قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ». (3)

باب آخر منه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه تبارك وتعالى حيث خلق الخلق، خلق ماء عذباً وماء مالحاً أجاجاً، فامتزج الماء ان، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذريدبون إلى الجنّة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النّار ولا أبالي، ثمّ قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (4). ثمّ أخذ الميثاق على النبيّين (5)، فقال : ألست بربكم وأنَّ هذا محمّد رسولي، وأَنَّ هذا عليُّ أمير المؤمنين ؟ قالوا : بلى، فثبتت لهم النبوَّة، وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمّد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي - (عَلَيهِم السَّلَامُ) -، وأنَّ المهدي انتصر به،لديني، وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعاً

ص: 10


1- أي بسوء اختيارهم.
2- أي أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3- الزخرف/ 81 والمعنى : فأنا أول العابدين منكم. لأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على بصيرة من ربه وهو أعلم الخلق باستحالة أن يكون له ولد سبحانه ولذا كان أول المطيعين لأمره تعالى.
4- الأعراف/ 172.
5- هذا يشير إلى أن أخذه الميثاق على الأنبياء كان سابقاً على أخذه على غيرهم. وذلك أمر مفهوم لأن التقدم في الرتبة والشرف يوجب التقدم في الفهم والاستعداد وهذا يستلزم سبق أخذ الميثاق عليهم ممّن هم أدنى منهم فهماً واستعداداً وأقل منهم رتبة.

وكرهاً، قالوا : أقررنا يا ربِّ وشهدنا، ولم يجحد آدم (1) ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) (2) قال : إنما هو فترك (3). ثمّ أمر ناراً فأججت (4) فقال لأصحاب : الشمال : أدخلوها فهابوها وقال لأصحاب اليمين : أدخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا فقال : قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها، فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه عزّ وجلّ لما أخرج ذرّيّة آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوَّة لكلّ نبي، فكان أول من أخَذَ لَهُ عليهم الميثاق بنبوته محمّد بن عبد اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ لآدم : (انْظُرْ مَاذَا تَرَى)، قال : فنظر آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ذريته وهم ذرّ قد ملأوا السماء، قال آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ربّ ما أكثر ذرّيّتي ولأمر ما (5) خلقتهم ؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم ؟ قال اللّه عزّ وجلّ : (يَعْبُدُونَنِي (6) لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم)، قال آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ربّ فما لي أرى بعض الذرّ أعظم من بعض، وبعضهم له نور كثير، وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور؟ فقال اللّه عزّ وجلّ :(كذلك خلقتهم لأبلوهُم (7) في كلّ حالاتهم)، قال آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ربّ فتأذن لي في الكلام فأتكلّم؟ قال اللّه عزّ وجلّ : (تكلم فإنَّ روحك من روحي (8) وطبيعتك [من] خلاف كينونتي) (9) ؛ قال :آدم يا ربّ فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة، وجبلة واحدة (10)، وألوان واحدة، وأعمّار واحدة وأرزاق سواء لم يبغ بعضهم على بعض، ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شيء من الأشياء، قال اللّه عزّ وجلّ يا

ص: 11


1- يفهم من هذا أن آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما لم يعزم على الإقرار بالحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) خرج عن كونه من أولي العزم.
2- طه / 115. ومعنى فنسي : فترك.
3- تفسير منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للنسيان بالترك.
4- أي أضرمت والهبت.
5- أي ولأمر عظيم خلقتهم.
6- أي أريد منهم أن يعبدوني الخ.
7- أي لامتحنهم واختبرهم.
8- أي من روح اصطفيته واخترنه، أو من عالم المجردات بناءً على تجرد النفس مرآة المجلسي 25/7.
9- «أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها (خلاف) وجودي فإنها من عالم الماديات ولا تناسب عالم المجردات» ن. م.
10- أي خلقة واحدة.

آدم (بروحي نطقت ويضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به وأنا الخالق العالم، بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيئتي يمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري صائرون، لا تبديل لخلقي، إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون، وخلقت الجنّة لمن أطاعني وعبدني منهم واتبع رسلي ولا أبالي، وخلقت النّار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا أبالي؛ وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة (1) بي إليك وإليهم، وإنّما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملاً في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم، فلذلك خلقت الدُّنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنّة والنار، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمّارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم، فجعلت منهم الشقي والسعيد، والبصير والأعمى، والقصير والطويل، والجميل والدميم(2)، والعالم والجاهل والغني والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح والسقيم، ومن به الزَّمانة ومن لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الّذي به العاهة فيحمدني على عافيته، وينظر الّذي به

العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن أعافيه ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم (3)، لأبلوهم في السراء والضراء، وفيما أعافيهم وفيما أبتليهم، وفيما أعطيهم وفيما أمنعهم، وأنا اللّه الملك القادر، ولي أن أمضي جميع ما قدَّرت على ما دبّرت، ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت، وأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدَّمت وأنا اللّه الفعّال لما أريد، لا أسْأَلُ عمّا أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون).

3 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي وعقبة جميعاً، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق الخلق فخلق من أحبَّ ممّا أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنّة. وخلق من أبغض ممّا أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النّار، ثمّ بعثهم في الظلال. فقلت : وأي شيء الظلال؟ فقال : ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئاً وليس بشيء، ثمّ بعث منهم النبيّين

ص: 12


1- أي فقر وحاجة.
2- أي قبيح الخلقة.
3- والحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب إنما نشأ من الأوهام التابعة للقوى البدنية فإنهم لو كانوا كذلك لم يتيسر التكليف المعرّض لهم لأرفع الدرجات، ولم يبق نظام النوع ولم يرتكبوا الصناعات الشاقة الّتي بها بناء نوعهم إلى غير ذلك من الحكم والمصالح مرآة المجلسي 25/7 – 26.

فدعوهم إلى الإقرار باللّه عزّ وجلّ وهو قوله عزّ وجلّ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين فأقر بعضهم وأنكر بعض، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها واللّه من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله : (مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (1) ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان التكذيب ثُمَّ.

باب أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أوّل مَن أجاب وأقر اللّه عزّ وجلّ بالربوبية

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن بعض قريش قال الرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بأي شيء سبقت الأنبياء (2) وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ فقال : «إني كنت أول من آمن بربّي وأول من أجاب حيث أخذ اللّه ميثاق النبيّين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، فكنت أنا أول نبي قال : بلى، فسبقتهم بالإقرار باللّه عزّ وجلّ».

2 - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا، عن عبد اللّه بن سنان قال : قلت لأي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك إنّي لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق(3) والحدَّة والطَّيش، فأغْتَمُّ لذلك غمّاً شديداً، وأرى لذلك غمّاً شديداً، وأرى من خالفنا فأراه حسن خالفنا فأراه حسن السمت(4). قال : لا تقل حَسَن السَّمت، فإن السمت سَمتُ الطريق ولكن قل حسن السيماء، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)(5). قال : قلت: فأراه حسن السيماء وله وقار فأغتم لذلك، قال : لا تغتم لما رأيت من نَزَق أصحابك، ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك (6)، إنَّ اللّه تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين، ثمّ فرَّقهما فرقتين

ص: 13


1- الزخرف/ 87. وقد مر هذا الحديث بنفس هذا السند وباختلاف طفيف في بعض ألفاظه في باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية في المجلد الأول، وكان رقمه هناك (2) وعلقنا عليه فراجع.
2- أي رتبة وشرفاً وفضلاً مع أنك آخرهم زماناً. وقد مر هذا الحديث بنفس هذا السند. والألفاظ في مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من المجلد الأوّل وكان رقمه (6)وعلقنا عليه هناك فلا نعيد فراجع.
3- النزّق : الطيش والخفة عند الغضب.
4- السمت الهيئة وقيل : هي هيئة أهل الصلاح ولذلك فرّق الإمام بين حسن الظاهر وبين حسن العمل وصدق الاعتقاد، فإن السمت هو سلامة القصد والدين، وحسن العمل وفق ما تقتضيه أوامر اللّه ونواهيه، والاستواء على طريق الحق وصراط اللّه.
5- الفتح / 29.
6- أي في المذهب والمعتقد.

فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقاً بإذني، فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ يسعى (1)، وقال لأهل الشمال : كونوا خلقاً بإذني، فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ، يدرج، ثمّ رفع لهم ناراً فقال : أدخلوها بإذني، فكان أوّل من دخلها محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمّ اتبعه أولو العزم من الرّسل وأوصياؤهم وأتباعهم، ثمّ قال لأصحاب الشمال : ادخلوها بإذني، فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا؟ فَعَصَوا، فقال لأصحاب اليمين أخرجوا بإذني من النار، لم تكلّم النّار منهم كلما (2)، ولم تؤثر فيهم أثراً، فلما رآهم أصحاب الشمال، قالوا : ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقِلْنا (3) ومُرْنا بالدخول، قال : قد أقلتُكُم فادخلوها، فلما دنوا وأصابهم الوهج (4) رجعوا فقالوا: يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا، فأمرهم بالدخول ثلاثاً، كلّ ذلك يعصون ويرجعون، وأمر أولئك ثلاثاً، كلّ ذلك يطيعون ويخرجون، فقال لهم : كونوا طيناً بإذني فخلق منه ادم، قال : فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء، ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء، وما رأيت من نَزَق أصحابك وخُلُقِهِم فمما أصابهم من لطخ أصحاب الشمال، وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين (5).

3 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن إسماعيل، عن سعدان بن مسلم، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سئل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بأي شيء سبقت ولد آدم؟ قال: «إنّي أوَّل من أقرَّ بربّي، إِنَّ اللّه أخذ ميثاق النبيّين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، فكنتُ أوَّل مَن أجاب».

باب كيف أجابوا وهم ذر

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه (6)، يعني في الميثاق.

ص: 14


1- وإطلاق السعي هنا والدرج فيما سيأتي (أي في أصحاب الشمال) إما لمحض التفنن في العبارة، أو المراد بالسعي سرعة السير، وبالدرج المشي الضعيف.... فيكون إشارة إلى مسارعة الأولين إلى الخيرات وبطؤ الآخرين عنها مرآة المجلسي 34/7.
2- الكلم: الجرح.
3- أي من عصياننا لأمرك الأول.
4- أي وهج النار، وهو اتقادها وحرّ لهيبها.
5- أي عند خلط الطينتين ثمّ فلقهما فلقتين.
6- أي أجابوه به وهو عائد (ما) الموصولة المحذوف والمعنى أنّه سبحانه وجعل في كلّ ذرة العقل وآلة السمع وآلة النطق مرآة المجلسي 36/7 - 37.

باب فِطرة الخَلْق على التوحيد

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاس عَلَيْهَا) (1) ؟ قال : التوحيد.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاس عَلَيْهَا) ما تلك الفطرة؟ قال : هي الإسلام، فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: (ألستُ بربكم) (2) وفيه المؤمن والكافر.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّده، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاس عَلَيْهَا) قال : فطرهم جميعاً على التوحيد.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : حنفاء اللّه غير مشركين به (3)؟ قال : الحنيفية من الفطرة الّتي فطر اللّه النّاس عليها، لا تبديل لخلق اللّه، قال : فطرهم على المعرفة به، قال زرارة وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى - الآية) (4)؟ قال : أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذَّر فعرفهم وأراهم نفسه (5)، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه. وقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنَّ اللّه عزّ وجلّ خالقه»، كذلك قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (6).

ص: 15


1- الروم / 30، والفطرة الخلقة، وخلقهم سبحانه عليها إيجاد الاستعداد عندهم للإذعان للحق بعد تعقله وفهمه.
2- الأعراف/ 172.
3- الحجّ / 31 وحنفاء اللّه : أي مائلين عن كلّ دين وعقيدة غير الإسلام فاستقيموا عليه.
4- الأعراف/ 172.
5- أي بعقولهم وبصائرهم لا بأبصارهم الحسية.
6- الزخرف/ 87. وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كلّ مولود يولد على الفطرة : قيل : معناه الفطرة الإسلامية والدين الحق، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه، أي ينقلانه إلى دينهما. وهذا التفسير مشكل إن حمل اللفظ على حقيقته فقط، لأنه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهودوهم وينصروهم واللازم منتف بل الوجه حمله على الحقيقة والمجاز معاً، أما حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ...... وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجوه الكفر من الأولاد مرآة المجلسي 56/7.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ابن أبي جميلة، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاس عَلَيْهَا) قال : فطرهم على التوحيد

باب كَوْن المؤمن في صُلْبِ الكافر

1 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ ابن ميسرة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك، فلا يصيبه من الشر شيء، حتّى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشر شيء، حتّى تضعَهُ، فإذا وَضَعَتْهُ لم يصبه من الشر شيء، حتّى يجري عليه القلم. (1)

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إني قد أشفَقْتُ (2) من دعوة أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) على يقطين وما ولد، فقال : يا أبا الحسن ليس حيث تذهب، إنما المؤمن في صلب الكافر (4) بمنزلة الحصاة في اللبنة يجيء المطر فيغسل اللبنة ولا يضر الحصاة شيئاً (5).

باب إذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يخلق المؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن إبراهيم بن مسلم الحلواني (6)، عن أبي إسماعيل الصيقل الرّازي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن في الجنّة لشجرة تسمّى المُزْن (7)، فإذا أراد اللّه أن يخلق مؤمناً أقطر منها قطرة، فلا تصيب بقلة ولا ثمرة أكل

ص: 16


1- أي قلم التكليف. وإنما لم يصبه وهو في رحمها شيء من الرجس والشرك لأن اللّه سبحانه يحفظها من أن تصيبها آفة واللّه خير حافظا وهو أرحم الراحمين الفيض في الوافي ج 18/3.
2- أي خفتُ.
3- يظهر من هذا أن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان قد دعا على يقطين وولده ولعنهم لأنهم كانوا من المشايعين لبني العباس، ولذا كان عليّ بن يقطين خائفاً من أن يلحقه ضرر بسبب تلك الدعوة.
4- أي أن المؤمن يكون في صلب الكافر فيحفظه اللّه من رجسه وشركه وما يلحق اللّه به من ضرر.
5- في بعض النيخ شيء وهو الأصح، والمقصود بالشيء : الضرر والشر.
6- نسبة إلى حلوان قرية في عراق العرب. وهنالك بلد بمصر يسمى بنفس الاسم.
7- المُزن : السحاب. وقال الفيض (رضیَ اللّهُ عنهُ) ج 17/3 «وهو أيضاً يعم سحاب الرحمة والجود والكرم وسحاب ماء المطر والخصب والديم، وكما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة وسحاباً انفصلت عنه في عالم الملك كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت والجبروت وكما أن البقلة والثمرة تتربيان بصورهما الملكية كذلك تتربيان بصورهما الملكوتية والجبروتية المخلوقتين من ذكر اللّه تعالى اللتين من شجر المزن الجناني وكما أنهما تتربيان بها عند الأكل كذلك تتربيان بها بعد الأكل... الخ.

منها مؤمن أو كافر إلّا أخرج اللّه عزّ وجلّ من صلبه مؤمناً.

باب في أن الصبغة هي الإسلام

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً).(1) قال : الإسلام، وقال في قوله عزّ وجلّ : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (2)؟ قال: هي الإيمان باللّه وحده لا شريك له.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد اللّه بن فرقد عن حمران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) قال : الصبغة هي الإسلام.

3 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن غير واحد، عن أبان، عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) قال : الصبغة هي الإسلام. وقال في قوله عزّ وجلّ: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) قال : هي الإيمان.

باب في أن السَّكِينَةَ هي الإيمان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ :(أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ

ص: 17


1- البقرة/ 138. و (صبغة اللّه) منصوب على المصدرية من قوله تعالى في الآية الّتي قبلها (آمنا باللّه) فيكون مفعولاً مطلقاً من غير لفظ فعله وقيل : على البدلية من قوله تعالى فيما قبلها (ملة إبراهيم)، وقيل منصوب على التحضيض أي اتبعوا صبغة اللّه أو الزموها وهكذا.
2- البقرة/ 256.

الْمُؤْمِنِينَ) (1) قال : هو الإيمان. قال : وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (2) قال : هو الإيمان.

2 - عنه، عن أحمد عن صفوان عن أبان عن فضيل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) (3) هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع؟ قال : لا.

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : السكينة الإيمان.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، وهشام بن سالم وغيرهما، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) قال : هو الإيمان.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس، عن جميل قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله عزّ وجلّ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ). قال : هو الإيمان. قال : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) قال : هو الإيمان وعن قوله: ﴿وألزمهم كلمة التقوى) (4) ؟ قال : هو الإيمان.

باب الإخلاص

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن مسكان، عن

ص: 18


1- الفتح / 4. والآية في المصحف (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) الآية والظاهر أن المراد بالسكينة الثبات وطمأنينة النفس وشدة اليقين بحيث لا يتزلزل عند الفتن وعروض الشبهات... ولذا قال : (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ). مرآة المجلسي 71/7.
2- المجادلة / 22، وقال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مجمع البيان المجلد الخامس / 255 عند قوله : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) : «أي قواهم بنور الإيمان ويدل عليه قوله : كذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا الآية عن الزجاج. وقيل: وقواهم بنور الحجج والبراهين حتّى اهتدوا للحق وعملوا به وقيل : قواهم بالقرآن الّذي هو حياة القلوب من الجهل عن الربيع. وقيل : أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم».
3- المجادلة / 22. وقال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مجمع البيان المجلد الخامس / 255 : (كتب في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب. وقيل : كتب في قلوبهم علامة الإيمان ومعنى ذلك أنّها سمة وعلامة لمن شاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون... الخ).
4- الفتح / 26 وكلمة التقوى لدى المفسرين هي كلمة التوحيد إذ يتقى بها من عذاب اللّه وما فسرها (عَلَيهِ السَّلَامُ) به أظهر، إذ يجمع العقايد الإيمانية واجتماعها يُتقى من عذاب اللّه لا بكلمة التوحيد فقط، وفسرت في كثير في الروايات بالولاية لأنها مستلزم لساير العقايد مرآة المجلسي 74/7.

أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (حنيفاً مسلماً) (1) قال : خالصاً مخلصاً ليس فيه شيء من عبادة الأوثان.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه رفعه إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «يا أيّها النّاس إنّما هو اللّه والشيطان والحقُ والباطل، والهدى والضلالة، والرشد والغيُّ، والعاجلة والآجلة، والعاقبة والحسنات والسيئات، فما كان من حسنات فلله وما كان من سيئات فللشيطان لعنه اللّه» (2).

3 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنَّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يقول : طوبى (3) لمن أخلص للّه العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه (4)، ولم ينس ذكر اللّه بما تسمع أذناه(5)، ولم يحزن صدره بما أعطِي غيرُه.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (6) قال : ليس يعني أكثر عملاً ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية اللّه والنية الصادقة والحسنة (7). ثمّ قال : الإبقاء على العمل حتّى يخلص أشدُّ من العمل ؛ والعمل الخالص : الّذي لا تريد أن يحمدك عليه أحدٌ إلّا اللّه عزّ وجلّ، والنيَّة أفضل من العمل، ألا وإنَّ النية هي العمل، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (8) يعني علی نيته.

5 - وبهذا الإسناد قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (9)

ص: 19


1- آل عمران/ 67.
2- والغرض أن الحق والهدى والرشد ورعاية الآجلة والحسنات منسوب إلى اللّه، وأضدادها منسوبة إلى الشيطان، فما كان خالصاً اللّه فهو من الحسنات، وما كان للشيطان فيه مدخل فهو من السيئات مرآة المجلسي 75/7.
3- أي شجرة طوبى في الجنّة، أو مطلق الخير.
4- أي من الدنيا وبهارجها وحطامها.
5- من اللغو واللّهو والباطل وسائرها ما حُرَم سماعه.
6- المُلْك / 2 ويبلوكم : يختبركم ويمتحنكم.
7- صفة ثانية للنية. وفي بعض النسخ (والخشية) وبناء على تكرارها يكون المراد بالأولى الخوف من اللّه، وبالثانية خوف العبد من عدم قبول عمله.
8- الإسراء / 84.
9- الشعراء/ 89.

قال : القلب السليم الّذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه، قال : وكل قلب فيه شرك (1) أو شك (2) فهو ساقط، وإنما أرادوا (3) الزهد في الدُّنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.

6 - بهذا الإسناد عن سفيان بن عيينة عن السندي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما أخلص العبد الإيمان باللّه عزّ وجلّ أربعين يوماً - أو قال (4) : ما أجمل عبد ذكر اللّه عزّ وجلّ أربعين يوماً - إلّا زهده اللّه عزّ وجلّ في الدُّنيا وبصره داءها ودواءها فأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه، ثمّ تلا : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) (5) فلا ترى صاحب بدعة إلّا ذليلاً ومفترياً (6) على اللّه عزّ وجلّ وعلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلى أهل بيته صلوات اللّه عليهم إلّا ذليلاً.

باب الشرائع

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر؛ وعدَّةً من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي عن محمّد بن مروان جميعاً، عن أبان بن عثمان، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه تبارك وتعالى أعطى محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التوحيد والإخلاص وخلع الأنداد(7) والفطرة الحنيفية السمحة ولا رهبانية ولا سياحة (8)، أحلَّ فيها الطيبات وحرَّم فيها الخبائث

ص: 20


1- سواء كان شركاً جلياً ظاهراً أو خفياً باطناً.
2- الشك ما يقابل اليقين فهو هنا أعم من الشك المصطلح وهو تساوي طرفي الاحتمال.
3- أي الأنبياء والأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- الترديد من الراوي.
5- الأعراف/ 152.
6- معطوف على (فلا تَرى). ولعل الوجه في إيراد الآية للاستشهاد بها هو أن من اتخذ العجل من بني إسرائيل لم يخلصوا العبادة اللّه أربعين يوماً بل نكثوا إيمانهم وكفروا بعبادتهم العجل قبل أن يرجع موسى من ميقات ربه الّذي كان أربعين يوماً ولذلك توعدهم اللّه بهذا الوعيد في الدنيا والآخرة، ولعل هذا هو وجه الشبه بينهم وبين صدر الحديث واللّه العالم.
7- جمع بد: وهو المثل والنظير الّذي يناوي، نظيره وينازعه ويخالفه.
8- الرهبانية من الرهبة وهي الخوف، وكان بعض النصارى يعتزل الدنيا وأهلها بل يعذب نفسه وجسده بمختلف أنواع العذاب والألم حتّى أن بعضهم كان يخصي نفسه ليسحق شهوته وقد حرّم الإسلام هذا النوع من السلوك وجعله بدعة ما أنزل اللّه بها من سلطان. وأما السياحة فهي الابتعاد عن المدن والحواضر وسكن البوادي والقفار والجبال والأودية، ولا سياحة في الإسلام.

ووضع عنهم إصرهم (1) والأغلال الّتي كانت عليهم، ثمّ افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل اللّه. وزاده الوضوء، وفضله (2) بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل، وأحلَّ له المغنم والفيء، ونصره بالرعب، وجعل له الأرض مسجداً وطهوراً وأرسله كافّة إلى الأبيض والأسود والجن والإنس، وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم، ثمّ كلّف ما لم يكلّف أحد من الأنبياء وأنْزِلَ عليه سيفٌ من السماء(3)، في غير غمد وقيل له : (قاتل في سبيل اللّه لا تُكَلَّفُ إلّا نفسك) (4).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة ابن مهران قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول اللّه عزّ وجلّ : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (5) فقال : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، قلت: كيف صاروا أولي العزم؟ قال : لأن نوحاً بعث بكتاب وشريعة، وكلّ من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتّى جاء إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالصحف وبعريمةٍ ترك كتاب نوح لا كفراً به، فكل نبي جاء بعد إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف، حتّى جاء موسى بالتوراة وشريعته ومنهاجه، وبعزيمة ترك الصحف (6)، وكل نبي جاء بعد موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتّى جاء المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالإنجيل ؛ وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه، فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه، حتّى جاء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولو العزم من الرُّسل (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 21


1- الإصر : هو - كما في الزجاج - ما عقدته من عقد ثقيل، مع اللّه أو مع النّاس، والمقصود به هنا وفي سورة الأعراف، هو ما كان أخذه اللّه على بني إسرائيل من عهد بأن يعملوا بكل ما أنزله عليهم في التوراة.
2- روي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قوله : «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، ومكان الإنجيل المثاني ومكان الزبور المئين وفضلت بالمفصل». والسبع الطوال : البقرة آل عمران، النساء المائدة الأنعام الأعراف والقرينتان الأنفال والتوبة. والمثاني هي السور الّتي تلي الطوال أولها سورة يونس وآخرها سورة النحل. وقيل غير ذلك. وأما المئون، فهي ما كان عدد آياتها مائة أو أقل من ذلك أو أكثر بقليل. وأما المفصل فقد اختلف فيه فقيل هو من سورة محمّد إلى آخر القرآن وقيل من سورة ق، وقيل هو ما بعد الحواميم إلى الآخر. وسمي بهذا الاسم لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة. واللّه العالم.
3- لعله ذو الفقار كما ورد في بعض الأخبار.
4- النساء/ 84.
5- الأحقاف / 35.
6- أي صحف إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

باب دعائم الإسلام

1 - حدّثني الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمّد الزيادي، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال : حدَّثنا أبان بن عثمان، عن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : بني الإسلام على خمس (1) : على الصلاة والزّكاة والصوم والحج والوَلاية (2) ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عجلان أبي صالح قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوقفني على حدود الإيمان، فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، وصلوة الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت وولاية ولينا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصادقين (3).

3 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبّاس بن عامر، عن أبان بن عثمان، عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بني الإسلام على خمس على الصّلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ النّاس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية (4) -.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن العرزميّ، عن أبيه عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : أثافي الإسلام (5) ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية، لا تصحُّ واحدة منهنَّ إلّا بصاحبتيها.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعبد اللّه بن الصلت جميعاً، عن حماد بن عيسى، عن حریز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة : فقلت : وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال :

ص: 22


1- يفهم من هذا أن هذه الخمس هي أركان الإسلام وعمده الّتي لا يعد الإنسان مسلماً إلّا بالتوفر عليها والاعتقاد والعمل بها.
2- الولاية : هي المحبة والمودة لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) اللذان يتفرع عنهما الدخول معهم والسير على سنتهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، كما سوف يصرح به الحديث التالي. والدخول معهم هو الكون معهم في الاعتقاد والعمل مع معاداة أعدائهم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- أي الأئمّة المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- الولاية هنا بالكسر بمعنى الإمرة في الدين والدنيا لأئمّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقوله : يعني من كلام الراوي.
5- «الأثافي : جمع الأنفية، وهي الأحجار الّتي يوضع عليها القدر وأقلها ثلاثة، وإنما اقتصر في هذا الحديث على هذه الثلاث لأنها أهمهن» مرآة المجلسي 102/7.

الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهنَّ (1) والوالي هو الدليل عليهنَّ، قلت: ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال : الصلاة إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «الصلاة عمود دينكم»، قال: قلت: ثمّ الّذي يليها في الفضل ؟ قال : «الزكاة لأنّه قرنها بها (2) وبدأ بالصلاة قبلها»، وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الزكاة تُذهب الذنوب (3). قلت: والّذي يليها في الفضل؟ قال: الحجّ قال اللّه عزّ وجلّ: (وللّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(4). وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لحَجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه (5)، وأحسن ركعتيه (6) غفر اللّه وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال (7) : قلت : فماذا يتبعه ؟ قال : الصوم.

قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع ؟ قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الصوم جُنّة (8) من النّار، قال : ثمّ قال: إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه، إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شيء مكانها دون أدائها، وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك، وليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره، قال : ثمّ قال ذُروة (9) الأمر وسَنامه (10) ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرَّحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (11). أما لو أنّ رجلاً قام ليله (12)، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه جل وعزَّ حقٌّ في ثوابه، ولا كان من أهل

ص: 23


1- أي أن الإمام الوالي هو الّذي يفتح للناس أبواب معرفة هذه الأمور المذكورة ويعلمهم أحكامها وشرائطها وأجزائها وكل ماله دخل في صحتها وإجزائها.
2- أي ذكرها بعدها بلا فصل فدل على أنّها تليها في الفضل.
3- لا ريب في أن كلّ عبادة من العبادات إذا أتى بها الإنسان تامة الأجزاء والشرائط فإنها تُذهب الذنوب أيضاً فيحمل هذا على أن الزكاة هي أكثر من بقية العبادات مذهبة للذنوب.
4- آل عمران/ 97.
5- أي سبعة أشواط طوافه.
6- أي ركعتي الطواف بعده.
7- فيه إشارة إلى ما ورد من الأحاديث في فضيلة هذين اليومين وكثرة ثواب تمضيتهما في العبادة والدعاء والابتهال.
8- أي وقاء.
9- أي أعلاه.
10- سنام البعير أعلا عضو فيه، وهنا مستعمل بنحو الاستعارة للارتفاع والسمو والعلو أيضاً.
11- النساء/ 80.
12- أي أحياه بالصلاة والتهجد.

الإيمان، ثمّ قال : أولئك (1) المحسن منهم يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن السري أبي البسع قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها، الّذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد دينه، ولم يقبل [اللّه] منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق به ممّا هو فيه (2) لجهل شيء من الأمور جهله؟ فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه والإيمان بأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، وحقٌّ في الأموال الزكاة ؛ والوِلاية الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ بها : ولاية آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، قال : فقلت له هل في الوِلاية شيء دون شيء فضل (3) يعرف لمن أخذ به؟ قال : نعم قال اللّه عزّ وجلّ: (ي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (4). وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية». وكان رسول اللّه (5). (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وكان عليا (6) (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال الآخرون : كان معاوية، ثمّ كان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ كان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال الآخرون : يزيد بن معاوية وحسين بن عليّ ولا سواء ولا سواء (7). قال : ثمّ سكت ثمّ قال : أزيدك ؟ فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك قال : ثمّ كان عليّ بن الحسين ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتّى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتّى صار النّاس يحتاجون إليهم من بعد ما كان يحتاجون إلى النّاس (8)، وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلّا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذ بلغت نفسك هذه - وأهوى بيده إلى حلقه (9) - وانقطعت عنك الدُّنيا

ص: 24


1- «الظاهر أنّه إشارة إلى المخالفين، والمراد بهم المستضعفون فإنهم مُرجَون لأمر اللّه، ولذا قال : بفضل رحمته، في مقابلة قوله : ما كان له على اللّه حق» مرآة المجلسي 108/7.
2- «ولم يضق به، الباء للتعدية، ومن في قوله : ممّا هو فيه للتبعيض، وهو مع مدخوله فاعل لم يضق أي : لم يضق عليه بشيء ممّا هو فيه» مرآة المجلسي 109/7. وفي بعض النسخ: (لم يُضَر).
3- «لعل مراد السائل بقوله (هذا) أنّه هل يوجد فضل في رجل خاص من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعينه يقتضي أن يكون هو ولي الأمر دون غيره يعرفه من أخذ به» الفيض في الوافي ج 21/3.
4- النساء / 59.
5- أي ولي اللّه في حياته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
6- أي بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولياً للأمر.
7- أي لا يستوي على ومعاوية ولا الحسين ويزيد.
8- أي فقهاء المخالفين لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
9- هذا من كلام الراوي.

تقول : لقد كنتُ على أمر حسن(1).

أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عيسى بن السريّ أبي اليسع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن مثنى الحناط، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بني الإسلام على خمس : الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحجّ.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن أبان عن فضيل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بني الإسلام على خمس : الصّلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حماد بن عثمان، عن عيسى بن السري قال : لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى (2) عملي ولم يضرني جهل ما جهلت بعده فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، وحق في الأموال من الزكاة؛ والوِلاية الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ بها ولاية آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية»، قال اللّه عزّ وجلّ : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (3). فكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ صار من بعده حسن. ثمّ من بعده حسين، ثمّ من بعده عليّ بن الحسين، ثمّ من بعده محمّد بن عليّ، ثمّ هكذا يكون الأمر، إن الأرض لا تصلح إلّا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه (4) مات ميتة جاهلية وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه ههنا - قال : وأهوى بيده إلى صدره - يقول حينئذ : لقد كنتُ على أمر حسن.

10 - عنه (5)، عن عن أبي الجارود (6) قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن رسول اللّه : هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاني إياكم؟ قال: فقال: نعم، قال: فقلت: فإني

ص: 25


1- هو ولاية أئمّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
2- أي زاد ونما. وهذا الحديث صورة مختصرة من الحديث السادس المتقدم والراوي واحد عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن السري.
3- النساء/ 59.
4- أي المعصوم من أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) والّذي هو حجة اللّه عليه في زمانه.
5- ضمير عنه، كأنه راجع إلى عيسى بن السري مرآة المجلسي 114/7.
6- واسمه زياد بن المنذر.

أسألك مسألة تجيبني فيها فإنّي مكفوف البصر قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين. قال : هات حاجتك، قلت: أخبرني بدينك الّذي تدين اللّه عزّ وجلّ به أنت وأهل بيتك لادين اللّه عزّ وجلّ به. قال : إن كنت أقصرت الخطبة (1) فقد أعظمت المسألة، واللّه لأعطينك ديني ودين آبائي الّذي ندين اللّه عزّ وجلّ به شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، والوِلاية لولينا والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد (2)، والورع (3).

11 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : سمعته يسأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : جعلت فداك : أخبرني عن الدين الّذي افترض اللّه عزّ وجلّ على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال : أعد عَلَيَّ (4)، فأعاد عليه، فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان، ثمّ سكت قليلاً، ثمّ قال : والوِلاية - مرتين، ثمّ قال : هذا الّذي فرض اللّه على العباد ولا يسأل الربُّ العباد يوم القيامة فيقول ألا زدتني على ما افترضتُ عليك (5)؟ ولكن من زاد زاده اللّه، إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سن سنناً حسنة جميلة ينبغي للنّاس الأخذُ بها.

12 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي زيد الحلال، عن عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه عزّ وجلّ فرض على خلقه خمساً (6) فرخص في أربع (7) ولم يرخص في واحدة.

ص: 26


1- يقصد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالخطبة المقدمة الّتي استهل بها أبو الجارود كلامه توطئة لمسألته. وكأنها لقضرها لا تتناسب مع عظمة المسألة الّتي سأل عنها.
2- أي في طاعة اللّه والانقياد لنا.
3- أي عن محارم اللّه.
4- «كأنّ الأمر بالإعادة لسماع الحاضرين وإقبالهم إليه، أو لإظهار حسن الكلام والتلذذ بسماعه» مرآة المجلسي 7 / 115.
5- أي يقول اللّه سبحانه للعبد الّذي اقتصر من طاعة اللّه على الفرائض : هلا زدتني من النوافل لكل فرض أوجبته عليك كصلاة النافلة بالنسبة للصلاة، وصوم بعض الأيّام المستحبة غير شهر رمضان بالنسبة للصوم وهكذا.
6- الخمس، هي شهادة التوحيد والصلاة والزكاة والحج وصوم شهر رمضان، والولاية وهذه الّتي لم يرخص بها على ضوء ما تقدم.
7- كالتقصير في الصلاة في السفر وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر وترك كثير من واجباتها في بعض الأحيان أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء وعن فاقد الطهورين إن قلنا به والزكاة عمّن لم يبلغ النصاب أو لم يحل عليه الحول أو لم يتمكن من التصرف فيه أو فقد ساير الشرايط والحج عمّن لم يستطع أو لم يخل سربه وأشباه ذلك والصوم عن المسافر أو الشيخ الكبير الخ بخلاف الولاية فإنها مع بقاء التكليف لا يسقط وجوبها في حال من الأحوال مرآة المجلسي 116/7 - 117.

13 - عنه، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء عن أبان عن إسماعيل الجعفي قال : دخل رجلٌ على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعه صحيفة، فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذه صحيفة مخاصم يسأل(1) عن الدين الّذي يقبل فيه العمل. فقال : رحمك اللّه هذا الّذي أريد، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : : شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عبده ورسوله، وتقرُّ بما جاء من عند اللّه، والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا، والورع والتواضع وانتظار قائمنا فإنَّ لنا دولة إذا شاء اللّه جاء بها.

14 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار جميعاً عن صفوان عن عمرو بن حريث قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في منزل أخيه عبد اللّه بن محمّد فقلت له : جعلت فداك ما حَوَّلك إلى هذا المنزل؟ قال : طلب النزهة (2) فقلت : جعلت فداك ألا أقص عليك ديني ؟ فقال : بلى، قلت : أدين اللّه بشهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأن محمّداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، والولاية للحسن والحسين والولاية لعليّ بن الحسين والولاية لمحمّد بن عليّ ولك من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين، وأنّكم أئمتي عليه أحيا وعليه أموت وأدين اللّه به، فقال: يا عمر و هذا واللّه دين اللّه ودين آبائي الّذي أدين اللّه به في السر والعلانية، فاتق اللّه، وكفَّ لسانك ألا من خير، ولا تقل إنّي هديت نفسي (3) بل اللّه هداك، فأدَّ شكر ما أنعم اللّه عزّ وجلّ به عليك، ولا تكن ممّن إذا أقبل طُعِنَ في عينه وإذا أدبر طعن في قفاه(4)، ولا تحمل النّاس على كاهلك (5)، فإنّك أوشك إن حملت النّاس على كاهلك أن يصدعوا شُعَبَ كاهلك (6).

ص: 27


1- أي صحيفة مناظر سأل فيها، يعني جئني لتناظرني في الدين الّذي يقبل فيه العمل. وفي بعض النسخ : سل، فعل أمر، يعني : لا تناظرني بل سل من غير تعنت وهو أوضح الوافي ج 22/3.
2- أي العزلة.
3- كناية عن نهيه عن أن يأخذه العُجب والغرور الموجبان لحبط العمل وسَلْب التوفيق
4- «نهاه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن التظاهر بدينه بحيث يطعنه المخالفون في حضوره وغيبته ويؤذونه بما يثقل عليه ولا يطيق حمله» الوافي ج 22/3.
5- أي لا تسلّط النّاس على نفسك بترك التقية أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة والمداراة بحيث تتضرر بذلك مرآة المجلسي 119/7.
6- الشعب بعد ما بين المنكبين كما ذكره الفيروزآبادي. كناية عن إرهاقه بمطالبهم وعدم قدرته لتحملها.

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ألا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه وذروة سنامه :قلت بلی جعلت فداك قال أما أصله فالصلاة (1)، وفرعه الزكاة (2) وذروة سنامه الجهاد (3)، ثمّ قال : إن شئتَ أخبرتك بأبواب الخير؟ قلت : نعم جعلت فداك قال : الصوم جنة من النار، والصدقة تذهب بالخطيئة، وقيام الرّجل في جوف الليل بذكر اللّه (4)، ثمّ قرأ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ).

باب أن الإسلام يُحْفَنُ به الدم [ وتُؤَدّى به الأمانة] وأن الثواب على الإيمان

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن أيمن عن القاسم الصيرفي شربك المفضّل قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الإسلام يُحقن (5) به الدّم، وتؤدى به الأمانة وتستحل به الفروج ؛ والثواب على الإيمان (6).

2 - عليّ عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن العلاء عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل (7).

ص: 28


1- لأنها عمود الدين والفسطاط لا قيامة له بدون العمود.
2- قيل : لأنها بدونه لا تقبل بل لا تصح.
3- لأن الجهاد طريق علو الإسلام وعزته وانتشاره. وقد ورد في الخبر أن الجهاد فوق كلّ برّ.
4- والمقصود بذكر اللّه هنا صلاة الليل أو قيامه بالتهجد والعبادة مطلقا. واستشهاده (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) السجدة / 16 يومىء إلى أنّها واردة في فضلها ومدح الفاعلين لها.
5- أي يحبس ويمنع كناية عن حرمة إهراقه وهذه إحدى الثمرات الثلاث المترتبة في الحديث على الإسلام الظاهري وهو النطق بالشهادتين وعدم إظهار ما يتنافى مع التوحيد الكامل وعدم إنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة والثمرتان الأخريان وجوب رد الأمانة حتّى ولو كان المؤتمن كافراً على المشهور، وصحة التناكح وما يترتب عليه من ثبوت الأنساب والمواريث.
6- يفهم منه أن الإيمان غير الإسلام، إذ لا يكفي فيه ما ذكر فيه بل لا بد من ضم الاعتقاد بولاية أهل البيت وإمامة الأئمّة الاثني عشر من ذرية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من أولهم إلى آخرهم والبراءة من أعدائهم إضافة إلى الاعتقاد الباطني بما أقر به ظاهراً. ويفهم منه أن أعمال الإنسان لا تقبل ولا يترتب عليها الثواب إلّا بالولاية، وإن الحكم بإسلام شخص في الظاهر بناءً على ما تقدم إنما هو في عصر عدم انبساط يد المعصوم أو غيبته، وإما عند ظهور القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) فإنه يقتل فيما لو أصر على إنكار الحق مع قيام الحجة لأنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحكم - كما تقدم - بعلمه بالواقع لا بالظاهر، ولا بالبينات والايمان.
7- هذه تفرقة أخرى بين الإيمان والإسلام، فالإسلام إقرار بالشهادتين وبما هو من ضرورات الدين وإن لم يعمل وفق إقراره بشرط ألا يظهر خلافه، وأما الإيمان فهو انضمام العمل بما أقر به إلى الإقرار.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُل الإيمان في قلوبكم) (1) فقال لي : ألا ترى أن الإيمان غير الإسلام.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سفيان بن السمط قال: سأل رجلٌ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإسلام والإيمان، ما الفرق بينهما، فلم يجبه، ثمّ سأله فلم يجبه. ثمّ التقيا في الطريق وقد أزف (2) من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كأنه قد أزف منك رحيل ؟ فقال : نعم فقال : فالقني في البيت فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما، فقال : الإسلام هو الظاهر الّذي عليه النّاس : شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال : الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقرَّ بها ولم يعرف هذا الأمر (3) كان، مسلماً وكان ضالاً (4).

5 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، وعدَّةً من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد جميعاً عن الوشّاء عن أبان عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا). فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب، ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب (5).

6 - أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن حكم بن أيمن عن قاسم شريك المفضّل قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الإسلام يحقن به الدم وتؤدّى به الأمانة وتستحلُّ به الفروج والثواب على الإيمان (6).

باب إن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن

ص: 29


1- الحجرات / 14.
2- أي قَرُبَ وحلّ.
3- أي أمر الإمامة والولاية.
4- أي كان مسلماً ظاهراً كافراً واقعاً، وإنما لم يقل كافراً إما تقية، أو لئلا يتوهم السائل جريان أحكام الكافر على من لم يؤمن بالولاية. اللّهمّ ألا أن يراد بالضلال الضياع عن الحق وهو الولاية.
5- هذا واضح في أن الإسلام هو الظاهر والإيمان أخص منه.
6- مرّ هذا الحديث بعينه قبل قليل بنفس الألفاظ ونفس الراوي ورقمه (1).

صالح، عن سماعة قال : قلت لأبي عبد اللّه : أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان (1)؟ فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت: فصفهما (2) لي، فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه والتصديق برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة النّاس، والإيمان الهدى(3) وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة، إنَّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن(4)، وإن اجتمعا في القول والصفة.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن موسى بن بكر، عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان.

3 - علي، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام، إن الإيمان ما وقر في القلوب (5)، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء؛ والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الصباح الكناني قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيهما أفضل : الإيمان أو الإسلام؟ فإن من قِبَلَنا يقولون : إنّ الإسلام أفضل من الإيمان فقال : الإيمان أرفع من الإسلام. قلت : فأوجدني ذلك (6)، فال : ما تقول فيمن أحدث (7) في المسجد الحرام متعمداً؟ قال : قلت: يضرب ضرباً شديداً. قال: أصبت قال فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمداً؟ قلت : يُقتل، قال: أصبت. ألا ترى أنَّ الكعبة أفضل من المسجد وأنَّ الكعبة تشرك المسجد (8) والمسجد لا يشرك الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان.

ص: 30


1- أي من حيث الحقيقة ومن حيث المفهوم.
2- أي بين حقيقة كلّ منهما.
3- أي الاهتداء إلى ولاية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) والاعتقاد بإمامتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ).
4- وذلك واضح، لأن المعتبر في الإسلام الظاهر فقط بين المعتبر في الإيمان ضم التصديق الباطني إلى الإقرار الظاهري.
5- أي ثبت وسكن فيها، وهو يشير إلى ما مر من اعتبار التصديق الباطني بما أقر به ظاهراً في تحقيق الإيمان.
6- أي فهمني كيف أن الإيمان أرفع من الإسلام، أو وضح لي ذلك.
7- أي بال أو تغوط من دون اضطرار أو غفلة عالما بحرمة المسجد الحرام.
8- أي في حكم التعظيم في الجملة. أو في أنّها يصدق عليها أنّها مسجد وكعبة أو في أن من دخل الكعبة يحكم بدخوله في المسجد بخلاف العكس مرآة المجلسي 154/7.

5 - عدَّةٌ من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به (1) إلى اللّه عزّ وجلّ، وصدقه العمل بالطاعة للّه والتسليم لأمره والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الّذي عليه جماعة النّاس من الفِرق كلّها وبه حُقنت الدّماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان ؛ والإسلام لا يشرك الإيمان والإيمان يشرك الإسلام وهما في القول والفعل يجتمعان كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة. وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ). فقول اللّه عزّ وجلّ أصدق القول. قلت : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك ؟ فقال : لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحداً ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقربان به إلى اللّه عزّ وجلّ، قلت: أليس اللّه عزّ وجلّ يقول : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (2) وزعمت أنهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن؟ قال : أليس قد قال اللّه عزّ وجلّ : (يُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (3) فالمؤمنون هم الّذين يضاعف اللّه عزّ وجلّ لهم حسناتهم لكلّ حسنة سبعون ضعفاً، فهذا فضل المؤمن ويزيده اللّه في حسناته على قدر صحة إيمانه (4) أضعافاً كثيرة ويفعل اللّه بالمؤمنين ما يشاء من الخير، قلت : أرأيت من دخل في الإسلام أليس هو داخلاً في الإيمان؟ فقال : لا ولكنه قد أضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر، وسأضرب لك مثلاً تعقل به فضل الإيمان على الإسلام، أرأيت لو بصرت رجلاً في المسجد أكنت تشهد أنك رأيته في الكعبة؟ قلت : لا يجوز لي ذلك، قال : فلو بصرت رجلاً في الكعبة أكنت شاهداً أنّه قد دخل المسجد

ص: 31


1- أي جعل وجهة القلب إلى اللّه سبحانه هذا إن أرجعنا الضمير إلى القلب، وأما إذا أرجعناه إلى صاحب القلب وأرجعنا الضمير في به إلى (ما) الموصولية فيصير المعنى : وصل بسبب ذلك الاعتقاد أو أوصل ذلك الاعتقاد إلى اللّه كناية عن علمه سبحانه بحصوله في قلبه مرآة المجلسي 155/7.
2- الظاهر أن السائل أراد أنّه إذا كانا مجتمعين في الحسنات والحسنة بالعشر، فكيف يكون له فضل عليه في الأعمال والقربات مع أن الموصول من أدوات العموم فيشمل كلّ من فعلها مرآة المجلسي 157/7، والآية هي في سورة الأنعام/ 160.
3- البقرة / 245.
4- أي أن المؤمن يزيده اللّه من فضله على الآخر بسبب صدق إيمانه وثباته وصحته ويحرم اللّه الآخر من هذه الزيادة لأنه لا يتصف إلّا بالإسلام ظاهراً.

الحرام؟ قلت نعم قال : وكيف ذلك؟ قلت : إنّه لا يصل إلى دخول الكعبة حتّى يدخل المسجد، فقال: قد أصبت وأحسنت، ثمّ قال : كذلك الإيمان والإسلام(1).

باب آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان

عليّ بن إبراهيم عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن : الإيمان ما هو؟ فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك اللّه عن الإيمان، والإيمان (2) هو الإقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان، والإيمان بعضه من بعض وهو دار، وكذلك الإسلام،دار، والكفر دار (3)، فقد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً، فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان(4)، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي، أو صغيرة من صغائر المعاصي الّتي نهى اللّه عزّ وجلّ عنها كان خارجاً من الإيمان، ساقطا عنه اسم الإيمان وثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان، ولا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال : هذا حرام، وللحرام : هذا حلال ودان بذلك (5) فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان، داخلا في الكفر، وكان بمنزلة من دخل الحرم ثمّ دخل الكعبة وأحدث (6) في الكعبة حدثاً فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضُرِبَتْ عنقه وصار إلى النار.

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الإيمان والإسلام قلت له : أفرق بين الإسلام والإيمان قال : فأضرب لك مثله ؟ قال : قلت : أورد ذلك، قال : مثل الإيمان والإسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم، قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة، ولا يكون في الكعبة حتّى يكون في الحرم، وقد يكون مسلماً ولا يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً، قال : قلت : فيخرج من الإيمان شيء؟ قال: نعم، قلت فيصيّره إلى ماذا؟ قال : إلى الإسلام أو الكفر (7). وقال : لو أن رجلاً

ص: 32


1- أي يقال للمؤمن مسلم ولا عكس لأن الإسلام أعم من الإيمان وقد تقدمت الإشارة إليه.
2- أي الإيمان الكامل.
3- «إنما شبه الإيمان والإسلام والكفر بالدار لأن كلا منهما بمنزلة حصن لصاحبه يدخل فيها ويخرج منها...» الوافي ج 19/3.
4- أي كلما ثبت الإيمان ثبت الإسلام ولا عكس.
5- أي تعبد اللّه به.
6- أي عالماً بحرمتها متعمداً هتك تلك الحرمة.
7- ما يخرجه من الإيمان إلى الإسلام هو إنكار الولاية وما يلزمها وما يخرجه منهما معاً إلى الكفر هو الارتداد أو إنكار ما يعلم أنّه من الدين ضرورة بلا شبهة.

دخل الكعبة فأفلت منه بوله أخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهر، ثمّ لم يمنع أن يدخل الكعبة، ولو أن رجلاً دخل الكعبة قبال فيها معانداً أخرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه.

باب بدون العنوان

1 - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ [1] ناساً تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك (1) أن اللّه تبارك وتعالى يقول : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) (2) الآية. فالمنسوخات من المتشابهات، والمحكمات من النّاسخات، إنّ اللّه عزّ وجلّ بعث نوحاً إلى قومه (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (3). ثمّ دعاهم إلى اللّه وحده، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثمّ بعث الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ذلك إلى أن بلغوا محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فدعاهم إلى أن يعبدوا اللّه ولا يشركوا به شيئاً وقال: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (4). فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلّا اللّه والإقرار بما جاء [به] من عند اللّه، فمن آمن مخلصاً ومات على ذلك أدخله اللّه الجنّة بذلك وذلك أنّ اللّه ليس بظلام للعبيد، وذلك أنّ اللّه لم يكن يعذب عبداً حتّى يغلظ عليه في القتل والمعاصي الّتي أوجب اللّه عليه بها النّار لمن عمل بها، فلما استجاب لكلّ نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكلّ نبي منهم شرعة ومنهاجا والشرعة والمنهاج سبيل وسنة، وقال اللّه لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (5). وأمر كلّ نبي

ص: 33


1- «تعليل لتكلّمهم فيه بغير علم، لأنهم تكلموا في متشابهه أيضاً مع أنّه لا يعلم تأويله إلّا اللّه والراسخون في العلم والمحكم في اللغة المتقن وفي العرف يطلق على ماله معنى لا يحتمل غيره، وعلى ما اتضحت دلالته، وعلى ما كان محفوظاً من النسخ والتخصيص أو منهما جميعاً... والمتشابه يقابله بكل من هذه المعاني»، مرآة المجلسي 164/7.
2- آل عمران / 7.
3- نوح/ 3.
4- الشورى / 13، والمعنى : بيّن لكم ونهج من الدين ما وصى به نوحاً وهو الّذي أوحاه اللّه إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وهو ما وصى به من سبقه من الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد نوح وقوامه التوحيد الخالص والاجتماع عليه والبراءة من الشرك الخ.
5- النساء/ 163.

بالأخذ بالسبيل والسنّة، وكان من السنة والسبيل الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ بها موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن جعل اللّه عليهم السبت (1)، وكان من أعْظَمَ السبت (2) ولم يستحلَّ أن يفعل ذلك من خشية اللّه، أدخله اللّه الجنّة، ومن استخفَّ بحقه واستحل ما حرم اللّه عليه من عمل الّذي نهاه اللّه عنه فيه، أدخله اللّه عزّ وجلّ النّار وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت (3)، غضب اللّه عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرَّحمن، ولا شكوا في شيء ممّا جاء به موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (4). ثمّ بعث اللّه عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بشهادة أن لا إله إلّا اللّه والإقرار بما جاء به من عند اللّه وجعل لهم شرعة ومنهاجاً فهُدمت (5) السبت الّذي أمروا به أن يعظموه قبل ذلك، وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة الّتي جاء بها موسى، فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله اللّه النّار وإن كان الّذي جاء به النبيون جميعاً أن لا يشركوا باللّه شيئاً، ثمّ بعث اللّه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وهو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رسول اللّه إلّا أدخله اللّه الجنّة بإقراره وهو إيمان التصديق، ولم يعذب اللّه أحداً ممّن مات وهو متبع لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على ذلك إلّا من أشرك بالرّحمن، وتصديق ذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - إلى قوله تعالى - إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (6). أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يَعِد عليه، ولم يتواعد على اجتراح شيء مما نهى عنه، وأنزل نهياً عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ

ص: 34


1- قال الراغب الأصفهاني : السبت في الأصل قطع العمل. وقيل : سمّي يوم السبت لأن اللّه تعالى ابتدأ خلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله تعالى يوم السبت فسمي بذلك، وسبت فلان صار في السبت.
2- أي فقطع العمل فيه.
3- ظرف لاحتبسوها لأن المحرم عليهم كان احتباسها في السبت لا أكلهم لها.
4- البقرة/ 65.
5- أي عطلت ونُسخت الشرعة وأبطل المنهاج الّذي كان زمن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- سورة بني إسرائيل / 23 - 30. وهي سورة الإسراء. ومعنى (وقضى) أي أمر أمراً حتماً.

السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا) (1) وأنزل في (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) (2): (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (3). فهذا مشرك. وأنزل فى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) (4) : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى) (5). فهذا مشرك. وأنزل في [سورة] تبارك: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) (6). فهؤلاء مشركون. وأنزل ما في الواقعة : (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (7) فهؤلاء مشركون. وأنزل في الحاقة: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ - إلى قوله - إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) (8). فهذا مشرك. وأنزل في طسم (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (9)، جنود إبليس ذريته من الشّياطين وقوله: ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (10)، يعني المشركين الّذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد وتصديق ذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) (11) (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ) (12) (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ) (13) ليس فيهم اليهود الّذين

ص: 35


1- سورة الإسراء / 31 - 39. ومعنى خشية إملاق أي مخافة الفاقة والفقر. (كان خطئاً كبيراً) أي ذنباً كبيراً. (إلا بالحق) دل على أن القتل بالحقّ وارد وهو يكون بأحد أسباب ثلاثة الزنا للمحصن، والارتداد، وقتل مؤمن متعمداً. و (القسطاس المستقيم) ميزان العدل الصحيح (ولا تَقْفُ) لا تتبع، و (ملوماً) أي لائماً لنفسك نادماً. و (مدحوراً) مبعداً من رحمة اللّه.
2- سورة الليل / 1.
3- الليل / 14 - 16.
4- الانشقاق / 1.
5- الانشقاق / 10 - 15.
6- الملك / 8 - 9.
7- الواقعة / 92 – 94.
8- الحاقة / 25 - 33.
9- الشعراء / 91 - 95.
10- الشعراء.99.
11- ص / 12.
12- الشعراء / 176 وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأيكة : الغيضة والشجر الملتف.
13- الشعراء / 160.

قالوا : عزير ابن اللّه ولا النصارى الّذين قالوا : «المسيح ابن اللّه، سيدخل اللّه اليهود والنصارى النّار ويدخل كلّ قوم بأعمالهم ؛ وقولهم : وما أضلنا إلّا المجرمون»، إذ دعونا إلى سبيلهم، ذلك قول اللّه عز رجل فيهم حين جمعهم إلى النّار : (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ) (1). وقوله : (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا) (2) برىء بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضاً، يريد بعضهم أن يحج بعضاً رجاء الفلج (3) فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم، وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولات حين نجاة. والآيات وأشباههنَّ ممّا نزل به بمكة ولا يدخل اللّه النّار إلّا مشركاً، فلما أذن اللّه لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الخروج من مكة إلى المدينة بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان، وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض (4)، وأخبره بالمعاصي الّتي أوجب اللّه عليها وبها النّار لمن عمل بها. وأنزل في بيان القاتل (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (5). ولا يلعن اللّه مؤمناً، قال اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (6). وكيف يكون في المشيئة وقد ألحق به - حين جزاه جهنّم - الغضب واللعنة وقد بين ذلك من الملعونون في كتابه. وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلماً : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (7). وذلك أن أكل مال اليتيم يجيىء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه، حتّى يخرج لهب النّار من فيه حتّى يعرفه كلّ أهل الجمع، أنّه أكل مال اليتيم. وأنزل في الكيل (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (8) ولم يجعل الويل لأحد حتّى يسمّيه كافراً، قال اللّه عزّ وجلّ: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (9) وأنزل في العهد : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ

ص: 36


1- الأعراف / 38 والآية في المصحف هكذا : (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ) والظاهر أنّه تصحيف من النساخ، لأن الآية الّتي بعدها مباشرة (وقالت أولاهم الأخراهم) الآية.
2- الأعراف 38 ومعنى ادراكوا اجتمعوا.
3- الفَلَح : الظفر وإثبات الحجة.
4- أي السهام المفروضة للورثة في كتاب اللّه.
5- النساء/ 93.
6- الأحزاب / 64 – 65.
7- النساء/ 10 وأكل مال اليتامى ظلماً عبارة عن الانتفاع بها لأنفسهم بغير وجه حق، وإنما ذكر الأكل لأن جل الانتفاع بالمال إنما يكون به.
8- المطففين / 1، وهي من السور المكية كما يذكر الملبرسي، إلّا بعض آيات منها نزلت في المدينة كما عن قنادة وابن عباس والمطففون : الّذين ينقصون الميزان والمكيال.
9- مريم / 37. واليوم العظيم هو يوم القيامة بأهواله.

وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (1) والخلاق: النصيب فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شيء يدخل الجنّة. وأنزل بالمدينة : (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (2). فلم يسم اللّه الزاني مؤمناً ولا الزانية مؤمنة. وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): - ليس يمتري (3) فيه أهل العلم أنّه قال : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، فإنه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص. ونزل بالمدينة : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (4). فبرأه اللّه ما كان مقيماً على الفرية من أن يسمّى بالإيمان، قال اللّه عزّ وجلّ : (َفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (5). وجعله اللّه منافقاً، قال اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (6). وجعله عزّ وجلّ من أولياء إبليس، قال : (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (7). وجعله ملعوناً فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (8). وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال اللّه عزّ وجلّ: (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (9). وسورة النور أنزلت بعد سورة النساء (10) وتصديق ذلك (11)، أنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل عليه في سورة النساء (وَاللَّاتِي

ص: 37


1- آل عمران / 77.
2- النور/ 3.
3- أي لا يشك.
4- النور/ 4 - 5.
5- السجدة / 18.
6- التوبة / 67.
7- الكهف/ 50، وفسق عن أمر ربه أي خرج عن أمر ربه وعصى فلم يسجد لآدم.
8- النور/ 23 - 24. والمحصنات العفيفات.
9- الإسراء،71 والآية في المصحف هكذا (فمن أوتي كتابه بيمينه) الآية. ولعله من تصحيف النسّاخ، والفتيل : قيل هو الخيط الّذي في شق النواة، وهو كناية عن الحقارة والقلة والخفة.
10- «كأن هذا جواب عن اعتراض مقدّر وهو أنّه لما أنزل اللّه في سورة النساء مرتين : إن اللّه لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وهي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك فيمكن كونها ناسخة للآيات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر وعدم كونهم من المؤمنين فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ)..... بأن أكثر ما أوردنا من الآيات واستدللنا بها إنما هي في سورة النور وهي نزلت بعد سورة النساء فكيف تكون آية النساء ناسخة لها...» مرآة المجلسي 204/7.
11- أي والدليل على ذلك.

يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) (1) والسبيل الّذي قال اللّه عزّ وجلّ : ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (2).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، محمّد، عن محمّد بن إسماعيل عن محمّد بن فضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قيل لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من شهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان مؤمناً ؟ قال : فأين فرائض اللّه (3)؟

قال : وسمعته يقول : كان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام. قال : وقلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ عندنا قوماً يقولون : إذا شهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فهو مؤمنٌ، قال : فلِمَ يُضربون الحدود ولِمَ تُقطَعُ أيديهم؟! وما خلق اللّه عزّ وجلّ خلقاً أكرم على اللّه عزّ وجلّ من المؤمن، لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين، وأنَّ جوار اللّه للمؤمنين، وأنَّ الجنّة للمؤمنين، وأنّ الحور العين للمؤمنين، ثمّ قال : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً (4).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن سلام الجعفي قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإيمان، فقال: الإيمان أن بطاع اللّه فلا يعصى (5).

باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها

باب في أن الإيمان مبثوث (6) لجوارح البدن كلها

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال : حدَّثنا أبو

ص: 38


1- النساء 15، والمراد بالفاحشة هنا : الزنا، وقيل السحاق.
2- النور/ 1 - 2. والسبيل كما أشار إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما هو ببيان الحكم، وقيل : بالتوبة، أو بالنكاح الصحيح المحصن لهن عن الفاحشة.
3- دل هذا على أن القيام بالفرائض يدخل في الإيمان، وإلا لو كان مجرد العقائد كاف فيه للغى تشريع الفرائض والعبادات، وهذا ما أشار إليه في الحديث التالي.
4- أي أنكر وجوبها، فإنه يحكم بكفره إجماعاً.
5- وهذا يستبطن التصديق بوجوده سبحانه ووحدانيته ورسوله وبكل ما جاء به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من أحكام، وحكم العقل بوجوب شكر المنعم وذلك بعد معرفته بالإتيان بما أمر والانزجار عما زجر عنه.
6- أي منشور.

عمر والزبيري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : أيّها العالم : أخبرني أيُّ الأعمال أفضل عند اللّه ؟ قال : ما لا يقبل اللّه شيئاً إلّا به، قلت : وما هو؟ قال: الإيمان باللّه الّذي لا إله إلّا هو، أعلى الأعمال درجةً وأشرفُها منزلةً وأسناها (1) حظاً. قال : قلت: ألا تخبرني عن الإيمان، أقولُ هو وَعَمَلٌ أم قول بلا عمل ؟ فقال : الإيمان عمل كلّه والقول بعض ذلك العمل، بفرض(2) من اللّه بين في كتابه واضح نوره (3)، ثابتة حجّته (4)، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه(5)، قال: قلت : صفه لي جعلت فداك حتّى أفهمه، قال: الإيمان (6) حالات ودرجات وطبقات ومنازل (7)، فمنه التام المنتهى تمامه، ومنه الناقص البين نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه قلت : إنَّ الإيمان ليتم وينقص ويزيد ؟ قال : نعم، قلت كيف ذلك؟ قال : لأن اللّه تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها، وفرّقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها قلبه الّذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الّذي لا تَرِدُ الجوارح ولا تَصْدر إلّا عن رأيه وأمره. ومنها عيناه اللتان يبصر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الّذي الباه(8) من قبله ولسانه الّذي ينطق به، ورأسه الّذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلّا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من اللّه تبارك اسمه ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها.

ففرض على القلب غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان، وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين، وفرض على الرّجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأما ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والعَقْدُ والرّضا والتسليم بأن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له إلها واحداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمّداً عبده ورسوله صلوات اللّه عليه وآله، والإقرار بما جاء من عند اللّه من نبي أو كتاب،

ص: 39


1- أي أرفعُها.
2- أي بسبب فرض من اللّه.
3- الضميران يرجعان إلى الفرض.
4- الضميران يرجعان إلى الفرض.
5- أي يشهد الكتاب لكون الفرض عملاً أو للعامل به ويدعو العامل إلى ذلك الفرض.
6- في بعض النسخ (للإيمان).
7- «كأنه إشارة إلى الحالات الثلاث الآتية أي التام والناقص والراجح، والدرجات مراتب الرجحان فإنها كثيرة بحسب الكمية والكيفية والطبقات مراتب النقصان والمنازل ما يلزم تلك الدرجات والطبقات من القرب إليه سبحانه والبعد عنه والمثوبات المترتبة عليها مرآة المجلسي 216/7 – 217.
8- الباه - كما يقول الجوهري - لغة في الباءة وهو الجماع.

فذلك ما فرض اللّه على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا) (1). وقال : (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (2). وقال : (الّذين آمنوا بأفواههم وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (3) وقال : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) (4). فذلك ما فرض اللّه عزّ وجلّ على القلب من الإقرار والمعرفة، وهو عمله، وهو رأس الإيمان وفرض اللّه على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقرّ به قال اللّه تبارك وتعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (5). وقال : (قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (6). فهذا ما فرض اللّه على اللسان وهو عمله، وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم اللّه، وأن يُعرض عمّا لا يحل له ممّا نهى اللّه عزّ وجلّ عنه، والإصغاء إلى ما أسخط اللّه عزّ وجلّ فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (7). ثمّ استثنى اللّه عزّ وجلّ موضع النسيان فقال: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (8). وقال : (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (9). وقال عزّ وجلّ : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) (10). وقال: (إِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) (11). وقال : (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (12). فهذا ما فرض اللّه على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا

ص: 40


1- النحل / 106.
2- الرعد / 28.
3- المائدة/ 41. والآية في المصحف هكذا : (يا أيّها الرسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم...) الآية ولعله من تصحيف النسّاخ.
4- البقرة / 284.
5- البقرة/ 83.
6- العنكبوت / 46 والآية في المصحف هكذا : وقولوا آمنا بالّذي أنزل إلبنا وأنزل إليك وإلهنا... الآية ولعله من تصحيف النساخ.
7- النساء / 140.
8- الأنعام / 68.
9- الزمر / 17 - 18.
10- المؤمنون/ 1 - 4.
11- القصص / 55.
12- الفرقان/ 72.

يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم اللّه عليه، وأنْ يعرض عمّا نهى اللّه عنه، ممّا لا يحلُّ له وهو عمله وهو من الإيمان، فقال تبارك وتعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (1). فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه أن يُنظر إليه. وقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (2) من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج أختها، وتحفظ فرجها من أن يُنظر اليه وقال : كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا هذه الآية فإنّها من النظر (3). ثمّ نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية أخرى فقال : (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ) (4) يعني بالجلود الفروج والأفخاذ. وقال: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (5)، فهذا ما فرض اللّه على العينين من غض البصر عما حرم اللّه عزّ وجلّ، وهو عملهما وهو من الإيمان وفرض اللّه على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم اللّه، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللّه عزّ وجلّ وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم، والجهاد في سبيل اللّه، والطهور للصّلاة، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (6). وقال: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) (7). فهذا ما فرض اللّه على اليدين لأنّ الضرب من علاجهما (8). وفرض على الرّجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي اللّه، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللّه عزّ وجلّ فقال: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (9) وقال: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (10). وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما

ص: 41


1- النور/ 30 والمراد بغض البصر خفضه عما يحرم النظر إليه وقصره على ما يحل له النظر إليه.
2- النور/ 31.
3- لاقترانها بالأمر بغض البصر.
4- فصلت/ 22.
5- الإسراء / 36.
6- المائدة / 6.
7- محمّد / 4. وشَدُّ الوثاق كناية عن الأسر وأوزارها : أثقالها كناية عن انتهائها.
8- العلاج : المزاولة.
9- الإسراء / 37.
10- لقمان 19، واقصد أَي اتَّبِدْ.

أمر اللّه عزّ وجلّ به وفرضه عليهما: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (1). فهذا أيضاً ممّا فرض اللّه على اليدين وعلى الرّجلين وهو عملهما وهو من الإيمان. وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (2). فهذه فريضةً جامعة على الوجه واليدين والرجلين. وقال في موضع آخر : ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (3). وقال فيما فرض على الجوارح من الطَّهور والصّلاة بها، وذلك أنَّ اللّه عزّ وجلّ لمّا صرف نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى الكعبة عن البيت المقدَّس فأنزل اللّه عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (4). فسمّى الصّلاة إيماناً، فمن لقي اللّه عزّ وجلّ حافظاً لجوارحه، موفياً كلّ جارحة من جوارحه ما فرض اللّه عزّ وجلّ عليها، لقي اللّه عزّ وجلّ مستكملاً لإيمانه، وهو من أهل الجنّة. ومن خان في شيء منها، أو تعدّى ما أمر اللّه عزّ وجلّ فيها، لقي اللّه عزّ وجلّ ناقص الإيمان. قلت: قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال : قول اللّه عزّ وجلّ : ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ) (5). وقال: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (6). ولو كان كله واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان، لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ولاستَوَتْ النِعَمُ فيه، ولاستوى النّاس وبطل التفضيل، ولكن بتمام الإيمان(7) دخل المؤمنون الجنّة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند اللّه، وبالنقصان دخل المفرطون النار.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد محمّد بن خالد، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن عيسى جميعا عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن عبيد اللّه بن الحسن، عن الحسن بن هارون قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 42


1- يس/ 65.
2- الحجّ / 77.
3- الجن/ 18.
4- البقرة/ 143.
5- التوبة / 124 - 125 يستبشرون : يفرحون بما أعطاهم اللّه من الإيمان واليقين. والمرض: هو النفاق. و (رجساً إلى رجسهم) أي شكاً إلى شكّهم، والحديث عن المنافقين.
6- الكهف / 103، والحديث عن أهل الكهف.
7- تمام الإيمان هو التصديق والإقرار والعمل.

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) قال : يُسأل السمع عمّا سمع والبصر عمّا نظر إليه والفؤاد عمّا عقد عليه (1).

3 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان أو (2) غيره، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن الإيمان فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه [وأن محمّداً رسول اللّه]، والإقرار بما جاء من عند اللّه، وما استقر في القلوب من التصديق (3) بذلك، قال : قلت : الشهادة أليست عملاً ؟ قال : بلى، قلت : العمل من الإيمان؟ قال : نعم الإيمان لا يكون إلّا بعمل والعمل منه ولا يثبت الإيمان إلّا بعمل (4).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسکان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : ما الإسلام؟ فقال: دیناللّه اسمه الإسلام وهو دين اللّه قبل أن تكونوا حيث كنتم، وبعد أن تكونوا (5)، فمن أقر بدين اللّه فهو مسلم، ومن عمل بما أمر اللّه عزّ وجلّ به فهو مؤمن (6).

5 - عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيّوب ابن الحرّ، عن أبي بصير قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له سلام (7): إِنَّ خَيْثَمة بن أبي خيثمة يحدَّثنا عنك أنّه سألك عن الإسلام فقلت له : إن الإسلام من استقبل قبلتنا، وشهد شهادتنا، ونسك نسكنا (8)، ووالى ولينا وعادى عدونا فهو مسلم. فقال : صدق خيثمة، قلت : وسألك عن الإيمان فقلت : الإيمان باللّه والتصديق بكتاب اللّه وأن لا يعصي اللّه، فقال: صدق خيثمة.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإيمان، فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه قال : قلت : أليس هذا عمل قال بلى قلت فالعمل من الإيمان؟ قال: لا يثبت

ص: 43


1- أي عما عزم عليه من الإقرار اللساني وما يلزمه ويتبعه من العمل بالأركان.
2- الترديد من الراوي.
3- التصديق هو الاعتقاد الجازم بمضمون الشهادتين وبحقانية ما جاء به النبي من شريعة وأحكام ووعد ووعيد.
4- وهذا يدل على أن الإيمان ليس اعتقاداً بالقلب وإنما هو إضافة إلى ذلك قول باللسان وعمل بالأركان. وهو الإيمان الكامل.
5- أي قبل انتقالكم من عالم المُثل والظلال إلى عالم التجسد في الخارج، وبعد تجسدكم، بل قبل وجودكم في عالم المثل والظلال وحينه وبعده.
6- وهذا صريح في أن الإيمان لا يتم بالعقايد القلبية فقط بل العمل جزء متمم له.
7- يحتمل المستنير الجعفي وابن أبي عمرة الخراساني وكلاهما مجهولان من أصحاب الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وخيثمه غير مذكور في الرجال مرآة المجلسي 244/7.
8- أي عبد اللّه من خلال الفرائض الّتي يعبده المسلمون بها.

له (1) الإيمان إلّا بالعمل والعمل منه.

7 - بعض أصحابنا، عن عليّ بن العباس، عن عليّ بن ميسر، عن حماد بن عمرو النصيبي قال: سأل رجل العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أيّها العالم أخبرني أيُّ الأعمال أفضل عند اللّه (2)؟ قال : ما لا يقبل عمل إلّا به، فقال: وما ذلك؟ قال : الإيمان باللّه، الّذي هو أعلى الأعمال درجة، وأسناها حظاً وأشرفها منزلة، قلت : أخبرني عن الإيمان أقول وعمل أم قول بلا عمل؟ قال الإيمان عمل كلّه، والقول بعض ذلك العمل بفرض من اللّه بينه في كتابه واضح نوره ثابتة حجته، يشهد به الكتاب ويدعو إليه قلت : صف لي ذلك حتّى أفهمه فقال : إن الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص المنتهى نقصانه، ومنه الزائد الرّا راجح زيادته قلت وإن الإيمان ليتم ويزيد وينقص؟ قال: نعم، قلت : وكيف ذلك؟ قال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح بني آدم وقسمه عليها، وفرقه عليها فليس من جوارحهم جارحة إلّا وهي موكلة من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها قلبه الّذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الّذي لا تورد (3) الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ؛ ومنه يداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الّذي الباه من قبله، ولسانه الّذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها وعيناه اللتان يبصر بهما ؛ وأذناه اللتان يسمع بهما. وفرض على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين، وفرض على العينين غير ما فرض على السمع، وفرض على السمع غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين، وفرض على الرّجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه فأما ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرّضا بأن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، أحداً، صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عبده ورسوله.

8 - محمّد بن الحسن عن بعض أصحابنا، عن الأشعث بن محمّد، عن محمّد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : - وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والإيمان وقال(4): إنّهم يحتجون علينا ويقولون كما أنَّ الكافر عندنا هو الكافر عند اللّه

ص: 44


1- الضمير يعود إلى المؤمن المدلول عليه بلفظ الإيمان.
2- مر مضمون هذا الحديث عن الزبيري عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل قليل تحت الرقم (3) من هذا الباب مع اختلاف في بعض ألفاظه واضطراب فى أماكن منه يمكن تصحيحها على ضوء الحديث الأنف، ولعلها من سهو النسّاخ فراجع مقارناً مع تفصيل هناك مفقود هنا.
3- الأصح : تَردُ.
4- أي السائل، وهذه الفقرة كلها إلى قوله : مؤمن هي من كلام الراوي.

فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنّه عند اللّه مؤمن، فقال (1) - سبحان اللّه وكيف يستوي هذان (2) والكفر إقرار من العبد فلا يكلّف بعد إقراره ببيّنة (3)، والإيمان دعوى (4) لا يجوز إلّا ببينة وبينته عمله ونيته، فإذا اتفقا فالعبد عند اللّه مؤمن والكفر موجود بكلّ جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل والأحكام تجري على القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند اللّه كافر وقد أصاب (5) من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله.

باب السبق إلى الإيمان

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال (6) : حدَّثنا أبو عمر والزبيري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إنَّ للإيمان درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند اللّه ؟ قال : نعم، قلت : صفه لي رحمك اللّه حتّى أفهمه، قال : إِنَّ اللّه سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرّهان، ثمّ فضّلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كلّ امرىء منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدَّم مسبوق سابقاً ولا مفضول فاضلا، تفاضل بذلك أوائل هذه الأمة وأواخرها، ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق، إذا لَلَحِقَ آخر هذه الأمة أوّلها، نعم ولتقدَّموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضلُ على من أبطأ عنه، ولكن بدرجات الإيمان قدَّم اللّه السابقين، وبالإبطاء عن الإيمان أخر اللّه المقصرين، لأنا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملاً من الأولين وأكثرهم صلاةً وصوماً وحجّاً وزكاةً وجهاداً وإنفاقاً، ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضاً عند اللّه، لكان الآخرون بكثرة العمل مقدَّمين على الأوَّلين، ولكن أبى اللّه عزّ وجلّ أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها، ويقدّم فيها من أخر اللّه أو يؤخر فيها من قدَّم اللّه. قلت : أخبرني عمّا

ص: 45


1- أي الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- أي الكافر والمؤمن.
3- لأن إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ ولذا قيل بأن الإقرار هو أقوى أدلة الإثبات فلا يحتاج إلى مثبت عداه.
4- أي وكما أن الدعوى في سائر الدعاوى لا تقبل إلّا ببينة فكذا جعل اللّه هذه الدعوى غير مقبولة إلّا بشاهدين من قلبه وجوارحه فلا يثبت عنده إلّا بهما، وأما عند النّاس فيكفيهم في الحكم الإقرار والعمل الظاهري كما يكتفى عند الضرورة بالشاهد واليمين.... مرآة المجلسي 250/7.
5- أي في حكمه بإيمانه بحسب الظاهر.
6- الظاهر أن هذا الحديث تتمة لما تقدم تحت رقم (3) من هذا الباب عن الزبيري عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ندب اللّه عزّ وجلّ المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان فقال : قول اللّه عزّ وجلّ: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) (1). وقال: (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (2). وقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (3). فبدأ بالمهاجرين الأولين على درجة سبقهم، ثمّ ثَنّى بالأنصار، ثمّ ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده، ثمّ ذكر ما فضّل اللّه عزّ وجلّ به أولياءه بعضهم على بعض، فقال عزّ وجلّ: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ - إلى آخر الآية) (4) -. وقال : (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) (5). وقال : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) (6). وقال : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) (7). وقال : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (8). وقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ) (9). وقال : (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) (10). وقال: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) (11). وقال : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (12). وقال : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) (13). وقال : (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) (14). وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا

ص: 46


1- الحديد / 21، والمراد بسابقوا إلى مغفرة الخ أي سارعوا على وجه المسابقة إلى ما يكون سبباً في نيلكم مغفرة من اللّه ورضوان.
2- الواقعة 10 - 11.
3- التوبة / 100.
4- البقرة/ 253 وتفضيل نبي أو رسول على نبي أو رسول آخر إنما هو بإعطائه خصلة أو مزية أو منقبة لم يعطها للآخر.
5- الإسراء / 55.
6- الإسراء / 21.
7- آل عمران/ 163.
8- هود/ 3.
9- التوبة / 20.
10- النساء / 95-96.
11- الحديد/ 10، والمراد بالفتح أي فتح مكة.
12- المجادلة / 11.
13- النوبة / 120، والظمأ العطش، والنصب التعب والمشقة. والمخمصة : المجاعة.
14- البقرة/ 110.

یره) (1) فهذا ذكر درجات الإيمان ومنازله عند اللّه عزّ وجلّ (2).

باب درجات الإيمان

1 - عدة، من أصحابنا، عن أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن الحسن بن محبوب، عن عمّار بن أبي الأحوص، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه عزّ وجلّ وضع الإيمان على سبعة أسهم على البرّ (3) والصدق (4) واليقين (5) والرّضا (6) والوفاء (7) والعلم (8) والحلم (9)، ثمّ قسم ذلك بين النّاس، فمن جعل فيه هذه السبعة الأسهم فهو كامل (10)، محتمل (11) ؛ وقسم لبعض النّاس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتّى انتهوا إلى [ ال- ] سبعة، ثمّ قال : لا تحملوا على صاحب السهم سهمين، ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم (12) ثمّ قال: كذلك حتّى ينتهي إلى [ال- ] سبعة.

2 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم، عن أبي اليقظان، عن يعقوب بن الضحاك، عن رجل من أصحابنا سراج وكان خادماً لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بعثني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حاجة وهو بالحيرة (13) أنا وجماعة من مواليه قال : فانطلقنا فيها ثمّ رجعنا

ص: 47


1- الزلزلة / 7 - 8، والذرة : النملة الصغيرة أو الهباء الّذي يظهر عندما تتخلله أشعة الشمس.
2- وبالجملة هذه الآيات كلها تدل على اختلاف مراتب المؤمنين في الثواب والدرجات عند اللّه تعالى والمنازل في الجنّة كما لا يخفى مرآة المجلسي 273/7.
3- البر هو الإحسان مطلقاً.
4- الصدق : هو القول المطابق للواقع، ومن هنا ينطبق على الخبر وصف الصدق والكذب.
5- اليقين هو الاعتقاد الجازم، والمراد به هنا الاعتقاد بأحوال الآخرة، وبقضاء اللّه وقدره وعدله وحكمته وسائر صفاته.
6- هو إذعان الإنسان لقضاء اللّه في حالّتي الشدة والرخاء والتسليم المطلق له.
7- الوفاء هو القيام بالعهود مطلقاً سواء كانت مع اللّه أو مع النّاس في حقوقه سبحانه وأحكامه أو في حقوق العباد.
8- العلم هو معرفة اللّه سبحانه وجوداً وصفات ومعرفة حججه على خلقه وأحكامه الّتي توصل إلى مرضاته.
9- الحلم هو ملكة حاصلة للنفس مانعة لها عن المبادرة إلى الانتقام وطلب التسلط والترفع والغلبة مرآة المجلسي 273/7.
10- أي كامل الإيمان.
11- أي قابل لصفة الإيمان متحمل لها.
12- أي فتتقلوا وتشقوا عليهم.
13- مكان قرب الكوفة كان منزل ملوك المناذرة.

مغتمّين (1) قال : وكان فراشي في الحائر الّذي كنا فيه نزولاً، فجئت وأنا بحال(2) فرميت بنفسي، فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أقبل قال : فقال : قد أتيناك أو قال(3): جئناك، فاستويت جالساً، وجلس على صدر فراشي فسألني عمّا بعثني له فأخبرته. فحمد اللّه ثمّ جرى ذكر قوم فقلت : جعلت فداك إنا نبرأ منهم، إنهم لا يقولون ما نقول. قال: فقال: يتولونا ولا يقولون ما تقولون تبرؤون منهم ؟ قال : قلت : نعم قال : فهوذا عندنا (4) ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟ قال : قلت : لا - جعلت فداك.. قال : وهوذا عند اللّه ما ليس عندنا أفتراه أطر حنا (5) ؟ قال : قلت : لا واللّه جعلت فداك ما نفعل؟ قال : فتولوهم ولا تبرؤوا منهم،، إِنَّ من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان، ومنهم من له ثلاثة أسهم ؛ ومنهم من له أربعة أسهم ؛ ومنهم من له خمسة أسهم، ومنهم من له ستة أسهم، ومنهم من له سبعة أسهم، فليس ينبغي أن يحمل صاحب السّهم على ما عليه صاحب السهمين، ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة، ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة، ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب السنّة، ولا صاحب السنّة على ما عليه صاحب السبعة ؛ وسأضرب لك مثلاً : إنّ رجلاً كان له جار وكان نصرانياً فدعاه إلى الإسلام وزيّنه(6) له، فأجابه، فأتاه سُخيراً (7) فقرع عليه الباب فقال له : هذا ؟ قال : أنا من فلان. قال : وما حاجتك ؟ فقال : توضّأ وألبس ثوبيك ومرَّ بنا إلى الصلاة. قال : فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه، معه، قال: فصليا ما شاء اللّه، ثمّ صليا الفجر، ثمّ مكثا حتّى أصبحا، فقام الّذي كان نصرانياً يريد منزله، فقال له الرّجل : أين تذهب؟ النهار قصير والّذي بينك وبين الظهر قليل؟ قال : فجلس معه إلى أن صلى الظهر، ثمّ قال : وما بين الظهر والعصر قليل فاحتبسه حتّى صلى العصر، قال : ثمّ قام وأراد أن ينصرف إلى منزله فقال له : إنَّ هذا آخر النهار وأقل من أوَّله فاحتبسه حتّى صلّى المغرب. ثمّ أراد أن ينصرف إلى منزله فقال له : إنما بقيت صلاة واحدةً، قال : فمكث حتّى صلى العشاء الآخرة ثمّ تفرّقا، فلمّا كان سُحَيراً غدا عليه فضرب عليه الباب

ص: 48


1- أي قد أصابنا الغم والهم وفي بعض النسخ (معتمين) من العَتَمَة وهي تطلق على الثلث الأوّل من الليل، أي رجعنا وكان سيرنا في العتمة.
2- «أي بحال سوء من الغم» الوافي ج 29/3.
3- الترديد من الراوي.
4- من الخصال والمكارم والعلوم والمعارف والمناقب.
5- أي نأى بنا وأبعدنا عن رحمته واعتباره وقبوله.
6- أي حسّن لجاره النصراني الإسلام.
7- وهو تصغير السحر وهو سدس آخر الليل أو ساعة آخر الليل. وقيل : قبيل الصبح». مرآة المجلسي 276/7.

فقال : من هذا؟ قال : أنا فلان، قال : وما حاجتك ؟ قال : توضأ والبس ثوبيك واخرج بنا فصل قال : اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني، وأنا إنسان مسكين وعلي عيال، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أدخله في شيء (1) أخرجه منه - أو قال (2) : أدخله من مثل ذه وأخرجه من مثل هذا..

207 - باب، آخر منه (3)

1 - أحمد بن محمّد عن الحسن بن موسى، عن أحمد بن عمر، عن يحيى بن أبان، عن شهاب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لو علم النّاس كيف خلق اللّه تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحدٌ أحداً (4) فقلت : أصلحك اللّه فكيف ذاك؟ فقال : إِنَّ اللّه تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءاً. ثمّ جعل الأجزاء أعشاراً فجعل الجزء عشرة أعشار، ثمّ قسمه بين الخلق فجعل في رجل عُشر جزء وفي آخر عُشري جزء حتّى بلغ به جزءاً تاماً وفي آخر جزءاً وعُشر جزء وآخر جزءاً وعُشري جزء وآخر جزءاً وثلاثة أعشار جزء حتّى بلغ به جزئين تامين، ثمّ بحساب ذلك حتّى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءاً، فمن لم يجعل فيه إلّا عشر جزء لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العُشرين، وكذلك صاحب العُشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الأعشار، وكذلك من تمَّ له جزء لا يقدر على أن يكون مثل صاحب الجزئين، ولو علم النّاس أنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق هذا الخلق على هذا لم يلم أحدٌ أحداً.

2 - محمّد بن يحيى، عن - محمّد أحمد، بن، عن بعض أصحابه، عن الحسن بن عليّ ابن أبي عثمان، عن محمّد بن عثمان، عن محمّد بن حماد الخزاز، عن عبد العزيز القراطيسي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عبد العزيز إنَّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم يُصْعَدُ

ص: 49


1- «أي من الإسلام صار سبباً لخروجه من الإسلام رأساً أو المراد بالشيء الكفر، أي أدخله بجهله في الكفر الّذي أخرجه منه» مرآة المجلسي 276/7.
2- الترديد من الراوي.
3- أي هذا باب آخر يمكن عده من الباب الأول، وإنما جعله باباً آخر لأن الباب الأوّل كان مبنياً على قسمة الإيمان بسبعة أسهم، وأخبار هذا الباب مبنية على أكثر أو أقل. أو عبر في أخبار الباب السابق بالسهام، وفي أخبار هذا الباب بالأجزاء والدرجات والمنازل.... مرآة المجلسي 277/7.
4- أي في عدم فهم الدقائق والقصور عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل والأخلاق الحسنة. فالتكاليف بالنسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلاف قابلياتهم واستعداداتهم ولا يستحق من لم يكن قابلاً لمرتبة من المراتب المذكورة أن يلام : لم لم تفهم هذا المعنى، ولم تفعل الصلاة كما كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يفعلها مثلا...» ن. م ص / 278.

مرقاة بعد مرقاة (1)، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء (2) حتّى ينتهي إلى العاشر، فلا تُسقط (3) من هو دونك فيسقطك من هو فوقك (4)، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنَّ من كسر مؤمناً فعليه جبره. (5)

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن سدير قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ المؤمنين على منازل، منهم على واحدة، ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع، ومنهم على خمس، ومنهم على ست، ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو، وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقو، وعلى صاحب الثلاث أربعاً لم يقو، وعلى صاحب الأربع خمساً لم يقو، وعلى صاحب الخمس ستاً لم يقو، وعلى صاحب الستّ سبعاً لم يقو، وعلى هذه الدرجات. (6)

4 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن سنان، عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد اللّه :(عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما أنتم والبراءة يبرءُ بعضكم من بعض إنَّ المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، وبعضهم أكثر صلاةً من بعض، وبعضهم أنفذ بصراً (7) من بعض وهي الدرجات (8).

باب نسبة الإسلام

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لأنسبنَّ الإسلام (9) نسبة لا ينسبه أحد قبلي، ولا ينسبه أحد بعدي إلّا بمثل

ص: 50


1- أي درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة.
2- أي من الإيمان.
3- أي عن الاعتبار أو من الإيمان.
4- أي بالإيمان أو الاعتبار.
5- أي إزالة انكساره وإرضاؤه وإعادة ما تسبب في الذهاب عنه إليه.
6- كأن المعنى : وعلى هذا القياس الدرجات الّتي تنقسم هذه المنازل إليها مرآة المجلسي 281/7.
7- يعني فهما وفطانة.
8- أي درجات الإيمان فكل منهم على درجة منه فلا تبرأوا منهم ولا تخرجوهم عن الإيمان، أو هي الدرجات الّتي ذكرها اللّه في قوله : (آل عمران / 163) هم درجات عند اللّه» مرآة المجلسي 281/7.
9- اريد بالإسلام ماهنا الإيمان لا معناه الأعم، ألا ترى إلى قوله : إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه. وقوله : إن المؤمن يرى يقينه في عمله الوافي ج 32/3.

ذلك (1) : إِنَّ الإسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل، والعمل هو الأداء، إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربه فأخذه إنَّ المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى إنكاره في عمله، فوالّذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم (2)، فاعتبروا إنكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة.

2 - عنه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن مدرك بن عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «الإسلام عریان فلباسه الحياء، وزينته الوقار (3)، ومروءته العمل الصالح (4) وعماده الورع ولكلّ شيء أساس ؛ وأساس الإسلام حبنا أهل البيت».

عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليّ بن معبد عن عليّ بن معبد عن عبد اللّه بن القاسم، عن مدرك بن عبد الرحمن، عن أبي عبد عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

3 - عدَّة من أصحابنا، من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أبيه، عن جده صلوات اللّه عليهم قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة (5)» وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً». فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف(6)، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم، فإنه لما أسري بي إلى

ص: 51


1- «وحاصل الخبر: إن الإسلام هو التسليم والانقياد والانقياد التام لا يكون إلّا باليقين، واليقين هو التصديق الجازم والإذعان الكامل بالأصول الخمسة، أو تصديق اللّه ورسوله والأئمّة الهداة والتصديق لا يظهر أو لا يفيد إلّا بالإقرار الظاهري والإقرار التام لا يكون أو لا يظهر إلّا بالعمل بالجوارح... والعمل الّذي هو شاهد الإيمان هو أداء ما كلف اللّه تعالى به لاختراع الأعمال وابتداعها كما تفعله المبتدعة» مرأة المجلسي 282/7.
2- أي المنافقون أو المخالفون لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3- الوقار الرزانة والثبات، وفي بعض النسخ: (الوفاء) أي بالعهود اللّه أو للناس.
4- المروءة: الإنسانية والمعنى : «إن العمل الصالح من لوازم الإسلام ومما يجعل الإسلام حقيقياً بأن يسمّى إسلاماً، كما أن المروة من لوازم الإنسان ومما يصير به الإنسان حقيقياً بأن يسمى إنساناً...» مرآة المجلسي 288/7.
5- العرصة : فضاء واسع يتخلل مجموعة من الدور يكون بالنسبة إليها كمتنزه أو ملعب أو ما شاكل.
6- وجه كون القرآن عرصة الإسلام فباعتبار أن القرآن هو المسرح والحلبة الّتي يعرض عليها الإسلام علومه ومعارفه ومواعظه وقصصه وأحكامه فيسرح الناظر طرفه فيها ويعمل فكره فيما يدور عليها. وأما وجه كون الحكمة نور الإسلام فلأن الحكمة هي المعارف الحقة والعلوم السامية الّتي تعطي من حواها بصيرة تجعله يدرك حقائق الإسلام وحقانيته وأنه من عند اللّه سبحانه، وأما وجه كون المعروف حصنه، فلأن المعروف سواء أريد به الإحسان أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممّا يؤدي إلى حفظ الإسلام وحياطته في نفس المحسن إليه كما في نفس المحسن ويمنع المنسدين من أن يعملوا على طمس حقائقه وأحكامه ودرس معالمه.

السماء الدُّنيا فنسبني (1) جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأهل السماء، استودع اللّه حبي وحبَّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة. ثمّ هبط بي إلى أهل الأرض فنسبني إلى أهل الأرض(2) فاستودع اللّه عزّ وجلّ حبي وحبَّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي، فمؤمنوا أُمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة، ألا فلو أنَّ الرَّجل من أُمِّتي عبد اللّه عزّ وجلّ عمره أيّام الدُّنيا، ثمّ لقي اللّه عزّ وجلّ مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي ما فرج اللّه صدره إلّا عن النفاق. (3)

باب [ خصال المؤمن ]

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد الملك بن غالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال: وقوراً عند الهزاهز (4)، صبوراً عند البلاء (5)، شكوراً عند الرخاء (6)، قانعاً بما رزقه اللّه، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل (7) للأصدقاء، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن (8)، والحلم وزيره (9)، والعقل أمير جنوده (10)، والرفق (11) أخوه، والبر والده.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : الإيمان له أركان (12) أربعة : التوكل على اللّه،

ص: 52


1- أي بين لهم نسبي ومن أكون أو نبوتي وصفتها أو مناقبي وخصائصي الّتي وهبنيها اللّه سبحانه.
2- «وأما ذكر نسبه إلى أهل الأرض فبالآيات الّتي أنزلها فيه وفي أهل بيته ويقرؤها النّاس إلى يوم القيامة» مرآة المجلسي 290/7.
3- أي فضحه اللّه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة بإظهار ما كان في قلبه من النفاق، وهذا يدل على عدم إيمان من أبغض أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بل عدم إسلامه واقعاً.
4- أي رزيناً ثابتاً عند حصول الفتن الّتي تحدث بين النّاس.
5- البلاء الشر. فلا يتبرم عند نزوله بل يسلّم أمره إلى اللّه.
6- الرخاء الخير والنعمة.
7- أي لا يتكلف للأصدقاء. لا بظلم النّاس من أجل إرضائهم بأي شكل من أشكال الظلم قولاً وعملاً.
8- أي رفيقه ومصاحبه.
9- لأن المؤمن يستعين به في تسيير شؤون دينه ودنياه.
10- وهي أعماله الصالحة وأخلاقه الحميدة وهذه تدفع الشيطان وجنوده، وتأتمر بأوامر العقل.
11- أي اللين.
12- «إنما جعلها بمنزلة الأركان لعدم استقرار الإيمان وثباته إلّا بها مرآة المجلسي 293/7.

وتفويض الأمر إلى اللّه، والرضا بقضاء اللّه، والتسليم لأمر اللّه عزّ وجلّ.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عمّن ذكره عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا، ولا تعرفون حتّى تصدّقوا، ولا تصدقون حتّى تسلّموا أبواباً أربعة لا يصلح أولها إلّا بآخرها، ضلَّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيداً، إنَّ اللّه تبارك وتعالى لا يقبل إلّا العمل الصالح، ولا يتقبل اللّه إلّا بالوفاء بالشروط والعهود، ومن وفى اللّه بشروطه واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل وعده (1)، إِنَّ اللّه عزّ وجلّ (2) أخبر العباد بطريق الهدى، وشرع لهم فيها المنار، وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (3). وقال : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (4). فمن اتقى اللّه عزّ وجلّ فيما أمره لقي اللّه عزّ وجلّ مؤمناً بما جاء به محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، هيهات هيهات (5) فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون. إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردّى (6)، وصل اللّه طاعة ولي أمره بطاعة رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه ولا رسوله، وهو الإقرار بما نزل من عند اللّه : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (7) والتمسوا البيوت (8) الّتي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنّه قد خبركم أنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه عزّ وجلّ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار إنَّ اللّه قد استخلص الرسل لأمره، ثمّ استخلصهم مصدّقين لذلك في نُذره، فقال: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (9). تاه من جهل

ص: 53


1- «يعني أن الصلاح موقوف على المعرفة والمعرفة موقوفة على التصديق، والتصديق موقوف على تسليم أبواب أربعة لا يتم بعضها بدون بعض وهي التوبة عن الشرك والإيمان بالتوحيد والعمل الصالح والاهتداء بالإمام فصاحب الثلاثة الأولى من دون الاهتداء بالإمام ضال تائه لا تقبل توبته ولا توحيده ولا عمله لعدم وفائه بجميع الشروط والعهود» الوافي ج 30/3.
2- هذا تفصيل بعد الإجمال.
3- طه / 82.
4- المائدة / 27.
5- أي بَعدَ بَعد.
6- أي الهلاك.
7- الأعراف.31. والخطاب لبني آدم.
8- هذا وما بعده إشارة إلى قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور / 36 - 37.
9- فاطر / 24.

واهتدى من أبصر وعقل، إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (1). وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم ينذر (2)؟ اتبعوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأقروا بما نزل من عند اللّه واتبعوا آثار الهدى(3)، فإنهم علامات الأمانة والتقى، واعلموا أنّه لو أنكر رجلٌ عيسى ابن مريم (عَلَيهِا السَّلَامُ) وأقرَّ بمن سواه من الرسل لم يؤمن، إقتصوا الطريق بالتماس المنار (4)، والتَمِسُوا من وراء الحجب الآثار، تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا باللّه ربكم.

4 - عنه، عن أبيه، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن الرضا، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: رفع (5) إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قومٌ في بعض غزواته فقال : من القوم (6)؟ فقالوا : مؤمنون يا رسول اللّه، قال : وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصبر عند البلاء، والشكر عند الرّخاء، والرّضا بالقضاء، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حلماء (7) علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء، إن كنتم كما تصفون، فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا اللّه الّذي إليه ترجعون.

باب (بدون العنوان)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبأسانيد مختلفة، عن الأصبغ بن نباتة قال : خطبنا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في داره - أو قال (8) : في القصر - ونحن مجتمعون، ثمّ أمر صلوات اللّه عليه فكُتِبَ في كتاب وقرىء على النّاس. وروى غيره أنَّ ابن الكواء(9) سأل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن

ص: 54


1- الحجّ / 46.
2- يشير هذا إلى ترتب الاهتداء على الأبصار وترتب الأبصار على الإنذار وتوقف الإنذار على وجود المنذر ومعرفته، فتحصل من ذلك وجود النذير ووجوب معرفته.
3- أي أئمّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
4- المنار هو الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- رفع : إما على قراءة المعلوم أي أسرع إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قوم. أو على قراءة المجهول أي قدّم قوم إلى رسول اللّه. وقيل: رفع قوم : «أي ظهروا فإن الرفع ملزوم للظهور».
6- أي من أي قبيل من النّاس أنتم ؟.
7- في بعض النسخ (حكماء).
8- الترديد من الراوي. والمراد بالقصر لعله قصر الإمارة.
9- هو أحد رؤوس الخوارج واسمه عبد اللّه.

صفة الإسلام والإيمان والكفر والنفاق، فقال: أما بعد فإنّ اللّه تبارك وتعالى شَرع الإسلام (1) وسهل شرائعه لمن وَرَدَه، وأعز أركانه (2) لمن حاربه (3)، وجعله عزّاً لمن تولاه وسلم (4) لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وزينة لمن تجلله (5)، وعذراً لمن انتحلم (6)، وعروة لمن اعتصم به وحبلاً لمن استمسك به، وبرهاناً لمن تكلّم به ونوراً لمن استضاء به، وعوناً لمن استغاث به، وشاهداً لمن خاصم به (7)، وفَلَجاً لمن حاج بها (8)، وعلماً لمن وعاه، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضا وحلماً لمن جرَّب ولباساً لمن تدبّر، وفهماً لمن تفطن ويقيناً لمن عقل وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم وعبره لمن اتعظ ونجاة لمن صدق، وتؤدة (9) لمن أصلح، وزلفى (10) لمن اقترب، وثقة لمن توكل ورخاء (11) لمن فوَّض، وسيقة لمن أحسن، وخيراً لمن سارع، وجُنّة (12) لمن صبر، ولباساً لمن اتقى، وظهير(13) لمن رشد وكهف (14) لمن آمن وأمَنَةً لمن أسلم، ورجاء (15) لمن صدق، وغنى لمن قنع، فذلك الحقُّ، سبيله الهدى ومأثرته المجد (16)، وصفته الحسنى (17) فهو أبلج المنهاج (18) مشرق المنار، ذاكي (19) المصباح، رفيع

ص: 55


1- الشريعة في الأصل مورد الشاربة. «ويقال لما شرع اللّه لعباده (من السنن والأحكام) إذ به حياة الأرواح كما بالماء حياة الأبدان» الوافي ج 3 ص / 31.
2- أي قواها وجعلها متينة.
3- أي حارب المسلمين وهم أهل الإسلام ويمكن أن يحمل على الحقيقة بأن يبغضه ويصد عنه فيكون محارباً للدين.
4- أي أمناً لمن دخله، لأنه يأمن القتل والسبي والنفي في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة.
5- أي استتر وتغطى به. وفي بعض النسخ (تحلله) أي جعله حلة على نفسه.
6- أي ادعاه كاذباً.
7- أي لمن ناظر وجادل به، فإن فيه من الأدلة والبراهين والحجج الواضحة الحقة ما يجعله ظافراً على خصمه ظاهر الحجة عليه وهو معنى الفلج.
8- أي الظفر.
9- أي سببا لرزانته وتأنيه.
10- أي حظوة ومنزلة.
11- أي خيرا ونعمة وفي بعض النسخ: (ورجاء).
12- أي واقياً.
13- أي نصيراً.
14- أي ملجاً.
15- أي سبب رجاء لمن صدق في كلّ أموره مع اللّه في السراء والضراء، وفي بعض النسخ: (وروحاً) وفي بعضها : (ورخاء) وفي نهج البلاغة : (وراحة). وفي الوافي (لمن فوّض) أي يكون سبب رجاء لمن فوض أموره إلى اللّه.
16- المأثرة المنقبة والمجد : بلوغ الشرف والكرم.
17- أي أن الإسلام متصف بمحاسن الأفعال والأقوال والأعمال.
18- أي منضح السبيل.
19- أي متوقد متوهج.

الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة أليم النقمة كامل العدة، كريم الفرسان، فالإيمان منهاجه والصالحات مناره والفقه مصابيحه والدّنيا مضماره والموت غايته والقيامة حلبته والجنّة سبقته والنار نقمته والتقوى عدّته والمحسنون فرسانه(1)، فبالإيمان يستدلُّ على الصالحات وبالصالحات يعمّر الفقه وبالفقه يرهب الموت وبالموت تختم الدنيا وبالدنيا تجوز القيامة (2) وبالقيامة تزلف الجنّة، والجنّة حسرة أهل النار، والنّار موعظة المتقين والتقوى سنخ (3) الإيمان.

باب صفة الإيمان

1 - بالإسناد الأول، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سُئِلَ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإيمان، فقال : إن اللّه عزّ وجلّ جعل الإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد فالصبر من ذلك على أربع شعب : على الشوق والإشفاق (4) والزهد والترقب (5)، فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات (6) ومن أشفق من النّار رجع عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات؛ واليقين على أربع شعب تبصرة الفطنة (7) وتأوّل الحكمة(8) ومعرفة العبرة (9) وسنة الأولين (10). فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة، ومن تأوّل الحكمة عرف

ص: 56


1- «والحاصل أن المضمار يطلق على موضع تضمير الفرس للسباق وزمانه وعلى الميدان الّذي يسابق فيه، وشبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أهل الإسلام بالخيل الّتي تجمع للسباق ومدة عمر الدنيا بالميدان الّذي يسابق فيه والموت بالقلم المنصوب في نهاية الميدان فإن ما يتسابق فيه من الأعمال الصالحة إنما هو قبل الموت والقيامة بوضع تجمع فيه الخيل بعد السباق ليأخذ السبقة من سبق بقدر سبقه ويظهر خسران من تأخر، والجنّة بالسبقة والنار بما يلحق المتأخر من الحرمان والخسران» مرآة المجلسي 307/7 - 308.
2- «أي أن كلّ ما يلقاه العبد في القيامة فإنما هو نتائج أعماله وأخلاقه وعقايده المكتسبة في الدنيا فبالدنيا تجاز القيامة الوافي ج 313. وفي بعض النسخ (تحاز) والمعنى نفسه أي تحاز مثوبات القيامة أو أهوالها وعذابها.
3- أي أصله.
4- أي الخوف.
5- أي الانتظار والمنتظر هنا الموت.
6- أي نسيها وصير على تركها.
7- أي جعلها بصيرة.
8- أي جعل الحكمة واضحة جلية بالتمعن فيها.
9- أي التدبر بالعبرة والعظة بغاية الاعتبار والاتعاظ.
10- أي سيرة الأمم السالفة كافرة كانت أو مؤمنة ذات أعمال صالحة أو طالحة والغرض منه يشرحه ما يليه من کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنّة، ومن عرف السنّة فكأنما كان مع الأولين، واهتدى إلى الّتي هي أقوم، ونظر إلى من نجى بما نجى ومن هلك بما هلك، وإنّما أهلك اللّه من أهلك بمعصيته، وأنجى من أنجى بطاعته ؛ والعدل على أربع شعب غامض (1) الفهم وغمر (2) العلم وزهرة الحكم (3) وروضة الحلم (4). فمن فهم فسّر جميع العلم ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش في النّاس حميداً (5) ؛ والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين (6). فمن أمر بالمعروف شدَّ ظهر (7) المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف (8) المنافق وأمن كيده، ومن صدق في المواطن قضى الّذي عليه، ومن شنىء الفاسقين غضب اللّه، ومن غضب اللّه غضب اللّه له فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.

باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان

1 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر عن جابر قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخا جعف (9) إنَّ الإيمان أفضل من الإسلام، وإنَّ اليقين أفضل من الإيمان وما من شيء أعزُّ من اليقين (10).

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد والحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد ؛ جميعاً، عن الوشّاء عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : الإيمان فوق الإسلام بدرجة،

ص: 57


1- أي مبهم عميق.
2- أي كثير.
3- أي الحكم الواضحة الزاهرة.
4- أي الحلم الواسع.
5- أي محمود الخصال والسيرة.
6- الشنآن البغض.
7- أي آزره ونصره وقواه.
8- أصل الإرغام التمريغ بالتراب وهنا هو كناية عن الإذلال. هذا ولا بد من التنبيه أن نسخ الكافي أورد فيها هذا الحديث مع اختلاف في بعض الفاظه فيما بين بعضها والبعض الآخر، بل تبديل لبعض عباراته بعبارات أخرى كما حصل في رواية السيد رضي الدين (رضیَ اللّهُ عنهُ) في نهج البلاغة.
9- المقصود به جابر الجعفي نسبة إلى قبيلة يمنية، وهو راوي الحديث عنه عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
10- دل هذا الحديث على أنّه كما كان الإيمان أخص من الإسلام فإن اليقين أخص من الإيمان لاعتبار أمر زائد في حقيقته لم يعتبر في حقيقة الإيمان ولذا كان أعز وأفضل.

والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة، وما قسّم في النّاس شيء أقلُّ من اليقين (1).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن حمران بن أعين قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ اللّه فضل الإيمان على الإسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم أو غيره (2) عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي بصير قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا محمّد الإسلام درجة (3) قال : قلت : نعم قال : والإيمان على الإسلام (4) درجة، :قال قلت نعم قال : والتقوى على الإيمان درجة قال قلت : نعم، قال: واليقين على التقوى درجة، قال : قلت : نعم، قال: فما أوتي النّاس أقل من اليقين، وإنما تمسكتم بأدنى الإسلام (5) فإيّاكم أن ينفلت من أيديكم (6).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس قال: سألت أبا الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإيمان والإسلام فقال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنما هو (7) الإسلام، والإيمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين النّاس شيء أقل من اليقين قال : قلت: فأي شيء اليقين؟ قال : التوكل على اللّه، والتسليم اللّه، والرضا بقضاء اللّه، والتفويض إلى اللّه. قلت : فما تفسير ذلك؟ قال : هكذا قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (8).

ص: 58


1- أي أن أهل اليقن من بين عامة النّاس وخاصتهم أقل القليل، وذلك لأنه لا يتصف به إلّا الأبدال منهم، وهذا يدل على أن النّاس مراتب و درجات وأصناف من حيث القابليات والاستعدادات النفسية والعقلية، وقد مرّت الإشارة إليه في كثير من الروايات المتقدمة.
2- الترديد من الراوي.
3- وكأنه استفهام، أي اليس الإسلام درجة من الدرجات أو هو أول الدرجات والمراتب؟.
4- أي يفضل أو يزيد عليه.
5- أي بأوطأ مراتبه وأضعف مصاديقه، والمعني بذلك ضعفاء الإيمان من الشيعة أو عوام النّاس ممّن لا يعرفون إلّا الإسلام الظاهري وهو النطق بالشهادتين مع بعض ظواهر فرائضه وأحكامه.
6- وذلك لأن من تمسك بشيء على وهن منه وضحالة فكر يكون عرضة للإفلات منه عند أية هزة أو حركة، وقد مثل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالمحسوس لتقريبه إلى الأذهان والا فإفلات الإسلام من الأيدي كناية عن ذهابه من العقل والقلب واستبداله بالكفر والنفاق.
7- أي الدين.
8- لعل عدم جواب الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا بهذا الشكل المجمل وإسناده إلى المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعلمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقصور فهم السائل عن استيعاب الشرح والتفصيل أكثر. وإن كان ذلك بعيداً لأن يونس هنا على الظاهر بقرينة روايته عن الرضا ورواية محمّد بن عيسى عنه أنّه يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين وهو من عيون أصحاب الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي كان يشير إليه في العلم والفتيا كما يقول النجاشي (رضیَ اللّهُ عنهُ).

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين.

باب حقيقة الإيمان واليقين

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في بعض أسفاره إذ لقيه ركب، فقالوا : السّلام عليك يا رسول اللّه، فقال : ما أنتم ؟ فقالوا : نحن مؤمنون يا رسول اللّه، قال : فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا : الرّضا بقضاء اللّه والتفويض إلى اللّه والتسليم لأمر اللّه، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا اللّه الّذي إليه ترجعون»(1).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن أبي محمّد الوابشي وإبراهيم بن مهزم، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلّى بالنّاس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي (2) برأسه مصفراً لونه، قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : كيف أصبحت يا فلان (3)؟ قال: أصبحت يا رسول اللّه موقناً فعجب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من قوله (4) وقال : «إنَّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك»؟ فقال : إنَّ يقيني يا رسول اللّه هو الّذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري (5) فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها (6)، حتّى كأني أنظر إلى عرش ربّي وقد نُصب للحساب، وحُشر الخلائق لذلك وأنا فيهم،

ص: 59


1- مر هذا الحديث في باب خصال المؤمن تحت رقم (4) ولكن بسند آخر عن الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعلّقنا عليه فراجع.
2- أي يحرك رأسه بسبب النعاس إلى الأسفل أو أحد الجانبين.
3- هذا يدل على أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يعرف هذا الشاب ولعله حارثة بن مالك الوارد في الحديث الثاني لتشابه الواقعتين وتطابق كلّ من السؤال والجواب تقريباً هنا وهناك.
4- إما من التعجب لأنه ادعى شيئاً لنفسه نادراً،حصوله، أو من الإعجاب بمقالته.
5- جمع هاجرة وهي اشتداد الحر نصف النهار.
6- أي انصرفت عنها وزهدت فيها.

وكأني أنظر إلى أهل الجنّة يتنعمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متكئون، وكأني أنظر إلى أهل النّار وهم فيها معذَّبون مُصْطَرِ خون (1)، وكأنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لأصحابه : «هذا عبد نور اللّه قلبه بالإيمان»، ثمّ قال له : «الزم ما أنت عليه»، فقال الشاب : ادع اللّه لي يا رسول اللّه أن أرزق الشهادة معك، فدعا له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : استقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري فقال له : كيف أنت يا حارثة بن مالك ؟ فقال : يا رسول اللّه مؤمن حقاً (2)، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : لكلّ شيء حقيقة فما حقيقة قولك ؟ فقال : يا رسول اللّه عزفت نفسي عن الدُّنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت هواجري، وكأني أنظر إلى عرش ربي [و] قد وضع للحساب، وكأني أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنّة، وكأني أسمع عواء (3) أهل النّار في النّار، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «عبد نور اللّه قلبه أبصرت (4) فاثبت»، فقال : يا رسول اللّه أدع اللّه لي أن يرزقني الشهادة معك، فقال : اللّهمّ ارزق حارثة الشهادة، فلم يلبث إلّا أياماً حتّى بعث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سريّة (5) فبعثه فيها، فقاتل فقتل تسعة - أو ثمانية - ثمّ قتل.

وفي رواية القاسم بن بريد عن أبي بصير قال : استشهد مع جعفر بن أبي طالب بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : إنَّ على كلّ حق حقيقة (6) وعلى كلّ صواب نوراً (7).

باب التفكر

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال

ص: 60


1- أي يستغيثون.
2- أي حق الإيمان.
3- أي صراخ أو صياح، وغالباً ما يقال لصوت الذئب عواء الذئب.
4- أي صرت ذات بصيرة.
5- السرية - كما في الصحاح - القطعة من الجيش.
6- الحقيقة، ما يثبت به الشيء.
7- النور ما ينجلي به الشيء ويتضح.

كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نبه (1) بالتفكر قلبك ؛ وجاف (2) عن الليل جنبك، واتق اللّه ربِّك.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن الحسن الصيقل قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمّا يروي النّاس أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال : يمرُّ بالخربة أو بالدار فيقول : أين ساكنوك أين بانوك، ما [با] لك لا تتكلّمين (3).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أفضل العبادة إدمان التفكر في اللّه (4) وفي قدرته.

4 - محمّد بن يحيى، عن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر اللّه عزّ وجلّ.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد، عن ربعي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : [إِنَّ] التفكر يدعو إلى البر والعمل به (5).

باب المكارم

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الهيثم بن أبي مسروق، عن، يزيد بن إسحاق شعر عن الحسين بن عطيّة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المكارم (6) عشر، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن، فإنها تكون في الرَّجل ولا تكون في ولده، وتكون في الولد ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحرّ، قيل : وما هنَّ ؟ قال : صدق اليأس (7)

ص: 61


1- أي أيقظه من غفلته بالموعظة والحكمة والتفكر.
2- أي باعد نفسك عن النوم، كناية عن ضرورة السهر والتهجد في الليل.
3- فيه إشارة إلى أن التفكر عبارة عن التأمل والتدبر في أحوال الدنيا وتقلباتها وسير الأمم السالفة وعواقبها بهدف الاتعاظ والاعتبار.
4- الإدمان : المواظبة والمداومة، والتفكر في اللّه في صفاته وأفعاله ومظاهر قدرته وحكمته من خلال التأمل والتدبر في مخلوقاته.
5- لأنه يؤدي إلى الاتعاظ والاعتبار اللّذين ينتجان العمل بالطاعات ومكارم الأخلاق وترك المعاصي والرذائل والموبقات خوفا من غضب اللّه وسوء العاقبة.
6- المكارم: جمع المكرمة وهي الأفعال الحميدة الّتي توجب اتصاف المرء بالشرف والكرامة.
7- أي عما في أيدي النّاس ويكون يقينه بما عند اللّه تعالى دون غيره. وفي بعض النسخ (البأس) ومعناه الحرب والقتال وصدق البأس عبارة عن الثبات عند النزال والإقدام في قتال أعداء اللّه.

وصدق اللسان، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف (1)، وإطعام السائل، والمكافأة على الصنايع (2)، والتذمم للجار والتذمّم للصّاحب (3) ورأسهنَّ الحياء.

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ خص رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا اللّه، واعلموا أنَّ ذلك من خير، وإن لا تكن فيكم فاسألوا اللّه وارغبوا إليه فيها قال فذكر [ها] عشرة اليقين والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخُلُق، والسخاء، والغيرة (4)، والشجاعة، والمروة. قال : وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة وزاد فيها الصدق وأداء الأمانة.

3- عنه، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن محمّد الهاشمي، عن إسماعيل بن عباد قال بكر وأظنني (5) قد سمعته من إسماعيل، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنا : لنحبُّ من كان عاقلاً، فهماً، فقيهاً، حليماً، مدارياً، صبوراً صدوقاً، وفيّاً. إنَّ اللّه عزّ وجلّ خص الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك، ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى اللّه عزّ وجلّ وليسأله إيّاها، قال : قلت : جعلت فداك وما هنَّ ؟ قال : هنَّ الورع (6) والقناعة والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة والبر وصدق الحديث وأداء الأمانة.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ ارتضى لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبته (7) بالسخاء وحسن الخلق.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوهي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : الإيمان أربعة أركان الرّضا بقضاء اللّه، والتوكل على اللّه، وتفويض الأمر إلى اللّه، والتسليم لأمر اللّه (8).

ص: 62


1- أي إطعامه وإكرامه.
2- أي المجازاة على المعروف بالشكر وعلى الإحسان بالإحسان.
3- أي أن يحفظ ذمام كلّ منهما فلا يؤذيه، بل يدفع عنه، وأن يأنف من أن يسيء إليه في جواره أو صحبته.
4- الغيرة الحمية في الدين مطلقاً، ومنها حفظ نسائه وعدم التهاون فيما قد يبدر منهن ممّا هو خلاف العفة والصون.
5- هذا من كلام الراوي.
6- أي عن محارم اللّه سبحانه.
7- لأنه إن لم تحسن صحبته فارق وترك.
8- مر بعض الأحاديث المشابهة وعلقنا عليها في حينه فراجع.

6 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن رجل من بني هاشم (1) قال : أربع من كنَّ فيه كَمُل إسلامه ولو كان من قرنه إلى قدمه خطايا لم تنقصه : الصدق والحياء وحسن الخُلُق والشكر.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي حمزة عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ألا أخبركم بخير رجالكم»؟ قلنا : بلى يا رسول اللّه. قال: «إنّ من خير رجالكم التقي، النقي، السَّمح الكفّين (2)، النقي الطرفين (3)، البر بوالديه، ولا يلجيء عياله إلى غيره» (4).

باب فضل اليقين

1 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن المثنى بن الوليد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ليس شيء إلّا وله حد(5)، قال: قلت : جعلت فداك فما حدُّ التوكل ؟ قال : اليقين (6)، قلت : فما حد اليقين؟ قال: ألا تخاف مع اللّه شيئاً.

2 - عنه، عن معلّى عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد اللّه سنان، عن أبي عبد اللّه بن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط وعبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من صحة يقين المرء المسلم (7) أن لا يرضي النّاس بسخط اللّه، ولا يلومهم (8) على ما لم يؤته اللّه، فإنَّ الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يردُّه كراهية كاره ؛ ولو أنَّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرُّ من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت،

ص: 63


1- لعله أحدهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويحمل مثل هذا التعبير على عدم رغبة الراوي ذكر اسمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقية. أو أنّه أحد الرواة وضمير (قال) يرجع إلى الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- كناية عن السخاء.
3- أي الفرج واللسان. ونقاء الأوّل بحفظه عما حرم اللّه عليه وقصر شهوته على أزواجه أو ما ملكت يمينه، ونقاء الثاني بحيسه عن الكذب والنميمة والغيبة وغير ذلك. وقد ورد عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال : من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنّة.
4- بأن يقتر عليهم في النفقة أو يحجبها عنهم فيضطرهم إلى سؤال النّاس.
5- الحد العلامة أو التعريف أو النهاية.
6- اليقين : هو الاعتقاد الجازم الّذي لا يزلزله شيء.
7- أي باللّه وأنه الضار النافع ولا أحد غيره يملك الضر والنفع.
8- أي لا يذمهم على منعهم عنه ما في أيديهم ممّا أعطاهم اللّه ومنعه عنه.

ثمَّ قال : إِنَّ اللّه بِعَدْلِهِ وقسطه جعل الروح والرَّاحة في اليقين (1) والرّضا (2)، وجعل الهم والحزن (3) في الشك والسخط (4).

3 - ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن العمل الدائم القليل على البقين أفضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين.

4 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه على المنبر : لا يجد أحد [كم] طعم الإيمان حتّى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطِئَه (5)، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه جلس إلى حائط مائل يقضي بين النّاس، فقال بعضهم : لا تقعد تحت هذا الحائط، فإنه معور (6). فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: حَرَسَ امرءاً أجلُه (7)، فلما قام سقط الحائط. قال : وكان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّا يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين (8).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا) (9) فقال : أما إنّه ما كان ذهباً ولا فضة وإنما كان أربع كلمات لا إله إلّا أنا من أيقن بالموت لم يضحك سنه، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، ومن أيقن بالقَدَر (10) لم يخش إلّا اللّه.

7 - عنه عن عليّ بن الحكم عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان

ص: 64


1- أي برازقيته سبحانه وأن بيده العطاء والمنع.
2- أي بقضاء اللّه والتسليم لحكمه وهذا من النتائج المترتبة على اليقين.
3- هما مقابل الروح والراحة.
4- مقابل اليقين والرضا.
5- أي لا بد وأن يصيبه.
6- أي متصدع يخاف منه أن ينقض.
7- هو بمعنى : كفى بالأجل حارساً.
8- أي الاعتقاد الجازم بأن المميت هو اللّه والمحيي هو سبحانه وإنه لن تموت نفس إلّا إذا حان حَيْنُها. أو الاعتقاد الجازم بما كان قد أخبره به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عن كيفية استشهاده وأنه لن يكون بسقوط جدار أو نحوه.
9- الكهف : 82.
10- أي بأن كلّ شيء بقضاء اللّه وقدره.

أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الضار النافع هو اللّه عزّ وجلّ.

8 - محمّد بن بن يحيى، عن، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الوساء، عن عبد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني قال : نظرت يوماً في الحرب إلى رجل عليه ثوبان(1)، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال : نعم يا سعيد بن قيس، إنه ليس من عبد إلّا وله من اللّه حافظ وواقية، معه ملكان (2) يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه وبين كلّ شيء.

9 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال: سمعت أبا الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان في الكنز الّذي قال اللّه عزّ وجلّ : (وكان تحته كنز لهما)، كان فيه (3) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها (4)، وينبغي لمن عقل عن اللّه أن لا يتهم اللّه في قضائه ولا يستبطئه في رزقه، فقلت: جعلت فداك أريد أن أكتبه، قال : فضرب واللّه يده إلى الدواة ليضعها بين يدي، فتناولت يده، فقبلتها وأخذت الدَّواة فكتبته.

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان قنبر غلام علي يحبّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) حباً شديداً، فإذا خرج علي صلوات اللّه عليه خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال : يا قنبر ما لك؟ فقال : جئت لأمشي خلفك يا أمير المؤمنين. قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض ؟ فقال : لا، بل من أهل الأرض. فقال : إنَّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئاً إلّا بإذن اللّه من السماء فارجع، فرجع

11 - عليّ بن إبراهيم عن بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره قال : قيل

ص: 65


1- إشارة إلى أنّه لم يكن لابساً لامة الحرب من الدرع والمغفر وغير ذلك كما هو شأن المحاربين في ساحة المعركة احتياطاً لانفسهم.
2- إشارة إلى قوله تعالى : (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه) الرعد / 11، والمعقبات الحرس من الملائكة الّذين يتعاقبون على حفظه في الليل والنهار فإذا نزل القدر خلوا بينه وبينه.
3- اختلاف الأخبار في المكتوب في اللوح لا خير فيه لأن الجميع كان فيه، واختلاف العبارات للنقل بالمعنى مع أن الظاهر أنّها لم تكن عربية وفي النقل من لغة إلى لغة كثيراً ما تقع تلك الاختلافات مرآة المجلسي 368/7.
4- أي كيف يطمئن وتستقر نفسه إليها.

للرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّك تتكلّم بهذا الكلام (1) والسيف (2) يقطر دماً، فقال : إن اللّه وادياً من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل، فلو رامه البخاتي لم تصل إليه(3).

باب الرضا بالقضاء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن بعض أشياخ بني النجاشي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأس طاعة اللّه (4) الصبر والرضا عن اللّه فيما أحبَّ العبد أو كره (5)، ولا يرضى عبد عن اللّه فيما أحب أو كره إلّا كان خيراً له فيما أحب أو کره.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى عن عبد اللّه بن مسكان، عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ أعلم النّاس باللّه أرضاهم بقضاء اللّه عزّ وجلّ (6).

3 - عنه، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الصبر والرّضا عن اللّه رأس طاعة اللّه، ومن صبر ورضي عن اللّه فيما قضى عليه فيما أحب أو كره، لم يقض اللّه عزّ وجلّ له فيما أحب أو كره إلّا ما هو خيرٌ له (7).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «قال اللّه عزّ وجلّ إنَّ من عبادي

ص: 66


1- أي بأمر الإمامة والولاية.
2- أي سيف الظالمين من بني العباس ولعله هارون أو غيره.
3- البخاتي : جمع بختية وهي الإبل الخراسانية.
4- كنى بالرأس عن أشرف المراتب وأعلاها، باعتبار أن الرأس هو أعلى أعضاء البدن. وفي بعض النسخ : (كل طاعة اللّه).
5- أي لنفسه من الأمور المحبوبة كالسعادة والغنى والصحة أو الأمور المبغوضة له كالمرض والشقاء والفقر الخ.
6- لأن الرضا تابع لليقين، واليقين هو أعلى مراتب العلم، لأنه العلم الجازم الّذي لا يزعزعه شيء.
7- لأنه سبحانه - كما ورد في بعض الأخبار - عند حسن ظن عبده المؤمن به إضافة إلى أن اللّه سبحانه لا يختار لعبده إلّا ما فيه خيره ومصلحته وإن خفيت تلك المصلحة على العبد المحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسدة.

المؤمنين عباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالغنى والسَّعة والصحة في البدن، فأبلوهم (1) بالغنى والسَّعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم، وإنَّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم، فأبلوهم (2) بالفاقة والمسكنة والسقم، فيصلح عليهم أمر دينهم، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده، فيتهجد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فَأَضْرِبُهُ بالنعاس (3) الليلة واللّيلتين نظراً مني له وإبقاءً عليه فينام حتّى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه (4) زارىء عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العُجْبُ من ذلك فيصيّره العجبُ إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله (5) ورضاه عن نفسه، حتّى يظنَّ أَنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير، فيتباعد مني عند ذلك، وهو يظنُّ أنّه يتقرب إليَّ، فلا يتكل العاملون على أعمالهم الّتي يعملونها لثوابي، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأفنوا أعمّارهم في عبادتي، كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي، والنعيم في جناتي ورفيع درجاتي العلى في جواري، ولكن فبرحمتي فليثقوا وبفضلي فليفرحوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإنَّ رحمتي عند ذلك تَدَارَكُهُم (6)، ومَنِّي (7) يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإنّي أنا اللّه الرحمن الرحيم وبذلك تسميت».

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ينبغي لمن عقل عن اللّه أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتهمه في قضائه

ص: 67


1- أي اختبرهم بهذه الأمور ليظهر مدى شكرهم أو كفرانهم.
2- أي اختبرهم بهذه الأمور ليظهر مدى صبرهم ورضاهم أو مدى جزعهم وشكهم وسخطهم.
3- لا يخفى أن ضرب كلّ شيء بحسبه والمراد بضربه بالنعاس هنا تسليط النعاس عليه بحيث لا يقوم الليلة والليلتين لما اعتاد القيام إليه من التهجد وذلك لطفا به ورحمة له.
4- أي كاره لها.
5- فيه إشارة إلى أن العجب إضافة إلى كونه محبطاً للأجر وماحقاً للعمل يؤدي إلى الغرور والاغترار بالشيطان الغرور فيتراخى الإنسان ويضعف متراجعاً على توجهه إليه سبحانه وانقطاعه إليه، وغافلا عن أنّه لو عبد اللّه آناء الليل وأطراف النهار لما وفاه جزءً بسيطاً من حق شكره سبحانه على ما أنعم به عليه ووفقه إليه، وهذا المعنى ما تشير إليه تتمة هذا الحديث.
6- أي تلحقهم.
7- أي نعمتي.

6 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان عن عمرو بن نهيك بياع الهروي (1) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال اللّه عزّ وجلّ : عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلّا جعلته خيراً له، فليرض بقضائي، وليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي أكتبه يا محمّد من الصديقين عندي.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنَّ فيما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا موسى بن عمران : ما خلقت خلقاً أحبُّ إليَّ من عبدي المؤمن فإنّي إنّما أبتليه (2) لما هو خيرٌ له، وأعافيه لما هو خير له، وأزوي (3) عنه ما هو شر له لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي، إذا عمل برضائي وأطاع أمري.

8 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : عجبت للمرء المسلم (4) لا يقضي اللّه عزّ وجلّ له قضاء إلّا كانت خيراً له وإن قُرِّض (5) بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن سنان، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أحقُّ خلق اللّه أن(6) يسلّم لما قضى اللّه عزّ وجلّ، من عرف اللّه عزّ وجلّ، ومن رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم اللّه أجره (7)، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط اللّه أجره.

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن عليّ بن

ص: 68


1- أي كان هذا الراوي يبيع الثياب المصنوعة في هراة.
2- الابتلاء : الاختبار وهو إنما يكون للخير والشر، ومنه قوله تعالى : (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) الأنبياء/35. وإن كان الظاهر من الابتلاء بمقتضى مقابلته مع ما بعده وأعافيه أن المراد بالابتلاء الشر فقط.
3- أي اقبض عنه وامنع.
4- المراد بالمسلم هنا المؤمن، لأن ما بعده يدل على أنّه من المنقادين اللّه المفوضين أمورهم إليه وهذا لا يكون عادة إلّا من المؤمن الكامل الإيمان.
5- أي قطع وجزىء بالمقاريض.
6- أي بأن يسلّم.
7- أي ضاعفه وكثّره، إذ يؤتيه أجر القضاء وأجر الرضا به.

هاشم بن البريد عن أبيه قال: قال [لي] عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما : الزهد عشرة أجزاء، أعلا درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرّضا (1).

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لقي الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبد اللّه بن جعفر فقال : يا عبد اللّه كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه (2)، ويحقر منزلته، والحاكم عليه اللّه، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلّا الرّضا أن يدعو اللّه فيستجاب له.

12 - عنه، عن أبيه، عن ابن سنان عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : بأي شيء يُعلم المؤمن بأنه مؤمن؟ قال : بالتسليم اللّه، والرّضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط.

13 - عنه عن أبيه، عن ابن سنان عن الحسين بن المختار، عن عبد اللّه بن أبي، يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لم يكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول لشيء قد مضى : لو كان غيرُه (3).

باب التفويض إلى اللّه والتوكل عليه

1 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما اعتصم بي عبد من (4) دون أحد من خلقي، عرفت ذلك من نيّته، ثمّ تكيده (5) السماوات والأرض ومن فيهنَّ إلّا جعلت له المخرج من بينهنَّ، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته، إلّا قطعت أسباب السّماوات والأرض من يديه وأسخت الأرض (6) من تحته ولم أبال بأي واد هلك.

ص: 69


1- دل على أن الرضا بقضاء اللّه هو أعلى درجات الإيمان الكامل. وهذا لا يتأتى إلّا للأبدال من النّاس، وهم على ما تقدم في اليقين أقل القليل الّذين قسم لهم ذلك اليقين.
2- أي حظه ونصيبه في الدنيا وفي بعض النسخ (قسمته).
3- أي لا يتمنى لو وُجد غير الشيء الّذي وُجِد، وهذا من التسليم.
4- أي المؤمنين.
5- أي تمكر به.
6- أي خسفتها.

2 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن محبوب، عن أبي حفص الأعشى، عن عمر [و] بن خالد عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكأت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان، ينظر في تجاه وجهي (1) ثمّ قال : يا عليّ بن الحسين مالي أراك كئيباً حزيناً؟ أعلى الدُّنيا؟ فرزق اللّه حاضر للبر والفاجر، قلت ما على هذا أحزن وإنّه لكما تقول(2)، قال: فعلى الآخرة (3) فوعدٌ صادق يحكم فيه ملك قاهر - أو قال (4) : قادر - قلت: ما على هذا أحزن وإنّه لكما تقول، فقال : ممَّ حزنك؟ قلت : [ممّا] نتخوف من فتنة ابن الزبير (5) وما فيه النّاس(6) قال : فضحك، ثمّ قال : يا عليّ بن الحسين هل رأيت أحداً دعا اللّه فلم يجبه؟ قلت : لا، قال : فهل رأيت أحداً توكل على اللّه فلم يكفه؟ قلت : لا، قال : فهل رأيت أحداً سأل اللّه فلم يعطه؟ قلت : لا، ثمّ غاب عني (7)

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب مثله.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن حسّان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ الغنى والعز يجولان(8)، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا (9).

عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن حسّان مثله.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أيما عبد أقبل قبل ما يحبُّ اللّه عزّ وجلّ (10) أقبل اللّه قبل ما

ص: 70


1- أي إلى جهتي الّتي أنا قادم منها.
2- أي رزق اللّه حاضر للبر والفاجر.
3- أي أنت حزين على الآخرة ؟.
4- الترديد من الراوي.
5- هو عبد اللّه، وكان من الشانئين لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وفتنة دعاء النّاس إلى نفسه بعد استشهاد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- أي من الهرج والمرج.
7- لعله كان الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) والفرق بين الدعاء والسؤال، أن الأوّل يكون لدفع ضر والثاني لاستجلاب نفع.
8- أي يدوران ويتحركان. والمراد بالغنى غنى النفس وبالعز عدم إذلالها بالطلب ممّا في أيدي المخلوقين اعتماداً على ما في يد اللّه سبحانه.
9- أي أقاما واستفرا.
10- أي جعله مقصده وجهته الّتي يتوجه إليها.

يحبُّ، ومن اعتصم باللّه عصمه اللّه، ومن أقبل اللّه قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الأرض، أو كانت نازلةٌ (1) نزلت على أهل الأرض فشملتهم بليّة، كان في حزب اللّه بالتقوى من كلّ بلية، أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) (2).

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن غير واحد، عن عليّ بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلال، عن عليّ بن سُوَيد، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته : عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (3). فقال : التوكل على اللّه درجات، منها أن تتوكل على اللّه في أمورك كلّها، فما فعل بك كنتَ عنه راضياً، تعلم أنّه لا يألوك (4) خيراً وفضلاً، وتعلم أنَّ الحكم في ذلك له، فتوكّل على اللّه بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها وفي غيرها (5).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أعطي ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً : من أعطي الدُّعاء أعطي الإجابة، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة، ومن أعطي التوكل أعطي الكفاية، ثمّ قال : أتلوت كتاب اللّه عزّ وجلّ : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ؟. وقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (6)؟. وقال : (أدعوني أستجيب لكم) (7)؟

7 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن أبي علي، عن محمّد بن الحسن، عن الحسين بن راشد عن الحسين بن علوان قال : كنا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابنا من تؤمل لما قد نزل بك (8)؟ فقلت : فلاناً، فقال : إذا واللّه لا تُسعفُ (9) حاجتك، ولا يبلغك أملك ولا تنجح طلبتك، قلت : وما علمك رحمك اللّه ؟ قال : إنَّ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب أنَّ اللّه تبارك وتعالى

ص: 71


1- أي بلية ومصيبة.
2- الدخان/ 51 والمقام الأمين المكان المأمون من المكاره.
3- الطلاق، فهو حَسْبُهُ : أي كافيه.
4- أي لا يمنعك، أو لا يقصر في أن يعطيك خيراً الخ.
5- أي في أمورك كلها وفي أمور غيرك كذلك.
6- إبراهيم / 7.
7- غافر / 60.
8- أي من الحاجة إلى النفقة.
9- أي لا تقضى.

يقول : (وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي، لأقطعن أمل كلّ مؤمل [من النّاس] غيري باليأس، ولأكسونه ثوب المذلة عند النّاس ولا نَحيَّنَّه من قربي ولا بعدنّه من فضلي أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي، ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن،دعاني، فمن ذا الّذي أملني لنوائبه فَقَطعته دونها (1)؟! ومن ذا الّذي رجاني لعظيمة (2) فقطعت رجاءه منّي ؟! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممّن لا يمل من تسبيحي وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم [أنَّ] من طرقته نائبةً من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلّا من بعد إذني فمالي أراه لاهياً عنّي، أعطيته بجودي ما لم يسألني ثمّ انتزعته عنه فلم يسألني رده وسأل غيري؛ أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثمّ أسْألُ فلا أجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخلني (3) عبدي، أو ليس الجود والكرم لي؟! أو ليس العفو والرَّحمة بيدي؟! أو ليس أنا محل الآمال ؟! فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري، فلو أنَّ أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعاً ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه (4)، فيا بؤساً (5) للقانطين من رحمتي وبا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني).

8 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن عباد بن يعقوب الرواجني، عن سعيد بن عبد الرحمن قال : كنتُ مع موسى بن عبد اللّه (6) بينبع (7) وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض ولد الحسين من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت: موسى بن عبد اللّه، فقال: إذاً لا تُقضي حاجتك ثمّ لا تنجح طلبتك، قلت : ولم ذلك؟ قال : لأني قد وجدت في بعض كتب آبائي أنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول - ثمّ ذكر مثله - فقلت : يا ابن رسول اللّه أمل عليَّ، فأملأه عليَّ، فقلت: لا واللّه ما أسأله (8) حاجة بعدها.

ص: 72


1- النوائب الحوائج وما ينزل بالإنسان من المهمات. وقطعته دونها : أي جعلته عاجزاً منقطعاً دون أن يصل إلى دفعها.
2- أي لمهمة أو نازلة حلت به.
3- أي يعدّني بخيلا.
4- أي أنا قائم على تدبيره.
5- أي : ابأسهم اللّه بؤساً، وهو الحزن والشدة والفقر.
6- هو موسى بن عبد اللّه بن الحسن.
7- مكان على طريق مكة يعتبر واحة لما فيه من الماء والشجر.
8- الضمير راجع لموسى بن عبد اللّه.

باب الخوف والرجاء

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن الحارث بن المغيرة، أو أبيه (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : ما كان في وصيّة لقمان؟ قال : كان فيها الأعاجيب (2)، وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه : خف اللّه عزّ وجلّ خيفة لو جئته ببر الثَّقَلين (3) لعذَّبك، وأرجُ اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك. ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان أبي يقول : إنه ليس من عبد مؤمن إلّا [و] في قلبه نوران : نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا (4).

2 - محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا إسحاق خف اللّه كأنك تراه (5) وإن كنت لا تراه (6) فإنّه يراك، فإن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت (7)، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له (8) بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك (9).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كلّ شيء

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، عن حمزة بن عبد اللّه

ص: 73


1- الترديد من الراوي.
2- جمع الأعجوبة، وهي ما يعجبك حُسْنُه أو قبحه والمراد بها في الحديث الحُسن لا القبح باعتبارها من وصية لقمان (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- أي الإنس والجن.
4- «ظاهر الخبر أنّه لا بد أن يكون العبد دائماً بين الخوف والرجاء لا يغلب أحدهما على الآخر إذ لو رجح الرجاء لزم الأمن لا في موضعه... ولو رجح الخوف لزم اليأس الموجب للهلاك..» مرآة المجلسي 32/8.
5- أي خف اللّه خوف من يشاهده بعينه وإن كان محالاً» مرآة المجلسي 33/8.
6- أي لا بحاسة البصر لأنه محال رؤيته باعتباره تعالى ليس جسماً متميزاً، ولا ببصيرتك لأنك لست من أهل المكاشفات والرياضيات النفسانية الّتي لا تتأتى إلّا بعد المجاهدة والتطهر عن دنس المادة وتعلقات النفس الشهوانية. فتذكر دائماً بأنه محيط بكل شيء عالم بكل شيء لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وأنه مطلع عليك في سرك وعلانيتك وإنه أقرب إليك من حبل الوريد.
7- لأنه إنكار لضروري من ضروريات الإسلام وهو أن اللّه غني ليس فيه جانب من جوانب النقص والفقر والحاجة.
8- أي أظهرت له المعصية وجاهرته بها.
9- أي المطلعين عليك. وفي بعض النسخ (إليك).

الجعفري، عن جميل بن درّاج عن أبي حمزة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من عرف اللّه خاف اللّه، ومن خاف اللّه سخت نفسه عن الدُّنيا (1).

5 - عنه، عن ابن أبي نجران، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : قومٌ يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو (2)، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت، فقال: هؤلاء قوم يترجحون (3) في الأماني، كذبوا، ليسوا براجين، إنَّ من رجا شيئاً طلبه ومن خاف من شيء هرب منه.

6 - ورواه عليّ بن محمّد رفعه قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ قوماً من مواليك يلمون بالمعاصي (4) ويقولون نرجو، فقال : كذبوا ليسوا لنا بموال (5)، أولئك قوم ترجّحت بهم الأمانيُّ، من رجا شيئاً عمل،له ومن خاف من شيء هرب منه.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن صالح بن حمزة رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنَّ من العبادة شدَّةَ الخوف من اللّه عزّ وجلّ يقول اللّه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (6). وقال جل ثناؤه : (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) (7) وقال تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (8). قال : وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ حبّ الشرف والذكر (9) لا يكونان في قلب الخائف الراهب (10).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد المُكاري، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما [قال : ] قال : إنَّ رجلاً ركب البحر بأهله (11) فكُسِرَ بهم (12)، فلم ينج ممّن كان

ص: 74


1- أي تركها وانصرف عن ملاذها وزخارفها المؤدية إلى غضب اللّه سبحانه بعد انغماسه فيها ونسيانه لربه.
2- أي نرجو مغفرة اللّه ورحمته.
3- أي أن أمانيهم الخادعة مالت بهم عن الصراط المستقيم الّذي هو صراط اللّه سبحانه.
4- أي يباشرونها، واللَّمَم : الذنوب الصغيرة.
5- أي بمحبين متابعين لأن المتابعة والمحبة لنا تستدعي الورع عن محارم اللّه صغيرها وكبيرها وليست مجرد. : القلقة لسان.
6- فاطر / 28، ودل الحديث على أن الخشية من اللّه هي شدة الخوف منه، وعلى أن الخشية في حد ذاتها عبادة.
7- المائدة / 44.
8- الطلاق / 2.
9- أي حب الظهور والاستعلاء على النّاس والسمعة بينهم.
10- وذلك لأن الخوف والرهبة من اللّه يشدانه إلى العمل للآخرة والرغبة فيها في حين أن حب الجاه والسمعة في شؤون أهل الدنيا المنجذبين إلى زخارفها وحطامها، ولذا فهما ضدان أو نقيضان لا يجتمعان في قلب رجل واحد.
11- أي مع زوجته.
12- أي تحطمت سفينتهم.

في السفينة إلّا امرأة الرّجل، فإنّها نجت على لوح من ألواح السفينة حتّى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق، ولم يدع اللّه حرمة إلّا انتهكها(1)، فلم يعلم إلّا والمرأة قأئمّة على رأسه فرفع رأسه إليها فقال : إنسيّة أم جنية؟ فقالت : إنسية، فلم يكلّمها كلمة حتّى جلس منها مجلس الرّجل من أهله (2)، فلما أن هم بها اضطربت، فقال لها : مالك تضطر بين ؟ فقالت : أفْرُقُ (3) من هذا - وأومأت بيدها إلى السماء - قال : فصنعت من هذا شيئاً؟ قالت : لا وعزّته، قال : فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئاً، وإنما استكرهك استكراهاً، فأنا واللّه أولى بهذا الفرق والخوف وأحقُّ منك، قال : فقام ولم يحدث (4) شيئاً، ورجع إلى أهله وليست له همّة إلّا التوبة والمراجعة، فبينا هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب : ادع اللّه يظلّنا بغمامة، فقد حميت علينا الشَّمس، فقال الشّابُ : ما أعلم أنَّ لي عند ربّي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئاً، قال: فأدعو أنا وتؤمن أنت (5) قال نعم، فأقبل الراهب يدعو والشّاب يؤمن، فما كان بأسرع من أن أضلّتهما غمامة، فمشيا تحتها مليّاً (6) من النهار ثمّ تفرقت الجادة جادتين، فأخذ الشابّ في واحدة وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحابة مع الشاب، فقال الراهب: أنت خير مني، لك استجيب ولم يُستجب لي، فأخبرني ما قصتك؟ فأخبره بخبر المرأة فقال : غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل (7).

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن حمزة بن حمران، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ ممّا حفظ من خطب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال : يا أيّها النّاس إنَّ لكم معالم (8) افانتهوا إلى معالمكم، وإنَّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، ألا إِنَّ المؤمن يعمل بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما اللّه قاض فيه فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه (9)، ومن دنياه لآخرته، وفي الشيبة

ص: 75


1- أي تناولها عن طريق الحرام.
2- أي حالة الجماع.
3- أي أخاف من اللّه - حيث أومات إلى السماء بيدها.
4- أي لم يباشر الزنا معها.
5- أي تقول امين ومعناها : اللّهمّ استجب.
6- مليا: أي فترة طويلة.
7- أي من أيام حياتك.
8- أي علامات تستدلون بها وتستهدون وهي معالم الدين وأحكام الشرع المقدس.
9- «يعني يجتهد في الطاعة والعبادة ويروّض نفسه بالأعمال الصالحة في أيام قلائل لراحة الأبد والنعيم المؤبد» الوافي ج 3 / 58.

قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات، فوالّذي نفس محمّد بيده ما بعد الدُّنيا من مستعتب (1) وما بعدها من دار إلّا الجنّة أو النار.

10 - عنه، عن أحمد عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (2) قال : من علم أنَّ اللّه يراه ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ، فيحجزه (3) ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الّذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (4).

11 - عنه عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان عن ابن مسكان، عن الحسن بن أبي سارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجباً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى لا يدري ما صنع اللّه فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك (5)، فهو لا يصبح إلّا خائفاً ولا يصلحه إلّا الخوف (6).

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنه ليس من عبد مؤمن إلّا [و] في قلبه نوران : نور خيفة ونور رجاء، لو وُزِنَ هذا لم يزد على هذا، ولو وُزِنَ هذا لم يزد على هذا (7).

ص: 76


1- أي من رجوع عن المعصية وطلب الصفح لأن الآخرة دار جزاء ولا عمل.
2- الرحمن / 46 والمعنى : أن من خاف اليوم الّذي يقف فيه بين يدي ربه للحساب والجزاء، وهو يوم القيامة، وخوفه إنما يكون في الدنيا فيعمل فيها من أجل الخلاص من أهوال ذلك اليوم.
3- أي يحجره ويمنعه.
4- إشارة إلى قوله تعالى في سورة النازعات / 40 - 41 «وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنّة هي المأوى».
5- أي المعاصي الّتي توجب هلاكه في الآخرة بإلقائه في جهنم.
6- أي أن الخوف يكسر شهوة نفسه الأمارة بالسوء فيكون صمّام أمان له يردعه عن اقتراف المعصية، وفي ذلك صلاح له وإصلاح.
7- مر مضمون هذا الحديث في أول الباب تحت رقم (1) وقد علقنا عليه.

باب حُسن الظن باللّه عزّ وجلّ

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب (1)، عن داود بن كثير، عن أبي عبيدة الحذاء (2)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قال اللّه تبارك وتعالى : (ولا يتكل العاملون (3) على أعمالهم الّتي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم - أعمّارهم - (4) في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي، والنعيم في جناتي، ورفيع الدرجات العلى في جواري، ولكن برحمتي فليثقوا، وفضلي فليرجوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإنَّ رحمتي عند ذلك تدركهم، ومني يبلغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإنّي أنا اللّه الرحمن الرحيم وبذلك تسميت.

2 - ابن محبوب عن جميل بن صالح عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وجدنا في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال - وهو على منبره - : «والّذي لا إله إلّا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلّا الدنيا والآخرة إلّا بحسن ظنه باللّه ورجائه له، وحسن خُلقه، والكفّ عن اغتياب المؤمنين، والّذي لا إله إلّا هو لا يعذَّب اللّه مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلّا بسوء ظنه باللّه، وتقصيره من رجائه، وسوء خُلقه، واغتيابه للمؤمنين والّذي لا إله إلّا هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن باللّه(5) إلّا كان اللّه عند ظن عبده المؤمن (6)، لأنَّ اللّه كريم، بيده الخيرات، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنَّ ثمّ يُخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا باللّه الظنَّ وارغبوا إليه».

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أحسن الظن باللّه فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : أنا عند ظن عبدي المؤمن بي، إن إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشراً (7).

ص: 77


1- هو الحسن بن محبوب السرّاد ويقال (الزراد).
2- واسمه زياد بن عيسى.
3- «أي لا يعتمدوا عليها وإن أتوا بها حسنة تامة الأركان وذلك لأن المفسدات الخفية كثيرة جداً وقلما يخلو عمل عنها... الخ» الوافي ج 59/3. وقد مر هذا ضمن الحديث رقم (4) في باب الرضا بالقضاء والسند واحد.
4- في الحديث السابق (وأفنوا أعمّارهم).
5- أي ظنه بأنه يغفر له عند استغفاره.
6- إذا اطلع منه على صدقه في الاستغفار والإنابة وعدم العزم على العودة إلى الذنب.
7- وقال الخطابي : معناه : أنا عند ظن عبدي في حسن عمله وسوء عمله، لأن من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنّه مرآة المجلسي 45/8.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمّد، عن المنقري (1). عن سفيان ابن عيينة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : حسن الظن باللّه أن لا ترجو إلّا اللّه، ولا تخاف إلّا ذنبك (2).

باب الاعتراف بالتقصير

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لبعض ولده : يا بنيَّ عليك بالجد، لا تخرجنَّ نفسك حد التقصير (3) في عبادة اللّه عزّ وجلّ وطاعته، فإنَّ اللّه لا يُعبد حق من عبادته.(4)

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن بعض العراقيين(5)، عن محمّد بن المثنى الحضرمي عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر قال: قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا جابر لا أخرجك اللّه من النقص و [لا] التقصير (6).

3 - عنه، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ رجلاً في بني إسرائيل عبد اللّه أربعين سنة ثمّ قرَّب قُربان (7) فلم يقبل منه، فقال لنفسه : ما أتيتُ (8) إلّا منك وما الذنب إلّا لك، قال : فأوحى اللّه تبارك وتعالى إليه : ذمّك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة.

4 - أبو علي الأشعري عن عيسى بن أيّوب عن عليّ بن مهزيار، عن الفضل ابن

ص: 78


1- واسمه سلیمان بن داود.
2- بدل هذا الحديث على أن الخوف لا يتنافى مع حسن الظن بل يمكن اجتماعهما بأن يخاف من عدم قبول عمله كما مر فلا يعتمد عليه ويرجو قبوله الحسن ظنه بكرم اللّه ورحمته.
3- أي ينبغي أن تعد نفسك مقصراً دائماً في عبادتك لربك وطاعتك له.
4- أي مهما اجتهد مخلوق في عبادة خالقه وطاعته له فإنه لا يفي بجزء ضئيل من حق شكره سبحانه.
5- أي عن بعض الرواة من أهل العراق، أو الكوفة بالتحديد.
6- أي وفقك اللّه لأن تعدّ عبادتك ناقصة ونفسك مقصرة أيضاً، مرآة المجلسي 46/8.
7- القربان ما يقدّم إلى اللّه تقرباً به إليه من النعم، وكانت علامة قبول اللّه له عند بني إسرائيل أن تنزل نار من السماء فتحرقه.
8- أي ما دخل علي البلاء إلّا من جهتك الوافي 60/3.

يونس، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : أَكْثر من أن تقول : اللّهمّ لا تجعلني من المعارين(1)، ولا تُخرجني من التقصير. قال : قلت : أما المعارون فقد عرفت أنَّ الرجل يعارِ الدِّين ثمّ يخرج منه، فما معنى لا تخرجني من التقصير ؟ فقال : كلّ عمل تريد به اللّه عزّ وجلّ فكن فيه مقصراً عند نفسك، فإنَّ النّاس كلّهم في أعمالهم فيما بينهم وبين اللّه مقصرون إلّا من عصمه اللّه عزّ وجلّ.

باب الطاعة والتقوى

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن أبي نصر، عن محمّد أخي عرام عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا تذهب بكم المذاهب (2)، فواللّه ما شيعتنا إلّا من أطاع اللّه عزّ وجلّ.

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خطب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في حجة الوداع فقال : «يا أيّها النّاس، واللّه ما من شيء يُقربكم من الجنّة ويُبَاعِدُكُمْ من النّار إلّا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النّار ويباعدكم من الجنّة إلّا وقد نهيتكم عنه، ألا وإنَّ الرُّوح الأمين (3) نفت (4) في روعي (5) أنّه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّه وأجملوا (6) في الطلب، ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حلّه (7)، فإنه لا يدرك ما عند اللّه إلّا بطاعته».

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم ؛ وأحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، جميعاً عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : يا جابر

ص: 79


1- أي من الّذين جعل الإيمان عارية في قلوبهم بمعنى أنّه غير ثابت ولا مستقر فسرعان ما يزول.
2- «إسناد الإذهاب إلى المذاهب مجاز، والمعنى : لا تذهبوا المذاهب في طلب الرخص والمعاذير في تقصيركم في طاعة اللّه تعالى بسبب انتسابكم إلينا ولا تحسبوا أن مجرد القول بالتشيع كاف في النجاة... من دون مشايعة لنا في عبادة اللّه تعالى» الوافي ج 60/3.
3- يعني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- أي ألقى أو أوحى.
5- أي نفسي.
6- أي اقتصدوا في الطلب وارفقوا بأنفسكم فيه.
7- أي بمعصية اللّه. أو من غير السبل وبغير الوسائل الّتي أحلها اللّه.

أيكتفي من ينتحل التشيع (1) أن يقول بحبنا أهل البيت فواللّه ما شيعتنا إلّا من اتقى اللّه وأطاعه وما كانوا يعرفون (2) يا جابر إلّا بالتواضع والتخشع، والأمانة وكثرة ذكر اللّه، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن النّاس إلّا من خير؛ وكانوا أمناء عشائرهم(3) في الأشياء. قال :جابر : فقلت يا ابن رسول اللّه ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال : يا جابر لا تذهبنَّ بك المذاهب حَسب الرجل أن يقول : أحبُّ عليّاً وأقولاه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً (4)؟ فلو قال: إنّي أُحبُّ رسول اللّه، فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خيرٌ من علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ لا يتبع سيرته ولا يعمل بسته ما نَفَعَهُ حبه إيَّاه شيئاً، فاتقوا اللّه واعملوا لما عند اللّه، ليس بين اللّه وبين أحد قرابة، أحبُّ العباد إلى اللّه عزّ وجلّ [وأكرمهم عليه] أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر : واللّه ما يتقرب إلى اللّه تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة (5) من النّار، ولا على اللّه لأحدٍ من حجّة (6)، من كان للّه مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان اللّه عاصياً فهو لنا عدو وما تُنَالُ ولايتنا إلّا بالعمل والورع.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان يوم القيامة يقوم عُنق من النّاس (7) فيأتون باب الجنّة فيضربونه (8)، فيقال لهم : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل الصبر، فيقال لهم : على ما صبرتم ؟ فيقولون : كنا نصبر على طاعة اللّه ونصبر عن معاصي فيقول اللّه عزّ وجلّ : صَدَقوا أدْخِلُوهُمُ الجنّة، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (9).

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن فضيل بن عثمان،

ص: 80


1- أي يدعيه وهو ليس من أهله.
2- أي شيعتنا.
3- أي ثقاتهم والمؤتمنون عندهم.
4- أي مطبقاً لما يستلزمه حب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وموالاتهم من كثرة العبادة والطاعة والتحلي بمحامد الأخلاق وجميل الخصال والمكارم.
5- أي صك بالبراءة منها.
6- أي يحتج بها على اللّه لو كان أهلاً للعقاب فعاقبه بأنه من شيعة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بلسانه ومن أعداء اللّه وأعدائهم بعمله، إذ اللّه الحجة البالغة ولا قبح في العقاب بعد البيان والإنذار.
7- أي جماعة منهم.
8- أي يطرقونه.
9- الزمر / 10.

عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول : لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يُتقبل (1).

6 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن بعض أصحابه، عن أبان، عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا معشر الشيعة - شيعة آل محمّد -، كونوا النمرقة الوسطى (2) يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي. فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد : جعلت فداك ما الغالي؟ قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا ولسنا منهم. قال : فما التالي ؛ قال : المرتاد يريد الخير، يبلغه الخير يوجر عليه. ثمّ أقبل علينا فقال : واللّه ما معنا من اللّه براءة ولا بيننا وبين اللّه قرابة، ولا لنا على اللّه حجّة، ولا نتقرب إلى اللّه إلّا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً اللّه تنفعه ولايتنا ومن كان منكم عاصياً اللّه لم تنفعه ولايتنا، وَيْحَكُمْ لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن مفضّل بن عمر قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فذكرنا الأعمال فقلت أنا : ما أضعف عملي، فقال (3) : مَه، استغفر اللّه، ثمّ قال لي إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى. قلت كيف يكون كثير بلا تقوى؟ قال: نعم مثل الرّجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطيء رحله (4)، فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى. ويكون الآخر ليس عنده (5) فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه (6).

8 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن أبي داود المستر، عن محسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما نقل اللّه عزّ وجلّ عبداً

ص: 81


1- أشار في آخر الحديث إلى قوله سبحانه (إنما يتقبل اللّه من المتقين) المائدة/ 27. الوافي 3 ص / 61.
2- «النمرقة - مثلثة - الوسادة الصغيرة وفي الكلام استعارة والمراد أنّه كما كانت الوسادة الّتي يتوسد عليها الرجل إذا كانت رفيعة جداً أو خفيضة جداً لا تصلح للتوسد بل لا بد لها من حد من الارتفاع والانخفاض حتّى تصلح لذلك كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم لا تكونوا غالين تجاوزون بهم عن مرتبتهم الّتي أقامهم اللّه عليها وجعلهم أهلاً لها وهي الإمامة والوصاية النازلتان عن الإلوهية والنبوَّة... ولا تكونوا أيضاً مقصرين فيهم تنزلونهم عن مرتبتهم وتجعلونهم كسائر النّاس.... بل كونوا كالنمرقة الوسطى... الخ» ن. م ص 60.
3- ولعل ردعه (عَلَيهِ السَّلَامُ) المفضّل عن استقلال العمل وأمره بالاستغفار منه كان لاستشمامه منه رائحة الاتكال على العمل مع أن العمل هين جداً في جنب التقوى لاشتراط قبوله بها ولهذا نبهه على ذلك الوافي ج 3 ص / 61.
4- «توطية الرحل كناية عن التواضع والتذلل يقال فرش وطيء لا يؤذي جنب النائم، يعني رحله ممهد يتمكن منه من يصاحبه ولا يتأذى أو كناية عن الكرم والضيافة» ن. م.
5- أي لا يوجد عنده عمل كثير بل عمل قليل ولكن مع التقوى.
6- إذ إن التقوى تحجزه عن الدخول في الحرام.

من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى، إلّا أغناه من غير مال وأعزّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بَشَر.

باب الورع

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن زيد الشحام، عن عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : إني لا ألقاك إلّا في السنين، فأخبرتي بشيء آخذ به، فقال: أوصيك بتقوى اللّه والورع والاجتهاد (1) واعلم أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن حديد بن حكيم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اتقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع

3 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن يزيد بن خليفة قال : وعظنا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأمر وزهد، ثمّ قال : عليكم بالورع، فإنّه لا ينال ما عند اللّه إلّا بالورع.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

5 - عنه، عن أبيه عن فضالة بن أيّوب، عن الحسن بن زياد الصيقل، عن فضيل ابن يسار قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ أشدَّ العبادة الورع (2).

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير قال قال أبو الصباح الكناني لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما نلقى من النّاس فيك (3)؟! فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما الّذي تلقى من النّاس في ؟ فقال : لا يزال يكون بيننا وبين

ص: 82


1- أي بذل الوسع في طاعة اللّه واجتناب محارمه والفرق بين التقوى والورع على ما قيل : إن التقوى إنما تكون بترك المحرمات والورع إنما يكون بالابتعاد عن الشبهات أيضاً.
2- وذلك لأن الورع كما تقدم هو ترك الشبهات إضافة إلى ترك المحرمات الّذي تحققه التقوى وهذا الترك أصعب من فعل الطاعة.
3- أي من الأذى بسبب انتسابنا إليك، ولا يخفى ما في توجيه مثل هذا الكلام الجلفي إلى المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من سوء أدب وجفاء.

الرَّجل الكلام فيقول : جعفري خبيث، فقال : يعيّركم النّاس بي ؟ فقال له أبو الصباح : نعم. قال : فقال : ما أقل واللّه من يتَّبع جعفراً منكم، إنما أصحابي من اشتدَّ ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، فهؤلاء أصحابي (1).

7 - حنان بن سدير، عن أبي سارة الغزال عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ : ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك، تكن من أورع النّاس(2).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان المنقري، عن حفص بن غياث قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الورع من النّاس، فقال الّذي يتورع عن محارم اللّه عزّ وجلّ.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عليك بتقوى اللّه والورع والاجتهاد وصدق الحديث، وأداء الأمانة وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير السنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيئاً(3)، وعليكم بطول الركوع والسجود، فإنَّ أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال : يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيتُ.

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أبي زيد، عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل عيسى بن عبد اللّه القمي فرحب به وقرب من مجلسه، ثمّ قال : يا عيسى بن عبد اللّه ليس منا - ولا كرامة (4) - من كان في مصر (5) فيه مائة ألف أو يزيدون (6) وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه.

11 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال عن عليّ بن عقبة، عن أبي کهمس (7)، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصني، قال أوصيك

ص: 83


1- مع ملاحظة قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أقل واللّه من يتبع جعفراً منكم، يمكن أن يكون ما ذكره (عَلَيهِ السَّلَامُ) إيماء إلى أن ما تسمعون من المخالفين إنما هو لعدم الطاعة إما بترك الطاعات والأعمال الرضية أو بترك ما أمرتكم به من التقية مرآة المجلسي 60/8.
2- كأنه تعريض بأصحاب البدع الّذين يحرمون ما أحل اللّه على أنفسهم ويسمونه ورعاً أو تنبيه على أن الورع إنما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها، ن. م ص / 61.
3- أي عاراً.
4- أي ليس له كرامة عند اللّه سبحانه أو عند المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- أي قطر أو بلد.
6- أي من المخالفين.
7- هو كنية هيثم بن عبد اللّه والقاسم بن عبيد وهيثم بن عبيد الشيباني.

بتقوى اللّه والورع والاجتهاد واعلم أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

12 - عنه عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أعينونا بالورع، فإنه من لقي اللّه عزّ وجلّ منكم بالورع كان له عند اللّه فرجاً، وإنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (1) فمنا (2) النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنا لا نعدُّ الرَّجل مؤمناً حتّى يكون بجميع أمرنا متبعاً مريداً، ألا وإنَّ من اتباع أمرنا وإرادته الورع، فتزينوا به، يرحمكم اللّه وكبدوا (3) أعدائنا [به] ينعشكم اللّه (4).

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن العلاء، عن ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كونوا دعاة للنّاس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية (5).

15 - الحسين بن محمّد عن عليّ بن محمّد بن سعيد عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن حمزة العلوي قال : أخبرني عبيد اللّه بن عليّ عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : كثيراً ما كنت أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات (6) بورعه في خدورهنَّ، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل(7) فيهم [من] خلق [ا] اللّه أورع من منه.

باب العفة

باب العفة (8)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبي

ص: 84


1- النساء/ 69.
2- «أي من بني هاشم، وكأن المراد بالصديق أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبالشهداء الحسنان (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبالصالحين باقي الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أو المراد بالشهداء جميع الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبالصالحين شيعتهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)». مرآة المجلسي 64/8.
3- أي أوقعوهم في الشدة والمشقة من الكبد. وفي بعض النسخ (كيدوا) أي حاربوا.
4- أي يرفع منازلكم في الدنيا والآخرة.
5- أي يكون عملكم الحسن داعياً للمخالفين للدخول فيما أنتم فيه من ولاية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
6- المستورات المحجبات في بيوتهن.
7- أي من المخالفين.
8- والعفة في الأصل: الكف، قال في القاموس : عف عفاً وعفافة بفتحهن وعفة بالكسر فهو عف وعفيف : كف عما لا يحلّ ولا يجمل... وقال الراغب العفة، حصول حالة للنفس تمنع بها من غلبة الشهوة والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر...» مرآة المجلسي 66/8.

جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما عُبد اللّه بشيء أفضل من عفّة بطنٍ وفَرْج.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ أفضل العبادة عفّة البطن والفرج.

3 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول : أفضل العبادة العفاف.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلّى أبي عثمان عن أبي بصير قال : قال رجل لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي ضعيف العمل قليل الصيام، ولكني أرجو أن لا أكل إلّا حلالاً، قال : فقال له : أيُّ الاجتهاد أفضل من عفّة بطن وفرج.

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «أكثر ما تلج (1) به أمتي النّار الأجوفان : البطن والفرج».

6 - وبإسناده قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ثلاث أخافهنَّ على أمتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن (2)، وشهوة البطن والفرج».

7- أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن بعض أصحابه، عن ميمون القداح قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من عبادة أفضل عند اللّه من عفّة بطن وفرج.

باب اجتناب المحارم

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن

ص: 85


1- أي تدخل.
2- أي الابتلاءات الّتي تؤدي للهرج والمرج والضلال.

داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) قال : من علم أنَّ اللّه عزّ وجلّ يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الّذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (1).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّ عين باكية يوم القيامة غير ثلاث : عين سهرت في سبيل اللّه (2)، وعين فاضت (3) من خشية اللّه وعين غُضّت (4) عن محارم اللّه.

3 - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : فيما ناجى اللّه عزّ وجلّ به موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا موسى ما تقرَّب إليَّ المتقربون بمثل الورع عن محارمي، فإنّي أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحداً.

4 - عليّ [بن إبراهيم]، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أشد ما فرض اللّه على خلقه ذكر اللّه كثيراً. ثمّ قال : لا أعني اللّه اللّه سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر وإن كان منه، ولكن ذكر اللّه عندما أحلّ وحرم فإن كلّ طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها (5).

5 - ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (6). قال : أما واللّه إن كانت أعمالهم أشد بياضاً من القباطي (7)، ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه.

6 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من ترك معصية اللّه (8) مخافة اللّه تبارك وتعالى، أرضاه اللّه يوم القيامة».

ص: 86


1- مر مضمون هذا الحديث مع تغيير طفيف في بعض ألفاظه في باب الخوف والرجاء ورقمه (10) والسند واحد وعلقنا عليه فراجع.
2- أي في الجهاد والمرابطة في الثغور أو مطلقاً.
3- كناية عن بكائها من خوف اللّه سبحانه.
4- أي كسرها صاحبها عن النظر إلى ما حرم اللّه عليه.
5- هذا يدل على أن الطاعة العملية اللّه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه هو الطاعة حقيقة لا مجرد لقلقة اللسان بالقول.
6- الفرقان / 23. وقَدِمنا : قصدنا. والمقصود ب- (من عمل) أي من عمل حسن عليه الثواب.
7- ثياب رقيقة بيضاء تصنع من قبل أقباط مصر.
8- ترك معصية اللّه، إما بفعل طاعته أو بترك ما نهي عنه.

باب أداء الفرائض

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما : من عمل بما افترض اللّه عليه فهو من خير النّاس (1)

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (اصْبروا وصابروا ورابطوا) (2). قال اصبروا على الفرائض.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن أبي السفاتج (3)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: اصبروا وصابروا ورابطوا. قال : اصبروا على الفرائض وصابروا على المصائب، ورابطوا على الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4).

وفي رواية ابن محبوب، عن أبي السفاتج [ وزاد فيه]: فاتقوا اللّه ربكم فيما افترض عليكم.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إعمل بفرائض اللّه تكن أتقى النّاس» (5).

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه تبارك وتعالى : (ما تحبب (6) إليَّ عبدي بأحبَّ ممّا افترضت عليه).

ص: 87


1- الخيرية نسبية هنا، فهو من خير النّاس الّذين قد يتركون بعض الفرائض، مع أن الّذي يأتي بجميع ما افترض اللّه عليه مع إتيانه بالمستحات أيضاً أو بعضها فهو خير منه.
2- آل عمران/ 200. والمصابرة : مطاولة المرء غيره بالصبر والمقصود بالغير هنا الكفار والمرابطة هنا الجهاد. والحديث التالي مفسر لهذا الحديث.
3- واسمه إبراهيم بن عبد اللّه. ويطلق على إسحاق بن عبد اللّه، وعلى إسحاق بن عبد العزيز أيضاً.
4- أي احبسوا أنفسكم على ولايتهم والانقياد لهم وانتظار قائمهم.
5- كون إنسان اتلقى من إنسان أمر نسبي، والكلام فيه هنا نفس الكلام حول الحديث رقم (1) من هذا الباب.
6- التحبب استجلاب المحبة.

باب استواء العمل والمداومة عليه

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كان الرّجل على عمل فليدم عليه سنة، ثمّ يتحوّل عنه إن شاء إلى غيره (1)، وذلك أنَّ ليلة القدر يكون فيها في عامه ذلك، ما شاء اللّه أن يكون.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أحبُّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ مادا [و] م عليه العبد وإن قل

3 - أبو علي الأشعري عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن نَجَبَة (2)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من شيء أحبُّ إلى اللّه عزّ وجلّ من عمل يداوم عليه وإن قل.

4 - عنه، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول : إنّي لأحبُّ أن أداوم على العمل وإن قل.

5 - عنه عن فضالة بن أيّوب عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول : إنّي لأحبُّ أن أقدم على ربّي وعملي مستو (3).

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن جعفر بن بشير، عن عبد الكريم بن عمرو عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إياك أن تفرض على نفسك (4) فريضة فتفارقها اثني عشر هلالاً (5).

ص: 88


1- أي «إلى غيره من الطاعات... والحاصل أنّه إذا داوم سنة يصادف ليلة القدر الّتي يكون فيها ما شاء اللّه كونه من البركات والخيرات والمضاعفات فيصير له هذا العمل مضاعفاً مقبولاً... الخ» مرآة المجلسي 80/8 - 81.
2- لعله نجبة بن الحارث العطار. وقد يكون (نجية) كما في بعض نسخ المرآة وهو موافق لما في التهذيب / 4، باب وجوه الصيام الحديث (910) والاستبصارج 2 باب صوم يوم عاشوراء الحديث (441). فراجع معجم الرجال للإمام الخوئي 125/19 - 126.
3- أي على نسق واحد بين الإفراط والتفريط.
4- أي تحملها على عمل طاعة من الطاعات، وليس الفرض هنا بمعنى الإيجاب بنذر ونحوه لأنه تابع لقصد الناذر سنة أو أكثر أو أقل.
5- أي شهراً.

باب العبادة

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عمر بن يزي يزيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : في التوراة مكتوب : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، ولا أكلكَ إلى طَلَبك، وعلي أن أسدَّ فاقتك (1)، وأملأ قلبك خوفاً مني ؛ وإن لا تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدُّنيا ثمّ لا أسد فاقتك وأكِلْك إلى طلبك.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن أبي جميلة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال اللّه تبارك وتعالى : (يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدُّنيا فإنكم تتنعمون بها في الآخرة).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أفضل النّاس من عشق العبادة(2)، فعانقها وأحبها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدّنيا، على عسر أم على يسر».

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن شاذان بن الخليل قال - وكتبت من كتابه بإسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد اللّه قال : - قال عيسى بن عبد اللّه لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك ما العبادة؟ قال : حسن النية بالطاعة من الوجوه الّتي يطاع اللّه منها، أما إنك يا عيسى لا تكون مؤمناً حتّى تعرف النّاسخ من المنسوخ، قال : قلت جعلت فداك وما معرفة النّاسخ من المنسوخ ؟ قال: فقال : أليس تكون مع الإمام موطناً نفسك على حسن النية في طاعته، فيمضي ذلك الإمام ويأتي إمام آخر فتوطن نفسك على حسن النية في طاعته؟ قال: قلت نعم قال هذا معرفة النّاسخ من المنسوخ (3).

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل، عن هارون بن خارجة،

ص: 89


1- أي فقرك وحاجتك.
2- أي تولّه قلبه بها وأفرط في حيها.
3- هذا المعنى للناسخ والمنسوخ موافق ومؤيد لما ورد في الأخبار في تفسير قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها تأتِ بخير منها) البقرة / 106 إن المراد به ذهاب إمام ونصب إمام بعده فهو خير منه أو مثله.... مرآة المجلسي 8 / 85.

عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : [إِنّ] العباد ثلاثة (1): قوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه تبارك وتعالى في طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ حبّاً له، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة (2).

6 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما أقبح الفقر بعد الغنى (3)، وأقبح الخطيئة بعد المسكنة (4)، وأقبح من ذلك العابد للّه ثمّ يدع عبادته».

7 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الوشّاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من عمل بما افترض اللّه عليه فهو من أعبد النّاس.

باب النية

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب. عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : لا عمل إلّا بنيّة (5).

2 - عليَّ، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله ؛ وكلّ عامل يعمل على نيّته» (6).

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّى أفعل

ص: 90


1- أي ثلاثة أصناف. وفي بعض النسخ (العبادة ثلاث) أي ثلاث مراتب.
2- فيه إشارة إلى أن في كلّ من القسمين الأولين للعبادة أيضاً فضلاً.
3- أي في نظر النّاس.
4- الظاهر أن المراد به بيان قبح ارتكاب الخطايا بعد حصول الفقر والمسكنة لضعف الدواعي وقلة الآلات والأدوات، وإن احتمل أن يكون الغرض بيان قبح الذنوب بعد كونه مبتلى بالفقر والمسكنة فأغناه اللّه فارتكب بعد ذلك الخطايا لتضمنه كفران النعمة ونسيان الحالة السابقة مرآة المجلسي 87/8.
5- أي لا أعمال صحيحة كما فهمه الأكثر إلّا بنية وخُصَّ بالعبادات، ن. م ص / 88.
6- ذكر صاحب الوافي ج 71/3 - 72 وجوهاً أربعة لهذا الحديث وقد وجهه هو (رضیَ اللّهُ عنهُ) فقال : والثالث: ما خطر ببالي وهو أن المؤمن ينوي أن يوقع عباداته على أحسن الوجوه لأن إيمانه يقتضي ذلك ثمّ إذا كان يشتغل بها لا يتيسر له ذلك ولا يتأتى كما يريد فلا يأتي بها كما ينبغي فما الّذي ينوي دائماً خير من الّذي يعمل في كلّ عبادة». ويقابل هذا طبعاً نية الكافر، وذلك لأن الكافر ينوي الشر ويأمل من الشر ما لا يدركه.

كذا وكذا من البر ووجوه الخير، فإذا علم اللّه عزّ وجلّ ذلك منه بصدق نية، كتب اللّه له الأجر (1) مثل ما يكتب له من لو عمله، إنَّ اللّه واسع كريم.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن إسحاق بن الحسين، عن عمرو (2) عن حسن بن أبان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن حدّ العبادة الّتي إذا فعلها فاعلها كان مؤدّياً ؟ فقال : حسن النية بالطاعة (3).

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن أحمد بن يونس، عن أبي هشام قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما خُلّد أهل النّار في النار، لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها (4) أن يعصوا اللّه أبداً، وإنما خلّد أهل الجنّة في الجنّة، لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبداً، فبالنيات خلّد هؤلاء وهؤلاء، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (5) قال : على نيته.

باب (بدون العنوان)

باب (6)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن الأحول (7)، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ألا إنّ لكلّ عبادة شرّة (8) ثمّ تصير إلى فترة (9) فمن صارت شرّة عبادته إلى سنتي فقد اهتدي، ومن خالف سنّتي فقد ضلَّ وكان عمله في تباب (10). أما إنّي أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي، فمن رغب عن منهاجي وسنّتي فليس مني». قال (11) : «كفى بالموت موعظة، وكفى

ص: 91


1- أي على نيته الخيرة تلك.
2- في الوافي : عن محمّد بن إسحاق، عن الحسين بن عمرو.
3- يعني أن يكون له في طاعة من يعبده نية حسنة فإن تيسر له الإتيان بما وافق نيته وإلا فقد أدى ما عليه من العبادة بحسن نيته الوافي ج 72/3.
4- أي في الدنيا.
5- الإسراء / 84.
6- «إنما لم يُعنون الباب لأنه يمكن إدخاله في عنوان الباب الآتي، ولعله لو ذكر بعده كان أولى وأما مناسبته للباب السابق كما توهم فهي ضعيفة» مرآة المجلسي 106/8.
7- تقدم التنبيه على أنّه محمّد بن عليّ بن النعمان وهو مؤمن الطاق.
8- أي شدة ونشاط.
9- أي إلى سكون وتراخ عن العبادة.
10- أي خسران وفي بعض النسخ (تبار). والمعنى واحد. وقد مر صدر هذا الحديث في باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب من المجلد الأوّل تحت رقم (10) وعلقنا عليه فراجع.
11- أي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

باليقين غنىً، وكفى بالعبادة شغلا) (1).

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحجّال عن ثعلبة، قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لكلّ أحد شرة ولكلّ شرة فترة، فطوبى لمن كانت فترته إلى خير.

باب الاقتصاد في العبادة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنّ هذا الدين متين (2) فأوغلوا (3) فيه برفق (4)، ولا تكرهوا عبادة اللّه إلى عباد اللّه، فتكونوا كالراكب المنبت (5) الّذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى» (6).

محمّد بن سنان، عن مقرن، عن محمّد بن سوقة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة (7).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أحب عبداً فعمل [ عملاً] قليلاً جزاه بالقليل الكثير، ولم يتعاظمه (8) أن يجزي بالقليل الكثير له.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ؛ عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم،

ص: 92


1- «الظاهر أن هذه الفقرات الأخيرة مواعظ أخر لا ارتباط لها بما تقدمها مرآة المجلسي 108/8.
2- أي قوي شديد.
3- الإيغال : السير الشديد.
4- أي بلين ولطف.
5- أي المنقطع.
6- بريد أن الّذي يحمل نفسه سيراً في السفر فوق طاقتها وطاقة راحلته فإنه ينقطع في الطريق بسبب عجز دابته عن مواصلة السير فلا يكون قد بلغ مقصده ولا أبقى على راحلته.
7- وذلك بتحميلها أكثر ممّا تطيق. كما مر في حديث الرجل الّذي هدى النصراني فحمله أكثر من طوقه فكرهه بالإسلام وأرجعه إلى الكفر وقد مر في باب درجات الإيمان تحت رقم (2).
8- أي لم يكثر عليه.

عن منصور، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرَّ بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث (1) وقد اجتهدت في العبادة، فرآني وأنا أتصابُّ عرقاً، فقال لي: يا جعفر يا بنيَّ إنَّ اللّه إذا أحبّ عبداً أدخله الجنّة ورضي عنه باليسير (2).

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبي : يا بنيَّ دونَ(3) ما أراك تصنع، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا أحبّ عبداً رضي عنه باليسير.

6 - حميد بن زياد عن الخشاب، عن ابن بقاح (4)، عن معاذ بن ثابت، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا علي إنَّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربّك، [ف-] إنَّ المنبت - يعني المفرِط - لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرم (5)، واحذر حذر من يتخوف أن يموت غداً».

باب مَن بَلَغَهُ ثواب من اللّه على عمل

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له (6)، وإن لم يكن على ما بلغه (7).

2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب، أوتيه (8)، وإن لم يكن الحديث كما بلغه (9).

ص: 93


1- أي شاب يافع.
2- أي بالقليل من العمل أو بالميسور منها، طبعاً بشرط التقوى والورع كما مر.
3- أي اصنع دون ما أراك تصنع.
4- واسمه الحسن بن عليّ.
5- أي تأن وارفق ولا تستعجل، فإن من يرجو البقاء طويلاً لا يسارع في الفعل كثيراً. أو أن من يرجو ذلك لا يتعب نفسه بل يداري بدنه ولا ينهكه بكثرة الصيام والسهر وأمثالهما مرآة المجلسي 111/8.
6- أي كان ذلك الثواب له.
7- أي وإن لم يكن ما بلغه من الثواب على ذلك العمل صحيحاً ثابتاً في الواقع.
8- أي أعطي ذلك الثواب.
9- وذلك لأن الأعمال الجسمانية لا قدر لها عند اللّه إلّا بالنيات القلبية، ومن يعمل بما سمع أنّه عبادة فإنما يعمل به طاعة اللّه وانقياداً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيكون عمله مشتملا على نية التقرب وهيئة التسليم وإن كان نسبته إلى الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خطأ وذلك لأن هذا الخطأ لم يصدر منه باجتهاده وإنما صدر عن غيره... الخ» الوافي ج 72/3.

باب الصَّبر

باب الصَّبر (1)

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب. عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الصبر رأس الإيمان (2).

2 - أبو عليّ الأشعري عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد القاساني، جميعاً، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حفص إنَّ من صبر صبر قليلاً وإنَّ من جزع جزع قليلا (3)، ثمّ قال : عليك بالصبر في جميع أمورك، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأمره بالصبر والرفق، فقال: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) (4). وقال تبارك وتعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [السيئة] فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (5). فصبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى نالوه بالعظائم (6) ورموه بها، فضاق صدره فأنزل اللّه عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (7). ثمّ كذَّبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (8).

ص: 94


1- قال المحقق الطوسي (قدّس سِرُّه): الصبر : حبس النفس عن الجزع عند المكروه وهو يمنع الباطن عن الاضطراب واللسان عن الشكاية والأعضاء عن الحركات غير المعتادة مرآة المجلسي 121/8.
2- كأنه جعل الإيمان جسداً وجعل الصبر رأسه، فهو تشبيه للمعقول بالمحسوس.
3- أي صبر وجزع صبراً وجزعاً قليلاً. أو صبر وجزع زمناً قليلاً، وهو زمن وقوع المصيبة، أو مدة العمر، وهي قليلة بالنسبة إلى عمر الدنيا، أو الدنيا والآخرة.
4- المزمل / 10 - 11.
5- فصلت/ 35.
6- كانهامه بالسحر والجنون والافتراء على اللّه وأنواع الأذية الّتي مارسوها معه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
7- الحجر / 97 – 98.
8- الأنعام / 33 - 34.

فألزم النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نفسه الصبر، فتعدوا فذكروا اللّه (1) تبارك وتعالى وكذبوه، فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (2). فصبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في جميع أحواله، ثمّ بُشر في عترته بالأئمّة ووُصفوا بالصبر، فقال جلَّ ثناؤه : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (3). فعند ذلك قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد فشكر اللّه عزّ وجلّ ذلك له»، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (4) فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنّه بشرى وانتقام، فأباح اللّه عزّ وجلّ له قتال المشركين»، فأنزل [اللّه]: ([ف- ] اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (5). (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (6). فقتلهم اللّه على يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأحبائه، وجعل له ثواب صبره مع ما أدَّخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب (7) لم يخرج من الدُّنيا حتّى يقر [ اللّه ] له عينه (8) في أعدائه، مع ما يدَّخر له في الآخرة.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن أبي محمّد عبد اللّه السراج، رفعه إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ؛ ولا إيمان لمن لا صبر له.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

ص: 95


1- أي قالوا عليه سبحانه ما لم ينزل به سلطاناً، أو نسبوا إليه ما لا يليق بساحته سبحانه.
2- ق / 38 - 39. واللغوب: النصب والإعياء.
3- السجدة / 24.
4- الأعراف / 137. و (مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) أي من العمّارات والأبنية والقصور (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) من الأشجار والأعناب والثمار وقيل : يعرشون : يبنون لأن عنبهم كان غير معروش.
5- التوبة 5. ومعنى احصروهم امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد المسلمين. و (كلّ مرصد) : كلّ طريق ومرقب.
6- البقرة/ 191. (ثقفتموهم) : الثقافة بالأمر في الأصل : الحذق فيه والبَصَر وجودة الحذر. وهو هنا بمعنى : في أي مكان تمكنتم منهم.
7- أي جعل صبره اللّه ليحتسبه له من جملة الصالحات في صحيفة أعماله يوم القيامة.
8- أي يسره بما يريه في أعدائه من خذلان في الدنيا.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد محمّد بن خالد عن أبيه، عن عليّ بن النعمان، عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ الحَرَّ حرّ على جميع أحواله، إن نابته نائبة (1) صبر لها وإن تداكت (2) عليه المصائب لم تكسره، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسراً، كما كان يوسف الصديق الأمين صلوات اللّه عليه لم يضرر حرّيته أن استعبد وقهر وأسر، ولم تضرره ظلمة الجبّ (3) ووحشته، وما ناله أن من اللّه عليه فجعل الجبّار العاتي له عبداً (4) بعد إذ كان [له] مالكاً فأرسله ورحم به أمة، وكذلك الصبر يعقب خيراً، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر توجروا.

17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير، عن حمزة بن حمران، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدُّنيا دخل الجنّة وجهنّم محفوفة باللذات والشهوات فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.

8 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن مرحوم، عن أبي سيّار (5)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره والبر مظلّ عليه (6) ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصّلاة والزّكاة والبرّ : دونكم (7) صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه.

9 - علي، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه قال: دخل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه المسجد، فإذا هو برجل على باب المسجد كثيب حزين، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مالكَ؟ قال : يا أمير المؤمنين أصبتُ بأبي [ وأمّي] وأخي (8) وأخشى أن أكون قد وجلت(9)، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): عليك بتقوى اللّه

ص: 96


1- أي نزلت به بلية أو مصيبة.
2- أي اجتمعت وتداقت.
3- أي البئر.
4- أي مطيعاً منقاداً لرأيه وحكمه.
5- واسمه مسمع بن عبد الملك، كردين.
6- في بعض النسخ (مطل عليه أي مشرف وهو أنسب لمكان التعدية ب- (على).
7- اسم فعل بمعنى (خذوا)، ويمكن أن يستفاد من هذا الحديث تجسّم الأعمال في عالم البرزخ أو في الآخرة.
8- أصابته بهم كتابة عن مونهم.
9- قال في الوافي ج 66/3: لعل المراد بخشية الوجل خوفه من أن يكون قد انشقت مرارته من شدة ما أصابه من الألم، وقال المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مرآته 134/8 : وكأن المعنى : أخشى أن يكون حزني بلغ حداً مذموماً شرعاً فعبّر عنه بالوجل». أقول: وهذا أنسب بجواب الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).

والصبر تُقدِمُ عليه غداً (1) ؛ والصبر في الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور.

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : ما حبسك عن الحجّ؟ قال: قلت: جُعِلتُ فداك، وقع عليَّ دَين كثير وذهب مالي، ودَيني الّذي قد لزمني هو أعظم من ذهاب مالي، فلولا أنَّ رجلاً رجلا من أصحابنا أخرجني (2) ما قدرت أن أخرج، فقال لي : إن تصبر تُغتبط (3)، وإلا تصبر يُنفذ اللّه مقاديره، راضياً كنت أم كارهاً.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن الأصبغ قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : الصبر صبران : صبر عند المصيبة، حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عندما حرم اللّه عزّ وجلّ عليك ؛ والذكر ذكران : ذكر اللّه عزّ وجلّ عند المصيبة وأفضل من ذلك ذكر اللّه عندما حرم عليك، فيكون حاجزاً (4).

12 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي عن العباس بن عامر، عن - العرزمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «سيأتي على النّاس زمان لا يُنَالُ المُلْكُ فيه إلّا بالقتل والتجبّر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبة (5) إلّا باستخراج الدين (6) واتباع الهوى ؛ فمن أدرك ذلك الزَّمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى(7)، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة (8)، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العز (9) آتاه اللّه ثواب خمسين صديقاً ممّن صدق بي».

13 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن إسماعيل بن مهران، عن

ص: 97


1- أي تقدم على ثوابه وجزائه يوم القيامة. أو عند اللّه.
2- أي إلى الحجّ على نفقته.
3- أي تَسَرّ، أما في الدنيا بتبديل اللّه العسر باليسر، وأما في الآخرة فيما تجده من جزيل الأجر والثواب.
4- أي حاجزاً ومانعاً عن الدخول في الحرام.
5- أي كسب محبة النّاس واستجلابها.
6- أي التخلّي عن التمسك بأهداب الدين وآدابه وهذا قد يكون من قبل الراغب في محبة النّاس له، أو من قبل الناس لكي يمنحوه حبهم.
7- أي من غير جلّه.
8- أي ولكن باستخراج الدين من قلبه.
9- أي ولكن بالتجبر أو صيرورته من اتباع الظلمة.

دُرُسْت بن أبي منصور، عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لما حضرت أبي عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة ضمّني إلى صدره وقال : يا بنيَّ : أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بنيَّ اصبر على الحق وإن كان مرّاً.

14 - عنه، عن أبيه [عن يونس بن عبد الرحمن] رفعه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الصبر صبران: صبر على البلاء، حَسَنُ جميل، وأفضل الصبرين الورع عن المحارم.

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى قال : أخبرني يحيى بن سليم الطائفي قال : أخبرني عمرو بن شمر اليماني، يرفع الحديث إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتّى يردها بحسن عزائها (1) كتب اللّه له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض. ومن صبر على الطاعة كتب اللّه له ستمائة درجة ما بين الدّرجة إلى الدرجة كما بين تُخُوم الأرض (2) إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب اللّه له تسعمائة درجة ما بين الدَّرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش».

16 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن يونس بن يعقوب قال : أمرني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن آتي المفضّل وأعزّيه بإسماعيل (3) وقال : اقرأ المفضل السّلام وقل له : إنا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا، فاصبر كما صبرنا، إنا أردنا أمراً وأراد اللّه عزّ وجلّ أمراً، فسلّمنا لأمر اللّه عزّ وجلّ.

17 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له مثل أجر ألف شهيد.

18 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ أنعم على قوم، فلم يشكروا، فصارت (4) عليهم وبالاً، وابتلى قوماً بالمصائب فصبروا، فصارت (5) عليهم نعمة.

ص: 98


1- وهو الصبر عندها.
2- أي حدود الأرض.
3- «كأن المراد بإسماعيل ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولعل المفضّل كان ممّن أحبه وأنس به» الوافي ج 66/3 والظاهر أنّه المفضّل بن عمر وكنيته أبو عبد اللّه ويلقب بالجعفي وقد وردت فيه روايات مادحة وروايات ذامة فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 292/18 وما بعدها.
4- أي النعم أو النعمة.
5- أي المصائب.

19 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبان بن أبي مسافر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا) (1). قال: اصبروا على المصائب.

وفي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : صابروا على المصائب (2).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن محمّد بن أبي جميلة، عن جده أبي جميلة عن بعض أصحابه قال: لولا أن الصبر خُلق قبل البلاء لتفطّر (3) المؤمن كما تتفطر البيضة على الصفا (4).

21 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار وعبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قال اللّه عزّ وجلّ : (إنّي جعلت الدُّنيا بين عبادي قرضاً (5)، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكلّ واحدة عشراً إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك؛ ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً [فصبر]، أعطيته ثلاث خصال، لو أعطيتُ واحدةً منهنَّ ملائكتي لرضوا بها منّي)، قال : ثمّ تلا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) فهذه واحدة من ثلاث خصال (وَرَحْمَةٌ (اثنتان) وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (6) ثلاث ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا لمن أخذ اللّه منه هذا لمن أخذ اللّه منه شيئاً قسراً (7).

22 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن القاسم بن محمّد، عن سلیمان بن داود عن يحيى بن آدم عن شريك، عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرءة الصبر في حال الحاجة والفاقة والتعفّف (8) والغنى(9) أكثر من مروّة الإعطاء

ص: 99


1- آل عمران/ 200.
2- وقد مرّ ضمن الحديثين رقم (2) من باب أداء الفرائض وكذا في الحديث (3) من نفس الباب عن أبي السفاتج وفيه (وصابروا على المصائب)، «ولا تنافي بينها فإن للآيات معاني شتى ظهراً وبطنا» مرآة المجلسي 140/8.
3- أي تشقق.
4- الصفا الحجر الأملس.
5- أي أعطيتهم مقسوماً بينهم ليقرضوني فأعوضهم أضعافها لا يمسكوا عليها، مرآة المجلسي 141/8.
6- البقرة/ 156 - 157 ومعنى: صلوات من ربهم : أي مغفرة منه، وقيل : بركات من ربهم.
7- أي أن من بذل عن طيب نفس له أعظم ممّا ذكر وأكبر.
8- ترك المسئلة مع الحاجة والفقر.
9- في بعض النسخ (والعَنا) أي التعب.

23 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يرحمك اللّه ما الصبر الجميل ؟ قال : ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى النّاس (1).

24 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن بعض أصحابه، عن أبان عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي النعمان، عن أبي عبد اللّه أو (2) أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من لا يُعد الصبر لنوائب الدهر يعجز.

25 - أبو علي الأشعري عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنا صُبر (3) وشيعتنا أصبر منا، قلت: جعلت فداك كيف صار شيعتكم أصبر منكم ؟ قال : لأنا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون (4).

باب الشكر

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الطاعم (5) الشاكر له من الأجر كأجر الصائم المحتسب (6)؛ والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ؛ والمعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع (7)».

2 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما فتح اللّه على عبد باب شكر فخزن عنه (8) باب الزيادة».

ص: 100


1- أي أن شكواه تكون إلى اللّه وحده. ولكن ورد في بعض أقوال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما يفيد أن الشكوى إلى المؤمن هي بمثابة الشكوى إلى اللّه.
2- الترديد من الراوي.
3- جمع صابر.
4- ذكر العلامة المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مرآته 144/8 لهذا القول عدة وجوه، وما هو الأظهر عنده منها : إنا نصبر على ما نعلم وقوعه قبل وقوعه وهذا ممّا يهون المصيبة، وشيعتنا تنزل عليهم المصائب فجأة مع عدم علمهم بها قبل وقوعها فهي عليهم أشد.
5- الطاعم، يطلق على باذل الطعام أي المُطْعِم. كما يطلق على الأكل للطعام أيضاً.
6- أي الّذي يقصد بعمله وجه اللّه برجاء أن يحتسبه له في صحيفة أعماله.
7- أي الممنوع عن العطاء الراضي بحاله.
8- أي منع عنه.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن محمّد البغدادي، عن عبد اللّه بن إسحاق الجعفري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مكتوب في التوراة : أشكر من أنعم عليك وأنْعِم على من شكرك، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة في النعم وأمان من الغِيَر (1).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن عليّ، عن علي ابن أسباط، عن يعقوب بن سالم عن رجل عن [أبي جعفر أو ] (2) أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المعافى الشاكر له من الأجر ما للمبتلى الصابر ؛ والمعطى الشاكر له من الأجر كالمحروم القانع (3).

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن الحصين، عن فضل البقباق قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (4). قال : الّذي أنعم عليك بما فضّلك وأعطاك وأحسن إليك، ثمّ قال : فحدَّثَ (5) بدينه (6) وما أعطاه اللّه وما أنعم به عليه (7).

6 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عند عائشة ليلتها، فقالت: يا رسول اللّه لِمَ تُتعب نفسك (8) وقد غفر اللّه لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخّر (9)). فقال : يا عائشة ألا أكون

ص: 101


1- أي من تغير الحال من النعمة إلى النقمة ومن الغنى إلى الفقر ومن الصحة إلى المرض الخ.
2- الترديد من الراوي.
3- الشكر باللسان أن يحمد اللّه، وبالقلب أن يرى النعمة من اللّه. وبالجوارح أن يصرفها في طاعة اللّه ويستفاد من الأخبار الآتية [ والأخبار المتقدمة ] إن لكل منها أجراً ومزيداً وإن كان للمجموع مزيد أجر ومزيد الوافي ج 67/3.
4- الضحى / 11.
5- أي النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
6- أي بلّغ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دين اللّه كاملاً بعقيدته وشريعته وآدابه وأخلاقه وأحكامه.
7- أي حدّث (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بما أعطاه اللّه من مقام النبوَّة وما يستلزمه من العظمة والكرامة في الدارين وما أفاض عليه من النعم الدنيوية والأخروية.
8- أي بالتهجد وقيام الليل للعبادة.
9- لقد ذكر العلماء لتوجيه نسبة الذنب إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مع أنّه معصوم لا تصدر عنه معصية عدة وجوه : أحدها: ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنب أمتك وما تأخر بشفاعتك وإضافة ذنوب أمته إليه للاتصال والسبب بينه وبينها. وأراد بذكر التقدم والتأخر ما تقدم زمانه وما تأخر. الثاني : ما ذكره المرتضى (رضیَ اللّهُ عنهُ) : إن الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معاً فيكون هنا مضافاً إلى المفعول والمراد: ما تقدم في ذنبهم إليك من منعهم إياك من مكة وصدهم لك عن المسجد الحرام ويكون معنى المغفرة على هذا الإزالة والنسخ لأحكام أعدائه المشركين فيما بعد ولذلك جعله جزاء على جهاده... الخ فراجع هذين الوجهين مع بقية الوجوه في مجمع البيان للطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) المجلد الخامس ص / 110 - 111.

عبداً شكوراً. قال : وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل اللّه سبحانه وتعالى : (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)(1).

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن حسن بن جهم، عن أبي اليقظان، عن عبيد اللّه بن الوليد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ثلاث لا يضر معهن شيء : الدُّعاء عند الكرب، والاستغفار عند الذَّنب، والشكر الذَّنب، والشكر عند النعمة.

8 - - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أعطي الشكر أعطي الزيادة، يقول اللّه عزّ وجلّ : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (2).

9 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن رجلين من أصحابنا، سمعاه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ما أنعم اللّه على عبد من نعمة فَعَرفها بقلبه (3)، وحمد اللّه ظاهراً بلسانه، فتمّ كلامه، حتّى يؤمر له بالمزيد.

10 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرّجل : الحمد للّه ربّ العالمين.

11 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عيينة، عن عمر ابن يزيد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : شكر كلّ نعمة وإن عَظُمَتْ أَن تَحْمَدَ اللّه عزّ وجلّ عليها.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكراً؟ قال : نعم. قلت : ما هو ؟ قال : يحمد اللّه على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقٌّ (4) أداه ومنه قوله جلَّ وعزَّ : (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا

ص: 102


1- طه / 1 - 2. والشقاء : استمرار ما يشق على النفس.
2- إبراهيم / 7.
3- هذا هو معنى شكر القلب كما نبهنا سابقاً.
4- أي حق مالي واجب كزكاة وخمس ونذر، أو مطلقاً.

لَهُ مُقْرِنِينَ) (1). ومنه قوله تعالى : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (2). وقوله : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) (3).

13 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا الحسن صلوات اللّه عليه يقول : من حمد اللّه على النعمة فقد شكره وكان الحمد (4) أفضل [من] تلك النعمة.

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد، عن عليّ بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : ما أنعم اللّه على عبد بنعمة صغُرَت أو كبُرَت، فقال : الحمد اللّه، إلّا أدّى شكرها.

15 - أبو علي الأشعري عن عيسى بن أيّوب عن عليّ بن مهزيار عن القاسم بن محمّد، عن إسماعيل بن أبي الحسن، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أنعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها.

16 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الرّجل منكم ليشرب الشّربة من الماء فيوجب اللّه له بها الجنّة، ثمّ قال : إنّه ليأخذ الإناء فيضعه على فيه فيسمي (5) ثمّ يشرب فينحيه وهو يشتهيه فيحمد اللّه،ثمّ يعود فيشرب، ثمّ ينحيه فيحمد اللّه، ثمّ يعود فيشرب، ثمّ ينحيه فيحمد اللّه، فيوجب اللّه عزّ وجلّ بها له الجنّة.

17 - ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني سألت اللّه عزّ وجلّ أن يرزقني مالاً فرزقني، وإني سألت اللّه أن يرزقني ولداً فرزقني ولداً، وسألته أن يرزقني داراً فرزقني، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجاً (6)، فقال : أما

ص: 103


1- الزخرف/ 13 ومُقرنين : أي مطبقين ضابطين. وهذا شكر لنعمة الراحلة أو السفينة أو وسيلة الانتقال وكذا شكر الانتقال إلى دار أو دخوله إليه أن يقول مضمون الآيتين التاليتين.
2- المؤمنون/ 29.
3- الإسراء / 80 وإيراد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكل هذه الآيات في مقام الجواب عن سؤال كيف يكون العبد شاكراً، يدل على أن معرفة كون النعمة من اللّه وتلفظه بما يدل على ذلك يسلكه في عِداد الشاكرين للنعمة.
4- أي توفيق اللّه له ليحمده في حد ذاته نعمة أعظم من الأولى، والالتفات إلى ذلك أيضاً في حد ذاته نعمة تحتاج إلى شكر وهكذا ولذا لا يمكن أن يؤدى اللّه حقيقة شكره سبحانه.
5- أي يذكر اسم اللّه سبحانه.
6- الاستدراج في اللغة الخديعة والاستدراج منه سبحانه معناه أن يجدد للعبد نعمة كلما ارتكب خطيئة حتّى ينسى الاستغفار. أو أن يمهله فلا يأخذه بخطاياه ومعاصيه أخذاً سريعاً ويذره في غفلته.

- واللّه - مع الحمد فلا.

18 - الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الوشّاء، عن حماد بن عثمان قال خرج أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المسجد، وقد ضاعت دابته، فقال : لئن ردَّها اللّه عليَّ لأشكرنَّ اللّه حق شكره قال فما لبث أن أتي بها، فقال الحمد للّه، فقال له قائل: جعلت فداك أليس قلت : لأشكرن اللّه حقَّ شكره؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألم تسمعني قلت: الحمد للّه (1)؟.

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد عن المثنّى الحناط، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا ورد عليه أمر يسره قال : الحمد للّه على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال : الحمد للّه على كلّ حال (2).

20 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلى المستلى من غير أن تُسمعه : الحمد للّه الّذي عافاني ممّا ابتلاك به، ولو شاء فعل، قال : من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً.

21 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن غير واحد، عن أبان ابن عثمان، عن حفص الكناسي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :قال ما من عبد يرى مبتلى فيقول: «الحمد للّه الّذي عدل عنّي ما ابتلاك به، وفضلني عليك بالعافية، اللّهمّ عافني ممّا ابتليته به» إلّا لم يبتل بذلك البلاء (3).

22 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا رأيت الرجل وقد ابتلي وأنعم اللّه عليك فقل : اللّهمّ إنّي لا أسخر ولا أفخر (4) ولكن أحمدك على عظيم نعمائك عليَّ.

23 - عنه، عن أبيه، عن هارون بن الجهم عن حفص بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 104


1- هذا يدل على أن قول : الحمد اللّه، فرد كامل من الشكر، لأنه يفيد اختصاص جميع المحامد باللّه تعالى فيدل على أنّه ولي كلّ نعمة ظاهرة وباطنة. وإذا أضاف إليه : رب العالمين، دل على أنّه رب كلّ المخلوقات لا ينازعه في ربوبيته أحد من مخلوقاته، وإنه المربي لها جميعاً.
2- أي حال نعمته وحال نقمته، وحال بلائه وحال عافيته وهكذا.
3- وذلك لأن القول منه يدل على معرفته بأن عافيته هو من اللّه، وإن بلاء الآخر من اللّه أيضاً، وعلى قدرة اللّه أن يبدل حسن حاله بسوء حال صاحبه، وهذا يجمع بين الشكر القلبي والشكر اللساني.
4- لا أسخر أي لا أستهزى بهذا المبتلى ولا أفخر أي ولا أفتخر عليه بسلامتي ممّا ابتلي به هو.

قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا اللّه ولا تُسْمِعوهم (1) فإنّ ذلك يحزنهم».

24 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان في سفر يسير على ناقة له، إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلما أن ركب قالوا يا رسول اللّه إنا رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه؟ فقال نعم استقبلني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبشرني ببشارات من اللّه عزّ وجلّ، فسجدت اللّه شكراً لكلّ بشرى سجدة (2).

25 - عنه، عن عثمان بن عيسى عن يونس بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا ذكر أحدكم نعمة اللّه عزّ وجلّ فليضع خدَّه على التراب شكراً للّه، فإن كان راكباً فلينزل فليضع خدَّه على التراب، وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة (3) فليضع خدّه على قَرَبُوسه (4) وإن لم يقدر فليضع خدَّه على كفّه، ثمّ ليحمد اللّه على ما أنعم اللّه عليه(5).

26 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطية، عن هشام بن أحمر قال : كنت أسير مع أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته، فخرَّ ساجداً، فأطال وأطال، ثمّ رفع رأسه وركب دابته. فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود؟ فقال : إنني ذكرت نعمة أنعم اللّه بها علي فأحببت أن أشكر ربي.

27 – عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه صاحب السابري فيما أعلم أو (6) غيره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : فيما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا موسى : أشكرني حق شكري فقال يا ربّ وكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به علي ؟ قال : يا موسى الآن شكرتني حين علمت أنَّ ذلك منّي (7).

ص: 105


1- هذا يدل على أن الشكر اللساني هو درجة من الشكر بقرينة عدم إسماعهم.
2- فيه إشارة إلى أن ما حمله جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان خمس بشارات بخمس نعم.
3- أي لئلا يكون في نزوله وسجوده إمام النّاس موضع تهمة أو مظلة طلب سمعة أو شبهة رياء. أو أن المعنى هو استلزام نزوله الإشارة بالبنان إليه لفعله شيئاً قد يكون مستهجنا عند النّاس فيدفعهم إلى التساؤل عن الغرض من فعله فيوجب اشتهاره وقد يؤدي إلى ما يوجب حبط عمله بينه وبين نفسه.
4- القَرَبوس جنو السِّرْج، ولكل سَرْج فَرَبوسان.
5- وهذا الحديث يدل على استحباب سجود الشكر عند تجدد النعمة أو تذكرها فوراً أو مع الإمكان، وبقدره ويدل أيضاً على استحباب حمد اللّه فيها.
6- الترديد من الراوي.
7- هذا يشير إلى شكر القلب وهو معرفة أن النعمة من اللّه.

28 - ابن أبي عمير، عن ابن رئاب عن إسماعيل بن الفضل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرات، اللّهمّ ما أصبحت (1) بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ يا رب حتّى ترضى (2) وبعد الرّضا (3)، فإنك إذا قلت ذلك، كنت قد أديت شكر ما أنعم اللّه به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة.

29 - ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول ذلك (4) إذا أصبح، فسمّي بذلك عبداً شكوراً، وقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من صدق اللّه نجا» (5).

30 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة، عن عمّار الدهني قال: سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: إن اللّه يحبُّ كلّ قلب حزين (6)، ويحبُّ كلّ عبد شكور، يقول اللّه تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة : أشكرت فلاناً (7)؟ فيقول : بل شكرتك يا ربّ، فيقول : لم تشكرني إذ لم تشكره، ثمّ قال : أشكركم للّه أشكركم للناس (8).

باب حُسْن الخُلُق

باب حُسْن الخُلُق (9)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً (10).

ص: 106


1- ويقول عند المساء : ما أمست مع بقية الدعاء نفسه.
2- أي أول مراتب الرضا.
3- أي جميع مراتبه أي ما يمكن الوصول إليه منها.
4- أي ما تقدم من دعاء.
5- لعله إشارة إلى أن نوحاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان صادقاً في مضمون دعائه مع اللّه، فأنجاه اللّه وأنعم عليه في الدنيا والآخرة.
6- لتفكره الدائم في أهوال يوم القيامة وإشفاقه من أن لا يشمله اللّه بظله يوم لا ظل إلّا ظله.
7- أي حيث أحسن إليك في الدنيا.
8- لا باعتبار أنهم المنعمون عليه الرازقون له فهذا من الشرك، بل باعتبار أنهم أسباب هياها اللّه له لتوصل إليه الخير، ليعود الشكر من هذه الناحية إليه سبحانه.
9- «الخُلُق يطلق على الملكات والصفات الراسخة في النفس حسنةً كانت أم قبيحة وهي في مقابلة الأعمال، ويطلق حُسن الخلق غالباً على ما يوجب حسن المعاشرة ومخالطة النّاس بالجميل» مرآة المجلسي 146/8.
10- لقد مر ما يشير إلى دخالة حسن الخلق في أبواب الإيمان فراجع.

2 - الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن رجل من أهل المدينة، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما يوضع في ميزان امرىء (1) يوم القيامة أفضل من حسن الخلق».

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أربع من كن فيه كمل إيمانه وإن كان من قرنه إلى قدمه (2) ذنوباً لم ينقصه ذلك [قال] وهو الصدق، وأداء الأمانة، والحياء، وحُسْنُ الخُلُق (3).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن محبوب، عن عنبسة العابد قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما يقدم المؤمن على اللّه عزّ وجلّ بعمل بعد الفرائض أحبُّ إلى اللّه تعالى من أن يَسَعَ النّاس بخُلقه (4).

5 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن ذريح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إِنَّ صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم» (5).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أكثر ما تلج (6) به أمتي الجنّة تقوى اللّه وحسن الخلق.

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حسين الأحمسي وعبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الخلق الحسن يُميتُ الخطيئة (7) كما تميث الشمس الجليد.

ص: 107


1- أي ميزان أعماله.
2- مبالغة في كثرة ذنوبه أو كناية عن صدورها من كلّ جارحة من جوارحه مرآة المجلسي 167/8 - 168.
3- «الصدق يخرج كثيراً من الذنوب كالكذب وما يشاكله وكذا أداء الأمانة يخرج كثيراً من الذنوب كالخيانة في أموال النّاس ومنع الزكوات والأخماس وسائر حقوق اللّه وكذا الحياء من الخلق يمنعه من التظاهر بأكثر المعاصي والحياء من اللّه يمنعه من تعمد المعاصي والإصرار عليها ويدعوه إلى التوبة سريعاً وكذا حسن الخلق يمنعه عن المعاصي المتعلقة بإيذاء الخلق كعقوق الوالدين وقطع الأرحام والإضرار بالمسلمين، فلا يبقى من الذنوب إلّا قليل لا يضر في إيمانه مع أنّه موفق للتوبة واللّه الموفق» مرآة المجلسي 168/8.
4- أي يكون خلقه الحسن وسيعاً بحيث يشمل جميع النّاس ن.م.
5- ويدل على أن الأخلاق لها ثواب كثواب الأعمال ن. م والصفحة.
6- أي تدخل.
7- أي يذيبها.

8- عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : البرّ وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمّار.

9 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثني يحيى بن عمرو عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوحى اللّه تبارك وتعالى إلى بعض أنبيائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) : الخُلُقُ الحَسَن يَميث الخطيئة، كما تميث الشمس الجليد.

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : هلك (1) رجلٌ على عهد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأتي(2) الحفّارين، فإذا بهم لم يحفروا شيئاً وشكوا ذلك إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقالوا : يا رسول اللّه ما يعمل حديدنا في الأرض، فكأنما نضرب به في الصفا(3)، فقال : ولم(4) إن كان صاحبكم لحسن الخلق ايتوني بقدح من ماء، فأتوه به، فأدخل يده فيه، ثمّ رشّه على الأرض رشّاً، ثمّ قال احفروا قال فحفر الحفّارون، فكأنّما كان رملاً يتهايل عليهم (5).

11 - عنه، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال إنَّ الخلق منيحة (6) يمنحها اللّه عزّ وجلّ خلقه، فمنه سجيّة (7) ومنه نيّة (8)، فقلت، فأيّتهما أفضل؟ فقال : صاحب السجيّة، هو مجبول لا يستطيع غيره (9)، وصاحب النية يصبر على الطاعة تصبّراً، فهو (10) أفضلهما.

12 - وعنه، عن بكر بن صالح عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن عليّ بن أبي عليّ اللّهبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى ليعطي العبد من

ص: 108


1- أي مات.
2- الضمير المستتر في (فاتي) راجع إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
3- الصفا الصخرة الملساء.
4- هذا استفهام إنكاري أو للتعجب. ومنشأ تعجبه هو كون صاحبهم الميت حسن الخُلُق فلِمَ اشتدت الأرض على الحفارين مكان قبره؟ مع أن حُسن الخلق يوجب سهولة شأن صاحبه في الدنيا والآخرة؟.
5- يتهايل عليهم : أي يتصاب ويجري ليسره وسهولته.
6- أي عطية ومنحة.
7- أي طبيعة وخلق فهو فطري.
8- أي يكون عن قصد واكتساب يحصل عليه الإنسان بالممارسة والنظر.
9- أي لو تعمد سوء الخلق لما استقام له.
10- أي صاحب الخُلُق الحسن الّذي يكون عن قصد واكتساب وذلك لما يلاقي في سبيل تحصيله من مشقة وعناء وخير الأمور أحمزها.

الثواب على حسن الخُلُق، كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه، يغدو عليه ويروح(1).

13 - عنه، عن عبد اللّه الحجّال، عن أبي عثمان القابوسي، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه تبارك وتعالى أعار أعداءه (2) أخلاقاً من أخلاق أوليائه، ليعيش أولياؤه مع أعدائه في دولاتهم.

وفي رواية أخرى : ولولا ذلك لما تركوا ولياً للّه إلّا قتلوه.

14 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن العلاء بن كامل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا خالطت النّاس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً من النّاس إلّا كانت يدك العليا (3) عليه فافعل، فإنَّ العبد يكون فيه بعض التقصير من العبادة ويكون له حُسْنُ خُلُق، فيبلغه اللّه ب- [حسن] خلقه درجة الصائم القائم.

15 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حریز بن عبد اللّه عن بحر، عن بحر السقا قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بحر حسن الخلق يُسر (4)، ثمّ قال : ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة؟ قلت: بلى، قال: بينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ذات يوم جالس في المسجد، إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (5) فلم تقل شيئاً، ولم يقل لها النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيئاً، حتّى فعلت ذلك ثلاث مرّات (6)، فقام لها النبيُّ في الرابعة وهي خلفه، فأخذت هدبة (7) من ثوبه ثمَّ رجعت فقال لها النّاس : فعل اللّه بك وفعل (8) حبست رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثلاث مرات، لا تقولين له شيئاً ولا هو يقول لك شيئاً، ما كانت حاجتك إليه؟ قالت : إنَّ لنا مريضاً فأرسلني أهلي لأخذ هدبة من ثوبه، [ل- ] يستشفي بها، فلما أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها

ص: 109


1- يغدو: أي يذهب عُدوة أو مطلقاً. ويروح؛ يعني يرجع آخر النهار أو مطلقاً.
2- لعله إشارة إلى أن هؤلاء الأعداء باعتبار أن أخلاقهم مستعارة وليست ذاتية فيهم أعارهم اللّه إياها لحكمة محددة فلا ثواب عليها يعود عليهم في الآخرة.
3- اليد العليا : كناية عن الإحسان إليه. لأن اليد المعطية تكون غالباً فوق اليد الآخذة.
4- أي سبب ليسر أمور صاحبه. وقد تُقرأ بصيغة المضارع (يَسُ) فيكون المعنى حسن الخلق يكون سبباً لإدخال السرور على صاحبه أو مطلقاً.
5- أي نهض من مكانه لاعتقاده بأنها تريده لحاجة تخصها.
6- أي كلّ مرة كانت تجذب طرف ثوبه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
7- الهدبة : طرف الثوب أو خمله.
8- هذا دعاء عليها.

وهو يراني، وأكره أن أستأمره (1) في أخذها، فأخذتها

16 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حبيب الخثعمي. عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «أفاضلُكُمْ أحْسَنُكُم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً(2)، الّذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم».

17 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

18 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.

باب حُسْنِ البِشر

باب حُسْنِ البِشر(3)

1 - عدة أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن، عن عليّ بن الحكم عن الحسن ابن الحسين قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يا بنيَّ عبد المطلب، إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم (4) فالقَوْهُم بطلاقة الوجه وحسن البشر.

ورواه عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا أنّه قال : يا بنيَّ هاشم (5).

2 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاث من أتى اللّه بواحدة منهن أوجب اللّه له الجنّة : الإنفاق من إقتار (6) والبشر لجميع العالم،

ص: 110


1- أي أشاوره أو أستأذنه.
2- الأكناف : الجوانب. «هذا مَثَل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذلل وفراش وطيء لا يؤذي جنب النائم... أراد الّذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى» الوافي ج 3/ 81 - 82، وقوله : توطأ رحالهم : أي تنزل منازلهم للضيافة أو لطلب الحاجة فيرحبون بضيوفهم وقاصديهم بالخلق والبشاشة بحيث يشعرون بأنهم أصحاب البيوت لا ضيوفها.
3- حسن البشر : طلاقة الوجه وتهلّله.
4- أي لا تتسع أموالكم بعطائهم.
5- بنو هاشم وبنو عبد المطلب مصداقهما واحد لأن نسل هاشم إنما انحصر في ولد عبد المطلب.
6- أي ينفق لا عن سعة في العيش بل ضيق وتقتير فيه.

والإنصاف من نفسه (1).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجلٌ فقال : يا رسول اللّه أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال : إلْقَ أخاك بوجه منبسط (2).

4 - عنه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : ما حدّ حُسن الخُلق؟ قال : تليّن جناحك (3)، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن.

5 - عنه، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي عن فضيل قال (4): صنائع المعروف(5) وحسن البشر يكسبان المحبة، ويدخلان الجنّة، والبخل وعبوس الوجه يبعدان من اللّه ويدخلان النار.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «حُسْنُ البِشْرِ يُذهِب بالسخيمة» (6).

باب الصدق وأداء الأمانة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ لم يبعث نبياً إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر.

2 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار وغيره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تغتروا (7) بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرّجل ربما لهج بالصلاة (8) والصوم حتّى لو تركه

ص: 111


1- أي يتولى الحكم على نفسه فيما يتعلق بحقوق النّاس عليه فيما أحب أو كره.
2- أي بشوش متهلل.
3- جناح الإنسان : جانبه وتليين الجانب كناية عن التذلل والتواضع والخضوع.
4- أي المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحتمل الباقر كما يحتمل الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن الظاهر أن الفضيل هذا هو ابن يسار وقد روى عنهما (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- الإحسان إلى الغير بما يدرك حسنه بالعقل أو الشرع.
6- أي الحقد في النفس.
7- أي لا تنخدعوا.
8- أي حرص على أدائها.

استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من صدق لسانه زكى عمله (1).

4 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أول دخلة دخلت عليه : تعلّموا الصدق (2) اقبل الحديث.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي كهمس قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عبد اللّه بن أبي يعفور يقرئك السلام، قال: عليك وعليه السلام، إذا أتيت عبد اللّه فاقرأه السلام وقل له : إن جعفر بن محمّد يقول لك : انظر ما بلغ به (3) عليُّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فالزمه، فإنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بصدق الحديث وأداء الأمانة.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي إسماعيل البصري، عن فضيل بن يسار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا فضيل إنَّ الصادق أوَّل من يصدّقه اللّه عزّ وجلّ، يعلم أنّه صادق، وتصدقه نفسه تعلم أنّه صادق.

7 - ابن أبي عمير، عن منصور بن حام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنما سمّي إسماعيل صادق الوعد لأنه وعد رجلاً في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة، فسماه اللّه عزّ وجلّ صادق الوعد(4)، ثمّ [قال] إنَّ الرجل أتاه بعد ذلك فقال له إسماعيل: ما زلت منتظراً لك.

8 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر الخزاز، عن جده الربيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ربيع إنَّ الرجل ليصدق حتّى يكتبه اللّه صديقاً (5).

ص: 112


1- أي زاد ونما،ثوابه لأن الصدق من أعظم أركان التقوى، وإنما يتقبل اللّه من المتقين.
2- «أي قواعده كجواز النقل بالمعنى ونسبة الحديث المأخوذ عن واحد من الأئمّة إلى آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو إلى الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو تبعيض الحديث وأمثال ذلك. أو المراد تعلّم وجوبه ولزومه وحرمة تركه» مرآة المجلسي 182/8.
3- أي بسبه.
4- وذلك إشارة إلى قوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) مريم / 54 وهو ابن إبراهيم الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- الصديق : مبالغة في الصدق أو التصديق والإيمان بالرسول قولاً وفعلا، أو كثير التصديق في أمور الدين، كما عن الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ).

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ العبد ليصدق حتّى يُكتب عند اللّه من الصادقين، ويكذب حتّى يكتب عند اللّه من الكاذبين، فإذا صدق قال اللّه عزّ وجلّ : صدق وبر، وإذا كذب قال اللّه عزّ وجلّ : (كذب وفجر) (1).

10 - عنه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم (2)، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم قال : قال أبو الوليد حسن بن زياد الصيقل : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من صدق لسانه زكي عمله، ومن حَسُنَتْ نَيّتُه زِيدَ في رزقه، ومن حسن بره بأهل بيته مدَّ له في عمره (3).

12 - عنه، عن أبي طالب رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.

باب الحياء

باب الحياء (4)

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الحياء من (5) الإيمان والإيمان(6) في الجنّة.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن

ص: 113


1- إنما سمّى الكاذب فاجراً لأن الكذب أحد وجوه الفجور.
2- أي بأعمالكم.
3- سوف تأتي الأحاديث الّتي تدل على أن صلة الرحم والبر بالوالدين يمدان في عمر الإنسان. فارتقب.
4- «الحياء : ملكة للنفس توجب انقباضها عن القبيح وانزجارها عن خلاف الآداب خوفاً من اللوم» مرآة المجلسي 187/8.
5- (من) إما سببية، أي الحياء إنما يحصل بسبب الإيمان وما يقوم عليه ويدعو إليه. أو تبعيضية أي الحياء من أركان الإيمان.
6- أي المؤمن.

الحسن الصيقل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحياء والعفاف (1) والعيُّ (2) - أعني عيَّ اللسان لا عيُّ القلب - من الإيمان.

3 - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن مصعب بن يزيد عن العوّام ابن الزبير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من رقّ وجهه رقّ علمه (3).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن يحيى أخي دارم، عن معاذ بن كثير، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الحياء والإيمان مقرونان في قرن (4)، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن، يقطين، عن الفضل بن كثير، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا إيمان لمن لا حياء له (5).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ؛ عن بعض أصحابنا، رفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الحياء حياء ان حياء عقل(6) وحياء حمق (7)، فحياء العقل، هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل.

7- محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن عليّ بن أبي علي اللّهبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أربع من كنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدلها اللّه (8) حسنات : الصدق والحياء وحسن الخلق والشَّكر.

ص: 114


1- العفاف أي ترك المحرمات بل الشبهات أيضاً ويطلق غالباً على عفة البطن والفرج» مرآة المجلسي 188/8.
2- عِيّ كلّ شيء بحسبه، فعِي اللسان حصره وعجزه عن النطق، وعِيّ القلب عماه وعدم اهتدائه إلى وجه الصواب. وعي الماشي عجزه عن السير وتعبه وكلله، وعي البصر عشاه وعماه عن الأبصار السليم. وهكذا. ولكن الظاهر من عيّ اللسان هنا عدم خوضه باللغو والباطل والإثم وهو ممدوح في مقابلة في القلب المذموم.
3- من رق وجهه أي استحيا من السؤال عما لا يعلم وهذا يؤدي إلى رقة علمه : أي قلته وضحالته.
4- القرن حبل يجمع به البعيران كما في القاموس ومعنى اقترانهما تلازمهما في الوجود.
5- هذا مؤيد للحديث السابق.
6- أي حياء ناشيء عن العقل بأن يكون حياؤه عن أمر يحكم العقل السليم بقبحه فحياؤه هنا سبه العلم الّذي يميز بين حسن الأشياء وقبحها.
7- أي حياء ناشيء عن الحمق بأن يستحي عن أمر يستقبحه النّاس في حين أنّه ليس فيه قبح واقعي، وهذا سببه الجهل لعدم إدراك محسنات الأشياء ومقبحاتها.
8- وقد قيل في هذا التبديل وجوه : الأول: إنه يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم. الثاني: أنّه يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة الثالث : أنّه تعالى يوفقه الأضداد ما سلف منه الرابع : أنّه يثبت له بدل كلّ عقاب ثواباً مرآة المجلسي 191/8. وراجع مجمع البيان للطبرسي البيان للطبرسي المجلد الرابع ص / 180.

باب العَفْو

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في خطبته: «ألا أخبركم بخير خلائق (1) الدُّنيا والآخرة ؟ : العفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك».

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد، عن يونس ابن يعقوب، عن غرة بن دينار الرقي، عن أبي إسحاق السبيعي، رفعه قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ألا أدلكم على خير أخلاق الدُّنيا والآخرة؟ تصل من قطعك (2)، وتعطي من حرمك(3)، وتعفو عمّن ظلمك».

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه نشيب اللّفائفي، عن حمران بن أعين قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة : تعفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك (4).

4 - علي، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إذا كان يوم القيامة جمع اللّه تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثمّ ينادي مناد : أين أهل الفضل ؟ قال : فيقوم عُنُق من النّاس (5) فتلقاهم الملائكة فيقولون : وما كان

ص: 115


1- جمع خليقة وهي تستعمل في الطبيعة والسجيّة وتستعمل في المخلوقات من النّاس والبهائم. والمراد بها هنا الأول. وهي ملكة نفسانية تصدر بها النفس الأفعال بيسر من غير تقدم روية وفكر وتكلف فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خليقة وكذا الراسخ الّذي يكون مبدأ للأفعال النفسية بعسر وتأمل كالبخيل إذا حاول الكرم.
2- أي من الرحم، أو مطلقاً، بمعاشرته وملاينته.
3- أي تبذل لمن منع عنك العطاء وقبض يده.
4- أي سفهك.
5- أي جماعة من النّاس والمراد بأهل الفضل إما أهل الفضيلة والكمال أو أهل الرجحان أو أهل التفضيل والإحسان مرآة المجلسي 193/8.

فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمّن ظلمنا، قال: فيقال لهم : صدقتم ادخلوا الجنّة.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن جهم بن الحكم المدائني، عن إسماعيل بن أبي زياد السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «عليكم بالعفو، فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزاً، فتعافُوا (1) يعزكم اللّه (2)».

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي خالد القماط، عن حمران عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة (3).

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن سعدان، عن معتب قال : كان أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حائط له يصرم (4) فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة (5) من تمر فرمى بها وراء الحائط، فأتيته وأخذته وذهبت به إليه، فقلت: جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة، فقال للغلام : يا فلان قال لبّيك قال أتجوع ؟ قال : لا يا سيدي، قال فتعرى؟ قال : لا يا سيدي، قال : فلأي شيء أخذت هذه؟ قال : اشتهيت ذلك قال : اذهب فهي لك. وقال : خلّوا عنه.

8 - عنه، عن ابن فضّال قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما التقت فئتان قطّ إلّا نصر أعظمهما عفواً.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أتي باليهودية الّتي سمّت الشاة للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال لها : ما حملك على ما صنعت؟ فقالت : قلت : إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت

ص: 116


1- أي ليعفوا كلّ واحد منكم عن صاحبه.
2- أما في الدنيا فلأن العافي يزيد قدره ويرتفع شأنه بين النّاس، وأما في الآخرة فلما ينتظره من رحمة اللّه ورضوانه.
3- ذكر العلامة المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) وجوهاً للعبارة. الأوّل : أن صاحب الندامة الأولى أفضل من صاحب الندامة الثانية. الثاني :.... أي لو كان في العفو ندامة فهي أفضل وأيسر إذ يمكن تداركه غالباً بخلاف الندامة على العقوبة. الثالث : أن يقدّر مضاف فيهما، أي رفع تلك الندامة أيسر من رفع هذه. الرابع : إن مجموع تلك الحالّتين أي العفو والندم عليه أفضل من مجموع حالّتي العقوبة والندم عليها، 194/8 - 195 باختصار.
4- صرم النخل : جزه وقطع ثمره.
5- أي كمية من الطعام، ولعله كان يسرق.

النّاس منه قال فعفا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عنها.

10 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ثلاث لا يزيد اللّه بهنَّ المرء المسلم إلّا عزاً : الصفح عمّن ظلمه وإعطاء من حرمه، والصلة لمن قطعه.

باب كَظم الغَيْظِ

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما أحبُّ أنّ لي بذل نفسي حُمر النعم (1)، وما تجرّعت جرعة أحبّ إليَّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان وعليّ بن النعمان عن عمّار بن مروان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها، فإنَّ عظيم الأجر لمن عظيم البلاء (2)، وما أحب اللّه قوماً إلّا ابتلاهم.

3 - عنه عن عليّ بن النعمان ومحمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اصبر على أعداء النعم (3)، فإنّك لن تكافي من عصى اللّه فيك(4) بأفضل من أن : تطيع اللّه فيه(5).

4 - عنه، عن محمّد بن سنان عن ثابت مولى آل حريز عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كظم الغيظ عن العدوّ في دولاتهم (6) تقيّةً حزم (7) لمن أخذ به، وتحرز من التعرض للبلاء في

ص: 117


1- حمر النعم كرائمها وهي مَثَل في كلّ نفيس. «والخبر يحتمل وجهين : الأول: أن يكون الذل بالضم والباء سبية، أي ما أرضى أن أذلّ نفسي ولي بذلك كرائم الدنيا. الثاني: أن يكون الذل بالكسر والباء للعوض أي لا أرض أن يكون لي عوض انقياد نفسي وسهولتها وتواضعها... نفائس الأموال...» مرآة المجلسي 197/8 - 198.
2- أي الإمتحان والاختبار.
3- أي الّذين يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله.
4- أي بالحسد أو بغيره من أنواع الظلم
5- أي بكظم غيظك والعفو عنه فتكون من المحسنين الّذين عناهم اللّه بقوله : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران / 134.
6- أي زمن حكمهم وتسلطهم.
7- أي أحكام للأمر وضبطه والتوثق فيه.

الدُّنيا، ومعاندة الأعداء في دولاتهم ومماظتهم (1) في غير تقيّة ترك أمر اللّه (2)، فجاملوا النّاس يسمن ذلك لكم عندهم (3) ولا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم (4) فتذلّوا.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السكونيّ قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من عبدٍ كَظم غيظاً إلّا زاده اللّه عزّ وجلّ عزّاً في الدُّنيا والآخرة ؛ وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(5). وأثابه اللّه مكان غيظه ذلك.

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عَميرة قال : حدّثني من سمع أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من كظم غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه (6)، أملأ اللّه قلبه يوم القيامة رضاه.

7 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن ابن فضّال، عن غالب ابن عثمان، عن عبد اللّه بن منذر، عن الوصافي (7)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كظم غيظاً وهو (7) يقدر على إمضائه حشا اللّه قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة.

8 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : يا زيد اصبر على أعداء النعم، فإنّك لن تكافي من عصى اللّه فيك بأفضل من أن تطيع اللّه فيه، يا زيد إنَّ اللّه اصطفى الإسلام واختاره فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حفص بياع السابري، عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «مِن أَحَبّ السبيل إلى اللّه عزّ وجلّ جرعتان : جرعة (8) غيظ تردها بحلم، وجرعة مصيبة تردّها بصبر».

ص: 118


1- أي منازعتهم والمشادة معهم.
2- لأنه نهى عن القاء الإنسان نفسه في التهلكة وأمر بالتقية.
3- كناية عن ارتفاع الشأن عند العدو ممّا يصرفه عن التفكير في إلحاق الضرر به، بل جر النفع إليه.
4- كناية عن تسليطهم عليكم وإذلالكم.
5- آل عمران / 134.
6- أي كان قادراً على أن يشفي غيظه بالنيل من عدوه.
7- الظاهر أنّه عبيد اللّه بن الوليد.
8- الجرعة في الأصل تستعمل في الماء وهي ما يجرع مرة واحدة والجمع جُرع. وجرعة الغيظ أو الغصص مستعارة منه.

10 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن ربعي، عمّن حدّثه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي أبي : يا بنيَّ ما من شيء أقرّ لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر، وما من شيء يسرني أنَّ لي بِذَلّ نفسي حمر النعم.

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن معاذ بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اصبروا على أعداء النعم، فإنّك لن تكافي من عصى اللّه فيك بأفضل من أن تطيع اللّه فيه

12 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن خلاد، عن الثمالي، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : قال : ما أحب أنَّ لي بذل نفسي حمر النعم، وما تجرعت من جرعة أحبُّ إليَّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها.

13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنى الحناط، عن أبي حمزة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من جرعة يتجرعها العبد أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من جرعة غيظ يتجرعها عند تردُّدها في قلبه (1)، إما بصبر وإما بحلم (2).

باب الحِلْمَ

باب الحِلْمَ (3)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن عبيد اللّه قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يكون الرّجل عابداً حتّى يكون حليماً؛ وإنَّ الرَّجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابداً حتّى يصمت قبل ذلك عشر سنين (4).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان عن

ص: 119


1- «المراد بترددها في قلبه إقدام القلب تارة إلى تجرعها لما فيه من الأجر الجزيل وإصلاح النفس، وتارة إلى ترك تجرعها لما فيه من البشاعة والمرارة» مرآة المجلسي 204/8.
2- قيل: الصبر هو أن لا يقول ولا يفعل شيئاً أصلا، والحلم أن يقول أو يفعل شيئاً يوجب رفع الفتنة وتسكين الغضب فيكون الحلم بمعنى العقل واستعماله ن. م.
3- قال الراغب : الحلم : ضبط النفس عن هيجان الغضب وقيل : الحِلم : الأناة والتثبت في الأمور. وهو يحصل من الاعتدال في القوة الغضبية.
4- هذا يشير إلى ما كان في بني إسرائيل من صوم الصمت.

أبي حمزة قال : المؤمن خلط عمله بالحلم، يجلس ليعلم (1)، وينطق ليفهم، لا يحدث أمانته (2) الأصدقاء، ولا يكتم شهادته الأعداء ولا يفعل شيئاً من الحق رياء، ولا يتركه حياء، إن زكي (3) خاف ممّا يقولون، واستغفر اللّه ممّا لا يعلمون لا يغره قول من جهله، ويخشى إحصاء ما قد عمله.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّه ليعجبني الرجل أن يُدْرِكَهُ حلمه عند غضبه.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يحبُّ الحيي الحليم.

5 - عنه، عن عليّ بن حفص العوسي الكوفي، رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما أعزّ اللّه بجهل قط، ولا أذل بحلم (4) قطّ».

6 - عنه، عن بعض أصحابه، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كفى بالحلم ناصراً ؛ وقال : إذا لم تكن حليماً فتحلَّم (5).

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عبد اللّه الحجّال، عن حفص ابن أبي عائشة قال : بعث أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) غلاماً له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد اله (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أثره لما أبطأ، فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروحه (6) حتّى انتبه، فلما تنبه قال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا فلان واللّه ما ذلك لك، تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النّهار.

8 - محمّد بن ي-ه بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ اللّه يحبُّ الحيي الحليم العفيف المتعفّف».

ص: 120


1- أي يتخير من المجالس ما كان مجلس تذاكر العلم وذلك بقصد التعلم.
2- أي لا يذيع ما اؤتمن عليه من سر حتّى للأصدقاء.
3- أي مُدح بخصاله الحسنة وأعماله الكريمة.
4- قد يراد بالحلم هنا العقل والعلم فيراد بما يقابله من الجهل عدم العقل والعلم. ويحتمل أن يراد به التأني والتثبت فيراد بما يقابله من الجهل التهور والحمق.
5- أي تكلّف الحلم، فإن ممارسة التكلّف له قد تجعل الإنسان حليماً في النهاية على نحو السجية.
6- الظاهر أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يحرك يديه فوق رأسه كالمروحة لتحريك الهواء فيكون ذلك سبباً في استغراقه بنوم مريح، وهذا منتهى الحلم.

9 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أيّوب بن نوح، عن عباس بن عامر، عن ربيع بن محمّد المسلّي، عن أبي محمّد، عن عمران، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما : قلت وقلت (1) وأنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت. ويقولان للحليم منهما : صبرت وحلمت سيغفر اللّه لك إن أتممت ذلك (2)، قال : فإن ردَّ الحليم عليه ارتفع الملكان (3).

باب الصمت وحفظ اللسان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (4) قال : قال أبو الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من علامات الفقه (5) الحلم والعلم والصمت ؛ إن الصمت باب من أبواب الحكمة (6)، إنَّ الصمت يكسب المحبّة (7) إنه دليل على كلّ خير.

2 - عنه عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنما شيعتنا الخُرس (8).

3 - عنه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي علي الجواني، قال : شهدت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يقول لمولى له يقال له سالم - ووضع يده على شفتيه وقال : - يا سالم احفظ لسانك تسلم

ص: 121


1- التكرار لبيان كثرة الشتم وقول الباطل مرآة المجلسي 209/8.
2- أي فلم تردّ عليه.
3- «أي بعد حلمه عنه أوّلاً، ارتفع الملكان ساخطين عليهما ويكلانهما إلى الملكين ليكتبا عليهما قولهما، والرد بعد مبالغة الآخر في الشتم والفحش لا ينافي وصفه بالحلم لأنه قد حلم أولاً ومراتب الحلم متفاوتة» مرآة المجلسي 210/8.
4- هو البزنطي.
5- المقصود بالفقه هنا التدبر والتأمل في الأمور لا الفقه بالمعنى المصطلح.
6- لأن الّذي يشغل نفسه بالهذر وكثرة الكلام ينشغل فكره عن التأمل والتدبر في دقائق الأمور، ولذا فإن الصمت بترك الذهن فاعلاً مفكراً ممّا يؤدي إلى العلم وخاصة فيما لو كان مصغياً مستمعاً إلى من يؤدي إليه دقائق العلوم.
7- أي محبة اللّه لما يؤول إليه صمته من زيادة معرفته به سبحانه و بدينه ممّا يؤدي إلى زيادة خوفه منه. أو محبة النّاس، لأن أكثر المشاحنات والبغضاء بين النّاس إنما سببها اللسان وما يفرط منه من زلل القول. وفي معظم النسخ (الجنّة) بدل (المحبة).
8- «أي هم لا يتكلمون باللغو والباطل، وفيما لا يعلمون، وفي مقام التقية خوفاً على أئمتهم وأنفسهم واخوانهم...» مرآة المجلسي 211/8.

ولا تحمل النّاس على رقابنا (1).

4 - عنه، عن عثمان بن عيسى قال : حضرت أبا الحسن صلوات اللّه عليه وقال له رجل: أوصني، فقال له : احفظ لسانك تعزّ، ولا تمكّن النّاس من قيادك فتذلَّ رقبتك (2).

5 - عنه، عن الهيثم بن أبي مسروق، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لرجل أتاه : «ألا أدلك على أمر يُدخلك اللّه به الجنّة»؟ قال: بلى يا رسول اللّه، قال : «أنل ممّا أنالك اللّه»، قال: فإن كنت أحوج ممّن أنيله؟ قال: «فانصر المظلوم»، قال : وإن كنت أضعف ممّن أنصره؟ قال: «فاصنع للأخرق (3) يعني أشر عليه» (4). قال : فإن كنت أخرق ممّن أصنع له؟ قال: «فأصْمِتْ لسانك إلّا من خير، أما يسرك أن تكون فيك خصلةٌ من هذه الخصال تجرُّك إلى الجنّة»؟.

6 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح (5)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لقمان لابنه : يا بنيَّ إن كنت زعمت أن الكلام من فضّة، فإنَّ السكوت من ذهب (6).

7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحلبي، رفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أمسك لسانك، فإنّها (7) صدقة تصدّق بها على نفسك(8): ثمّ قال : ولا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتّى يخزن من لسانه» (9).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً،

ص: 122


1- أي لا تسلّطهم علينا نتيجة إطلاقك العنان للسانك في التحدث بما يثير حفيظتهم. والمقصود بالناس المخالفون لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
2- كناية عن تسليطهم عليه نتيجة هفوة لسان تصدر عنه تكون مستمسكاً لهم عليه.
3- الأخرق الأحمق الّذي لا يهتدي إلى الصواب في أمره. ومعنى اصنع له أي أسدِهِ معروفاً.
4- والمعروف هو أن توجهه في أمره الوجهة الصحيحة أو أن تشير عليه بالرأي الصائب في أي عمل لا يهتدي إلى وجه الصواب فيه.
5- الظاهر أنّه عبد اللّه بن ميمون القداح.
6- لا شك في أن الكلام خير من السكوت فلا بد من حمل هذا الحديث على ما إذا كان الكلام في لغو أو لهو أو باطل أو ما يجر إلى المشاحنات فعندئذٍ يكون السكوت خيراً منه.
7- أي خصلة إمساك اللسان.
8- «تشبيه الإمساك بالصدقة على النفس باعتبار أنّه ينفعها في الدنيا والآخرة كما أن الصدقة تنفع الفقير... الخ»، مرآة المجلسي 216/8.
9- أي يمسك به عن الباطل واللغو.

عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) (1). قال : يعني كفوا ألسنتكم.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن الحلبي، رفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «نجاة المؤمن [في] حفظ لسانه».

10 - يونس عن مثنّى، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان أبو ذرّ - (رَحمهُ اللّه) - يقول : يا مبتغي العلم (2)، إنَّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر، فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وَوَرِقِك (3).

11 - حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح (4)، عن معاذ بن ثابت، عن عمرو ابن جميع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللّه، فإنَّ الّذين يكثرون الكلام في غير ذكر اللّه قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون (5).

12 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ما من يوم إلّا وكل عضو من أعضاء الجسد كفّر اللّسان (6) : يقول (7) : نشدتك اللّه أن نعذَّب فيك (8).

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن إبراهيم بن مهزم الأسدي، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه (9) كلّ صباح فيقول : كيف أصبحتم ؟ فيقولون: بخير إن تركتنا،

ص: 123


1- النساء 77. ويبدو أن هذا تفسير منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبطن الآية، وإلا فما ذكره المفسرون هنا أنّها نزلت في قوم بمكة من المسلمين أمروا بالصلاة والزكاة والكف عن قتال المشركين قبل أن ينزل الأمر بالجهاد فلما أمروا به شق عليهم وخافوا النّاس لما كانوا يرون من ضعفهم وقلة عددهم وقالوا : ربنا لم كتبت علينا القتال... الآية 77 من سورة النساء.
2- أي يا طالب العلم.
3- الوَرِق : الدراهم المضروبة.
4- واسمه الحسن بن على بقرينة رواية الخشاب عنه وروايته عن معاذ.
5- وفي هذا تنبيه على أن مطلق كثرة الكلام حتّى في المباحات يوجب قسوة القلب، والغفلة عن اللّه.
6- أي تخضع له وتتذلل وتستعطفه.
7- أي بلسان الحال.
8- أي سألتك وأقسمت عليك به أن تصمت لئلا نعذب بسببك.
9- كناية عن التسلط والاستعلاء.

ويقولون : اللّه اللّه فينا ويناشدونه ويقولون : إنّما نثاب ونعاقب بك(1).

14 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن قيس أبي إسماعيل - وذكر أنّه لا بأس به من أصحابنا - رفعه قال : جاء رجل (2) إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه أوصني، فقال : احفظ لسانك قال يا رسول اللّه أوصني قال : «احفظ لسانك»، قال يا رسول اللّه أوصني، قال : احفظ لسانك، ويحكَ : وهل يُكَبُّ النّاس على مناخرهم في النّار إلّا حصائد ألسنتهم»(3).

15 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من لم يحسب كلامه من عمله (4) كثرت خطاياه وحضر عذابه (5)».

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «يعذب اللّه اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح، فيقول : أي ربّ عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً، فيقال له : خرجت منك كلمة (6) فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسُفِك بها الدَّمُ الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي [وجلالي] لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئاً من جوارحك (7)».

17 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إن كان في شيء شؤم (8) ففي اللسان».

18 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد والحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، جميعاً، عن الوشاء قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان الرّحل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين (9).

ص: 124


1- أي المدار في ما ينالنا من ثواب أو عقاب هو أنت أي بسببك نعاقب ونئاب.
2- روي من طرق أهل السنة أنّه معاذ بن جبل.
3- قال ابن الأثير : «يعني ما يقطعونه من الكلام الّذي لا خير فيه واحدتها حصيدة تشبيهاً بما يحصد من الزرع، وتشبيهاً للسّان وما يقطعه من القول بحد المنجل الّذي يحصد به».
4- أي من لم يعتبر أو يعد كلامه من جملة عمله الصادر عنه.
5- وذلك بحضور أسباب ذلك العذاب وهو أقواله الّتي تكون باللغو والباطل واللّهو وأنواع ما حُرّم عليه.
6- كالإفتاء بغير ما أنزل اللّه أو شهادة الزور الخ.
7- إما بتقدير أي جوارح صاحبك أو إيحاء إلى أنّه كان متسلطاً في الدنيا على جميع جوارح البدن وإنها كانت خاضعة تابعة له.
8- الشؤم : عدم اليمن وعدم الخير والمعنى: إن كان ما تخشى عاقبته في شيء ففي اللسان وذلك أمر صحيح لكثرة ما ينضح به من الفتن والهذر الّذي يكون وخيم العاقبة على صاحبه وعلى النّاس.
9- مر مضمون هذا الحديث بسند آخر عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في باب الحلم تحت رقم (1).

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الغفاري، عن جعفر بن إبراهيم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من رأى موضع كلامه من عمله (1) قل كلامه إلّا فيما يعنيه (2)».

20 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن منصور بن يونس عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : في حكمة آل داود (3): على العاقل (4) أن يكون عارفاً بزمانه (5)، مقبلاً على شأنه (6)، حافظاً للسانه

21 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكت (7) فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً.

باب المداراة

باب المداراة (8)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ثلاث من لم يكن فيه لم يتم له عمل : ورع يحجزه (9) عن معاصي اللّه وخُلُق يداري به النّاس وحِلْم يرد به جهل الجاهل».

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن الحسن قال ؛ سمعت جعفراً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : جاء جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا محمّد ربك يقرئك السلام ويقول لك : دارِ خَلْقي.

ص: 125


1- أي يعرف أن نسبة كلامه من مجموع عمله هي الرابية، لأن الكلام كما تقدم عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الحديث (15) من هذا الباب هو من العمل.
2- أي فيعود عليه بالنفع ويهمه.
3- أي الزبور، أو الأعم منه ومما صدر عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الحكم والأقوال.
4- أي يجب على العاقل.
5- أي بأهل زمانه.
6- أي مهتما بشؤون نفسه ممّا يصلحها في الدين والدنيا.
7- هذا يدل إما على أن السكوت في حد ذاته محبوب مرغوب فيه يثاب صاحبه عليه، أو أنّه سكوت عن اللغو يرافقه انصراف إلى التفكر والتأمل بقصد الاعتبار أو التعلم.
8- المداراة والمداراة : تستعمل في معنيين متضادين، فهي كما في الصحاح : المخالفة والمدافعة. وقد تأتي بمعنى الملاطفه والملاينة والمداجاة والمخاتلة والاتقاء وهي هنا بمعنى الملاينة والملاطفة والاتقاء.
9- أي يحجره ويمنعه.

3 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : في التوراة مكتوب - فيما ناجى اللّه عزّ وجلّ به موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) - يا موسى اكتم مكتوم سرّي في سريرتك(1)، وأظهر في علانيتك المداراة عني (2) لعدوّي وعدوّك من خلقي، ولا تستسب لي (3) عندهم بإظهار مكتوم سري فتشرك عدوك وعدوّي في سبيّ (4).

4 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمزة بن بزيع، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «أمرني ربي بمداراة النّاس كما أمرني بأداء الفرائض» (5).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «مداراة النّاس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش». ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خالطوا الأبرار سراً (6) وخالطوا الفجار (7) جهاراً ولا تميلوا عليهم فيظلموكم، فإنّه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلّا من ظنوا أنّه أبله وصبر نفسه على أن يقال [له]: إنّه أبله لا عقل له.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن بعض أصحابه ؛ ذكره (8)، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة ابن منصور قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ قوماً من النّاس قلت مداراتهم للناس فأنفُوا(9) من قريش، وأيم اللّه ما كان بأحسابهم بأس، وإنَّ قوماً من غير قريش حَسُنَت مداراتهم فألحقوا بالبيت الرفيع (10)، قال : ثمّ قال : من كفَّ يده عن النّاس فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفّون عنه أيدي كثيرة.

ص: 126


1- أي في قلبك، لأن القلب هو موضع السر.
2- لما كان أصل الدرء الدفع وهو مأخوذ في المداراة عُديت بعنه الوافي ج 86/3.
3- «أي لا تطلب سبي فإن من لم يفهم السريسب من تكلم به» ن. م.
4- أي تكون شريكاً له في السب لأنك تسببت له به.
5- الصلوات الخمس أو مطلق ما افترضه عليّ.
6- المراد بمخالطة السر إما إيطان المحبة لهم، أو الاتصال بهم في السر.
7- الحكمة منه هو اتفاء شرهم ودفع عداوتهم، ولا يجوز أن تؤدي مخالطتهم إلى موادّتهم وإبطان المحبة لهم بل لا بد من إيطان البغض لهم.
8- أي ذكره عليّ بن إبراهيم ولكن الراوي نسي اسمه.
9- أي ضربت أنوفهم إضافة إلى نفيهم من الانتساب إلى قريش، وفي بعض النسخ (فألقوا) أي طردوا وأخرجوا
10- وهم بنو هاشم، أي أن مداجاة هؤلاء للظالمين وملاطفتهم لهم كانا سببا في جعل عطاء هؤلاء كعطاء من ينتسب إلى أشرف بيت في قريش وهم بنو هاشم.

باب الرفق

باب الرفق (1)

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ لكلّ شيء قفلا وقفل الإيمان الرفق (2).

2 - وبإسناده قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من قسم له الرفق قسم له الإيمان.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن يحيى الأزرق، عن حماد بن بشير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه تبارك وتعالى رفيق يحبُّ الرّفق، فمن رِفْقِه بعباده تسليله أضغانهم (3) ومضادَّتهم (4) لهواهم وقلوبهم. ومن رفقه بهم أنّه يدعهم على الأمر يريد إزالتهم عنه (5) رفقاً بهم لكيلا يلقي عليهم عرى الإيمان (6) ومثاقلته جملة واحدة فيضعفوا، فإذا أراد ذلك نسخ الأمر بالآخر فصار منسوخاً.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن معاذ بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «الرفق يُمْن والخرقُ (7) شؤم».

5 - عنه، عن ابن محبوب، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ رفيق يحبُّ الرّفق، ويعطي (8) على الرفق ما لا يعطي على العنف

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ الرفق لم يوضع على شيء إلّا زانه، ولا نُزع من شيء إلّا شانه» (9).

ص: 127


1- الرفق كما في النهاية لين الجانب وهو خلاف العنف.
2- وذلك لأن من لم يرفق يعنف فيعنف عليه فيغضب فيحمله الغضب على قول أو فعل به يخرج الإيمان من قلبه، فالرفق قفل للإيمان يحفظه الوافي ج 86/3.
3- أي انتزاعه لأحقادهم وضغائنهم وإخراجها برفق. لأن التسليل انتزاع الشيء برفق.
4- أي وإخراج مضادة أهواء بعضهم لبعض وقلوب بعضهم لبعض تدريجاً وبرفق أيضاً. وهذا من لطفه سبحانه بهم.
5- هذا يشير إلى الحكمة في التدرج في تشريع الأحكام الإلهية.
6- أي أحكامه وشروطه وحدوده. وفي بعض النسخ عرى الإسلام.
7- الخرق الحمق، وهو ضد اليمن الّذي هو البركة.
8- أي من الخير في الدنيا والثواب في الآخرة.
9- أي عابه.

7 - علي، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة عن عمرو بن المقدام، رفعه إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «إنّ في الرّفق الزيادة والبركة، ومن يحرم الرّفق يحرم الخير».

8 - عنه، عن عبد اللّه بن المغيرة عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما زُوِيَ (1) الرفق عن أهل بيت إلّا زوي عنهم الخير.

9 - عدَّة من أصحابنا، أحمد عن بن أبي عبد اللّه عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن عليّ بن المعلّى عن إسماعيل بن يسار، عن أحمد بن زياد بن أرقم الكوفي، عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أيما أهل بيت أعطوا حظهم من الرفق فقد وسع اللّه عليهم في الرزق؛ والرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال ؛ والرفق لا يعجز عنه شيء، والتبذير لا يبقى معه شيء (2)؛ إنَّ اللّه عزّ وجلّ رفيق يحبُّ الرّفق.

10 - عليّ بن إبراهيم رفعه عن صالح بن عقبة، عن هشام بن أحمر، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي - وجرى بيني وبين رجل من القوم كلام فقال لي -: ارفق بهم فإنَّ كفر أحدهم في غضبه ولا خير فيمن كان كفره في غضبه (3).

11 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الرفق نصف العيش (4).

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ اللّه يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العُجْف(5) فانزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها وإن كانت مخصبة فانزلوها منازلها (6)».

ص: 128


1- أي أبْعِدُ ونُحِي.
2- أي سلوك جانب الاقتصاد في المعيشة من دون إفراط ولا تفريط خير من الثراء الفاحش إذا لم يوجد معه تقدير واقتصاد لأن التبذير يذهب بالمال وإن كثر.
3- ولأن أكثر النّاس عند الغضب يتكلمون بكلمة الكفر وينسبون إلى اللّه سبحانه وإلى الأنبياء والأوصياء (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما لا يليق بهم، وأي خير يتوقع ممّن لا يبالي عند الغضب من الخروج عن الإسلام واستحقاق القتل في الدنيا والعذاب الدائم في الآخرة....؟ مرآة المجلسي 240/8.
4- «أي نصف أسباب العيش الطيب، لأن رفاهية العيش إما بكثرة المال والجاه وحصول أسباب الغلبة أو بالرفق في المعيشة والمعاشرة بل هذا أحسن» ن. م.
5- أي الهزيلة.
6- هذا الحديث ينبه على أن الرفق ليس مطلوباً بالنسبة للتعامل مع الإنسان أيضاً بل لا بد من الرفق حتّى مع الحيوان الأعجم.

13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن عثمان بن عيسى، عن عمرو - ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان ممّا خلق اللّه شيءٌ أحسن منه».

14 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن - ميمون، عمّن حدَّثه عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه رفيق يحب الرفق، ومن رفقه بكم تسليل أضغانكم ومضادة قلوبكم وإنه ليريد تحويل العبد عن الأمر فيتركه عليه حتّى يحوله بالناسخ (1)، كراهية تثاقل الحق عليه.

15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما اصطحب اثنان إلّا كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى اللّه عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه.

16 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان، عن الحسن بن الحسين، عن فضيل، ابن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من كان، فيقاً في أمره نال ما يريد من النّاس (2).

باب التواضع

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أرسل النجاشي (3) إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه (4) فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب، وعليه خُلقان الثياب (5) قال : فقال جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأشفقنا(6) منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما بنا وتغيّر وجوهنا قال :

الحمد للّه الّذي نصر محمّداً وأقر عينه، ألا أبشركم ؟ فقلت: بلى أيّها الملك، فقال: إنّه

ص: 129


1- أي بالحكم النّاسخ الحكم ذلك الأمر، وذلك بعد أن يتركه مدة على الأوّل مراعاة لاعتياد نفسه عليه وألفته به.
2- وذلك لأن من طبيعة النّاس وسجيتهم أنهم إذا رأوا الرفق من شخص أحبوه وأعانوه وألقى اللّه في قلوبهم فلا يدعونه يشقى أو تتعسر أمور معيشته.
3- هو ملك الحبشة واسمه أصحمة بن بحر، آمن بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قبل الفتح، قيل بأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلى عليه لما وافاه خبر موته.
4- وكانوا قد هاجروا من مكة إلى أرض الحبشة وهي الهجرة الأولى للمسلمين.
5- أي الثياب البالية.
6- أي خفنا.

جاءني الساعة من نحو أرضكم عينُ (1) من عيوني هناك فأخبرني أنَّ اللّه عزّ وجلّ قد نصر نبيه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الأراك (2) الكأني أنظر إليه (3) حيث كنت أرعى لسيّدي هناك، وهو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر : أيّها الملك فمالي أراك جالساً على التراب وعليك هذه الخُلقان ؟ فقال له : يا جعفر إنا نجد فيما أنزل اللّه على عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ من حقِّ اللّه على عباده أن يحدثوا له تواضعاً عندما يحدث لهم من نعمة، فلما أحدث اللّه عزّ وجلّ لي نعمة بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، أحدثت اللّه هذا التواضع، فلما بلغ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال لأصحابه : «إنَّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم اللّه، وإنَّ التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم اللّه، وإنَّ العفو يزيد صاحبه عزاً، فاعفوا يعزكم اللّه»

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : إِنَّ في السماء مَلَكَين موكلين بالعباد، فمن تواضع للّه رفعاه ومن تكبر وضعاه.

3 - ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أفطر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عشيّة خميس في مسجد قبا، فقال: «هل من شراب»؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعسر (4) مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه نحاه، ثمّ قال: «شرابان يكتفى بأحدهما من صاحبه، لا أشربه ولا أحرمه ولكن أتواضع اللّه، فإنَّ من تواضع للّه رفعه اللّه، ومَن تكبر فضه اللّه، ومَن اقتصد في معيشته رزقه اللّه، ومن بذر حرمه اللّه، ومن أكثر ذكر الموت أحبّه اللّه» (5).

4 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن داود الحمار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مثله وقال : من أكثر ذكر اللّه أظلّه اللّه. في جنّته(6).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن العلاء بن رزين، عن محمّدبن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يذكر أنّه أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مَلَك

ص: 130


1- أي جاسوس.
2- نوع من الشجر معروف.
3- هذا من تتمة كلام النجاشي، والضمير يعود إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ويروى بأن النجاشي هو طفل باعه أهله لرجل من الحجاز على ما يبدو لئلا يصبح الملك بعد أبيه وليستولوا على الملك. ثمّ اضطروا إلى استرداده وتوجوه ملكا.
4- العُسَ : قدح ضخم جمعه عِسَاس.
5- لأن كثرة ذكر الموت تستلزم الانزواء عن الدنيا وشدة التعلق بالآخرة وحب لقاء اللّه، ومن أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه.
6- أي أظله اللّه برحمته يوم لا ظل إلّا ظله، وهو من لطفه سبحانه بعباده المؤمنين، الّذي يؤدي بهم إلى الجنّة.

فقال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ يخيّرك أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً أو مَلَكاً رسولاً، قال : فنظر إلى جبرئيل (1)، وأومأ بيده (2) أن تواضع، فقال : عبداً متواضعاً، رسولاً، فقال الرسول (3) : «مع أنّه لا ينقصك ممّا عند ربّك شيئاً»، قال (4) : ومعه مفاتيح خزائن الأرض»(5).

6 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس (6)، وأن تسلم على من تلقى، وأن تترك المراء (7) وإن كنت محقاً، وأن لا تحبَّ أن تحمد على التقوى.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن يقطين، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يا موسى : أتدري لم اصطفيتك بكلامي (8) دون خلقي ؟ قال : يا ربِّ ولم ذاك؟ قال : فأوحى اللّه تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إنّي قلبت عبادي ظهراً لبطن، فلم أجد فيهم أحداً أذلُّ لي نفساً منك، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدَّك على التراب - أو قال (9) : على الأرض -.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : مرَّ عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما على المجذّمين (10) وهو راكب حماره وهم يتغدُّون، فدعوه إلى الغداء، فقال : أما إنّي لولا أني صائم لفعلت، فلما صار إلى منزله أمر بطعام، فصُنع وأمر أن يتنوّقوا فيه (11)، ثمّ دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن هارون ابن خارجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه (12).

ص: 131


1- كأن نظره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان للاستشارة فيما ينبغي عليه أن يجيب.
2- الضمير يرجع إلى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- أي الملك المنزل.
4- أي الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- أي والحال أن الملك عندما خيّر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يحمل معه ما يتمكن به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عند اختياره الشق الثاني من فتح خزائن الأرض.
6- أي أقل شرفاً ووجاهة من المجلس الّذي تستحقه.
7- أي الخصومة والجدل.
8- أي بأن كلمتك مباشرة من وراء حجاب.
9- الترديد من الراوي.
10- أي المصابين بمرض الجذام وهو البرص.
11- أي يتقنوا صنعه ويتأنقوا في إعداده.
12- أي في المجلس الّذي هو أدون ممّا يستحقه بمقتضى مقامه وشرفه وذلك بدافع التواضع.

10 - عنه، عن ابن فضّال ومحسن بن أحمد عن يونس بن يعقوب قال : نظر أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئاً وهو يحمله، فلما رآه الرجل استحيى منه، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اشتريته لعيالك وحملته إليهم، أما واللّه لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثمّ أحمله إليهم.

11 - عنه عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: فيما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا داود: كما أن أقرب النّاس من اللّه المتواضعون كذلك أبعد النّاس من اللّه المتكبرون.

12 - عنه عن أبيه، عن عليّ بن الحكم رفعه إلى أبي بصير قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في السنة الّتي قُبض فيها أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : جعلت فداك مالك ذبحت كبشاً ونحر فلان بدنة (1)؟ فقال : يا أبا محمّد إنّ نوحاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان في السفينة وكان فيها ما شاء اللّه، وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء، وخلّى سبيلها نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى الجبال أنّي واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكنَّ، فتطاولت وشمخت(2) وتواضع الجودي وهو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها (3) الجبل، قال: فقال نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند ذلك : يا ماري اتقن وهو بالسريانية [يا] ربِّ أصلح، قال : فظننت أن أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عرض بنفسه (4).

13 - عنه، عن عدَّة من أصحابه، عن عليّ بن أسباط عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : التواضع أن تعطي النّاس ما تحبُّ أن تُعطاه.

وفي حديث آخر قال : قلت : ما حد التواضع الّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلّا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها (5) بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن النّاس، واللّه يحب المحسنين.

ص: 132


1- البدنة : من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تُهدى إلى مكة فتنحر أو تذبح بها سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها جمعها بَدَنات ويُدن. وقوله فلان لعله إشارة إلى أحد الأشراف الّذين كانوا من المنظورين في زمن الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- أي ارتفعت وعلت وشمخ الرجل بأنفه : تكبر.
3- أي صدرها ومقدّمها.
4- «أي غرضه من هذا التمثيل بيان أنّه اختار الكبش للتواضع وهو مورث للعزة في الدارين... ويحتمل أن يكون في ذلك تقية أيضاً» مرآة المجلسي 255/8. والتعريض : خلاف التصريح.
5- أي دفعها وردّها.

باب الحب في اللّه والبغض في اللّه

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وأحمد بن محمّد بن خالد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وسهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أحب اللّه، وأبغض اللّه (1)، وأعطى اللّه فهو ممّن كمل إيمانه.

2 - ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مِن أوْثَقِ عُرى الإيمان أن تحب في اللّه وتبغض في اللّه، وتعطي في اللّه، وتمنع في اللّه.

4 - ابن محبوب، عن أبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول صاحب الطاق، عن سلام ابن المستنير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ودّ (2) المؤمن للمؤمن في اللّه من أعظم شُعَب (3) الإيمان، ألا ومن أحب في اللّه، وأبغض في اللّه، وأعطى في اللّه ومنع في اللّه فهو من أصفياء اللّه» (4).

4 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول: إنَّ المتحابين في اللّه يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كلّ شيء حتّى يُعرفوا به، فيقال : هؤلاء المتحابون في اللّه.

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد، عن حريز عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الحبّ والبغض، أمِنَ الإيمان هو ؟ فقال : وهل الإيمان إلّا الحب والبغض ؟ ثمّ تلا هذه الآية : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (5).

ص: 133


1- أي أحب من أحبّ لأن اللّه يحبه وأمر بحبه من الأنبياء والأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) والصلحاء من المؤمنين لا للأغراض الدنيوية... وأبغض من أبغض لأن اللّه يبغضه وأمر ببغضه من أئمّة الضلالة والكفار والمشركين والمخالفين والظلمة والفجّار لمخالفتهم اللّه تعالى مرآة المجلسي 257/8.
2- أي حبّ.
3- أي أجزاء وفروع.
4- أي محبي اللّه المصافين الخُلّص.
5- الحجرات / 7 وزيّنه : أي حسن لكم الإيمان بلطفه سبحانه. والفسوق الكذب. وقيل : الخروج عن الطاعة إلى المعصية.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ؛ عن محمّد بن عيسى، عن أبي الحسن عليّ بن يحيى - فيما أعلم - عن عمرو بن مدرك الطائي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لأصحابه : «أيُّ عُرى الإيمان أوثق»؟ فقالوا : اللّه ورسوله أعلم، وقال بعضهم الصلاة وقال بعضهم : الزَّكاة. وقال بعضهم : الصيام. وقال بعضهم : الحجّ والعمرة وقال بعضهم الجهاد فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لكلّ ما قلتم فضل وليس به (1)، ولكن أوثق عرى الإيمان الحبُّ في اللّه والبغض في اللّه وتوالي أولياء اللّه (2) والتبري من أعداء اللّه».

7 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن عمر بن جبلة الأحمسي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «المتحابون في اللّه يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء، في ظل عرشه (3) عن يمينه - وكلتا يديه يمين (4) - وجوههم أشدُّ بياضاً وأضوء من الشمس الطالعة، يغبطهم (5) بمنزلتهم كلّ مَلَك مُقَرَّب وكلُّ مرسل»، يقول النّاس : من هؤلاء؟ فيقال : هؤلاء المتحابون في اللّه.

8 - عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا جمع اللّه عزّ وجلّ الأولين والآخرين قام مناد فنادى يسمع النّاس فيقول : أين المتحابون في اللّه، قال : فيقوم عُنق من النّاس فيقال لهم : اذهبوا إلى الجنّة بغیر حساب قال : فتلقاهم الملائكة فيقولون : إلى أين؟ فيقولون : إلى الجنّة بغير حساب، قال : فيقولون : فأي ضرب (6) أنتم من النّاس ؟ فيقولون نحن المتحابون في اللّه، قال : فيقولون : وأي شيء كانت أعمالكم (7)؟ قالوا : كنا نحبُّ في اللّه ونبغض في اللّه، قال : فيقولون : نعم أجر العاملين.

ص: 134


1- أي ليس ذلك الفضل ممّا يجعله هو أوثق عرى الإيمان.
2- أي الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذين جعلهم اللّه سبحانه حججه على خلقه بعد نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وتواليهم مودتهم ونصرتهم والأخذ بسنتهم والاهتداء بهديهم ومتابعتهم، والبراءة من أعدائهم.
3- أي في ظل رحمته يوم لا ظل إلّا ظله.
4- قال في النهاية : أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما، لأن الشمال ينقص عن اليمين، وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى اللّه فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة واللّه سبحانه منزّه عن التشبيه والتجسيم
5- أي يتمنى منزلتهم من دون أن يحب زواله عنهم فهو ليس من الحسد في شيء.
6- يعني : أي صنف أو أي مثل أو أي نوع أو أي شكل الح.
7- أي في الدنيا.

9 - عنه، عن عليّ بن حسّان عمّن ذكره عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاث من علامات المؤمن علمه باللّه ومن يحبُّ ومن يبغض (1).

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الرّجل ليحبكم (2) وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله اللّه الجنّة بحبّكم، وإنَّ الرَّجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله اللّه ببغضكم النار.

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن العرزمي، عن أبيه، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أردت أن تعلم أنَّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللّه ويبغض أهل معصيته ففيك خير واللّه يحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته (3) فليس فيك خير واللّه يبغضك، والمرء مع من أحبَّ(4).

12 - عنه، عن أبي علي الواسطي عن الحسين بن أبان، عمّن ذكره، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو أنَّ رجلاً أحب رجلا اللّه (5)، لأثابه اللّه على حبّه إياه وإن كان المحبوب في علم اللّه من أهل النار، ولو أنَّ رجلاً أبغض رجلا اللّه (6)، لأثابه اللّه على بغضه إياه وإن كان المبغض في علم اللّه من أهل الجنّة.

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بشير الكناسي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قد يكون حب في اللّه ورسوله وحب في الدنيا (7)، فما كان في اللّه ورسوله فثوابه على اللّه، وما كان في الدنيا فليس بشيء.

14 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان عيسى، عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ المسلمين يلتقيان، فأفضلهما (8) أشدُّهما حبّاً، لصاحبه (9).

ص: 135


1- أى علمه بمن يحبه اللّه أو يبغضه فيحبه هو بدوره ويبغضه.
2- أي معاشر الشيعة.
3- أي يبغض الصنف الأوّل لضرر دنيوي لحقه منهم ويحب الصنف الثاني لنفع دنيوي لحقه منهم.
4- أي في الآخرة، كما هو الحال في الدنيا.
5- أي وكان ظاهره الصلاح والإيمان.
6- أي وكان ظاهر الفساد والانحراف والفسوق والظلم أو الكفر.
7- أي من أجل الدنيا ومنافعها وحطامها.
8- أي عند اللّه.
9- أي في اللّه.

15 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وابن فضّال، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما التقى مؤمنان قط إلّا كان أفضلهما أشدّهما حبّاً لأخيه.

16 - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن عمران السبيعي عن عبد اللّه بن جبلة عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّ من لم يحبّ على الدين، ولم يبغض على الدين، فلا دين له (1).

باب ذم الدنيا والزهد فيها

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد الحريري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من زهد في الدنيا (2) أثبت اللّه الحكمة (3) في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها (4) ودواءها (5)، وأخرجه من الدنيا سالم (6) إلى دار السلام (7).

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، وعليّ بن محمّد القاساني، جميعاً، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزّهد في الدنيا، ثمّ قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا يجد الرَّجل حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من (8) أكل الدّنيا. ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا».

ص: 136


1- أي فلا دين كامل أو تام له. لأن الحب في اللّه والبغض في اللّه كما مر هو من جملة الإيمان. اللّهمّ إلّا إذا لم يحب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً اللّه، ولم يبغض أئمّة الضلالة ويتبرأ منهم لأنهم أعداء اللّه ورسوله والأئمّة وإنما أبغضهم لعدم وصول نفع إليه منهم فهذا لا دين له حقيقة.
2- أي تركها ورغب عنها رغبة منه فيما عند اللّه من الثواب والجنّة والرضوان.
3- «الحكمة العلوم الحقة المقرونة بالعمل، أو العلوم الربانية الفائضة من اللّه تعالى بعد العمل بطاعته» مرآه المجلسي 267/8.
4- من شهواتها وزخارفها وكثرة المعاصي من أهلها.
5- وهوا التجافي عنها، والتدبر في أحوال أهلها ومالهم فيها وفي الآخرة، وتذكر ما حذر اللّه عباده منها وإنها لعب ولهو وزينة الخ، كلّ ذلك يجعله محصناً تجاه مغرياتها وأمراضها.
6- أي من الذنوب خطايا والأمراض الخلقية والنفسية.
7- أي الجنّة.
8- على تقدير كونه مصدراً فالمعنى : إنه راغب عن الدنيا غير مهتم بالّذي انقادت له إنساناً كان أو حيواناً. وعلى تقدير كونه حرف جر فالمعنى: أنّه لا يهتم بحطام الدنيا والتقلب في بهارجها.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أيّوب الخزاز، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدُّنيا (1).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه، أنَّ رجلاً سأل عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الزُّهد، فقال: عشرة أشياء، فأعلى درجة عن الزُّهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرّضا، ألا وإنَّ الزهد في آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ : (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (2).

5 - وبهذا الإسناد عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يقول : كلّ قلب فيه شكٍّ أو شرك فهو ساقط، وإنّما أرادوا بالزهد في الدُّنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة (3).

6 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن علامة الراغب في ثواب الآخرة، زهده في عاجل زهرة الدُّنيا (4)، أما إنَّ زهد الزاهد في هذه الدُّنيا لا ينقصه ممّا قسم اللّه عزّ وجلّ له فيها وإن زهد ؛ وإن حرص الحريص على عاجل زهرة [الحياة] الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص فالمغبون من حرم حظه من الآخرة.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما أعجب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيء من الدُّنيا إلّا أن

ص: 137


1- «ذلك لأن الاشتغال بالدنيا... مانع عظيم من تفرّغ القلب للأمور الدينية وتفكره فيها بل حبها لا يجتمع اللّه تعالى وطاعته وطلب الآخرة» مرآة المجلسي 269/8.
2- الحديد 23. وقد مر صدر هذا الحديث في باب الرضا بالقضاء تحت رقم (10) وبنفس السند عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- مر هذا الحديث في ذيل حديث سابق في باب أن السكينة هي الإيمان من هذا المجلد تحت رقم (5) وبنفس الإسناد عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعلقنا عليه، ولكن ورد هناك: «كلّ قلب في شرك أوشك...».
4- هذا أيضاً يشير إلى عدم إمكان اجتماع حب الدنيا وحب الآخرة في قلب رجل واحد، لأن الإنسان بمقدار تعلقه بالدنيا الفانية تنقطع صلته بالآخرة الباقية وعلى ضوء ذلك يفهم قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في نهاية الحديث : فالمغبون... الخ أي الخاسر، ولا إشكال في أن من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية فهو في خسران مبين وهذا لا ينافي العمل والسعي في الدنيا من أجل تحصيل قوته وقوت عياله فهذا ليس من طلب الدنيا المذموم إذ لا يوجب ذلك انغماسه في الدنيا ولا نسيانه أمر الآخرة. لأن سعيه بذاك المقدار ممّا هو مأمور به من قبل الشارع فهو طاعة من الطاعات ولذا فهو عائد إلى الآخرة لا إلى الدنيا في الحقيقة.

يكون فيها جائعاً (1) خائفاً (2).

8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وهو محزون، فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الأرض، فقال : يا محمّد هذه مفاتيح خزائن الأرض يقول لك ربّك : افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئاً عندي، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الدنيا دار من لا دار له (3) ولها يجمع من لا عقل له فقال الملك : والّذي بعثك بالحقّ نبياً، لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة، حين أعطيت المفاتيح.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرَّرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بِجَدْي أسَكَ (4) ملقى على مزبلة ميتاً، فقال لأصحابه : كم يساوي هذا؟ فقالوا لعله لو كان حيّاً لم يساو درهماً، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «والّذي نفسي بيده للدنيا أهون على اللّه من هذا الجدي على أهله» (5).

10 - عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن محمّد القاساني، عمّن ذكره، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أراد اللّه بعبد خيراً زهده في الدنيا، وفقهه في الدين، وبصره عيوبها، ومن أوتيهنَّ (6) فقد أوتي خير الدنيا والآخرة ؛ وقال : لم يطلب أحد الحقَّ بباب (7) أفضل من الزهد في الدنيا، وهو (8) ضد لما طلب أعداء الحق، قلت: جعلت فداك ممّا ذا(9)؟ قال : من الرغبة فيها، وقال : ألا من صبار كريم (10)، فإنّما هي أيام قلائل، ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتّى تزهدوا في الدنيا.

قال : وسمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما (11) ووجد حلاوة حبّ

ص: 138


1- إما بسبب الصوم أو لإيثاره الغير على نفسه فيما يملكه من قوت أو لأن الجوع يذكره بيوم القيامة وهكذا.
2- أي من أهوال يوم القيامة أو من اللّه سبحانه لأنه خوف يوجب تأمينه من غضبه في الدارين أو من العدو في الجهاد.
3- أي ليس له في الآخرة نصيب، إذ الدارداران لا ثالث لهما، فإذا لم يكن له دار غير الدنيا، فالآخرة ليست له.
4- أي مقطوع الأدنين.
5- أي أصحابه، تمثيل لحقارة شأن الدنيا وهوانها على اللّه، ولذا يعطيها من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الآخرة إلّا من يحب.
6- أي من أعطي تلك الخصال الثلاث.
7- أي بسبب ووسيلة.
8- أي الزهد.
9- هو طلب توضيح من السائل لما طلبه أعداء الحق.
10- أي ألا يوجد إنسان كريم كثير الصبر على الدنيا ومصائبها وبلاءاتها؟.
11- أي شرف وكرم وعلا عن الأمراض الدنيوية والنقائص الأخلاقية.

اللّه، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط (1)، وإنّما خالط القومَ حلاوة حبّ اللّه، فلم يشتغلوا بغيره قال وسمعته يقول : إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتّى يسمو.

11 - علي، [عن أبيه]، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد، عن الزهري محمّد بن مسلم بن شهاب قال : سُئل عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيُّ الأعمال أفضل عند اللّه عزّ وجلّ؟ فقال : ما من عمل بعد معرفة اللّه جل وعزَّ ومعرفة رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أفضل من بغض الدنيا، وإنَّ لذلك لشعباً كثيرة، وللمعاصي شعباً، فأول ما عُصي اللّه به الكبر، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين ؛ والحرص وهي معصية آدم (2) وحوّا حين قال اللّه عزّ وجلّ لهما : (كلا منها رَغَداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (3). فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك (4) على ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك أنَّ أكثر ما يطلب ابن آدم مالا حاجة به إليه، ثمّ الحسد، وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حبّ النساء، وحبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الراحة، وحبّ الكلام، وحبّ العلوّ والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلّهنَّ في حبّ الدّنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حبُّ الدنيا رأس كلّ خطيئة والدنيا دنيا آن: دنيا بلاغ (5) ودنيا ملعونة.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إنَّ في طلب الدنيا (6) إضراراً بالآخرة وفي طلب الآخرة إضراراً بالدّنيا، فأضروا بالدنيا فإنّها أولى بالإضرار».

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن أبي

ص: 139


1- أي اختل عقله وذلك أوضح ما يكون في موقف الأمم على امتداد العصور من أنبيائها حيث كانوا يرمونهم بالجنون.
2- لقد مر معنا أن إطلاق المعصية على فعل آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما هو إطلاق مجازي لأن مخالفته إنما كانت نهي تنزيهي لا تحريمي، وهي من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.
3- البقرة/ 35. والرغد : سعة العيش.
4- أي الأخذ زيادة على الحاجة والضرورة أو الحرص.
5- أي كفاية، أو كفاف.
6- طلب الدنيا الّذي يضر بالآخرة هو طلب زخارفها وبهارجها وذلك عن أي طريق كان حتّى طريق ارتكاب المعاصي والكبائر وترك الطاعات والقربات فمثل ذلك ممّا يضر بآخرة الإنسان بلا ريب، وكذلك طلب الآخرة الّذي يضر بدنيا البلاغ فهو عبارة عن الترهب والانقطاع عن الدنيا والسياحة في الأرض ولبس المسوح وهذا أيضاً ممّا هو منهي عنه. وعليه فمضمون الحديث يشير إلى المعنى الأوّل لطلب الدنيا وعليه فهو نهي عن سلوك طريقه، ولا منافاة بينه وبين وجوب السعي لتأمين قوته وقوت عياله إذ إن هذا المقدار من الدنيا لا يضر بالآخرة كما مر.

أيوب الخزاز، عن أبي عبيدة الحذاء قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني بما أنتفع به. فقال : يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت، فإنّه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلّا زهد في الدنيا.

14 - عنه، عن عليّ بن الحكم عن الحكم بن أيمن عن داود الأبزاري قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَلَكٌ ينادي كلّ يوم : ابن آدم لذ للموت واجْمَع للفناء وابن للخراب.

15 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن أبان عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما : إنَّ الدنيا قد ارتحلت مديرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، [ألا] وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة.

ألا إِنَّ الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، وقُرَّضوا من الدنيا تقريضاً (1).

ألا ومن اشتاق إلى الجنّة سلا (2) عن الشهوات، ومن أشفق من النّار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.

ألا إنَّ اللّه عباداً كمن رأى (3) أهل الجنّة في الجنّة مخلّدين، وكمن رأى أهل النّار في النّار معذبين شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياماً قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم (4) تجري دموعهم على خدودهم وهم يجأرون (5) إلى ربهم يسعون في فكاك رقابهم (6)، وأما النهار فحلماء، علماء، بررة، أتقياء، كأنهم القداح (7)، قد براهم الخوف (8) من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى - وما بالقوم من مرض (9) - أم خولطوا فقد خالط القوم أمرٌ عظيم ؛ من ذكر النّار وما فيها(10).

ص: 140


1- على بناء المفعول من القرض بمعنى القطع، وبناء التفعيل للمبالغة، وقيل : بمعنى التجاوز من قرضت الوادي إذا جزته أو بمعنى العدول من قرضت المكان إذا عدلت عنه مرآة المجلسي 287/8.
2- أي انصرف عنها وتركها، أو نسيها.
3- «أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة»، والرؤية هنا قلبية.
4- أي للصلاة.
5- أي يتضرعون إلى اللّه رافعين أصواتهم بالدعاء.
6- أي من النار.
7- أي السهام والنبال.
8- أي نحتهم.
9- أي يظن أنهم مرضى الصفرة وجوههم ونحافة أبدانهم، مخطأ ظنه وقال وما بالقوم من مرض، بل هم الأصحاء من الأدواء النفسانية والأمراض القلبية الخ، مرآة المجلسي 290/8.
10- والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب اللّه وعبادته واعتزالهم عن عامة الخلق ومباينة أطوارهم لأطوارهم وأقوالهم لأقوالهم ويسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم فتارة ينسبونهم إلى المرض الجسماني وتارة إلى المرض الروحاني وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الأوّل بالنفي المطلق، وعن الثاني بأن المخالطة متحققة لكن لا بما يفسد العقل، بل بما يكمله من خوف النّار وحب الملك الغفار ن. م.

16 - عنه عن عليّ بن الحكم عن أبي عبد اللّه المؤمن عن جابر قال: دخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا جابر واللّه إنّي لمحزون، وإنّي لمشغول القلب، قلت : جعلت فداك وما شَغَلَك؟ وما حَزَنَ قلبك ؟ فقال : يا :جابر : إنه من دخل قلبه صافي خالص دين اللّه (1) شغل قلبه عما سواه ؛ يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلّا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها (2) ؟ !.

يا جابر: إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها (3)، ولم يأمنوا قدومهم الآخرة ؛ يا جابر الآخرة دار قرار، والدُّنيا دار فناء وزوال، ولكن أهل الدنيا أهل غفلة، وكأنَّ المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يُصمّهم عن ذكر اللّه جلَّ اسمه ما سمعوا بآذانهم (4)، ولم يُعمهم عن ذكر اللّه ما رأوا من الزينة بأعينهم، ففازوا بثواب الآخرة، كما فازوا بذلك العلم. واعلم يا جابر: أنَّ أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، تذكر(5) فيعينونك وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر اللّه، قوامون على أمر اللّه، قطعوا محبّتهم بمحبة ربِّهم، ووحشوا الدّنيا (6) لطاعة مليكهم، ونظروا إلى اللّه عزّ وجلّ وإلى محبته بقلوبهم، وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثمّ ارتحلت عنه، أو كمال. وجدته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء، إنّي [إنما] ضربت لك هذا مثلاً، لأنها عند أهل اللب(7) والعلم باللّه كفىء الظلال (8) ؛ یا جابر فاحفظ ما استرعاك اللّه (9) جلَّ وعزَّ من دينه وحكمته، ولا تسألن عمّا لك عنده إلّا ماله عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحوّل إلى دار المستعتب (10)، فلعمري لَرُبَّ حريص على أمر قد شقي به حين أتاه، ولرب

ص: 141


1- أي المحبة الصافية اللّه المكتسبة من خالص دينه سبحانه وهو الإسلام.
2- أي نكحتها والتمثيل بهذه الأمور الثلاثة لبيان حقارة الدنيا وحقارة لذاتها وسرعة زوالها وانقضائها.
3- أي لم يلههم طول الأمل فينسيهم العمل للآخرة.
4- أي ما سمعوا بآذانهم عن وصف بهارج الدنيا وزينتها، وأحوال الأمم الماضية في تقلبهم في زخرفها وقصورها وجاهها وسلطانها، ووصف لذائذ طعامها وشرابها وشهواتها الخ.
5- أي تسألهم حاجتك.
6- أي لم يأنسوا بها.
7- أي العقل.
8- أي هي في سرعة زوالها وتحولها كفيء الظلال.
9- أي ما استودعك واستحفظك.
10- أي «إن تكن الدنيا عندك على غير ذلك فانتقل إلى مقام التوبة والاستعتاب والاسترضاء فإن هذه عقيدة فاسدة» مرأة المجلسي 295/8 نقلاً عن بعض الأفاضل.

كاره لأمر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (1).

17 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبو ذر - (رَحمهُ اللّه) -: جزى اللّه الدّنيا عنّي مذمّةً بعد رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشّى بالآخر، وبعد شملتي الصوف أنزر بإحداهما وأتردّى بالأخرى (2).

18 - وعنه، عن عليّ بن الحكم عن المثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبو ذر – (رضي اللّه عنه) - يقول في خطبته : يا مبتغي العلم : كأَنَّ شيئاً من الدنيا لم يكن شيئاً إلّا ما ينفع خبره ويضر شره إلّا من رحم اللّه (3) ؛ يا مبتغي العلم : لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره، وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها ؛ يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي اللّه عزّ وجلّ، فإنّك مثاب بعملك، كما تدين تدان، يا مبتغي العلم.

19 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «مالي وللدنيا (4)، إنّما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف (5) فقال (6) تحتها ثمّ راح وتركها (7).

20 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفّاً كان أبْعَدَ لها من الخروج حتّى تموت غماً. قال : وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان فيما وعظ به لقمان ابنه : يا بنيَّ إنَّ النّاس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جَمَعوا ولم يبق من جَمَعوا له ؛ وإنّما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً، فأوف عملك واستوف أجْرَك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتّى سمنت فكان

ص: 142


1- آل عمران/ 141 ويمحص : أي يختبر ويمحق : أي ينقصهم ويفنيهم.
2- أي اجعل إحداهما إزاراً والأخرى رداءً والشَّملة - كما في النهاية - كساء يتغطى به ويُتلفف فيه.
3- الاستثناء راجع إلى ما يضر،شره، أي يضر شره إلّا من لطف اللّه به فوقاه شره.
4- أي أية علاقة لي مع الدنيا أو أية محبة، أو أي شغل الخ.
5- أي حار.
6- قال : من القيلولة وهي النوم وقت الظهيرة.
7- ووجه التشبيه للدنيا هنا بذلك هو سرعة الرحيل والانتقال.

حتفها (1) عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدَّهر أخربها ولا تعمرها (2)، فإنّك لم تؤمر بعمّارتها.

واعلم أنك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي اللّه عزّ وجلّ عن أربع : شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته ومالك ممّا اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهّب لذلك وأعدَّ له جواباً، ولا تأس(3) على ما فاتك من الدُّنيا، فإنَّ قليل الدنيا لا يدوم بقاءه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك وتعرَّض لمعروف ربّك، وجدد التوبة في قلبك، واكمش (4) في فراغك (5) قبل أن يُقصد قصدك (6) ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد.

21 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : فيما ناجى اللّه عزّ وجلّ به موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) یا موسی : لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين وركون من اتخذها أباً وأمّاً (7). يا موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر لها إذا لغلب عليك حبّ الدّنيا وزهرتها، يا موسى نافس في الخير أهله واستبقهم إليه، فإنَّ الخير كاسمه (8)، واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه، ولا تنظر عينك إلى كلّ مفتون بها وموكل إلى نفسه؛ واعلم أنَّ كلّ فتنة بدؤها حب الدنيا، ولا تغبط أحداً بكثرة المال فإنَّ مع كثرة المال تكثر الذنوب الواجب الحقوق (9)، ولا تغبطنَّ أحداً برضى النّاس عنه، حتّى تعلم أنَّ اللّه راض عنه، ولا تغبطنَّ مخلوقاً بطاعة النّاس له (10)، فإنَّ طاعة النّاس له واتباعهم إياه على غير الحق هلاك له ولمن اتبعه.

22 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة عن غياث بن إبراهيم أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن في كتاب علي صلوات اللّه عليه : إنما مثل الدنيا كمثل الحيّة ما ألين

ص: 143


1- أي هلاكها وموتها. وهذه استعارة تمثيلية شبه توسع الإنسان في لذات الدنيا وشهواتها وعدم مبالاته بحرامها و شبهاتها وابتلائه بعد الموت بعقوباتها بشاة وقعت في زرع أخضر فأكلت منه حيث شاءت وكيف شاءت بلا مانع حتّى إذا سمنت قتلها صاحبها السمنها مرآة المجلسي 303/8.
2- الضميران يرجعان إلى الدنيا ومعنى عدم أعمّارها الاقتصار منها على مقدار الضرورة.
3- أي لا تحزن.
4- أي اسرع وعجل.
5- أي في أن تنجز ما تحتاج إليه في آخرتك.
6- أي يقصدك ملك الموت لأخذ روحك، وهو كناية عن الموت.
7- كناية عن التودد إليها وجعلها قبله يتردد عليها صباحاً ومساءً.
8- أي إن الخير ينفع صاحبه في الآخرة كما يكون سبباً لنفعه في الدنيا بحسن ذكره بين النّاس بعمل الخير.
9- أي للتقصير في أداء الحقوق الواجبة غالباً مرآة المجلسي 309/8.
10- أي بطاعتهم له في الباطل.

مسّها وفي جوفها السمُّ الناقع (1)، يحذرها الرجل العاقل، ويهوى إليها الصبيُّ الجاهل.

23 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد اللّه :(عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بعض أصحابه يعظه : أوصيك ونفسي بتقوى من لا تحلّ معصيته ولا يرجى غيره، ولا الغنى إلّا به، فإنَّ من اتقى اللّه جل وعزَّ قوي وشبع وروي، ورفع عقله عن أهل الدنيا، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة، فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حبّ الدّنيا، فقدر حرامها وجانب شبهاتها، وأضر واللّه بالحلال الصافي إلّا ما لا بد له من كسرة [منه] يشدّ بها صلبه، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه، ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ولا رجاء (2)، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء، فجد واجتهد وأتعب بدنه حتّى بدت الأضلاع وغارت العينان فأبدل اللّه له من ذلك قوة في بدنه وشدة في عقله، وما ذخر له في الآخرة أكثر، فارْفُضِ الدّنيا (3) فإنَّ حب الدنيا يُعمي ويُصمّ ويبكم (4) ويذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غداً [أ] و بعد غد، فإنّما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف حتّى أتاهم أمر اللّه بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون، فانقطع إلى اللّه بقلب منيب(5)، من رفض الدنيا وعزم ليس فيه انكسار ولا انخزال (6). أعاننا اللّه وإياك على طاعته ووفقنا اللّه وإياك لمرضاته.

24 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة وغيره، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله.

25 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الوشاء قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 144


1- أي القاتل. وقيل : الناقع : الثابت المجتمع - كما في النهاية.
2- لانحصار ثقته ورجائه به سبحانه.
3- أي أتركها.
4- أي البصيرة عن إدراك الحق. ويمكن أن يراد بها عمى البصر الظاهر لعدم انتفاعه بما يرى فكأنه أعمى وصمم السمع الظاهر لأنه لا ينتفع بما يسمع فكأنه أصمّ كما قال سبحانه : ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) البقرة / 7. والبكم نسبته إلى الظاهر أظهر فإنه لما لم يتكلم بالحقّ وبما ينفعه فكأنه أبكم، مرآة المجلسي 313/8.
5- أي تائب راجع إلى اللّه.
6- أي تباطؤ وانقطاع.

يقول : قال عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه للحواريين (1) : يا بنيَّ إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم.

باب (بدون العنوان)

1 - الحسين بن محمّد الأشعري عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه عزّ وجلّ يقول : «وعزَّتي (2) وجلالي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلّا كففت (3) عليه ضيعته، وضمّنت السماوات والأرض (4) رزقه، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر (5)».

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن ابن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ : وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي وعلوّ ارتفاعي، لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شيء من أمر الدنيا، إلّا غناه في نفسه، وهمته في آخرته، وضمّنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.

باب القناعة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن زيد الشحّام، عن عمرو بن هلال قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك (6)، فكفى بما قال اللّه عزّ وجلّ لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ) (7). وقال: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (8).

ص: 145


1- أي أنصاره الخلّص. قيل سموا بذلك لأن صنعتهم كانت تبييض الثياب أو لأنهم خلصوا من كلّ عيب.
2- أي وقدرتي وقوتي وشدتي.
3- أي جمعت عليه معيشته وضممتها إليه.
4- أي جعلتهما ضامنتين لرزقه، وذلك بتسخيرهما لخدمته.
5- أي كنت له عوضاً عن تجارة كلّ تاجر لأني الباقي والآخرون زائلون، وثوابي دائم بعدهم لا ينقطع.
6- أي أن تنظر إلى من هو فوقك فمن أقبلت عليه الدنيا بجاهها ومالها لتتمنى أن تكون مكانه أو مثله.
7- التوبة / 55.
8- طه / 131.

فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فإنّما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السَّعَف (1) إذا وجده.

2 - الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلى بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، جميعاً عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ عن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه اللّه».

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من رضي من اللّه باليسير من المعاش، رضي اللّه منه باليسير من العمل (2).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم، كن كيف شئت كما تدين تدان، من رضي من اللّه بالقليل من الرّزق، قبل اللّه منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤنته وزكت مكسبته، وخرج من حدّ الفُجوز (3).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عرفة، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من لم يقنعه من الرّزق إلّا الكثير، لم يكفه من العمل إلّا الكثير، ومن كفاه من الرّزق القليل فإنّه يكفيه من العمل القليل.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول : ابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإنَّ أيسر ما فيها يكفيك، وإن كنت إنّما تريد مالاً يكفيك فإنَّ كلّ ما فيها لا يكفيك (4).

7 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن محمّد الأسدي، عن

ص: 146


1- السَّعَف - كما في القاموس - جريدة النخل أو ورقه وأكثر ما يقال إذا يبست.
2- وذلك لأن كلّ أو جلّ العبادات المالية أو المالية البدنية تسقط عنه هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن من يرضى باليسير من العيش يكون قد رغب عن الدنيا وزهد فيها ويكون قد حقق التقوى في نفسه وقليل العمل مع التقوى مقبول لأنه سبحانه إنما يتقبل من المتقين.
3- أي خرج عن مظنة الوقوع في الحرام والشبهات.
4- وذلك لأن الدنيا للإنسان المتهالك عليها كماء البحر المالح بالنسبة للعطشان كلما شرب منه زاد عطشه، وهي أخذ منها شيئاً طلب المزيد.

سالم بن مكرم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اشتدَّت حال رجل (1) من أصحاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقالت له امرأته لو أتيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فسألته (2)، فجاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلما رآه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه اللّه» فقال الرجل : ما يعني غيري. فرجع إلى امرأته فأعلمها فقالت إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بشر فأعلمه (3) فأتاه، فلما رآه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه اللّه، حتّى فعل الرّجل ذلك ثلاثاً، ثمّ ذهب الرجل فاستعار معولاً ثمّ أتى الجبل، فصعده فقطع حطباً، ثمّ جاء به فباعه بنصف مدّ من دقيق فرجع به فأكله، ثمّ ذهب من الغد، فجاء بأكثر من ذلك فباعه، فلم يزل يعمل ويجمع حتّى اشترى معولاً، ثمّ جمع حتّى اشترى بكرين (4) وغلاماً ثمّ أثرى حتّى أيسر(5)، فجاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأعلمه كيف جاء يسأله وكيف سمع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قلت لك : «من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه اللّه».

8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن الفرات عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أراد أن يكون أغنى النّاس فليكن بما في يد اللّه أوثق منه بما في يد غيره» (6).

9 - عنه، عن ابن فضّال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر [أ] و(7) أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قنع بما رزقه اللّه فهو من أغنى النّاس.

10 - عنه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران قال : شكا رجلٌ إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه يطلب فيصيب ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه. وقال : علّمني شيئاً أنتفع به، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها (8) يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك.

11 - عنه، عن عدَّة من أصحابنا، عن حنان بن سدیر رفعه قال: قال أمير

ص: 147


1- أي ضاقت عليه معيشته وضيق عليه في رزقه.
2- أي لو طلبت منه ما يسد به حاجتك.
3- أي أخبره بحالك وفاقتك لأنه لا يعلم الغيب البشريته.
4- مثنى :بكر هو الفتى من الإبل.
5- أي غني وأصبح ميسور الحال موسعاً عليه.
6- لأن الغنى عدم الحاجة إلى الغير والقانع بما رزقه اللّه لا يحتاج إلى السؤال من غيره تعالى مرآة المجلسي 326/8.
7- الترديد من الراوي.
8- أي الدنيا.

المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من رضي من الدنيا بما يُجزيه(1)، كان أيسر ما فيها يكفيه، ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه.

باب الكفاف

عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن غير واحد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قال اللّه عزّ وجلّ : (إن من أغبط أوليائي عندي رجلاً خفيف الحال(2)، ذا حظّ من صلاة، أحسن عبادة ربّه بالغيب(3)، وكان غامضاً في النّاس (4) جعل رزقه كفافاً (5)، فصبر عليه عجلت منيته (6) فقل تراثه وقلت بواكيه (7)).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): طوبی (8) لمن أسلم وكان عيشه كفافاً».

3 - النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «اللّهمّ ارزق محمّداً وآل محمّد ومن أحب محمّداً وآل محمّد العفاف والكفاف، وارزق من أبغض محمّداً وآل محمّد المال والولد» (9).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن يعقوب بن يزيد، عن إبراهيم بن محمّد النوفلي رفعه إلى عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : مرَّ رسول

ص: 148


1- أي يكفيه.
2- كناية عن فقره في الدنيا. وفي بعض النسخ: حفيف (الحال أي قليل المال والمعنى متقارب).
3- أي بعيدا منزويا عن النّاس.
4- أي غير معروف ولا مشهور.
5- أي بقدر الضرورة.
6- وكأن المراد بعجلة منيته زهده في مشتهيات الدنيا وعدم افتقاره إلى شيء منها كأنه ميت. وقد ورد في الحديث المشهور موتوا قبل أن تموتوا الوافي ج 80/3.
7- التراث : الإرث وأصله : الوراث والبواكي : الّذين يبكون الميت ؛ وذلك كناية عن قلة عياله وأولاده، أو لمغموريته وعدم اشتهاره بين النّاس الخ.
8- من أسماء الجنّة. أو هي شجرة فيها.
9- يستشعر منه الذم لكثرة الأولاد والأموال ربما لأنهم فتنة، وقد يكون من الولد من هو عدو لأهله كما دلت على ذلك بعض الآيات والروايات.

اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) براعي إبل فبعث يستسقيه، فقال: أما ما في ضروعها فصَبُوحُ الحي (1) وأما ما في آنيتنا فغَبُوقُهُمْ (2)، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «اللّهمّ أكثر ماله وولده»، ثمّ مرَّ براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها وأكفأ (3) ما في إنائه في إناء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وبعث إليه بشاة وقال : هذا ما عندنا وإن أحببت أن نزيدك زدناك؟ قال: فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «اللّهمّ ارزقه الكَفاف»، فقال له بعض أصحابه : يا رسول اللّه، دعوت للّذي ردَّك بدعاء عامتنا نحبه، ودعوت للّذي أسعفك بحاجتك (4) بدعاء كلنا نكرهه؟! فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إن ما قل وكفى خيرٌ ممّا كثر وألهى : اللّهمّ ارزق محمّداً وآل محمّد الكفاف».

5 - عنه، عن أبيه، عن أبي البختري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : يحزن عبدي المؤمن إن قترت عليه (5) وذلك أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن إن وسعت عليه وذلك أبعد له مني.

6 - الحسين بن محمّد، بعن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : [قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ] قال اللّه عزّ وجلّ : إنَّ من أغبط أوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح، أحسن عبادة ربه، وعبد اللّه في السريرة، وكان غامضاً في النّاس(6) فلم يُشَر إليه بالأصابع (7)، وكان رزقه كفافاً، فصبر عليه فعُجّلت به المنية، فقلَّ تراثه وقلّت بواكيه.

باب تعجيل فعل الخير

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان قال : حدّثني حمزة بن حمران قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا هم (8) أحدكم بخير فلا يؤخّره، فإنَّ

ص: 149


1- الصبوح ما حلب أول النهار، أو ما يشرب في الصباح.
2- الغبوق ما يحلب آخر النهار، أو ما يشرب في المساء.
3- أي كب وأفرغ.
4- أي قضاها.
5- أي ضيقت وقدرت عليه رزقه.
6- أي مغموراً غير مشتهر بينهم.
7- تأكيد وتفريع على سابقه.
8- أي عزم وأراد وقصد ولم يفعل.

العبد ربّما صلّى الصلاة أو صام اليوم فيقال له : اعمل ما شئت بعدها فقد غفر [ اللّه ] لك (1).

2 - عنه عن عليّ بن الحكم عن أبي جميلة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : افتتحوا نهاركم بخير، وأملوا (2) على حفظتكم (3) في أوَّله خيراً وفي آخره خيراً، يُغفر لكم ما بين ذلك إن شاء اللّه.

3 - عنه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي يقول : إذا هممت بخير فبادر، فإنّك لا تدري ما يحدث.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ اللّه يحبُّ من الخير ما يعجل».

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم عن أبان بن، عثمان، عن بشير بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أردت شيئاً من الخير فلا تؤخّره، فإنَّ العبد يصوم اليوم الحارّ يريد ما عند اللّه فيعتقه اللّه به من النّار ؛ ولا تستقل ما يتقرَّب به إلى اللّه عزّ وجلّ ولو شقَّ تمرة (4).

6 - عنه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من هم بخير فليعجّله ولا يؤخّره، فإنَّ العبد ربّما عمل العمل فيقول اللّه تبارك وتعالى : (وقد غفرت لك ولا أكتب عليك شيئاً أبداً)، ومَن همَّ بسيّئة فلا يعلمها، فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه اللّه سبحانه فيقول : (لا وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبداً).

7 - عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا هممت بشيء من الخير فلا تؤخّره، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ ربّما أطلع على العبد وهو على شيء من الطاعة فيقول : (وعزتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبداً) (5)، وإذا هممت بسيئة فلا تعملها،

ص: 150


1- يعني أن العبادة الّتي توجب المغفرة التامة والقرب الكامل من جناب الحق تعالى مستورة على العبد لا يدرى أيّها هي، فكلما هم بعبادة فعليه إمضاؤها قبل أن تفوته فلعلها تكون هي تلك العبادة كما روي عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها مرآة المجلسي 333/8.
2- الإملاء : هو إلقاء كلام على الغير ليكتبه.
3- المقصود بهم الملائكة الموكلون بحفظ الإنسان والتسجيل عليه في الليل والنهار.
4- أي نصفها. والنهي عن استقلال التصدق ولو بشق تمرة لأنها وإن كانت حقيرة في نظر الشبعان إلّا أنّه قد يتوقف عليها حفظ حياة جائع، فهي لذلك عظيمة الأثر والأجر عند اللّه.
5- «الظاهر أن هذا (كالّذي قبله) من باب التفضل وذلك العمل يصير سبباً لاستحقاق هذا الفضل، ويحتمل أن يكون مبنياً على التكفير، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ويكون هذا العمل مكفراً لما بعده أيضاً ويحفظه اللّه فيما يأتي عن الكبائر» مرآة المجلسي 336/8.

فإنّه ربّما أطلع اللّه على العبد وهو على شيء من المعصية فيقول : (وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبداً) (1).

8 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن ابن فضّال، عن أبي جميلة (2)، عن محمّد بن حمران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا هم أحدكم بخير أو صلة فإن عن يمينه وشماله شیطانین (3) فليبادر لا يكفاه (4) عن ذلك.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من هم بشيء من الخير فليعجّله، فإنَّ كلّ شيء فيه تأخير فإنَّ للشيطان فيه نظرة (5).

10 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه ثقل الخير على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة، وإنَّ اللّه عزّ وجلّ خفّف الشرَّ على أهل الدنيا كخفته في موازينهم يوم القيامة.

باب الإنصاف والعدل

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن الحسن ابن حمزة، عن جده [عن] أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول في آخر خطبته طوبى لمن طاب خُلقه، وطَهُرَتْ سجيته (6)،

ص: 151


1- وهذا أيضاً كالّذي قبله «فهو إما لخروجه بذلك عن استحقاق الغفران فيعاقب على جميع معاصيه بذلك، أو لاستحقاقه الخذلان فيتسلط عليه الشيطان فيخرجه عن الإيمان، أو هو مبني على الحبط فيحبط هذا العمل ما يأتي به من الطاعات بعده» ن. م.
2- الظاهر أنّه المفضل بن صالح بقرينة رواية الحسن بن فضال عنه وروايته عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- قد يقال : صاحب اليمين يضله من جهة الطاعة وصاحب الشمال من جهة المعصية مرآة المجلسي 337/8.
4- أي لا يصداه ويمنعاه.
5- إما «بسكون الظاء أي فكرة لإحداث جيلة يكف بها العبد عن الإتيان بالخير أو بكسرها يعني مهلة يتفكر فيها لذلك، أو بالتحريك بمعنى الحكم أو... الانتظار» مرآة المجلسي 337/8.
6- أي طبيعته بأن تخلصت من رذائل الأخلاق والأمراض النفسية.

وصلحت سريرته (1)، وحسنت علانيته وأنفق الفضل (2) من ماله وأمسك الفضل من قوله (3)، وأنصف النّاس من نفسه».

2 - عنه، عن محمّد بن سنان، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من يضمن لي أربعة (4) بأربعة أبيات في الجنّة؟ أنفق ولا تَخَفْ فقراً، وأفش السلام في العالم، واترك المراء (5) وإن كنت محقاً، وأنصف النّاس من نفسك

3 - عنه، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن عليّ بن عقبة، عن جارود أبي المنذر قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سيّد الأعمال ثلاثة : إنصاف النّاس من نفسك حتّى لا ترضى بشيء إلّا رضيت لهم مثله، ومؤاساتك الأخ في المال، وذكر اللّه على كلّ حال، ليس سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر فقط، ولكن إذا ورد عليك شيء أمر اللّه عزّ وجلّ به أخذت به، أو إذا ورد عليك شيء نهى اللّه عزّ وجلّ عنه تركته.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن عليّ بن المعلى، عن يحيى بن، عن يحيى بن أحمد، عن أبي محمّد الميثمي، عن رومي بن زرارة عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلام له : ألا إنّه من يُنصف النّاس من نفسه لم يزده اللّه إلّا عزّاً.

5 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة حتّى يفرغ من الحساب : رجلٌ لم تَدْعُهُ قدرة (6) في حال غضبه إلى أن يحيف (7) على من تحت يده، ورجل مشى بين اثنين (8) فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة (9)، ورجل قال بالحقّ فيما له وعليه.

ص: 152


1- السريرة هي السر، والمقصود بها هنا القلب حيث يتخلى عن كلّ ما يمكن أن يعتريه من الأمراض كالحقد والغش والحسد الخ.
2- أي ما فضل عنده عن الكفاف، أو أخرج مطلق ما عليه من الحقوق المالية.
3- أي تخلى عن الكلام بالباطل واللغو والهذر.
4- أي من يلتزم لي في نفسه بأربعة أمور.
5- أى الجدال والخصام.
6- أي لم تحمله قدرته أو قدرة من يطاوعه إذا أمره.
7- الحيف : الظلم والجور.
8- أي سعى بينهما في مصالحة أو قضاء أو تحكيم.
9- أي بمقدار حبة شعير، وهي كناية عن القلة.

عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن الحسن البزَّاز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في حديث له : ألا أخبركم بأشدّ ما فرض اللّه على خلقه، فذكر ثلاثة أشياء أوَّلها : إنصاف النّاس من نفسك.

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «سيّد الأعمال إنصاف النّاس من نفسك، ومؤاساة الأخ في اللّه (1)، وذكر اللّه عزّ وجلّ على كلّ حال (2)».

8 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن الحسن البزاز قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أخبرك بأشدّ ما فرض اللّه على خلقه [ثلاث](3)، قلت: بلى. قال : إنصاف النّاس من نفسك، ومؤاساتك أخاك، وذكر اللّه في كلّ موطن، أما إنّي لا أقول سبحان اللّه والحمد اللّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، وإن كان هذا من ذاك (4)، ولكن ذكر اللّه جلَّ وعزَّ في كلّ موطن، إذا هجمت (5) على طاعة أو على معصية.

9 - ابن محبوب، عن أبي أسامة قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما ابتلي المؤمن بشيء أشدَّ عليه (6) من خصال ثلاث يُحرمها (7)، قيل : وما هنَّ ؟ قال : المؤاساة في ذات يده (8) والإنصاف من نفسه وذكر اللّه كثيراً، أما إني لا أقول سبحان اللّه والحمد للّه، [ ولا إله إلّا اللّه]، ولكن ذكر اللّه عندما أحلَّ له وذكر اللّه عندما حرَّم عليه.

10 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن جده أبي البلاد رفعه قال: جاء أعرابي إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وهو يريد بعض غزواته، فأخذ بغرز (9) راحلته فقال : يا رسول اللّه علّمني عملاً أدخل به الجنّة، فقال : ما أحببت أن يأتيه النّاس إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتيه النّاس إليك فلا تأته إليهم، خلّ سبيل الراحلة.

ص: 153


1- أي جعله مساوياً له في كلّ شيء مالاً كان أو غيره، أي جعله مساوياً لنفسه في السراء والضراء.
2- أي في حال الغنى وفي حال الفقر في حال الصحة وفي حال الفقر في حال الرضا والغضب الخ.
3- أي من خصال ثلاث أو بدل من أشد أو عطف بيان له.
4- أي من ذكر اللّه اللساني.
5- أي اقتحمت، أو انتهيت فجأة.
6- أي في الآخرة.
7- أي يبتلى بفقدها.
8- أي فيما يملك.
9- أي بركاب.

11 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن عبد الكريم، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن(1)، ما أوسع العدل إذا عدل فيه (2) وإن قلَّ.

12 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أنصف النّاس من نفسه رُضي به حَكَماً لغيره (3).

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن يوسف بن عمران بن ميثم عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إني سأجمع لك الكلام في أربع كلمات قال يا ربّ وما هنَّ ؟ قال : واحدةً لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين النّاس قال : يا ربِّ بينهنَّ لي حتّى أعلمهنَّ، قال : أما الّتي لي فتعبدني، لا تشرك بي شيئاً، وأما الّتي لك، فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه (4)، وأما الّتي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة، وأما الّتي بينك وبين النّاس فترضى للناس ما ترضى لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك.

14 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن غالب بن عثمان، عن روح ابن أخت المعلّى عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اتقوا اللّه واعدلوا، فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون (5).

15 - عنه عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: العدل أحلى من الشهد، وألين من الزُّبد، وأطيب ريحاً من المسك.

16 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن عثمان بن جبلة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ثلاث خصال من كنَّ فيه أو واحدة منهنَّ كان في ظل عرش اللّه ظلَّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» رجلٌ أعطى النّاس من نفسه ما هو

ص: 154


1- أي العطشان.
2- الضمير راجع إما إلى الأمر أو إلى العدل فيكون المعنى : ما أوسع العدل إذا عدل في أمر وإن كان ذلك الأمر قليلاً. وقد يكون قوله وإن قل يرجع إلى بيان ندرة العدل بين النّاس.
3- أي من أعطى من نفسه النصف فيما أحبت أو كرهت كان أهلاً ليحكم بين النّاس بالعدل.
4- وهو يوم القيامة، إذ هو اليوم الّذي يكون الإنسان أحوج ما يكون إلى ثواب عمله.
5- وهم سلاطين الجور، وفقهاء المخالفين.

سائلهم (1)، ورجلٌ لم يقدّم رِجلاً ولم يؤخّر رجلاً (2) حتّى يعلم أنَّ ذلك اللّه رضى، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتّى ينفي ذلك العيب عن نفسه، فإنّه لا ينفي منها عيباً إلّا بداله عیب ؛ وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن النّاس.

17 - عنه، عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي، عن عبد اللّه بن إبراهيم الغفاري عن جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من واسى الفقير من ماله وأنصف النّاس من نفسه، فذلك المؤمن حقّاً».

18 - محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن خالد بن نافع بيّاع السابري، عن يوسف البزاز قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما تدارأ (3) اثنان في أمر قط، فأعطى أحدهما النَّصَفَ صاحبه، فلم يقبل منه، إلّا أديل منه(4).

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحق.

20 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قلَّ (5).

باب الاستغناء عن النّاس

1 - محمّد بن يحيى بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شرف المؤمن (6) قيام الليل (7)، وعزّه (8) استغناؤه عن النّاس.

ص: 155


1- أي يعاملهم بمثل ما يحب أن يعاملوه به.
2- كناية عن الإقدام والإحجام والفعل والترك.
3- أي تدافعاً في الخصومة.
4- أي كانت الغلبة له عليه.
5- مر هذا الحديث بعين ألفاظه بسند آخر ولكن عن الحلبي. تحت رقم (11) من هذا الباب وعلقنا عليه.
6- أي منزلته وعلو شأنه.
7- أي بالصلاة والتهجد.
8- أي ظفره ودفع المذلة عنه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني جميعاً، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلّا أعطاه فلييأس (1) من النّاس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلّا عند اللّه، فإذا علم اللّه عزّ وجلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئاً إلّا أعطاه.

3 - وبهذا الإسناد عن المنقري، عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي النّاس، ومن لم يرج النّاس في شيء ورد أمره إلى اللّه عزّ وجلّ في جميع أموره، استجاب اللّه عزّ وجلّ له في كلّ شيء.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن عبد الأعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : طلب الحوائج إلى النّاس استلاب (2) للعزّ، ومذهبة للحياء، واليأس ممّا في أيدي النّاس عز للمؤمن في دينه (3)، والطمع هو الفقر الحاضر (4).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك اكتب لي إلى إسماعيل بن داود الكاتب لعلي أصيب منه، قال : أنا أضنّ بك (5) أن تطلب مثل هذا وشِبهه، ولكن عوّل على مالي (6).

6 - عنه، عن أبيه عن حماد بن عيسى عن معاوية بن عمّار، عن نجم بن حطيم الغنوي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اليأس ممّا في أيدي النّاس عزّ المؤمن في دينه أو ما سمعت قول حاتم :

إذا ما عزمت (7) اليأس ألفيته (8) الغنى***إذا عرفته النفس، والطمع الفقر

ص: 156


1- أي فليقنط.
2- أي زوال له بسرعة.
3- لأنه مع اليأس عن النّاس لا يترك حقاً ولا عبادة ولا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر خوفاً من عدم وصول منفعة منهم إليه فهو عزيز غالب في دينه مرآة المجلسي 355/8.
4- «لأنه يطمع لئلا يصير فقيراً، ومفسدة الفقر الحاجة إلى النّاس فهو يتعجل مفسدة الفقر لئلا يصير فقيراً فتترتب عليه مفسدته» ن. م.
5- أي أبخل بك من أن تريق ماء وجهك في أمثال هذه الأمور الدنية.
6- أي اعتمد عليه فسد منه حاجتك.
7- أي عقدت العزم عليه وأردته والمقصود اليأس ممّا في أيدي النّاس.
8- أي وجدته.

7 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول : ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس والاستغناء عنهم (1)، فيكون افتقارك إليهم في كين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد قال : حدّثني عليّ بن عمر، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول : ثمّ ذكر مثله.

باب صِلَة الرَّحِم

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه جل ذكره : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (2) قال : فقال : هي أرحام النّاس، إنَّ اللّه عزّ وجلّ أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى أنّه جعلها منه (3).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان، عن إسحاق بن عمّار قال : بلغني عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رجلا أتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه أهل بيتي أبوا إلّا توثّباً علي (4) وقطيعة لي وشتيمة، فأرفضهم؟ قال : إذاً يرفضكم اللّه جميعاً، قال: فكيف أصنع ؟ قال : تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك (5)، فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من اللّه عليهم ظهير (6).

3 - وعنه عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن

ص: 157


1- أي «يجتمع في قلبك اعتقادان اعتقادك بأنك مفتقر إليهم للمعاشرة لأن الإنسان مدني بالطبع يحتاج بعضهم إلى بعض في التعيش والبقاء واعتقادك بأنك مستغن عنهم غير محتاج إلى سؤالهم لأن اللّه تعالى ضمن أرزاق العباد. وفائدة الأوّل حسن المعاشرة... وفائدة الثاني حفظ العرض الخ» مرآة المجلسي 357/8.
2- النساء / 1. و (تساءلون): أصلها : تتساءلون، أي يسأل بعضكم بعضاً فيقول : أسألك باللّه. و (الأرحام) إما عطف على لفظ الجلالة، أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها أو هي عطف على محل الجار والمجرور كما تقول : مررت بزيد وعمرواً.
3- أي قرنها بنفسه في الأمر بالتقوى.
4- اي تهجماً علي وظلماً لي.
5- أي منهم ومطلقاً.
6- أي معين وناصر.

محمّد بن عبيد اللّه قال : قال أبو الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها اللّه ثلاثين سنة ويفعل اللّه ما يشاء.

4 - وعنه عن عليّ بن الحكم، عن خطاب الأعور، عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صلة الأرحام تزكي الأعمال (1)، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب وتنسيء في الأجل (2).

5 - وعنه، عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن المقدام، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم، ومن في أصلاب الرّجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كانت منه على مسيرة سنة، فإنّ ذلك(3) من الدّين».

6 - وعنه، عن عليّ بن الحكم، عن حفص، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : صلة الأرحام تُحسن الخُلُق، وتُسمّح الكف (4)، وتطيّب النفس(5) وتزيد في الرزق، وتنسيء في الأجل.

7 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : إنّ الرَّحم معلّقة بالعرش (6) تقول : اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني (7) وهي رحم آل محمّد، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) (8) ورحم كلّ ذي رحم.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن يونس بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوّل ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم تقول : يا ربِّ من وصلني في الدُّنيا فصل اليوم ما بينك وبينه (9)، ومن قطعني في الدُّنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه.

ص: 158


1- أي تنميها وتزيدها في الثواب.
2- أي تؤخر فيه كتابة عن إطالة عمر الإنسان كما مر في بعض الأحاديث ويأتي من أن صلة الرحم تطيل العمر.
3- أي صلة الرحم ولو بالسفر الشاق البعيد من الأمور الّتي جاء بها الإسلام.
4- أي تجعله ذا كرم وجود.
5- أي تطهرها ممّا قد يصيبها من أمراض كالحقد الحسد وأشباههما.
6- «تمثيل للمعقول بالمحسوس... وتعلقها بالعرش كناية عن مطالبة حقها بمشهد من اللّه...» الوافي ج 93/3.
7- أي كن له كما كان حاله معي في دار الدنيا من الصلة أو الإساءة.
8- الرعد / 25.
9- أي بالمغفرة والرحمة واللطف.

9 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صل رحمك ولو بشربة من ماء ؛ وأفضلُ ما توصل به الرَّحم كف الأذى عنها؛ وصلة الرحم منسأة في الأجل، مَحْبَةٌ في الأهل (1).

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الرَّحم معلّقة يوم القيامة بالعرش تقول : اللّهمّ صلِّ مَن وَصَلَني واقطع من قطعني

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن زيع عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبو ذر رضي اللّه عنه : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول، حَافَتا الصراط (2) يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مرَّ الوصول للرحم، المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة وإذا مرَّ الخائن للأمانة، القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفّا به (3) الصراط في النّار.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن - حفص بن قرط، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: صلة الأرحام تُحسن الخُلُق، وتسمح الكفَّ وتطيب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسيء في الأجل.

13 - عنه، عن عثمان بن عيسى عن خطاب الأعور، عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمي الأموال، وتنسىء له في عمره، وتوسع في رزقه، وتحبّب في أهل بيته، فليتق اللّه وليصل رحمه.

14 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، - عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الحكم الحناط قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلة الرحم وحسن الجوار (4)، يعمران الديار ويزيدان في الأعمّار.

15 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القداح، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول

ص: 159


1- أي سبب لنشر محبة الأهل بعضهم البعض.
2- أي جانباه. وكأن الرحم والأمانة تحفان بالصراط عن الجانبين.
3- أي تمايل وانقلب.
4- أي مداراة المجاور له في السكن وإكرامه وكف الأذى عنه والصبر على أذيته لو حصلت.

اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إن أعجل الخير ثواباً صلة الرحم» (1).

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من سرَّه النساء (2) في الأجل، والزيادة في الرزق فليصل رحمه».

17 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلّا صلة الرحم، حتّى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم، فيزيد اللّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه اللّه ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين.

الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مثله.

18 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما خرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يريد البصرة نزل بالرَّبذَة (3)، فأتاه رجل من محارب (4)، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي تحمّلت في قومي حمالة (5) وإني سألت في طوائف منهم المؤاساة والمعونة فسبقت إليَّ ألسنتهم بالنكد (6)، فَمُرْهُمْ يا أمير المؤمنين بمعونتي وحتّهم على مؤاساتي، فقال : أين هم؟ فقال : هؤلاء فريقٌ منهم حيث ترى، قال، فنص (7) راحلته فأدلفتُ كأنها ظليم (8)، فأدلف بعض أصحابه في طلبها فلأياً بلأي ما لحقت(9)، فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم وسألهم ما يمنعهم من مؤاساة صاحبهم فشكوه وشكاهم، فقال أمي-ر المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وصل امرؤ عشيرته (10)، فإنّهم أولى ببره وذات يده، ووصلت العشيرة أخاها إن

ص: 160


1- إنما كانت صلة الرحم أعجل الخير ثواباً لأن أكثر ما وعد سبحانه عليها معجل له في الدنيا كزيادة عمره وزيادة رزقه وتحبيبه إلى النّاس وتحسين خلقه الخ.
2- أي تأخيره.
3- الرَّبَذَة : قرية قريبة من المدينة نفى إليها أبو ذر (رضیَ اللّهُ عنهُ) ومات فيها وقبره بها.
4- اسم قبيلة.
5- الحَمالة : - كما فى النهاية - ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة الخ.
6- أي المنع والصدود أو إعطاء القليل بعسر وشدة.
7- أى حثها على السير بأقصى سرعتها.
8- أدلفت : أي سارت بخطى حثيثة متقاربة، والظليم : ذكر النعام.
9- أي بعد مشقة وجهد وإبطاء أدركتهم.
10- «أمر في صورة الخبر» أي ليَصِلْ.

عَثَر به دهر وأدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون، وإن المتقاطعين المتدابرين موزورون (1)، [قال] ثمّ بعث راحلته وقال: حلّ (2).

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عثمان بن عيسى، عن يحيى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لن يرغب المرء عن عشيرته وإن كان ذا مال وولد(3)، وعن (4) مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم، هم أشد النّاس حيطة(5) من ورائه، وأعطفهم عليه وألمهم لشَعَثِه (6)، إن أصابته مصيبةٌ أو نزل به بعض مكاره الأمور، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنّما يقبض عنهم يداً واحدةً ويقبض عنه منهم أيدي كثيرة ومن يلن حاشيته (7) يعرف صديقه منه المودة، ومن بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف اللّه له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته، ولسان الصدق للمرء يجعله اللّه في النّاس خيراً من المال يأكله ويورثه، لا يزدادنَّ أحدكم كبراً وعظماً في نفسه ونأياً(8) عن عشيرته، إن كان موسراً في المال، ولا يزدادن أحدكم في أخيه زهداً ولا منه بعداً، إذا لم ير منه مروة وكان معوزاً في المال ولا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة (9) أن يسدُّها بما لا ينفعه إن أمسكه، ولا يضره إن استهلكه.

20 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن عبد اللّه عن عثمان بن عيسى، عن سليمان بن،، هلال قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ آل فلان يبر بعضهم بعضاً ويتواصلون، فقال : إذا تمنى أموالهم وينمون فلا يزالون في ذلك حتّى يتقاطعوا، فإذا فعلوا ذلك (10) انقشع عنهم (11).

21 - عنه، عن غير واحد عن زياد القندي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إنَّ القوم ليكونون فَجَرَةً ولا يكونون بررة، فيصلون

ص: 161


1- أي مأثومون.
2- كلمة زجر للناقة إذا حثتها على السير، كما في النهاية بتسكين اللام أو بتنوينها مع الكسر والتخفيف.
3- لما كان ذو المال والولد أكثر ما يكون مستغنياً عن غيره راغباً عنه جعله الفرد الأخفى الوافي 95/3.
4- أي لن يرغب عن الخ.
5- أي حماية له ومحافظة عليه.
6- أي أجمعهم لتفرق أمره وتشتته.
7- أي جانبه وجناحه.
8- أي تباعداً وهَجراً.
9- أي الفقر والحاجة.
10- أي تقاطعوا وتدابروا.
11- أي زال وانكشف ما كان فيهم من نمو الأموال والأنفس.

أرحامهم فتنمى أموالهم وتطول أعمّارهم، فكيف إذا كانوا أبراراً بررة».

22 - وعنه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، يقول اللّه تبارك وتعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (1).

23 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن - صفوان الجمال قال : وقع بين أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين عبد اللّه بن الحسن كلام حتّى وقعت الضوضاء (2) بينهم، واجتمع النّاس فافترقا عشيّتهما بذلك، وغدوتُ في حاجة، فإذا أنا بأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على باب عبد اللّه بن الحسن وهو يقول : يا جارية قولي لأبي محمّد [يخرج] قال : فخرج فقال : يا أبا عبد اللّه ما بكر بك؟، فقال : إنّي تلوت آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ البارحة فأقلقتني، قال : وما هي؟ قال: قول اللّه جلَّ وعزَّ ذكره : (الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (3) فقال : صدقت لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللّه جلّ وعزّ قط فاعتنقا وبكيا.

24 - وعنه، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن سنان قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ لي ابن عمّ أسله فيقطعني وأصله فيقطعني، حتّى لقد هممت لقطيعته إياي أن أقطعه أتأذن لي قطعه ؟ قال : إنك إذا وصلته وقطعك وصلكما اللّه عزّ وجلّ جميعاً (4)، وإن قطعته وقطعك قطعكما اللّه.

25 – عنه، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن فرقد قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي أحبُّ أن يعلم اللّه أنّي قد أذللت رقبتي في رحمي، وأنّي لأبادر أهل بيتي، أصلهم قبل أن يستغنوا عني (5).

26 - عنه، عن الوشّاء، عن محمّد بن فضيل الصيرفي، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ رحم آل محمّد - الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) - لمعلّقة بالعرش تقول : اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني ثمّ هي

ص: 162


1- النساء/ 1.
2- أي الأصوات والجَلَبَة.
3- الرعد / 21.
4- أي قد تكون صلتك له سبباً في استحيائه منك وندمه على قطيعتك فيصلك بلطف اللّه به وفضله.
5- أي أن رزقهم مقسوم على كلّ حال فأبادر بصلتهم قبل أن يصل إليهم رزقهم المقسوم فآتي في وقت لا يحتاجون فيه إلى صلتي لهم.

جارية بعدها في أرحام المؤمنين، ثمّ تلا هذه الآية : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ).

27 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) (1) فقال : قرابتك.

28 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان وهشام بن الحكم ودرست بن أبي منصور عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ؟ قال : نزلت في رحم آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وقد تكون في قرابتك (2). ثمّ قال : فلا تكوننَّ ممّن يقول للشيء: إنه في شيء واحد (3).

29 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة، عن الوصافي، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من سره أن يمدَّ اللّه في عمره وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، فإنَّ الرَّحم لها لسان يوم القيامة ذلق (4) تقول : يا ربّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فالرجل ليرى بسبيل خير (5) إذا أتته الرحم الّتي قطعها فتهوي به إلى أسفل قعر في النار.

30 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسن بن عليّ، عن صفوان، عن الجهم بن حميد قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تكون لي القرابة على غير أمري (6)، ألهم علي حقِّ؟ قال: نعم حقُّ الرَّحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان: حقُّ الرَّحم وحقُ الإسلام.

31 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن صلة الرحم والبرَّ، ليهوِّنان الحساب ويعصمان من الذُّنوب، فصلوا أرحامكم وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب.

32 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الصمد بن بشير قال :

ص: 163


1- الرعد / 21.
2- أي أن خصوص المورد لا يخصص الوارد فهو جار في كلّ رحم مؤمن.
3- أي إذا نزلت آية في شيء خاص فلا تخصص حكمها بذلك الأمر، بل عممه في نظائره مرآة المجلسي 385/8.
4- أي فصيح بليغ.
5- أي ليظن به أنّه من أهل الخير والصلاح.
6- أي غير عقيدتي في الإمامة أي من المخالفين. أو أنهم من الكفار.

قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صلة الرحم تهوّن الحساب يوم القيامة، وهي منسأة في العمر، وتقي مصارع السوء(1)، وصدقة الليل تطفيء غضب الربّ.

33 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ صلة الرحم تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتيسّر الحساب، وتدفع البلوى، وتزيد في الرّزق.

باب البر بالوالدين

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (2) ما هذا الإحسان ؟ فقال : الإحسان أن تُحسن صحبتهما، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين(3)، أليس يقول اللّه عزّ وجلّ : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (4). قال : ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأما قول اللّه عزّ وجلّ : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) (5) قال : إن أضجراك (6) فلا تقل لهما : أف؛ ولا تنهرهما إن ضرباك، قال : وقل لهما قولاً كريماً. قال : إن ضرباك فقال لهما : غفر اللّه لكما، فذلك منك قول كريم ؛ قال : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (7) قال : لا تملأ عينيك (8) من النظر إليهما إلّا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدَّم قدامهما (9).

2 - ابن محبوب عن خالد بن نافع البجلي، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا عبد

ص: 164


1- كناية عن الوقوع في البلايا الفاضحة الفادحة مرآة المجلسي 387/8.
2- الإسراء / 23.
3- أي عنك لتمكنهما من قضاء الحاجة بنفسيهما، أو كان هنالك غيرك ممّن يقضي حاجتهما، وهذا يدل على أن البر بالوالدين مشروط بالمبادرة إلى قضاء حاجتهما قبل أن يسألاه إياها أو كانا مستغنيين عنه في قضائها.
4- آل عمران/ 92.
5- الإسراء/ 24 ولا تنهرهما : أي لا تزجرهما وتنفض يديك عليهما.
6- الضجر والتضجر : التبرم والضيق.
7- الإسراء / 24.
8- أي لا تمدّ النظر إليهما فترة غير متعارفة.
9- أي لا تسبقهما في السير أو في الجلوس.

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ رجلا أتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه أوصني فقال : لا تشرك باللّه شيئاً وإن حُرّقت بالنار وعذبت إلّا وقلبك مطمئن بالإيمان، ووالديك (1) فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك (2) ومالك فافعل فإن ذلك من الإيمان.

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يأتي يوم القيامة شيء مثل الكبة (3) فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنّة، فيقال: هذا البرّ.

4 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوساء، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل اللّه عزّ وجلّ.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن درست بن أبي منصور، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سأل رجلٌ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما حق الوالد على ولده ؟ قال : لا يسمّيه باسمه (4) ؛ ولا يمشي بين يديه ؛ ولا يجلس قبله، ولا يستسب له (5).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه عن عبد اللّه بن بحر، عن عبد اللّه بن مسكان عمّن رواه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال - وأنا عنده - لعبد الواحد الأنصاري في بر الوالدين في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). فظننا أنّها الآية الّتي في بني إسرائيل : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)]. فلما كان بعد سألته فقال : هي الّتي في لقمان (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ (حسناً) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) (6). فقال : إنَّ ذلك أعظم [من] أن يأمر بصلتهما وحقهما

ص: 165


1- ووالديك : الظاهر أن والديك منصوب بفعل مقدر يفسره الفعل المذكور..... وأقول : يمكن أن يقدّر فعل آخر أي : وارغ والديك فأطعهمها مرآة المجلسي 393/8.
2- أي بأن تطلق زوجتك.
3- الكُبَّة : بفتح الكاف وضمها، - كما في الكاف وضمها - كما في القاموس - الدفعة في القتال والجري والحملة في الحرب، والزحام، وإفلات الخيل للجري أو للحملة، والصدمة الخ.
4- بل بكنيته أو بقوله : يا أبي أو يا والدي وذلك لأن مناداته باسمه ينافي التعظيم كما عليه العرف.
5- أي لا يأتي بشيء يكون سبباً لسب النّاس لأبيه.
6- لقمان / 14 - 15 والآية (15) صحيحة كما في المصحف. وأما الآية (14) فصدرها هكذا : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ...) الآية وليس فيها كلمة (حسناً) وإنما هي في سورة العنكبوت /8.

على كلّ حال. (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)؟ فقال: لا بل يأمر بصلتهما وإن جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلّا عظماً (1).

7 - عنه عن محمّد بن عليّ عن الحكم بن مسكين، عن محمّد بن مروان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما يمنع الرَّجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين؛ يصلّي (2) عنهما، ويتصدق عنهما ؛ ويحج عنهما ؛ ويصوم عنهما، فيكون الّذي صنع لهما، وله مثل ذلك فيزيده اللّه عزّ وجلّ ببره وصلته خيراً كثيراً.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن معمر بن خلّاد قال : قلت لأبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): أدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحقَّ (3)؟ قال : ادع لهما وتصدّق عنهما ؛ وإن كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما، فإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : إِنَّ اللّه بعثني بالرحمة لا بالعقوق.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه من أبر؟ قال : أمّك، قال: ثمّ من؟ قال : أمّك، قال: ثمّ من؟ قال : أمّك، قال: ثمّ من؟ قال : أباك (4).

10 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : أتى رجل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه إني راغب في الجهاد نشيط (5) قال : فقال له النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «فجاهد في سبيل اللّه فإنك إن تُقتل تكن حيّاً عند اللّه ترزق وإن تمت (6) فقد وقع أجرك على اللّه، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت»، قال: يا رسول اللّه إنَّ لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان

ص: 166


1- «لما استبان من حال المخاطب أنّه فهم من قوله سبحانه فلا تطعهما أنّه لا تجب صلتهما في حال مجاهدتهما على الشرك رد عليه ذلك بقوله : لا، وأضْرَبَ عنه بإثبات الأمر بصلتهما حينئذ أيضاً، وقوله : ما زاد حقهما إلّا عظماً، تأكيد لما سيق». الوافي 92/3.
2- أي بعد الوفاة وكذلك الأمر بالنسبة للحج والصوم.
3- سواء كانا على الكفر أو على مذهب المخالفين. ولكن لما كان هذا مخالفاً لما عليه أكثر علماء الإمامية من عدم جواز الدعاء للكافر ومنه الناصب وعدم انتفاعه بالطاعات لا بد من حمل الحديث على المستضعف.
4- استدل به على أن للأم ثلاثة أرباع البر. وقيل : لا يفهم منه إلّا المبالغة في بر الأم ولا يظهر منه مقدار الفضل.. ووجه الفضل ظاهر لكثرة مشقتها وزيادة تعبها.... مرآة المجلسي 419/8.
5- أي قوي خفيف سريع.
6- أي حتف أنفك بعد خروجك إلى الجهاد.

خروجي، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «فقر (1) مع والديك فوالّذي نفسي بيده لأنسُهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة».

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية ابن وهب، عن زكريا بن إبراهيم قال : كنتُ نصرانياً فأسلمتُ وحججت، فدخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت: إنّي كنت على النصرانية وإنّي أسلمت، فقال: وأي شيء رأيت في الإسلام (2)؟ قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ) (3) فقال : لقد هداك اللّه، اللّهمّ اهده - ثلاثاً، سَل عمّا شئت يا بني، فقلت : إن أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي ؛ وأمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم ؟ فقال يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت : لا ولا يمسّونه، فقال: لابأس، فانظر أمك فبرها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الّذي تقوم بشأنها، ولا تخبرن أحداً أنك أتيتني (4) حتّى تأتيني بمنى إن شاء اللّه. قال : فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان هذا يسأله وهذا يسأله، فلما قدمت الكوفة الطفت لأمي وكنت أطعمها وأفلّي (5) ثوبها ورأسها وأخدمها، فقالت لي : يا بني، ما كنتَ تصنع هذا وأنت على ديني، فما الّذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية (6)؟ فقلت : رجل من ولد نبينا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبي؟ فقلت : لا ولكنه ابن نبي، فقالت : يا بنيَّ إن هذا نبي إن هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا أمه، إنه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ ولكنه ابنه فقالت: يا بنيَّ دينك خير دين اعرضه علي، فعرضته عليها فدخلت في الإسلام وعلمتها، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثمّ عرض لها عارض في الليل، فقالت : يا بنيَّ أعد عليَّ ما علمتني فاعدته عليها، فأقرت به وماتت، فلما أصبحت كان المسلمون الّذين غسلوها، وكنت أنا الّذي صليت عليها ونزلت في قبرها.

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم؛ وعدة من

ص: 167


1- أي أثبت واستقر.
2- أي ما الّذي وجدته في الإسلام حتّى اخترته على ما كنت عليه من دين؟.
3- الشورى / 52. ويفهم من إيراد زكريا هذه الآية جواباً على سؤال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الاستشهاد على أن الإيمان لطف من اللّه يرزقه من يشاء من عباده.
4- ولعله (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما نهاه عن أخباره بإتيانه إليه كيلا يصرفه بعض رؤساء الضلالة عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويدخله في ضلالته قبل أن يهتدي للحق الوافي ج 93/23. ثمّ إن في قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلا تكلها... الخ، معجزة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأنه كان يعلم بأن أمه سوف تعتنق الإسلام بعد ذلك وتموت عليه كما يصرح به في الخبر بعد ذلك.
5- أي أبحث في رأسها وثوبها عن القمل إن كان لأريحها منه.
6- هي الإسلام لبعده عن طرفي الإفراط والتفريط أو نسبة إلى ملة إبراهيم الحنيف.

أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، جميعاً، عن سيف بن عميرة، عن عبد اللّه بن مسكان عن عمّار بن حيان قال : خبرت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ببر إسماعيل ابني، بي فقال : لقد كنت أحبه وقد ازددت له حباً، إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنته أخت له من الرضاعة (1)، فلما نظر إليها سُرَّ بها وبسط ملحفته (2) لها، فأجلسها عليها، ثمّ أقبل يحدثها ويضحك في وجهها، ثمّ قامت وذهبت وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له : يا رسول اللّه صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجلٌ ؟ فقال : لأنها كانت أبر بوالديها منه (3).

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد اللّه بن مسکان عن إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنَّ أبي قد كبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة (4)؟ فقال : إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل، ولقمه بيدك فإنّه جنّة لك غداً (5).

14 - عنه، عن عليّ بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، عن جابر قال : سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ لي أبوين مخالفين؟ فقال برهما كما تبرُّ المسلمين ممن يتولانا (6).

15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن عنبسة عنبسة بن مصعب عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاث لم يجعل اللّه عزّ وجلّ لأحد فيهنَّ رخصة : أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر وبرُّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من السنّة والبرّ أن يكنى الرجل باسم أبيه (7).

ص: 168


1- أخته من الرضاعة أنيسة، وأخوه من الرضاعة هو أخوها من النسب وكان اسمه عبد اللّه وهما ابنا الحارث بن عبد العزى.
2- أي ما يلتحف به.
3- دل الحديث على أن الأبر بوالديه يستحق مزيد الاهتمام والإكرام.
4- أي قضاء حاجته من التغوط والتبول أو مطلقاً.
5- أي وقاية لك من النّار يوم القيامة.
6- أي للأجنبي المؤمن حق الإيمان، وللوالدين المخالفين حق الولادة فهما متساويان في الحق مرآة المجلسي 427/8.
7- أي أن يسمي ابنه باسم أبيه فيقال له : أبو فلان.

17 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد ؛ وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعاً، عن الوساء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاء رجلٌ وسأل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عن بر الوالدين فقال : ابرر أمك ابرر أمّك ابرر أمّك، ابرر أباك ابرر أباك ابرر أباك، وبدأ بالأم قبل الأب.

18 - الوشّاء، عن أحمد أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاء رجلٌ إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : إنّي قد ولدت بنتاً وربيتها حتّى إذا بلغت فألبستها وحليتها ثمّ جئت بها إلى قليب (1) فدفعتها في جوفه وكان آخر ما سمعت منها وهي تقول يا أبتاه، فما كفّارة ذلك؟ قال : ألك أم حية؟ قال : لا، قال : فلك خالة حيّة؟ قال: نعم، قال: فابررها فإنّها بمنزلة الأمّ يكفّر عنك ما صنعت، قال أبو خديجة : فقلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : متى كان هذا؟ فقال : كان في الجاهلية، وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يُسبين فيلدن في قوم آخرين.

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل يجزي الوالد والده؟ فقال : ليس له جزاء إلّا في خصلتين : يكون الوالد مملوكاً فيشتريه ابنه فيعتقه، أو يكون عليه دين فيقضيه عنه.

20 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عمرو ابن شمر عن جابر (2) قال : أتى رجلٌ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : فقال : إني رجل شاب نشيط وأحبُّ الجهاد، ولي والدة تكره ذلك؟ فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ارجع فكن مع والدتك فوالّذي بعثني بالحقّ [نبياً]، لأنسُها بك ليلةً خيرٌ من جهادك في سبيل اللّه سننة».

21 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان، فلا يقضي عنهما ديونهما، ولا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقاً، وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما، فإذا ماتا قضى دينهما، واستغفر لهما، فيكتبه اللّه عزّ وجلّ باراً.

باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

ص: 169


1- القليب : البئر العادية القديمة - كما في القاموس -.
2- لم يُذكر المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي روى عنه جابر ولكن بملاحظة ما مر من حديث تحت رقم (10) عن يونس بن عبد الرحمن، عن جابر أيضاً عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن المعصوم هو نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصة وأن مضمون الخبرين متقارب.

قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أصبح لا يهتم (1) بأمور المسلمين فليس بمسلم(2)».

2 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أَنَسَكُ النّاس نسكا (3) أنصحهم جيب (4) وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين».

3 - عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عليك بالنصح اللّه في خلقه(5)، فلن تلقاه بعمل أفضل منه.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن محمّد بن القاسم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم.

5 - عنه، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة، عن عمه عاصم الكوزي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين (6) فلم يجبه فليس بمسلم».

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الخلق عيال اللّه فأحبُّ الخلق إلى اللّه من نفع عيال اللّه وأدخل على أهل بيت سروراً (7).

7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عَميرة قال : حدّثني من سمع أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سُئِلَ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : مَن أحبُّ النّاس إلى اللّه ؟ قال : «أنفع النّاس للنّاس».

8 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن مثنّى بن الوليد الحناط، عن فطر بن خليفة، عن

ص: 170


1- أي لا يفكر فيها ولا يعتزم التصدي للقيام بما تقتضيه سواء منها الدنيوي والأخروي.
2- أي ليس بكامل الإسلام.
3- أي عبادة وطاعة والناسك هو العابد القائم بالطاعات والقربات.
4- أي أنقاهم وأطهرهم قلباً ويحتمل أحفظهم للأمانة وأبعدهم عن الغش والخيانة.
5- أي أطوعهم اللّه بإسداء النصح للمسلمين فيما أمر اللّه من أداء حقوقهم والانتهاء عما نهى اللّه من أذيتهم بكل أنواعها.
6- أي على نحو الاستغاثة بهم.
7- بأي سبب من أسباب السرور الفعلية أو القولية. وكون الخلق عيال اللّه باعتبار أنّه خالقهم ورازقهم وحافظهم ومدبر أمورهم في الدنيا والآخرة.

عمر بن عليّ بن الحسين، عن أبيه صلوات اللّه عليهما قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من ردَّ عن قوم من المسلمين عادية [ماء] (1) أو ناراً وجبت له الجنّة».

9 - عنه، عن ابن فضّال عن ثعلبة بن ميمون عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (2) قال : قولوا للناس حسناً ولا تقولوا إلّا خيراً حتّى تعلموا ما هو (3)؟

10 - عنه، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في قول اللّه عزّ وجلّ : (وقولوا للناس حسناً). قال: قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم.

11 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) (4) قال : نقاعاً (5).

باب إجلال الكبير

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من إجلال اللّه (6) إجلال ذي الشيبة المسلم.

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد رفعه قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليس منّا (7) من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا.

ص: 171


1- لفظ (ماء) غير موجود في أكثر النسخ، وعلى فرض وجوده فالمعنى : سيلاً أو فيضانا. وعلى فرض عدم وجوده فالمعنى : من رد عنهم ظلماً أو عدواً.
2- البقرة/ 83. والمعنى كما روي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم». وسوف يأتي ما يؤيده.
3- ما : يحتمل أن تكون للنفي، أو للاستفهام، أو الموصولة. والمعنى : لا تقولوا لهم إلّا خيراً ما تعلموا فيهم الخير وما لم تعلموا فيهم الخير، فأما إذا علمتم أنّه لا خير فيهم وانكشف لكم عن سوء ضمايرهم بحيث لا يبقى لكم مرية فلا عليكم إلّا تقولوا خيراً» الوافي ج 99/3.
4- مريم / 31.
5- أي جعلني معلماً للخير عن مجاهد، والنفاع : كثير النفع. وقيل ثابتاً دائماً على الإيمان والطاعة.
6- أي تعظيمه سبحانه وتعظيم شعائر اللّه من التقوى وامتثال أحكامه أيضاً تعظيم له.
7- أي من المؤمنين الكاملي الإيمان.

3- عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن أبان، عن الوصافي (1) قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): عظموا كباركم، وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كف الأذى عنهم.

باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن - المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنما المؤمنون إخوة (2) بنو أب وأم (3) وإذا ضرب على رجل منهم عرق (4) سهر له الآخرون.

2 - عنه، عن أبيه عن فضالة بن أيّوب عن عمر بن أبان عن جابر الجعفي. قال : تَقَبَّضَتُ (5) بين يدي أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني، أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي. فقال : نعم يا جابر : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه(6)، فلذلك، المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه. فإذا أصاب روحاً من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنها منها (7).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله (8)، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يَعِدُهُ عِدَةَ فيُخلفه.

ص: 172


1- واسمه عبد اللّه بن الوليد.
2- أي في الدين. أو ينبغي أن يكونوا بمنزلة الأخوة في التراحم والتعاطف مرآة المجلسي 8/9.
3- «أريد بالأب روح اللّه الّذي نفخ منه في طينة المؤمن، وبالأم الماء العذب والتربة الطيبة كما مر في أبواب الطينة لا آدم وحواء كما يتبادر إلى بعض الأذهان لعدم اختصاص الانتساب إليهما بالإيمان...» ن. م.
4- «ضرب العرق حركته بقوة والمراد هنا المبالغة في قلة الأذى...» ن. م ص / 9.
5- أي شعرت بحزن وضيق صدر.
6- الضمير يرجع إليه سبحانه وهو قوله تعالى: ﴿ونفخت فيه من روحي) الحجر / 29.
7- «لا يقال : على هذا الوجه يلزم أن يكون المؤمن محزوناً دائماً؟ لأنا نقول : يحتمل أن يكون للتأثر شرائط أخرى تفقد في بعض الأحيان، كارتباط هذه الروح ببعض الأرواح أكثر من بعض كما ورد الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» مرآة المجلسي 10/9.
8- ومنه قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «المؤمن مرآة المؤمن». أي يريه محاسنه ومعايبه.

4 - محمّد بن يحيى بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعدَّةً من أصحابنا، عن سهل ابن زیاد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة ؛ وإن روح المؤمن لأشدُّ اتصالاً بروح اللّه من اتّصال شعاع الشمس بها.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنى الحنّاط، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المسلم أخو المسلم هو عينه و مرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه.

6 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودخل عليه رجل فقال لي : تحبه؟ فقلت : نعم، فقال لي ولم لا تحبه وهو أخوك وشريكك في دينك، وعونك على عدوّك ورزقه على غيرك.

7 - أبو علي الأشعري عن الحسين بن الحسن، عن محمّد بن أورمة عن بعض أصحابه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن فضيل عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى في صورهم من ريح الجنّة، فلذلك فلذلك هم إخوة لأب وأمّ.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يَعِدُهُ عِدَة فيخلفه (1)

9 - أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن رجل، عن جميل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : المؤمنون خَدَمٌ بعضهم لبعض، قلت : وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض؟ قال يفيد بعضهم بعضاً... الحديث (2).

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل البصري، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ نفراً من المسلمين خرجوا إلى سفر لهم فضلوا الطريق، فأصابهم عطش

ص: 173


1- مرّ هذا الحديث بنفس المضمون والسند عدا الحجّال فقد ورد مكانه هناك ابن فضّال.
2- الحديث مجهول. وكلمة (الحديث) في آخره دليل على أنّه جزء من حديث أهمل الراوي ذكر تتمته.

شديد فتكّفتوا(1) ولزموا أصول الشجر، فجاءهم شيخ وعليه ثياب بيض فقال: قوموا فلابأس عليكم فهذا الماء، فقاموا وشربوا وارتووا، فقالوا : من أنت يرحمك اللّه ؟ فقال : أنا من الجن الّذين بايعوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، إنّي سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول : المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، فلم تكونوا تضيعوا بحضرتي.

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن حماد بن عيسى، عن ربعي عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه (2) ولا يخذله (3) [ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه ]. قال ربعي : فسألني رجل من أصحابنا بالمدينة فقال : سمعت فضيل يقول ذلك؟ قال فقلت له : نعم، فقال : [ف-] إني سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يغشّه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه.

باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان وينقضه

باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان وينقضه (4)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مَسْعَدَة بن صَدَقَة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول - وسُئِلَ (5) عن إيمان من يلزمنا حقه وأخوته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل -؟ فقال : إنَّ الإيمان قد (6) يتخذ على وجهين(7)، أما أحدهما فهو الّذي يظهر لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الّذي تقول به أنت، حقت ولايته وأخوته، إلّا أن يجيىء منه نقض للّذي وصف من نفسه وأظهره لك، فإن جاء منه ما تستدلّ به على نقض الّذي أظهر لك، خرج عندك ممّا

ص: 174


1- أي لبسوا أكفانهم. وفي بعض النسخ: (فتكنفوا) أي اجتمعوا وأحاطوا أو أنهم لزموا جانب الطريق وهو كنفه.
2- على قراءة (يظلمه) بتشديد اللام فالمعنى : لا ينسبه إلى الظلم.
3- الخذلان : تركه في وقت هو أحوج ما يكون إليه فيه.
4- كأن السائل من أصحاب ربعي إنما سأل ليتأكد من رواية الحديث على الشكل الّذي رواه أولاً ولبيان أن فرقاً بين ما سمعه هو شخصيا من الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين ما سمعه من رواية الفضيل، وذلك الفرق هو زيادة (ولا يغشه).
5- «الانتحال : ادعاء أمر بغير حقيقة أو مطلقاً، واتخاذ نحلة أو دين. وقوله : ينقضه، عطف على يوجب، والضمير المستتر فيه راجع إلى (ما)، والبارز إلى الحق، أي هذا باب في بيان ما يوجب رعاية الحقوق الإيمانية لمن ادعى الإيمان، وبيان ما ينقض الحق ويسقط وجوب رعايته». مرآة المجلسي 18/9.
6- الواو حالية.
7- قد للتحقيق. وإنما اكتفى بذكر أحد الوجهين عن الآخر لأن الآخر كان معلوماً وهو ما يُعرف بالصحبة المتأكدة والمعاشرة المتكررة الموجبة لليقين. وإنما ذكر الفرد الأخفى وهو ما يظهر بدون ذلك الوافي ج 103/3.

وصف لك وأظهر، وكان لما أظهر لك ناقصاً، إلّا أن يدَّعي أنّه إنّما عمل ذلك تقيّة، ومع ذلك يُنظر فيه (1)، فإن كان ليس ممّا يمكن أن تكون التقيّة في مثله لم يُقبل منه ذلك (2)، لأنَّ للتقيّة مواضع، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتقى مثل [أن يكون] قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية ممّا لا يؤدي إلى الفساد في الدين(3) فإنه جائز.

باب في أن التواخي لم يقع على الدين وإنما هو التعارف

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن - حمزة بن محمّد الطيار، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لم تتواخوا على هذا الأمر وإنّما تعارفتم عليه.

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان وسماعة، جميعاً، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لم تتواخوا على هذا الأمر [و] إنما تعارفتم عليه (4).

باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يُشْبِعَ جَوْعَتَه (5)، ويواري عورته (6)، ويفرج عنه كربته ويقضي دينه، فإذا مات خَلَفَه

ص: 175


1- أي فيه تفصيل.
2- أي ما ادعاه من التقية.
3- كقتل أحد المؤمنين حتّى من العوام فضلا عن العلماء أو الأنبياء أو الأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنه لا تقية في ذلك.
4- لعل المراد بهذا الحديث وبما قبله «أنكم لم تتواخوا على التشيع إذ لو كنتم متواخين على التشيع لجرت بينكم جميعاً المواخاة وأداء الحقوق ويعم ذلك كلّ من كان على التشيع وليس كذلك، بل إنما أنتم متعارفون على التشيع، يتعارف بعضكم بعضاً عليه من دون مواخاة وعلى هذا يجوز أن يكون الحديث - وكذا الّذي قبله - وارداً مورد الإنكار وأن يكون واقعاً موقع الإخبار ويحتمل أن يكون المراد أن مجرد القول بالتشيع لا يوجب التواخي بينكم وإنما يوجب التعارف بينكم وأما التواخي فإنما توجبه أمور أخرى غير ذلك لا يجب بدونها» الوافي ج 3 / 104.
5- أي يطعمه حتّى يشبع.
6- قد يراد بها القبل والدبر من الرجل وجسد المرأة كله ويكون المراد بالستر الثوب الساتر أو يراد بها العيوب الّتي قد تكون في أخيه المؤمن فيكون الواجب سترها عليه وعدم نشرها بين النّاس ولكن المناسب هو المعنى الأول.

في أهله وولده (1).

2 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير الهجري، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : ما حقُّ المسلم على المسلم؟ قال له : سبع حقوق واجبات، ما منهنَّ حقٌّ إلّا وهو عليه واجب إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية اللّه وطاعته، ولم يكن اللّه فيه من نصيب (2)، قلت له : جعلت فداك وما هي ؟ قال : يا معلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تُضَيّع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل قال : قلت له : لا قوة إلّا باللّه، قال : أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك ؛ والحقُّ الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره ؛ والحقُّ الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك ؛ والحقُّ الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته؛ والحقُّ الخامس [أن] لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى، والحقُّ السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه والحقُّ السّابع أن تبر قسمه (3) وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته ؛ وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يَسأَلْكَها، ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذالك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك.

3 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن سيف، عن أبيه سيف، عن عبد الأعلى بن أعين قال : كتب [بعض] أصحابنا يسألون أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أشياء، وأمروني أن أسأله عن حقِّ المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلما جئت لأودعه فقلت : سألتك فلم تجبني ؟ فقال : إنّي أخاف أن تكفروا(4)، إنَّ من أشدّ ما افترض اللّه على خلقه ثلاثاً : إنصاف المرء من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلّا بما يرضى لنفسه منه، ومؤاساة الأخ في المال، وذكر اللّه على كلّ حال ليس سبحان اللّه والحمد للّه ولكن عندما حرَّم اللّه عليه فيدعه.

4 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن جميل، عن مرازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ما عُبد اللّه بشيء أفضل من أداء حق المؤمن.

ص: 176


1- أي قام على رعايتهم وتدبير أمورهم.
2- أي لم يكن من المفلحين الّذين يدخلون في حزب اللّه. أو أن أعماله لا يصل منها شيء إلى اللّه ولا تقبل منه سبحانه.
3- أي أن تمضيه على الصدق.
4- قيل : أي تخالفوا بعد العلم وهو أحد معاني الكفر، وأقول : لعل المراد أن تشكوا في الحكم أو فينا لعظمته وصعوبته، أو تستخفوا به وهو مظنة الكفر أو موجب لصدقه بأحد معانيه مرآة المجلسي 32/9 .

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حقُّ المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ولا يكتسي ويعرى أخوه، فما أعظم حقَّ المسلم على أخيه المسلم. وقال : أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وإذا احتجت فَسَله، وإن سألك فأعطه لا تمله خيراً ولا يمله لك(1)، كن له ظهر (2). فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شهد (3) فزره وأجلّه وأكرمه، فإنه منك وأنت منه، فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتّى تسأل سميحته (4)، وإن أصابه خيرٌ فاحمد اللّه. وإن ابتلي فأعضده، وإن تُمُحل له فأعنه (5)، وإذا قال الرّجل لأخيه : أف انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال أنت عدوّي كفر أحدهما، فإذا اتهمه أنماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء ؛ وقال(6) : بلغني أنّه قال : إنَّ المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض. وقال : إنَّ المؤمن وليُّ اللّه يعينه (7) ويصنع له (8) ولا يقول (9) عليه (10) إلّا الحق ولا يخاف غيره.

6 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : للمسلم على أخيه المسلم من الحقِّ : أن يسلّم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له (11) إذا غاب، ويسمّته إذا عطس (12)، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات (13).

عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة مثله.

ص: 177


1- أي لا تسأمه من جهة أكثارك الخير له ولا يسأمك من جهة إكثاره الخير لك الوافي ج 102/3. وقيل معناه : لا يورث الخير إياك ملالا لأجله ولا يورث الخير إباه ملالا لأجلك مرآة المجلسي 34/9.
2- أي سنداً وقوة ومعيناً.
3- أي حضر.
4- أي حتّى تطلب مسامحته وغفرانه. وفي الوافي 102/3 (حتّى تسلّ سخيمته) أي تنتزع حقده وحنقه.
5- أي إن كيد.
6- أي عليّ بن إبراهيم أو اليماني أو غيرهما من الرواة.
7- الضمير يرجع إلى لفظ الجلالة.
8- أي يكفيه ما يهمّه.
9- أي المؤمن.
10- أي على اللّه.
11- أي يحفظه في ظهر الغيب فلا يغتابه ويدفع عنه الغيبة ويدعو له بكل خير.
12- أي يدعو له عند عطاسه بالبركة والخير والثبات على الحق.
13- أي يشيع جنازته.

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي المأمون الحارثي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما حقُّ المؤمن على المؤمن؟ قال : إنَّ من حق المؤمن على المؤمن المودَّة له أهله، في صدره والمؤاساة له في ماله، والخَلَف له (1) في والنصرة له على من ظلمه، وإن كان نافلة في المسلمين (2) وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا مات، الزيارة إلى قبره، وأن لا يظلمه وأن لا يغشه وأن لا يخونه وأن لا يخذله وأن لا يكذبه، وأن لا يقول له أفٌ، وإذا قال له : أنّ فليس بينهما ولاية وإذا قال له : أنت عدوّي فقد كفر أحدهما، وإذا اتهمه أنماث الإيمان في قلبه كما ينمات الملح في الماء.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن أبي علي صاحب الكلل (3)، عن أبان بن تغلب قال : كنت أطوف مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة، فأشار إليَّ، فكرهت أن أدع أبا عبد اللّه وأذهب إليه، فبينا أنا أطوف إذ أشار إليَّ أيضاً، فرآه أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبان، إياك يريد هذا؟ قلت : نعم ؛ قال : فمن هو؟ قلت رجل من أصحابنا، قال هو على مثل ما أنت عليه (4) :قلت نعم قال : فاذهب إليه، قلت : فأقطع الطواف ؟ قال : نعم، قلت : وإن كان طواف الفريضة (5)؟ قال نعم،، قال : فذهبت معه، ثمّ دخلت عليه بعد فسألته فقلت : أخبرني عن حق المؤمن فقال : يا أبان دعه لا تُرده، قلت بلى جعلت فداك، فلم يزل أردّد عليه، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك(6)، ثمّ نظر إليَّ فرأى ما دخلني (7) فقال : يا أبان أما تعلم أنَّ اللّه عزّ وجلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم (8)؟ قلت : بلى جعلت فداك، فقال: أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت وهو سواء، إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان، عن عيسى بن أبي منصور قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنا وابن أبي يعفور وعبد اللّه بن طلحة فقال ابتداء منه : يا ابن أبي يعفور قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ستّ خصال من

ص: 178


1- أي يقوم بتدبير شؤون عائلته في حال غَيْبته.
2- أي غنيمة.
3- أي كان يبيع الكلل: جمع كلة وهي - على ما في القاموس - الستر الرقيق، وغشاء رقيق يتوقى به من البعوض.
4- أي من العقيدة بالقول بالإمامة.
5- أي الطواف الواجب.
6- أي نصفه.
7- أي من الخوف من عدم العمل به أو من التعجب مرآة المجلسي 40/9.
8- إشارة إلى قوله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) الحشر / 9.

كنَّ فيه كان بين يدي اللّه عزّ وجلّ وعن يمين اللّه»، فقال ابن أبي يعفور : وما هنَّ جعلت فداك؟ قال : يحبُّ المرء المسلم لأخيه ما يحبُّ لأعز أهله ؛ ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله ؛ ويناصحه الولاية.(1). فبكى ابن أبي يعفور وقال : كيف يناصحه الولاية؟ قال : يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بنّه همه ففرح لفرحه إن هو فرح وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه فرّج عنه وإلا دعا اللّه له، قال : ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثلاث لكم (2) وثلاث لنا (3) أن تعرفوا فضلنا، وأن تطؤوا عقبنا (4) وأن تنتظروا عاقبتنا (5)، فمن كان هكذا كان بين يدي اللّه عزّ وجلّ، فيستضيىء (6) بنورهم من هو أسفل منهم، وأما الّذين عن يمين اللّه، فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش ممّا يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور : وما لهم لا يرون وهم عن يمين اللّه ؟ فقال : يا ابن أبي يعفور إنهم محجوبون بنور اللّه، أما بلغك الحديث أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يقول : «إنَّ اللّه خلقاً عن يمين العرش بين يدي اللّه وعن يمين اللّه، وجوههم أبيض من الثلج وأضوء من الشمس الضّاحية» (7)، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الّذين تحابوا في جلال اللّه (8).

10 - عنه عن عثمان بن عيسى عن محمّد بن عجلان قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل رجلٌ فسلّم، فسأله كيف من خلّفت من إخوانك؟ قال: فأحسن الثناء وزكى وأطرى (9)، فقال له : كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة، قال: وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم (10) ؟ قال : قليلة، قال : فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم (11) ؟ فقال : إنك لتذكر أخلاقاً قل ما هي فيمن عندنا، قال: فقال : فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة.

11 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر عن أبي إسماعيل قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك، إنَّ الشيعة عندنا كثير فقال : [ف] هل يعطف الغني

ص: 179


1- أي يمحضه المحبة محضاً.
2- أي ثلاث خصال من المذكورات للشيعة وهي الحب والكراهية، والمناصحة.
3- أي للأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- أي تتابعونا وتقتدوا بنا وتسلموا لنا في كلّ ما نطلبه منكم.
5- أي دولتنا وقائمنا.
6- أي في ظلمة يوم القيامة.
7- أي المرتفعة وقت الضحى.
8- أي في عظمته.
9- أي ومدح.
10- أي حضورهم عندهم لاستطلاع أحوالهم ومد يد المساعدة لهم وحضور مجالسهم.
11- أي في أموالهم وما يملكون.

على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسىء؟ ويتواسون؟ فقلت : لا، فقال : ليس هؤلاء شيعة الشيعة من يفعل هذا.

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبو جعفر صلوات اللّه عليه يقول : عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهم (1) بعضكم بعضاً، ولا تضاروا، ولا تحاسدوا، وإياكم، والبخل كونوا عباد اللّه المخلصين.

13 - أبو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن عمر بن أبان، عن سعيد بن الحسن قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيجييء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت : ما أعرف ذلك فينا، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلا شيء إذا(2)، قلت : فالهلاك (3) إذاً، فقال : إنَّ القوم لم يُعطوا أحلامهم بعد (4).

14 - عليّ بن إبراهيم، عن الحسين بن الحسن، عن محمّد بن أورمة، رفعه، عن معلى بن خنيس قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن حق المؤمن، فقال : سبعون حقاً لا أخبرك إلّا بسبعة، فإنّي عليك مشفق أخشى ألا تحتمل، فقلت: بلى إن شاء اللّه، فقال : لا تشبع ويجوع ولا تكتسي ويعرى؛ وتكون دليله وقميصه الّذي يلبسه(5)، ولسانه الّذي يتكلّم به، وتحبُّ له ما تحب لنفسك، وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهد فراشه وتسعى في حوائجه بالليل والنهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية اللّه عزّ وجلّ.

15 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغرا(6)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحق (7) على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة، وتعاطف

ص: 180


1- أي لا يلقاه بوجه مكفهر منقيض.
2- أي ليس عندهم شيء من خصال الإيمان.
3- أي العذاب في الآخرة.
4- أي لم تكمل عقولهم، ولم تنضج، وكل إنسان إنما يحاسب على قدر عقله.
5- أي تكون محرم أسراره ومختصاً به غاية الاختصاص. أو المعنى : تكون ساتر عيوبه، وقيل : تدفع الأذى عنه كما يدفع القميص عنه الحر والبرد وهو بعيده مرآة المجلسي 48/9.
6- هذه الكنية تطلق على حميد بن المثنى الصيرفي وعلى الخصّاف.
7- أي يجب وثبت.

بعضهم على بعض، حتّى تكونوا كما أمركم اللّه عزّ وجلّ : (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (1)، متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «حقُّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه، وحقٌّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه».

باب التراحم والتعاطف

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن محالد عن الحسن بن محبوب، عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لأصحابه : اتّقوا اللّه وكونوا إخوة بررة، متحابين فى اللّه متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا (2) وأحيوه.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن كليب الصيداوي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال تواصلوا وتباروا وتراحموا، وكونوا إخوة بررة كما أمركم اللّه عزّ وجلّ.

3 - عنه، عن محمّد بن سنان عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا.

4 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغرا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض، حتّى تكونوا كما أمركم اللّه عزّ وجلّ: (رحماء بينهم)، متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من امرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (3).

ص: 181


1- إشارة إلى قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...) الآية 29 من سورة الفتح.
2- أي أمر الإمامة والولاية.
3- مر مضمون هذا الحديث في الباب السابق تحت رقم (15) بنفس السند بفرق هو زيادة صدر له هناك، ولفظ (بينكم) هناك و (بينهم) هنا.

باب زيارة الإخوان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن [علىّ] ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من زار أخاه اللّه لا لغيره (1) التماس موعد (2) اللّه، وتنجز ما عند اللّه (3)، وكل اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت (4) وطابت لك الجنّة.

2 - عنه عن عليّ بن النعمان عن ابن مسكان عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أودعه فقال : يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السّلام وأوصهم بتقوى اللّه العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويّهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميّتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم،، فإنَّ لُقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا، رحم اللّه عبداً أحيا أمرنا، يا خيثمة : أبلغ موالينا أنا لا نغني عنهم من اللّه شيئاً إلّا بعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلّا بالورع وأنَّ أشدَّ النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابيه، عن حماد بن عيسى، بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «حدّثني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن اللّه عزّ وجلّ أهبط إلى الأرض ملكاً، فأقبل ذلك الملك يمشي حتّى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على ربِّ الدار، فقال له الملك، ما حاجتك إلى ربّ هذه الدّار؟ قال : أخ لي مسلم زرته في تبارك وتعالى، قال له الملك، ما جاء بك إلّا ذاك ؟ فقال : ما جاء بي إلّا ذاك، فقال : إني رسول اللّه اللّه إليك، وهو يقرئك السلام ويقول : وجبت لك الجنّة». وقال الملك : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (إيما مسلم زار مسلماً فليس إيَّاه،زار إياي زار وثوابه علىّ الجنّة).

4 - عليٌّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي النهدي، عن الحصين، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من زار أخاه في اللّه قال اللّه عزّ وجلّ : (إيّاي زرت وثوابك عليَّ ؛ ولست أرضى لك ثواباً دون الجنّة)

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة،

ص: 182


1- كمنفعة شخصية دنيوية مادية أو معنوية.
2- هو يوم القيامة.
3- أي من الثواب.
4- أي زكوت وطهرت.

عن يعقوب بن شعيب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من زار أخاه في جانب المصر(1) ابتغاء وجه اللّه، فهو زوره (2) ؛ وحقٌّ على اللّه أن يكرم زوره.

6 - عنه، عن عليّ بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من زار أخاه في بيته قال اللّه عزّ وجلّ له : أنت ضيفي وزائري، عليَّ قراك (3)، وقد أوجبت لك الجنّة بحبّك إيّاه».

7 - عنه، عن عليّ بن الحكم عن إسحاق بن عمّار، عن أبي غرة (4) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من زار أخاه في اللّه في مرض أو صحة، لا يأتيه خداعاً (5) ولا استبدالا (6)، وكل اللّه به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه أن : طبت وطابت لك الجنّة، فأنتم زُوَّار اللّه وأنتم وفد الرحمن (7) له حتّى يأتي منزله، فقال له يسير (8) : جعلت فداك وإن كان المكان بعيداً؟ قال : نعم يا يسير وإن كان المكان مسيرة سنة، فإن اللّه جواد والملائكة كثيرة، يشيعونه حتّى يرجع إلى منزله.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي [بن] النهدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مَن زار أخاه في اللّه واللّه، جاء يوم القيامة يخطر (9) بين قباطي (10) من نور ؛ ولا يمر بشيء إلّا أضاء له حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ، فيقول اللّه عزّ وجلّ له : مرحباً ؛ وإذا قال: مرحباً، أجزل اللّه عزّ وجلّ له العطيّة.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن بشير (11)، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن العبد المسلم إذا خرج من بيته زائراً أخاه اللّه لا لغيره، التماس وجه اللّه،

ص: 183


1- أي طرف البلد الّذي يكون فيه الزائر وهذا كناية عن بعد المسافة بين الزائر والمزار.
2- أي زائره والضمير فيه راجع إلى اللّه سبحانه.
3- قرى الضيف إكرامه والإحسان إليه.
4- وقد يُقرأ (أبو عزّة). أبو غرة الخراساني. ويحتمل أنّه أبو عزّة الكوفي أو أبو عزّة مولى يسار.
5- أي ليوهمه بأنه يحبه ويغشه بإظهار مودته
6- أي بقصد عود نفع عليه بدلاً من زيارته له.
7- لعله إشارة إلى قوله تعالى (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) مريم / 85.
8- لعله بشير الدهان، حيث ذكر الشيخ في رجاله تحت رقم (16) أنّه قيل : يسير، فراجع.
9- أي يتبختر ويتمايل في مشيته.
10- ذكرنا في مورد سابق أن القباطي نوع من الثياب المنسوجة نسبة إلى أقباط مصر.
11- وفي بعض النسخ (يسير) وهذا يؤيد ما ذكره الشيخ ونقلناه عنه أنّه بشير الدهان.

رغبة فيما عنده، وكل اللّه عزّ وجلّ به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه إلى أن يرجع إلى منزله : ألا طبت وطابت لك الجنّة.

10 - الحسين بن محمّد [عن أحمد بن محمّد] عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما زار مسلمٌ أخاه المسلم في اللّه واللّه، إلّا ناداه اللّه عزّ وجلّ أيّها الزائر طبت وطابت لك الجنّة.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة : رجلٌ حكم على نفسه بالحقّ (1)، ورجل زار أخاه المؤمن في اللّه، ورجل آثر أخاه المؤمن في اللّه.

12 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي،، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل اللّه عزّ وجلّ به ملكاً فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظلّه، فإذا دخل إلى منزله نادي الجبار تبارك وتعالى : أيّها العبد المعظّم لحقيّ، المتبع لآثار نبيّ (2)، حقٌّ عليَّ إعظامك، سلني أعطك ادعني أجبك اسكت أبتدئك، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتّى يدخل إلى منزله، ثمّ يناديه تبارك وتعالى أيّها العبد المعظم لحقي حقٌّ علي إكرامك قد أوجبت لك جنّتي وشفّعتك في عبادي(3).

13 - صالح بن عقبة، عن عقبة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لزيارة المؤمن في اللّه خيرٌ من عتق عشر رقاب مؤمنات؛ ومن أعتق رقبة مؤمنة وقى كلّ عضو عضواً من النّار (4) حتّى أنَّ الفُرْجَ يقي الفَرْجَ.

14 - صالح بن عقبة، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أيّما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم، يأمنون بوائقه (5) ولا يخافون غوائله (6) ويرجون ما عنده، إن دعوا اللّه

ص: 184


1- أي أنصف خصمه من نفسه، لأنه علم أن له الحق عليه.
2- من الأخبار والأحاديث والأوامر الّتي تضمنت وجوب تعظيم الأخ المؤمن وإكرامه وصلته.
3- أي قبلت شفاعتك فيهم يوم القيامة أو أذنت لك أن تشفع فيهم.
4- أي صان وحفظ. وفي بعض النسخ وقى اللّه بكل عضو وفي بعضها الآخر : وفى اللّه بكل الخ، والأوّل أنسب وأظهر.
5- البوائق : جمع بائقة وهي الشر والداهية.
6- الغوائل : جمع غائلة وهي البائقة أيضاً.

أجابهم، وإن سألوا أعطاهم وإن استزادوا زادهم وإن سكتوا ابتدأهم.

15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب قال: سمعت أبا حمزة يقول : سمعت العبد الصالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من زار أخاه المؤمن اللّه لا لغيره، يطلب به ثواب اللّه وتنجّز ما وعده اللّه (1) عزّ وجلّ، وكل عزّ وجلّ به سبعين ألف ملك، من حين يخرج من منزله حتّى يعود إليه ينادونه : ألا طبت وطابت لك الجنّة، تبوأت (2) من الجنّة منزلاً.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقاء الإخوان مغنم جسيمٌ (3) وإن قلّوا.

باب المُصَافَحَة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون عن يحيى بن زكريّا عن أبي عبيدة قال : كنت زميل (4) أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكنت أبدأ بالركوب، ثمّ يركب هو، فإذا استوينا سلّم وساءل مساءلة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي، فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلّم وسائل مساءلة من لا عهد له بصاحبه، فقلت: یا ابن رسول اللّه، إنك لتفعل شيئاً ما يفعله أحد من قبلنا وإن فعل مرة فكثير، فقال : أما علمت ما في المصافحة، إن المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه، فلا تزال الذنوب تتحات (5) عنهما كما يتحات الورق عن الشجر، واللّه ينظر إليهما حتّى يفترقا.

2 - عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي خالد القماط، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن المؤمنين إذا التقيا وتصافحا، أدخل اللّه يده بين أيديهما(6)، فصافح أشدّهما حبّاً لصاحبه.

ص: 185


1- أي سؤال ما وعد اللّه سبحانه من الثواب بإحضاره والوفاء به.
2- أي سكنت واتخذت.
3- أي غنيمة عظيمة.
4- أي رفيقه في السفر، أو عديله في الركوب على دابة واحدة.
5- أي تتساقط وتتناثر.
6- وكأنه أطلق الجمع على التثنية مجازاً وذلك لاستثقالهم اجتماع التثنيتين، مرآة المجلسي 62/9.

3 – ابن فصال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب، عن السَمَيْدَع (1)، عن مالك بن أعين الجهني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل اللّه عزّ وجلّ يده بين أيديهما، وأقبل بوجهه على أشدّهما حباً لصاحبه، فإذا أقبل اللّه عزّ وجلّ بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذُّنوب كما يتحات الورق من الشجر.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا، أقبل اللّه عزّ وجلّ عليهما بوجهه، وتساقطت عنهما الذُّنوب كما يتساقط الورق من الشجر.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبيدة الحذاء قال: زاملتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شق محمل من المدينة إلى مكة، فنزل في بعض الطريق، فلما قضى حاجته وعاد قال هات يدك يا أبا عبيدة فناولته يدي فغمزها (2) حتّى وجدت الأذى في أصابعي، ثمّ قال : يا أبا عبيدة ما من مسلم لقي أخاه المسلم فصافحه وشبك أصابعه في أصابعه إلّا تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق من الشجر في اليوم الشاتي (3).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا مالك : أنتم شيعتنا [أ] لا ترى أنك تفرط في أمرنا، إنه لا يُقْدَرُ على صفة اللّه فكما لا يُقدَرُ على صفة اللّه كذلك لا يقدر على صفتنا (4)، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنَّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال اللّه ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق من الشجر، حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.

་7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن فضيل عن أبي حمزة قال: زاملت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحططنا الرحل (5)، ثمّ مشى قليلاً،

ص: 186


1- هو الهلالي. وقد ذكره الشيخ في رجاله تحت رقم (325) وعده من أصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكذلك فعل الأردبيلي في جامع الرواة 387/1. ولا يبعد أنّه كان من أصحاب الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فروى عنه وإن كان التصاقه بالصادق أشهر.
2- أي فضغطها وشد عليها.
3- «اليوم الشاتي : الشديد البرد أو هو كناية عن يوم الريح للزومه لها غالباً... الخ» مرآة المجلسي 64/9.
4- «وحاصله، أنّه كلما وصفوا به من الكمال فهو دون مرتبتهم، لأنهم ممّن لا يقدر قدرهم كما أن اللّه سبحانه لن يقدر قدره، بل لا يمكنكم معرفة قدر المؤمن من شيعتنا فكيف تقدرون على معرفة قدرنا» ن. م ص / 65.
5- الرحل : - كما في المصباح - كلّ شيء يُعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن وجمعه أرحل، ورحل الشخص مأواه في الحضر، ثمّ أطلق على أمتعة المسافر لأنها هناك مأواه.

ثمَّ جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة، فقلت: جعلت فداك أو كنتُ معك في المحمل؟! فقال : أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثمّ أخذ بيد أخيه نظر اللّه إليهما بوجهه، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه ويقول للذنوب تتحات عنهما، فتتحات - يا أبا حمزة - كما يتحاتُّ الورق عن الشجر، فيفترقان وما عليهما من ذنب.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن حد المصافحة (1)، فقال : دور نخلة (2).

9 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان عن عمر و (3) بن الأفرق، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثمّ التقيا أن يتصافحا.

10 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابه، عن محمّد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلّم عليه وليصافحه، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ أكرم بذلك الملائكة (4) فاصنعوا صنع الملائكة».

11 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن ابن بقاح عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا التقية فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار (5).

12 - عنه، عن موسى بن القاسم، عن جده معاوية بن وهب (6) أو غيره، عن رزين (7)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان المسلمون إذا غَزَوا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومروا بمكان كثير الشجر، ثمّ خرجوا إلى الفضاء، نظر بعضهم إلى بعض فتصافحوا.

13 - عنه، عن أبيه، عمّن حدَّثه عن زيد بن الجهم الهلالي، عن مالك بن أعين، عن

ص: 187


1- أي حد تجديد المصافحة.
2- أي بمقدار الاستدارة حول جذع نخلة.
3- في رجال الجشي (عمر). وفي بعض النسخ (عمرو) (الأفرق من دون (ابن).
4- أي بالسلام والمصافحة عند كلّ تلاقٍ بينهم وهم يهبطون ويصعدون ويغدون ويروحون.
5- أي بأن يدعو كلّ منكم لصاحبه بالمغفرة.
6- الترديد من الراوي.
7- رزین هذا مشترك بين عدة رواة بهذا الاسم منهم الكوفي، والإبزاري، والأنماطي، وابن أسد، وابن أسيد، وابن أنس وابن عبد ربه، فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي، 186/7 وما بعدها.

أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا صافح الرجل صاحبه فالّذي يلزم التصافح(1) أعظم أجراً من الّذي يدع، ألا وإنَّ الذَّنوب لتتحات فيما بينهم حتّى لا يبقى ذنب.

14 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فنظر إلي بوجه قاطب (2). فقلت : ما الّذي غيّرك لي؟ قال : الّذي غيّرك لإخوانك، بلغني يا إسحاق أنك أقعدت ببابك : بواباً، يردُّ عنك فقراء الشيعة، فقلت: جعلت فداك إني خفت الشهرة (3)، فقال: أفلا خفت البلية، أو ما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل اللّه عزّ وجلّ الرَّحمة عليهما فكانت تسعة وتسعين (4) لأشدّهما حبّاً لصاحبه. فإذا توافقا (5) غمرتهما الرَّحمة، فإذا قعدا يتحدثان قال الحفظة بعضها البعض : اعتزلوا بنا فلعلَّ لهما سرًّا وقد ستر اللّه عليهما. فقلت : أليس اللّه عزّ وجلّ يقول : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (6)؟. فقال : يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالِمَ السِّرِّ يسمع ويرى.

15 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما صافح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجلاً قط فنزع يده حتّى يكون هو الّذي ينزع يده منه (7)

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي ؛ عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ لا يوصف وكيف يوصف وقال في كتابه : (ما قدروا اللّه حق قدره) (8) فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك، وإنَّ النبيَّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا يوصف، وكيف يوصف عبد احتجب اللّه عزّ وجلّ بسبع (9)، وجعل طاعته في الأرض كطاعته [في السماء]. فقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (10) ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه

ص: 188


1- أي الّذي يبقي يد صاحبه في يده بألا يبتدىء في سحبها.
2- أي عابس.
3- أي انفضاح أمري وإني على مذهب التشيع.
4- أي تسعة وتسعين جزءاً لأشدهما حباً لصاحبه والجزء الباقي للآخر.
5- أي ترافقا وفي بعض النسخ (توافقا) أي استوقف كلّ منهما صاحبه.
6- ق / 18.
7- مر ما يشير إلى استحباب ذلك في الحديث (13) من هذا الباب.
8- الحجّ / 74.
9- «يحتمل أن يكون قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : احتجب اللّه بسبع، أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قد أرتفعت الحجب بينه وبين اللّه سبحانه حتّى بقي من السبعين ألف [ كما ورد في بعض الأحاديث أن له سبحانه سبعين ألف حجاب ] سبع واللّه ورسوله وابن رسوله أعلم» الوافي ج 111/3.
10- الحشر / 7.

فقد عصاني، وفوض إليه، وإنا لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع اللّه عنهم الرجس وهو الشكُ (1). والمؤمن لا يوصف وإنَّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال اللّه ينظر إليهما والذُّنوب تتحاتُ عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر.

17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان، عن فضیل ابن عثمان، عن أبي عبيدة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا التقى المؤمنان فتصافحا، أقبل اللّه بوجهه عليهما وتتحاتُ الذُّنوب عن وجوههما حتّى يفترقا.

18 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تصافحوا فإنّها تذهب بالسخيمة.

19 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح (2)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لقى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حُذَيْفَة، فمدَّ النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يده فكفَّ (3) حذيفة يده فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا حذيفة بسطت يدي إليك فكففت يدك عنى»؟ فقال حذيفة : یا رسول اللّه بيدك الرغبة (4)، ولكني كنت جُنُباً فلم أحبَّ أن تمس يدي يدك وأنا جُنُب، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أما تعلم أنّ المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتتْ ذنوبُهُما كما يَتَحاتُ ورقُ الشجر».

20 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمّد، عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ لا يقدر أحدٌ قَدْرَه، وكذلك لا يقدِرُ قَدْر نبيه وكذلك لا يقدِر قَدْرَ المؤمن، إنّه ليلقى أخاه فيصافحه فينظر اللّه إليهما والذُّنوب تتحاتُ عن وجوههما حتّى يفترقا، كما تتحات الريح الشديدة الورق عن الشجر

21 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رفاعة قال(5): سمعته يقول : مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة (6)

ص: 189


1- «أي لا يعتريهم الشك في شيء ممّا يُسئلون أو يقولون بل يعلمون جميع ذلك بعين اليقين مرآة المجلسي 72/9.
2- واسمه عبد اللّه بن ميمون.
3- أي قبضها عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
4- كأن الباء بمعنى (في) أي يرغب جميع الخلق في مصافحة يدك الكريمة» مرآة المجلسي 73/9.
5- لا بد أن يكون الّذي قال هو إمّا أبو عبد اللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو الإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن رفاعة هذا هو ابن موسى الأسدي النخاس الكوفي وقد روا عنهما (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- «كأن المعنى : مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين، أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة لو تيسرت له، ويؤمي إلى أن المؤمن الكامل أفضل من الملائكة» مرآة المجلسي 74/9.

باب المعانقة

1 - محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن يزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حسنة، ومُحِيت عنه سيئة، ورُفِعَتْ له درجة. وإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل اللّه عليهما بوجهه، ثمّ باهى بهما الملائكة، فيقول : انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابار في، حق عليَّ ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق (1) الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل (2)، فإن مات فيما بينهما، أعفي من الحساب، وإن كان المزور يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور، كان له مثل أجره.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن المؤمِنين إذا اعتنقا غمرتهما الرَّحمة، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلّا وجه اللّه ولا يريدان غرضاً من أغراض الدُّنيا قيل لهما : مغفوراً لكما فاستأنفا(3)، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض: تنحوا عنهما فإنَّ لهما سرّاً وقد ستر اللّه عليهما. قال إسحاق : فقلت : جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ؟ قال : فتنفّس أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الصعداء (4) ثمّ بكى حتّى اخضلت(5) دموعه لحيته وقال: يا إسحاق إنَّ اللّه تبارك وتعالى إنما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالاً،لهما، وإنه وإن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنّه (6) يعرفه ويحفظه عليهما، عالم السر وأخفى.

باب التقبيل

1 - أبو علي الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن

ص: 190


1- جمع بائقة : وهي الداهية والمصيبة.
2- أي من السنة التالية.
3- أي استأنفا العمل، بعد أن سُيّرت ذنوبكما.
4- أي التنفس العميق المتصل نسبياً.
5- أي بلّلت.
6- أي اللّه سبحانه.

الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن لكم لنوراً تُعرفون به (1) في الدُّنيا، حتّى أنَّ أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته (2).

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يقبل رأسُ أحد ولا يده إلّا [يد] رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو من أريد(3) به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

3 - علي، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن زيد النّرْسي، عن عليّ بن مزيد صاحب السابري قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتناولت يده فقبلتها، فقال: أما إنّها لا تصلح إلّا لنبيّ أو وصي نبيّ.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال، عن يونس ابن يعقوب قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ناولني يدك أقبلها فأعطانيها، فقلت: جعلت فداك رأسك (4)، ففعل، فقبلته فقلت : جعلت فداك رجلاك، فقال: أقسمت أقسمت أقسمت - ثلاثاً - وبقي شيء، وبقي شيء، وبقي شيء(5).

5 - محمّد بن يحيى عن العمركي بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قبل للرَّحم (6) ذا قرابة فليس عليه شيء وقبلة الأخ (7) على الخدّ، وقبلة الإمام بين عينيه.

6 - وعنه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الصبّاح مولى آل سام، عن أبي عبد أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس القبلة على الفم إلّا للزوجة (8) [أ] و الولد الصغير.

ص: 191


1- لا يلزم أن تكون المعرفة عامة بل تعرفهم بذلك الملائكة والأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ). ويمكن أن يعرفهم بذلك بعض الكمّل من المؤمنين أيضاً وإن لم يروا النور ظاهراً مرآة المجلسي 78/9.
2- دل هذا على أن موضع التقبيل هو الجبهة، لأن المؤمن يعرف أنّها موضع النور من أخيه في الدنيا بمقتضى آثار أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3- كالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إذ إن في تعظيمهم تعظيماً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومودتهم مودةً له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، أو بعض السادات الصالحين ممّن ينتسبون إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإن تعظيمهم تعظيماً لذوي القربى الّذين أمرنا بمودتهم. وكذلك العلماء الربانيون باعتبارهم حفظة وحملة علم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) والذابين عن الإسلام.
4- أي هات رأسك لأقبله.
5- «لعل المراد أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ثلاث مرات حلفت ألا أناول رجلي لأحد يقبلها وهل يبقى مكان السؤال لذلك بعد حلفي عليه» الوافي ج 113/3.
6- أي لا لشهوة أو ما شابهها و (فليس عليه شيء) أي إثم.
7- أي الأخ من النسب، أما الأخ في الدين والإيمان فتقبيله على جبهته كما مر.
8- مطلقاً، سواء كانت دأئمّة أو متمتعاً بها أو ملك يمين.

باب تَذَاكُرِ الإخوان

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : شيعتنا الرحماء بينهم (1)، الّذين إذا خلوا ذكروا اللّه [إنَّ ذكرنا من ذكر اللّه ] إنا إذا ذُكِرْنا ذُكِرَ اللّه وإذا ذكر عدونا ذُكِر الشيطان(2).

2 - محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تزاوروا فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضَلَلْتُم وهَلَكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم(3).

3 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الوشّاء عن منصور بن يونس، عن عباد بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي مررت بقاصٌ يقصُّ(4) وهو يقول: هذا المجلس [الّذي ] لا يشقى به جليس، قال: فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هيهات هيهات، أخطأت أستاههم (5) الحفرة، إنَّ اللّه ملائكة سياحين، سوى الكرام الكاتبين، فإذا مروا بقوم يذكرون محمّداً وآل محمّد قالوا : قفوا فقد أصبتم حاجتكم، فيجلسون، فيتفقهون معهم، فإذا قاموا (6) عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الّذي لا يشقى به جليس.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم عن المستورد

ص: 192


1- أي المتراحمون يرحم بعضهم بعضاً.
2- وذلك لأن ذكر فضائلهم وسيرهم باعتبارهم حجج اللّه في أرضه ونعمته على خلقه هو ذكر اللّه المنعم الّذي له الحجة البالغة، في حين أن ذكر مثالب أعداء أهل البيت وسيرهم وقبائحهم هو ذكر لمن زيّنها لهم وحملهم عليها بعد أن استحوذ عليهم فأنساهم ذكر اللّه، وذلك هو الشيطان الرجيم.
3- أي بفلاحكم فى الدنيا وفوزكم بجنة ربكم فى الآخرة وزعيم : ضامن كفيل.
4- القاصّ: مفرد جمعه قصاصون فئة من المرتزقة كان يعينهم سلاطين الجور في المساجد ليقصّوا على النّاس القصص والحكابات ويحدثوهم بالأحاديث الكاذبة الموضوعة عن فضائل هؤلاء الطغاة وذلك لإضفاء صفة الشرعية عليهم من جهة وليشغلوا النّاس عما هم فيه من ظلم وبؤس ويصرفوهم عن ظلم أولئك السلاطين وفجورهم وخروجهم على أبسط قواعد الإسلام الحنيف وأول من ابتدع هذه البدعة معاوية بن أبي سفيان وعثمان بن عفان، ومن الجدير بالذكر أنهم غالباً ما كانوا - إضافة إلى دعائهم للسلطان وجنده وأهل بيته - يضعون الأحاديث الكاذبة في ذم خصومهم السياسيين إلى درجة قد تصل إلى حد التفسيق أو التكفير ويدعون عليهم.
5- الإستاء : جمع سته، وهي الأست [ مؤخر الإنسان] ولعل هذا الكلام من الأمثال السائرة.
6- الضمير المستتر هنا وفيما بعده يرجع إلى الملائكة.

النخعي، عمّن رواه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ من الملائكة الّذين في السماء لَيَطَّلِعُونَ إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمّد قال : فتقول : أما ترون إلى هؤلاء في قلتهم وكثرة عدوّهم يصفون فضل آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟. قال : فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة : ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم.

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن عن ابن فضّال، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : أَتَخْلُونَ وتتحدّثون وتقولون ما شئتم؟ فقلت: إي واللّه إنا لنخلوا ونتحدث ونقول ما شئنا، فقال : أما واللّه لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن(1)، أما واللّه إني لأحبُّ ريحكم (2) وأرواحكم (3) ؛ وإنكم على دين اللّه ودين ملائكته فأعينوا ب-ورع واجتهاد (4).

6 - الحسين بن محمّد ؛ ومحمّد بن يحيى، جميعاً، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن أحمد بن زكريا، عن محمّد بن خالد بن ميمون، عن عبد اللّه بن سنان، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلّا حضر من الملائكة مثلهم، فإن دعوا بخير أمنوا، وإن استعاذوا من شرّ دعوا اللّه ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى اللّه وسألوه قضاها، وما اجتمع ثلاثة من المتاحدين إلّا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين فإن تكلّموا تكلّم الشيطان بنحو كلامهم، وإذا ضحكوا ضحكوا معهم، وإذا نالوا من أولياء اللّه (5) نالوا معهم، فمن ابتلي من المؤمنين بهم (6) فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه، فإن غضب اللّه عزّ وجلّ لا يقوم له شيء، ولعنته لا يردُّها شيء، ثمّ صلوات اللّه عليه : فإن لم يستطع فلينكر بقلبه وليقم، ولو حلب شاة أو فُواقَ ناقة (7).

7 - وبهذا الإسناد عن محمّد بن بن سليمان، عن محمّد بن محفوظ، عن أبي المغرا قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ليس شيء أنكى (8) لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في اللّه

ص: 193


1- أي مجالسكم وخلواتكم.
2- أي الطيبة العطرة وهو كناية عن عقائدهم الصحيحة.
3- جمع روح، أي النسيم، وهو كناية عن أقوالهم الحسنة.
4- أي بورع عن المعاصي واجتهاد في الطاعات.
5- أي أصابوا منهم بالسب والشتم والنقيصة وأولياء اللّه : هم الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- أي بمجالستهم.
7- أي زمان حلب شاة أو فُواق ناقة، وفواق الناقة الفترة ما بين الحلبتين لإراحتها أو لرضاعة فصيلها.
8- أي أجرح وأقرح.

بعضهم لبعض. قال : وإِنَّ المؤمنين يلتقيان فيذكر ان اللّه ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مُضْغَة (1) لحم إلّا تحدَّد (2)، حتّى أن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم، فتحسُّ ملائكة السماء وخزَّان الجنان فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرب إلّا لعنه، فيقع خاسئاً (3) حسير (4) مدحوراً (5).

باب إدخال السرور على المؤمنين

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من سرَّ مؤمناً فقد سرَّني ومَن سرَّني فقد سرَّ اللّه (6).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن رجل من أهل الكوفة يكنى أبو محمّد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تَبَسُّمُ الرَّجل في وجه أخيه حَسَنة (7)، وصرف القذى (8) عنه حَسَنَة، وما عبد اللّه بشيء أحبُّ إلى اللّه من إدخال السرور على المؤمن.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن مسكان عن عبيد اللّه عن عبيد اللّه بن الوليد الوصافي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن فيما ناجی اللّه عزّ وجلّ به عبده موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ لي عباداً أبيحهم جنتي (9) وأحكمهم فيها (10) قال : يا ربّ ومن هؤلاء الّذين تبيحهم جنتك وتحكمهم فيها؟. قال: من أدخل على مؤمن

ص: 194


1- المضغة : قطعة اللحم وغيره - على ما في القاموس -.
2- أي هزل ونقص.
3- أي مطروداً من رحمة اللّه.
4- الحسير : الكليل والضعيف والمتلهف والمَعْيِي جمع حسرى مثل مريض ومرضى.
5- المدحور : المطرود.
6- سرور اللّه تعالى مجاز، والمراد ما يترتب على السرور من اللطف والرحمة... مرآة المجلسي 90/9.
7- أي خصلة حسنة يترتب عليها الثواب.
8- القذى - كما في النهاية - هو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو طين أو وسخ الخ. والمراد به هنا مطلق الأذى.
9- أي اجعلها مباحة لهم.
10- من التحكيم، أي أجعلهم حكاماً، الوافي ج 117/3.

سروراً. ثمّ قال : إنّ مؤمناً كان في مملكة جبار فولع (1) به فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك فأظله (2) وأرفقه (3) وأضافه، فلما حضره الموت أوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : وعزّتي وجلالي لو كان [لك] في جنتي مسكن لأسكنتك فيها، ولكنّها محرمة على من ميات بي مشركاً، ولكن يا نار هيديه (4) ولا تؤذيه، ويؤتى برزقه طَرَفَي النهار، قلت من الجنّة؟ قال : من حيث شاء اللّه.

4 - عنه، عن بكر بن صالح عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن عليّ بن أبي علي، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهم قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ إدخال السرور على المؤمنين».

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي. فقال :داود يا ربّ وما تلك الحسنة ؟ قال : يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة، قال :داود : يا ربّ حقٌّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط بل واللّه علينا، بل واللّه على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

7- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : إنَّ أحب الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ إدخال السرور على المؤمن، شَبْعَةُ مسلم (5) أو قضاء دينه.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن سدير الصيرفي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حديث طويل : إذا بعث اللّه المؤمن من قبره، خرج معه مثال (6) يقدم (7) أمامه، كلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا

ص: 195


1- أي استخف وذهب بحقه.
2- أي آواه بما يظلّه من الحر والقَرَ.
3- أي نفعه.
4- أي ازعجيه وافزعيه وحركيه واصلحيه» للحوافي ج 117/3.
5- أي مقدار ما يشبع جوعته، والمراد بالمسلم المؤمن ولو ظاهراً.
6- أي يتقدمه.
7- أي صورة.

تفزع ولا تحزن وابشر بالسرور والكرامة من اللّه عزّ وجلّ حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ فيحاسبه حساباً يسيراً، ويأمر به إلى الجنّة، والمثال أمامه فيقول له المؤمن : يرحمك اللّه نِعمَ الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من اللّه حتّى رأيت ذلك، فيقول (1) من أنت؟ فيقول: أنا السرور الّذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني اللّه عزّ وجلّ منه (2) الأبشّرك.

9 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن السيّاري، عن محمّد بن جمهور قال : كان النجاشي (3) وهو رجل من الدّهاقين عاملا على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن في ديوان النجاشي علي خراجاً، وهو مؤمن يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتاباً، قال : فكتب إليه أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم سُرِّ أخاك يسرك اللّه. قال : فلما ورد الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه، فلما خلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقبله ووضعه على عينيه وقال له : ما حاجتك؟ قال : خراج علي في ديوانك، فقال له : وكم هو ؟ قال : عشرة آلاف درهم فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه، ثمّ أخرجه منها (4)، وأمر أن يثبتها له القابل (5)، ثمّ قال له : سررتك ؟ فقال : نعم جعلت فداك، ثمّ أمر له بمركب وجارية وغلام وأمر له بتخت ثياب (6)، في كلّ ذلك يقول له : هل سررتك؟ فيقول : نعم - علت فداك، فكلما قال : نعم زاده حتّى فرغ (7). ثمّ قال له : احمل فرش هذا البيت الّذي كنت جانساً فيه حين دفعت إليَّ كتاب مولاي الّذي ناولتني فيه، وارفع إليَّ حوائجك. قال : ففعل، خرج الرّجل فصار إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ذلك، فحدّثه الرّجل بالحديث على جهته، فجعل يُسر (8) بما فعل (9) فقال الرجل : يا ابن رسول اللّه كأنّه قد سرّك ما فعل بي ؟ فقال : إي واللّه لقد

ص: 196


1- أي المؤمن.
2- فيه إشعار بتجسّم الأعمال يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ.
3- «يظهر من كتب الرجال أن النجاشي المذكور في الخبر اسمه عبد اللّه وأنه ثامن آباء أحمد بن عليّ النجاشي صاحب كتاب (الرجال) المشهور» مرآة المجلسي 95/9. والدهقان : لقب يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر وعلى من له مال وعقار كذا في القاموس.
4- أي محا اسمه من دفتر الديون لئلا يطالب بها فيما بعد.
5- أي يسجل في حسابات السنة القادمة أنّه قد أداها أيضاً فيكون قد أعفاه من الخراج سنتين متتاليتين بعد أن أداها الدهقان عنه من ماله ويحتمل أنّه سجل بأن يعطى في السنة القادمة من ماله (أي النجاشي) هذا المبلغ.
6- وفي القاموس التخت وعاء يصان فيه الثياب.
7- أي توقف وانتهى النجاشي عن العطاء.
8- أي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
9- أي النجاشي.

سرّ اللّه ورسوله.

10 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن الحسن بن عليّ بن بن فضّال عن منصور، عن عمّار بن أبي اليقظان عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن حقّ المؤمن على المؤمن قال : فقال : حقُّ المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك، لو حدثتكم لكفرتم، إن المؤمن إذا خرج من قبره، خرج معه مثال من قبره، يقول له : أبشر بالكرامة من اللّه والسرور، فيقول له : بشِّرك اللّه بخير ؛ قال : ثمّ يمضي معه يبشره بمثل ما قال وإذا مرَّ بهول (1) قال : ليس هذا لك، وإذا مر بخير قال هذا لك، فلا يزال معه يؤمنه ممّا يخاف ويبشره بما يحبّ حتّى يقف معه بين يدي اللّه عزّ وجلّ، فإذا أمر به إلى الجنّة قال له المثال : أبشر فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد أمر بك إلى الجنّة قال فيقول : من أنت رحمك اللّه تبشرني من حين خرجت من قبري، وانستني في طريقي وخبرتني عن ربي ؟ قال : فيقول : أنا السرور الّذي كنت تدخله على إخوانك في الدُّنيا خُلقْتُ منه لأبشرك وأُونس وحشتك.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال مثله.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطية عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أحبَّ الأعمال إلى اللّه سرور [الّذي ] تدخله على المؤمن، تطرد عنه (2) جوعته، أو تكشف عنه كربته».

12 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أدخل على مؤمن سروراً، خلق اللّه عزّ وجلّ من ذلك السرور خلقاً (3) فيلقاه عند موته فيقول له أبشر يا ولي اللّه بكرامة من اللّه، ورضوان، ثمّ لا يزال معه حتّى يدخله قبره [ يلقاه]، فيقول له مثل ذلك، فإذا بُعِثَ يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثمّ لا يزال معه عند كلّ هول يبشّره ويقول له مثل ذلك، فيقول له : من أنت رحمك اللّه ؟ فيقول : أنا السرور الّذي أدخلته على فلان.

13 - الحسين بن محمّد عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن عبد اللّه ابن سنان قال: كان رجل عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقرأ هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 197


1- الهول : المخافة من الأمر لا يدرى ما هجم عليه منه والجمع : أهوال وهوول، كما في القاموس.
2- كناية عن إشباعه إذا كان جائعاً، أو المبادرة إلى إطعامه قبل أن يصيبه الجوع.
3- الظاهر أنّه المثال الّذي يتقدمه ومر الحديث عنه.

وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (1). قال : فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فما ثواب من أدخل عليه السرور ؟ فقلت : جعلت فداك عشر حسنات (2). فقال : إي واللّه وألف ألف حسنة (3).

14 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن يحيى، عن الوليد بن العلاء عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ومن أدخله على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد وصل ذلك إلى اللّه، وكذلك من أدخل عليه كرباً (4).

15 - عنه، عن إسماعيل بن منصور عن المفضّل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أيّما مسلم لقي مسلما (5) فسره سره اللّه عزّ وجلّ.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أحب الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ، إدخال السرور على المؤمن : إشباع جوعته أو تنفيس كربته (6) أو قضاء دينه.

باب قضاء حاجة المؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ، عن بكار بن كَرْدَم عن المفضّل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : يا مفضل اسمع ما أقول لك، واعلم أنّه الحقُّ وافعله وأخبر به علية (7) إخوانك. قلت، جعلت فداك وما علية إخواني؟ قال : الرّاغبون في قضاء حوائج إخوانهم قال : ثمّ قال : ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى

ص: 198


1- الأحزاب / 58. و (بغير ما اكتسبوا) أي من أن يقترفوا جناية يستحقون بها الإيذاء و (فقد احتملوا) أي فقد فعلوا. و (بهتاناً) أي كذباً على الغير يواجهه به.
2- لعل السائل قد اعتبر أن إدخال السرور على المؤمن حسنة، ومن أتى بحسنة تكتب له عشراً، تطبيقاً لقوله تعالى : (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) الأنعام / 160.
3- قال تعالى : (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 261.
4- أي فقد أدخله على رسول اللّه، ومن أدخله على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد وصل ذلك إلى اللّه أيضاً.
5- أي مؤمناً ولو ظاهراً.
6- أي كشفها.
7- أي وجوههم والمقدمين فيهم.

اللّه عزّ وجلّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة، من ذلك أولها (1) الجنّة، ومن ذلك أن يدخل قرابته و معارفه وإخوانه الجنّة بعد أن لا يكونوا نُصاباً (2)، وكان المفضّل إذا سأل الحاجة أخاً من إخوانه قال له : أما تشتهي أن تكون من علية الإخوان.

2 - عنه، عن محمّد بن زياد قال : حدّثني خالد بن يزيد عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق خلقاً من خلقه، انتجبهم (3) لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنّة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن ثمّ قال : لنا واللّه رب نعبده لا نشرك به شيئاً (4).

3 - عنه، عن محمّد بن زياد عن الحكم بن أيمن عن صدقة الأحدب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قضاء حاجة المؤمن خيرٌ من عتق ألف رقبة، وخيرٌ من حملان (5) ألف فرس في سبيل اللّه.

عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن محمّد بن زياد، مثل الحديثين.

4 - علي، عن أبيه، عن محمّد بن زياد، عن صندل، عن أبي الصباح الكناني قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقَضَاءُ حاجة امرىء مؤمن أحب إلى [اللّه] من عشرين حجة كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف (6).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد - أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن إسماعيل بن عمّار الصيرفي :قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال : نعم، قلت : وكيف ذاك؟ قال : أيما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنّما ذلك رحمة من اللّه ساقها إليه وسبّبها له، فإن قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإن ردَّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها فإنّما ردَّ عن نفسه رحمة من اللّه جلَّ وعزَّ ساقها إليه وسبّبها له، وذخر اللّه عزّ وجلّ تلك الرحمة إلى يوم القيامة، حتّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء

ص: 199


1- أوّلها مبتدأ خبره من ذلك.
2- جمع ناصب وهو المعادي لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) أي أن يكونوا إما مؤمنين على عقيدة الإمامة، أو مستضعفين.
3- أي اختارهم.
4- لعل المراد... إنهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يطلبون حوائجهم إلى أحد سوى اللّه سبحانه وإنهم منزهون عن ذلك الوافي ج 3/ 118. وهنالك وجه آخر هو أن يكون (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ذلك لئلا يزل لغاية محبته ومعرفته بفضائلهم فينتهي حاله إلى الغلو مرآة المجلسي 103/9.
5- الحملان ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة، كما في القاموس
6- أي من الدراهم أو الدنانير إذا أنفقها في غير حوائج المؤمنين.

صرفها إلى نفسه، وإن شاء صرفها إلى غيره يا إسماعيل : فإذا كان يوم القيامة، وهو الحاكم في رحمة من اللّه قد شرعت له (1) فإلى من ترى يصرفها؟ قلت: لا أظن يصرفها عن نفسه، قال : لا تظنّ، ولكن استيقن فإنّه لن يردّها عن نفسه، يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلّط اللّه عليه شُجاعاً (2)، ينهش (3) إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، مغفوراً له أو معذَّباً.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن أيمن، عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من طاف بالبيت أسبوعاً(4) كتب اللّه عزّ وجلّ له ستة آلاف حسنة، ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة. - قال : وزاد فيه إسحاق بن عمّار - وقضى له ستة آلاف حاجة، قال : ثمّ قال : وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتّى عد عشراً.

7 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما قضى مسلم المسلم حاجة إلّا ناداه اللّه تبارك وتعالى : علي ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنّة.

8 - عنه، عن سعدان بن مسلم عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من طاف بهذا البيت طوافاً واحداً كتب اللّه عزّ وجلّ له ستة آلاف حسنة، ومحا عنه ستّة آلاف سيّئة، ورفع اللّه له ستة آلاف درجة (5) حتّى إذا كان عند الملتزم (6)، فتح اللّه له سبعة أبواب من أبواب الجنّة، قلت له : جعلت فداك هذا الفضل كلّه في الطواف؟ قال : نعم وأخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف حتّى بلغ عشراً.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن إبراهيم الخارقي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند اللّه حتّى تقضى له كتب اللّه عزّ وجلّ له بذلك مثل أجر حجة وعمرة مبرورتين، وصوم

ص: 200


1- أي فتح له طريقها، أو هيئت وأعِدَّت.
2- ضرب من الحيات خبيث.
3- أي لسعه، أو عزّه.
4- أي سبعة أشواط.
5- إما من درجات القرب المعنوي، أو من درجات الجنّة.
6- الملتزم : المستجار مقابل باب الكعبة سمّي به لأنه يستحب التزامه وإلصاق البطن به والدعاء عنده وقيل : المراد به الحجر الأسود أو ما بينه وبين الباب أو عند الباب مرآة المجلسي 106/9.

شهرين من أشهر الحُرُم (1)، واعتكافهما في المسجد الحرام ؛ ومن مشى فيها بنية ولم تُقضَ كتب اللّه له بذلك مثل حجّة مبرورة، فارغبوا في الخير.

10 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن أُورمة، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه، عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تنافسوا(2) في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله فإنّ للجنة باباً يقال له : المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، فإنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكل اللّه عزّ وجلّ به مَلَكين : واحداً عن يمينه وآخر عن شماله يستغفران له ربه ويدعوان بقضاء حاجته، ثمّ قال : واللّه لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أسر بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة.

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن خلف بن حماد عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : واللّه لأن أحجّ حجّة أحبُّ إلي من أن أعتق رقبه ورقبة [ورقبة] ومثلها ومثلها حتّى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتّى بلغ السبعين، ولأن أعولَ أهل بيت من المسلمين، أسد جوعتهم وأكسو عورتهم فأكف وجوههم عن النّاس، أحبُّ إليَّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [وحجّة] ومثلها ومثلها حتّى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتّى بلغ السبعين.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي علي صاحب الشعير، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن من عبادي من يتقرب إليّ بالحسنة فأحكمه في الجنّة، فقال موسى : يا ربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته قضيت أو لم تقض (3).

13 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من اللّه تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا (4) وهو موصول بولاية اللّه، وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفوراً له أو معذباً، فإن عذره الطالب (5) كان أسوء حالاً (6).

ص: 201


1- الأشهر الحرم أربعة، واحد منها فرد هو رجب وثلاثة سرد وهي ذو القعدة وذو الحجّة ومحرم، سميت بذلك لتحريم القتال فيها.
2- التنافس الرغبة في الشيء النفيس والانفراد به.
3- هذا مع اجتهاده بالسعي في قضائها كما مر في حديث سابق.
4- أي وجد له العذر ولم يلمه.
5- أي بمحبتنا.
6- هذا يدل على أن حساب القبر وعذابه لا يسقط بإسقاط العبد لسببه باعتبار حقه لأنه حق اللّه وحق اللّه لا يسقطه إلّا عفوه.

14 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتمُّ بها قلبه، فيدخله اللّه تبارك وتعالى بهعه الجنّة

باب السعي في حاجة المؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مشي الرجل في حاجة أخيه المؤمن يُكتبُ له عشر حسنات، ويُمحا عنه عشر سيئات، ويُرفع له عشر درجات، قال : ولا أعلمه (1) إلّا قال : ويعدل عشر رقاب (2)، وأفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام (3).

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه عباداً في الأرض يَسْعَون في حوائج النّاس، هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سروراً فرح(4) اللّه قلبه يوم القيامة.

3 - عنه، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن رجل عن أبي عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من مشى في حاجة أخيه المسلم أظلّه اللّه بخمسة وسبعين ألف ملك(5)، ولم يرفع قدماً إلّا كتب اللّه له حسنة، وحط عنه بها سيئة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته(6) كتب اللّه عزّ وجلّ له بها أجر حاج ومعتمر.

4 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن هارون بن خارجة عن صَدَقَة، عن رجل من أهل حلوان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليَّ من أن أعتق ألف نسمة، وأحمل في سبيل اللّه على ألف فرس. مُسْرَجَة مُلْجَمَة (7).

ص: 202


1- «أي ولا أظنه» مرآة المجلسي 111/9.
2- أي يساوي ثواب عتق عشر رقاب في سبيل اللّه.
3- «استدل به علی جواز كون السنة أفضل من الواجب لأن السعي مستحب غالباً، والاعتكاف يشمل الواجب أيضاً، مع أن المستحب أيضاً ينتهي إلى الواجب في كلّ ثالثة على المشهور» ن. م ص / 111 – 112.
4- أي أدخل السرور عليه يومها. وفي بعض النسخ (فرج) والمعنى واحد.
5- إما بذواتهم إن كان للملائكة أجسام وظلال أو الظل بمعنى الحماية والرعاية.
6- سواء قضيت أو لم تقض بلحاظ روايات تقدمت.
7- أي أجهز ألف فارس بما يحتاجون إليه وأوجههم إلى الجهاد في سبيل اللّه.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ما من مؤمن يمشي لأخيه المؤمن في حاجة، إلّا كتب اللّه عزّ وجلّ له بكل خطوة حسنة، وحط عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة وزيد بعد ذلك عشر حسنات، وشفع في عشر حاجات.

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزَّاز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه اللّه، كتب اللّه عزّ وجلّ له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لأقاربه وجيرانه وإخوانه ومعارفه ومن صنع إليه معروفاً في الدنيا (1)، فإذا كان يوم القيامة قيل له : ادخل النّار (2) فمن وجدته فيها صنع إليك معروفاً في الدنيا فأخرجه بإذن اللّه عزّ وجلّ إلّا أن يكون ناصباً (3).

7 - عنه، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها، فأجرى اللّه على يديه قضاءها، كتب اللّه عزّ وجلّ له حجّة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما، وإن اجتهد فيها ولم يجر اللّه قضاءها على يديه، كتب اللّه عزّ وجلّ له حجّة وعمره.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كفى بالمرء اعتماداً على أخيه أن ينزل به حاجته.

9 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا عن صفوان الجمال قال : كنت جالساً مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له ميمون، فشكا إليه تعذر الكراء (4) عليه. فقال لي : قم فأعن أخاك فقمت معه فيسّر اللّهكراه، فرجعت إلى مجلسي، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما صنعت في حاجة أخيك؟ فقلت : قضاها اللّه - بأبي أنت وأمي فقال : أما إنّك أن تعين أخاك المسلم أحب إلي من طواف أسبوع بالبيت مبتدئاً (5). ثمّ قال: إنّ

ص: 203


1- بشرط ألا يكونوا كفاراً أو من النصاب.
2- «عدم تضرر المؤمن بدخول النّار لأمره تعالى بكونها عليه برداً وسلاماً». مرآة المجلسي 114/9.
3- «وكأن الاختلافات الواردة في الروايات في أجور قضاء حاجة المؤمن محمولة على اختلاف النيات ومراتب الإخلاص فيها، وتفاوت الحاجات في الشدة والسهولة واختلاف ذوي الحاجة في مراتب الحاجة والإيمان والصلاح واختلاف السعاة في الاهتمام وأمثال ذلك» ن. م.
4- الكراء : أجر المستأجر وهو مصدر في الأصل من كاريته وتعذر الكراء عليه : هو حجب مستأجر دوابه (إن كان مكارياً) الأجرة عليه أو تعذر من يكتري دوابه.
5- إما أنّه يعود إلى الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) أي قال ذلك (عَلَيهِ السَّلَامُ) مبتدئاً من دون أن أسأله عن ثواب من قضى حاجة أخيه أو هو على بناء المجهول حال من الطواف أو هو حال من فاعل تعين أي تعين مبتدئاً.

رجلاً أتى الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : بأبي أنت وأمي أعني على قضاء حاجة، فانتعل وقام مع فمرّ على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو قائم يصلّى فقال له: أين كنت عند أبي عبد اللّه تستعينه على حاجتك، قال : قد فعلت - بأبي أنت وأمي - فذكر أنّه معتكف، فقال له : أما إنه لو أعانك (1) كان خيراً له من اعتكافه شهراً.

10 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن أبي جميلة(2)، عن ابن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال اللّه عزّ وجلّ : الخلق عيالي(3)، فأحبَّهم إليَّ ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم.

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي عمّارة (4) قال : كان حمّاد بن أبي حنيفة إذا لقيني قال : كرّر علي حديثك، فأحدثه، قلت : رُوّينا أن عابد بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشاءً في حوائج النّاس عانياً (5) بما يصلحهم.

باب تفريج كرب المؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من أغاث أخاه المؤمن اللّهفان اللّهثان (6) عند جهده، فنفّس كربته، وأعانه على نجاح حاجته، كتب اللّه عزّ وجلّ له بذلك ثنتين وسبعين رحمة من اللّه، يعجّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته، ويدَّخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

ص: 204


1- أي لو لم يكن معكفاً واستعنته فأعانك لكان الخ.
2- واسمه المفضّل بن صالح.
3- كون الخلق عياله سبحانه باعتبار رازقيته لهم وتدبيره لأمورهم.
4- أبو عمّارة - كما يذكر الأردبيلي في جامع الرواة 406/2 - كنية لكل من : قيس بن يعقوب، محمّد بن أحمد، محمّد بن سلیمان بن عمّارة حمزة بن حبیب داود بن سليمان سليمان بن عمرو، محمّد بن ظهير، محمّد بن عثمان بن زيد جعفر بن عمّارة حمزة بن عبد المطلب وزاهر بن الأسود.
5- إما من الاعتناء وهو الاهتمام بالأمر والاشتغال به أو من العناء وهو التعب والمشقة.
6- «اللّهفان: المظلوم المضطر يستغيث واللّهثان : العطشان» الوافي ج 119/3.

قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أعان مؤمناً، نفس اللّه عزّ وجلّ عنه ثلاثاً وسبعين كربة، واحدة في الدُّنيا وثنتين وسبعين كربة عند كربه العظمى» (1)، قال : حيث يتشاغل النّاس بأنفسهم.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم، عن مسمع. أبي سيّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من نفس عن مؤمن كربة نفس اللّه عنه كرب الآخرة وخرج من قبره وهو ثَلِجَ الفؤاد (2). ومن أطعمه من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة. ومن سقاه شربة سقاه اللّه من الرحيق المختوم (3).

4 - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوساء، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من فرَّج عن مؤمن فرج اللّه عن قلبه يوم القيامة.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن ذريح المحاربي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يقول أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة وهو معسر يسر اللّه له حوائجه في الدُّنيا والآخرة. قال : ومن ستر على مؤمن عورة (4) يخافها ستر اللّه عليه سبعين عورة من عورات الدُّنيا والآخرة. قال : واللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير.

باب إطعام المؤمن

1 - محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أشبع مؤمناً وجبت له الجنّة، ومن أشبع كافراً كان حقاً على اللّه أن يملأ جوفه من الزَّقوم (5)، مؤمناً كان (6) أو كافراً.

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابنا، عن أبي

ص: 205


1- أي يوم القيامة.
2- أي بارد القلب مطمئِه.
3- الرحيق المختوم : أي الخمر في أوان مختومة بالمسك بدل الطين أو المراد أطيب الخمر أو أصفاها الخ.
4- العورة : كلّ ما يُستحى منه عرفاً إذا ظهر أو كلّ ما يعيب عرفاً أو عادة.
5- الزقوم كما أخبر اللّه سبحانه، شحرة تنبت في أصل الجحيم، طلعها كأنه رؤوس الشياطين وهي طعام الأثيم. ولا بد من حمل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أطعم كافراً الخ إنه إنما يطعمه لكفره لا لداع رحمة ورأفة وشفقة.
6- أي المطعم.

بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لأن أطعم رجلا من المسلمين أحب إلي من أن أطعم أفقاً من النّاس (1)، قلت : وما الأفق؟ قال : مائة ألف أو يزيدون.

3 - عنه، عن أحمد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان في ملكوت السّماوات (2) : الفردوس وجنة عدن وطوبى [و] شجرة (3) تخرج من جنة عدن، غرسها ربُّنا بیده (4)».

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من رجل يدخل بيته مؤمنين فيطعمهما شبعَهُما إلّا كان ذلك أفضل من عتق نسمة.

5 - عنه، عن أبيه عن حماد، عن إبراهيم، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه اللّه من الرَّحيق المختوم.

6 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أطعم مؤمناً حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الأجر في الآخرة، لا مَلَكُ مقرَّب ولا نبي مرسل إلّا اللّه رب العالمين، ثمّ قال : من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان (5)، ثمّ تلا قول اللّه عزّ وجلّ : (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) (6).

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من سقى مؤمناً شربةً من ماء من حيث يقدر (7) على الماء، أعطاه اللّه

ص: 206


1- الأفق الناحية، والمراد أن أطعم أهل ناحية وتفسيره (عَلَيهِ السَّلَامُ) للأفق بهذا العدد يشير إلى البيان من ناحية القلة، أو لبيان أنّه عدد كثير يقال فيهم مائة ألف أو يزيدون كما ورد فيمن بُعث إليهم يونس (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- الملكوت : هو العز والسلطان. هو إما صفة للجنان جمع جنة، أو متعلق بأطعمه.
3- أي وأطعمه اللّه من شجرة تخرج من جنة عدن الخ.
4- اليد هنا يراد بها الرحمة، أو القدرة.
5- أي الجائع.
6- البلد / 14 - 16، والمسغبة المجاعة. وذا مقربة : أي ذا قرابة ورحم أو مسكيناً ذا متربة : أي الّذي قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة.
7- أي المؤمن الّذي شرب كان قادراً على تحصيل الماء بنفسه.

بكلّ شربة سبعين ألف حسنة، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل».

8 - عدَّة من أصحابنا، عن، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن حسين بن نعيم الصحاف قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتحبُّ إخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال تنفع فقراءهم؟ قلت نعم قال : أما إنّه يحق عليك (1) أن تحب من يحبُّ اللّه، أما واللّه لا تنفع منهم أحداً حتّى تحبّه (2)، أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت : نعم ما آكل إلّا ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقل والأكثر، فقال أبو عبد اللّه : أما إنَّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت : جعلت فداك أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم علي أعظم ؟! قال : نعم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك (3) وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك.

9 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي محمّد الوابشي قال : ذكر أصحابنا عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : ما أتغدى ولا أتعشّى إلّا ومعي منهم الإثنان والثلاثة وأقل وأكثر، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك كيف وأنا أطعمهم طعامي وأنفق عليهم من مالي وأخدمهم عيالي، فقال : إنهم إذا دخلوا عليك دخلوا برزق من اللّه عزّ وجلّ كثير، وإذا خرجوا خرجوا بالمغفرة لك.

10 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن مقرن، عن عبيد اللّه الوصافي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لأن أطعم رجلاً مسلماً أحبُّ إليَّ من أن أعتق أن أعتق أفقاً من النّاس، قلت: وكم الافق ؟ فقال : عشرة آلاف (4).

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أطعم أخاه في اللّه كان له من الأجر مثل من أطعم فئاماً(5) من النّاس، قلت : وما الفئام [من النّاس]؟ قال : مائة ألف من النّاس.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن سدير الصيرفي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما منعك أن تعتق كلّ يوم نسمة؟ قلت : لا يحتمل مالي

ص: 207


1- أي يجب.
2- كان غرضه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن دعوى المحبة بدون النفع كذب وإن كنت صادقاً في دعوى المحبة لا بد أن تنفعهم مرآة المجلسي 127/9.
3- في كثير من الأخبار برزقك ورزق عيالك.
4- لا تنافي بينه وبين ما مضى إذ كان ما مضى إطعام مائة ألف وهنا عتق عشرة آلاف مرآة المجلسي 129/9.
5- الفئام لغة: الجماعة من النّاس. وقد قدرها (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمائة ألف.

ذلك، قال : تطعم كلّ يوم مسلماً، فقلت : موسراً أو معسراً؟ قال : فقال : إنَّ الموسر قد يشتهي الطعام.

13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أكلة (1) يأكلها أخي المسلم عندي أحب إليَّ من أن أعتق رقبة.

14 - عنه، عن إسماعيل بن مهران عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لأن أشبع رجلاً من إخواني، أحبُّ إليَّ من أن أدخل سوقكم هذا فأبتاع منها رأساً(2) فأعتقه.

15 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لأن آخذ خمسة دراهم [و] أدخل إلى سوقكم هذا فأبتاع بها الطعام، وأجمع نفراً من المسلمين أحبُّ إليَّ من أن أعتق نسمة.

16 - عنه، عن الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سُئِلَ محمّد بن عليّ (3) صلوات اللّه عليهما ما يعدل عتق رقبة؟ قال : إطعام رجل مسلم.

17 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل (4) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أرى شيئاً يعدل زيارة المؤمن إلّا إطعامه، وحقٌّ على اللّه أن يطعم من أطعم مؤمناً من طعام الجنّة.

18 - محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبُّ إليَّ من أن أزوره، ولأن أزوره أحبُّ إليَّ من أن أعتق عشر رقاب.

19 - صالح بن عقبة. عن عبد اللّه بن محمّد ويزيد بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أطعم مؤمناً موسراً كان له يعدل رقبة من ولد إسماعيل ينقذه من الذبح، ومن أطعم مؤمناً محتاجاً كان له يعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل ينقذها من الذبح.

ص: 208


1- الأكلة : اللقمة.
2- أي عبداً أو أمة.
3- أي الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- واسمه عبد اللّه بن سعيد بياع الوشى وهو ثقة كما يذكر الأردبيلي في جامع الرواة 392/2.

20 - صالح بن عقبة، عن نصر بن قابوس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لإطعام مؤمن أحبُّ إليَّ من عتق عشر رقاب وعشر حجج، قال : قلت : عشر رقاب وعشر حجج ؟ قال : فقال : يا نصر إن لم تطعموه مات أو تدلّونه (1) فيجيء إلى ناصب فيسأله والموت خير له من مسألة ناصب يا نصر من أحيى مؤمناً فكأنما أحيى النّاس جميعاً، فإن لم تطعموه فقد أمتموه وإن أطعمتموه فقد أحييتموه.

باب مَنْ كَسَا مؤمناً

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقاً على اللّه أن يكسوه من ثياب الجنّة، وأن يهون عليه سكرات الموت (2) وأن يوسع عليه في قبره وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى وهو قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه: (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (3).

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كسا أحداً من فقراء المسلمين ثوباً من عُري أو أعانه بشيء ممّا يقوته (4) من معيشته وكل اللّه عزّ وجلّ به سبعة آلاف ملك من الملائكة، يستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن صفوان عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من كسا أحداً من فقراء المسلمين ثوباً من عُري، أو أعانه بشيء ممّا يقوته من معيشته، وكل اللّه عزّ وجلّ به سبعين ألف ملك من الملائكة يستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصّور».

ص: 209


1- «الحاصل : أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما قال : الموت لازم لعدم الإطعام، كان هنا مظنة للسؤال وهو أنّه يمكن أن يسأل الناصب ولا يموت، فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأنه إن أردتم أن تدلّوه على أن يسأل الناصب فهو لا يسأله لأن الموت خير له من مسئلته فلا بد من أن يموت فإطعامه إحياؤه» مرآة المجلسي 132/9 - 133.
2- أي شدائده.
3- الأنبياء / 103، ويومكم : أي يوم جزائكم على طاعاتكم في الدنيا.
4- أي ممّا يسد رمق الفقير من الأكل. وفي بعض النسخ (يقويّه).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) [قال : ] من كسا مؤمناً كساه اللّه من الثياب الخضر (1) وقال في حديث آخر لا يزال في ضمان اللّه ما دام عليه سلك (2).

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول : من كسا مؤمناً ثوباً من عُري كساه اللّه من إستبرق الجنّة، ومن كسا مؤمناً ثمَّ يأمن غنى لم يزل فى سته من اللّه (3) ما بقي من الثوب خرقة.

باب في الطافِ المؤمن وإكرامه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن هاشم عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبد اله أبي عبد اله (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة (4) كتب اللّه عزّ وجلّ له عشر حسنات ؛ ومن تبسّم في وجه أخيه كانت له حسنة.

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال لأخيه المؤمن : مرحباً، كتب اللّه تعالى له مرحباً إلى يوم القيامة (5).

3 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنّما أكرم اللّه عزّ وجلّ.

4 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن نصر بن إسحاق، عن الحارث ابن النعمان، عن الهيثم بن حمّاد عن أبي داود عن زيد بن أرقم قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما في أمتي عبد ألطف أخاه في اللّه بشيء من لطف إلّا أخدمه اللّه من خدم الجنّة».

5 - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أكرم أخاه

ص: 210


1- إشارة إلى ثياب أهل الجنّة الّتي ذكرها اللّه سبحانه في سورة الإنسان/ 21: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) أي فوقهم ثياب رقيقة من الديباج الأخضر وثياب غليظة من الديباج أيضاً.
2- أي ما دام عليه خيط منه.
3- أي إن اللّه سبحانه يستره من العقوبة أو الذنوب أو الفضيحة في الدنيا والآخرة.
4- القذاة : جمع قذى، وهو ما يقع في العين أو الشراب من وسخ وغيره. وقد مر حديث بهذا المعنى ويأتي آخر أيضاً.
5- أي ثواب ذلك متصلا إلى يوم القيامة.

المسلم بكلمة يلطفه بها، وفرّج عنه كربته، لم يزل في ظلّ اللّه الممدود (1) عليه الرحمة(2) ما كان في ذلك».

6 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز عن جميل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إنّ ممّا خص اللّه عزّ وجلّ به المؤمن، أن يعرفه بر إخوانه وإن قل؛ وليس البرُّ بالكثرة وذلك أنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ثمَّ قال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (3). ومن عرفه اللّه عزّ وجلّ بذلك أحبه اللّه ومن أحبه اللّه تبارك وتعالى وفاه أجره يوم القيامة بغير حساب، ثمّ قال: يا جميل ارو هذا الحديث لإخوانك، فإنّه ترغيب في البرّ.

7 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن المفضّل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ المؤمن ليتحف أخاه التحفة قلت وأيُّ شيء التحفة؟ قال: من مجلس ومتكا وطعام وكسوة وسلام، فَتَطاوَلُ الجنّة (4) مكافأة له، ويوحي اللّه عزّ وجلّ إليها : أنّي قد حرمت طعامك على أهل الدنيا إلّا على نبي أو وصي نبيّ، فإذا كان يوم القيامة أوحى اللّه عزّ وجلّ إليها : أن كافيء أوليائي بتُحَفهم، فيخرج منها وصفاء ووصائف (5) معهم أطباق مغطاة بمناديل من لؤلؤ، فإذا نظروا إلى جهنّم وهَوْلِها. وإلى الجنّة وما فيها طارت عقولهم، وامتنعوا أن يأكلوا، فينادي مناد من تحت العرش : أنَّ اللّه عزّ وجلّ قد حرّم جهنّم على من أكل من طعام جنّته، فيمد القوم أيديهم فيأكلون.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة (6).

9 - الحسين بن محمّد ؛ ومحمّد بن يحيى، جميعاً، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن أسلم عن محمّد بن عليّ بن عدي قال أملأ علي محمّد بن سليمان، عن

ص: 211


1- أي المبسوط المتصل.
2- أي تنزل عليه الرحمة.
3- الحشر / 9، والإيثار : تقديم الغير على النفس في العطاء وغيره. والخصاصة : الحاجة والفاقة، والشح : البخل. وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وليس البر بالكثرة : أي أن البر لا يتوقف على كثرة المال بل ينبغي للمقل أيضاً أن يبر إخوانه.
4- «أي تمتد وترتفع الإرادة مكافأته وإطعامه في الدنيا عجالة. وقيل : استعارة تمثيلية لبيان شدة استحقاقه لذلك» مرآة المجلسي 139/9.
5- أي بخدم وخادمات.
6- مبالغة في ارتكاب الكبائر، لأن المبالغة عند العرب إلى السبعين - كما قيل -.

إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أحْسِنُ يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت، فما أحْسَنَ مؤمن إلى مؤمن ولا أعانه إلّا خَمَش (1) وجه إبليس وقرَّح قلبه (2).

باب في خدمته

باب في خدمته (3)

1 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن إسماعيل بن أبان عن صالح بن أبي الأسود رفعه عن أبي المعتمر قال: سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين، إلّا أعطاه اللّه مثل عددهم خداماً في الجنّة».

باب نصيحة المؤمن

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن أبان، - عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه (4).

2 - عنه عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب (5).

3 - ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة.

4 - ابن محبوب، عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لينصح الرّجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه».

ص: 212


1- أي خدشه ولطمه.
2- كناية عن شدة غمه وهمه.
3- أي خدمة المؤمن.
4- يناصحه : من نصحه ينصحه ويناصحه نصحاً ونصاحة، والاسم نصيحة : وهي كلّ فعل أو قول يقصد بهما الخير للمنصوح من دون أن يخالطه غش أو خداع أو مصلحة شخصية.
5- أي في حضوره وغيبته.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ أعظم النّاس منزلة عند اللّه يوم القيامة أمشاهم في أرضه (1) بالنصيحة لخلقه».

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عليكم بالنصح اللّه في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه (2).

باب الإصلاح بين النّاس

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حماد بن أبي طلحة، عن حبيب الأحول قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : صدقة يحبها اللّه : إصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا (3)، وتقارب (4) بينهم إذا تباعدوا.

عنه، عن محمّد بن سنان عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مثله.

2 - عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لأن أصلح بين اثنين أحبُّ، من أن أتصدق بدينارين.

3 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان عن مفضّل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.

4 - ابن سنان، عن أبي حنيفة سابق الحاجّ (5) قال : مرَّ بنا المفضّل وأنا وختني (6) نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا : تعالوا إلى المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده، حتّى إذا استوثق كلّ واحد منا من صاحبه، قال : أما إنّها ليست من مالي

ص: 213


1- «المراد إما المشي حقيقة أو كناية عن شدة الاهتمام» مرآة المجلسي 143/9.
2- وقد مر بعض الأخبار في النصيحة في باب الاهتمام بأمور المسلمين ويأتي بعضها في باب المعاشرات إنشاء اللّه.
3- أي فدت علاقة بعضهم ببعض.
4- أي سعي في تقاربهم.
5- «أبو حنيفة، اسمه سعيد بن بيان وإنما لقب بذلك (سابق الحاج) لأنه كان يتأخر عن الحجّ ثمّ يعجل ببقية الحاج من الكوفة ويوصلهم إلى عرفة في تسعة أيام أو في أربعة عشر يوماً»... مرآة المجلسي 145/9.
6- الختن صهر الرجل من ابنته أو أخته.

ولكن أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله (1)، فهذا من مال أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المصلح ليس بكاذب (2).

6 - عليٌّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) (3) قال : إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل عليَّ يمين ألا أفعل.

7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن محبوب، عن معاوية ابن وهب أو (4) معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أبلغ عني كذا وكذا - في أشياء أمر بها - قلت : فأبلغهم عنك وأقول عني ما قلت لي وغير الّذي قلت؟ قال : نعم إن المصلح ليس بكذاب [إنّما هو الصلح ليس بكذب].

باب في إحياء المؤمن

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : قول اللّه عزّ وجلّ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ * فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (5)؟ قال: من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها. (6)

2 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن فضيل بن يسار قال : قلت لأبي

ص: 214


1- الافتداء بالمال هنا مجازي. والعلاقة المجوزة أنّه كما كانت الدية المالية يدفع بها الدم كذلك المال هنا تدفع به المنازعة.
2- أي إذا نقل المصلح كلاماً من أحد الجانبين إلى الآخر لم يقله وعلم رضاه به أو ذكر فعلا لم يفعله للإصلاح، ليس من الكذب المحرم بل هو حسن مرآة المجلسي 146/9.
3- البقرة/ 224 و (عُرضة) أي حجة وتعلَّةٌ.
4- الترديد من الراوي.
5- الآية في سورة المائدة/ 32 هكذا : «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض... الآية».
6- أوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) القتل المادي بالضلال والإحياء المادي بالهداية.

جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ؟ قال : من حَرْق أو غَرَق قلت فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال : ذاك تأويلها الأعظم (1).

محمّد بن يحيى، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان مثله.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أبي خالد القماط عن حمران قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسألك؟ - أصلحك اللّه - فقال : نعم فقلت كنت على حال وأنا اليوم على حال أخرى، كنت أدخل الأرض فأدعو الرّجل والاثنين والمرأة فينقذ اللّه من شاء(2)، وأنا اليوم لا أدعو أحداً(3) ؟ فقال : وما عليك (4) أن تخلّي بين النّاس وبين ربّهم(5) فمن أراد اللّه أن يخرجه من ظلمة إلى نور أخرجه، ثمّ قال : ولا عليك (6) إن آنست من أحد خيراً أن تنبذ إليه الشيء نبذا(7) قلت : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). قال : من حَرْق أو غَرَق، ثمّ سكت، ثمّ قال : تأويلها الأعظم أن : دعاها فاستجابت له.

باب في الدعاء للأهل إلى الإيمان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن بن عيسى، عن عليّ بن النعمان عن عبد اللّه بن مسكان، عن سلیمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن لي أهل بيت وهم يسمعون منّي (8) أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال: نعم، إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (9).

ص: 215


1- أي ذلك بطن من بطون الآية.
2- أي بهدايته إلى المذهب الحق بدعوتي.
3- وكأنه لنهيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) له عن أن يجهر بدعوته النّاس إلى المذهب الحق تقية.
4- أي لا بأس عليك، أو أي ضرر عليك.
5- أي أن تتركهم اللّه، فمن كان أهلا للهداية هداه.
6- أي من بأس.
7- أي أن تطرح إليه شيئاً من براهين المذهب الحق ممّا يؤدي به إلى الهدى ولكن أطرحه عليه بيسر ورفق.
8- أي يقبلون قولي ويطيعونني.
9- التحريم / 6. و (قوا) فعل أمر من الوقاية وهي المنع والحفظ، ووقاية الأهل إنما تكون بتعليمهم ما يحفظهم من دخول النّار فيكون المراد بالتعليم تعليمهم أمور دينهم ليفعلوا الطاعات ويجتنبوا المعاصي.

باب في ترك دعاء النّاس

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن كليب بن معاوية الصيداوي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إياكم والناس (1)، إنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة فتركه وهو يجول لذلك ويطلبه، ثمّ قال : لو أنكم إذا كلّمتم النّاس قلتم : ذهبنا حيث ذهب اللّه (2) واخترنا من اختار اللّه واختار اللّه محمّداً واخترنا آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

2 - محمّد بن يحيى بن يحيى،، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السرّاج عن ابن مسكان عن ثابت أبي سعيد قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ثابت مالكم وللناس كفّوا عن النّاس ولا تدعوا أحداً إلى أمركم فواللّه لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض اجتمعوا على أن يضلوا عبداً يريد اللّه هداه ما استطاعوا، كفّوا عن النّاس ولا يقول أحدكم : أخي وابن عمّي وجاري، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً طيب روحه، فلا يسمع بمعروف إلّا عرفه ولا بمنكر إلّا أنكره، ثمّ يقذف اللّه في قلبه كلمة يجمع بها أمره (3).

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن محمّد بن مروان عن الفضيل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ندعوا النّاس إلى هذا الأمر؟ فقال : يا فضيل إن اللّه إذا أراد بعبد خيراً أمر ملكاً فأخذ بعنة حتّى أدخله في هذا الأمر طائعاً أو كارها(4).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اجعلوا أمركم هذا اللّه ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان اللّه فهو اللّه وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء ولا تخاصموا بدينكم النّاس فإن المخاصمة ممرضة للقلب إنَّ اللّه عزّ وجلّ قال لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : (إنّك لا تهدي من أحببت ولكنَّ اللّه يهدي من يشاء) وقال : (أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين) ذروا النّاس فإنَّ النّاس أخذوا عن النّاس وإنّكم أخذتم عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولا سواء ؛ وإنني سمعت أبي يقول : إذا كتب اللّه على

ص: 216


1- أي احذروا أن تدعوهم إلى المذهب الحق في زمن تكون وظيفتكم هي التقية.
2- أي حيث أمر اللّه باختيار من رضي بأن يكون إماماً وهادياً إليه وهم محمّد وأهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
3- مر هذا الحديث بنفس السند (مع تغيير طفيف) وبنفس المتن تقريباً (مع تقديم وتأخير فيه) في باب الهداية أمنها من اللّه عزّ وجلّ ورقمه (1)، وعلقنا عليه.
4- أيضاً مر هذا الحديث بسنده وألفاظه في نفس الباب المشار إليه أعلاه ورقمه (4) وعلقنا عليه هناك.

عبد أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (1).

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق قوماً للحق (2) فإذا مرَّ بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه، وإذا مرَّ بهم الباب من الباطل أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه، وخلق قوماً لغير ذلك فإذا مرَّ بهم الباب من الحق أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه، وإذا مر بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه (3).

6 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها سمعه وقلبه حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم وإذا أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء، فأظلم لها سمعه وقلبه، ثمّ تلا هذه الآية (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)(4).

7 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكاً يسدّده وإذا أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضلّه (5).

باب أن اللّه إنما يعطى الدين مَن يُحبه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران، عن عمر بن حنظلة قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا الصخر، إنَّ اللّه

ص: 217


1- أيضاً هذا الحديث بسنده ومتنه مع تغيير طفيف في بعض الفاظه مر في الباب المذكور في سابقيه تحت رقم (3) وعلقنا عليه هناك فراجع.
2- اللام للعاقبة، أي خلقهم سبحانه وهو يعلم أن عاقبة أمرهم تؤول إلى الدين الحق.
3- وقد أشار الحديث إلى أن السعي لا مدخل له كثيراً في الهداية وإنما هو لتحصيل الثواب فلا ينبغي فعله في موضع التقية لعدم ترتب الثواب عليه مرآة المجلسي 157/9.
4- مر مضمون هذا الحديث بألفاظ متطابقة في بعضه ومختلفة في بعضه الآخر، وبسند متطابق في بعض رواته عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً وذلك في باب أن الهداية من اللّه عزّ وجلّ ورقمه (2) وعلقنا عليه هناك.
5- هذا هو صدر الحديث المذكور تحت رقم (2) من الباب المنوّه عنه قبله وقد علقنا عليه هناك فراجع.

يعطي الدنيا من يحبُّ ويبغض (1)، ولا يعطي هذا الأمر (2) إلّا صفوته من خلقه (3)، وأنتم واللّه على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل (4)، لا أعني عليّ بن الحسين ولا محمّد بن عليّ وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء.

2 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوساء، عن عاصم ابن حميد، عن مالك بن أعين الجهني قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يا مالك إن اللّه يعطي الدنيا من يحبُّ ويبغض ولا يعطي دينه إلّا من يحبّ.

3 - عنه، عن معلّى عن الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن عمر ابن حنظلة، وعن حمزة بن حمران، عن حمران، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن هذه الدُّنيا يعطيها اللّه البرَّ والفاجر ولا يعطي الإيمان إلّا صفوته (5) من خلقه.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن أبي سليمان عن میسر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الدّنيا يعطيها اللّه عزّ وجلّ من أحبّ ومن أبغض وإنّ الإيمان لا يعطيه إلّا من أحبه (6).

باب سلامة الدين

باب سلامة الدين (7)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) (8) فقال : أما لقد بسطوا عليه (9) وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه (10) في دينه.

ص: 218


1- أي من يحبه اللّه ومن يبغضه اللّه.
2- أي الهداية إلى مذهب الحق.
3- أي من اجتباه واختاره وفضّله منهم.
4- أي فيما يتعلق بالأصول المشتركة للرسالات السماوية والّتي جاء كلّ نبيّ بها.
5- صفوة الشيء : خالصه.
6- الضمير راجع إليه سبحانه.
7- «أي المقصد الأقصى الّذي ينبغي أن يكون مطلوب العاقل هو سلامة الدين لا السلامة في الدنيا من آفاتها» مرآة المجلسي 161/9.
8- غافر / 45، والضمير في (فوقاه) يرجع إلى مؤمن آل فرعون حيث عصمه اللّه من فرعون وملئه.
9- أي أيديهم، أو سلطوا عليه.
10- أي أن يدخلوا عليه الضلال والكفر في دينه الّذي هو ما جاء به موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذلك الوقت.

عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن أبي جميلة (1) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان في وصيّة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه : اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار (2) ونور الليل المظلم (3) على ما كان من جهد وفاقة، فإذا حضرت بليّةٌ (4) فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة (5) فاجعلوا أنفسكم دون دينكم ؛ واعلموا أن الهالك من هلك دينه والحريب (6) من حُرِبَ دينه، ألا وإنه لا فقر بعد الجنّة، ألا وإنه لا غنى بعد النّار، لا يُفَكُ أسيرها ولا يَبْرَءُ ضريرها.

3 - علي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : سلامة الدّين (7) وصحة البدن خير من المال، والمال زينة من زينة الدنيا حسنة.

محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد عن ربعي، عن الفضيل، عن، أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مثله.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن فضّال، عن يونس ابن يعقوب، عن بعض أصحابه قال: كان رجل يدخل على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أصحابه فغير زماناً (8) لا يحج، فدخل عليه بعض معارفه (9)، فقال له : فلان ما فعل؟ قال : فجعل يضجع الكلام (10) يظنُّ أنّه إنما يعني الميسرة والدنيا، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف دينه؟ فقال: كما تحبُّ، فقال هو واللّه الغنى.

باب النقية

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وغيره عن أبي

ص: 219


1- واسمه المفضّل بن صالح.
2- كناية عن الباطل والحق.
3- كناية عن شدة الفتن وتعاظمها.
4- ما يمكن تجنب شره بدفع المال.
5- ما لا يمكن تجنب شره إلّا ببذل النفس.
6- الحريب : مَن سُلب ماله منه.
7- أي خلوصه عن كلّ ما يتنافى معه من الشرك والكفر والشك وغيره من الانحرافات العقائدية أو العملية.
8- أي مكث وذهب ضد - كما في القاموس - وفي بعض النسخ: (فصبر).
9- أي بعض معارف ذلك الرجل الّذي انقطع عن الحج.
10- «أي يخفضه أو يقصر ولا يصرّح بالمقصود ويشير إلى سوء حاله لئلا يغتم الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك» مرآة المجلسي 9 / 164.

عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) قال: بما صبروا على التقيّة (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) (1) قال : الحسنة التقيّة والسيئة الإذاعة (2).

2 - ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقيّة (3) ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كلّ شيء إلّا في النبيذ والمسح على الخفين (4).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التقية من دين اللّه. قلت من دين اللّه ؟ قال : إي واللّه من دين اللّه، ولقد قال يوسف : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) (5) واللّه ما كانوا سرقوا شيئاً. ولقد قال إبراهيم : (إني سقيم) (6) واللّه ما كان سقيماً (7).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد؛ والحسين بن سعيد جميعاً، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن حسين بن أبي العلاء، عن حبيب بن بشر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سمعت أبي يقول : لا واللّه ما على وجه الأرض شيء أحب إلي من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقيّة رفعه اللّه، يا حبيب من لم تكن له تقيّة وضعه اللّه يا حبيب إن النّاس إنّما هم في هدنة (8) فلو كان ذلك كان هذا(9)،

5 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن العباس بن عامر، عن جابر المكفوف، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اتقوا على دينكم فاحجبوه

ص: 220


1- القصص / 54. على ما في الخبر كأنها منزلة على جماعة من مؤمني أهل الكتاب آمنوا بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) باطناً وأخفوا إيمانهم عن قومهم تقية فآتاهم أجرهم مرتين لإيمانهم (مرة ومرة للعمل بالتقية مرآة المجلسي 166/9.
2- الإذاعة : الإشاعة.
3- لعل المعنى أن لمن يعمل بالتقية في مواردها تسعة أضعاف ثواب من لم يعمل بها في تلك الموارد.
4- لعله لعدم الحاجة الماسة للوضوء بالنبيذ والمسح على الخفين، بل العمل بهما نادر وذلك لوجود المندوحة غالباً.
5- يوسف / 70 والاستشهاد بالآية لبيان جواز التقية حتّى ممّن هم في منزلة يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الدنيا والآخرة.
6- الصافات / 89.
7- وقوله (إني سقيم) وما كان سقيماً تقية أو لمصلحة معينة أخفاها عن قومه وهي انفراده للقيام بعملية تحطيم الأصنام. أو نورية منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيث قصد أنّه سقيم القلب لشركهم وفهموا أنّه سقيم الجسم.
8- «يعني أن مخالفينا اليوم في هدنة وصلح ومسالمة معنا لا يريدون قتالنا والحرب معنا ولهذا نعمل معهم بالتقية» الوافي ج 122/3.
9- «يعني لو كان في زمن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً الهدنة لكانت التقية فإن التقية واجبة ما أمكنت...» ن. م.

بالتقية، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّما أنتم في النّاس كالنحل في الطير، لو أنّ الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلّا أكلته، ولو أنَّ النّاس (1) علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم، ولنحلوكم (2) في السر والعلانية، رحم اللّه عبداً منكم كان على ولايتنا.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (3) قال : الحسنة : التقية والسيّئة : الإذاعة، وقوله عزّ وجلّ : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السيئة) (4) قال : الّتي هي أحسن التقيّة، (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (5).

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي عمرو الكناني قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عمرو أرأيتك لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك، أو أفتيتك بخلاف ذلك، بأيهما كنت تأخذ؟ قلت بأحدثهما وأدع الآخر، فقال : قد أصبت يا أبا عمرو، أبى اللّه إلّا أن يعبد سراً (6)، أما واللّه لئن فعلتم ذلك إنه [ل- ] خير لي ولكم، [و] أبى اللّه عزّ وجلّ لنا ولكم في دينه إلّا التقية.

8 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن دُرُست الواسطي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما بلغت تقيّة أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد ويشدون الزنانير (7)، فأعطاهم اللّه أجرهم مرَّتين.

9 - عنه، عن أحمد محمّد، عن بن عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن حماد بن واقد اللحام قال : استقبلت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في طريق فأعرضت عنه بوجهي ومضيت، فدخلت عليه

ص: 221


1- يعني المخالفين منهم.
2- أي سبوكم وشتموكم. وفي بعض النسخ (لنجلوكم) أي ضربوكم بمقدم ارجلهم كناية عن احتقارهم لهم وإذلالهم.
3- فصّلت/ 34.
4- فصّلت/ 34 أيضاً، ولكن كلمة (السيئة) هنا من كلام الإمام تفسيراً وليست من الآية.
5- فصّلت / 34.
6- «أي في دولة الباطل، والعبادة في السر هي الاعتقاد بالحقّ قلباً، أو العمل بالحكم الأصلي سراً وإظهار خلاف كلّ منهما علانية» مرآة المجلسي 172/9.
7- وهي قطعة قماش أو جلد كان يشدها النصراني أو المجوسي على وسطه وكأنها علامة يُعرف بها.

بعد ذلك، فقلت : جعلت فداك إنّي لألقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشقّ عليك(1)، فقال لي : رحمك اللّه، ولكن رجلاً لقيني أمس في موضع كذا وكذا فقال : عليك السلام يا أبا عبد اللّه، ما أحسن ولا أجمل (2).

10 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : قيل لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ النّاس يروون أنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال على منبر الكوفة : أيّها النّاس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرؤوا مني، فقال : ما أكثر ما يكذب النّاس على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثمّ ستدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمّد ؛ ولم يقل : لا تبرؤوا مني. فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : واللّه ما ذلك عليه (3)، وماله إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) (4). فقال له النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عندها يا عمّار : إن عادوا فعد(5)، فقد أنزل اللّه عزّ وجلّ عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام الكندي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إياكم أن تعملوا عملاً يعيرونا(6) به، فإنَّ ولد السوء يعير والده بعمله كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيئاً، صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم واللّه ما عبد اللّه شيء أحب إليه من الخبء، قلت : وما الخبء؟ قال : التقيّة.

12 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن القيام (7) للولاة، فقال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له.

13 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد، عن ربعي عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : التقية في كلّ ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به (8).

14 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب عن جميل بن صالح، عن محمّد بن مروان

ص: 222


1- شق الأمر: أي صعب.
2- أي لم يحسن حيث فعل خلاف التقية بالسلام عليّ ولا فعل الجميل بذلك.
3- أي لم يفرض ذلك عليه.
4- النحل/ 106.
5- أي إن عاد المشركون لإكراهك على النطق بكلمة الكفر فانطق بها ثانية وثالثة.
6- يعني المخالفين.
7- كناية عن تعظيمهم وإظهار الخضوع لهم.
8- لأن علم الإنسان بنفسه ضروري كما قيل.

عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: [كان] أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : وأيُّ شيء أقر لعيني من التقية، إنَّ التقيّة جنّة المؤمن (1).

15 - عليُّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمّد بن مروان قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما مُنِعَ ميثم رحمه اللّه من التقية(2)، فواللّه لقد علم أنَّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).

16 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن شعيب الحدّاد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنما جعلت (3) التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقيّة (4).

17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن ابن بكير، عن محمّد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّما تقارب هذا الأمر (5) كان أشدَّ للتقيّة.

18 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سام ومحمّد بن مسلم وزرارة قالوا سمعنا أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : التقيّة في كلّ شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.

19 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن حريز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : التقية تُرس اللّه بينه وبين خلقه (6).

20 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد حمزة عن الحسين بن الحسين بن المختار عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خالطوهم بالبرانية وخالفوهم بالجوّانية (7) إذا كانت الإمرة صبيانيّة (8).

ص: 223


1- أي واقية له من شر المخالفين وضررهم.
2- هذا الكلام منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إشفاقي، أي لِمَ لم يتق ميثم مع أنّه لم يكن ممنوعاً منها ولا كان جاهلاً بها. وميثم هو ميثم التمار من خلّص أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- أي شرعت وفُرضت.
4- أي لو استوجبت التقية الولوغ في دم محقون الدم كما لو أمره الجائر أن يقتل إنساناً محرم القتل أو يقتله فعندئذ لا يجوز له قتل ذلك الإنسان حتّى ولو أدى عصيانه إلى قتله هو.
5- أني أمر قيام الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
6- «أي ترس يمنع الخلق من عذاب اللّه، أو من البلايا النازلة من عنده» مرآة المجلسي 184/9.
7- «أصل البراني من اكبر والجواني من جو البيت أي من داخله والألف والنون فيهما من زيادات النسب... يعني (عَلَيهِ السَّلَامُ): خالطوا النّاس بالعلانية والظاهر وخالفوهم في السر والباطن» الوافي ج 123/3.
8- أي إذا كانت الإمارة والحكم بيد الصبيان والسفهاء.

21 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن زكريا المؤمن، عن عبد اللّه ابن أسد، عن عبد اللّه بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما: ابرئا من أمير المؤمنين فبرى واحد منهما وأبى الآخر، فخلي سبيل الّذي برىء وقتل الآخر؟ فقال : أما الّذي برىء فرجل فقيه في دينه، وأما الّذي لم يبرء فرجل تعجّل إلى الجنّة.

22 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : احذروا عواقب العثرات(1).

23 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ ابن النعمان عن ابن مسكان عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : التقيّة تُرس المؤمن، والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقيّة له(2)، إنَّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين اللّه (3) عزّ وجلّ به فيما بينه وبينه، فيكون له عزّاً في الدُّنيا ونوراً الآخرة، وإن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه (4) فيكون له ذلاً في الدُّنيا وينزع اللّه عزّ وجلّ ذلك النور منه.

باب الكتمان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وددتُ واللّه أنّي افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي : النزق (5) وقلّة الكتمان.

2 - عنه عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن أبي أسامة زيد الشحام قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمر النّاس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما (6)

ص: 224


1- «يعني : كلما تقولونه أو تفعلونه فانظروا أولاً في عاقبته وماله ثمّ قولوه أو افعلوه فإن العثرة قلما تفارق القول أو الفعل ولا سيما إذا كثرا. أو المراد أنّه كلما عثرتم عثرة في قول أو فعل فاشتغلوا بإصلاحها وتداركها كيلا يؤدي في العاقبة إلى فساد لا يقبل الإصلاح» الوافي ج 123/3.
2- أي يترك التقية في موردها مع العلم بوجوبها وحرمة تركها.
3- أي يتعبد اللّه به.
4- أي يشيعه مخالفا لأوامر العمل بالتقية الّتي تحتم عليه أن يكتمه.
5- النزق : الطيش والخفة عند الغضب.
6- أي فَغَدَوا بسبب تضييعهما وليس عندهم شيء منهما.

على غير شيء : الصبر والكتمان.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن يونس بن عمّار، عن سليمان ابن خالد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سليمان إنّكم على دين من كتمه أعزه اللّه ومن أذاعه أذله اللّه.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير عن رجل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخلنا عليه جماعةً (1)، فقلنا: يا ابن رسول اللّه إنا نريد (2) العراق فأوصنا، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليقو شديدكم ضعيفكم وليعد غنيكم على فقيركم، ولا تبوا سرنا (3) ولا تُذيعوا أمرنا، وإذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب اللّه فخذوا به وإلا فقفوا عنده (4)، ثمّ ردُّوه إلينا حتّى يستبين لكم واعلموا أن المنتظر لهذا الأمر (5) له مثل أجر الصائم القائم، ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيداً ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً.

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن عبد الأعلى قال : سمعت أبا،، عبد اللّه يقول : إنه ليس من احتمال أمرنا التصديق له (6) والقبول فقطُّ (7)، من احتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله، فأقرئهم السّلام وقل لهم : رحم اللّه عبداً اجتر (8) مودة النّاس إلى نفسه، حدثوهم بما يعرفون، واستروا عنهم ما ينكرون، ثمّ قال: واللّه ما الناصب لنا حرباً بأشدّ علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره، فإذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه وردُّوه عنها، فإن قبل منكم وإلا فتحمّلوا عليه بمن يثقل عليه ويسمع منه (9)، فإنَّ الرّجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتّى تقضى له، فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم، فإن هو قبل منكم وإلا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم ولا تقولوا : إنه يقول ويقول، فإن ذلك يحمل عليَّ وعليكم أما

ص: 225


1- أي حالة كوننا مجتمعين.
2- أي نقصد التوجه إلى العراق.
3- أي الإحكام الّتي تفرّدوا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بها عن المخالفين لهم.
4- أي توقفوا عن العمل به وعن طرحه أيضاً وردّه إليهم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- أي أمر قيام قائمهم (عَلَيهِم السَّلَامُ).
6- أي الإقرار القلبي بمضمونه.
7- أي العمل به أو مجرد الإقرار باللسان به.
8- أي اجتذب. وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدثوهم توجيه وبيان لأسلوب اجتذاب مودة المخالفين.
9- «أي تكلّفوا أن تحملوا عليه ثقيلاً لا مفر له إلّا أن يسمع منه» الوافي ج 124/3.

واللّه لو كنتم تقولون ما أقول لأقررت أنكم أصحابي، هذا أبو حنيفة له أصحاب، وهذا الحسن البصري له أصحاب وأنا امرؤ من قريش قد ولدني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وعلمت كتاب اللّه وفيه تبيان كلّ شيء، بدؤ الخلق وأمر السماء وأمر الأرض وأمر الأولين وأمر الآخرين، وأمر ما كان وأمر ما يكون، كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني.

6 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن الربيع بن محمّد المسلّي، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : ما زال سرنا مكتوماً حتّى صار في يد [ي] ولد كيسان (1) فتحدَّثوا به في الطريق وقرى السواد (2).

7 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : واللّه إن أحب أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإنَّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم (3) للّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ویروى عنا فلم يقبله، إشماز منه (4) وجحده، وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا.

8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن عبد اللّه بن يحيى، عن حريز، عن معلى بن خنيس قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا معلى اكتم أمرنا ولا تُذعه، فإنّه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزّه اللّه به في الدُّنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنّة، يا معلى من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله اللّه به في الدُّنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النّار يا معلّى إنّ التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له، يا معلّى إِنَّ اللّه يحبُّ أن يعبد في السرّ كما يحبُّ أن يعبد في العلانية؛ يا معلى إنَّ المذيع لأمرنا كالجاحد له (5).

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن مروان بن مسلم، عن عمّار قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرت بما أخبرتك به أحداً؟ قلت: لا إلّا

ص: 226


1- «كيسان لقب مختار بن أبي عبيدة الّذي طلب بثأر أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنسوب إليه الكيسانية» ن. م.
2- أي قري سواد والعراق، أو سواد الكوفة.
3- أي أبغضهم.
4- أي تقبض ونفرت نفسه منه.
5- «كأنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يخاف على معلى القتل لما يرى من حرصه على الإذاعة ولذلك أكثر من نصيحته بذلك ومع ذلك لم تنجع نصيحته فيه وإنه قد قتل بسبب ذلك» الوافي ج 124/3.

سليمان بن خالد قال : أحسنت أما سمعت قول الشاعر:

فلا يَعْدوَنْ سرّي وسرك ثالثاً***الا كلّ سر جاوز اثنين شائع (1)

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن الرضا عن مسألة فأبي وأمسك، ثمّ قال : لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شراً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر (2)، قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ولاية اللّه أسرّها إلى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسرها جبرئيل إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأسرها محمّد إلى عليّ وأسرَّها عليُّ إلى من شاء اللّه، ثمّ أنتم تذيعون ذلك، من الّذي أمسك حرفاً سمعه (3)؟ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : في حكمة آل داود(4): ينبغي للمسلم أن يكون مالكاً لنفسه، مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتقوا اللّه ولا تذيعوا حديثنا، فلولا أن اللّه يدافع عن أوليائه (5) وينتقم لأوليائه من أعدائه، أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك وما انتقم اللّه لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد كان بنو الأشعث على خطر عظيم، فدفع اللّه عنهم بولايتهم لأبي الحسن (6)، وأنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة، وما أمهل اللّه لهم فعليكم بتقوى اللّه ؛ ولا تغرنّكم [الحياة] الدُّنيا، ولا تغتروا بمن قد أمهل له، فكأنَّ الأمر قد وصل إليكم.

11 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوساء، عن عمر بن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) طوبى لعبد نُومَة (7)، عرفه اللّه ولم يعرفه النّاس، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم، ينجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة، ليسوا بالمذابيع البذر (8)، ولا بالجفاة المرائين.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الأصبهاني، عن

ص: 227


1- «وكأن الاستشهاد للأشعار بأن هذا ممّا يحكم العقل الصريح بقبحه ولا يحتاج إلى السماع عن صاحب الشرع» مرآة المجلسي 192/9
2- أي الإمام المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- الاستفهام إنكاري، أي لا يوجد أحد من أهل هذا الزمان يسمع حديثاً ثمّ يكتمه بل ينشره بشكل أو بآخر، وهذه هي العلة في تحفّظنا وتحرّجنا من التحدث إليهم في شؤون الإمامة.
4- أي الزبور، أو الأعم منه.
5- «الفاء للبناء، وجزاء الشرط محذوف أي لانقطعت سلسلة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وشيعتهم بترككم للتقية» مرآة المجلسي 193/9.
6- أي الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7- أي الحامل الذكر.
8- أي الّذين يلقون الكلام على عواهنه ولا يكتمون بل يفشون كلّ ما يسمعون.

أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : طوبى لكلّ عبد نومة لا يؤبه له، يعرف النّاس ولا يعرفه النّاس يعرفه اللّه منه (1) برضوان، أولئك مصابيح الهدى ينجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة، ويفتح لهم باب كلّ رحمة، ليسوا بالبذر المذاييع ولا الجفاة المرائين وقال : قولوا الخير تُعرفوا به واعملوا الخير تكونوا من أهله ولا تكونوا عُجُلًا (2) مذاييع، فإنّ خياركم الّذين إذا نظر إليهم ذُكر اللّه، وشراركم المشّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، المبتغون للبراء (3) المعايب.

13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عمّن أخبره قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كفّوا ألسنتكم والزموا بيوتكم، فإنّه لا يصيبكم أمر (4) تخصون به أبداً ولا تزال الزيدية لكم وقاء أبداً (5).

14 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن صلوات اللّه عليه قال : إن كان في يدك هذه شيء فإن استطعت أن لا تعلم هذه (6) فافعل ؛ قال : وكان عنده إنسان فتذاكروا الإذاعة، فقال : احفظ لسانك تُعزَّ، ولا تمكّن النّاس من قياد رقبتك (7) فتذلَّ.

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ أمرنا مستور مقنع بالميثاق(8) فمن هتك علينا أذله اللّه.

16 - الحسين بن محمّد ؛ ومحمّد بن يحيى، جميعاً، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن سعيد بن غزوان، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن أيان، عن عيسى بن أبي منصور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نَفَس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا (9) عبادة، وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل اللّه، قال لي محمّد بن سعيد :

ص: 228


1- أي من عنده.
2- أي مستعجلين متسرعين في الأمور.
3- أي للبريء من العيوب.
4- أي إذا استعملتم التقية مع المخالفين لا يصيبكم منهم ضرر أبداً.
5- وذلك لأن الزيدية لا يلتزمون بالتقية فتتوجه أنظار المخالفين إليهم فيدفع اللّه عنكم بتقيتكم ويأخذهم المخالفون بعدمها.
6- أي اليد الأخرى.
7- كناية عن تسليط الأعداء عليه عند عدم أخذه بالتقية.
8- أي بالعهد الّذي أخذ اللّه رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يكتموه عن غير أهله مرآة المجلسي 201/9.
9- أي اهتمامه بقيام قائمنا (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وذلك بترقب ظهوره المبارك وإعداد نفسه لذلك بالتقوى والورع والكتمان والحرص على طاعة اللّه والعزم على طاعته (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)عند قيامه.

اكتب هذا بالذهب (1)، فما كتبت شيئاً أحسن منه.

باب المؤمن وعلاماته وصفاته

1 - محمّد بن جعفر عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد اللّه بن داهر عن الحسن ابن يحيى، عن قثم أبي قتادة الحرّاني، عن عبد اللّه بن يونس عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قام رجل يقال له : همّام (2) - وكان عابداً، ناسكاً مجتهداً - إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يخطب، فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه؟ فقال:

يا همّام المؤمن هو الكيس (3) الفطن (4)، بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذلُّ شيء نفساً، زاجر عن كلّ فان (5)، حاص على كلّ حسن، لا حقود ولا حسود ولا وثاب (6)، ولا سبّاب، ولا عيّاب ولا مغتاب يكره الرفعة ويشنأ السمعة (7) طويل الغمّ(8)، بعيد الهمّ، كثير الصمت، وقور ذكور، صبور،شکور مغموم بفکره، مسرور بفقره، سهل الخليقة، لين العريكة (9)، رصين الوفاء قليل الأذى لا متأفّك (10) ولا متهتك.

إن ضحك لم يخرق (11)، وإن غضب لم ينزق، ضحكه تبسم، واستفهامه تعلّم، ومراجعته تفهم. كثير علمه، عظيم حلمه كثير الرّحمة لا يبخل، ولا يعجل، ولا يضجر، ولا يبطر، ولا يحيف (12) في حكمه، ولا يجوز في علمه، نفسه أصلب من الصلد (13)، ومكادحته

ص: 229


1- أي بماء الذهب وهو كناية عن عظمته وضرورة شدة الاهتمام به.
2- «قيل : هو همام بن شريح بن يزيد بن مرّة وكان من شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأوليائه» مرآة المجلسي 203/9. وقيل : هو همام بن عبادة بن خيثم وكان معروفا بالزهد والتقشف.
3- في القاموس : الكيس : خلاف الحمق.
4- الفطنة : الحذق والحذق ممّا يكتسب بالتجربة. وأما الكياسة فهي تكون في الطبع والخلقة.
5- أي من حطام الدنيا وزخرفها.
6- أي لا يشب في وجوه النّاس بالمنازعة والمعارضة مرآة المجلسي 204/9.
7- أي يبغض حب الظهور وفعل ما يؤدي إلى اشتهاره وثناء النّاس عليه.
8- لما يفكر فيه من مصيبة الموت وفتنة القبر وأهوال يوم القيامة.
9- أي سلس الأخلاق كيّسها.
10- أي لا يكذب كثيراً، أو لا يكذب على النّاس.
11- الخُرْق : الحُمق، أو إساءة التصرف.
12- أي لا يجوز ولا يظلم.
13- أي الحجر الصلب القاسي.

أحلى من الشهد، لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلّف (1) ولا متعمق (2)، جميل المنازعة، كريم المراجعة عدل إن غضب رفيق إن طلب، لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر، خالص الود، وثيق العهد، وفي العقد شفيق، وصول، حليم، خمول(3) قليل الفضول راض عن اللّه عزّ وجلّ مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، ولا يخوض فيما لا،يعنيه، ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه، ولا بصرف اللعب حكمة، ولا يطلع الجاهل علمه (4)، قوال، عمال، عالم حازم، لا بفحاش ولا بطياش(5)، وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لا بختال(6) ولا بغدار، ولا يقتفي أثراً (7)، ولا يحيف بشراً، رفيق بالخلق، ساع في الأرض، عون للضعيف، غوث للملهوف، لا يهتك ستراً ولا يكشف سرّاً، كثير البلوى قليل الشكوى، إن رأى خيراً ذكره، وإن عاين شراً ستره، يستر العيب، ويحفظ الغيب، ويقيل العثرة، ويغفر الزلّة، لا يطلع على نصح فيذره، ولا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين، رصين تقيّ، نقيّ، زكيّ، رضيّ، يقبل العذر ويجمل الذكر ؛ ويحسن بالناس الظنّ، ويتهم على الغيب نفسه، يحبُّ في اللّه بفقه وعلم، ويقطع في اللّه بحزم وعزم، لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح، مذكر للعالم، معلم للجاهل، لا يتوقع له بائقة(8)، ولا يخاف له غائلة (9)، كلّ سعي أخلص عنده من سعيه (10)، وكلّ نفس أصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه، غريب وحيد جريد [حزين]، يحبُّ في اللّه ويجاهد في اللّه ليتبع رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه، ولا يوالي في سخط ربه مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل الصدق، مؤازر لأهل الحق. عون للقريب، أب لليتيم، بعل للأرملة، حفي بأهل المسكنة مرجو لكلّ كريهة، مأمول لكلّ شدَّة، هشّاش،

ص: 230


1- أي غير متعرض لما لا يعنيه من الأمور.
2- أي لا يبالغ في الأمور الدنيوية. أو لا يتنطع في الكلام ولا يبالغ في تحسينه وتفخيمه لينال استحسان سامعيه.
3- أي مغمور، لا يعرفه النّاس لعدم ميله إلى حب الظهور.
4- أي لا يلقي بعلمه إلى من لا يفهمه أو لا يستحقه أو لا يؤمن بمدلوله كالمخالفين.
5- أي ليس نزقاً خفيفاً في أقواله وأفعاله بل هو متدبر رزين.
6- أي ليس بغدّار ولا خدّاع.
7- أي لا يتتبع عثرات النّاس ويستطلع عيوبهم.
8- الغائلة الداهية، أي لا ينتظر منه شرا وخصومة.
9- القائلة : أيضاً الداهية والشر، جمع غوائل.
10- «أي لحسن ظنه بالناس واتهامه لنفسه، سعي كلّ أحد في الطاعات أخلص عنده من سعيه، وقريب منه الفقرة التالية» مرآة المجلسي 216/9.

بشّاش، لا بعبّاس ولا بحسّاس (1)، صلیب (2)، كظّام، بسّام، دقيق النظر، عظيم الحذر، [لا يجهل وإن جهل عليه يحلم] لا يبخل وإن بخل عليه صبر عقل فاستحيى، وقنع فاستغنى حياؤه يعلو شهوته ووده يعلو،حسده وعفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، ولا يلبس إلّا الاقتصاد، مشيه التواضع، خاضع لربه بطاعته، راض عنه في كلّ حالاته، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة نظره عبرة سكوته فكرة وكلامه حكمة، مناصحاً متباذلاً متواخياً (3)، ناصح في السر والعلانية، لا يهجر أخاه، ولا يغتابه، ولا يمكر به، ولا يأسف(4) على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه، ولا يرجو مالا يجوز له الرجاء، ولا يفشل في الشدة، ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر، تراه بعيداً،كسله دائماً نشاطه قريباً أمله، قليلاً،زلله متوقعاً لأجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربه، قانعة نفسه، منفيّاً جهله، سهلاً أمره، حزيناً لذنبه، ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه، آمناً منه جاره، ضعيفاً كبره، قانعاً بالّذى قدر له متيناً صبره محكماً امره، كثيراً ذكره، يخالط النّاس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم؛ لا ينصت للخبر ليفجر به (5)، ولا يتكلّم ليتجبّر به على من سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته فأراح النّاس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتّى يكون اللّه الّذي ينتصر له بعده ممّن تباعد منه بغض ونزاهة، ودنوه ممّن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده تكبراً ولا عظمة ولا دُنوّه خديعة ولا خلابة (6)، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن بعده من أهل البرّ.

قال : فصاح همّام صيحة، ثمّ وقع مغشياً عليه، فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما واللّه لقد كنت أخافها عليه وقال : هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل : فما بالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إنَّ لكل أجلاً لا يعدوه وسبباً لا يجاوزه، فمهلاً لا تَعْد (7)، فإنّما نفت (8) على لسانك شيطان.

ص: 231


1- أي لا يتجسس على الآخرين ليطلع على عيوبهم وعوراتهم ويتتبع عثراتهم.
2- أي شديد صلب في أمر الدين.
3- هذه الثلاث منصوبة على الحال أو الاختصاص.
4- الأسف الحزن الشديد.
5- أي لا يستمع إلى قول من أحد لينقله فإن كان خيراً حرفه وإن كان شراً نم به ليوقع به العداوة والبغضاء. وفي بعض النسخ (ليفخر به أي يكون القول خيراً فينقله وينسبه إلى نفسه متباهياً. وفي بعض النسخ أيضاً (لا ينصب للخير الخ) أي لا يقبل منصب القضاء أو الولاية ليتوسل به إلى الظلم والعدوان والفجور.
6- أي خديعة ومراوغة.
7- أي لا تَعُدْ إلى قول ما قلت.
8- النفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل كما ذكره الجوهري.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن عبد اللّه بن غالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز (1)، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه اللّه، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب والنّاس منه في راحة، إنَّ العلم (2) خليل المؤمن، والحلم وزيره والصبر أمير جنوده، والرفق أخوه واللين والده..

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن يصمت ليسلم، وينطق ليغنم، لا يحدث أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته من البعداء، ولا يعمل شيئاً من الخير رياء ولا يتركه حياءً، إن زكي خاف ممّا يقولون ويستغفر اللّه لما لا يعلمون لا يغره قول من جهله، ويخاف إحصاء ما عمله.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض من رواه، رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: المؤمن له قوَّة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين، وحرص في فقه، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، وعلم في حلم، وكيس في رفق، وسخاء في حق، وقصد(3) في غنى، وتجمّل في فاقة (4)، وعفو في قدرة وطاعة اللّه في نصيحة، وانتهاء في شهوة وورع في رغبة، وحرص في جهاد، وصلاة في شغل، وصبر في شدّة ؛ وفي الهزاهز وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، ولا يغتاب ولا يتكبر، ولا يقطع الرحم، وليس بواهن، ولا فظ ولا غليظ، ولا يسبقه بصره، ولا يفضحه بطنه، ولا يغلبه فرجه، ولا يحسد النّاس، يعير ولا يعير، ولا يسرف ينصر المظلوم ويرحم المسكين نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، لا يرغب في عزّ الدُّنيا ولا يجزع من ذلّها للناس هم قد أقبلوا عليه وله هم قد شغله(5)، لا يُرى في حكمه نقص ولا في رأيه وهن ولا في دينه ضياع (6)، يرشد من استشاره، ويساعد من ساعده ويكيع عن الخنا والجهل (7).

ص: 232


1- أي حليم رزين عند حدوث الفتن الّتي تهز النّاس.
2- هذا كلام مستأنف بعد أن أورد (عَلَيهِ السَّلَامُ) الخصال الثمان.
3- القصد في الأمور أوسطها فهو في إنفاقه وسط لا إفراط عنده ولا تفريط، ولا إسراف ولا تقتير.
4- أي يبدو في ملبسه وتصرفاته في زينة وتأنق مع كونه فقيراً، وذلك ليحسبه الجاهل له من الاغنياء تعففاً.
5- هم النّاس هو الدنيا وهمه هو الآخرة والعمل لها.
6- أي تدينه راسخ قوي لا تزعزعه الشكوك والأضاليل.
7- أي يفر ويبتعد عن السفاهة والجهل والفحش في القول والفعل.

5 - عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمجلس من قريش، فإذا هو بقوم بيض ثيابهم، صافية ألوانهم كثير ضحكهم، يشيرون بأصابعهم إلى من يمرُّ بهم (1)، ثمّ مرَّ بمجلس للأوس والخزرج فإذا قوم بليت منهم الأبدان(2)، ودقت منهم الرقاب واصفرَّت منهم الألوان، وقد تواضعوا بالكلام فتعجب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ذلك ودخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : بأبي أنت وأمي إني مررت بمجلس لآل فلان ثمّ وصفهم، ومررت بمجلس للأوس والخزرج فوصفهم، ثمّ قال : وجميع مؤمنون، فأخبرني يا رسول اللّه بصفة المؤمن؟ فنكس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ثمّ رفع رأسه فقال : عشرون خصلة في المؤمن، فإن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه، إن من أخلاق المؤمنين يا علي : الحاضرون الصلاة، والمسارعون إلى الزكاة والمطعمون المسكين، الماسحون رأس اليتيم المطهّرون أطمارهم (3) المتزرون على أوساطهم (4). الّذين إن حدَّثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا تكلّموا صدقوا رهبان بالليل (5)، أسد بالنهار (6)، صائمون النّهار، قائمون الليل، لا يؤذون جاراً ولا يتأذى بهم جار، الّذين مشيهم على الأرض هَوْنُ (7)، و خطاهم إلى بيوت الأرامل وعلى أثر الجنائز، جعلنا اللّه وإياكم من المتقين.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن الحسن بن [ز] علان عن أبي إسحاق الخراساني، عن عمرو بن جميع العبدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 233


1- الظاهر أنهم كانوا من أهل الدنيا ممّن لم يدخل الإيمان في قلوبهم ولذا فهم يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم سخرية واستهزاء أو اغتياباً له وذكراً لعيوبه.
2- أي هزلت من كثرة العبادة والاهتمام بآخرتهم وخوفهم من أهوالها.
3- أي ثيابهم البالية جمع طمر، وتطهيرهم لها إما بغسلها ممّا قد يصيبها من نجاسة، أو بتقصيرها لئلا تنجر على الأرض فتصيب النجاسة.
4- قيل: هو كناية عن الاهتمام في العبادة مرآة المجلسي 235/9.
5- أي شأنهم في الليل شأن الرهبان في قيامه بالعبادة والتهجد.
6- هو تشبيه لهم بالأسود في قوتهم على جهاد الأعداء وعدم الخوف من لقائهم.
7- أي هينا كناية عن تواضعهم في مشيهم وسكينتهم وقد ورد في صفات المؤمنين (وعباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض هونا) الفرقان / 63.

قال : شيعتنا هم الشاحبون (1)، الذَّابلون (2)، الناحلون (3)، الّذين إذا جنّهم اللّيل(4) استقبلوه بحزن.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى، وأهل الخير، وأهل الإيمان وأهل الفتح والظفر (5).

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بزرج، عن مفضّل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إياك والسفلة(6)، فإنّما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتدَّ جهاده (7)، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

10 - عدَّة من من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن شيعة علي كانوا خمص البطون (8)، دبل الشفاه، أهل رأفة وعلم وحلم يُعرفون بالرهبانية، فأعينوا على ما أنتم عليه (9) بالورع والاجتهاد.

11 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن صفوان الجمال، قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما المؤمن، الّذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر ممّا له.

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سليمان أتدري من المسلم؟ قال : جعلت فداك أنت أعلم، قال : المسلم (10) من سلم المسلمون من لسانه

ص: 234


1- أي متغيروا الألوان والأجسام من كثرة العبادة والسهر للتهجد وكثرة همهم لأمر الآخرة.
2- أي ذهبت نضارة جلودهم من كثرة العبادة وخاصة الصيام، واهتمامهم بأمر آخرتهم.
3- أي المهزولوا الأجسام.
4- أي عطاهم وسترهم بظلمته.
5- «إما الفتح والظفر على المخالفين بالحجج والبراهين أو على الأعادي الظاهرة إن أمروا بالجهاد فإنهم أهل اليقين والشجاعة، أو على الأعادي الباطنة بغلبة جنود العقل على عساكر الجهل...» مرآة المجلسي 238/9.
6- أي أسافل النّاس وأساقطهم وغوغاؤهم.
7- أي اجتهاده في العبادة والطاعة.
8- أي فارغوها، كناية عن قلة الأكل أو كثرة الصوم.
9- أي من الولاية لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
10- أي من يستحق اتصافه بالإسلام. وكذا المؤمن.

ويده، ثمّ قال: وتدري من المؤمن؟ قال: قلت أنت أعلم ؛ قال: [إنّ] المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تُعنّته (1).

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّما المؤمن الّذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، والّذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي إلى ما ليس له بحق.

14 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن أبي البختري (2) - رفعه قال : سمعته يقول : المؤمنون هينون لينون كالجمل الإنفا (3) إذا قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ.

15 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاثة من علامات المؤمن : العلم باللّه (4)، ومن يحبُّ ومن يكره (5).

16 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «المؤمن كَمَثَلِ شجرة لا يتحاتّ (6). ورقها في شتاء ولا صيف» قالوا يا رسول اللّه وما هي ؟ قال : النخلة.

17 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن أورمة، عن [أبي] إبراهيم الأعجمي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن حليم لا يجهل، وإن جهل عليه يَحْلُم، ولا يظلم وإن ظُلِمَ غفر، ولا يبخل وإن بخل عليه صبر.

18 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن منذر بن جيفر (7)، عن آدم أبي الحسين اللؤلؤي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن من طاب

ص: 235


1- أي يوجهه وجهة تؤدي به إلى الوقوع في المشقة والهلاك أو الإثم والفساد.
2- واسمه وهب بن وهب القرشي.
3- هو الّذي عقر الخشاش أنفه، فهو لا يمتنع على قائده للوجع الّذي به - كما ذكر في النهاية -.
4- أي بالربوبية وصفاته الكمالية فيؤمن مرآة المجلسي 244/9.
5- أي والعلم بمن يحبه اللّه فيحبه ومن يكرهه اللّه ويبغضه فيكرهه.
6- أي لا يتساقط. ووجه التشبيه أن المؤمن كثير المنافع كالنخلة يستفاد بكل شيء منها في جميع الأوقات. وفي بعض النسخ (ولا ينجل) أي لا يخاصم.
7- هو جيفر بن حكيم العبدي، كما قيل.

مكسبه (1)، وحسنت خليقته وصحت سريرته، وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من کلامه وكفى النّاس شرّه، وأنصف النّاس من نفسه.

19 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن الحسن بن عليّ. عن أبي كهمس، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ألا أنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، ألا أنبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر السيّئات وترك ما حرم اللّه والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة» (2).

20 - محمّد بن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي أيّوب العطار، عن جابر قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما شيعة علي الحلماء العلماء الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم.

21 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : صلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف اللّه، ثمّ قال: أما واللّه لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وإنّهم ليصبحون ويمسون شُعثاً غُبراً خُمصاً، بين أعينهم كَرُكَب المعزى (3)، يبيتون لربهم سجّداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم (4)، يناجون ربّهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار، واللّه لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون.

22 - عنه، عن السندي بن محمّد، عن محمّد بن الصلت عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال صلّى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الفجر ثمّ لم يزل في موضعه حتّى صارت الشمس على قيد رمح، وأقبل على النّاس بوجهه فقال : واللّه لقد أدركت أقواماً يبيتون لربهم سجداً وقياماً يخالفون بين جباههم وركبهم (5)، كأنَّ زفير (6) النّار في آذانهم، إذا ذكر اللّه عندهم

ص: 236


1- أي كان مكسبه من وجوه الحلال.
2- أي يوجهه وجهة بكون فيها هلاكه أو فساده وضلاله، أو يوقعه في المشقة والعنت.
3- الركب جمع الركبة، وهو كناية عن كثرة السجود وطوله.
4- أي يعتمدون في قيامهم على أقدامهم وفي سجودهم على جباههم أثناء الصلاة مع إطالتهم في القيام ليزيحوا جباههم وإطالتهم في السجود ليريحوا أقدامهم.
5- هذا قريب من معنى المراوحة.
6- صوبت اضطرام النار.

مادوا (1) كما يميد الشجر، كأنما القوم باتوا غافلين (2)، قال : ثمّ قام فما رئي ضاحكاً حتّى قبض صلوات اللّه عليه.

23 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن المفضّل ابن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أردت أن تعرف أصحابي فانظر إلى من اشتد ورعه وخاف خالقه ورجا،ثوابه، وإذا رأيت هؤلاء فهؤلاء أصحابي.

24 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن الحسن بن شمون عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث، عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا المتزاورون في إحياء أمرنا الّذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركةً على من جاوروا، سلم لمن خالطوا.

25 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان عن عيسى النهريري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من عرف اللّه وعظمه منع فاه من الكلام (3)، وبطنه من الطعام (4)، وعفى نفسه بالصيام والقيام قالوا بآبائنا وأمهاتنا يا رسول اللّه هؤلاء أولياء اللّه؟ قال : «إِنَّ أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم،حكمة ومشوا فكان مشيهم بين النّاس بركة، لولا الآجال الّتي قد كتبت عليهم لم تقرَّ أرواحهم (5) في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب».

26 - عنه، عن بعض أصحابه من العراقيين رفعه قال : خطب النّاس الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما فقال : أيّها النّاس أنا أخبركم عن أخ لي كان من أعظم النّاس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدُّنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد، كان خارجاً من سلطان فرجه، فلا يستخفٌ له عقله ولا رأيه، كان خارجاً

ص: 237


1- أي اضطربوا واقشعرت جلودهم من خوف اللّه.
2- أي كأنما أهل زمانه (عَلَيهِ السَّلَامُ) باتوا غافلين عن الآخرة وأهوالها لانغماسهم في الدنيا أو أن المراد بالقوم هم من وصفهم، أي كان هؤلاء من شدة خوفهم من اللّه ودهشتهم من أهوال يوم القيامة يتراءى للناظر إليهم أنهم أموات غير أحياء.
3- أي فيما لا يرضي اللّه، وفيما لا طائل منه.
4- أي الحرام، أو هو كناية عن كثرة الصوم طاعة اللّه
5- في بعض النسخ (لم تستقر).

من سلطان الجهالة فلا يمد يده إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يتشهى ولا يتسخط ولا يتبرم(1) كان أكثر دهره صمّاتاً، فإذا قال بذ القائلين (2)، كان لا يدخل في مراء(3)، ولا يشارك في دعوى، ولا يدلي بحجّة حتّى يرى قاضياً (4) وكان لا يغفل عن إخوانه، ولا يخص نفسه بشيء دونهم كان ضعيفاً مستضعفاً فإذا جاء الجدُّ كان ليثاً عادياً (5)، كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر (6) في مثله حتّى يرى اعتذاراً، كان يفعل ما يقول ويفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزه أمران (7) لا يدري أيهما أفضل نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكو وجعاً إلّا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير إلّا من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرم ولا يتسخط ولا يتشكى ولا يتشهى ولا ينتقم ولا يغفل عن العدو، فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة، إن أطقتموها، فإن لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير. ولا حول ولا قوة إلّا باللّه.

27 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن مهزم ؛ وبعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن إسحاق الكاهلي ؛ وأبو علي الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي عن العباس بن عامر، عن ربيع بن محمّد، جميعاً، عن مهزم الأسدي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا مهزم شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه (8)، ولا شحناؤه بدنه (9) ولا يمتدح بنا معلناً ولا يجالس لنا عائباً ولا يخاصم لنا قالياً (10)، إن لقي مؤمناً أكرمه وإن لقي جاهلاً هجره ؛ قلت : جعلت فداك فكيف أصنع بهؤلاء المتشيّعة، قال : فيهم التمييز وفيهم التبديل وفيهم التمحيص (11)، تأني عليهم سنون تفنيهم وطاعون يقتلهم واختلاف يبدّدهم شيعتنا من لا يهر

ص: 238


1- أي لا يتضجّر من سوء حاله بإدبار الدنيا عنه لأن همه الأكبر هو الآخرة، أو لا يتضجّر من السعي في قضاء حوائج الناس.
2- أي سبقهم وغلبهم في منطقه، لأنه ينطق بالحكمة والحق.
3- أي مجادلة لا طائل من ورائها، إلّا لفت الأنظار إليه.
4- «المعنى أنّه ليس من عادته إذا ظلمه أحد أن يبثّ الشكوى عند النّاس كما هو دأب أكثر الخلق بل يصبر إلى أن يجد حاكماً يحكم بينه وبين خصمه وذلك في الحقيقة يؤول إلى الكف عن فضول الكلام» مرآة المجلسي 262/9.
5- أي أسداً مفترساً كناية عن شجاعته وإقدامه في مواقف الجد والنزال.
6- أي فيما من شأنه أن يكون فيه عذر.
7- أي تنازعه أمران.
8- كناية عن أخذه بآداب الإسلام في الخطاب كما أشارت إليه الآية الكريمة (واغضض من صوتك...) الآية 19 من سورة لقمان.
9- «أي لا تتجاوز عداوته بدنه... أي يعادي نفسه ولا يعادي غيره، وإن عادى غيره في اللّه لا يظهره تقية» مرآة المجلسي 267/9.
10- أي مبغضاً.
11- التمييز : إظهار الفرق بين الصادق الإيمان الراسخ فيه والمتزلزل. والتبديل: هو تغيير حالهم من الأحسن إلى الأسوأ أو استبدالهم بقوم آخرين يكونون أحسن حالا منهم. والتمحيص : الامتحان والابتلاء والاختبار ليميز الخبيث من الطيب.

هرير الكلب ولا يطمع طمع الغرب، ولا يسأل عدونا وإن مات جوعاً. قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء؟ قال : في أطراف الأرض ؛ أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يُعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا ؛ ومن الموت لا يجزعون، وفي القبور يتزاورون وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لن تختلف قلوبهم وإن اختلف بهم الدار، ثمّ قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أنا المدينة وعلي الباب، وكذب من زعم أنّه يدخل المدينة لا من قبل الباب، وكذب من زعم أنّه يحبني ويبغض عليّاً صلوات اللّه عليه».

28 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من عامل النّاس فلم يظلمهم، وحدَّثهم فلم يَكْذِبْهُم، وَوَعَدَهُم فلم يُخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، وكملت مروءته، وظهر عدله ووجبت أخوته.

29 - عنه، عن ابن فضّال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد اللّه بن الحسن عن أمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الإيمان : إذا رضي لم يُدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يُخرجه الغضب من الحقِّ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له»(1).

30 - عنه، عن أبيه عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ لأهل الدين علامات يُعرفون بها : صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد وصلة الأرحام ورحمة الضعفاء وقلة المراقبة للنساء (2) - أو (3) قال : قلة المواتاة (4) للنساء - وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الخُلُق واتباع العلم وما يقرب إلى اللّه عزّ وجلّ زلفي، طوبى لهم وحسن مآب - وطوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار النبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن منها - لا يخطر على قلبه شهوة شيء إلّا أتاه به ذلك، ولو أنَّ راكباً مجداً سار في ظلها مائة عام ما خرج منه، ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى

ص: 239


1- أي لا تدعوه قدرته إلى اغتصاب حقوق الآخرين أو تجاوز حقوقه.
2- أي مطاوعتهن كَلَفاً بهن أو خوفاً منهن وقيل : النظر في إدبارهن وتتبعهنّ.
3- الترديد من الراوي.
4- المطاوعة والانصياع.

يسقط هرما (1) إلّا نفي هذا فارغبوا، إنَّ المؤمن من نفسه في شغل، والناس منه في راحة، إذا جنَّ عليه الليل افترش وجهه وسجد اللّه عزّ وجلّ بمكارم (2) بدنه يناجي الّذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا.

31 - عنه، عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن سليمان بن عمرو النخعي قال : وحدّثني الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن سليمان، عمّن ذكره، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سئل النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عن خيار العباد فقال : الّذين إذا أحسنوا استبشروا(3)، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا.

32 - وبإسناده، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إنَّ خياركم أول-و النهى (4)»، قيل : يا رسول اللّه ومن أولو النهى؟ قال : «هم أولو الأخلاق الحسنة، والأحلام الرزينة، وصلة الأرحام والبررة بالأمهات والآباء والمتعاهدين للفقراء والجيران واليتامى، ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم، ويصلّون والناس نيام غافلون».

33 - عنه عن الهيثم النهدي عن عبد العزيز بن عمر، عن بعض أصحابه، عن يحيى بن عمران الحلبي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيُّ الخصال بالمرء أجمل؟ فقال : وقار بلا مهابة، وسماح (5) بلا طلب مكافأة، وتشاغل بغير متاع الدنيا.

34 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه، وحلمه وصبره وحسن خُلقه.

35 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن عرفة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ألا أخبركم بأشبهكم بي ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). قال : أحسنكم خلقاً وألينكم كنفا(6)، وأبركم بقرابته، وأشدُّكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدُّكم من نفسه إنصافاً في الرّضا والغضب.

ص: 240


1- «إنما خص الغراب بالذكر لأنه أطول الطيور عمراً» مرآة المجلسي 277/9.
2- أي أعضاء البدن المكرّمة كالجبهة واليدين والركبتين الخ.
3- أي فرحوا بما ينتظرهم من ثواب الآجل على إحسانهم.
4- أي أصحاب العقول، وإنما سميت العقول بالنهى لأنها تنهى عن الفحشاء والقبائح.
5- أي جود وكرم.
6- الكتف : الجانب والظل، وهو كناية عن التواضع وحسن الخُلُق، بحيث لا يؤذي جاره في المجلس أو المسكن.

36 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار (1) والتوسع على قدر التوسع، وإنصاف النّاس وابتداؤه إياهم بالسلام عليهم.

37 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال، عن ابن بكير عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يُستقل منه (2) والمؤمن لا يستقل من دينه شيء.

38 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لمعيشته، لا يلسع من جُحر مرَّتين (3).

39 - عليّ بن محمّد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق، عن سهل بن الحارث، عن الدلهات مولى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربِّه وسنّة من نبيّه وسنّة من وليّه، فأما السنّة من ربه فكتمان سرّه، قال اللّه عزّ وجلّ: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) (4). وأما السنّة من نبيه فمداراة النّاس فإنَّ اللّه عزّ وجلّ أمر نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بمداراة النّاس فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (5). وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء(6).

باب في قلة عدد المؤمنين

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن قتيبة

ص: 241


1- أي الإنفاق باقتصاد فيما لو قبر عليه رزقه أو يوازن بين رزقه وإنفاقه فإن قدر عليه قتر وإن وُسع عليه فيه وسع، ويؤيده ما بعده.
2- «من القلة أي ينقص ويؤخذ منه بعضاً بالفأس والمعول ونحوهما والمؤمن لا ينقص من دينه شيء بالشكوك والشبهات» مرآة المجلسي 281/9.
3- اللسع : اللدغ والجحر هنا مكان الأفعى، وهذا كتابة عن أن المؤمن بحكمته وفراسته يتعظ ويعتبر، فإذا ابتلي من جهة تحرز عنها فلا يؤتى منها مرة ثانية.
4- الجن/ 26 – 27.
5- الأعراف/ 199. والعفو من أخلاق النّاس هو ما لا يجهدهم، والعرف المعروف.
6- البأساء تكون في الأموال والضراء تكون في الأنفس.

الأعشى قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المؤمنة أعزُّ من المؤمن (1) اوالمؤمن أعز من الكبريت الأحمر (2)، فمن رأى منكم الكبريت الأحمر؟.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن کامل التمار قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : النّاس كلهم بهائم (3) - ثلاثاً (4) إلّا قليل من المؤمنين والمؤمن غريب - ثلاث مرات -.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لأبي بصير : أما واللّه لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين(5) يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً.

4 - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه ابن حماد الأنصاري، عن سدير الصيرفي قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : واللّه ما يَسَعُكَ القعود (6) فقال : وَلمَ يا سدير؟ قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، واللّه لو كان لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لَكَ من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي، فقال: يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قلت : مائة ألف. قال : مائة ألف؟ قلت : نعم، ومائتي ألف. قال : مائتي ألف؟ قلت: نعم ونصف الدُّنيا قال: فسكت عني ثمّ قال : يخف (7) عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع (8)؟ قلت: نعم فأمر بحمار وبغل أن يُسرجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال : يا سدير أترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلت : البغل أزين وأنبل (9) قال : الحمار أرفق بي، بي، فنزلت فركب الحمار وركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير انزل بنا نصلي، ثمّ قال : هذه

ص: 242


1- أي إنّها أندر وأقل وجوداً.
2- «الكبريت الأحمر، هو الجوهر الّذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الإكسير» مرآة المجلسي 285/9.
3- «أي شبيهة بها في عدم العقل وإدراك الحمق وغلبة الشهوات النفسانية على القوى العقلانية كما قال تعالى : (ان هم كالأنعام بل هم أضل سيلا) الفرقان / 44». ن. م 285 - 286.
4- أي كررها ثلاث مرات.
5- «يمكن أن يقال في سبب تعيين الثلاثة أن الواحد لا يمكنه ضبط السر وكذا الإثنان وأما إذا كانوا ثلاثة فيأنس بعضهم بعض ويذكرون ذلك فيما بينهم فلا يضيق صدرهم ويخف عليهم الاستتار عن غيرهم كما هو المجرب»، مرآة المجلسي 286/9.
6- أي عن الجهاد.
7- أي يسهل.
8- مكان فيه أشجار ومياه كان من أوقاف علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على طريق المدينة.
9- أزين يعني ركوبه احسن في نظر النّاس وأنبل : أي هو أكثر نجابة وفضلاً من الحمار.

أرض سبخة (1) لا تجوز الصلاة فيها (2)، فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء (3) فقال : واللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود، ونزلنا وصلّينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت (4) على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن سماعة بن مهران قال : قال لي عبد صالح صلوات اللّه عليه : يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني (5)، أما واللّه لقد كانت الدُّنيا وما فيها إلّا واحد يعبد اللّه ولو كان معه غيره لأضافه اللّه عزّ وجلّ إليه حيث يقول : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (6)، فغير (7) بذلك ما شاء اللّه، ثمّ إِنَّ اللّه آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة، أما واللّه إنَّ المؤمن (8) لقليل وإنَّ أهل الكفر لكثير، أندري لم ذاك؟ فقلت : لا أدري جعلت فداك فقال : صُيّروا أنساً للمؤمنين، يبتون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن أورمة، عن النضر، عن يحيى بن أبي خالد القماط عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ؟ فقال : ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلّا - وأشار بيده - ثلاثة (9) قال حمران : فقلت : جعلت فداك ما حال عمّار؟ قال : رحم اللّه عمّاراً أبا اليقظان بايع وقتل شهيداً، فقلت في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة فنظر إليَّ فقال : لعلّك ترى أنّه مثل الثلاثة أيهات أيهات (10).

7 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه عن

ص: 243


1- أي ذات نز وملح جمع سبخات.
2- هذا عندنا محمول على الكراهة.
3- هي أولاد المعزى جمع جدي.
4- أي مِلْتُ.
5- أي أن مدّعي التشيع لنا أهل البيت ناموا على فرشهم آمنين مطمئنين وأرعبوني بإفشاء سري والإذاعة علي في أمر الإمامة.
6- النحل / 120.
7- أي مكث ومضى.
8- أي صاحب الإيمان الكامل، وعليه فالمراد بأهل الكفر بمقتضى التقابل أهل الإيمان الظاهري الناقص.
9- أراد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبا ذر والمقداد وسلمان من خواص علي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
10- أي هيهات بمعنى بعد فهي كلمة تبعيد واستبعاد.

عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ليس كلّ من قال بولايتنا مؤمناً ولكن جعلوا أنساً للمؤمنين(1).

باب الرضا بموهبة الإيمان والصبر على كلّ شيء بعده

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن فضيل بن يسار، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عبد الواحد ما يضرُّ رجلاً - إذا كان على ذا الرَّأي - (2) ما قال النّاس (3) له ولو قالوا : مجنون ؛ وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد اللّه حتّى يجيئه الموت.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «قال اللّه تبارك وتعالى : (لو لم يكن في الأرض إلّا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي (4) ولجعلت له من إيمانه أنساً لا يحتاج إلى أحد).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الحسين بن موسى، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : ما يبالي من عرفه اللّه هذا الأمر أن يكون على قلّة جبل (5) يأكل من نبات الأرض حتّى يأتيه الموت.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن كليب بن معاوية، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه (6) فمن دونه، المؤمن عزيز في دينه

ص: 244


1- أي يشعرون بأنهم كثر فلا يستوحشون لقلتهم.
2- أي القول بالإمامة والاعتقاد بها.
3- أي المخالفون.
4- «أي لاقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء ولدفعت العذاب وأنواع البلاء بسبب هذا المؤمن لأن هذا يكفي المصلحة بقاء للنظام»، مرآة المجلسي 292/9.
5- أي قمة جبل وأعلاه.
6- «أي يجد الوحشة، ولعله ضَمّن معنى الميل والسكون فعدّى بإلى أي استوحش من النّاس مائلاً أو ساكناً إلى أخيه» مرآة المجلسي 293/9.

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مرضة مرضها لم يبق منه إلّا رأسه (1) فقال : يا فضيل إنني كثيراً ما أقول : ما على رجل (2) عرفه اللّه هذا الأمر (3) لو كان في رأس جبل حتّى يأتيه الموت يا فضيل بن يسار إنَّ النّاس أخذوا يميناً وشمالاً (4) وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيراً له(5) ولو أصبح مقطعاً أعضاؤه كان ذلك خيراً له(6)، يا فضيل بن يسار إن اللّه لا يفعل بالمؤمن إلّا ما هو خير له. يا فضيل بن يسار لو عدلت الدُّنيا عند اللّه عزّ وجلّ جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنّه من كان همه همّاً واحداً (7) كفاه اللّه همّه ومن كان همه في كلّ واد (8) لم يبال اللّه بأي واد هلك

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن منصور الصيقل والمعلى بن خنيس قالا : سمعنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قال اللّه عزّ وجلّ: (ما ترددت (9) في شيء أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن، إنني لأحب لقاء، ويكره الموت فأصرفه عنه، وإنه ليدعوني فأجيبه وإنه ليسألني فأعطيه، ولو لم يكن في الدُّنيا إلّا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنساً لا يستوحش إلى أحد).

ص: 245


1- أي هزلت جميع أعضاء بدنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) باستثناء رأسه لأن الرأس لقلة اللحم عليه لا يصيبه الهزال.
2- أي لا بأس على رجل ولا ضرر.
3- أي أمر الإمامة.
4- أي انحرفوا عن الحق.
5- لأنه بحكم إيمانه سوف يستعمل هذا الملك فيما يرضي اللّه ويشكره عليه فيكون مقرباً له إليه سبحانه.
6- لأنه بحكم إيمانه سوف يصبر على البلاء توخياً لأجر الصابرين فيكون مقرباً له إليه سبحانه أيضاً.
7- وهو طلب مرضاة اللّه والعمل للآخرة والتكسب في الدنيا بمقدار ما يقيم أوده.
8- أي في كلّ ما يحتمل أنّه باب من أبواب الدنيا غير عابي يكون كثير منها تقوده إلى الانحراف والضلال وتبعده عن اللّه سبحانه وتنسيه الآخرة لأن الدنيا أكبر همه.
9- لما كان التردد في الأمور من شؤون الممكن وهو مستحيل في حقه سبحانه أوّل هنا بوجوه منها : «أن في الكلام إضماراً. والتقدير: لو جاز علي التردد ما ترددت في شيء كترددي في وفاة المؤمن». ومنها: «ما تردد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردده في قبض روحه فإنه متردد بين إرادته البقاء وإرادتي للموت فأنا ألطفه وأبشره حتّى أصرفه عن كراهة الموت فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة وتعظيما له...» مرآة المجلسي 298 - 297/9.

باب في سكون المؤمن إلى المؤمن

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس؛ عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد (1).

باب فيما يدفع اللّه بالمؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن الّتيمي، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية (2) الفناء.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان،

عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يصيب قرية عذابٌ وفيها سبعة من المؤمنين (3).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين (4)؟ قال: نعم ولكن يخلصون(5) بعده (6).

باب في أن المؤمن صنفان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن نصير أبي الحكم

ص: 246


1- «هذا تشبيه كامل للمعقول بالمحسوس، فإن للظمآن اضطراباً في فراق الماء ويشتد في طلبه له فإذا وجده استقر وسكن ويصير سبباً لحياته البدنية فكذلك المؤمن يشتد شوقه إلى المؤمن وتعطشه في لقائه فإذا وجده سكن ومال إليه ويحيى به حياة طيبة روحانية...» مرآة المجلسي 300/9.
2- أي عن أهلها إما ببركة وجوده أو بدعائه.
3- لا تنافي بين منطوق هذه الرواية هنا ومنطوق السابقة عليها إذ أن المؤمنين يختلفون باختلاف مرتبة الإيمان فقد يوجد عند السبعة بمجموعهم ما يوجد عند الواحد بمفرده من صدق الإيمان وكماله كما أن المعاصي الّتي توجب العذاب والعقاب مختلفة بحسب المراتب شدة وضعفا.
4- لأن البلاء - كما ورد - إذا نزل عم. ويكن حمل هذا الحديث على نوع خاص من البلاء الّذي من طبيعته العموم والشمول كالقحط والوباء.
5- أي يسلمون وينجون.
6- أي إما بعد الموت في عالمي البرزخ والقيامة، أو بعد البلاء كأن يكتب لهم سبحانه الحياة مع موت الآخرين بسببه.

الخثعمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن مؤمنان : فمؤمن صدق بعهد اللّه ووفي بشرطه، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (1) فذلك الّذي لا تصيبه أهوال الدنيا (2) ولا أهوال الآخرة، وذلك ممّن يشفع ولا يُشفع له ومؤمن كخامة الزرع (3)، تعوج أحياناً وتقوم أحياناً (4)، فذلك ممّن تصيبه أهوال الدُّنيا وأهوال الآخرة وذلك ممّن يُشفع له ولا يشفع.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد اللّه عن خالد العمّي عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : المؤمن مؤمنان : مؤمن وفي اللّه بشروطه الّتي شرطها عليه، فذلك مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وذلك من يشفع ولا يُشفع له وذلك ممّن لا تصيبه أهوال الدُّنيا ولا أهوال الآخرة. ومؤمن زلت به قدم (5) فذلك كخامة الزّرع كيفما كفأته (6) الريح انكفأ، وذلك ممّن تصيبه أهوال الدُّنيا والآخرة ويشفع له وهو على خير.

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان، فقال: الإخوان صنفان : إخوان الثقة وإخوان المكاشرة (7)، فأما إخوان الثقة فهم الكفُّ والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حدّ الثقة فابذل له مالك وبدنك (8) وصاف من صافاه وعاد من عاداه، واكتم سره وعيبه

ص: 247


1- الأحزاب / 23، وما عاهدوا اللّه عليه هو التصديق برسوله وبما جاء به من عند ربه والدفاع عنه وعن رسالته بمقاتلة أعداء اللّه حتّى النصر أو الاستشهاد.
2- قيل : أهوال الدنيا هي بلاءاتها ومصائبها ولكن هذا غير صحيح لأن المؤمن قد يكون أشد ابتلاءاً بذلك من غيره وقيل : بأن المراد بأهوال الدنيا الطاعون والقحظ وأيضاً هذا مردود بأن هذه الأمور إذا نزلت عمت المؤمن وغيره. فالأنسب ما قيل المراد بأهوال الدنيا الهموم من فوات نعيمها لأن الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله فكيف الهموم من فواتها والمراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها ومصائبها لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة مرآة المجلسي 305/9.
3- هي السيقان الطرية الغضّة الّتي هي أول ما ينبت من الزرع.
4- هذا وجه الشبه بين هذا الصنف الثاني من المؤمن وبين خامة الزرع، فهو يميل كما تميل وميله تارة نحو شهوات الدنيا وما يستتبعها من الباطل والانحراف وأخرى نحو الحق واستقامته على طريقته متجنباً الأهواء وما تؤدي إليه من الانحراف عن الآخرة وانغماسه في الدنيا.
5- كناية عن إقدامه على المعصية ومقارفته لها.
6- أي إمالته وكبته.
7- الممازحة والمباسطة مأخوذ من الكَشْر: وهو ظهور الأسنان عند الضحك.
8- بذل البدن كناية عن خدمته والسعي في حوائجه.

وأظهر منه الحسن ؛ واعلم أيّها السائل أنّهم أقل من الكبريت الأحمر، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم، فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبنَّ ما وراء ذلك من ضميرهم(1)، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان.

باب ما أخذه اللّه على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن بن عيسى عن عليّ بن النعمان عن داود ابن فرقد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أخذ اللّه ميثاق المؤمن على أن لا تُصدَّق مقالته (2) ولا ينتصف من عدوه (3) وما من مؤمن يشفي نفسه (4) إلّا بفضيحتها (5) لأنَّ كلّ مؤمن ملجم (6).

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إن اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله (7) يحسده، أو منافق يقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده (8)، فما بقاء المؤمن بعد هذا».

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ولربما اجتمعت الثلاث عليه إما بغض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه ؛ ولو أنَّ مؤمناً على قلة جبل (9) لبعث اللّه عزّ وجلّ إليه شيطانا(10) يؤذيه

ص: 248


1- أي ما يضمرونه في قرارة نفوسهم.
2- أي أخذ اللّه عليه الميثاق أن يصبر على تكذيبه فيما يقول من قبل المبطلين.
3- أي يأخذ حقه منه.
4- أي يشفيها من غيظها من عدوه بالانتقام منه.
5- وذلك لأنه مع عدم القدرة على النيل من عدوه لا يشفي غيظه مع ما يوجبه من ذله وتسليط عدوه عليه.
6- أي بالتقية.
7- أي هو على ما هو عليه من التشيع.
8- أي يعتقد الكافر بوجوب جهاد المؤمن ومقاتلته فيكيد له من كلّ وجه ليلحق به الأذى.
9- أي قمة الجبل وأعلاه.
10- من شياطين الإنس أو الجن. والحكمة في تسليط الشيطان على المؤمن ليؤذيه إما كفارة لذنوبه أو لاختبار صبره على البلاء أو لتزهيده في الدنيا أو لجميع ذلك.

ويجعل اللّه له من إيمانه أنساً لا يستوحش معه إلى أحد.

4 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود ابن سرحان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أربع لا يخلو منهنَّ المؤمن أو واحدة منهنَّ، مؤمن يحسده وهو أشدُّهنَّ عليه(1)، ومنافق يقفو أثره، أو عدو يجاهده، أو شيطان يغويه.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عمّار بن مروان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ جعل وليه في الدُّنيا غرضاً لعدوّه (2).

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشكا إليه رجل الحاجة فقال له : اصبر فإنَّ اللّه سيجعل لك فرجاً، قال: ثمّ سكت ساعة، ثمّ أقبل على الرّجل فقال : أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو ؟ فقال : - أصلحك اللّه - ضيق منتنّ وأهله بأسوء حال، قال: فإنما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة، أما علمت أنَّ الدُّنيا سجن المؤمن.

7 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن إبراهيم الحذاء، عن محمّد بن صغير، عن جده شعيب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الدُّنيا سجن المؤمن فاي سجن جاء منه خير.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال، عن داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤمن مكفّر (3).

وفي رواية أخرى : وذلك أنَّ معروفه يصعد إلى اللّه فلا ينشر في النّاس والكافر مشكور.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من مؤمن إلّا وقد وكل اللّه به أربعة شيطاناً يغويه يريد أن يضله، وكافراً يغتاله (4)، ومؤمناً يحسده، وهو أشدهم عليه، ومنافقاً يتتبع عثراته.

10 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عمرو بن شمر، عن

ص: 249


1- «إنما كان حسد المؤمن أشدهن لأن صدور الشر من القريب المجانس أشد وأعظم من صدوره من البعيد المخالف لتوقع الخير من الأوّل دون الثاني» مرآة المجلسي 314/9.
2- أي جعله مستهدفاً لعداوة عدو اللّه يكيده ويتحين الفرص لإيقاع الضرر به.
3- أي مجحود النعمة. وقيل : هو مبتلى في الدنيا بأنواع البلاء ليصبر عليها فتكون كفارة لذنوبه.
4- أي يقتله أو يأخذه أو يهلكه على حين غرّة. وفي بعض النسخ (يقاتله).

جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إذا مات المؤمن خُلّي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر، كانوا مشتغلين به (1).

11 - سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما كان ولا يكون وليس بكائن مؤمن إلّا وله جار يؤذيه ؛ ولو أنَّ مؤمناً في جزيرة من جزائر البحر لا بتعث اللّه له من يؤذيه (2).

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم عن أبي أيّوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :قال ما كان فيما مضى ولا فيما بقي ولا فيما أنتم فيه مؤمن إلّا وله جارٌ (3) يؤذيه.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : ما كان (4) ولا يكون إلى أن تقوم الساعة مؤمن إلّا وله جار يؤذيه.

باب شدة ابتلاء المؤمن

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ أشدَّ النّاس بلاءاً (5) الأنبياء ثمّ الّذين يلونهم (6)، ثمّ الأمثل فالأمثل (7).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : ذكر عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) البلاء وما يخص اللّه عزّ وجلّ به المؤمن، فقال : سُئِلَ رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من أشدُّ النّاس بلاء في الدُّنيا فقال : النبيون ثمّ الأمثل فالأمثل، ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله، فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتدَّ بلاؤه ومن سخف إيمانه (8) وضعف عمله (9) قلَّ بلاؤه.

ص: 250


1- فعندما مات انصرف هم الشياطين الّذين كان همهم منصرفا إليه إلى جيرانه لينشغلوا بوسوستهم وإغوائهم.
2- أي من شياطين الجن والإنس.
3- الجار أعم من الجار في السكن أو المصاحب أو الشريك الخ.
4- أي فيما مضى من الدنيا. أو ما وُجد مؤمن.
5- البلاء يكون بالنعمة والخير ليختبر اللّه شكر عبده كما يكون بالمحنة والشر ليختبر صبره.
6- أي يأتون بعدهم رتبة أو من كان أقرب إليهم فيها.
7- أي الأشرف رتبة فالأشرف.
8- السخف: ضعف العقل أو خفة فيه والمراد بسخف الإيمان ضعفه وسطحيته.
9- أي كماً أو كيفاً أو بهما.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء، وما أحب اللّه قوماً إلّا ابتلاهم.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد اللّه عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أشدُّ النّاس بلاء الأنبياء ثمّ الأوصياء ثمّ الأماثل فالأماثل.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ للّه عزّ وجلّ عباداً في الأرض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة (1) إلى الأرض إلّا صرفها عنهم إلى غيرهم، ولا بلية إلّا صرفها إليهم.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أحمد بن محمّد بن خالد عن أحمد بن عبيد، عن الحسين این علوان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال - وعنده سدير - : إنَّ اللّه إذا أحب عبداً غته بالبلاء غنا (2) وإنا وإياكم (3) يا سدير لنصبح به (4) ونمسي.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان عن الوليد بن علاء عن حماد عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه تبارك وتعالى إذا أحب عبداً غته بالبلاء غتاً وثجه (5) بالبلاء ثجّاً، فإذا دعاه قال : لبّيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، ولئن ادَّخرت لك فما ادَّخرت لك فهو خيرٌ لك.

8 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب عن زيد الزراد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب اللّه عبداً ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند اللّه الرضا (6) ومن سخط البلاء فله عند اللّه السخط».

9 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن زكريا بن الحر، عن جابر بن

ص: 251


1- التحفة : الترفة واللطف والهدية جمع تحف وتحائف.
2- أي غمره وغمسه.
3- أي نحن وشيعتنا.
4- أي بالبلاء.
5- الثج : كما في النهاية سيلان دماء الهدي والأضاحي وهو كناية عن كثرة بلاء المؤمن بحيث يفيض عليه ويغمره.
6- يدل الحديث على أن كثير البلاء موجب لكثرة الأجر والثواب وشدة القرب من ساحة رضوانه سبحانه.

يزيد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه - أو قال(1) : - على حسب دینه

10 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن بعض أصحابه، عن محمّد بن، المثنى الحضرمي، عن محمّد بن بهلول بن مسلم العبدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه (2).

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلّا عرض له أمر يحزنه، يُذكّر به (3).

12 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن صفوان عن معاوية بن عمّار، عن ناجية قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ المغيرة (4) يقول : إن المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا؟ فقال: إن كان لغافلاً عن صاحب ياسين (5) إنه كان مكنعاً (6) - ثمّ ردَّ أصابعه (7) - فقال : كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم ثمّ عاد إليهم من الغد فقتلوه، قال : إنَّ المؤمن يبتلى بكلِّ بليّة ويموت بكل ميتة إلّا أنّه لا يقتل نفسه.

13 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول : إن المؤمن من اللّه عزّ وجلّ لبأفضل مكان - ثلاثاً - إنه ليبتليه بالبلاء ثمّ ينزع نفسه عضواً عضواً من جسده وهو يحمد اللّه على ذلك.

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن

ص: 252


1- الترديد من الراوي.
2- أي كلما «زيد في المؤمن من الإيمان زيد في الكفة الأخرى وهو الكافر الّذي بلاء المؤمن بسببه سواء كان من الإنس أو الجن فيزيد بلاؤه وأذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن» مرآة المجلسي 329/9.
3- أي يكون بسبب ذلك الحزن ذاكراً لذنوبه ووجوب توبته منها، وإنما سلط عليه الحزن لطفاً به لأن الحزن من أوجب الأمور إصلاحا للنفس والقلب.
4- هو ابن سعيد، وقد وردت الأخبار بذمه بل لعنه بسبب كذبه على الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- هو حبيب النجار وقد آمن برسل عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذلك في قوله تعالى «وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين..» الآيات 20 - 27 من سورة يس.
6- أي أشل أو مشنّج الأصابع، أو مقطوعها. وفي بعض النسخ بالتاء (مكتعا).
7- هذا من كلام الراوي، أي أن الإمام جسم بيده المباركة كيفية التكنيع في الأصابع.

فضيل بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء في جسده (1).

15 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن أبي يحيى الحناط عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال : شكوت إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما ألقى من الأوجاع - وكان مسقاماً (2) فقال لي : يا عبد اللّه لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قُرّض (3) بالمقاريض.

16 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن رباط قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ أهل الحقِّ لم يزالوا منذ كانوا(4) في شدَّة، أما إنَّ ذلك إلى مدة قليلة وعافية طويلة.

17 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن المختار عن أبي أسامة، عن حمران، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ ليتعاهد المؤمن (5) بالبلاء كما يتعاهد الرّجل أهله بالهدية من الغيبة (6)، ويحميه الدُّنيا (7) كما يحمي الطبيب المريض (8).

18 - علي، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن محمّد بن بهلول العبدي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لم يؤمن اللّه المؤمن من هزاهز (9)الدنيا ولكنه آمنه من العمى (10) فيها والشقاء في الآخرة.

19 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم الصحاف، عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إني لأكره

ص: 253


1- أي بالأمراض والأسقام.
2- هذا من كلام الراوي والمسقام : كثير الأسقام والأمراض.
3- أي قطع.
4- أى منذ وجدوا.
5- أي يتفقده.
6- أي بعد الانقطاع عنه والابتعاد زماناً بسفر أو انشغال.
7- أي يمنعه عن مشتهيات الدنيا ويزويها عنه
8- ووجه التشبيه أنّه كما يمنع الطبيب مريضه عن تناول ما يضره من الأطعمة والعقاقير كذلك يمنع اللّه المؤمن عما يضره في آخرته ومعاده من زخارف الدنيا ومشتهياتها.
9- أي البلاء والفتن الّتي تحدث في الدنيا فتجعل النّاس يضطربون لها.
10- المراد بالعمى عمى البصيرة لا عمى البصر.

للرجل أنْ يعافى في الدُّنيا فلا يصيبه شيء من المصائب.

20 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن نوح بن شعيب، عن أبي داود المسترقّ، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دُعي النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى طعام فلما دخل منزل الرَّجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه ولم تسقط ولم تنكسر، فتعجب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) منها. فقال له الرَّجل : أعجبت من هذه البيضة فوالّذي بعثك بالحقّ ما رزئت (1) شيئاً قط [قال : ] فنهض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولم يأكل من طعامه شيئاً وقال : ومن لم يُزرأ فما اللّه فيه من حاجة (2).

21 - عنه عن عليّ بن الحكم عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ). وأبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «لا حاجة اللّه فيمن ليس له (3) في ماله وبدنه نصيب».

22 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عثمان النوا، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكلّ ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله، أما ترى أيّوب كيف سلّط إبليس على ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كلّ شيء منه ولم يسلّط على عقله، ترك له ليوحّد اللّه به.

23 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنه ليكون للعبد (4) منزلة عند اللّه فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين : إما بذهاب ماله، أو ببلية في جسده.

24 - عنه، عن ابن فضّال، عن مثنّى الحناط، عن أبي أسامة، عن أبي عبد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ : لولا أن يجد (5) عبدي المؤمن في قلبه، لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد، لا يُصدع رأسه أبداً (6).

25 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عن عبد

ص: 254


1- أي ما نقصت في مال ولا ولد ولا نفس.
2- «أي أنّه ليس من خلّص المؤمنين وممن أعده اللّه لهداية الخلق ولعبادته ومعرفته الخ»، مرآة المجلسي 337/9.
3- الضمير يرجع إلى اللّه سبحانه.
4- أي المؤمن الكامل الإيمان.
5- أي يحزن.
6- كناية عن سلامته من المكاره والمصائب والبلايا في دار الدنيا.

اللّه بن مسکان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرّياح كذا وكذا، وكذلك المؤمن تكفئه الأوجاع والأمراض، ومثل المنافق كمثل الإرزبة المستقيمة (1) الّتي لا يصيبها شيء حتّى يأتيه الموت فيقصفه قصفاً».

26 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً لأصحابه : «ملعون كلّ مال لا يزكّى، ملعون كلّ جسد لا يزكى ولو في كلّ أربعين يوماً مرَّة»، فقيل : يا رسول اللّه أما زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد ؟ فقال لهم : أن تصاب بآفة، قال : فتغيرت وجوه الّذين سمعوا ذلك منه، فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم : أتدرون ما عنيت بقولي؟ قالوا : لا يا رسول اللّه، قال : «بلى الرجل يخدش الخدشة وينكب النكبة ويعثر العثرة ويمرض المرضة ويُشَاكُ الشوكة (2) وما أشبه هذا حتّى ذكر في حديثه اختلاج العين (3)».

27 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيبتلى المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا؟ قال : فقال : وهل كتب البلاء إلّا على المؤمن (4).

28 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن رواه عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن المؤمن ليكرم على اللّه حتّى لو سأله الجنّة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئاً، وإنَّ الكافر ليهون على اللّه حتّى لو (5) سأله الدُّنيا بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئاً، وإنَّ اللّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف (6)، وإنه ليحميه الدُّنيا كما يحمي الطبيب المريض.

29 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ أشدَّ النّاس بلاء النبيون، ثمّ الوصيون، ثمّ الأمثل فالأمثل ؛ وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وحسن عمله اشتدَّ بلاؤه، وذلك أنَّ اللّه

ص: 255


1- الإرزبة : عصيّة من حديد، وقد مر تمثيل المؤمن بخامة الزرع في باب أن المؤمن صنفان من هذا المجلد تحت رقم (1) وعلّقنا عليه فراجع.
2- أي تدخل الشوكة في جسده.
3- أي حركتها السريعة وهو نوع من الأمراض قد يعتري بعض أجزاء البدن ومنها العين.
4- هذا محمول على الغالب.
5- (لو) هنا كالّتي قبلها حرف امتناع لامتناع.
6- جمع طُرفة : وهي كلّ ما يُسْتَمْلح

عزّ وجلّ لم يجعل الدُّنيا ثواباً لمؤمن ولا عقوبة لكافر، ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، وإن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض (1).

30 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مالك

ابن عطية عن يونس بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ هذا الّذي ظهر بوجهي(2) يزعم النّاس أنَّ اللّه لم يبتل به عبداً له فيه حاجة، قال : فقال لي : لقد كان مؤمن آل فرعون مكنّع الأصابع فكان يقول هكذا - ويمد يديه - ويقول : «يا قوم اتبعوا المرسلين». ثمّ قال لي : إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله (3) فتوضٌ وقم إلى صلاتك الّتي تصليها، فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل وأنت ساجد يا علي يا عظيم يا رحمن یا رحیم یا سامع الدعوات يا معطي الخيرات صلّ على محمّد وآل محمّد وأعطني من خير الدنيا والآخرة ما أنت أهله واصرف عنّي من شرّ الدّنيا والآخرة ما أنت أهله، وأذهب عني بهذا الوجع - وتسمّيه - فإنّه قد غاظني وأحزنني، وألح في الدُّعاء. قال : فما وصلت إلى الكوفة حتّى أذهب اللّه به عنّي كله.

باب فضل فقراء المسلمين

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن سنان، عن العلاء عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن فقراء المسلمين (4) يتقلبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً (5) ثمّ قال : سأضرب لك مَثَل ذلك إنّما مَثَل ذلك مثل سفينتين مُرَّ بهما على عاشر (6) فنظر في أحداهما فلم ير فيها شيئاً، فقال : أسر بوها (7) ونظر في ا[لَّا] خرى فإذا هي موقورة (8) فقال : احبسوها.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن سعدان قال : قال أبو

ص: 256


1- فرار الأرض المطمئن من الأرض والمستقر الثابت منها.
2- ربما كان جذاماً أو نحوه. وربما كان الماً يعتريه.
3- أي في أول الثلث الأخير من الليل.
4- في الوافي ج 137/3 : (المؤمنين).
5- المراد بالخريف هنا العام الواحد، لأن الخريف هو الفصل المعروف من فصول السنة الأربعة، فعبر بالجزء وأراد به الكل. وقيل : بأن الخريف سبعون سنة. وروي أنّه ألف عام، كلّ عام ألف سنة.
6- العاشر : هو من يأخذ العُشر، وهو موظف الضرائب أو الجمارك في عصرنا.
7- أي خلّوا عنها وأرسلوها.
8- اي محمّلة بأحمال ثقيلة.

عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المصائب مِنَحٌ من اللّه والفقر مخزون عند اللّه.

3 - وعنه رفعه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «يا علي إن اللّه جعل الفقر أمانة عند خلقه، فمن ستره أعطاه اللّه مثل أجر الصائم القائم، ومن أفشاه إلى من يقدر على قضاء حاجته فلم يفعل فقد قتله، أما إنه ما قتله بسيف ولا رمح ولكنه قتله بما نكى (1) من قلبه».

4 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن داود الحذاء، عن محمّد بن صغير، عن جده شعیب، عن مفضّل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كلما ازداد العبد إيماناً ازداد ضيقاً في معيشته (2).

5 - وبإسناده قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا إلحاح المؤمنين على اللّه في طلب الرزق لنقلهم من الحال الّتي هم فيها إلى حال أضيق منها.

6 - عنه، عن بعض أصحابه، رفعه، قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أعطي عبد من الدُّنيا إلّا اعتباراً (3) وما زوي عنه (4) إلّا اختباراً.

7 - عنه، عن نوح بن شعيب وأبي إسحاق الخفاف عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس لمصاص شيعتنا (5) في دولة الباطل إلّا القوت شرّقوا إن شئتم أو غربوا لن ترزقوا إلّا القوت.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن الأشعري، عن بعض مشائخه، عن إدريس بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا عليُّ الحاجة أمانة اللّه عند خلقه، فمن كتمها على نفسه أعطاه اللّه ثواب من صلّى، ومن كشفها إلى من يقدر أن يفرج عنه ولم يفعل فقد قتله، أما إنه لم يقتله بسيف ولا سنان ولا سهم ولكن قتله بما نكى من قلبه».

ص: 257


1- أي جَرح.
2- إما لأن اللّه سبحانه يقدر عليه رزقه ليصبر تقرباً إليه فيزيده اللّه قرباً من رضوانه أو لأن ازدياد إيمانه يجعله أكثر حيطة في أمر دنياه وتحرجاً عن الشبهات وأبواب الحرام في مكاسبه فيقل ما يرد عليه من المال فتضيق به معيشته.
3- أي ليعتبر به الآخرون من أهل الدنيا، حيث يرون ما ترتب عليه من فساده ونسيان اخرته، أو ليعتبر هو عندما يلتفت إلى نعم اللّه عليه فيشكره بلسانه وبقلبه وبدفع جزء ممّا أنعم سبحانه عليه إلى الفقراء ممّن حرمهم اللّه من هذه النعم من الصدقات الواجبة والمندوبة.
4- أي قبض ومُنع وطُويَ عنه.
5- أي الخالصو الإيمان منهم.

9 - وعنه، عن أحمد، عن عليّ بن الحكم عن سعدان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيهاً بالمعتذر إليهم فيقول : وعزَّتي وجلالي ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم عليَّ، ولترون ما أصنع بكم اليوم فمن زوَّد أحداً منكم في دار الدنيا معروفاً فخذوا بيده فأدخلوه الجنّة، قال : فيقول رجل منهم : يا ربّ إنَّ أهل الدُّنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء ولبسوا الثياب اللينة وأكلوا الطعام وسكنوا الدور وركبوا المشهور من الدواب (1) فأعطني مثل ما أعطيتهم، فيقول تبارك وتعالى : لك ولكل عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدنيا منذ كانت الدنيا إلى أن انقضت الدنيا سبعون ضعفاً

10 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن إبراهيم بن عقبة، عن إسماعيل ابن سهل وإسماعيل بن عبّاد، جميعاً يرفعانه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما كان من ولد آدم مؤمن إلّا فقيراً ولا كافر إلّا غنيّاً حتّى جاء إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (2) فصيّر اللّه في هؤلاء أموالاً وحاجة، وفي هؤلاء أموالاً وحاجة.

11 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل موسر إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نقي الثوب، فجلس إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). فجاء رجلٌ معسر درن (3) الثوب فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أخفت أن يمسك من فقره شيء؟ قال : لا، قال : فخفت أن يصيبه من غناك شيء ؟ قال : لا، قال : فخفت أن يوسخ ثيابك؟ قال : لا، قال : فما حملك على ما صنعت؟ فقال : يا رسول اللّه إنَّ لي قريناً يزين لي كلّ قبيح ويقبح لي كلّ حسن (4)، وقد جعلت له نصف مالي، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للمعسر : «أتقبل؟» قال: لا، فقال له الرّجل : ولم ؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخلك» (5).

12 - عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن

ص: 258


1- أي ما اشتهر وعُرف بنفاسته وفراهته.
2- الممتحنة / 4. وقال الشيخ الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في تفسير مجمع البيان المجلد الخامس/ 271 تفسيراً لقول إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا تعذبنا بأيديهم ولا ببلاء من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء، عن مجاهد وقيل معناه : لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك... الخ».
3- أي وسخ.
4- «إن لي قريناً أي شيطاناً يغويني ويجعل القبيح حسناً في نظري والحسن قبيحاً وهذا الصادر مني من جملة إغوائه» الوافي ج 137/3.
5- أي من غواية الشيطان.

سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: في مناجاة موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحباً بشعار الصالحين؛ وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنب عُجِّلت عقوبته (1).

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «طوبى للمساكين بالصبر (2)، وهم الّذين يرون ملكوت السماوات والأرض».

14 - وبإسناده قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :«يا معشر المساكين طيبوا نفساً، وأعطوا اللّه الرّضا من قلوبكم، يثبكم اللّه عزّ وجلّ على فقركم، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم» (3).

15 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عيسى الفراء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان يوم القيامة أمر اللّه تبارك وتعالى منادياً ينادي بين يديه أين الفقراء؟ فيقوم عُنُق (4) من النّاس كثير، فيقول : عبادي! فيقولون : لبّيك ربنا، فيقول : إني لم أفقركم لهوان بكم عليَّ، ولكنّي إنّما اخترتكم لمثل هذا اليوم، تصفحوا وجوه النّاس فمن صنع إليكم معروفاً لم يصنعه إلّا في (5) فكافوه عنّي بالجنّة.

16 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم الحذَّاء، عن محمّد بن صغير، عن جده،شعيب عن مفضّل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا إلحاح هذه الشيعة على اللّه في طلب الرزق، لنقلهم من الحال الّتي هم فيها إلى ما هو أضيق منها.

17 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن محمّد بن الحسين بن كثير الخزاز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي : أما تدخل السوق؟ أما ترى الفاكهة تباع ؟ والشيء ممّا تشتهيه ؟ فقلت بلى، فقال: أما إنَّ لك بكل ما تراه فلا تقدر على شرائه حسنة (6).

ص: 259


1- «أي أذنبت ذنباً صار سبباً لأن أخرجني اللّه من أوليائه واتصفت بصفات أعدائه أو ابتلاني بالمشقة الّتي ابتلى بها أصحاب الأموال كما قال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) التوبة/55» مرآة المجلسي 9 / 365.
2- أي جنة طوبى لهم بسبب صبرهم على الفقر وسائر الابتلاءات في الدنيا.
3- دل الحديث على أن الثواب إنما يترتب على الصبر على الفقر لا على أصل الفقر.
4- أي جماعة وطائفة.
5- أي لم يُسد ذلك المعروف إليكم لمصلحة تعود عليه أو دنيا وإنما قصد به التقرب إلي ومرضاتي.
6- دل الحديث على أن هنالك عوضاً للمؤمن في الآخرة على صبره على الحرمان من الطيبات ورضاه بما قسم اللّه له في الدنيا.

18 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان عن عليّ بن عفّان عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه جل ثناؤه ليعتذر (1) إلى عبده المؤمن المحوج في الدُّنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه، فيقول: وعزتي وجلالي ما أحوجتك في الدُّنيا من هوان كان بك عليَّ، فارفع هذا السجف (2) فانظر إلى ما عوضتك من الدنيا، قال: فيرفع فيقول ما ضرَّني ما منعتني مع ما عوّضتني.

19 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان يوم القيامة قام عنق من النّاس حتّى يأتوا باب الجنّة فيضربوا باب الجنّة، فيقال لهم : من أنتم؟ فيقولون نحن الفقراء، فيقال لهم : أقبل الحساب (3)؟ فيقولون : ما أعطيتمونا شيئاً تحاسبونا عليه فيقول اللّه عزّ وجلّ: (صَدَقوا، ادخلوا الجنّة).

- عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن مبارك غلام شعيب قال: سمعت أبا الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : إني لم أغن الغني لكرامة به عليَّ، ولم أفقر الفقير لهوان به عليَّ، وهو (4) ممّا ابتليت به الأغنياء بالفقراء. ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنّة.

21 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن إسحاق بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار والمفضّل بن عمر قالا : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مياسير(5) شيعتنا أمناؤنا على محاويجهم، فاحفظونا فيهم يحفظكم اللّه.

22 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الفقر أزين للمؤمن من العذار على خدّ الفرس (6).

23 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب،

ص: 260


1- نسبة الاعتذار إلى اللّه سبحانه مجازي وهو كناية عن شموله سبحانه له بلطفه وإدخاله في رحمته والنظر إليه بعين عطفه ورضاه فيكون شبيهاً بالمعتذر.
2- أي الستر.
3- الاستفهام للإنكار أو التعجب أي كيف تدخلون الجنّة قبل عرضكم على الحساب ليرى إن كنتم تستحقون دخولها؟
4- أي إغنائي لهذا وإفقاري لذاك.
5- جمع موسر على غير القياس، وهو ذو المال والغنى.
6- «العذار من اللجام ما سال على خد الفرس» الوافي ج 3 ص / 138.

عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: سألت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) (1). قال : عنى بذلك أمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن يكونوا على دين واحد كفّاراً كلّهم. (لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ) (2)، ولو فعل اللّه ذلك بأمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لحزن المؤمنون وغمّهم ذلك، ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم (3).

باب (بدون العنوان)

باب (4)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبان بن عبد الملك قال : حدّثني بكر الأرقط، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو(5) عن شعيب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه دخل عليه واحد فقال : أصلحك اللّه، إنّي رجل منقطع إليكم بمودتي وقد أصابتني حاجةً شديدة وقد تقربت بذلك إلى أهل بيتي وقومي فلم يزدني بذلك منهم إلّا بعداً، قال : فما آتاك اللّه (6) خيرٌ ممّا أخذ منك (7). قال : جعلت فداك أدع اللّه لي أن يغنيني عن خلقه، قال: إنَّ اللّه قسم رزق من شاء على يدي من شاء، ولكن سل اللّه أن يغنيك عن الحاجة الّتي تضطرك إلى لئام خلقه (8).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الفقر الموت الأحمر (9)، فقلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الفقر من الدّينار والدّرهم؟ فقال : لا ولكن من الدين (10).

ص: 261


1- الزخرف 33 والناس : المقصود بهم بحسب هذا التأويل هم أمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعد وفاته. والمقصود بمن يكفر بالرحمن المخالفون المنكرون للإمامة والحاصل أنّه لولا أنّه كان يصير سبباً لكفر المؤمنين لحزنهم وغمّهم وانكسار قلبهم فيستولي عليهم الشيطان فيكفرون ويلحقون بالمخالفين إلّا شاذ منهم لا يكفي وجودهم لنصرة الإمام أو يهلكون غماً وحزناً. وأيضاً لو كان جميع المخالفين بهذه الدرجة من الغنى والثروة وجميع المؤمنين في غاية الفقر والمهانة والمذلة مرآة العقول للمجلسي 373/9.
2- الزخرف 33 والناس : المقصود بهم بحسب هذا التأويل هم أمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعد وفاته. والمقصود بمن يكفر بالرحمن المخالفون المنكرون للإمامة والحاصل أنّه لولا أنّه كان يصير سبباً لكفر المؤمنين لحزنهم وغمّهم وانكسار قلبهم فيستولي عليهم الشيطان فيكفرون ويلحقون بالمخالفين إلّا شاذ منهم لا يكفي وجودهم لنصرة الإمام أو يهلكون غماً وحزناً. وأيضاً لو كان جميع المخالفين بهذه الدرجة من الغنى والثروة وجميع المؤمنين في غاية الفقر والمهانة والمذلة مرآة العقول للمجلسي 373/9.
3- أي لم يناكح المخالفون المؤمنين بالتزوج فيهم والتزويج لهم، فلا تصل بينهم الأنساب الّتي هي سبب للتوارث، إضافة إلى استلزام ذلك لانقراض المؤمنين وزوالهم.
4- هذا الباب يعتبر من لواحق الباب السابق، إذ فيه يتحدث عن الفقر الممدوح والفقر المذموم.
5- الترديد من الراوي.
6- أي من مودتنا أهل البيت أو من الفقر.
7- أي من الثروة والمال.
8- اللئيم : هو الدنيء النفس والشحيح المهين ويدل الحديث على أن الفقر قد يضطر صاحبه إلى مد يده بالحاجة إلى غيره فإن كان ذلك الغير لئيما يكون ذلك الفقر الّذي تسبب إلى سؤال ذلك اللئيم مذموماً.
9- كناية عن شدة وطأة الفقر، لأن الموت الأحمر هو الموت بسبب القتل الشديا القاسي.
10- ويؤيده ما ورد عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أن الغنى والفقر بعد العرض على اللّه. وما ورد في بعض الموارد من أن الحريب من حرب دينه لا ماله.

باب أن للقلب أذنين ينفث فيهما المَلَكُ والشيطان

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من قلب إلّا وله أذنان على إحداهما مَلَكَ مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن (1)، هذا يأمره وهذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (2).

2 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق عن سعدان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ للقلب أذنين، فإذا هم العبد بذنب قال له روح الإيمان(3) : لا تفعل ؛ وقال له الشيطان افعل، وإذا كان على بطنها (4) نزع منه روح الإيمان.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما من مؤمن إلّا ولقلبه أذنان في جوفه (5) : أذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس وأذن ينفث فيها الملك، فيؤيد اللّه المؤمن بالملك، فذلك قوله : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (6).

باب الروح الّذي أَيَّدَ به المؤمن

1 - الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، جميعاً، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي سلمة، محمّد عن بن سعيد بن غزوان، عن ابن أبي نجران عن محمّد بن سنان، عن أبي خديجة (7) قال : دخلت على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي : إن اللّه تبارك

ص: 262


1- أي مضلّ.
2- ق / 17 - 18. «وظاهر هذا الخبر أن الرقيب والعتيد الملك والشيطان بل المتلقيين أيضاً، ويحتمل أن يكون هذا بطن الآية، أو يكون الرقيب العتيد صاحب اليمين ويكون الزاجر والكاتب متحداً» مرآة المجلسي 388/9.
3- حول المراد بروح الإيمان هنا ذكرت وجوه منها : أنّها الملك كما مر في بعض الأحاديث، ومنها: أنّها العقل، ومنها : أنّها الروح الّتي في الإنسان ومنها : إنّها قوة الإيمان وكما له ونوره الخ. وقد أورد الشيخ المجلسي في مرآته 1388/9 - 390 هذه الوجوه وغيرها بشكل مسهب فراجع.
4- الضمير راجع بمناسبات الحكم والموضوع إلى المرأة المزني بها.
5- قيد احترازي لإخراج أذني الإنسان اللّذين في رأسه.
6- المجادلة / 22.
7- واسمه سالم بن مكرم.

وتعالى أيّد المؤمن بروح منه تحضره في كلّ وقت يُحسن (1) فيه ويتقي (2)، وتغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه وتسيخ (3) في الثرى عند إساءته فتعاهدوا عباد اللّه نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً (4)، اللّه امرءاً رحم هم (5) بخير فعمله أو هم بشر فارتدع عنه، ثمّ قال: نحن نؤيد الروح بالطاعة اللّه والعمل له (6).

باب الذنوب

باب الذنوب (7)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة (8)، إنَّ القلب ليواقع الخطيئة (9) فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله (10).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (11) فقال : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيرهم إلى النار.

3- عنه عن أبيه عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أما إنّه ليس من عرق يضرب، ولا نكبة (12) ولا صداع ولا مرض إلّا بذنب؛ وذلك قول اللّه

ص: 263


1- أي يفعل فيه الطاعات.
2- أي يجتنب المحرمات.
3- أي تغوص وترسب وهو كناية عن هبوطها في دركات الإنسانية وانحطاطها وتلاشي أثرها.
4- المراد به الجنّة ودرجاتها العُلى.
5- أي عزم عليه وقصد إليه.
6- «أي نقويه، وفي بعض النسخ (نزيد) فيرجع إلى التأييد أيضاً فإنه يتقوى بالطاعة كأنه يزيد»، مرآة المجلسي 396/9.
7- عنون الفيض (رضیَ اللّهُ عنهُ) هذا الباب في الوافي 166/3 هكذا : باب غوايل الذنوب وتبعاتها.
8- المراد بها الجنس.
9- أي يرتكبها مرة بعد أخرى أو خطيئة بعد خطيئة.
10- أي أن الخطيئة تختلط بالقلب وتسكنه حتّى تصيره منكوساً لا يستقر فيه شيء من الخير، لأنها تكدّره وتجعله مظلماً لا يتأثر بنور الحق والحقيقة.
11- البقرة/ 175، وظاهر الاستفهام في الآية التعجب، ولما كان من الأمور المستحيلة في حقه سبحانه، كان المقصود منه التعجيب لنا من هؤلاء الكفار الّذين يداومون ويصرون على أن يعملوا في الدنيا أعمالاً تؤدي بهم إلى النّار في الأخرة.
12- «النكبة : وقوع الرجل على الحجارة عند المشي، أو المصيبة والأوّل أظهر» مرآة المجلسي 399/9.

عزّ وجلّ في كتابه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (1) قال : ثمّ قال : وما يعفو اللّه أكثر ممّا يؤاخذ به.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد، عن حريز عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ما من نكبة تصيب العبد إلّا بذنب وما يعفو اللّه عنه أكثر.

5 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تبدين عن واضحة (2) وقد عملت الأعمال الفاضحة، ولا يأمن البيات (3) من عمل السيّئات.

6 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عن أسامة عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : تعوذوا باللّه من سطوات اللّه (4) بالليل والنهار، قال : قلت له وما سطوات اللّه ؟ قال : الأخذ على المعاصي.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، عن سليمان الجعفري عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الذُّنوب كلها (5) شديدة وأشدُّها ما نبت عليه اللحم والدَّم (6)، لأنه (7) إما مرحوم وإما معذَّب والجنّة لا يدخله إلّا طيب.

8 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ العبد ليذنب الذَّنب فيزوى عنه الرّزق (8).

9 - عليّ بن محمّد عن صالح بن أبي حماد، عن محمّد بن إبراهيم النوفلي، عن

ص: 264


1- الشورى 30. والخطاب للخلق كافة عدا المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأنبياء والأوصياء والمراد بالمصيبة البلية في النفس أو المال فهي بسبب معاصيكم.
2- «الواضحة : الأسنان تبدو عند الضحك والمعنى : لا تضحك ضحكاً تبدو به أسنانك ويكشف عن سرور قلبك وقد عملت أعمالاً قبيحة افتضحت بها عند اللّه وعند ملائكته وعند الرسول والأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولا تدري أغَفَر اللّه لك أم يعذبك عليها» مرآةالمجلسي 401/9.
3- البيات : الإغارة ليلا - كما في المصباح - والمقصود هنا، نزول البلايا عليه والمصائب ليلا أو على حين غرة وإن كان بالنهار.
4- أي بطشه وقهره.
5- باعتبار أنّها هتك الحرمة المولى سبحانه وتجرؤ عليه حتّى ولو كانت من الصغائر.
6- بأن أصر على المعصية مدة ينبت فيها عادة اللحم ويشتد العظم.
7- أي بعد الموت في البرزخ اولاً ثمّ في القيامة.
8- هذا وارد على نحو الأعم الأغلب وإلا فقد يغدق اللّه الرزق على العصاة والكفار استدراجاً.

الحسين بن مختار، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم، ملعون (1) ملعون من كمه أعمى (2)، ملعون ملعون من نكح بهيمة».

10 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : اتقوا المحقرات من الذُّنوب (3)، فإنَّ لها طالباً (4)، يقول أحدكم : أذنب وأستغفر، إِنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (5) ؛ وقال عزّ وجلّ : (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (6).

11 - أو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن سليمان بن طريف، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إِنَّ الذَّنب يحرم العبد الرزق.

12 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان عن الفضيل عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ الرَّجل ليذنب الذَّنب فَيُدرءُ (7) عنه الرزق وتلا هذه الآية : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ) (8).

13 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن أبي بصير قال :

ص: 265


1- أي مطرود من ساحة رحمة اللّه سبحانه.
2- أي بأن يعيره بعماه فيقول له يا أعمى. وهذا أحد الوجوه في الحديث وهنالك غير هذا الوجه فراجع مرأة المجلسي 9 / 405.
3- أي صغائرها وما قد يهون في نظر فاعله.
4- أي يسجلها ويحاسب عليها.
5- يس / 12) وفي المصحف / (ونكتب) ولعله من تصحيف النسّاخ أو نقل للآية بالمعنى. والمقصود ب- (إمام مبين) اللوح المحفوظ.
6- لقمان / 16. وقال بعض المحققين : خفاء الشيء إما لغاية صغره، وإما لاحتجابه، وإما لكونه بعيداً، وإما لكونه في ظلمة، فأشار إلى الأوّل بقوله : مثقال حبة.... وإلى الثاني بقوله : فتكن في صخرة. وإلى الثالث بقوله : أو في السماوات وإلى الرابع بقوله : أو في الأرض.... مرآة المجلسي 408/9 - 409.
7- أي يُدفع.
8- القلم / 17 - 19. نزلت هذه الآيات في قوم كانت لأبيهم جنة إذا حان وقت قطاف ثمرها استثنى منه مؤونة سنة وتصدق بالباقي على الفقراء فعزموا بعد موت أبيهم الا يفعلوا فعله في التصدق فدمرها اللّه سبحانه. (ولا يستثنون) أي لم يقولوا إنشاء اللّه. أو لا يستثنون حصة المساكين فعل أبيهم.

سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا أذنب الرَّجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً.

14 - عنه عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه (1) قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته واحرمه إيَّاها فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحومان مني.

15 - ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : إنه ما من سنة أقل مطراً من سنة ولكنّ اللّه يضعه حيث يشاء، إنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدَّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي (2) والبحار والجبال وإنَّ اللّه ليعذب الجُعَل (3) في جُحرها بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلّها بخطايا من بحضرتها، وقد جعل اللّه لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي. قال : ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فاعتبروا يا أولي الأبصار (4).

16 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ابن بكير عن، أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الرَّجل يذنب الذَّنب فَيُحْرَمُ صلاة الليل، وإنَّ العمل السيّىء أسرع (5) في صاحبه من السكين في اللحم.

17 - عنه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من هم بسيئة فلا يعملها، فإنه ربما عمل العبد السيئة خيراه الرب تبارك وتعالى فيقول : (وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبداً) (6).

18 - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي عن عمرو بن عثمان، عن رجل، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حقٌّ على اللّه أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها للشمس حتّى تطهّرها (7).

ص: 266


1- الضمير راجع إليه سبحانه.
2- جمع فيفاء وهي البرية الواسعة أو المفازة الّتي لا ماء فيها.
3- دويبة صغيرة، وقبل هو الحرباء.
4- أي اتعظوا يا أصحاب البصائر وتفكروا في عواقب أفعالكم.
5- أي تأثيراً ونفوذاً.
6- وذلك بمنع لطفه سبحانه عنه فلا يوفق للتوبة.
7- أي أخر بها حتّى برزت في حرارة الشمس، وهو إشعار بأن المعاصي توجب خراب الديار وبوار أهلها.

19 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعمّن» (1).

20 - أبو على الأشعري عن عيسى بن أيّوب عن عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن عروة، عن ابن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : [قال : ] ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى (2) في الذُّنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطي البياض، فإذا [ت-] غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (3).

21 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لاتبدين عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة، ولا تأمن البيات، وقد عملت السيئات (4).

22 - محمّد بن يحيى وأبو علي الأشعري عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن أبي عمرو المدائني عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه قضى قضاء حتماً ألا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إياه حتّى يُحدث العبد ذنباً يستحقُ بذلك النقمة (5).

23 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح، عن سدير قال : سأل رجلٌ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (قَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ.... الآية) فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جاريةٌ وأموال ظاهرةً فكفروا نعم اللّه عزّ وجلّ وغيّروا ما بأنفسهم من عافية اللّه فغيّر اللّه ما بهم من

ص: 267


1- «في الخبر دلالة على أن الذنب يمنع من دخول الجنّة في تلك المدة ولا دلالة فيه على أنّه في تلك المدة في النّار أو في شدائد القيامة» مرآة المجلسي 417/9. وقد ورد عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله : لا تتكلموا بشفاعتنا فإن شفاعتنا قد لا تلحق بأحدكم إلّا بعد ثلاثمائة سنة.
2- أي أصر وداوم عليها.
3- المطففين / 14. ومعنى (بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) «أي غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتّى قبلت الطبع والختم على وجه لا يدخل فيها شيء من الحق. والمراد بما كانوا يكسبون الأعمال الظاهرة القبيحة والأخلاق الباطنة الخبيثة...» مرآة المجلسي 418/9 - 419.
4- مر مضمون هذا الحديث قبل قليل وعلّقنا عليه.
5- ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

نعمة. وإنّ اللّه لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم فأرسل اللّه عليهم سيل العرم فغرَّق قراهم وخرب ديارهم وأذهب أموالهم، وأبدلهم مكان جنّاتهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل، ثمّ قال: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (1).

24 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن سماعة قال: - سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما أنعم اللّه على عبد نعمة فسلبها إيَّاه حتّى يذنب ذنباً يستحقُ بذلك السلب.

25 - محمّد بن يحى، عن أحمد بن محمّد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد الجزري قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ بعث نبياً من أنبيائه إلى قومه وأوحى إليه أن قل لقومك : إنه ليس من أهل قرية ولا [أ] ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء (2) فتحولوا عما أحبُّ إلى ما أكره إلّا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون، وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضرَّاء (3) فتحوَّلوا عمّا أكره إلى ما أُحبُّ إلّا تحوّلت لهم عمّا يكرهون إلى ما يحبّون، وقل لهم : إن رحمتي سبقت غضبي (4) فلا تقنطوا من رحمتي، فإنّه لا يتعاظم عندي ذنب أغفره، وقل لهم : لا يتعرضوا معاندين لسخطي، ولا يستخفوا بأوليائي فإنَّ لي سطوات عند غضبي، لا يقوم لها شيء (5) من خلقي.

26 26 - عليّ بن إبراهيم الهاشمي، عن جده محمّد بن الحسن بن محمّد بن عبيد اللّه عن سليمان الجعفري، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى نبي من الأنبياء : إذا أطعتُ رضيت، وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإذا عُصِيتُ غَضِبْتُ وإذا غضبت لعنتُ، ولعنتي تبلغ السابع من الورى (6).

ص: 268


1- الآيات في سورة سبا / 15 - 19. «فكفروا نعم اللّه عزّ وجلّ حيث قالوا ربنا باعد بين أسفارنا، بطروا النعمة وملوا العافية وطلبوا الكد والتعب. وشكوا بعد سفرهم إفراطاً منهم في الترفيه وعدم الاعتداد بما أنعم اللّه عليهم سيل العرم أي الأمر الصعب أو المطر الشديد أو الجرذ أضاف إليه السيل لأنه نقب عليهم سداً حقن به الماء أو الحجارة المركومة الّتي عقد بها السد فيكون جمع عرمة، وقيل : اسم واد جاء السيل من قبله كان ذلك بين عيسى ومحمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ). خمط مر بشع، والأئل مر بشع، والأثل هو الطرفاء». الوافي ج 167/3.
2- أي مسرّة.
3- أي مضرّة أو زمانة.
4- إما بمعنى أن رحمتي غلبت غضبي، أو بمعنى السبق المعنوي أو السبق الزماني.
5- أي لا يطيقها ولا يقدر أن يتعرض لها.
6- الورى: كما في القاموس ولد الولد، أي أن لعنة اللّه تصيب الذرية حتّى البطن السابع، ولعله لعلمه سبحانه برضاهم بفعل آبائهم من المعاصي.

27 - محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن بن عليّ عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [أنه] قال : إن أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان، وما ذلك إلّا بالذنوب فتوقوها ما استطعتم ولا تمادوا فيها.

28 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، رفعه قال: قال أمي-ر المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا وجع أوجع للقلوب من الذُّنوب (1)، ولا خوف أشدُّ من الموت ؛ وكفى بما سلف تفكّراً (2)، وكفى بالموت واعظاً.

29 - أحمد بن محمّد الكوفي، عن عليّ بن الحسن الميثمي، عن العباس بن هلال الشامي مولى لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كلّما أحدث العباد من الذُّنوب ما لم يكونوا يعملون (3)، أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.

30 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يقول اللّه عزّ وجلّ: إذا عصاني من عرفني (4) سلطت عليه من لا يعرفني.

31 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن اسباط، عن ابن عرفة، عن أبي لحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ في كلّ يوم وليلة منادياً ينادي : مهلا مهلا عباد اللّه عن معاصي اللّه، فلولا بهائم رُتَّع (5)، وصبية رضع، وشيوخ ركّع، لصب عليكم العذاب صبّاً، ترضون به رضّأ (6).

باب الكبائر

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة عن

ص: 269


1- «أي الذنوب تصير سبباً لهم القلب وحزنه أزيد من غيرها من المخوفات، لأن الذنوب تصير سبباً للخوف من عقاب الّذي هو أعظم المفاسد وأشدها» مرآة المجلسي 427/9 - 428.
2- أي «كفى التفكر فيما سلف من أحوال نفسه وأحوال غيره وعدم بقاء لذات الذنوب وبقاء تبعاتها وفناء الدنيا وذهاب من ذهب قبل بلوغ آماله وحسن عواقب الصالحين والمحسنين وسوء عاقبة الظالمين والفاسقين...» ن. م ص / 428.
3- أي من البدع الّتي أحدثوها أو الذنب الّذي لم يصدر منهم قبل ذلك وإن صدر من غيرهم، ن. م ص / 429.
4- أي صدّق بربوبيتي وبرسلي وبما جاؤوا به من عندي.
5- أي سأئمّة في الأرض الخصبة تأكل وتشرب كما شاءت.
6- أي تدقون به دقاً وتسحقون سحقاً.

الحلبي، عن عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (1) قال : الكبائر، الّتي أوجب اللّه عزّ وجلّ عليها النار.

2 - عنه، عن ابن محبوب قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي ؟ فكتب الكبائر (2) : من اجتنب ما وعد اللّه عليه النّار كفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً والسبع الموجبات (3) : قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة (4) أوقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزَّحف (5).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : الكبائر سبع : قتل المؤمن متعمداً (6) وقذف المحصنة (7)، والفرار من الزَّحف والتعرُّب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البينة (8) وكلُّ ما أوجب اللّه عليه النّار.

4 - يونس، عن عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ من الكبائر عقوق الوالدين، واليأس من روح اللّه، والأمن لمكر اللّه (9). وقد روي (10) [أنَّ] أكبر الكبائر الشرك باللّه.

5 - يونس عن حماد، عن نعمان الرازي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من زنى خرج من الإيمان، ومن شرب الخمر خرج من الإيمان، ومن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً خرج من الإيمان (11).

ص: 270


1- النساء/ 31 والنهي عن هذه الكبائر إنما يكون بواسطة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والمراد بالسيئات صغائر الذنوب والتكفير : المحو والعفو.
2- أي هذا بيان الكبائر المسؤول عنها.
3- أي الّتي أوجب اللّه عليها النار.
4- هو أن يعود ليعيش مع أهل البوادي بعيداً عن حواضر الإسلام. ولا يبعد تعميه لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثمّ تركها وأعرض عنها ولم يعمل بهاء الوافي ج 174/3.
5- الزحف: المشي إلى العدو لمجاهدته.
6- أي عالماً بإيمانه مع عدم الموجب لهدر دمه.
7- المحصنة : المرأة المسلمة المعروفة بالعفاف.
8- أي بعدما علم تحريمه.
9- مكر اللّه : عقابه وعذابه والأمن منه : الاغترار باستدراجه سبحانه فيلج بالمعصية.
10- هذا حديث آخر ولعله بنفس السند.
11- الظاهر أن الحكم لا يختص بما ذكر، بل إن ما ذكر عناوين كبرى يندرج تحتها مصاديق، «نبه بالزنا على جميع ما حرمه اللّه من الشهرات، وبالخمر على جميع ما يشغل عن اللّه الخ» مرآة المجلسي 15/10.

6 - عنه، عن محمّد بن عبده قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يزني الزاني وهو مؤمن؟ قال : لا، إذا كان على بطنها (1) اسلب الإيمان فإذا قام رُدَّ إليه فإذا عاد سلب. قلت : فإنه يريد أن يعود؟ فقال: ما أكثر من يريد أن يعود فلا يعود إليه أبداً (2).

7 - يونس، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (3) قال : الفواحش الزنا والسرقة، واللمم : الرجل يلم بالذَّنب فيستغفر اللّه منه. قلت : بين الضلال والكفر منزلة ؟ فقال : ما أكثر عرى الإيمان (4).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الكبائر، فقال : هنَّ في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سبع : الكفر باللّه، وقتل النفس وعقوق الوالدين، وأكل الرّبا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلماً. والفرار من الزَّحف والتعرُّب بعد الهجرة، قال : فقلت : فهذا أكبر المعاصي ؟ قال : نعم قلت : فأكل درهم من مال اليتيم ظلماً أكبر أم ترك الصلاة؟ قال : ترك الصلاة، قلت : فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: أي شيء أوّل ما قلت لك ؟ قال قلت : الكفر، قال : فإنَّ تارك الصلاة كافر. يعني من غير علّة(5).

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن حبيب، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : ما من عبد إلّا وعليه أربعون جُنّة (6) حتّى يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن فيوحي اللّه إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها قال : فما يدع شيئاً من القبيح إلّا قارفه (7)، حتّى يمتدح (8) إلى

ص: 271


1- الضمير يرجع إلى المرأة المزني بها.
2- أي «ليس لإرادة العود حكم العود كما أن إرادة أصل المعصية ليست كنفس المعصية فإنها صغيرة مكفرة..» مرآة المجلسي 16/10.
3- النجم / 32، واللمم : صغائر الذنوب وقيل : أن يقارب مواقعة الذنب ثمّ يتوب عنه.
4- هذا يحتمل وجوهاً منها : «هل أن بين حصول أول مراتب الضلال وحصولى الكفر منزلة وواسطة ؟ فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأن المنازل كثيرة فإن فعل الفرائض بل مطلق العبادات وترك المعاصي من عرى الإيمان فإذا انتفى واحد منها دخل في الضلال...» مرآة المجلسي 18/10.
5- أي من غير مانع يمنعه من أدائها، أو شبهة أو جهل، وهذا من كلام الراوي أو المصنف رحمه اللّه.
6- أي أربعون سترا. جمع جنن.
7- أي زاوله وواقعه وارتكبه.
8- أي يحسن الثناء عليه عندهم.

النّاس بفعله القبيح، فيقول الملائكة : يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئاً إلّا ركبه (1) وإنا لنستحيي ممّا يصنع، فيوحي اللّه عزّ وجلّ إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه فإذا فُعِلَ ذلك (2) أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينهتك ستره في السماء وستره في الأرض، فيقول الملائكة: يا ربِّ هذا عبدك قد بقي مهنوك الستر (3) فيوحي اللّه عزّ وجلّ إليهم : لو كانت اللّه فيه حاجة (4) ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه.

ورواه ابن فضّال، عن ابن مسكان.

10 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الكبائر ؛ القنوط من رحمة اللّه واليأس (5) من روح اللّه، والأمن من مكر اللّه، وقتل النفس الّتي حرم اللّه، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة والفرار من الزَّحف، فقيل له : أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أتخرجه (6) من الإيمان، وإن عذب بها فيكون عذا به كعذاب المشركين (7)، أوله انقطاع ؟ قال : يخرج من الإسلام إذا زعم أنّها حلال ولذلك يعذب أشدَّ العذاب، وإن كان معترفاً بأنّها كبيرة وهي عليه حرام وأنّه يعذب عليها وأنها غير حلال، فإنه معذَّب عليها وهو أهون عذاباً من الأوّل (8) ويخرجه من الإيمان ولا يخرجه من الإسلام.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان»؟ قال : وهو قوله : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ منه» (9) ذاك الّذي يفارقه.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبد

ص: 272


1- أي من المعاصي والقبائح.
2- أي رفع الأجنحة.
3- فيه إشعار بأنهم يريدون ستره ويستعظمون أن يبقى هكذا مهتوكاً.
4- أي لطف وتوفيق للطاعة.
5- بعد أن لم يكن فرق بين اليأس والقنوط في المعنى كان ذكر اليأس بعد القنوط من باب عطف البيان «وربما يخص اليأس بالأمور الدنيوية والقنوط بالأمور الأخروية»، الوافي ج 175/3.
6- الضمير يرجع إلى الكبيرة.
7- أي في الدوام والاستمرار وعدم الانقطاع.
8- اهونيته إما من حيث نوعه وذاته وإما من حيث انقطاعه بخلاف الأول.
9- المجادلة / 22. أي وقواهم بنور وبرهان منه. فالّذي يفارقه هو كمال الإيمان وما يترتب عليه به من آثار.

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يسلب منه روح الإيمان ما دام على بطنها فإذا نزل عاد الإيمان(1). قال : قلت [له] : أرأيت إن هم (2)؟ قال : لا، أرأيت إن هم أن يسرق أتُقْطَعُ يده؟.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن صباح بن سيابة قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له محمّد بن عبده : يزني الزاني وهو مؤمن ؟ قال : لا إذا كان على بطنها سُلِبَ الإيمان منه فإذا قام رُدَّ عليه، قلت: فإنه أراد أن يعود ؟ قال : ما أكثر م يهم أن يعود ثمّ لا يعود (3).

14 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الوشّاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : الكبائر سبعة (4) ؛ منها قتل النفس متعمّداً، والشرك باللّه العظيم وقذف المحصنة، وأكل الرّبا بعد البينة والفرار من الزَّحف والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، قال : والتعرب والشرك واحد (5).

15 - أبان، عن زياد الكناسي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): والّذي إذا دعاه أبوه لعن أباه والّذي إذا أجابه ابنه يضربه (6).

16 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، رفعه، عن محمّد بن داود الغنوي، عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين، إن ناساً زعموا أن العبد لا يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن، ولا يأكل الربا وهو مؤمن، ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن، فقد ثقل عليَّ هذا وحرج (7) منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي، ويدعو دعائي، ويناكحني وأناكحه، ويوارثني وأوارثه، وقد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير (8) أصابه، فقال أمير

ص: 273


1- أي إليه إما بعد زواله كلياً، أو إلى كماله بعد نقصانه بفعل الزنا، ولا بد من حمل ذلك على ما بعد التوبة، لا بمجرد النزول عن بطن الزانية.
2- أي قصد الزنا هل يفارقه روح الإيمان مرآة المجلسي 27/10.
3- مر مضمون هذا الحديث فيما مضى وعلّقنا عليه.
4- «كأن التاء بتأويل الكبيرة بالذنب إن لم يكن من تصحيف النساخ» مرآة المجلسي 28/10.
5- «قوله : التعرب والشرك واحد اعتذار عما يتراءى من المخالفة بين الإجمال والتفصيل في العدد فالمعنى أن المراد بالشرك ما يشمل التعرب أيضاً فإنه بمنزلة الشرك... فذكره بعده من قبيل ذكر الخاص بعد العام لبيان الفرد الخفيّ» مرآة المجلسي 28/10 - 29، والوافي ج 175/3.
6- «الأمران من إفراد العقوق وفيه تنبيه على أن العقوق قد يكون من جانب الوالد أيضاً»، الوافي ج 175/3.
7- أي ضاق.
8- «كأنه عده يسيراً لأن الخلل في العقائد الإيمانية أعظم منه. وقيل : اليسير في مقابل الكثير فلا ينافي عظمة الذنوب المذكورة. وقيل : اليسير هنا ما قل زمانه وانقضت لذته سريعاً» مرأة المجلسي 31/10.

المؤمنين صلوات اللّه عليه : صدقت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول : والدليل عليه كتاب اللّه.

خلق اللّه عزّ وجلّ النّاس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل وذلك قول اللّه عزّ وجلّ الكتاب : (أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون) (1)، فأما ما ذكر من أمر السابقين فإنّهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة أرواح : روح القدس وروح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين وبها علموا الأشياء، وبروح الإيمان عبدوا اللّه ولم يشركوا به شيئاً، وبروح القوَّة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء، وبروح البدن دبّوا ودرجوا، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثمّ قال: قال اللّه عزّ وجلّ : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (2) ثمّ قال في جماعتهم (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (3) يقول : أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

ثمّ ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقاً بأعيانهم جعل اللّه فيهم أربعة أرواح : روح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى تأتي عليه،حالات فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال : أما أولاهنَّ فهو كما قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (4)، فهذا ينتقص منه جميع الأرواح، وليس بالّذي يخرج من دين اللّه، لأنَّ الفاعل به ردَّه إلى أرذل عمره، فهو لا يعرف للصلاة وقتاً، ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنّهار، ولا القيام في الصف مع النّاس(5) فهذا نقصان من روح الإيمان وليس يضره شيئاً (6) ؛ ومنهم من ينتقص منه روح القوَّة فلا يستطيع جهاد عدوّه، ولا يستطيع طلب المعيشة. ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبحُ بنات آدم لم يحنَّ إليها (7)، ولم يقم، وتبقى روح البدن فيه فهو يدب ويدرج حتّى

ص: 274


1- هذا مضمون الآيات 8 و 9 و 10 من سورة الواقعة.
2- البقرة/ 253.
3- المجادلة / 22. وقد مر مجمل هذا الحديث في كتاب الحجة من المجلد الأوّل تحت الأرقام 1 و 2 و 3 وعلقنا عليه هناك فراجع.
4- النحل / 70.
5- أي في صلاة الجماعة.
6- لأنه نقصان في الأفعال مع العذر.
7- أي لم يمل إليها ولم يشتهها.

يأتيه ملك الموت فهذا الحال خير (1)، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ هو الفاعل به. وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجّعه روح القوَّة، ويزين له روح الشهوة، ويقوده روح البدن حتّى توقعه في الخطيئة، فإذا لامسها نقص من الإيمان وتفصّى منه (2) فليس يعود فيه حتّى يتوب، فإذا تاب تاب اللّه عليه وإن عاد أدخله اللّه نار جهنم.

فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) (3) يعرفون محمّداً والولاية في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم. (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (4) (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أنك الرسول إليهم فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (5). فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم [ اللّه ] بذلك فسلبهم روح الإيمان، وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح : روح القوَّة وروح الشهوة وروح البدن، ثمّ أضافهم إلى الأنعام، فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) (6). لأنَّ الدابة إنّما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن، فقال [له] السائل : أحييت قلبي بإذن اللّه يا أمير المؤمنين.

17 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن داود قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان؟» قال: فقال : هو مثل قول اللّه عزّ وجلّ : [ (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (7) ثمّ قال : غير هذا أبين منه، ذلك قول اللّه عزّ وجلّ]: (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)هو الّذي فارقه.

18 - يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (8) الكبائر فما سواها. قال : قلت: دخلت

ص: 275


1- أي لا يكون هذا النقص في الروح سبياً لإثمه وضرره الأخروي. وفي بعض النسخ : «فهذا مجال خير».
2- أي تخلص منه روح الإيمان أو خرج هو منه.
3- البقرة/ 146 – 147.
4- البقرة/ 146 – 147.
5- البقرة/ 146 – 147.
6- الفرقان / 44.
7- البقرة / 267. ولا تيمموا الخبيث أي لا تقصدوا الردي. وروي أنهم كانوا يتصدقون بالتمر الرديء أو الفاسد منه فنهوا عن ذلك. «وأما التشبيه فيحتمل وجوهاً الأوّل : أن الأعمال الصالحة إنفاق من النفس وإذا فارقها روح الإيمان بسبب الأعمال السيئة صارت خبيثة... والثاني : أن الإيمان يصير خبيثاً كالمال الرديء الثالث: أن إيمان الزاني ناقص لا إنه معدوم بكله أن الإنفاق من المال الخبيث ناقص لا أنّه ليس بإنفاق أصلا...» مرآة المجلسي 41/10.
8- النساء / 48.

الكبائر في الاستثناء (1) قال : نعم.

19 - يونس عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الكبائر فيها استثناء أن يغفر لمن يشاء؟ قال : نعم.

20 - يونس، عن ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : (ومن يُؤْتَ الحكمة فقد أُوتِيَ خيراً كثيراً) (2) قال : معرفة الإمام، واجتناب الكبائر الّتي أوجب اللّه عليها النّار.

21 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم قال: قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الكبائر تخرِجُ من الإيمان؟ فقال: نعم وما دون الكبائر قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن».

22 - ابن أبي عمير، عن عليّ [بن] الزَّيّات عن عبيد بن زرارة قال: دخل ابن قيس الماصر وعمرو بن ذرّ - وأظنّ (3) معهما أبو حنيفة - على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتكلّم ابن قيس الماصر فقال : إنا لا نخرج أهل دعوتنا وأهل ملّتنا (4) من الإيمان في المعاصي والذنوب، قال: فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن قيس، أما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد قال : لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن، فاذهب أنت وأصحابك حيث شئت (5).

23 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه سنان قال : بن سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرَّجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت، هل يخرجه ذلك منالإسلام وإن عذب كان عذا به كعذاب المشركين أم له مدَّة وانقطاع ؟ فقال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشدَّ العذاب، وإن كان معترفاً أنّه أذنب ومات عليه أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول(6).

ص: 276


1- «أي في التعليق بالمشيئة وقد شاع تسمية التعليق بمشيئة اللّه استثناء فإن قولك : أفعل ذلك إنشاء اللّه في قوة قولك : إلّا أن لا يشاء اللّه فعلي» مرآة المجلسي 43/10.
2- البقرة/ 269. وقيل : بأن الحكمة علم القرآن. وقيل : هي الإصابة في القول والفعل، وقيل : هي النبوَّة. وقيل غير ذلك.
3- هذا الظن من الراوي.
4- أي الّذين ينتسبون إلى ديننا ويدعون إلى ما ندعو إليه منه.
5- يشير قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المنافاة بين الاتصاف بالإيمان ومقارفة الكبائر.
6- مر مضمون هذا الحديث في باب الكبائر من هذا المجلد تحت رقم (10) وعلقنا عليه فراجع.

24 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال : حدّثني أبو جعفر صلوات اللّه عليه قال : سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : دخل عمرو بن عبيد (1) على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) (2)، ثمّ أمسك (3). فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أسكتك ؟ قال : أحب أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه عزّ وجلّ، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك باللّه، يقول اللّه : (مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) (4). وبعده الإياس من روح اللّه، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (5) ثمّ الأمن لمكر اللّه، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (6). ومنها عقوق الوالدين لأنَّ اللّه سبحانه جعل العاقَ جباراً شقياً (7). وقتل النفس الّتي حرَّم اللّه إلّا بالحق، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا... إلى آخر الآية) (8) وقذف المحصنة، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (9) وأكل مال اليتيم، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (10). والفرار من الزحف لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (11) وأكل الربا لأنَّ ؟ اللّه عزّ وجلّ يقول : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (12) والسحر، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ

ص: 277


1- هو من شيوخ المعتزلة.
2- النجم / 32، وقيل : كبائر الإثم : الإشراك باللّه والفواحش كالزنا وما شاكله.
3- أي سكت.
4- المائدة / 72، والآية في المصحف هكذا: «إنه من يشرك باللّه... الآية»، ولعله من تصحيف النساخ، أو أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوردها بالمعنى.
5- يوسف / 87. وروح اللّه هنا فرجه ورحمته.
6- الأعراف/ 99، ومكر اللّه هنا استدراجه عزّ وجلّ لخلقه بالنعم، والخاسرون : الهالكون.
7- فيه إشارة إلى قوله عزّ وجلّ على لسان عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) مريم /32. وإلى قوله تعالى حكاية عن يحيى (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) مريم / 14.
8- النساء / 93. وصدر الآية هكذا (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا...) وعجزها هكذا (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
9- النور/ 23 وأول الآية هكذا : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ).
10- النساء/ 10 ومطلع الآية هكذا (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...).
11- الأنفال/ 16، والمتحرف : المتحرك المتقدم من أصحابه أن يرى عورة من العدو أن يصيبها. وقيل : المتحرف المستفرد لتمكنه غرة من طالبه.
12- البقرة/ 275، والمس الجنون. ويتخبطه: يصرعه ويخنقه.

خَلَاقٍ) (1) والزّنا، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (2). واليمين الغموس (3) الفاجرة لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) (4). والغلول لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (5). ومنع الزَّكاة المفروضة، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) (6). وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (7). وشرب الخمر لأنَّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان (8). وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض اللّه، لأنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «من ترك الصلاة متعمداً فقد برىء من ذمّة اللّه وذمّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ونقض العهد وقطيعة الرحم»، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (ُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (9) قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول : هَلَك من قال برأيه ونازَعَكُمْ في(10) الفضل والعلم.

باب استصغار الذنب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، جميعاً، - عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي أسامة زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتقوا المحقّرات من الذُّنوب فإنّها لا تُغفر، قلت : وما المحقرات؟ قال : الرجل يذنب الذَّنب فيقول : طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك (11).

ص: 278


1- البقرة/ 102، والخلاق هنا النصيب.
2- الفرقان/ 69.
3- أي الكاذبة.
4- آل عمران / 77.
5- آل عمران/ 161. والغلول : هو الخيانة في الغنيمة والسرقة منها قبل القسمة.
6- التوبة / 35.
7- البقرة/ 283. وإنما أضاف الإثم إلى القلب وإن كان الإثم للجملة لأن اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب لأن العزم على الكتمان إنما يقع به مرآة المجلسي 61/10.
8- «أي ذكرهما في آية واحدة وسياق واحد فيدل على مقاربتهما في وجوب تركهما وترتب العقاب على فعلهما ولذا ورد شارب الخمر كعابد الوثن» ن. م ص / 62.
9- الرعد /25، وسوء الدار : سوء العاقبة يوم القيامة.
10- يريد أهل بيت النبوَّة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
11- أي غير ذلك الذنب الّذي عده حقيراً بلحاظ ذاته ولم يعتن به.

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذُّنوب، فإنَّ قليل الذُّنوب يجتمع حتّى يكون كثيراً، وخافوا اللّه في السر (1) حتّى تعطوا من أنفسكم النَّصَفَ (2).

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال والحجّال، جميعاً، عن ثعلبة، عن زياد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نزل بأرض قرعاء(3) فقال لأصحابه : ائتوا بحطب، فقالوا يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال : فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هكذا تجتمع الذُّنوب، ثمّ قال: إيّاكم والمحقرات من الذُّنوب، فإنَّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنَّ طالبها (4) يكتب ما قدَّموا وآثارهم وكلَّ شيء أحصيناه في إمام مبين (5).

باب الإصرار على الذنب

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد اللّه بن محمّد النهيكي، عن عمّار بن مروان القندي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا صغيرة مع الإصرار (6)، ولا كبيرة مع الاستغفار (7).

2 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شُمَّر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (8) قال : الإصرار هو أن يذنب الذَّنب فلا يستغفر اللّه ولا يحدّث نفسه بتوبة فذلك الإصرار (9).

ص: 279


1- أي في القلب أو الخلوة.
2- «أي حتّى يبلغ خوفكم درجة يصير سبباً لإعطاء الإنصاف والعدل من أنفسكم للناس ولا ترضون لهم ما لا ترضون لأنفسكم» مرآة المجلسي 69/10.
3- أي جرداء لا نبات فيها.
4- وهو اللّه سبحانه.
5- أورد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مضمون الآية 12 من سورة يس (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ...) الآية.
6- دل الحديث على أن الإصرار على المعصية الصغيرة في حد ذاته كبيرة من الكبائر.
7- المراد بالاستغفار التوبة النصوح.
8- آل عمران 135 وهم يعلمون : أي أنهم قد عضوا.
9- «وقد فسر بعض علمائنا الإصرار بأنه الإكثار من فعل المعصية الصغيرة سواء كان من نوع واحد أو أنواع مختلفة فراجع» مرآة المجلسي 72/10.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا واللّه لا يقبل اللّه شيئاً من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه.

باب في أصول الكفر وأركانه

باب في أصول الكفر وأركانه (1)

1 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أصول الكفر ثلاثة : الحرص والاستكبار، والحسد، فأما الحرص فإنَّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين نهي عن الشجرة، حمله الحرص على أن أكل منها. وأما الاستكبار فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى، وأما الحسد فابنا آدم (2) حيث قتل أحدهما صاحبه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أركان الكفر أربعة : الرَّغبة والرهبة (3) والسخط (4) والغضب.

3- عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن نوح بن شعيب، عن عبد اللّه الدهقان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ أوَّل ما عُصي اللّه عزّ وجلّ به ستّ : حبُّ الدنيا (5)، وحبُّ الرئاسة (6) وحبُّ الطعام (7)، وحبُّ النوم (8)، وحبُّ الرَّاحة، وحبُّ النساء (9)».

4 - محمّد بن يح بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن طلحة بن زید عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رجلاً من خثعم، جاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : أي الأعمال أبغض إلى

ص: 280


1- «كأن المراد بأصول الكفر ما يصير سبباً للكفر أحياناً لا دائماً» مرآة المجلسي 73/10.
2- بتقدير : معصية ابني آدم والقصود معصية أحدهما بقتل أخيه حسداً له.
3- «لعل المراد بالرغبة الرغبة في الدنيا والحرص عليها أو اتباع الشهوات النفسانية وبالرهبة الخوف من قوات الدنيا و اعتباراتها بمتابعة الحق أو الخوف من القتل عند الجهاد، ومن الفقر عند أداء الزكاة... الخ»، مرآة المجلسي 10 / 74 – 75.
4- السخط «عدم الرضا بقضاء اللّه وانقباض النفس في أحكامه وعدم الرضا بقسمه» ن. م.
5- أي زخارفها ولذائذها بنحو ينسي الآخرة.
6- أي بالظلم والعسف والتسلط.
7- أي للذته لا للاستعانة به على الطاعة.
8- أي بشكل يكون مانعاً عن أداء الطاعات.
9- أي الإغراق فيه بحيث يؤدي إلى الوقوع في الحرام.

اللّه عزّ وجلّ؟ فقال : الشرك باللّه، قال : ثمّ ماذا؟ قال : قطيعة الرحم، قال : ثمّ ماذا؟ قال : الأمر بالمنكر (1) والنهي عن المعروف.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسن بن عطية، عن يزيد الصائغ قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): رجلٌ على هذا الأمر (2) إن حدث كذب، وإن وعد أخلف وإن ائتمن خان، ما منزلته؟ قال : هي أدنى (3) المنازل من الكفر وليس بكافر.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من علامات الشقاء جمود العين (4) وقسوة القلب(5)، وشدة الحرص في طلب الدُّنيا، والإصرار على الذَّنب».

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عليّ بن أسباط عن داود بن النعمان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خطب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) النّاس فقال: «ألا أخبركم بشراركم»؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه قال: «الّذي يمنع رفده (6) ويضرب عبده ويتزود وحده (7)»، فظنوا أنَّ اللّه لم يخلق خلقاً هو شرٌّ من هذا.

ثمَّ قال: «ألا أخبركم بمن هو شرٌّ من ذلك»؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه، قال : «الّذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شره»، فظنوا أنَّ اللّه لم يخلق خلقاً هو شر من هذا.

ثمّ قال: «ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك»؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: «المتفحّش (8) اللعان الّذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه».

8 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ثلاث من كن فيه كان منافقاً وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم : من إذا انتُمِنَ خان، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا وَعَدَ أخلف»، إنَّ اللّه عزّ وجلّ قال

ص: 281


1- «المنكر: ما حرمه اللّه أو ما علم بالشرع أو العقل قبحه ويحتمل شموله للمكروه أيضاً» مرآة المجلسي 76/10.
2- أي الاعتقاد بالإمامة والتشيع.
3- أي أقرب المراتب من الكفر.
4- الشقاء ضد السعادة، وهو سوء العاقبة بالعذاب يوم القيامة وجمود العين : كناية عن عدم البكاء من خشية اللّه أو عند تذكر أيام اللّه.
5- قسوة القلب : غلظته بنحو لا يتأثر بذكر اللّه.
6- أي عطاءه ومعونته للمحتاج.
7- أي لا يحب أن يشاركه الزاد أحد، وهو كناية عن البخل والشح.
8- المبالغ في سوء القول والكلام الرديء.

في كتابه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (1). وقال : (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (2) وفي قوله عزّ وجلّ : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) (3).

9 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ألا أخبركم بأبعدكم مني شَبَها»؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه، قال: «الفاحش المتفحش البذيء (4) البخيل المختال (5) الحقود الحسود القاسي القلب، البعيد من كلّ خير يرجى، غير المأمون من كلّ شر يتّقى».

10 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد، عن منصور بن العباس، عن علي ابن أسباط، رفعه إلى سلمان (6) قال : إذا أراد اللّه عزّ وجلّ هلاك عبد نزع منه الحياء (7)، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه ألا خائناً مخوناً، فإذا كان خائناً مخوناً نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلّا فظّاً غليظاً، فإذا كان فظّاً غليظاً نزعت منه ربقة الإيمان (8)، فإذا نزعت منه ربقة الإيمان لم تلقه إلّا شيطاناً (9) ملعون (10).

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن زياد الكرخي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ثلاث (11) ملعونات ملعون من فعلهنَّ : المتغوط في ظلّ النزال (12) والمانع الماء المنتاب (13)، والساد الطريق المعربة (14)».

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي

ص: 282


1- الأنفال/ 58.
2- النور/ 7.
3- مريم / 54.
4- البذيء : سليط اللسان بسوء القول ورديء الكلام.
5- المتكبر المعجب بنفسه.
6- المقصود به سلمان الفارسي (رَحمهُ اللّه) وحيث من يسند هذا الحديث إلى المعصوم فهو من صنف الموقوف.
7- وذلك بسلب لطفه سبحانه عنه.
8- أي كمال الإيمان، أو بعض معانيه الّتي مرت عند حديثنا عنه في أوائل هذا المجلد.
9- «أي شبيهاً به في الصفات أو بعيداً من اللّه ومن هدايته وتوفيقه» مرآة المجلسي 82/10.
10- أي مطروداً مبعداً من رحمة اللّه.
11- أي ثلاث خصال، واللعن إنما يتعلق بفاعل إحداها.
12- المراد بظل النزال تحت سقف أو شجرة ينزلها المسافرون وقد يعم بحيث يشمل المواضع المعدة لنزولهم وإن لم يكن فيه ظل لاشتراك العلة مرآة المجلسي 83/10.
13- أي الّذي يمنع صاحب النوبة في الاستقاء من الماء عن استيفاء حقه من الماء.
14- أي الطريق الّتي أثر فيها استطراق السابلة حتّى أصبحت معروفة مقصودة للعبور عليها.

عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ثلاث ملعون من فعلهنَّ : المتغوط في ظل النزال والمانع الماء المنتاب، والساد الطريق المسلوك».

13 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ألا أخبركم بشرار رجالكم»؟ قلنا : بلى يا رسول اللّه، فقال: «إنّ من شرار رجالكم البهات (1) الجريء الفحاش الأكل وحده والمانع رفده والضارب عبده والملجيء عياله إلى غيره» (2).

14 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ميسر، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «خمسة لعنتهم وكلُّ نبي مجاب(3): الزائد في كتاب اللّه، والتارك لسنتي (4)، والمكذب بقدر اللّه (5)، والمستحل من عترتي (6) ما حرَّم اللّه، والمستأثر بالفيء [و] المستحل له (7)».

باب الرياء

1 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن - القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال لعباد بن كثير البصري في المسجد: ويلك يا عباد إياك والرياء فإنّه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلى من عمل له (8).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اجعلوا أمركم هذا (9) اللّه ولا تجعلوه للناس، فإنّه ما كان اللّه فهو اللّه وما كان للناس فلا يصعد إلى اللّه (10).

ص: 283


1- البهات : فعّال من البهت وهو أن يكثر في النّاس قول ما ليس فيهم من العيوب.
2- كناية عن بخله وتضييقه عليهم فى المصرف بحيث يضطرهم إلى سؤال النّاس.
3- «أي لعنهم كلّ نبي أجابه قومه أو لا بد من أن يجيبه قومه أو أجاب اللّه دعوته» مرآة المجلسي 86/10.
4- أي بنحو البدعة في الدين.
5- المقصود بهم المفوّضة وقد ورد أنهم مجوس هذه الأمة.
6- وهم أهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7- «الفيء : ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد» - كما في النهاية - ومعنى الاستئثار به الانفراد بعدم تسليمه إلى من جعله اللّه له خاصة وهو المعصوم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
8- كناية عن عدم قبوله سبحانه لمثل هذا العمل.
9- أي الاعتقاد بالإمامة. وكونه اللّه أي خالصاً له سبحانه من كلّ ما قد يشوبه من غرض دنيوي.
10- كناية عن عدم قبوله سبحانه وعدم ترتب الثواب عليه.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن يزيد بن خليفة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كلّ رياء شرك (1)، أنّه من عمل للناس كان ثوابه على النّاس، ومن عمل اللّه كان ثوابه على اللّه.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (2) قال : الرَّجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنما يطلب تزكية النّاس يشتهي أن يسمع به النّاس فهذا الّذي أشرك بعبادة ربه، ثمّ قال : ما من عبد أسر خيراً فذهبت الأيّام أبداً حتّى يُظهر اللّه له خيراً (3) وما من عبد يُسر شرّاً(4) فذهبت الأيّام حتّى يظهر اللّه له شراً.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن عرفة قال : قال لي الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ويحك يا ابن عرفة : اعملوا لغير رياء ولا سمعة (5)، فإنّه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلى ما عمل ويحك ! ما عمل أحد عملاً إلّا ردّاه اللّه (6)، إن خيراً فخير، وإن شرا فشر.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن يزيد قال : إني لأتعشّى مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ تلا هذه الآية : (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (7) يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى اللّه عزّ وجلّ بخلاف ما يعلم اللّه تعالى، إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يقول : من أسرَّ سريرة ردًّاه اللّه رداءها إن خيراً فخير وإن شرَّاً فشرّ».

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

ص: 284


1- «هذا هو الشرك الخفي لما أشرك في قصد العبادة غيره تعالى فهو بمنزلة من أثبت معبوداً غيره سبحانه كالصنم» مرآة المجلسي 104/10.
2- الكهف/ 110.
3- يشير إلى أن إخفاء فعل الخير أفضل عند اللّه من إظهاره.
4- أي يخفي في نفسه فعلاً قبيحاً كالرياء مثلاً.
5- «يكون على وجهين، أحدهما : أن يعمل عملاً ويكون غرضه عند العمل سماع النّاس له، كما أن الرياء هو أن يعمل ليراه النّاس فهو قريب من الرياء بل نوع منه. وثانيهما : أن يسمع عمله النّاس بعد الفعل» مرآة المجلسي 107/10.
6- أي يلبسه رداءً بسبب ذلك العمل، وهو من نوع العمل، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً.
7- القيامة / 14 - 15.

قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنَّ المَلَك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به، فإذا صعد(1) بحسناته يقول اللّه عزّ وجلّ: (اجعلوها في سجين (2) إنه ليس إياي أراد بها).

8 - وبإسناده قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثلاث علامات للمرائي : ينشط (3) إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحبُّ أن يُحمد في جميع أموره.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن عليّ بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال اللّه عزّ وجلّ : (أنا خير شريك(4) من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان لي خالصاً).

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن داود، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أظهر للناس ما يحبُّ اللّه وبارز اللّه بما كرهه(5) لقي اللّه وهو ماقت له (6).

11 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن فضل أبي العباس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً ويُسر سيئاً(7)، أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أنَّ ذلك ليس كذلك واللّه عزّ وجلّ يقول : (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)، إنَّ السريرة (8) إذا صحت قويت العلانية (9).

الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن محمّد بن جمهور، عن فضالة، عن معاوية عن الفضيل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

12 - عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عليّ أبي حمزة، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما من عبد يسرُّ خيراً إلّا لم تذهب الأيّام حتّى

ص: 285


1- أي أتم صعوده وانتهى إلى مرتبة العرض على اللّه سبحانه.
2- سجّين : - كما في القاموس - حيث كتاب الفجار كما نصت عليه الآية 7 من سورة المطففين وقد يطلق على واد في جهنم الخ.
3- أي يظهر الاجتهاد والاهتمام بالعمل.
4- «لأنه سبحانه غني لا يحتاج إلى الشركة وإنما يقبل الشركة من لم يكن غنيا بالذات فلا يقبل العمل المخلوط لرفعته وغناه» مرآة المجلسي 110/10 - 111.
5- أي عمل بما يكرهه سبحانه من المعاصي.
6- أي مبغض شانيء له.
7- أي يخفي في نفسه نية سوء بخلاف ما يُظهر.
8- أي النية.
9- أي نشطت الجوارح للعمل في السر والعلن.

يظهر اللّه له خيراً، وما من عبد يسر شراً إلّا لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له شرّاً.

13 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن يحيى بن بشير، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أراد اللّه عزّ وجلّ بالقليل من عمله أظهر اللّه له أكثر ممّا أراد، ومن أراد النّاس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى اللّه عزّ وجلّ إلّا أن يقلّله(1) في عين من سمعه.

14 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سيأتي على النّاس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدُّنيا، لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف، يعمهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق (2) فلا يستجيب لهم.

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن يزيد قال : إني لأتعشّى مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ تلا هذه الآية : بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى النّاس بخلاف ما يعلم اللّه منه، إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يقول : من أسرَّ سريرة ألبسه اللّه رداءها إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ.

16 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : الإبقاء على العمل أشدُّ من العمل، قال : وما الإبقاء على العمل؟ قال : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة اللّه وحده لا شريك له فكتب له سرًّا، ثمّ يذكرها (3) فتمحى فتكتب له علانية (4)، ثمّ يذكرها فتمحى وتكتب له رياء (5).

17 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : اخشوا اللّه خشية ليست بتعذير (6)، واعملوا اللّه في غير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلى عمله.

18 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة،

ص: 286


1- أي يحقره، والضمير يرجع إلى كثير العمل.
2- أي دعاء من أشرف على الفرق.
3- أي يظهرها.
4- بلحاظ أقلية ثواب صدقة العلن عن صدقة السر.
5- أي أنّها لا ترد فقط ويحبط أجرها بل تكتب عليه معصية يلحقه عقابها.
6- أي ليست بذات تقصير أي لا تكونوا مقصرين فيها.

عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره (1) ذلك؟ فقال : لا بأس، ما من أحد إلّا وهو يحبُّ أن يظهر له في النّاس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك (2).

باب طلب الرئاسة

باب طلب الرئاسة (3)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه (4) ذكر رجلاً فقال : إنه يحبُّ الرئاسة، فقال : ما ذئبان ضاريان(5) في غنم قد تفرَّق رعاؤها (6) بأضرَّ في دين المسلم من الرّئاسة.

2 - عنه، عن أحمد عن سعيد بن جناح عن أخيه أبي عامر، عن رجل، عن أبي عبد قال : اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من طلب الرئاسة (7) هلك.

3 - عدة عدَّة من أصحابنا، عن أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عبد اللّه بن مسكان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إياكم وهؤلاء الرؤساء الّذين يترأسون، فواللّه ما خفقت النعال (8) خلف رجل إلّا هلك وأهلك (9).

4 - عنه، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع وغيره رفعوه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ملعون من ترأس (10)، ملعون من هم بها، ملعون من حدث بها نفسه.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن أيّوب، عن أبي عقيلة

ص: 287


1- الضمير يرجع إلى العامل.
2- أي ليراه النّاس فيكون رياءً أو ليسمع به النّاس فيكون سمعة وكلاهما مذموم منهي عنه.
3- أي الشرف والمنصب والعلو على النّاس.
4- يحتمل أن الذاكر هو الراوي أو المعصوم (عَلَيهِم السَّلَامُ).
5- الضاري الوحش الّذي بهجم على الحيوان ليصطاده ويأكله.
6- إيماء إلى شدة الفتك بالقطيع عندما يتركه الراعي.
7- المقصود بها الرئاسة بالقهر والتسلط وتلك الّتي ليس لها بأهل وكله مذموم.
8- أي ما ضربت النعال الأرض.
9- «هذا محمول على الجماعة الّذين كانوا في أعصار الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويدعون الرئاسة من غير استحقاق، أو تحذير من تسويل النفس وتكبرها واستعلائها باتباع العوام ورجوعهم إليه فيهلك بذلك ويهلكهم بإضلالهم» مرآة المجلسي 123/10.
10- «أي ادعى الرياسة بغير حق فإن التفعّل غالباً يكون للتكليف» مرآة المجلسي 123/10.

الصيرفي :قال : حدَّثنا كرّام، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إيّاك والرئاسة وإياك أن تطأ أعقاب الرجال قال قلت جعلت فداك أمّا الرئاسة فقد عرفتها وأما أن أطأ أعقاب الرّجال فما ثلثا ما في يدي (1) إلّا ممّا وطئت أعقاب الرجال. فقال لي(2): ليس حيث تذهب إياك أن تنصب رجلاً دون الحجّة، فتصدقه في كلّ ما قال.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : ويحك يا أبا الرَّبيع لا تطلبنَّ الرّئاسة ولا تكن ذئباً(3) ولا تأكل بنا النّاس (4) فيفقرك اللّه، ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا (5) فإنك موقوف ومسؤول لا محالة.(6). فإن كنت صادقاً صدقناك وإن كنت كاذباً كذَّبناك.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس، عن ابن مياح (7)، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من أراد الرِّئاسة هَلَك.

8 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أترى (8) لا أعرف خياركم من شراركم؟ بلى واللّه وإن شراركم مَن أحَبَّ أن يوطًا عَقِبه، إنه لا بدَّ (9) من كذاب أو عاجز الرّأي.

باب اختتال الدنيا بالدين

1 - محمّد بن يحيى. بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر عن يونس بن ظبيان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ

ص: 288


1- أي من الروايات أو من العلم.
2- أجاب الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «بأنه ليس الغرض النهي عن ذلك بل الغرض النهي عن جعل غير الإمام المنصوب من قبل اللّه تعالى بحيث تصدقه في كلّ ما يقول» مرآة المجلسي 124/10.
3- في بعض النسخ (ذنباً) أي إمعَة تابعاً لغيرك ممّن لم يجعله اللّه أهلاً للرئاسة.
4- «أي لا تجعل انتسابك إلينا بالتشيع أو العلم أو النسب مثلا وسيلة لأخذ أموال النّاس أو إضرارهم...» مرأة المجلسي 124/ 10.
5- بأن تنسب إلينا ما ليس فينا كالربوبية أو الحلول باللّه سبحانه أو الاتحاد معه فإن كلّ ذلك شرك.
6- أي لا محيص عنه ولا بد منه.
7- هو الحسين أو الحسن بن مباح المدائني.
8- الاستفهام إنكاري.
9- والتقدير «لا بد لنا من كذاب. أولا بد في الأرض من كذاب يطلب الرياسة ومن عاجز الرأي يتبعه» مرآة المجلسي 125/10.

يقول : (ويل (1) للّذين يختلون الدنيا بالدين (2)، وويل للّذين يقتلون الّذين يأمرون بالقسط من الناس (3)، وويل للّذين يسير المؤمن فيهم بالتقية، أبي يغترون أم عليَّ يجترؤون، فبي حلفت لأتيحنَّ (4) لهم فتنة تترك الحليم (5) منهم حيران).

باب من وَصَفَ عدلا وعمل بغيره

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يوسف البزاز، عن معلّى ابن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [أنّه] قال : إنَّ [من] أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم عمل بغيره (6).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن قتيبة الأعشى عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إِنَّ [من] أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً وعمل بغيره.

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ من أعظم النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره.

4 - محمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن عبد اللّه ابن يحيى، عن ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) (7)، قال : يا أبا بصير هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطية، عن خَيْثَمَة قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أبلغ شيعتنا أنّه لن ينال ما عند اللّه (8) إلّا بعمل،

ص: 289


1- أي عذاب وهلاك وقيل : ويل اسم واد في جهنم.
2- أي يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، وذلك بالرياء والمخادعة والمراوغة.
3- وهم الأنبياء والأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) والعلماء والصالحون.
4- أي لأقيض أو لأقدرن.
5- أي العاقل ذو الأناة والتدبر في الأمور.
6- «العدل: الوسط الغير المايل إلى إفراط أو تفريط. يعني من علم غيره طريقاً وسطاً في الأخلاق والأعمال ثمّ لم يعمل به ولم يحمل نفسه عليه تكون حسرته يوم القيامة أشد من كلّ حسرة وذلك لأنه يرى ذلك الغير قد سعد بما تعلمه منه وبقي هو بعلمه شقياً...» الوافي ج 147/3.
7- الشعراء / 94. (فكبكبوا) أي رمي بعضهم على بعض في الجحيم منكبين على وجوههم، وأصل (كبكبوا) (كببوا) فكررت الكاف، كما قيل.
8- أي من الأجر والثواب والدرجات.

وأبلغ شيعتنا أنَّ أعظم النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ يخالفه إلى غيره.

باب المِراء والخصومة ومعاداة الرجال

باب المِراء (1) والخصومة (2) ومعاداة الرجال

1 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): إيّاكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان (3) وينبت عليهما النفاق (4).

2 - وبإسناده قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ثلاث (5) من لقي اللّه عزّ وجلّ بهنَّ دخل الجنّة من أي باب شاء : مَن حسن خُلقه، وخشي اللّه في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقاً.

3 - وبإسناده قال : من نصب اللّه غرضاً للخصومات أوشك أن يكثر الانتقال (6).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عمّار بن مروان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تُمارين حليماً (7) ولا سفيهاً، فإنَّ الحليم يقليك(8) والسفيه يؤذيك (9).

5 - عليٌّ، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد عن أبي

ص: 290


1- أي الجدال بلا غرض ديني.
2- «أصل المخاصمة - كما يقول الراغب - أن يتعلق كلّ واحد بخصم الآخر أي جانبه وأن يجذب كلّ واحد خصم الجوالق من جانب» والمخاصمة - كما قيل - تكون غالباً في الأمور الدنيوية.
3- أي يفسدانها بالبغض والإحن
4- «أي التفاوت بين ظاهر كلّ واحد منهما وباطنه بالنسبة إلى صاحبه، وهذا نفاق أو النفاق مع الربّ تعالى أيضاً إذا كان في المسائل الدينية فإنهما يوجبان حدوث الشكوك والشبهات في النفس والتصلب في الباطل للغلبة على الخصم...» مرآة المجلسي 132/10.
5- أي من الخصال.
6- النصب الإقامة، والغرض الهدف، وإقامة اللّه تعالى هدفاً للخصومات «كناية عن كثرة المخاصمة في ذات اللّه سبحانه وصفاته فإن العقول قاصرة عن إدراكها ولذا نهي عن التفكر فيها وكثرة التفكر والخصومة فيها يقرب الإنسان من كثرة الانتقال من رأي إلى رأي لحيرة العقول فيها وعجزها عن إدراكها... ويحتمل أن يكون المراد الانتقال من الحق إلى الباطل...» مرآة المجلسي 137/10.
7- أي عاقلاً، أو مثبناً في أموره كلها. وهو بمعنييه يقابل السفيه بمعنييه.
8- لأن المثبت الرزين لا ينجر إلى الجدال والخصومة وقد يسبب ذلك إيغار صدره وتولد بغضه.
9- أي بسلاطة لسانه وعدم اعتنائه باللياقات وآداب المجادلة.

عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما كاد جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأتيني إلّا قال : يا محمّد اتق شحناءَ (1) الرجال وعداوتهم».

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن الحسن بن الحسين الكندي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) «إياك وملاحاة الرجال» (2).

77 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إياكم والمشارة (3) فإنّها تورث المعرَّة (4) وتظهر العورة (5).

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن عنبسة العابد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إيّاكم والخصومة فإنّها تشغل القلب (6) وتورث النفاق وتكسب الضغائن (7).

9 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما كاد جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأتيني إلّا قال : يا محمّد اتق شحناء الرّجال وعداوتهم» (8).

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن مهران، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما أتاني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قطُّ إلّا وعظني فآخر قوله لي : إيّاك ومشارة النّاس فإنّها تكشف العورة(9) وتذهب بالعزّ».

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً

ص: 291


1- الشحناء البغضاء.
2- أي لومهم وعذلهم ومخاصمتهم.
3- المشارة مفاعلة الشر من طرفين بأن يبتدىء صاحبه بالشر فيقابله الآخر بمثله.
4- المعرة - كما في القاموس - الإثم والأذى والغرم والدية والخيانة.
5- أي المستور من العيوب.
6- أي تحزن القلب وتغمه فينصرف عن التفكر وعن ذكر اللّه سبحانه.
7- أي الأحقاد.
8- قد مر قبل قليل بنفس السند والألفاظ تحت رقم (5) من هذا الباب، وكأن تكراره من اشتباه النسّاخ
9- أي العيوب المستورة.

عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما عهد إليَّ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شيء ما عهد إليَّ في معاداة الرجال» (1).

12 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن بعض أصحابه، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من زرع العداوة حصد ما بذر(2).

باب الغضب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل (3).

2 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، عن ميسر قال ذكر الغضب عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان(4)، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإنَّ الرَّحم إذا مست سكنت.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الغضب مفتاح كلّ شرّ (5).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، من القاسم بن سليمان، عن سليمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعت أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أتى رسول اه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجل بدوي فقال : إنّي أسكن البادية فعلّمني جوامع الكلام (6)، فقال : أمرك أن لا

ص: 292


1- أي ببيان مفاسد هذا الأمر الدينية والدنيوية والتحذير منها والنهي عن الوقوع فيه فيقع فيها.
2- أي أن الثمرة تكون من نوع البذر، فمن يزرع العداوة لا بد وأن يجني العداوة أيضاً.
3- أي إذا أدخل الخل العسل ذهبت حلاوته وخاصته وصار المجموع شيئاً آخر فكذا الإيمان إذا دخله الغضب فسد ولم يبق على صرافته وتغيرت آثاره فلا يسمى إيماناً حقيقة مرآة المجلسي 142/10.
4- أي وساوسه وفي الحديث تنبيه على مفاسد استمرار الغضب لأن ذلك يؤدي إلى تصاعده وتعاظمه حتّى يوقع صاحبه فيما يؤدي به إلى النّار وتوجيه إلى أن تغيير الحالة الّتي يكون الغضبان عليها إلى غيرها يوجب تلاشي الغضب شيئاً فشيئاً حتّى يزول.
5- أي يكون سببا في انفتاح أبواب الشرور والمفاسد عليه كالسفه والظلم والعصبية الخ.
6- أي ما قلت ألفاظه وكثرت معانيه.

تغضب فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات حتّى رجع الرجل إلى نفسه(1)، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا ما أمرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلّا بالخير. قال (2) : وكان أبي يقول : أيُّ شيء أشدُّ من الغضب، إنَّ الرَّجل ليغضب فيقتل النفس الّتي حرم اللّه ويقذف المحصنة(3).

5 - عنه، عن ابن فضّال عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علّمني عظة أتعظ بها، فقال: إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أتاه رجل فقال له : يا رسول اللّه علّمني عظة أتعظ بها، فقال له : انطلق ولا تغضب، ثمّ أعاد إليه فقال له : انطلق ولا تغضب - ثلاث مرات -.

6 - عنه عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عمّن سمع أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من كفَّ غضبه ستر اللّه عورته (4).

7 - عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مكتوب في التوراة فيما ناجى اللّه عزّ وجلّ به موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا موسى أمسك غضبك عمّن ملكتك عليه (5) أكفّ عنك غضبي.

8 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد، عن يحيى ابن عمرو، عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى بعض أنبيائه : (يا ابن آدم اذكرتي في غضبك أذكرك في غضبي لا أمحقك فيمن أمحق (6) وارض بي منتصراً فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك (7)).

9 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله، وزاد فيه : وإذا ظُلمت بمظلمة (8) فارض

ص: 293


1- أي التفت إلى أن السؤال واحد والجواب واحد في المرات الثلاث ولذا لا داعي لطرح السؤال نفسه من جديد لأن الجواب سوف يكون هو نفسه.
2- أي الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- أي يتهم العفيفة بالزنا وهو من الكبائر.
4- لأنه حالة الغضب يفقد شعوره وتنحل إرادته فتصدر منه أمور قبيحة ما كانت لتصدر عنه حالة وعيه وهدوء أعصابه.
5- من العبيد والإماء أو الأعم منه ومن الرعية.
6- في النهاية المحق النقص والمحو والإبطال.
7- «الانتصار: الانتقام ولما كان الغرض من إمضاء الغضب غالباً هو الانتقام من الظالم رغب سبحانه في تركه بأني منظم من الظالم لك وانتقامي خير من انتقامك...» مرآة المجلسي 151/10.
8- المظلمة : اسم لما يطلبه من حق عند ظالمه.

بانتصاري لك فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إسحاق ابن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ في التوراة مكتوباً : يا ابن آدم أذكرني حين تغضب أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظُلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.

11 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد جميعاً، عن الوشّاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رجلٌ للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يا رسول اللّه علّمني، قال : اذهب ولا تغضب، فقال الرجل : قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه، ثمّ قام معهم، ثمّ ذكر قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «لا تغضب» فرمى السلاح، ثمّ جاء يمشي إلى القوم الّذين هم عدو قومه، فقال : يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعلي في مالي أنا (1) أوفيكموه. فقال القوم : فما كان (2) فهو لكم نحن أولى بذلك منكم، قال : فاصطلح القوم وذهب الغضب.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه (3)، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإن رجز الشيطان فيه، ليذهب عنه عند ذلك.

13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الغضب ممحقة لقلب الحكيم ؛ وقال : من لم يملك غضبه لم يملك عقله (4).

ص: 294


1- أي أنا انفرد بدفعه لكم ولا أشرك في دفعه أفراد العاقلة أو العشيرة حيث قد يكون مظنة المطل أو التأخير والتسويف.
2- أي ممّا ذكرت أو من مطلق حق.
3- «شبّه الغضب في الحديث بالجمرة الّتي هي القطعة المتوهجة من النّار ونسبها إلى الشيطان لأن ينفخ نزغاته ووساوسه تحدث وتشتد وتوقد في قلب ابن آدم وتلتهب ويغلي بها دم القلب كغلي الحميم فيحدث منه دخان بتحليل الرطوبات وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن والدماغ والوجه كما يرتفع الماء والبخار في القدر فلذلك تحمر العين والوجه والبشرة وتنتفخ الأوداج والعروق وحينئذ يتسلط عليه الشيطان ويدخل فيه ويحمله على ما يريد...» مرآة المجلسي 153/10.
4- لأن نفسه الناطقة نشل عن العمل أثناء غضبه وتحكمه النفس الغضبية في تلك الحال فتمنعه عن التفكر والتدبر بعواقب الأمور.

14 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من كفَّ نفسه عن أعراض النّاس (1) أقال اللّه نفسه (2) يوم القيامة. ومن كفَّ غضبه عن النّاس كفَّ اللّه تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة».

15 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كفَّ غضبه عن النّاس كفَّ اللّه عنه عذاب يوم القيامة.

باب الحسد

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الرَّجل ليأتي بأي بادرة فيكفر (3) وإنَّ الحسد (4) ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب.

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن داود الرقي أحمد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اتقوا اللّه ولا يحسد بعضكم بعضاً، إنَّ عيسى بن مريم كان من شرايعه السيح في البلاد (5)، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من أصحابه قصير وكان كثير

ص: 295


1- أي كف نفسه عن هتك حرمتها بأية صورة من صور الهتك.
2- «قيل : المراد بالنفس هنا العيب. وأقول : يمكن أن يكون المراد بالنفس هنا أيضاً المعنى الشايع لأن الإقالة وإن كان الغالب نسبتها إلى العشرات والذنوب لكن يمكن نسبتها إلى النفس أيضاً فإن الإقالة في الأصل هي أن يشتري الرجل متاعاً فيندم فيأتي البايع فيقول: أقلني، أي اترك ما جرى بيني وبينك وردّ عليّ ثمني وخذ متاعك واستعمل في غفران الذنوب لأنه بمنزلة معاوضة بينه وبين الرب تعالى فكأنه أعطى الذنب وأخذ العقوبة والنفس مرهونة في تلك المعاملة يقتص منها...» مرآة المجلسي 154/10.
3- البادرة - كما في النهاية - هو الكلام الّذي يسبق من الإنسان في الغضب. وقد ذكر المجلسي في مرآته 157/10 عدة وجوه محتملة لهذه الفقرة أوجهها في نظرنا هو «أن عدم منع النفس عن البوادر وعدم إزالة مواد الغضب عن النفس وإرخاء عنان النفس منها ينجر إلى الكفر أحياناً أو غالباً...».
4- الحسد - كما في النهاية - أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه وتكون له دونه.
5- السيح : - كما في القاموس - الذهاب في الأرض للعبادة. ومنه المسيح.

اللزوم لعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما انتهى عيسى إلى البحر قال : بسم اللّه، بصحّة يقين منه فمشى على ظهر الماء، فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) جازه : بسم اللّه بصحة يقين منه فمشى على الماء ولحق بعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فدخله العجب بنفسه. فقال : هذا عيسى روح اللّه يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء فما فضله عليَّ، قال : فُرمِسَ (1) في الماء فاستغاث الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه ثمّ قال له : ما قلت يا قصير؟ قال: قلت: هذا روح اللّه يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى : لقد وضعت نفسك في غير الموضع الّذي وضعك اللّه فيه فمقتك اللّه على ما قلت فتب إلى اللّه عزّ وجلّ ممّا قلت قال : فتاب الرّجل وعاد(2) إلى مرتبته الّتي وضعه اللّه فيها(3)، فاتقوا اللّه ولا يحسدن بعضكم بعضاً.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر (4).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن وهب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آفة الدين الحسد والعجب والفخر (5).

6 - يونس، عن داود الرقي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قال اللّه عزّ وجلّ لموسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن عمران لا تحسدن النّاس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك (6) إلى ذلك ولا تتبعه نفسك، فإنَّ الحاسد ساخط لنعمي، صاد لقسمي الّذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن الفضيل ابن عياض، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن المؤمن يغبط (7) ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط

باب العصبية

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن داود بن

ص: 296


1- أي غَمِس.
2- أي في قرارة نفسه واعتقاده.
3- «أي الإقرار بحط نفسه عن الارتقاء إلى درجة النبوَّة وسلّم لعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضله ونبوته وترك الحسد له» مرآة المجلسي 170/1.
4- «لعل المراد بغلبة القدر منعه ما قدر للحاسد أو المحسود من الخير» الوافي ج 148/3.
5- «الحسد والعجب من معاصي القلب والفخر من معاصي اللسان...» مرآة المجلسي 171/10.
6- أي لا تمدن نظر عينيك إلى ما متعت به بعض النّاس كفاراً كانوا أو مؤمنين استحساناً له وتمنياً أن يكون لك مثله، وفي ذلك نهي عن الرغبة في الدنيا الّتي قد تنسي الإنسان الآخرة.
7- الغبطة هي أن تتمنى مثل نعمة غيرك لنفسك من دون تمنيك زوالها عنه.

النعمان عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من تعصب (1) أو تُعصّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه (2).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، ودرست ابن أبي منصور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه».

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من كان في قلبه حبة من خردل(3) من عصبية بعثه اللّه يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (4)».

4 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن خضر، عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من تعصب (5) عصبه اللّه بعصابة من نار.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن صفوان بن مهران عن عامر بن السمط، عن حبيب بن أبي ثابت، عن علي ابن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لم يدخل الجنّة حمية (6) غير حمية حمزة بن عبد المطلب - وذلك حين أسلم - غضباً للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في حديث السلا (7) الّذي ألقي على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

6 - عنه، عن أبيه، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم (8) وكان في علم اللّه أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في

ص: 297


1- العصبية : هي أن يغضب الإنسان لعصبته ويحامي عنهم والعصبة الأقارب من جهة الأب.
2- «إما كناية عن خروجه من الإيمان رأساً للمبالغة أو عن إطاعة الإيمان للإخلال بشريعة عظيمة من شرائعه. أو المعنى : خلع ربقة من ربق الإيمان الّتي ألزمها الإيمان عليه من عنقه» مرآة المجلسي 174/10 - 175.
3- كناية عن القلة.
4- هم سكان البوادي ممّن يبعدون عن حواضر الإسلام الكبرى حيث لا يستطيعون أن يتقفوا بثقافة الإسلام ولا يعرفون حدود ما أمر اللّه سبحانه ولذا فهم ضعيفو الإيمان بعيدون عن الاتصاف بالورع والتقوى والالتزام.
5- أي ارتكب العصبية.
6- «السلا: الجلدة الّتي فيها الولد ألقاها المشركون على رأسه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حين وجدوه في السجود فأخذت حمزة الحمية له فأسلم» الوافي ج 149/3.
7- الأنفة والغيرة.
8- اي في فعل الطاعات والانقياد لأمر اللّه سبحانه أو أن بعض الملائكة كانوا يظنون أنّه من سنخهم الملائكي في حين أنّه كان من الجن كما صرّحت بذلك الآية (50) من سورة الكهف.

نفسه (1) بالحميّة والغضب فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (2).

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد القاساني، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : سئل عليّ بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن العصبيّة، فقال: العصبية الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين وليس من العصبية أن يحبَّ الرَّجل قومه (3) ولكن من العصبية أن يعين(4) قومه على الظلم.

باب الكبر

1 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عن أبان عن حكيم قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أدنى الإلحاد (5)، فقال : إن الكبر أدناه.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : الكبر قد يكون في شرار النّاس من كلّ جنس، والكبر رداء اللّه، فمن نازع اللّه عزّ وجلّ رداءه لم يزده اللّه إلّا سفالاً (6). إِنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مرفي بعض طرق المدينة وسوداء تلقط السرقين (7) فقيل لها : تنحي عن طريق رسول اللّه فقالت : إنَّ الطريق لمعرض (8)، فهم بها (9) بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «دعوها فإنها جبّارة» (10).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن عثمان بن عیسی، عن العلاء بن

ص: 298


1- أي أظهر إبليس ما في نفسه.
2- الأعراف/ 12.
3- إما محض المحبة، أو بالأفعال كإعانتهم والسعي في قضاء حوائجهم والبر بهم وهذا ممّا هو مندوب إليه ولا ضير فيه.
4- باليد أو اللسان أو كليهما.
5- الإلحاد: الميل عن الحق إما إلى الشرك باللّه وهذا يبطل الإيمان، أو إلى الشرك بالأسباب وهذا لا ينافي الإيمان بل يضعفه ويوهن عراه.
6- أي ضعة وذلة في عيون النّاس.
7- هو الزبل، معرب : سركين بالفارسية.
8- أي واسع عريض.
9- أي قصدها.
10- أي متكبّرة.

الفضيل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العز رداء اللّه، والكبر إزاره، فمن تناول شيئاً منه أكبه اللّه في جهنّم (1).

4 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة عن معمر بن عمر بن عطاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الكبر رداء اللّه والمتكبر ينازع اللّه رداءه.

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة (2)، عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه شيئاً من ذلك (3) أكبّه اللّه في النّار.

6 - عنه، عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرة من كبر.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر، قال : فاسترجعت (4) فقال : مالك تسترجع ؟ قلت : لما سمعتُ منك، فقال : ليس حيث تذهب، إنّما أعني الجحود، إنما هو الجحود (5).

8 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب بن الحرّ، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: الكبر أن تغمص (6) النّاس وتسفه الحقّ (7).

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم عن سيف

ص: 299


1- «الرداء والإزار مثلان في انفراده بصفتي العز والكبر، أي ليستا كسائر الصفات الّتي قد يتصف بها الخلق مجازاً كالرحمة والكرم شبههما بالرداء والإزار لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان لأنه لا يشاركه في ردائه وإزاره أحد فكذلك اللّه لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد» الوافي ج 149/3 نقلا عن النهاية الأثيرية.
2- اسمه المفضّل بن صالح.
3- أي من الكبر.
4- أي قلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وهذا إنما يقال عند المصيبة لقوله تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا الخ). وإنما استرجع لما وجد في نفسه من الاعتداد بها فظن أنّه هالك.
5- أي أن المقصود من الكبر الّذي يُدخل صاحبه النّار هو الكفر باللّه سبحانه أو عدم التصديق برسله وبما جاؤوا به من عنده.
6- أي تحتقر وتستصغر.
7- أي تستخف بالحقّ ولا تعبأ به وقد فسره (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الرواية التالية.

ابن عميرة عن عبد الأعلى بن أعين قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إن أعظم الكبر غَمْصُ الخلق وسفه الحق»، قال قلت وما غمصُ الخلق وسفه الحق؟ قال : يجهل الحق ويطعن على أهله، فمن فعل ذلك فقد نازع اللّه عزّ وجلّ رداءه.

10 - عليّبن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن في جهنّم لوادياً للمتكبرين (1) يقال له : سَقَر ؛ شكا إلى اللّه عزّ وجلّ شدَّة حرّه وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفّس فأحرق جهنّم..

11 - محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن داود بن فرقد، عن أخيه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ المتكبرين يُجعلون في صُوَرِ الذَّرّ، يتوطّاهم النّاس حتّى يفرغ اللّه من الحساب (2).

12 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن غير واحد، عن علي ابن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : ما الكبر؟ فقال : أعظم الكبر أن تسفه الحقَّ وتغمص النّاس قلت وما سفه الحق قال : يجهل الحقِّ ويطعن على أهله.

13 - عنه، عن يعقوب بن يزيد عن محمّد بن عمر بن يزيد، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنني أكل الطعام الطيب وأشمُّ الريح الطيبة وأركب الدابة الفارهة(3)، ويتبعني الغلام فترى في هذا شيئاً من التجبّر فلا أفعله؟ فأطرق أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : إنما الجبار الملعون من غَمَص النّاس وجهل الحقِّ، قال: عمر فقلت : أما الحقُّ فلا أجهله والغمص لا أدري ما هو قال: من حقر النّاس وتجبر عليهم فذلك الجبار.

14 - محمّد بن جعفر عن محمّد بن عبد الحميد عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ثلاثة لا يكلمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم شيخ،زان وملك جبّار، ومقل (4). مختال (5)».

ص: 300


1- في هذا إشارة إلى الآية 60 من سورة الزمر. والآية 29 من سورة النحل. والآية 72 من سورة الزمر وكذا الآية 76 من سورة غافر وقال في النهاية : سَقر اسم أعجمي لنار الآخرة.
2- «يدل على أنّه يمكن أن يخلق الإنسان يوم القيامة أصغر ممّا كان مع بقاء الأجزاء الأصلية أو بعضها فيه ثمّ يضاف إليه سائر الأجزاء فيكبر... أو يكون المقصود بالصورة الصفة أي يطأهم النّاس كما يطأون الذر في الدنيا» مرآة المجلسي 211/10.
3- أي حاذقة ونشيطة وخفيفة. ويقال هذا للمبرذون والبغل والحمار ولا يقال للفرس فاره بل رائع وجواد.
4- أي فقير.
5- أي معجب بنفسه متكبّر.

15 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن مروك بن عبيد، عمّن حدثه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا قدِم عليه الشيخ يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخله عن الملك، فلم ينزل إليه(1)، فهبط جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا يوسف أبسط راحتك (2) فخرج منها نور ساطع، فصار في جو السماء (3)، فقال يوسف : يا جبرئيل ما هذا النور الّذي خرج من راحتي ؟ فقال : تُزعت النبوَّة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبيّ.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من عبد إلّا وفي رأسه حَكَمَة (4) ومَلَك يمسكها، فإذا تكبر قال له : اتضع وضعك اللّه (5)، فلا يزال أعظم النّاس في نفسه وأصغر النّاس في أعين النّاس، وإذا تواضع رفعه اللّه عزّ وجلّ، ثمّ قال له : انتعش (6) نعشك اللّه، فلا يزال أصغر النّاس في نفسه وأرفع النّاس في أعين النّاس.

17 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابه عن النهدي عن يزيد بن إسحاق،شعر عن عبد اللّه بن المنذر عن عبد اللّه بن بكير قال : قال أبو عبد اللّه :(عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من أحد يتيه (7) إلّا من ذلّة يجدها في نفسه. وفي حديث آخر عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)قال : ما من رجل تكبر أو تجبر إلّا لذلّة وجدها في نفسه (8).

باب العُجب

باب العُجب (9)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أسباط، عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن سيّار يرفعه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه

ص: 301


1- «لعل المراد بالنزول النزول عن السرير أو المركب وكلاهما مرويان». الوافي ج 150/3.
2- الراحة باطن الكف.
3- أي ارتفع إلى السماء واستقر هناك.
4- «الحَكَمَة محرّكة، ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه وفيها العذاران» الوافي ج 150/3.
5- هذا دعاء من الملك عليه.
6- أي ارتفع رفعك اللّه. وهذا من دعاء الملك له.
7- أي يتكبر أو يضلّ ويتحيّر.
8- هذا يدل على أن مرض التكبر إنما يتسبب عن خسة ورداءه في النفس ودناءة.
9- العُجب : استكثار عمل الطاعة بحيث يرى نفسه غير مقصر اتجاه ربه.

علم أنَّ الذَّنب خيرٌ للمؤمن من العُجب، ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبداً(1).

2 - عنه، عن سعيد بن جناح عن أخيه أبي عامر عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من دخله العُجْبُ هَلَك (2).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن عليّ بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلّال، عن

عليّ بن سويد، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن العجب الّذي يُفسد العمل، فقال: العجب درجات منها : أن يزيَّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً (3) فيعجبه ويحسب أنّه يحسن صنعاً (4). ومنها : أن يؤمن العبد بربّه فيمنُّ على اللّه عزّ وجلّ واللّه عليه فيه المنُّ (5).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ الرَّجل ليُذنب الذَّنب فيندم عليه، ويعمل العمل فيسره ذلك (6)، فيتراخى عن حاله تلك، فلأن يكون على حاله تلك خيرٌ له ممّا دخل فيه (7).

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن نضر بن قرواش عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أتى عالم عابداً فقال له : كيف صلاتك؟ فقال : مثلي يُسأل عن صلاته؟! وأنا أعبد اللّه منذ كذا وكذا، قال : فكيف بكاؤك ؟ قال : أبكي حتّى تجري دموعي، فقال له العالم: فإن ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدل (8)، إن المدل لا يصعد عمله من شيء

ص: 302


1- يدل الخبر «على أن العُجب أشد من الذنب أي من ذنوب الجوارح، فإن العجب ذنب القلب، وذلك لأن الذنب يزول بالتوبة ويكفر بالطاعات والعجب صفة نفسانية يشكل إزالتها ويفسد الطاعات...» مرآة المجلسي 10 / 219.
2- أي طُرد من رحمة اللّه واستحق العقاب.
3- إشارة إلى قوله تعالى في سورة فاطر الآية / 8 (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا).
4- إشارة إلى الآيتين 103 - 104 من سورة الكهف: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
5- إشارة إلى الآية 17 من سورة الحجرات: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
6- أي ينظر إلى عمله نظرة إعظام واستكثار.
7- «أي كونه على حالة الندامة مع كونها مقرونة بالذنب خير ممّا دخل فيه من العجب وإن كان مقروناً بالحسنة» مرآة المجلسي 222/10.
8- «الإدلال وراء العجب فلا مدلّ إلّا وهو معجب وربّ معجب لا يدلّ إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة دون توقع جزاء عليه والإدلال لا يتم إلّا مع توقع جزاء... والإدلال هو من مقدمات الكبر وأسبابه» ن. م ص / 223 - 224.

6 - عنه عن أحمد بن، أحمد بن محمّد عن أحمد بن داود عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق (1) والعابد فاسق، وذلك أنّه يدخل العابد المسجد مدلاً بعبادته يدلّ بها فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه، ويستغفر اللّه عزّ وجلّ ممّا صنع من الذُّنوب.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الرّجل يعمل العمل (2) وهو خائف مشفق ثمّ يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به؟ فقال : هو في حاله الأولى وهو خائف أحسن حالاً منه في حال عجبه.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «بينما موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً إذ أقبل إبليس وعليه برنس (3) ذو ألوان، فلما دنى من موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) خلع البرنس وقام إلى موسى فسلّم عليه، فقال له موسى : من أنت؟ فقال : أنا إبليس، قال : أنت فلا قرب اللّه دارك (4) قال : إِنِّي إِنما جئت لأسلّم عليك لمكانك من اللّه (5)، قال : فقال له موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فما هذا البرنس؟ قال : به اختطف قلوب بني آدم (6)، فقال موسى : فأخبرني بالذَّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه (7)؟ قال : إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه».

وقال : قال اللّه عزّ وجلّ لداود (عَلَيهِ السَّلَامُ) (يا داود بشر المذنبين وأنذر الصدّيقين). قال : كيف أبشِّر المذنبين وأنذر الصدّيقين؟ قال: (يا داود بشر المذنبين أنّي أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصدّيقين ألا يعجبوا بأعمالهم فإنّه ليس عبد أنصبه (8) للحساب إلّا هَلَكَ (9)).

ص: 303


1- الصديق : من كثر منه الصدق أو الصادق الإيمان، ومن صدق اعتقاد أو صدق قوله وفعله اعتقاده ذاك.
2- أي العمل السيء الّذي فيه معصية اللّه سبحانه، وذلك في مقابلة قوله : ثمّ يعمل شيئاً من البر. فإشفاقه من عقوبة معصيته لا من شعوره بالتقصير في الطاعة وقد مر حديث بهذا المعنى قبل قليل تحت رقم (4).
3- البُرنُس : كما في النهاية هو كلّ ثوب رأسه منه ملتصق به من دراعة أو جبة أو ممطر أو غيره. وقال الجوهري : هو قلنسوة طويلة وقد ذكر هذا المعنى له في الوافي ج 3 / 151.
4- «أي لا قربك اللّه منا أو من أحد. وقيل : أي حيرك اللّه، وقيل : هو كناية عن تخريب داره» مرآة الملجسي 10 / 225.
5- «أي لم أجيء لإضلالك فتبعدني لأنه لا طمع لي فيك لقربك من اللّه، أو سلامي عليك للمنزلة الّتي لك عند اللّه» ن. م، والصفحة.
6- أي لأستلبها بخفة ورشاقة.
7- أي استملته إليك وغلبته على نفسه إلى ما تريد من المعصية.
8- أي أقيمه.
9- أي باستحقاقه للعقاب. لأنه لو أفنى عمره بعمل الطاعات فإنه لن يفي اللّه حق شكره على نعمة واحدة من نعمه، فكيف إذا عصاه بجوارحه وجوانحه؟!

باب حب الدنيا والحرص عليها

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن درست بن أبي منصور، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ وهشام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأس كلّ خطيئة حبُّ الدنيا (1).

2 - علي، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن حماد بن بشير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، أحدهما في أولها والآخر في آخرها بأفسد (2) فيها من حب المال والشرف في دين المسلم.

3 - عنه، عن أبيه عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع، هذا في أوَّلها وهذا في آخرها، بأسرع فيها من حبّ المال والشرف في دين المؤمن.

4 - محمّد بن يحيى - ين يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن الشيطان يدير ابن آدم في كلّ شيء (3)، فإذا أعياه (4)، جثم له عند المال فأخذ برقبته (5).

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن أبي أسامة زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من لم يتعزَّ بعزاء اللّه (6) تقطعت نفسه حسرات على الدُّنيا، ومن أتبع بصره ما في أيدي النّاس كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم ير اللّه عزّ وجلّ عليه نعمة إلّا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه(7)».

ص: 304


1- «لأن خصال الشر مطوية في حب الدنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليها...» مرآة المجلسي 228/10.
2- أي بأكثر إفساداً.
3- «أي يبعثه على ارتكاب كلّ ضلالة ومعصية أو يكون معه ويلازمه عند عروض كلّ شبهة أو شهوة لعله يضله أو يزلّه» مرآة المجلسي 229/10.
4- أي لم يقدر على إغوائه، لأن الإنسان لم يطاوعه فيما يوسوس له به.
5- أي كمن له واختفى عند المال باعتباره من أعظم مصائد الشيطان، فإذا جاء إلى المال وافتتن به أوقعه الشيطان فيه بالحرام والشبهات.
6- أي من لم يتسل ويتصبر عند المصيبة بقوله : إنا للّه وإنا إليه راجعون كما علّمه اللّه سبحانه.
7- «أي من توهم أن نعمة اللّه عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها فإذا فقدها أو شيئاً منها ظن أنّه ليس اللّه عليه نعمة فلا ينشط في طاعة اللّه وإن عمل شيئاً من هذه العقيدة الفاسدة لا يتقبل منه فيكون عمله قاصراً وعذابه دانياً...» مرآة المجلسي 231/10.

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن زياد القندي، عن أبي وكيع، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إنَّ الدينار والدرهم (1) أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم».

7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَثَلُ الحريص على الدُّنيا مثل دودة القزّ (2)، كلما ازدادت من القز على نفسها لفّاً كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غماً. وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسير (3). وقال : لا تشعروا قلوبكم الإشتغال بما قد فات (4) فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت (5).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد، جميعاً عن القاسم بن محمّد عن سليمان المنقري، عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن الزهري (6) محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه قال سئل عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي الأعمال أفضل عند اللّه؟ قال : ما من عمل بعد معرفة اللّه عزّ وجلّ ومعرفة رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أفضل من بغض الدُّنيا فإنَّ لذلك (7) لشعباً كثيرة، وللمعاصي،شعب فأوَّل ما عُصي اللّه به الكبر. معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، ثمّ الحرص وهي معصية آدم وحواء (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين قال اللّه عزّ وجلّ لهما : (كُلَا مِنْ

ص: 305


1- يعني حبهما والتهالك على تحصيلهما وعدم إخراج حق اللّه منهما، أو صرفهما في المعاصي.
2- وقد أنشد بعضهم في هذا التمثيل : ألم تر أن المرء طول حياته ***حريص على ما لا يزال يناسجه کدود کدود القز ينسج دائ-م--اً ***فيهلك غماً وسط ما هو ناسجه» الوافي ج 152/3.
3- وذلك واضح، لأن الحريص كلما كثر ماله ازداد حرصه وبخله فيعيش عيشة الفقراء حيث يكنز ماله ويحوطه ويبخل به على نفسه ويحاسب حساب الأغنياء في الآخرة.
4- أي من أمور الدنيا سواء بعدم حصوله من رأس أو حصوله ثمّ زواله.
5- وهو الموت، أو أمر الآخرة.
6- إنما نسب محمّد بن مسلم بهذه النسبة لأن جده الأعلى هو زهرة بن كلاب وكان من أصحاب الإمام زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإن كان من علماء العامة في الأصل.
7- «المشار إليه في قوله : فإن لذلك العمل، يعني أن للأعمال الصالحة لشُعَباً ترجع كلها إلى بعض الدنيا وللمعاصي شعباً ترجع كلها إلى حب الدنيا ثمّ اكتفى بيان أحدهما عن الآخر، وأراد بحب الدنيا أولاً حب المال وثانياً حب كل ما لا حاجة به في تحصيل الآخرة» الوافي ج 153/3 .

حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (1) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثمّ الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حبُّ النساء وحبُّ الدُّنيا وحبُّ الرئاسة وحبُّ الرّاحة وحبُّ الكلام وحبُّ العلوّ والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهنَّ في حب الدُّنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حب الدنيا رأس كلّ خطيئة والدنيا دنياء آن : دنيا بلاغ (2) ودنيا ملعونة.

9 - وبهذا الإسناد عن المنقري عن حفص بن غياث عن أبي بعد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه تعالى : في مناجاة موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (يا موسى إنَّ الدُّنيا دار عقوبة، عاقبت فيها آدم عند خطيئته، وجعلتها ملعونة (3)، ملعون ما فيها إلّا ما كان فيها لي، يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم (4)، وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من أحد عظمها فقرت عيناه فيها ولم يحقرها أحد إلّا انتفع بها) (5).

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، واحد في أولها وهذا في آخرها بأفسد فيها من حبّ المال والشرف في دين المسلم (6).

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن منصور بن العباس عن سعيد بن جناح عن عثمان بن سعيد، عن عبد الحميد بن عليّ الكوفي، عن مهاجر الأسدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال مرّ عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال: أما إنهم لم يموتوا إلّا بسخطة (7) ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا(8)، فقال الحواريون يا روح اللّه وكلمته أدع اللّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها.

ص: 306


1- البقرة / 35.
2- أي كفاية وكفاف.
3- «اللعن : الطرد والإبعاد والسب وكأن المراد بلعنها لعن أهلها أو كراهتها والمنع عن حبها وكل ما نهى اللّه تعالى عنه فقد لعنه وطرده» مرآة المجلسي 235/10.
4- أي بعيوبها وكونها لعب ولهو وإنها تزول وتفنى.
5- وذلك لأنه عندما تركها إلّا بما يقيم أوده منها توجه إلى الآخرة فربح في الدارين.
6- مر قبل قليل بنفس المعنى مع اختلاف بسيط في بعض ألفاظه وإن بسند مختلف تخت رقمي (2) و (3) من هذا الباب وعلقنا عليه.
7- الغضب والمراد به هنا غضب اللّه عليهم.
8- أي لدفن الحي المتأخر منهم الميت.

فدعا عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ربه فنودي من الجو أن نادهم فقال عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالليل على شُرف(1) من الأرض فقال يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبّيك يا روح اللّه وكلمته، فقال: وَيْحَكُمْ (2) ما كانت أعمالكم ؟ قال : عبادة الطاغوت (3) وحبّ الدُّنيا، مع خوف قليل (4) وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب، فقال : كيف كان حبكم للدُّنيا؟ قال : كحب الصبي لأمّه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا، قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال : الطاعة لأهل المعاصي. قال : كيف كان عاقبة أمركم؟ قال : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية، فقال : وما الهاوية؟ فقال : سجين قال : وما سجين؟ قال : جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة، قال : فما قلتم وما قيل لكم ؟ قال : قلنا ردنا إلى الدُّنيا فنزهد فيها، قيل لنا : كذبتم، قال : ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح اللّه إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد وإنّي كنت فيهم ولم أكن منهم، فلما نزل العذاب عمّني معهم (5) فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم (6) لا أدري أكَبِّكَبُ فيها أم أنجو منها، فالتفت عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحواريين فقال : يا أولياء اللّه أكل الخبز اليابس بالملح الجريش (7) والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدُّنيا والآخرة (8).

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما فتح اللّه على عبد باباً من أمر الدُّنيا إلّا فتح اللّه عليه من الحرص مثله.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلّا بالعمل، ويلكم، علماء سوء، الأجر تأخذون والعمل تضيّعون يوشك ربُّ العمل أن يقبل عمله، ويوشك أن يخرجوا من ضيق

ص: 307


1- أي مرتفع من الأرض.
2- ويح: اسم فعل بمعنى الترحم.
3- الطاغوت من الطغيان وهو تجاوز الحد، وقد يطلق على الشيطان والصنم وكل صاحب ضلالة.
4- أي من الآخرة مع الغفلة عنها وعما ينبغي أن يقدم الإنسان لها من طاعات.
5- هذا يدل على أن العذاب إذا نزل عم، وفيه إشعار بوجوب اعتزال أهل المعاصي تجنباً لذلك وقد وردت روايات في ذلك.
6- أي حافتها وجانبها.
7- أي خشن لم يحسن تنعميه بالدق والسحق.
8- عافية الدنيا خلوصها من هموم العيش وتحصيل لوازمه ومشقته مع ما يلازمه من تبلبل الفكر وحزن النفس، وعافية الآخرة النجاة من أهوالها وحر نارها.

الدُّنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أحبُّ إليه ممّا ينفعه.

14 - عنه، عن أبيه، عن محمّد بن عمرو - فيما أعلم - عن أبي عليّ بن عمرو - فيما أعلم - عن أبي عليّ الحذّاء، عن حريز، عن زرارة ؛ ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أبعد ما يكون العبد من اللّه عزّ وجلّ إذا لم يهمّه إلّا بطنه وفرجه (1).

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان - وعبد العزيز العبدي، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أصبح وأمسى والدُّنيا أكبر همه جعل اللّه تعالى الفقر بين عينيه، وشتت أمره (2)، ولم ينل من الدُّنيا إلّا ما قسم اللّه له، ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل اللّه الغنى في قلبه (3) وجمع له أمره.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن سنان، عن حفص ابن قرط، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من كثر اشتباكه (4) بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها.

17 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من تعلّق قلبه بالدنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال: هم لا يفنى (5) وأمل لا يدرك ورجاء لا ينال (6).

باب الطمع

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن حسان، عمّن حدَّثه،

ص: 308


1- فيكون سعيه منحصراً في إشباعهما مع عدم اهتمامه بأمور آخرته ونسيانه لربه.
2- «التشتيت التفريق، لأنه لعدم توكله على ربه لا ينظر إلّا في الأسباب ويتوسل بكل سبب ووسيلة فيتحير في أمره ولا يدري وجه رزقه فلا تنتظم أحواله» مرآة المجلسي 244/10.
3- لأنه بتوكله على اللّه يُرزق القناعة وينقطع أمله فيما عداه سبحانه، ولذا كان ذهنه صافياً ورؤيته واضحة وباله هادئاً مستقراً.
4- أي انغماسه فيها واشتغاله بها.
5- إما لعدم حصول المطلوب والمراد أو لفوته بعد حصوله.
6- «والفرق بين الأمل والرجاء أن متعلق الأمل العمر والبقاء في الدنيا ومتعلق الرجاء ما سواه. أو متعلق الأمل بعيد الحصول ومتعلق الرجاء قريب الوصول» مرآة المجلسي 10 / 245 - 246.

عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه (1).

2 - عنه، عن أبيه، عمّن ذكره، بلغ به أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بئس العبد عبد له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذلّه.

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري قال : قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): رأيت الخير (2) كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي النّاس.

4 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن سلیمان بن رشيد عن موسى بن سلام عن سعدان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : [ما] الّذي يثبت الإيمان في العبد؟ قال : الورع (3)، والّذي يخرجه منه؟ قال: الطمع.

باب الخرق

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عمّن حدثه، عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال من قسم له الخرق (4) حُجب عنه الإيمان (5).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن عمرو ابن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لو كان الخرق خلقاً يُرى ما كان شيء ممّا خلق اللّه أقبح منه».

باب سوء الخلق

باب سوء الخلق (6)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد

ص: 309


1- أي أنّه يمد بصره إلى ما في أيدي النّاس ويطمع فيه فيسألهموه فيكون ذلك سبباً في مذلة نفسه.
2- أي خير الدنيا والآخرة.
3- هو ترك المحرمات والابتعاد عن الشبهات ويشعر الحديث بأن الطمع يكون سبباً في ارتكاب الأوّل والوقوع في الثاني.
4- أي جعل من حظه ونصيبه والخُرْق هو الحمق، وعدم الرفق.
5- وذلك لأنه يؤدي إلى إيذاء المؤمنين والوقوع في كثير من المحرمات القولية والعملية، كالطعن في المؤمن وسبه وضربه والاعتداء عليه بالقول والفعل.
6- «سوء الخلق : وصف للنفس يوجب فسادها وانقباضها وتغيرها على أهل الخلطة والمعاشرة وإيذائهم بسبب ضغيف أو بلا سبب ورفض حقوق المعاشرة وعدم احتمال ما لا يوافق طبعه منهم، وقيل: هو كما يكون مع الخلق يكون الخالق أيضاً...» مرآة المجلسي 260/10.

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يُفسد الخل العسل.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أبى اللّه عزّ وجلّ لصاحب الخلق السيء بالتوبة»(1). قيل : وكيف ذاك يا رسول اللّه؟ قال : «لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه».

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن، سيف بن عميرة، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن سوء الخلق ليفسد الإيمان كما يُفسد الخل العسل.

4 - عنه، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد اللّه بن عثمان، عن الحسين ابن مهران، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من ساء خُلقه عذّب نفسه (2).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد، عن يحيى ابن عمرو، عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى بعض أنبيائه : الخلق السىء يُفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل.

باب السَّفه

باب السَّفه (3)

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن شريف بن سابق عن الفضل ابن أبي غرة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ السفه خلقٌ لئيم، يستطيل (4) على من [هو] دونه ويخضع لمن [هو] فوقه.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن بعض أصحابه، عن أبي

ص: 310


1- بعدم توفيقه لإيقاعها ابتداء، أو بعدم قبولها منه.
2- لأنه بسوء خلقه مع النّاس يوجب لنفسه الهم الدائم لكثرة أعدائه وقلة الراغبين في معاشرته حتّى داخل بيته من أفراد أسرته.
3- «السفه : ضد الحلم، وأصله الخفة والحركة» الوافي ج 160/3.
4- أي يتعالى، والمراد به المتصف بالسفه وهو السفيه. وإنما يفعل السفيه ذلك لاختلال مقاييسه واضطراب شخصيته وتخلخل في قواه العقلية ولذا نجده بين طرفي الإفراط والتفريط في علاقاته الاجتماعية.

المغرا عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تسفهو (1) فإنَّ أئمتكم ليسوا بسفهاء.

وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2) : من كافأ السفيه بالسفه (3) فقد رضي بما أتى إليه حيث احتذى مثاله.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رجلين يتسابان فقال : البادي منهما أظلم، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم (4).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن صفوان عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ أبغض خلق اللّه عبد اتقى النّاس لسانه (5).

باب البذاء

1 - محمّد بن يحيى، عن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : [إِنَّ] من علامات شرك الشيطان (6) الّذي لا يشكُ فيه أن يكون فحاشاً (7)، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فإنّه لَعِيّة (8) أو شرك شيطان».

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن

ص: 311


1- الخطاب موجه لاتباع أئمّة أهل الحديث.(عَلَيهِ السَّلَامُ). ودعوة لهم إلى التأسي بسيرتهم والسير على خطاهم والتحلي بأخلاقهم.
2- «الظاهر أنّه من تتمة الخبر السابق، ويحتمل أن يكون خبراً آخر مرسلاً» مرآة المجلسي 263/10.
3- أي قابل سفه السفيه بسفه آخر.
4- أي الحد الّذي أذن له بالوقوف عنده في رد الظلم لقوله تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) الشورى / 41. وقوله تعالى : (لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول إلّا من ظلم) النساء / 148.
5- وذلك خوفاً من بذاءته وسلاطته.
6- أي من العلامات الّتي يكون الإنسان مشاركاً فيه الشيطان أو مع الشيطان.
7- أي كثير قول السوء والفحش.
8- «اللّغية : الزنا يقال فلان لَغِيَّة في مقابله فلان لرشدة» الوافي ج 160/3.

عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ اللّه حرم الجنّة على كلّ فحاش بذيء، قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنّك إن فتشته (1) لم تجده إلّا لغية أو شرك شيطان». فقيل : يا رسول اللّه وفي النّاس شرك شيطان؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أما تقرأ قول اللّه عزّ وجلّ : (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (2).

قال : وسأل رجلٌ فقيهاً (3) : هل في النّاس من لا يبالي ما قيل له؟ قال: «من تعرض للناس يشتمهم وهو يعلم أنهم لا يتركونه، فذلك الّذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه».

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي جميلة، يرفعه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه يبغض الفاحش المتفحش (4).

5 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن نعمان الجعفي قال : كان لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذائين (5) ومعه غلامٌ له سندي يمشي خلفهما إذ التفت الرَّجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره فلما نظر في الرابعة قال : يا ابن الفاعلة أين كنت ؟ قال فرفع أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يده فصك بها جبهة نفسه، ثمّ قال : سبحان اللّه تقذف أمه قد كنت أرى أنَّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع، فقال : جعلت فداك إنَّ أُمه سنديّة مشركة، فقال : أما علمت أنَّ لكل أُمَّةٍ نكاحاً، تنع عني، قال : فما رأيته يمشي معه حتّى فرق الموت بينهما. وفي رواية أخرى : إِنَّ لكلِّ أُمة نكاحاً تحتجزون به من الزنا (6).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي

ص: 312


1- أي تفحصت عنه ونقصيت مبدأه ومنشأه.
2- الإسراء / 64. «ومعنى مشاركة الشيطان للإنسان في الأموال حمله إياه على تحصيلها من الحرام وإنفاقها فيما لا يجوز وعلى ما لا يجوز من الإسراف والتقتير والبخل والتبذير ومشاركته له في الأولاد إدخاله معه في النكاح إذا لم يسم اللّه والنطفة واحدة..» الوافي ج 160/3.
3- المراد بالفقيه هنا أحد الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- «الفاحش : ذو الفحش في كلامه وفعاله والمتفحش الّذي يتكلف ذلك ويتعمده» مرآة المجلسي 273/10.
5- سوق صانعي الأحذية.
6- دل الخبر على أمور الأوّل : أن القول يا ابن الفاعلة قذف الثاني : أن هذا القول المستند إلى الجهل لا يُعذر به قائله. الثالث : أنّه لا يجوز قوله لأحد إلّا مع القطع بأنه ابن زنا الرابع رجحان هجران الفاسق. الخامس : بأن نكاح كلّ قوم صحيح عن مرآة المجلسي 10 / 273 - 274 بتصرف.

جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إن الفحش لو كان مثالاً لكان مثال سَوْء (1).

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان في بني إسرائيل رجل فدعا اللّه أن يرزقه غلاماً ثلاث سنين، فلما رأى أن اللّه لا يجيبه قال : يا ربّ أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت منى فلا تجيبني قال : فأتاه آت في منامه فقال : إنك تدعو اللّه عزّ وجلّ منذ ثلاث سنين بلسان بذيء وقلب عاتٍ غير تقي، ونيّةٍ غير صادقة، فأقلع عن بذائك وليتق اللّه قلبك ولتحسن نيتك، قال : ففعل الرّجل ذلك ثمّ دعا اللّه فولد له غلام (2).

8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إنَّ من شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه».

9 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: البذاء من الجفاء (3) والجفاء في النّار (4).

10 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان عن الحسن الصيقل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ الفحش والبذاء والسلاطة(5) من النفاق.

11 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إن اللّه يبغض الفاحش البذيء والسائل الملحف» (6).

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لعائشة : «يا عائشة إنّ الفحش ولو كان ممثلاً لكان مثال سوء».

ص: 313


1- أي لو جسّم لكان ممّا تسوء الإنسان رؤيته وهو كناية عن دمامته وقبحه.
2- يدل هذا الحديث على أن الاتصاف بالتقوى وبمكارم الأخلاق مع الإخلاص في النية والخلوص في التوجه إليه سبحانه شروط مطلوب توفرها في استجابة دعاء العبد والعاتي : الجبار الشقي.
3- الجفاء الغلظة والقسوة، وعدم البرّ.
4- أي سبب من أسباب دخول النار.
5- السلاطة: القهر والصحب وحدة اللسان وشدته.
6- أي الملح في سؤاله للناس. وأما الإلحاح في الدعاء وسؤال اللّه سبحانه فهو محمود مطلوب.

13 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن بعض رجاله قال : من فحش على أخيه المسلم نزع اللّه منه بركة رزقه ووكله إلى نفسه، وأفسد عليه معيشته (1).

14 - عنه، عن معلّى، عن أحمد بن غسان عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي مبتدئاً (2) : يا سماعة ما هذا الّذي كان بينك وبين جمالك؟! إياك أن تكون فحاشاً أو صحاباً (3) أو لعاناً، فقلت : واللّه لقد كان ذلك إنّه (4) ظلمني، فقال : إن كان ظلمك لقد أربيت عليه(5)، إن هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي، استغفر ربك ولا تعد، قلت: أستغفر اللّه ولا أعود.

باب مَنْ يُتقى شَرُّه

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ النبيَّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بينا هو ذات يوم عند عائشة، إذ استأذن عليه رجل فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بئس أخو العشيرة (6)، فقامت عائشة فدخلت البيت وأذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للرجل، فلما دخل أقبل عليه بوجهه وبشره (7) يحدثه، حتّى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة : يا رسول اللّه بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك وبِشْرِك ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عند ذلك: «إنَّ من شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه».

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «شرُّ النّاس عند اللّه يوم القيامة الّذين يُكْرَمونَ اتقاء شرّهم».

ص: 314


1- لأن الفاحش ينفرّ عنه النّاس فيكرهون مجالسته ومعاملته فتنسد في وجهه أبواب الرزق المتعارفة وبذلك تفسد معيشته مادياً ومعنوياً.
2- أي من غير أن أبدأه أنا بسؤال أو كلام.
3- الصحاب كثير الصخب وهو الضجة أو السلاطة في اللسان.
4- الضمير يرجع إلى الجمّال.
5- أي أنك بفعلك ظلمنه أكثر ممّا كان ظلمك.
6- العشيرة - كما في القاموس - بنو أبي الرجل الأدنون أو قبيلته.
7- أي وانبساط أسارير وجهه، وسروره أو أن البشر طلاقة الوجه.

3 - عنه، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من (عَلَيهِ السَّلَامُ): من خاف النّاس لسانه (1) فهو في النار.

4 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي،، حمزة، عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «شرُّ النّاس يوم القيامة الّذين يُكرمون اتّقاء شرّهم».

باب البَغْي

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ أعجل الشرّ عقوبة البغي» (2).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يقول إبليس لجنوده : ألقوا بينهم الحسد والبغي، فإنهما يعدلان عند اللّه الشرك(3).

3 - علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن مسمع أبي سيّار أنَّ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب إليه في كتاب : أنظر أن لا تكلَّمنَّ بكلمة بغى (4) أبداً وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك.

4 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب ويعقوب السراج، جميعاً، عن عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها النّاس إنَّ البغي يقود أصحابه إلى النّار، وإنَّ أوَّل من بغى على اللّه عناق بنت آدم، فأوّل قتيل قتله اللّه عناق وكان مجلسها جريباً في جريب(5) وكان لها عشرون إصبعاً في كلّ إصبع ظفران مثل المنجلين (6) فسلط اللّه عليها أسداً كالفيل وذئباً

ص: 315


1- أي بسبب سلاطته وبذاءته.
2- البغي : هو الاستعلاء والاستطالة على الآخرين وفي القاموس : هو الظلم والعدول عن الحق والكذب. وفي أكثر موارد البغي في كتاب اللّه هو مذموم كما في الآية 42 من سورة الشورى، والآية 23 من سورة يونس والآية 60 من سورة الحجّ وهكذا. والظاهر أن تعجيل عقوبة البغي من قبل اللّه سبحانه في الدنيا لما فيه من الزجر عن البغي والاعتبار بمآل الباغي.
3- لأن أغلب الفساد والمعاصي إنما ينشأ من هاتين الخصلتين.
4- أي بكلمة ظلم أو استعلاء أو تطاول أو كذب على الغير وإن كنت في موقع قدرة عليها بسبب اعتدادك بنفسك وعشيرتك.
5- الجريب - كما في المصباح - الوادي، ثمّ استعير للقطعة المميزة من الأرض، ويختلف مقداره بحسب اصطلاح أهل الأقاليم كاختلافهم في مقدار الرطل والذراع. وقيل بأن الجريب عشرة آلاف ذراع وقيل أكثر من ذلك.
6- المنجل : حديدة معقوفة حادة تستعمل في حصد الزرع والعُشب.

كالبعير ونسراً مثل البغل، فقتلنها، وقد قتل اللّه الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا (1).

باب الفخرِ والكبر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عجباً للمتكبّر الفخور، الّذي كان بالأمس نطفة ثمّ هو غداً جيفة.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «آفة الحسب الافتخار والعُجب (2).

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان، عن عقبة بن بشير الأسدي قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): أنا عقبة بن بشير الأسدي وأنا في الحسب الضَّحَم من قومي. قال : فقال : ما تمن علينا بحسبك (3)؟ إِنَّ اللّه رفع بالإيمان من كان النّاس يسمونه وضيعاً إذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر من كان النّاس يسمونه شريفاً إذا كان كافراً، فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى (4).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن عيسى بن الضحاك قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عجباً للمختال الفخور، وإنما خلق من نطفة ثمّ يعود جيفة، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به (5).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : 5 أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجل فقال : يا رسول اللّه أنا فلان بن فلان حتّى عد تسعة (6)، فقال له

ص: 316


1- والمعنى العام : أن اللّه عزّ وجلّ قتل الجبارين الّذين جبروا خلق اللّه على ما أرادت نفوسهم الخبيثة من الأوامر والنواهي وبغوا عليهم ولم يرفقوا بهم على أحسن الأحوال والشوكة والقدرة لفسادهم فلا يغتر الظالم بأمنه واجتماع أسباب عزته فإن اللّه هو القوي العزيز مرآة المجلسي 285/10.
2- «حَسَب الرجل مآثر آبائه لأنه يحسب من المناقب والفضائل وأما النسب فهو مجرد النسبة إلى الآباء سواء كان لهم مأثرة تعد أو لا...» الوافي ج 150/3.
3- (ما) هنا : للاستفهام الإنكاري.
4- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحجرات (إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم) الآية/13.
5- أي لا علم له بما يكون عليه حاله من خير أو شر، ومرض أو صحة وضعف أو قوة، وفقر أو غنى، وغير ذلك من الأحوال المتعاقبة، وهو بالتالي لا يملك من أمره شيئاً.
6- أي من آبائه الأغلين.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إما إنك عاشرهم في النّار» (1).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «آفة الحسب الافتخار» (2).

باب القَسْوَة

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه، قال : فيما ناجى اللّه عزّ وجلّ به موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا موسى لا تُطوِّل في الدُّنيا أَمَلَكَ (3) فيقسو قلبك والقاسي القلب(4) مني بعيد.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن حفص، عن إسماعيل بن دبيس (5) عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا خلق اللّه العبد في أصل الخلقة كافراً (6) لم يمت حتّى يحبّب اللّه إليه الشرِّ فيقرب منه (7)، فابتلاه بالكبر والجبرية (8) فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه (9)، وظهر فحشنه، وقل حياؤه، وكشف اللّه ستره (10)، وركب المحارم فلم ينزع عنها (11) ثمّ ركب معاصي اللّه وأبغض طاعته ووثب على النّاس (12) لا يشبع من الخصومات فاسألوا اللّه العافية واطلبوها منه.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

ص: 317


1- وأي أن آباءك كانوا كفاراً وهم في النّار فما معنى افتخارك بهم وأنت أيضاً مثلهم في الكفر باطناً إن كان منافقاً أو ظاهراً أيضاً إن كان كافراً فلا وجه لافتخارك أصلا مرآة المجلسي 290/10.
2- مر بنفس السند والمتن تحت رقم (2) من هذا الباب مع زيادة (والعجب) هناك.
3- وذلك يتم بأن يستغرق فى الدنيا والعمل لها بحيث ينسى الآخرة وما هو من مقدماتها وهو الموت.
4- أي غليظه وشديدة بحيث لا تؤثر فيه العظة والعبرة.
5- في بعض النسخ [إسماعيل بن خنيس].
6- أي خلقه وكان قد سبق في علمه أنّه سيكفر نتيجة سوء سريرته وفساد طينته.
7- أي من الشر.
8- أي التجبر والطغيان والكبر.
9- هذا كناية عن خشونته وتقطيبه وهو من علامات سوء الخُلُق غالباً.
10- أي أظهر معايبه للناس.
11- أي أصر على ارتكابها فلم يتخلّ عنها.
12- أي اعتدى عليهم بالظلم والخصومة.

أصول الكافي

قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لمتان : لمّة (1) من الشيطان ولمّة من الملك، فلمّة الملك : الرقة والفهم ولمّة الشيطان السهو والقسوة (2).

باب الظلم

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن هارون بن الجهم، - عن المفضل بن صالح (3)، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الظلم ثلاثة (4) : ظلم يغفره اللّه، وظلم لا يغفره اللّه، وظلم لا يَدَعُه اللّه، فأما الظلم الّذي لا يغفره فالشرك (5). وأمّا الظلم الّذي يغفره (6) فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين اللّه، وأما الظلم الّذي لا يدعه فالمداينة بين العباد (7).

2 - عنه، عن الحجّال عن غالب بن محمّد عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (8) قال : قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة.

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن وهب بن عبد ربه وعبيد اللّه الطويل، عن شيخ من النَّخَع (9) قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني لم أزل والياً منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة؟ قال : فسكت ثمّ أعدت عليه، فقال : لا حتّى تؤدّي إلى كلّ ذي حق حقه (10).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من مظلمة أشدُّ

ص: 318


1- اللمة : الخطرة تقع في القلب. فإن كانت خيراً فهي من الملك وإن كانت شراً فهي من الشيطان.
2- أي أن هذه الأمور من علامات هذه اللمة وتلك.
3- وقد يرد في كثير من الروايات بالكنية وهي (أبو جميلة).
4- أي ثلاثة أنواع أو أقسام.
5- إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ...).
6- أي وإن بلا توبة صاحبه منه.
7- لأنه من حق العبد المظلوم.
8- الفجر / 14 والمرصاد - كما في القاموس - الطريق والمكان يرصد فيه العدو.
9- قبيلة من قبائل اليمن.
10- أي توصله إليهم إن كان مادياً، أو تتحلل منه بإقالتهم لك إن كان معنوياً.

من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً(1) إلّا اللّه عزّ وجلّ.

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما حضر عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة ضمّني إلى صدره، ثمّ قال : يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بنيَّ إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا اللّه.

6 - عنه (2)، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن حفص بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من خاف القصاص (3) كفّ عن ظلم النّاس.

7 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أصبح لا ينوي ظلم أحد (4) غفر اللّه له ما أذنب ذلك اليوم ما لم يسفك دماً أو يأكل مال يتيم حرام (5).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أصبح لا يهم بظلم أحد غفر اللّه له ما اجترم»(6).

9 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده.

10 - ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة».

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن عيسى] عن منصور، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «اتقوا الظلم فأنه ظلمات يوم القيامة».

ص: 319


1- أي لا يمكنه الانتصار في الدنيا لا بنفسه ولا بغيره. وظلم الضعيف العاجز فحش مرآة المجلسي 298/10.
2- الضمير راجع إلى أحمد بن أبي عبد اللّه في الحديث السابق.
3- سواء كان القصاص دنيوياً أو أخروياً.
4- أي عقد العزم على ألا يظلم أحداً.
5- ظاهر هذا الخبر أنّه مخصص لبقية الأخبار والآيات الدالة على أنّه تعالى يؤاخذ بحقوق النّاس، وقد ذكر المجلسي (رَحمهُ اللّه) بأن هذا مشكل ولكنه حاول توجيهه بعدة وجوه فراجع المرآة 299/10 - 300.
6- أي ارتكب من ذنب واجترح وأذنب وفي بعض النسخ: (ما أجرم).

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من أحد يظلم بمظلمة إلّا أخذه اللّه بها في نفسه وماله، وأما الظلم الّذي بينه وبين اللّه فإذا تاب غفر اللّه له.

13 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن أبي نجران، عن عمّار بن حكيم، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مبتدئاً : من ظلم سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقب عقبه قلت هو يظلم فيسلّط اللّه على عقبه أو على عقب عقبه ؟ فقال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (1).

14 - عنه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إله نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن انت هذا الجبار فقل له : إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفَّ عنّي أصوات المظلومين، فإنّي لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً (2).

15 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشاء عن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوة من النّار (3) يوم القيامة.

16 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال العامل بالظلم والمعين له (4) والراضي به (5) شركاء ثلاثتهم.

17 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم

ص: 320


1- النساء/ 9. «والوجه في ذلك أن الدنيا دار مكافأة وانتقام وإن كان بعض ذلك ممّا يؤخر إلى الآخرة وفائدة ذلك أما بالنسبة إلى الظالم فإنه يردعه عن الظلم إذا سمع به، وأما بالنسبة إلى المظلوم فإنه يستبشر نبيل الانتقام في الدنيا مع نيله ثواب الظلم الواقع عليه في الآخرة فإنه ما ظفر أحد بخير ممّا ظفر به المظلوم لأنه يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا أخذ الظالم من ماله وهذا ممّا يصحح الانتقام من عقب الظالم أو عقب عقبه فإنه وإن كان في صورة الظلم لأنه انتقام من غير أهله مع أنّه لا تزر وازرة وزر أخرى إلّا أنّه نعمة عليه في المعنى من جهة ثوابه في الدارين فإن ثواب المظلوم في الآخرة أكثر ممّا جرى عليه من الظلم في الدنيا» الوافي للفيض ج 162/3.
2- فيه إشعار بأن دوام الملك قد يجامع الكفر ولكنه لا يجامع الظلم، لأن الظلم إذا امتد دمّر.
3- أي قبسة أو جمرة - كما في القاموس -. «وأكل الجذوة إما حقيقة بأن يلقى في حلقه النار، أو كناية عن كونه سبباً لدخول النار» مرآة المجلسي 304/10.
4- أي في الظلم.
5- أي من غير الظالم والمظلوم.

قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن العبد ليكون مظلوماً، فما يزال يدعو حتّى يكون ظالماً (1).

18 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عن أبيه، عن أبي نهشل عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : من عذر (2) ظالماً بظلمه سلّط اللّه عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له (3) ولم يأجره اللّه على ظلامته.

19 - عنه، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : ما انتصر (4) اللّه من ظالم إلّا بظالم ؛ وذلك قوله عزّ وجلّ: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا) (5).

20 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من ظلم أحداً ففاته (6) فليستغفر اللّه له فإنّه كفارة له».

21 - أحمد بن محمّد الكوفي، عن إبراهيم بن الحسين، عن محمّد بن خلف عن موسى بن إبراهيم المروزي عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أصبح وهو لا يهم بظلم أحد غفر اللّه له ما اجترم».

22 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : دخل رجلان على أبي عبد قال : دخل رجلان على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من مدارأة (7) بينهما ومعاملة، فلما أن كلامهما قال : أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم (8)، أما إنّ سمع

ص: 321


1- هذا الحديث يحتمل وجوهاً. الأوّل : أن يفرط بالدعاء على ظالمه بحيث لا يكون تناسب بين ظلامته ودعائه عليه. الثاني : أن لا يكتفي بالدعاء عليه لدفع ضرره بل يدعو بابتلائه في حين أن المطلوب منه أن يدعو اللّه بصلاح أخيه المؤمن الثالث: أن يلح في الدعاء حتّى يسلطه اللّه على خصمه فيظلمه فينعكس الأمر.. الخ مرآة المجلسي 306/10 بتصرف.
2- إما بعدم لومه على ظلمه أو باختلاق الأعذار له في ظلمه.
3- إن لم يستجب اللّه له دعاءه على ظالم نفسه لمكان تلمس الأعذار من قبله لظالم غيره.
4- أي ما انتقم.
5- الأنعام / 129.
6- أي لم يحظ به إما لموته أو لعدم إمكان الوصول إليه من أجل استرضائه والاستقالة منه. ويحمل على ما إذا كان ظلمه له غير مالي والأوجب عليه الخروج عن عهدته بالدفع إلى ورثته أو التصدق به عنه.
7- المداراة : التدافع في الخصومة.
8- أي لم يظفر أحد بما يكون خيراً من أن يكون مظلوماً، والوجه فيه ما ذكرناه في تعليقنا على الحديث رقم 4 من هذا الباب فراجع.

المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثمّ قال : من يفعل الشرَّ بالناس فلا ينكر الشرَّ إذا فعل به، أما إنّه يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد يحدّ من المرّ حلواً، ولا من الحلو مرّاً (1)، فاصطلح الرَّجلان قبل أن يقوما.

23 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من خاف القصاص كفَّ عن ظلم النّاس.

باب اتّباع الهوى

باب اتّباع الهوى (2)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن أبي محمّد الوابشي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيءٌ أعدى للرّجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم (3).

2 - عدة عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يقول اللّه عزّ وجلّ: (وعزَّتي (4) وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر (5) عبد هواه على هواي (6) إلّا شنّتُ عليه أمره (7) ولبست عليه دنياه (8) وشغلت قلبه بها ولم أؤته منها إلّا ما قدرت له، وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا استحفظته ملائكتي (9)، وكفّلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة

ص: 322


1- فيه تنبيه على أن ثمرة كلّ شيء من سنخه.
2- الهوى: مصدر هَويَهُ إذا اشتهاه وأحبه ومال إليه. والمقصود به هوى النفس. سمّي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كلّ واهية وفي الآخرة إلى الهاوية مرآة المجلسي 310/10 - 311 وهو مذموم ذماً شديدا ومنهي عنه نهياً أكيداً.
3- قال الجوهري : حصدت الزرع وغيره احصده حصداً والزرع محصود وحصد وحصدة وحصائد ألسنتهم الّذي في الحديث هو ما قيل في النّاس باللسان وقطع به عليهم.
4- هذا القسم منه سبحانه بهذه الأمور العظيمة إنما هو لتحقيق المضمون الوارد في الخطاب الّذي تضمنه الحديث وتأكيد حصوله وحث السامع على الإذعان والالتزام به.
5- أي يقدّم ويختار.
6- أي ما ارتضيته أناله.
7- هذا كناية عن تحيره في أمر دينه ودنياه.
8- أي ضيّقت عليه أمر معيشته وأوقعته في المصائب والمنغصات والهموم.
9- أي كلفتهم بحفظه من كلّ مكروه.

كلّ تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة(1)).

3 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الوشّاء عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما أخاف عليكم اثنتين (2): اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنه يصدُّ عن الحقِّ (3) وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال لي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتق المرتقى (4) السهل إذا كان منحدره (5) وَعِراً.

قال : وكان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تدع النفس وهواها (6)، فإن هواها [في ] رداها (7) وترك النفس وما تهوى أذاها وكفُّ النفس عما تهوى داوها (8).

باب المَكْر والغدر والخديعة

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا أن المكر (9) والخديعة (10) في النّار لكنت أمكر النّاس.

2 - علي، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول

ص: 323


1- أي منقادة طائعة ذليلة.
2- أي خصلتين أو خِلتين.
3- لما كان كلّ من الحق والباطل يقابل الآخر ويعانده ولما كانت الدنيا من أهل الباطل غالباً «فاتباع الهوى إما يصير سبباً لاشتباه الحق بالباطل في نظره أو يصير باعثاً على إنكار الحق مع العلم به» مرآة المجلسي 316/10.
4- أي موضع الرقي والصعود.
5- موضع النزول «ولعل المراد بصدر الحديث النهي عن طلب الجاه والرياسة وسائر شهوات الدنيا ومرتفعاتها فإنها وإن كانت مواتية على اليسر والخفض إلّا أن عاقبتها عاقبة سوء والتخلص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصعوبة» الوافي ج 154/3.
6- أي ما تحبه من الشهوات.
7- أي هلاكها في الآخرة في انجرافها مع ما تشتهيه وتميل إليه في الدنيا.
8- أي علاج أمراضها في كفها عما تهواه وتشتاقه وتميل إليه.
9- المكر - كما يقول الراغب - صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل الجميل ومذموم، وهو أن يتحرى به فعل القبيح.
10- الخديعة المخاتلة ويراد بها هنا ورود المكروه عليه من حيث لا يعلم. يقال: خدعه فانخدع. والوجه في كون ذي المكر والخديعة في النّار لعمله بهما مع مخالفتهما لأحكام اللّه سبحانه فيما أمر ونهى.

اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «يجيى، كلّ غادر (1) - يوم القيامة - بإمام (2) مائل شدقه (3) حتّى يدخل النار، - ويجيء كلّ ناكت بيعة إمام أجذم(4) حتّى يدخل النار».

3 - عنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ليس منا من ماكر مسلماً» (5).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قريتين من أهل الحرب لكلّ واحدة منهما ملك على حدة، اقتلوا ثمّ اصطلحوا، ثمّ إنَّ أحد الملكين غدر بصاحبه، فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة (6)؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الّذين غدروا ولكنّهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم، ولا يجوز عليهم (7) ما عاهد عليه الكفّار (8).

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يجيىء كلّ غادر بإمام يوم القيامة مائلاً شدقه حتّى يدخل النار» (9).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن أبي الحسن العبدي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة : يا أيّها النّاس، لولا كراهية الغدر كنت من أدهى النّاس (10)،

ص: 324


1- الغادر هو كلّ ناقض لعهد ناكث لبيعة، أو موصل سوء إلى الغير بطريق الخديعة والحيلة.
2- أي مع إمام ضلالة.
3- الشَّدْق : جانب الفم. وهو علامة له يُعرف بها يوم القيامة بين الخلائق.
4- الأجذم : هو مقطوع البد من الجذم : القطع كما قاله الجزري. ولعل ذلك لأن البيعة إنما كانت تتم بصفق اليد على يد الإمام، وقيل : أجذم - هنا - أي أجذم الحجة لا لسان له يتكلم ولا حجة له في يده.
5- أي بالغ في مكره.
6- أي المغدور بملكها أو بأهلها.
7- أي لا ينفذ ولا يلزم.
8- أي أن الصلح الّذي جرى بين المدينتين الكافرتين لا يلزم المسلمين بعدم قتالهما كما أن للمسلمين أن يقاتلوا الأخرى الّتي لم تصالحهم، فإن الصلح مع إحداهما لا يمنع من قتالهم الأخرى.
9- مر مضمون هذا الحديث في الحديث رقم (2) من هذا الباب وعلقنا عليه.
10- الدهاء - كما في القاموس - جودة الرأي والإرب والدَّهِي : العاقل. وكأن المراد هنا طلب الدنيا بالحيلة واستعمال الرأي في غير المشروع مرآة المجلسي 324/10.

ألا إِنَّ لكلِّ غَدرة فَجرة (1) ولكلّ فَجَرَة كَفَرَة (2)، ألا وإنَّ الغدر والفجور والخيانة في النّار(3).

باب الكذب

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي النعمان قال (4) : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا النعمان، لا تكذب علينا كذبة (5) فتسلب الحنيفية (6)، ولا تطلبنُ أن تكون رأساً فتكون ذَنَبا (7)، ولا تستأكل النّاس (8) فتفتقر (9)، فإنّك موقوف لا محالة ومسؤول (10)، فإن صدقت صدقناك، وإن كذبت كذَّبناك.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عمّن حدَّثه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول لولده : اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كلّ جدّ وهَزْل(11)، فإنَّ الرَّجل إذا كذب في الصغير اجترى على الكبير، أما علمتم أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «ما يزال العبد يصدق حتّى يكتبه اللّه صدّيقاً، وما يزال العبد يكذب حتّى يكتبه اللّه كذَّاباً».

3، - عنه عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب،

ص: 325


1- الفجر : - كما في القاموس - الانبعاث في المعاصي والزنا كالفجور فيهما... وفجر: فسق وكذب وعصى وخالف... الخ.
2- كَفَرة : أي سترة للحق أو كفران للنعمة وستر لها.
3- أي أصحاب هذه الخصال في النار، إذ تكون سببا في دخولهم النار.
4- الظاهر أنّه أبو النعمان العجلي وعده البرقي من أصحاب الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فراجع معجم رجال الحديث للخوئي 63/22.
5- أي ولو كذبة واحدة.
6- «أي الملة المحمّدية المائلة عن الضلالة إلى الاستقامة أو من الشدة إلى السهولة الشدة إلى السهولة...» مرآة المجلسي 10 / 325.
7- وذلك لأن من يطلب الرئاسة في دولة الباطل لا بد وأن يتوسل إليها بتوسط من هو أعلى منه وأكثر جاهاً وسلطاناً فيصير تابعاً ذليلاً له لأن الأعلى سوف يكون ولي نعمته وانطلاقاً من القول المأثور : احتج إلى من شئت تكن أسيره.
8- أي بسبب انتسابك إلينا، فتضع السنتنا أحاديث كاذبة لم تصدر عنا وتنسبها إلينا لتأكل أموال النّاس.
9- أي دنيا وآخرة.
10- إشارة إلى قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) الصافات / 24.
11- أي لعب ومَرْح. وفي الحديث دلالة على حرمة الكذب في كلتا الحالّتين الجد والهزل.

والكذب شرّ (1) من الشراب.

4 - عنه، عن أبيه، عمّن ذكره عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الكذب هو خرابُ الإيمان (2).

5 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد ؛ وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعاً، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة (3)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الكذب على اللّه وعلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من الكبائر.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن أبان الأحمر، عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ أوّل من يكذِّبُ الكذَّاب : اللّه عزّ وجلّ (4)، ثمّ الملكان اللذان معه، ثمّ هو يعلم أنّه كاذب.

7 - عليّ بن الحكم، [عن أبان]، عن عمر بن يزيد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: إنَّ الكذاب يهلك بالبينات ويهلك أتباعه بالشبهات (5).

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجران، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ آية الكذاب بأن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب، فإذا سألته عن حرام اللّه وحلاله لم يكن عنده شيء (6).

9 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ الكِذَّبَةَ لتفطر الصائم، قلت : وأينا لا يكون ذلك منه؟!

ص: 326


1- أي أكثر شرّية. «والوجه فيه أن الشرور التابعة للشراب تصدر بلا شعور بخلاف الشرور التابعة للكذب». مرآة المجلسي 329/10.
2- أي سبب في خرابه.
3- واسمه سالم بن مكرم.
4- لسبق علمه تعالى.
5- أي أن من يضع الحديث عن المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذباً وافتراءاً عليهم ويبتدع في الدين فهو يهلك نفسه بأمر يعلم كذبه وأتباعه يهلكون بالشبهة والجهالة لحسن ظنهم به واحتمالهم صدقه مرآة المجلسي 330/10. وقد يكون المقصود بالكذاب هنا من يجلس في مجلس القضاء والفتيا وهو ليس لها بأهل مع علمه بذلك.
6- «وذلك لأن العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه لا يحصل لأحد إلّا بالتقوى وتهذيب السر عن رذائل الأخلاق، قال اللّه تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) البقرة/ 282 ولا يحصل التقوى إلّا بالاقتصار على الحلال والاجتناب عن الحرام ولا يتيسر ذلك إلّا بالعلم بالحلال والحرام فمن أخبر عن شيء من حقائق الأشياء ولم تكن عنده معرفة بالحلال والحرام فهو لا محالة كذاب يدعي ما ليس له» الوافي 157/3.

قال : ليس حيث ذهبت إنّما ذلك الكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى الأئمّة صلوات اللّه عليه وعليهم (1).

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : ذُكر الحائك (2) لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه ملعون، فقال: إنما ذاك الّذي يحوك الكذب على اللّه وعلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يجد عبد طعم الإيمان (3) حتّى يترك الكذب هزله وجده.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الكذَّاب هو الّذي يكذب في الشيء؟ قال: لا، ما من أحد إلّا يكون ذلك منه ولكنَّ المطبوع على الكذب (4).

13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من كثر ذنبه ذهب بهاؤه (5).

14 - عنه، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ينبغي للرَّجل المسلم أن يجتنب مواخاة الكذاب، فإنه يكذب حتّى يجيىء بالصدق فلا يصدق (6).

15 - عنه، عن ابن فضّال، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري، عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ ممّا أعان اللّه [به] على الكذَّابين النسيان (7).

ص: 327


1- دل على أن الكذب على اللّه ورسوله والأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المفطرات، وقد وردت النصوص فيه.
2- المقصود بالحائك في هذا الحديث وغيره من الأحاديث هو من يضع الحديث وينسبه كذباً إلى اللّه ورسوله أو إليهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ومن هنا يستقيم الحكم بكونه ملعوناً. وقد صرّح بذلك في ذيل الحديث.
3- هذا كناية عن كمال الإيمان وترتب الآثار عليه.
4- أي المجبول عليه بحيث صار الكذب له طبيعة تلازمه.
5- أي وقاره وهيبته عند اللّه وعند النّاس.
6- تمشياً مع عرف النّاس في شكّهم بكل ما يتفوه به من أخبار وذلك لاستصحابهم كذبه بسبب تحققهم من كثرة كذبه في ما يخبر به.
7- «فإنهم كثيرا ما يكذبون في خبر ثمّ ينسون ويخبرون بما ينافيه ويكذبه فيفتضحون بذلك عند الخاصة والعامة» مرآة المجلسي 334/10.

16 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: الكلام ثلاثة : صدق وكذب وإصلاح بين النّاس. قال : قيل له : جعلت فداك ما الإصلاح بين النّاس؟ قال : تسمع من الرجل كلاماً يبلغه فتخبث نفسه (1) فتلقاه فتقول : سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا، خلاف ما سمعت منه.

17 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن الحسن الصيقل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنا قد رُوِّينا عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) (2)؟. فقال : واللّه ما سرقوا وما كذب ؛ وقال إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) (3)؟ فقال : واللّه ما فعلوا وما كذب قال : فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما عندكم فيها يا صيقل؟ قال : فقلت : ما عندنا فيها إلّا التسليم قال فقال : إِنَّ اللّه أحبَّ اثنين، وأبغض اثنين، أحب الخطر (4) فيما بين الصفّين، وأحب الكذب في الإصلاح، وأبغض الخطر في الطرقات(5). وأبغض الكذب في غير الإصلاح، إنَّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما قال: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) إرادة الإصلاح (6) ودلالة على أنهم لا يفعلون، وقال يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) إرادة الإصلاح (7).

18 - عنه، عن أبيه، عن صفوان عن أبي مخلّد السراج، عن عيسى بن حسان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه (8) يوماً إلّا [كذباً] في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا(9)، يريد بذلك الإصلاح ما بينهما، أو رجل وعد أهله (10) شيئاً وهو لا يريد أن يتمَّ لهم.

ص: 328


1- أي فتتكدر نفس المقول فيه ذلك الكلام من قبل ذلك الرجل القائل الكادح في أخيه، والحديث يدل على جواز الكذب في مقام إصلاح ذات بين المؤمنين. كما سيصرح به في الحديث الآتي.
2- يوسف / 70. ولا يخفى أن هذا القول لم يكن ليوسف وإنما كان لأحد رجاله بدل صدر الآية (فأذن مؤذن...).
3- الأنبياء /63. والظاهر أن (وقال إبراهيم) من كلام السائل أيضاً. والمقصود ب- (كبيرهم) أي أكبرهم في الهيكل والحجم، أو أعظمه عندهم.
4- أي التبختر إعجابا بالنفس عند طلب المبارزة في القتال.
5- أي التبختر وكثرة التردد والتسكع فيها.
6- أي رغبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في إصلاح عقيدة قومه الفاسدة بمنعهم عن عبادة الأصنام.
7- أي إصلاح ما فسد بينه وبين أخوته، أو إصلاحهم هم بعدما فعلوه به، وذلك لا بد للوصول إليه من حدوث ما كان.
8- أي من قبل اللّه سبحانه وذلك في القبر أو القيامة.
9- أي ينقل من عند نفسه عن أحدهما إلى الآخر كلاماً طيباً لم يقله في صاحبه لتطيب نفسه عليه.
10- أي الزوجة.

19 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مغيرة عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: المصلح ليس بكذاب.

20 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن محمّد بن مالك عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: حدّثني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، حدیث، فقلت له : جعلت فداك أليس زعمت لي الساعة كذا وكذا؟ فقال : لا، فعظم ذلك عليَّ فقلت بلى واللّه، زعمت فقال : لا واللّه ما زعمته قال : فعظم عليَّ، فقلت: جعلت فداك بلى واللّه قد قلته، قال : نعم قد قلته أما علمت أنَّ كلّ زعم في القرآن كذب (1).

21 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن أبي إسحاق الخراساني قال(2): كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إياكم والكذب، فإنَّ كلّ راج طالب وكلَّ خائف هارب (3).

22 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن الحجّال (4)، عن ثعلبة. (5)، عن معمر بن عمرو (6)، عن عطاء عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا كذب على مصلح»، ثمّ تلا (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، ثمّ قال : واللّه ما سرقوا وما كذب»، ثمّ تلا (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) ثمّ قال واللّه ما فعلوه وما كذب.

باب ذي اللسانين

باب ذي اللسانين (7)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عون القلانسي، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من لقي المسلمين بوجهين ولسانين

ص: 329


1- الزعم : كما في القاموس - القول الحق والباطل والكذب ضد وأكثر ما يقال فيما يشك فيه، والزعمي : الكذاب والصادق.. والتزعم التكذب وأمر مَزْعَم : لا يوثق به.
2- إما إرسال أو إضمار بأن يكون ضمير قال راجعاً إلى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مرآة المجلسي 334/10.
3- «أراد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تكذبوا في ادعائكم الرجاء والخوف من اللّه سبحانه وذلك لأن كلّ راج طالب لما يرجو ساع في أسبابه وأنتم لستم كذلك، وكل خائف هارب ممّا يخاف منه مجتنب ممّا يقربه منه وأنتم لستم كذلك» الوافي ج 157/3.
4- الظاهر أنّه عبد اللّه بن محمّد الأسدي.
5- الظاهر أنّه ابن ميمون بقرينة روايته عن معمر بن عمر.
6- لا يبعد أن (عمرو) تحريف (عمر) فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 267/18 - 268
7- «قال بعض المحققين : ذو اللسانين هو الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ويتردد بين المتعاديين ويكلم كلّ واحد بكلام يوافقه...» نقلا عن مرآة المجلسي 353/10.

جاء يوم القيامة وله لسانان من نار.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن أبي شيبة، عن الزهري، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يُطري أخاه شاهداً (1) ويأكله غائباً (2)، إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله (3).

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عبد الرحمن بن حماد رفعه قال : قال اللّه تبارك وتعالى لعيسى ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية لساناً واحداً وكذلك قلبك، إنّي أحذرك نفسك وكفى بي خبيراً، لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان في صدر واحد ؛ وكذلك الأذهان) (4).

باب الهجرة

باب الهجرة (5)

1 - الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن الربيع، وعدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، رفعه، قال في وصيّة المفضّل : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يفترق رجلان على الهجران إلّا استوجب أحدهما البراءة واللعنة (6) وربما استحق ذلك كلاهما، فقال له مَعَتِّب (7): جعلني اللّه فداك هذا الظالم (8) فما بال المظلوم ؟ قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس (9) له عن كلامه، سمعت كلامه، سمعت أبي يقول : إذا تنازع اثنان فعازَّ(10) أحدهما الآخر فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتّى يقول لصاحبه أي أخي أنا الظالم، حتّى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه، فإنَّ اللّه تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، عن ابن

ص: 330


1- أي يبالغ في مدحه إذا لقيه.
2- إشارة إلى قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) الحجرات/ 12.
3- أي لم ينصره.
4- أي لا يمكن أن تجتمع فيها الاعتقادات الحقة والباطلة.
5- الهجرة والهجران ترك شخص لآخر ورفضه له وقطيعته له.
6- أي من اللّه ورسوله منه.
7- هو من موالي الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) الممدوحين.
8- أي هذا حاله من براءة اللّه منه ولعنه له.
9- أي يتعامى ويتغافل كأنه لم يسمع ما قال فيه. وفي بعض النسخ (يتعامس).
10- أي غالبه. ومنه قوله تعالى في سورة ص / 23 «وعزّني في الخطاب» أي غالبني.

أبي عمير، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «لا هجرة فوق ثلاث» (1).

1 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرجل يصرم (2) ذوي قرابته ممّن لا يعرف الحق؟ قال : لا ينبغي له أن يصرمه.

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن عمه مرازم بن حكيم قال : كان عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلٌ من أصحابنا يلقب شَلْقان (3) وكان قد صيّره في نفقته (4) وكان سيّيء الخلق فهجره فقال لي يوماً : يا مرازم [و] تكلّم عيسى(5)؟ فقلت نعم، فقال : أصبت لا خير في المهاجرة.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد - القماط، عن داود بن كثير قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ): قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أيما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام، ولم يكن بينهما ولاية (6) فأيهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنّة يوم الحساب».

6 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الشيطان يغري (7) بين المؤمنين، ما لم يرجع (8) أحدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلك استلقا على قفاه وتمدَّد (9)، ثمّ قال : فزتُ (10)، فرحم اللّه امرءاً ألف بين وليين لنا، يا معشر المؤمنين تألّفوا وتعاطفوا.

7 - الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد بن سعيد عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن محفوظ عن عليّ بن النعمان عن ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد

ص: 331


1- أي ثلاث ليال.
2- أي يهجره من رأس والصرم القطع. ويدل الحديث على الأمر بصلة الرحم حتّى ولو كان كافراً أو منافقاً.
3- هذا لقب عيسى بن أبي منصور القرشي الكوفي، وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعده البرقي تارة في أصحاب الباقر وأخرى في أصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد وردت في مدحه روايات ويستقرب الإمام الخوئي أن المسمى بهذا الاسم رجلان لا رجل واحد أحدهما من أصحاب الباقر والآخر من أصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ). فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 176/13 وما بعدها.
4- أي تكفل بالإنفاق عليه وإعالته.
5- على نحو الاستفهام، أي أو تكلمه، والمقصود بعيسى هو ابن أبي منصور. ويحتمل فيه الأمر.
6- هي المحبة الّتي تكون بين المؤمنين.
7- أي يلقيها ويلصقها.
8- أي ما دام لم يخرج أحدهما من الدين كلية.
9- كناية عن فراغه من عمله في التفريق بين المؤمنين وإخراجهم عن دائرة الإيمان.
10- أي ظفرت بما أردت.

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يزال إبليس فرحاً ما اهتجر المسلمان، فإذا التقيا اصطحت ركبتاه(1) وتخلعت أوصاله (2) ونادى يا ويله ما لقي من الثبور (3).

باب قطيعة الرحم

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في حديث: «ألا إن في التباغض الحالقة، لا أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين» (4).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن حذيفة بن منصور قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتقوا الحالقة فإنّها تميت الرجال قلت : وما الحالقة؟ قال : قطيعة الرحم.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عثمان بن عيسى، عن بعض أنسحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إن إخوتي وبني عمي قد ضيّقوا عليَّ الدَّار والجاوني منها إلى بيت ولو تكلّمت أخذت (5) ما في أيديهم، قال: فقال لي : اصبر فإن اللّه سيجعل لك فرجاً، قال : فانصرفت ووقع الوباء(6) في سنة إحدى وثلاثين [ومائة] فماتوا واللّه كلهم فما بقي منهم أحد قال فخرجت فلما دخلت عليه (7) قال : ما حال أهل بيتك؟ قال : قلت له : قد ماتوا واللّه كلّهم، فما بقي منهم أحد، فقال: هو بما صنعوا بك وبعقوقهم إياك وقطع رحمهم بتروا(8)، أتحب أنهم بقوا وأنّهم ضيقوا عليك؟ قال: قلت: إي واللّه.

ص: 332


1- أي اضطربتا وارتعشتا.
2- أي مفاصله، وهي مجتمع العظام.
3- الثبور : الهلاك. «وإنما التفت في حكاية قول إبليس عن التكلم إلى الغيبة في قوله : يا ويله، ولقي، تنزيهاً لنفسه المقدسة عن نسبة الشر إليه في اللفظ وإن كان في المعنى منسوبا إلى غيره» الوافي للفيض ج 156/3.
4- «قال في النهاية : وفيه دب إليكم داء الأمم البغضاء وهي الحالقة الحالقة : الخصلة الّتي من شأنها أن تحلق أي، تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموس الشعر وقيل هي قطيعة الرحم والتظالم انتهى» نقلا عن الوافي للفيض ج 3/ 155.
5- كناية عن غلبته لهم عند المنازعة معهم.
6- الوباء بالقصر والمد والهمز - كما في النهاية - الطاعون والمرض العام.
7- الضمير يرجع إلى الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
8- أي استئصلت شأفتهم وقطع دابرهم.

4 - عنه، عن أحمد عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث خصال لا يموت صاحبهنَّ أبداً حتّى يرى وبالهنَّ (1) : البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها ؛ وإنَّ أعجلَ الطّاعة ثواباً لَصِلَةُ الرَّحم، وإنَّ القوم ليكونون فجاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون(2). وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع (3) من أهلها، وتنقل الرَّحم (4) وإن نقل الرحم انقطاع النسل.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة العابد قال: جاء رجل فشكا إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اقاربه، فقال له : أكظم غيظك وافعل(5)، فقال: إنّهم يفعلون ويفعلون(6)، فقال: أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر اللّه إليكم (7).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا تقطع رحمك وإن قطعتك».

7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه رفعه، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبته : أعوذ باللّه من الذُّنوب الّتي تعجل الفناء، فقام إليه عبد اللّه بن الكوَّاء اليشكري (8) فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجل الفناء؟ فقال: نعم وَيْلَك، قطيعة الرحم، إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فَجَرة فيرزقهم اللّه، وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم اللّه وهم أتقياء.

8، - عنه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار (9).

ص: 333


1- أي ثقلهن وشدتهن وسوء عاقبتهن.
2- أي يصيرون ذوي ثروة.
3- جمع بلقع وبلقعة : وهي الأرض القفر الّتي لا شيء فيها - كما في النهاية.. ومفادها هنا تفريق الشمل وتغيير النعمة.
4- كناية عن انقطاع النسل كما صرح به في ذيل الحديث، والتعبير عن انقطاع النسل بنقل الرحم لأنه حينئذ تنتقل القرابة من أولاده إلى سائر أقاربه مرآة المجلسي 367/10.
5- أي واصنع معهم ما أمكنك من البر، أو هو كناية عن ضرورة مواصلة كظم الغيظ والاستمرار عليه.
6- أي من أذيتي.
7- أي يسلبكم من ألطاف رحمته في الدنيا والآخرة.
8- وكان من رؤساء الخوارج.
9- وأحد أسبابه أنهم يتخاصمون ويتنازعون ويترافعون إلى الظلمة وحكام الجور فتصير أموالهم بالرشوة في أيديهم، وأيضاً إذا تخاصموا ولم يتعاونوا يتسلط عليهم الأشرار ويأخذونها منهم» مرآة المجلسي 370/10.

باب العُقُوق

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أدنى العقوق أفّ(1)، ولو علم اللّه عزّ وجلّ شيئاً أهون منه لنهى عنه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «كن بارّا واقتصر على الجنّة، وإن كنت عاقاً [فظاً] فاقتصر على النار» (2).

3 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن صالح الحذاء، عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنّة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام إلّا صنف واحد، قلت: من هم؟ قال: العاقُّ لوالديه (3).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «فوق كلّ ذي بربر، حتّى يُقتل الرّجل في سبيل اللّه فإذا قُتل في سبيل اللّه فليس فوقه بر، وإن فوق كلّ عقوق عقوقاً حتّى يقتل الرجل أحد والديه فإذا فعل ذلك فليس فوقه عقوق».

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من نظر إلى أبويه نظر ماقت (4) وهما ظالمان له لم يقبل اللّه له صلاة.

6 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن فرات عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في كلام له : إياكم وعقوق الوالدين، فإنَّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام، ولا

ص: 334


1- هي كلمة تضجر. وقد مر ما يتعلق بذلك في باب بر الوالدين فراجع.
2- الاقتصار على هذه أو تلك عبارة عن الاكتفاء وهو كناية عن أن أجر البر الجنّة وعقوبة العقوق النار.
3- «أي لهما أو لكل منهما، ويدل ظاهراً على عدم دخول العاق الجنّة، ويمكن حمله على المستحلّ، أو على أنّه لا يجد ريحها ابتداءً وإن دخلها أخيراً...» مرآة المجلسي 371/10.
4- أي نظر مبغض كاره.

يجدها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء(1)، إنما الكبرياء اللّه ربّ العالمين».

7 - عنه، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد [السلمي]، عن أبيه، عن جده، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو علم اللّه شيئاً أدنى من : لو علم اللّه شيئاً أدنى من أف لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق، ومن العقوق أن ينظر الرَّجل إلى والديه فَيَحُدُّ النظر إليهما (2).

8 - علي، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن أبي نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متكىء على ذراع الأب، قال: فما كلمه (3) أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مقتاً له حتّى فارق الدُّنيا.

9 - أبو علي الأشعري عن أحمد بن محمّد، عن محسن بن أحمد، عن أبان بن، عن عثمان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أدنى العقوق أف ولو علم اللّه أيسر منه لنهى عنه.

باب الانتفاء

باب الانتفاء (4)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كَفَرَ باللّه (5) من تبرأ من نسب وإن دقّ (6).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي المغرا(7)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كفر باللّه من تبرأ من نسب وإن دقّ.

3 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن ابن أبي عمير، وابن فضّال عن رجال

ص: 335


1- يمكن أن ينطبق على مطلق تطويل الثوب وشبهه ممّا يلبسه الإنسان بحيث يسبل طرفيه تكبراً وغطرسة وتبختراً. وقد مر ما يشير إلى قبح ذلك والنهي عنه في أحاديث سابقة.
2- يشعر بأنه يجب أن يكون النظر إلى الأبوين نظر محب خاضع خاشع متذلّل، لا نظر غاضب متأفف متبرم. وهذا من العقوق العملي كما أن قول أفٍّ لهما من العقوق القولي.
3- الضمير - حسب الظاهر - راجع إلى الإبن.
4- أي التبرّي من نسب باعتبار دناءته عرفا مرآة المجلسي 376/10.
5- هذا يحمل على ما إذا كان مستحلا لقطع الرحم.
6- أي وإن كان النسب بعيداً، أو كان خسيساً حقيراً.
7- واسمه حميد بن المثنى.

شتّى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّهما قالا : كفر باللّه العظيم الانتفاء من حسبا (1) وإن دقَّ.

باب مَن آذى المسلمين واحتقرهم

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال اللّه عزّ وجلّ: (ليأذن (2) بحرب مني من آذى عبدي المؤمن (3)، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن (4) ؛ ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلّا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت(5) في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما ولجعلت لهما من إيمانهما أنساً لا يحتاجان إلى أنس سواهما).

2 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن ابن سنان عن منذر بن يزيد عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصدود (6) لأوليائي، فيقوم قوم : ليس على وجوههم لحم (7)، فيقال : هؤلاء الّذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم(8)، وعاندوهم، وعنفوهم في دينهم(9)، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنم.

3 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون عن حماد بن بشير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قال اللّه تبارك وتعالى :

ص: 336


1- أي النسب.
2- أي فليعلم وليتيقّن.
3- المراد به الشيعي الكامل الإيمان.
4- وذلك يكون بحفظه ورعايته وخدمته وقضاء حوائجه والسعي بها وألطافه الخ.
5- «المراد بالاستغناء بعبادة مؤمن واحد مع أنّه سبحانه غني مطلق لا حاجة له إلى عبادة أحد، قبول عبادتهما والاكتفاء بهما لقيام نظام العالم» مرآة المجلسي 378/10.
6- أي المعرض بوجهه عنهم تكبراً أو كرهاً، المانع من برهم وصلتهم
7- «إنما سقط لحم وجوههم لأنهم كاشفوهم بوجوههم الشديدة من غير استحياء من اللّه ومنهم». الوافي للفيضج 3 / 161.
8- أي أظهروا لهم العداوة.
9- أي عيروهم به ولاموهم عليه.

(من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي) (1).

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن محمّد بن أبي حمزة عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من حقر (2) مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين، لم يزل اللّه عزّ وجلّ حاقراً له ماقتاً حتّى يرجع عن مَحْفَرَتِهِ إيَّاه.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن معلى بن خنيس قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه تبارك وتعالى يقول: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي (3).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قال اللّه عزّ وجلّ: (قد نابذني (4) من أذلَّ عبدي المؤمن).

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وأبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار جميعاً، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن حماد بن بشير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قال اللّه عزّ وجلّ : (من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرب إليَّ عبد(5) بشيء أحبُّ إليَّ ممّا افترضت عليه، وإنه لينقرَّب إليَّ بالنافلة حتّى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ولسانه الّذي ينطق به ويده الّتي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته (6)؛ وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته (7)).

ص: 337


1- الإرصاد : المراقبة والإعداد للشيء. وفي كتاب النهاية : يقال رصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه، وأرصدت له العقوبة إذا أعددتها.
2- أي أذلّ.
3- يدل على أن عقوبة إذلال المؤمن تصل إلى المذلّ في الدنيا أيضاً بل بعد الإذلال بلا مهلة ولو بمنع اللطف والخذلان مرآة المجلسي 381/10.
4- في المصباح المنير : نابذتهم خالفتهم، ونابذتهم الحرب كاشفتهم إياها وجاهرتهم بها.
5- أي طلب القرب من رحمتي ومغفرتي ورضواني.
6- «قيل: المعنى أني إذا أحببته كنت كسمعه وبصره في سرعة الإجابة، فقوله : إن دعاني أجبته، إشارة إلى وجه التشبيه، يعني إني أجيبه سريعاً إن دعاني إلى مقاصده كما يجيبه سمعه عند إرادته سماع المسموعات، وبصره عند إرادته أبصار المبصرات وهذا مثل قول النّاس المعروف بينهم : فلان عيني ونور بصري ويدي وعضدي، وإنما يريدون به التشبيه في معنى من المعاني للمقام...» مرآة المجلسي 391/10.
7- ورد مضمون ذيل هذا الحديث في الحديث رقم (6) من باب الرضا بموهبة الإيمان والصبر على كلّ شيء بعده من هذا المجلد وعلقنا عليه هناك فراجع.

8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القماط، عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما أسري بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال : يا محمّد من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن وفاة المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ؛ وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الغني ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك ؛ وإنَّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وما يتقرب إليَّ عبد من عبادي بشيء أحبّ إليَّ ممّا افترضت عليه وإنه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتّى أحبه فإذا أحببته كنت إذا سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ولسانه الّذي ينطق به ويده الّتي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته (1).

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من استذلَّ مؤمناً واستحقره لقلة ذات يده (2) ولفقره شهره اللّه (3) يوم القيامة على رؤوس الخلائق.

10 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لقد أسرى ربِّي بي فأوحى إليَّ من وراء الحجاب (4) ما أوحى، وشافهني (5) [إلى ] أن قال لي : يا محمّد من أذل لي ولياً فقد أرصدني بالمحاربة ومن حاربني حاربته قلت يا ربِّ ومن وليك هذا؟ فقد علمت أن من حاربك حاربته، قال لي : ذاك من أخذتُ ميثاقه لك ولوصيّك ولذرّيّتكما بالولاية».

11 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): قال اللّه عزّ وجلّ: «من استذلُّ عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في عبدي

ص: 338


1- اتضح المراد من هذا الحديث من تعليقنا على المتقدم عليه.
2- كناية عن فقره.
3- أي جعل له علامة في الآخرة يشتهر ويُعرف بها بأنه كان ممّن أذلّ مؤمناً في الدنيا.
4- الحجاب : الستر حسياً كان أو معنوياً، والمراد به هنا الثاني.
5- أي بلا توسط ملك.

المؤمن، إنّي أحبُّ لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه، وإنه ليدعوني في الأمر فأستجيب له بما هو خير له) (1).

باب مَن طَلَبَ عَثرات المؤمنين وعوراتهم

1 - محمّد بن يحيى، عن، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن إبراهيم والفضل ابني يزيد الأشعري، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرَّجل على الدين فيحصي عليه عثرات--ه وزلاته ليعنّفه بها يوماً ما (2).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا معشر (3) من أسلم بلسانه ولم يَخْلَص (4) الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين ولا تَتَبَّعُوا عوراتهم فإنّه من تتبع عوراتهم تتبع اللّه عورته، ومن تتبع اللّه تعالى عورته يفضحه ولو في بيته(5)».

عنه، عن عليّ بن النعمان عن أبي الجارود (6)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله (7)،

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي

ص: 339


1- أي ما هو أصلح له إما في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً.
2- أي ليلومه ويعيره بها بقصد هتك حرمته. ووجه قربه إلى الكفر إن ذلك منه باعتبار عدم استقرار إيمانه في قلبه ومن لم يستقر إيمانه بعد فهو قريب من الكفر، أو المراد بالكفر كفر النعمة فإن مراعاة حقوق الأخوة من أجل نعماء اللّه عزّ وجلّ وقصده ذلك مناف لمراعاتها فهو قريب من الكفر المازندراني 2/10.
3- المعشر : الجماعة.
4- أي لم يصل.
5- تَتبعوا أصلها تتبعوا فحذفت تاء منها. والمعنى : لا تنقبوا وتفتشوا عنها، والعورات: جمع عورة وهي أمر قبيح يستره الإنسان مادياً كان أو معنوياً.
6- «والمراد بتتبع اللّه تعالى عورته إرادة إظهارها على خلقه ومن أراد اللّه تعالى إظهار عورته وإعلان بواد ما يكره إظهاره بفضحه بإظهارها ولو في جوف بيته إذ لا مانع لإرادته تعالى ولا دافع لها المازندرني 3/10. وقال المجلسي في مرآته 301/10: «والمراد بتتبع اللّه سبحانه عورته منع لطفه وكشف ستره، ومنع الملائكة عن ستر ذنوبه وعيوبه فهو يفتضح في السماء والأرض... الخ».
7- واسمه زياد بن المنذر.

الرّجُل الرّجلَ على الدين، فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنّفه بها يوماً ما (1).

4 - عنه، عن الحجّال عن عاصم بن حميد عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه، لا تتبعوا عثرات المسلمين فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع اللّه عثرته ومن تتبع اللّه عثرته يفضحه» (2).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم أو الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا نطلبوا عثرات المؤمنين فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع اللّه عثراته ومن تتبع اللّه عثراته يفضحه ولو في جوف بيته».

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرّجلُ الرَّجلَ على الدين فيحصي [عليه] زلّاته ليعيّره بها يوماً ما.

7 - عنه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أبعد ما يكون العبد من اللّه أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ [عليه] زلاته ليعيره بها يوماً ما.

باب التعيير

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أنّب (3) مؤمناً أنبه اللّه (4) في الدُّنيا والآخرة.

2 - عنه، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن عمّار، عن إسحاق بن عمّار،

ص: 340


1- مر مضمون هذا الحديث قبل قليل مع تفاوت يسير في ألفاظه والراوي فيهما زرارة عن المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) تحت رقم (1) من هذا الباب وعلقنا عليه فراجع.
2- مر أيضاً تحت رقم (2) من هذا الباب بمعناه وألفاظه مع اختلاف جزئي فيها. ومن الواضح أن أكثر أحاديث هذا الباب متشابهة ما الألفاظ متطابقة المعاني بل بعضها يكاد تتطابق أسانيدها ومع ذلك أوردها المصنف رحمه اللّه كلها وهذا ملفت للنظر.
3- التأنيب : اللوم والتعنيف.
4- التأنيب من اللّه سبحانه للعبد معاقبته في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما على تعنيفه لأخيه المؤمن.

عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أذاع فاحشة (1) كان كمبتدئها (2)، ومن غير مؤمناً بشيء لم يمت حتّى يركبه (3).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من عير مؤمناً بذنب لم يمت حتّى يركبه.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن حسين ابن عمر بن سليمان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من لقي أخاه بما يؤنبه (4) أنّبه اللّه في الدنيا والآخرة.

باب الغيبة والبهت

باب الغيبة والبهت(5)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة (6) في جوفه».

قال : وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ما لم يُحدث، قيل: يا رسول اللّه وما يحدث؟ قال: الاغتياب.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الّذين قال اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (7).

3 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوساء، عن داود ابن

ص: 341


1- الفاحشة : المعصية الشديدة القبح، وإذاعتها التشهير بصاحبها وكان قد ارتكبها في السر.
2- أي فاعلها فيكون المذيع كالفاعل.
3- اي اقترفها : وتحريم التعبير بها ولا ينافي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المطلوب فيهما النصح لا التأنيب إلّا أذا علم أنّه لا تنفعه مرآة المجلسي 405/10.
4- أي بما يؤنبه به بتقدير العائد بعد حمل (ما) على الموصولية.
5- الغيبة : ذكرك أخاك في غيبته بما يكره ظهوره من عيوبه الموجودة فيه فعلاً، فإن ذكرته بما يسؤوه ولم يكن فيه فقد بهته، وهو البهت أو البهتان.
6- الأكلة أو الأكلة : مرض خبيث يتأكل لحم الجسم بسببه، وتخصيصه بالجوف ربما لأنه أكثر أذى وأسرع قتلاً. وذهب بعضهم إلى أن الأكلة (بتسكين الكاف مع فتح الهمزة) اللقمة، مؤيداً رأيه هذا بذكر الجوف في الحديث، وتشبيه الغيبة باللقمة عنده أنسب لأن اللّه سبحانه شبهها بأكل اللحم فراجع الوافي للفيض ج 163/3.
7- النور/ 19. قال الطبرسي في مجمع البيان المجلد 132/4 (... أن تشيع الفاحشة) أي يفشوا ويظهروا الزنا والقبائح في الّذين آمنوا بأن ينسبوها إليهم ويقذفوهم بها لهم عذاب أليم في الدنيا) بإقامة الحد عليهم. (والآخرة) وهو عذاب النار.

سرحان قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الغيبة قال : هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل (1) وتبثُ (2) عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ(3).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن هارون بن الجهم عن حفص بن عمر عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سئل النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): ما كفارة الاغتياب قال: «تستغفر اللّه لمن اغتبته كلّما ذكرته» (4).

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من بَهَتَ مؤمناً أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه اللّه في طينة خَبَال (5) حتّى يخرج ممّا قال (6) قلت : وما طينة الخبال؟ قال : صديد يخرج من فروج المومسات (7).

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن العبّاس بن عامر، عن أبان عن رجل لا نعلمه إلّا يحيى الأزرق قال : قال لي أبو الحسن صلوات اللّه عليه : من ذكر رجلاً من خلفه (8) بما هو فيه ممّا عرفه النّاس لم يغتبه (9)، ومن ذكره من خَلْفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه النّاس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بَهَتَه.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن سيّابة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الغيبة أن تقول في أخيك ما سَتَره اللّه

ص: 342


1- هو أعم من القول والعمل، إذ القول فعل له أيضاً. فإذا نسبت إليه قولاً في الدين لم يقله بقصد الإساءة إليه و انتقاص دينه فقد اغتبته أيضاً.
2- أي تشهره وتشيعه وتعلنه.
3- أي لم يطلع عليه الحاكم الشرعي في حينه ليقيم عليه الحد الشرعي.
4- أي كلما ذكرت أنك اغتبته، أو كلما ذكرت الشخص المغتاب «وفي بعض النسخ : كما ذكرته، وحمل على أن ذلك بعد التوبة وظاهره عدم وجوب الاستحلال ممّن اغتابه وبه قال جماعة بل منعوا منه ولا ريب أن الاستحلال منه أولى وأحوط إذا لم يصر سبباً لمزيد إهانته ولإثارة فتنة لا سيما إذا بلغه ذلك» مرآة المجلسي 431/10.
5- الخيال الفساد.
6- أي إثبات صدق ما قاله في أخيه المؤمن، وهذا يشير إلى خلوده في النار، لأن البهت هو قولك في أخيك ما ليس فيه من عيب، فلا يستطيع إثبات ما هو غير موجود أصلا. وقيل إن المعنى : «خروجه من دنس الإثم بتطهير النّار له، وقال الطيبي في شرح المشكاة حتّى يخرج ممّا قال أي يتوب منه أو يتطهر». مرآة المجلسي 435/10.
7- الصديد هو الدم المختلط بالقيح، أو هو القيح والمومسات: جمع المومسة وهي الزانية الفاجرة.
8- أي في غيبته.
9- لا بد من حمله على ما إذا كان الأمر المذكور ممّا لا يدخل الحزن والأذية عليه، وإلا فقد يسلك في باب أذية المؤمن.

عليه، وأما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة (1) المحلة (2)، والبهتان أن تقول فيها (3) ما ليس فيه.

باب الرواية على المؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل ابن عمر قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من روى على مؤمن رواية (4) يريد بها شَيْنَه (5) وهدم مروءته (6) ليسقط من أعين النّاس، أخرجه اللّه من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان (7).

2 - عنه، عن أحمد عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت له : عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: نعم، قلت تعني سفليه (8)، قال : ليس حيث تذهب، إنما هي (9) إذاعة سرّه.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن مختار، عن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما جاء في الحديث عورة المؤمن على المؤمن حرام قال: ما هو (10) ان ينكشف فترى منه شيئاً (11)، إنما هو أن تروي عليه (12) أو تعيبه (13).

ص: 343


1- الجدة - كما في القاموس - ما يعتري الإنسان من الغضب والنزق.
2- العَجَلة : - كما في القاموس أيضاً - السرعة والمبادرة في الأمور من غير تأمل.
3- أي سواء كان قولك ما ليس فيه في حضوره أو غيبته. فكله بهتان.
4- أي «بأن ينقل عنه كلاماً يدل على ضعف عقله وسخافة رأيه وسفاهة طبعه» المازندراني 9/10.
5- أي عيبه.
6- المروءة : - كما قال الجوهري - الإنسانية.
7- «ولعل السر في عدم قبول الشيطان له أن فعله أقبح من فعل الشيطان لأن سبب خروج الشيطان من ولاية اللّه تعالى هو مخالفة أمره مستنداً بأن أصله أشرف من أصل آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يذكر من فعل آدم ما يسؤوه ويسقطه عن نظر الملائكة، وسبب خروج هذا الرجل من ولايته تعالى هو مخالفة أمره عزّ وجلّ من غير أن يسندها إلى شبهة إذ الأصل واحد وذكره من فعل المؤمن ما يؤذيه ويحقره في أعين السامعين وادعاء الكمال الفعلي لنفسه فعلا وهذا إدلال وتفاخر وعُجب وتكبر فلذلك لا يقبله الشيطان لكونه أقبح فعالاً منه على أن الشيطان لا يعتمد على ولايته له لان شأنه نقض الولاية لا عن شيء...» المازندراني 09/10.
8- أي عورتيه وهما القبل والدبر.
9- أي عورة المؤمن المقصودة في هذا الحديث هي كشف سرّه.
10- أي ليست العورة أن الخ، أو ليس الحرام.
11- أي من عورتيه.
12- أي تنقل عنه كلاماً يلحق به الضرر من جراء نقلك له.
13- أي تظهر عيباً مستوراً عنده أو تقول فيه كلاماً يؤذيه أو يجرح كرامته.

باب الشماتة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن عن إبراهيم بن محمّد الأشعري عن أبان بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا تبدي الشماتة (1) لأخيك، فيرحمه اللّه ويصيّرها بك، وقال: من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتّى يُفتَتَن (2).

محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ بن فضال

باب السباب

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «سباب المؤمن (3) كالمشرف على الهلكة (4)».

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «سباب المؤمن فسوق (5)، وقتاله كفر (6)، وأكل لحمه (7) معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه».

3 - عنه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي

جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ رجلاً من بني تميم أتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال : «لا تسبوا النّاس فتكتسبوا العداوة بينهم».

ص: 344


1- الشماتة الفرح والسرور بمصيبة الأخ المؤمن.
2- أي يبتلي ويمتحن.
3- السباب الشتم والسب.
4- «لعل المراد بها (أي الهلكة) الكفر والخروج من الدين وبالمشرف عليها من قرب وقوعه فيهما بفعل الكبائر العظيمة، والساب شبيه بالمشرف وقريب منه ولو أريد بها العقوبة أو استحقاقها لم يتم التشبيه على الظاهر لأن الساب على الأوّل مشرف عليها وعلى الثاني متصف بها: المازندراني 10/10.
5- الفسوق : مصدر فَسَقَ يفسق الخروج عن دائرة طاعة اللّه إلى معصيته.
6- لا بد من حمله على أنّه يقاتله بسبب إيمانه، أو أنّه يقاتله مستحلاً لقتاله، أو يحمل على أن قتاله قد يكون من أسباب الكفر فيكون الإطلاق مجازيا.
7- كناية عن اغتيابه.

4 - ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رجلين يتسابّان قال: البادي منهما أظلم، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم (1).

5 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما شهد رجل على رجل بكفر (2) قط إلّا باء (3) به أحدهما، إن كان شهد [به] على كافر صدق، وإن كان مؤمناً رجع الكفر عليه، فإياكم والطعن على المؤمنين (4).

6 - الحسن بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن عليّ بن أبي حمزة عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول: إنَّ اللعنة إذا خرجت من في (5) صاحبها تردَّدت فإن وجدت مساغاً (6) وإلا رجعت على صاحبها.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ، عن عليّ بن عقبة، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللعنة إذا خرجت من في صاحبها تردَّدت بينهما فإن وجدت مساغاً وإلا رجعت على صاحبها.

8 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا قال الرَّجل لأخيه المؤمن : أفّ خرج من ولايته (7)،، وإذا قال : أنت عدوّي كفر أحدهما (8)، ولا يقبل اللّه من مؤمن عملا وهو

ص: 345


1- ورد هذا الحديث تحت رقم (3) في باب الشفه من هذا المجلد بنفس السند مع ذكر الواسطة بين الشيخ الكليني وابن محبوب هناك وهي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب، ولا اختلاف بين المتنين إلّا في قوله هناك : «ما لم يتعد إلى المظلوم» وقد علقنا عليه سابقا فراجع.
2- سواء كان بنحو الإخبار أو الإنشاء، أو شهد به عند حاكم.
3- أي رجع به وصار عليه.
4- أي قدحهم وذمهم.
5- أي من فمه.
6- أي مدخلاً. وقد روي عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال: «إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثمّ تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثمّ تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الّذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها».
7- ولاية المؤمن للمؤمن : نصرته له ومحبته له في اللّه.
8- كفر المخاطب في صورة كون القائل صادق في قوله وكفر القائل في صورة كونه كاذباً لأن الكفر يعود إليه بتكفيره لأخيه المسلم.

مضمر على أخيه المؤمن سوءاً (1).

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن سنان عن حماد بن عثمان، عن ربعي، عن الفضيل عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من إنسان يطعن في عين مؤمن (2) إلّا مات بشر ميتة وكان قمنا(3) أن لا يرجع إلى خير.

باب التهمة وسوء الظن

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا اتهم المؤمن أخاه (4) انماث (5) الإيمان من قلبه (6) كما ينماث الملح في الماء.

2 - عدَّة من أصحابنا، أحمد، عن بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابه عن الحسين ابن حازم، عن حسين بن عمر بن يزيد عن أبيه قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من اتهم أخاه في دينه (7) فلا حرمة بينهما (8) ومن عامل أخاه بمثل ما عامل به النّاس (9) فهو بريء ممّا ينتحل (10).

3- عنه، عن أبيه، عمّن حدَّثه عن الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلام له : ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه (11) ولا

ص: 346


1- «أي يريد به شراً أو يظن به ما هو بريء عنه مرآة المجلسي 12/11. ودل هذا على أن إضمار السوء لا يقدح في أصل الإيمان نعم يدفع كماله...» المازندراني 13/10.
2- أي يقدح فيه في حضوره، سواء كان ما قدحه به متصفاً به المخاطب أولاً.
3- أي جديراً وأهلاً.
4- أى ظن به ظن السوء.
5- أي ذاب وتلاشى.
6- «إنما قال من قلبه، ولم يقل في قلبه للتنبيه على فساد قلبه حتّى أنّه ينافي الإيمان ويوجب فساده» المازندراني 14/10.
7- كان يتهمه بفعل المعاصي أو ترك شيء من الواجبات، أو يتهمه بالكفر.
8- الحرمة: كما في القاموس ما لا يحل انتهاكه، والمقصود بها حرمة الإيمان، وهذا التعبير كناية عن سلب الرابطة الإيمانية الّتي كانت تجمع بينهما.
9- من غير المؤمنين.
10- الانتحال ادعاء ما ليس له أي هو خارج عن ربقة الإسلام والإيمان.
11- «أي إحمل أمر أخيك قولاً كان أو فعلاً على أحسنه وإن كان مرجوحاً وكان خلافه راجحاً مظنوناً من غير تجسس حتى يأتيك اليقين على خلافه فإن الظن قد يغلط والتجسس منهي عنه» المازندراني 14/10 - 15.

تظنّنَّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً (1).

باب من لم يُناصِحُ أخاه المؤمن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن النعمان، عن أبي حفص الأعشى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه (2) فقد خان اللّه ورسوله» (3).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عثمان عن بن عيسى، عن سماعة :قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أيما مؤمن مشى (4) في حاجة أخيه فلم يناصحه (5) فقد خان اللّه ورسوله.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد ابن حسان جميعاً، عن إدريس بن الحسن عن مصبح بن هلقام قال : أخبرنا أبو بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكل جهد (6)، فقد خان اللّه ورسوله والمؤمنين، قال أبو بصير: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تعني بقولك والمؤمنين؟ قال : من لدن أمير المؤمنين إلى آخرهم (7).

4 - عنهما جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة (8)قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من مشى في حاجة أخيه ثمّ لم يناصحه فيها كان كمن خان اللّه ورسوله، وكان اللّه خصمه (9).

ص: 347


1- «فإذا خرجت منه كلمة ذات وجهين وجب عليك أن تحملها على الوجه الخير» ن. م ص / 15 – 16.
2- أصل النصح الإخلاص من قبل الشخص قولاً وفعلاً فيما فيه مصلحة أخيه المؤمن. ومن ذلك الجد في قضاء حاجته والسعي صادقاً في الطافه والدفع عنه وجلب النقع إليه وتسديد رأيه في ما يعترضه من أمور دينه ودنياه، وإلا فإنه يكون قد غشه. وفي بعض النسخ (فلم يناصحه).
3- فيه أشعار بأن غش المؤمن يعتبر خيانة اللّه والرسول.
4- أي سعى في قضائها.
5- أي فلم يبذل ما تحتاجه من جهد أو كان مضمراً في نفسه كراهة قضائها.
6- الجهد، كما في القاموس الطاقة. أي بذل أقصى ما في وسعه، ولذا فهي تستبطن التعب والمشقة.
7- يحتمل أن يكون المراد بالمؤمنين خصوص الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما يحتمل أن يراد بهم الأعم منهم ومن شيعتهم ومواليهم.
8- واسمه المفضّل بن صالح.
9- «أي يخاصمه من قبل المؤمن في الآخرة أو في الدنيا فينتقم له فيهما» مرآة المجلسي 20/11.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابه، عن حسين ابن حازم، عن حسين بن عمر بن يزيد عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي (1) سلبه اللّه عزّ وجلّ رأيه (2).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أيما مؤمن مشى مع أخيه المؤمن في حاجة فلم يناصحه فقد خان اللّه ورسوله (3).

باب خُلف الوعد

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عِدَةُ (4) المؤمن أخاه نَذر لا كفارة له (5)، فمن أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللّه بدأ ولمقْتِه تعرَّض (6) وذلك قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (7).

2 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فَلْيَفِ إذا وَعَدَ» (8).

ص: 348


1- أي فلم يشر عليه بما يقضي به العقل الحكيم والتدبير القويم السليم.
2- «ولعل السر في سلبه أنّه نعمة جليلة وترك الشكر عليه بعدم العمل بمقتضاه كفران لتلك النعمة وكفرانها موجب لسلبها» المازندراني 18/10.
3- مر هذا الحديث قبل قليل تحت رقم (2) عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) برواية سماعة أيضاً وبنفس المضمون إلّا أن فيه هناك : (في حاجة أخيه).
4- العِدَة : الوعد وهو يكون في الخير، وإذا كان في الشر يقال : أوعدت إبعاداً ووعيداً
5- «أي كالنذر في جعله على نفسه أو في لزوم الوفاء به إلّا أنّه لا كفارة له» المازندراني 18/10.
6- «لأن اللّه أخذ على العباد العهد بأن يعملوا بأوامره وينتهوا عما نهى عنه، ولما أمر بالوفاء بالعهد ونهى عن الخلف عنه فمن أراد خلف العهد خالف اللّه فيما عاهده عليه وإن كان معفواً مع عدم الفعل (ولغضبه سبحانه) تعرض» مرأة المجلسي 22/11.
7- الصف / 2 - 3.
8- دل هذا الحديث - كالّذي قبله - على وجوب الوفاء بالوعد وحرمة خُلفه. ويمكن أن يكون قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذا الحديث: (من كان يؤمن الخ) إشارة إلى أن ذلك مقتضى الإيمان ومن لوازمه فمن لم يفعل ذلك فليس بمؤمن مرآة المجلسي 24/11.

باب مَن حَجَبَ أخاه المؤمن

1 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان، وعدَّةً من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب(1)، ضرب اللّه عزّ وجلّ بينه وبين الجنّة سبعين ألف سور ما بين ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام (2).

2 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن الحسين، عن أبيه، عن إسماعيل بن محمّد، عن محمّد بن سنان قال كنت عند الرّضا صلوات اللّه عليه فقال لي : يا محمّد إنه كان في زمن بني إسرائيل أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحد منهم الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم فقرع الباب فخرج إليه الغلام فقال : أين مولاك؟ فقال : ليس هو في البيت، فرجع الرجل ودخل الغلام إلى مولاه فقال له : من كان الّذي قرع الباب؟ قال: كان فلان فقلت له لستَ في المنزل، فسكت ولم يكترث (3) ولم يلم غلامه ولا اغتم أحد منهم لرجوعه عن الباب وأقبلوا في حديثهم، فلما كان من الغد بكر إليهم (4) الرَّجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة (5) لبعضهم فسلّم عليهم وقال : أنا معكم ؟ فقالوا له : نعم ولم يعتذروا إليه (6)، وكان الرَّجل محتاجاً ضعيف الحال، فلمّا كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلّتهم فظنوا أنّه مطر، فبادروا فلمّا استوت الغمامة على رؤوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة أيتها النّار خذيهم وأنا جبرئيل رسول اللّه، فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة النفر وبقي الرجل مرعوباً يعجب ممّا نزل بالقوم ولا يدري ما السبب؟ فرجع إلى المدينة فلقي يوشع بن نون (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبره الخبر وما رأى وما سمع، فقال يوشع بن نون (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما علمت أنَّ اللّه سخط عليهم بعد أن كان عنهم راضياً وذلك بفعلهم بك، فقال : وما فعلهم بي؟ فحدَّثه يوشع، فقال الرجل : فأنا أجعلهم في حلّ وأعفو عنهم، قال : لو كان هذا قبل لنفعهم فأما الساعة فلا (7)

ص: 349


1- «أي مانع من الدخول عليه، إما بإغلاق الباب دونه أو إقامة بواب على بابه يمنعه من الدخول عليه» ن. م ص / 45.
2- يحتمل أنّه من أعوام الدنيا ومن أعوام الآخرة، كما يمكن أن يراد معناه الحقيقي، أو المجازي فيكون كناية عن بعده من رحمة اللّه سبحانه.
3- أي لم يبال ولم يهتم.
4- أي جاءهم بكرة.
5- الضيعة - كما في القاموس - العقار والأرض والأرض المغلة.
6- أي عما حصل عند مجيئه السابق ورجوعه من الباب بعد أن قال له الغلام ما قال.
7- أي لا ينفعهم عفوك بعد أن هلكوا، فلن يرجعوا إلى الدنيا.

وعسى أن ينفعهم من بعد (1).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب اللّه بينه وبين الجنّة سبعين ألف سور، غلظ كلّ سور مسيرة ألف عام [ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام ] (2).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلماً زائراً [ أو طالب حاجة] وهو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه ؟ قال : يا أبا حمزة أيما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن له ولم يخرج إليه لم يزل (3) في لعنة اللّه حتّى يلتقيا (4) فقلت : جعلت فداك في لعنة اللّه حتّى يلتقيا ؟ قال : نعم يا أبا حمزة.

باب من استعان به أخوه فلم يُعِنْه

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن عليّ عن سعدان عن حسين بن أمين، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته [إلا] ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يوجر (5)

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أيما رجل من شيعتنا أتى رجلا من إخوانه فاستعان به في

ص: 350


1- أي يوم القيامة، أو في عالم البرزخ.
2- مر مضمون هذا الحديث بتفاوت جزئي تحت رقم (1) من هذا الباب وعلّقنا عليه.
3- أي الشخص الثاني الّذي احتجب عن أخيه، ولا بد من حمله على عدم وجود عذر عنده للاحتجاب.
4- ولا بد من اشتراط ارتفاع لعنة اللّه عنه عند الالتقاء بما إذا اعتذر إلى صاحبه من تصرفه معه، نظراً إلى مضمون الحديث رقم (2) المتقدم.
5- كما لو أعان ظالماً أو كافراً، فإن كان باختياره فهو ليس غير مثاب على عمله بل مأثوم أيضاً وإن كان بالقهر والتسلط فلا يؤجر على الظلم والقهر الّذي أصابه من الظالم.

حاجته فلم يُعِنه وهو يقدر، إلّا ابتلاه اللّه بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا، يعذبه اللّه عليها يوم القيامة.(1).

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن أسلم، عن الخطاب ابن مصعب، عن سدير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لم يَدَعْ رجل معونة أخيه المسلم حتّى يسعى (2) فيها ويواسيه (3)، إلّا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يوجر.

4 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن. بن عبد اللّه، عن علي ابن جعفر عن [أخيه] أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله (4) فلم يجره بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية اللّه (5) عزّ وجلّ.

باب من منع مؤمناً شيئاً من عنده أو من عند غيره

باب من منع مؤمناً شيئاً من عنده أو من عند غيره(6)

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن حسّان، جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان، عن فرات بن أحنف، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :قال : أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه اللّه (7) يوم القيامة مسودا وجهه مُزْرَقَةً عيناه (8)، مغلولةً يداه إلى عنقه فيقال : هذا الخائن الّذي خان اللّه ورسوله، ثمّ يؤمر به إلى النّار.

ص: 351


1- أي يعذبه اللّه على قضاء تلك الحوائج للأعداء يوم القيامة. ويدل الحديث على حرمة قضاء حوائج الكفار وخاصة النواصب.
2- أي يمشي في إنجازها.
3- أي يعزّيه ويعاونه.
4- إما لقضاء حاجة تعترضه أو لدفع ظالم يتسلط عليه.
5- أي محبة اللّه له أو نصرته له. «والحاصل أنّه لا يتولى اللّه أموره ولا يهديه بالهدايات الخاصة ولا يعينه ولا ينصره» مرآة المجلسي 50/ 11.
6- «مفاد أحاديث هذا الباب راجع إلى ما في الباب السابق إلّا أنّها لما وردت باسم خاص ونهي خاص وضع لها باباً آخر» المازندراني 21/10.
7- أي بعثه أو أوقفه ونصبه. أو حشره.
8- إشارة إلى قوله تعالى في سورة طه / 102 (ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً) أي زرق العيون وذلك من أقبح ألوان العين وأبغضها إلى العرب، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وكانوا زرق العيون قاله البيضاوي. وقيل بأن ذلك يصيب عيونهم من شدة العطش. وقيل : معنى (زرقا) أي عمياً، لأن حدقة الأعمى تزرق. وقيل : يحتمل إرادة قبح المنظر وفظاظة الصورة.

2 - ابن سنان عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يونس من حبس حقُّ المؤمن (1)، أقامه اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه حتّى يسيل عرقه أو (2) دمه (3)، وينادي مناد من عند اللّه : هذا الظالم الّذي حبس عن اللّه حقه، قال: فيوبّخ أربعين يوماً (4) ثمّ يؤمر به إلى النار.

3 - محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إياها قال اللّه عزّ وجلّ : (يا ملائكتي أبخِلَ عبدي على عبدي بسكنى الدار الدُّنيا وعزتي وجلالي لا يسكن جناني أبداً) (5).

4 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمةٌ من اللّه عزّ وجلّ ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية اللّه عزّ وجلّ وإن ردَّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفور له أو معذَّب، فإن عذره الطالب كان أسوء حالا(6). قال : وسمعته يقول (7): من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية اللّه تبارك وتعالى.

باب من أخاف مؤمناً

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسى، عن

ص: 352


1- «المراد بحق المؤمن من الديون والحقوق اللازمة أو الأعم منها ممّا يلزمه أداؤه من جهة الإيمان...» مرآة المجلسي 52/11.
2- الترديد من الراوي.
3- في بعض النسخ (أودية).
4- أي من قبل اللّه أو الملائكة أو الأنبياء والأوصياء أو عامة المؤمنين أو هؤلاء جميعاً، والمراد بالأربعين يوماً مقدارها من أيام الدنيا بقرينة إقامة اللّه له قبل ذلك خمسمائة عام والّتي تحتمل أعوام الدنيا كما تحتمل أعوام الآخرة.
5- لا بد من حمل منعه له على منعه لإيمانه ليس إلّا فيكون المانع من أهل الكفر واللّه أعلم.
6- مر هذا الحديث بسنده وبمتنه عينه إلى هذا الموضع تحت رقم (13) من باب قضاء حاجة المؤمن من هذا المجلد، إلّا أن فيه هناك (مغفوراً له أو معذباً) وقد سبق وعلقنا عليه.
7- من هنا إلى آخر الحديث مربعينه تقريباً في الحديث رقم (4) من الباب السابق وعلقنا عليه هناك وكان بنفس السند أيضاً.

الأنصاري عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه اللّه عزّ وجلّ يوم لا ظل إلّا ظله» (1).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي إسحاق الخفاف، عن بعض الكوفيين عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من روع (2) مؤمناً بسلطان ليصيبه منه (3) مكروه (4) فلم يصبه فهو في النار ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النّار(5).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أعان على مؤمن بشطر كلمة (6) لقي اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه (7). آيس من رحمتي

باب النميمة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول اللّه، قال : «المشّاؤون بالنميمة (8)، المفرَّقون بين الأحبّة (9)، الباغون (10) للبراء(11) المعايب».

ص: 353


1- أي ظل عرشه، أو كنفه، أو عزه ورعايته.
2- أي خوف وهدّد.
3- أى من ذلك السلطان.
4- أي ضرر يكرهه.
5- «قيل أي في نار البرزخ، حيث قال : النّار يُعرضون عليها غدوّاً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب» غافر / 46 مرآة المجلسي 55/11.
6- أي نصف كلمة، كأن يقول اق في اقتل. ويمكن حملها على أي فعل ولو ضئيل يكون فيه إعانة على ظلم هذا المؤمن كالإشارة باليد أو العين أو الحاجب جواباً على قول الظالم له مثلاً أأقتله أو أسجنه أو غير ذلك. والإعانة عليه أعم من أن تكون على نفسه أو عرضه أو ماله.
7- أي على جبهته.
8- إشارة إلى قوله تعالى في سورة القلم / 11 : «هماز مشاء بنميم»، والنميمة : هو أن يسعى أحد في نقل كلام شخص على شخص إلى ذلك الشخص المقول فيه ذلك الكلام بقصد إيقاع الفتنة بينهما والنقل قد يكون باللفظ وقد يكون بالإشارة أو بالكتابة.
9- بالنميمة أو غيرها.
10- أي القاصدون والطالبون.
11- جمع البريء، وهو الخالي عما قيل فيه من عيب أو نقل عنه من كلام.

2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن محمّد بن عيسى، عن يوسف بن عقيل عن محمّد بن قبس، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : محرَّمة الجنّة على القناتين (1) المشائين بالنميمة.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الأصبهاني عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شراركم المشّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، المبتغون للبراء المعايب.

باب الإذاعة

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد ابن عجلان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ عيّر أقواماً بالإذاعة في قوله عزّ وجلّ: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) (2) فإياكم والإذاعة.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد الخزاز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا (3).

قال : وقال لمعلى بن خنيس : المذيع حديثنا كالجاحد له.

3 - يونس عن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أذاع علينا حديثنا سلبه اللّه الإيمان (4).

4 - يونس بن يعقوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطاء ولكن قتلنا قتل عمد (5).

ص: 354


1- القتات - كما في النهاية - النمام، يقال : قت الحديث إذا زوّره وهيأه وسواه.
2- النساء / 83 و (أذاعوا به) أي أفشوه، قال البيضاوي : كان يفعله قوم من ضيفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو أخبرهم الرسول بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوا لعدم حزمهم وكانت إذاعتهم مفسدة.
3- «المذيع والجاحد متشاركان في عدم الإيمان وبراءة الإمام منهم وفعل ما يوجب لحوق الضرر، بل ضرر الإذاعة أقوى لأن ضرر الجحد يعود إلى الجاحد، وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين..» المازندراني 26/10 والمقصود بالجاحد من لم يعتقد بولاية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بل أنكرها.
4- وذلك بسلب لطفه سبحانه عنه فلا يوفق إلى الإيمان.
5- أي مثل قتل العمد في الإثم والعقوبة.

5 - يونس عن العلاء، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً (1) فيدفع إليه شبه المِحْجَمَة (2) أو فوق ذلك (3) فيقال له : هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ إنّك لتعلم أنك قبضتني وما سَفَكْتُ دماً، فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه فنقلت حتّى صارت إلى فلان الجبار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه (4).

6 - يونس، عن ابن سنان ؛ عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5) وتلا هذه الآية: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (6) قال : واللّه ما قتلوهم بأيديهم، ولا ضربوهم بأسيافهم، ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداءً ومعصية.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) (7) فقال: أما واللّه ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا سرهم وأفشوا عليهم فقتلوا (8).

8 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان، عن أبي عبد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ عير قوماً بالإذاعة، فقال : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) فإياكم والإذاعة.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أذاع علينا شيئاً من أمرنا فهو كمن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطاءً.

10 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن نصر بن

ص: 355


1- ما : نافية، وندي: ابتل والمعنى لم يكن قد أصاب من دم أحد شيئاً ولا ابتل به.
2- أي قارورة الحجّام.
3- أي أو أكبر منها.
4- قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) «رب كلام انفذ من السهام» و «رب کلام کالحسام».
5- «الواو : للاستئناف، أو حال عن فاعل قال المذكور بعدها أو عن فاعل روى المقدّر أو للعطف على جملة أخرى تركما الراوي» مرآة المجلسي 63/11
6- البقرة/ 61. و (ذلك) في الآية إشارة إلى ما تضمنته الآية السابقة عليها من ضرب الذلة والمسكنة على بني إسرائيل وحلول غضب اللّه عليهم.
7- آل عمران 112، والكلام عن كفرة أهل الكتاب.
8- دل هذا الحديث وما شاكله ممّا تقدم على أن الإذاعة سبب للقتل وإن المسبب كالمباشر في الإثم والمعصية.

صاعد مولى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : مذيع السرّ شال (1)؛ وقائله عند غير أهله (2) كافر ومن تمسك بالعروة الوثقى فهو ناج، قلت: ما هو؟ قال: التسليم (3).

11 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن رجل من الكوفيين، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ جعل الدِّين دولتين دولة آدم - وهي دولة اللّه - ودولة إبليس، فإذا أراد اللّه أن يُعبد علانية كانت دولة آدم، وإذا أراد اللّه أن يُعبد في السر (4) كانت دولة إبليس (5)، والمذيع لما أراد اللّه ستره مارقُ من الدين(6).

12 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن ابن الحجاج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من استفتح نهاره (7) بإذاعة سرّنا، سلّط اللّه عليه حرَّ الحديد (8) وضيق المحابس (9).

باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

ص: 356


1- ولعل المراد أن مذيع السر عند مجهول الحال شاك المازندراني 27/10 أو أن المعنى : مذيع السر عند من لا يعتمد عليه من الشيعة شاك أي غير موقن فان صاحب اليقين لا يخالف في شيء ويحتاط في عدم إيصال الضرر إليه مرآة المجلسي 65/11.
2- غير أهل السر هم الكافر والمخالف ومن لا يؤتمن عليه لأنه يذيعه. وهذا يشعر بأن اطلاع المؤمن للمؤمن الموثوق الحريص على السر لا محذور فيه.
3- أي للمعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) والانقياد له فهو العروة الوثقى الّتي لا انفصام لها.
4- في الوافي ج 159/3 (على السرّ) وقد قال رحمه اللّه وقد مضى هذا الحديث بإسناد آخر في كتاب الحجة مع أخبار آخر في هذا المعنى.
5- دولة إبليس كناية عن كلّ حكومة حاكم ظالم جائر حيث يضطر المؤمنون معه إلى أن يعبدوا اللّه ويعملوا بمقتضى إيمانهم سراً خوفاً من ظلمه وجوره.
6- أي خارج عنه بعد ان كان داخلا فيه، ولذلك سمي الخوارج بالمارقة.
7- «وكأن استفتاح النهار على المثال أو لكونه أشد أو كناية عن كون هذا منه على العمد والقصد لا على الغفلة والسهو، ويحتمل أن يكون الاستفتاح بمعنى الاستنصار وطلب النصرة... الخ» مرآة المجلسي 66/11.
8- كناية عن قتله بالسيف وشبهه أو تكبيله بقيود الحديد.
9- أي السجون.

قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من طلب رضا النّاس بسخط اللّه (1)، جعل اللّه حامده من النّاس ذاماً» (2).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من طلب مرضاة النّاس بما يسخط اللّه، كان حامده من النّاس ذاماً، ومن آثر طاعة اللّه بغضب النّاس كفاه اللّه عداوة كلّ عدو، وحسد كلّ حاسد وبغي كلّ باغ، وكان اللّه عزّ وجلّ له ناصراً وظهيراً (3)».

3 - عنه، عن شريف بن سابق عن الفضل بن أبي قرَّة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتب رجل إلى الحسين صلوات اللّه عليه : عظني بحرفين (4)، فكتب إليه : من حاول (5) أمراً بمعصية اللّه، كان أفوتَ لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر (6).

4 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا دين لمن دان بطاعة من عصى اللّه (7)، ولا دين لمن دان بفِرْية باطل (8) على اللّه، ولا دين لمن دان بجحود (9) شيء من آيات اللّه (10).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري] قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أرضى سلطاناً بسخط اللّه خرج من دين اللّه».

ص: 357


1- بمداهنتهم أو مهادنتهم أو مشاركتهم في المعاصي الّتي من أعظمها محاربة أئمّة الحق لينال الحظوة عند أئمّة الجور.
2- أي «يذمه من يحمده في وقت النصرة أو من يتوقع منه الجهد فيترتب على فعله نقيض مقصوده، أما في الدنيا فلان حامده يعلم خيانته وجوره قطعاً فيبغضه باطناً وربما يلومه ظاهراً أو لا يثق به في أمر من أموره وأما في الآخرة فإن كلّ واحد منهما يتبرأ من الآخر كما نطق به القرآن الكريم» المازنداني 28/10.
3- أي معيناً.
4- أي بجملتين ولعله كناية عن قلة الألفاظ وكثرة المعاني.
5- أي رام وقصد.
6- «مثلا من طلب رضا المخلوق بمعصية الخالق يفوت رضاه ومدحه ويجد غضبه وذمّه» المازندراني 29/10.
7- أي لا إيمان أو لا عبادة لمن عبد اللّه بأقوال إمام غير معصوم أو بعمله بمعصية أمره بها أو هو تابعه فيها. أو أخذه بفتوى من ليس أهلا للفتيا والقضاء.
8- الفِرية : اسم من افترى عليه الكذب افتراء : اختلقه وتقال لاختلاق كلّ ما لا يصح أن يكون.
9- أي إنكار.
10- يحتمل أن يراد بآيات اللّه الأئمّة المعصومون (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو الأعم.

باب في عقوبات المعاصي العاجلة

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدَّةً من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، جميعاً عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان عن رجل عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «خمس إن أدركتموهنَّ فتعوَّذوا باللّه منهنَّ : لم تظهر الفاحشة(1) في قوم قط حتّى يعلنوها إلّا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع الّتي لم تكن في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسنين (2) وشدَّة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلّا منعوا القطر (3) من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد اللّه وعهد رسوله إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّهم وأخذوا بعض ما في أيديهم ولم يحكموا بغير ما أنزل اللّه عزّ وجلّ] إلّا جعل اللّه عزّ وجلّ بأسهم بينهم (4).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، جميعاً عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وجدنا في كتاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إذا ظهر الزّنا من بعدي كثر موت الفجأة (5)، وإذا طفف المكيال والميزان (6) أخذهم اللّه بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها. وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان وإذا نقضوا العهد سلّط اللّه عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جُعِلَت الأموال في أيدي الأشرار (7)، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم

ص: 358


1- أي الزنا.
2- جمع سنة، وهي - كما في القاموس - الجدب والقحط.
3- أي المطر.
4- البأس : القوة والشدة والعذاب وكأن «المراد به غلبة بعضهم على بعض بالتعدي والطغيان ومعاونة بعض لبعض على الظلم والعدوان» المازندراني 31/10 ولا يخفى أن كلّ واحد من الأمور المذكورة بعد التأمل فيها نجد أنّه يترتب عليها «عقوبة تناسبه، فإن الأوّل لما كان فيه تضييع آلة النسل ناسبه الطاعون الموجب لانقطاعه، والثاني لما كان القصد فيه زيادة المعصية ناسبه القحط وشدة المؤونة وجور السلطان بأخذ المال وغيره والثالث لما كان فيه منع ما أعطاه اللّه يتوسط الماء ناسبه منع نزول المطر من السماء، والرابع لما كان فيه ترك العدل والحاكم العادل ناسبه تسلط العدو وأخذ الأموال، والخامس لما كان فيه رفض الشريعة وترك القوانين العدلية ناسبه وقوع الظلم بينهم الخ...» المازندراني 30/10.
5- أي البغتة.
6- أي حصل التلاعب بهما بحيث يأخذ صاحب الحق بواسطتهما أقل من حقه.
7- إذ إن قطع الأرحام «يوجب انقطاع النسل الموجب لوقوع الأموال في أيدي الأشرار، أو يوجب وقوع المخالفة بينهم وعدم معاونة بعضهم بعضاً وذلك يوجب طمع الأشرار في أموالهم وأخذها منهم ظُلماً...» المازندراني 31/10.

ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط اللّه عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم(1) فلا يستجاب لهم.

باب مُجالسة أهل المعاصي

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبد اللّه بن صالح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى اللّه فيه (2) ولا يقدر على تغييره.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن بكر بن محمّد، عن الجعفري (3) قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ فقال: إنه خالي، فقال : إنه يقول في اللّه قولاً عظيماً، يصف اللّه ولا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا وإما جلست معنا وتركته (4)؟ فقلت : هو يقول (5) ما شاء، أي شيء عليَّ منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً. أما علمت بالّذي كان من أصحاب موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه (6) ليعظ أباه فَيُلْحِقَه بموسى، فمضى أبوه وهو يراغمه (7) حتّى بلغا طرفاً من البحر (8) فغرقا جميعاً، فأتي موس (عَلَيهِ السَّلَامُ) الخبر، فقال : هو في رحمة اللّه، ولكنَّ النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دافع.

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن

ص: 359


1- هم الأمرون بالمعروف الفاعلون له الناهون عن المنكر التاركون له وعدم استجابة دعائهم لاستحكام الغضب وبلوغه حد الحتم والإبرام ألا يرى أنّه لم يقبل شفاعة خليل الرحمن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقوم لوطه مرآة المجلسي 74/11.
2- إما بفعل المعاصي كشرب الخمر والغيبة وغيرهما أو بترك الطاعات كترك الصلاة أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخ. ويدل الحديث على وجوب تغيير المنكر عند القدرة عليه باللسان والقلب معاً أو القلب عند عدم القدرة على التغيير باللسان.
3- واسمه داود بن القاسم. ويحتمل أن يكون سليمان بن جعفر الجعفري.
4- يشعر بعدم جواز مجالسة من يجالس أهل المعاصي وإن لم يكن منهم.
5- أي عبد الرحمن بن يعقوب.
6- أي عن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7- المراغمة : المغاضبة والهجران.
8- أي سارا جزء من الطريق الّذي سلكه فرعون في مطاردته لموسى بعد أن ضرب موسى البحر بعصاه.

عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند النّاس (1) كواحد منهم، قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «المرء على دين خليله وقرينه» (2).

4 - محمّد بن بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود ابن سرحان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا رأيتم أهل الريب (3) والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم، والقول فيهم والوقيعة(4) و باهتوهم (5) كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم النّاس، ولا يتعلمون من بِدَعِهِمْ، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة».

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد ابن يوسف، عن ميسر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر (6) ولا الأحمق ولا الكذاب.

6 - عنه عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن سالم الكندي، عمّن حدَّثه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة : الماجن (7) والأحمق والكذَّاب، فأما الماجن فيزيّن لك فعله (8) ويحبُّ أن تكون مثله، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، ومقارنته جفاء (9) وقسوة، ومدخله ومخرجه عليك عار، وأما الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه، وربما أراد منفعتك فضرَّك (10)، فموته خيرٌ من حياته، وسكوته خيرٌ من نطقه (11) وبعده خير من

ص: 360


1- أي في نظرهم، ولذلك قالوا قل لى من تعاشر أقل لك من أنت.
2- «أي ظاهراً وباطناً، أما ظاهراً فظاهر لأنه عند النّاس مثلهم، وإما باطناً فلأن النفس مائلة إلى الشرور فتميل إلى طبع الجليس سريعا وتسكن إليه فتستعد لصدور ما يصدر عنه من الأمور المنكرة...» المازندراني 33/10.
3- أي الشكاكون في دين اللّه، نتيجة استغراقهم في الشبهات والأوهام والأباطيل.
4- الوقيعة : الذم واللوم والعيب.
5- «البهت التحير والدهش ولعل المراد به إلزامهم بالحجج البالغة لينقطعوا ويبهتوا كما بهت الّذي كفر في محاجة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)» المازندراني 34/10.
6- الفاجر : الفاسق المنبعث في المعاصي. وجمعه فجار وفجرة والعلة في هذا النهي عن اتخاذ هؤلاء رفقاء مع ملازمتهم ومواساتهم هو أنهم مفسدون لدين الإنسان ودنياه.
7- مجن مجوناً - كما في القاموس - صلب وغلظ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولاً وفعلاً كأنه صلب الوجه. أي أنّه لا يقيم وزنا للآداب العامة والقيم الاجتماعية القويمة.
8- أي يحسنه ليحملك على محاكاته فيه.
9- الجفاء : غلظ الطبع وخشونته.
10- وذلك لنزقه وعدم تدبره في الأمور، حيث يهجم عليها بلا روية.
11- لأن قلب الأحمق - كما ورد عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وراء لسانه.

قربه، وأما الكذَّاب فإنّه لا يهنئك معه عيش، ينقل حديثك وينقل إليك الحديث (1)، كلما أفنى أحدوثة (2) مطها بأخرى (3) حتّى أنّه يحدثُ بالصدق فما يُصَدِّق، ويغري بين النّاس بالعداوة، فينبت السخائم (4) في الصدور فاتقوا اللّه وانظروا لأنفسكم (5).

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن مسلم أو (6) أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما : بابني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم (7) في طريق فقلت يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذَّاب فإنه بمنزلة السّراب (8) يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فإنّه بائعك بأكلة (9) أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك.

وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب اللّه عزّ وجلّ في ثلاث مواضع : قال اللّه عزّ وجلّ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (10) وقال: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(11). وقال في البقرة: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (12).

8 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن شعيب العقرقوفي

ص: 361


1- أي الخبر بقصد النميمة وإيقاع السنة بينك وبين المنقول عنه، وبالعكس.
2- أي حديثا. وهو ما يتحدث به.
3- أي مدّها وطولها.
4- أي الأحقاد.
5- أي اختار لها من الرفقاء ما فيه صلاحها في الدارين.
6- الترديد من الراوي.
7- في بعض النسخ فلا توافقهم.
8- قال الراغب السراب : اللامع في المفازة كالماء وذلك لانسرابه في رأي العين ويستعمل السراب فيما لا حقيقة له.
9- أكلة : (بفتح الهمزة) أي وجبة طعام واحدة وبالضم: (أكلة) أي لقمة.
10- محمّد / 22.
11- الرعد/ 25.
12- البقرة/ 27.

قال، سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا.. إلى آخر الآية) (1) فقال : إنما بهذا : [ إذا سمعتم] الرَّجل [الّذي] يجحد الحقَّ ويكذِّب به ويقع في الأئمّة(2) فقم من عنده ولا تقاعده، كائناً من كان

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن عبد الأعلى بن أعين، عن أبي عبد اللّه أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس مجلساً ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن (3).

10 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : من كان يؤمن باللّه واليوم والآخر فلا يقوم مكان ريبة (4).

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة عن عبد الأعلى قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقعدنَّ في مجلس يعاب فيه إمام أو ينتقص فيه مؤمن.

12 - الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن مسلم، عن إسحاق بن موسى قال : حدّثني أخي وعمي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاثة مجالس يمقتها(5) اللّه ويرسل نَفْمَتَهُ (6) على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم : مجلساً فيه من يصف لسانه كذباً في فتياه ؛ ومجلساً ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رثَّ (7) ؛ ومجلساً فيه من يَصُدْعَنا

ص: 362


1- النساء / 140، وتتمة الآية (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا).
2- أي يذمهم وينتقص من سمو مقامهم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- دل على حرمة الجلوس في مجلس الغيبة حتّى ولو كان موضوعها المؤمن فضلا عن المعصوم (عَلَيهِم السَّلَامُ).
4- أي لا يقوم مقام تهمة وشك ولا يجلس فيه فإنه يتهم بالفسق ظاهراً عند النّاس وقد يتلوث به باطناً لانقلاق قلبه وقبوله الشك والفسق من الجليس المازندراني 39/10.
5- أي يبغضها.
6- أي لعنته أو غضبه.
7- هذا كناية عن أن الجالسين في ذلك المجلس هم من ظالمي آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حقهم ومغتصبيه، أو من اتباعهم ممّن يكيلون المدح لأولياء نعمتهم من أولئك الظالمين مع إغفالهم لفضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) أو الوقيعة فيهم. والرث : البالي الخلق.

وأنت تعلم (1) ؛ قال : ثمّ تلا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث آيات من كتاب اللّه كأنما كن في فيه - أو (2) قال [في] كفه - : (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (3). (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(4). (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (5).

13 - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن مسلم عن داود بن فرقد قال: حدّثني محمّد بن - سعيد الجمحي قال : حدّثني هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا ابتليت بأهل النَّصْبِ (6) ومجالستهم فكن كأنك على الرَّضَف (7) حتّى تقوم، فإن اللّه يمقتهم ويلعنهم، فإذا رأيتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمّة فَقُم، فإنَّ سخط اللّه ينزل هناك عليهم.

14 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قعد عند سباب لأولياء اللّه فقد عصى اللّه تعالى (8).

15 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الأئمّة، يقدر على الانتصاب (9) فلم يفعل ألبسه اللّه الذُّلُّ في الدنيا وعذبه في الآخرة، وسلبه صالح ما من به عليه من معرفتنا.

16 - الحسين بن محمّد ؛ ومحمّد بن يحيى، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد ابن مسلم عن الحسن بن عليّ بن النعمان، قال حدّثني أبي عليّ بن النعمان عن ابن مسكان، عن اليمان بن عبيد اللّه قال : رأيت يحيى بن أم الطويل (10) وقف الكناسة (11) ثمّ نادى

ص: 363


1- أي يخذل ويمنع النّاس عن موالاتنا وأنت تعلم أنّه يفعل ذلك.
2- الترديد من الراوي.
3- النحل / 116.
4- الأنعام / 108.
5- الأنعام / 68.
6- أهل النصب الّذين ينصبون العداء لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) من المخالفين.
7- أي كأنك جالس على الرّضَف وهي - كما في النهاية - الحجارة المحماة على النار، واحدتها رضفة. وهو كناية عن سرعة القيام من بينهم واعتزالهم لئلا ينزل بهم غضب اللّه فيعم الجالس معهم وإن لم يكن منهم.
8- دل على حرمة مجالسة أعداء أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) إلّا لضرورة كالتقية.
9- الانتصاب : القيام والاعتزال. وفي بعض النسخ (الانتصاف) وهو الانتقام، أو من النصفة وهي استيفاء الحق كاملاً حتّى صار كلّ على النصف، ويراد به هنا إعطاء أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) حقهم بالدفاع عنهم وبيان فضائلهم ورد الواقعين بهم من أعدائهم وفي بعض النسخ أيضاً الانصراف.
10- وكان من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). وقيل من أصحاب عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
11- الكناسة : محلة واسعة منبسطة في الكوفة ولعلها كانت مجمع النّاس هناك.

بأعلى صوته : معشر أولياء اللّه ! إنا براء ممّا تسمعون من سب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعليه لعنة اللّه، ونحن براء من آل مروان وما يعبدون من دون اللّه، ثمّ يخفض صوته فيقول: من سب أولياء اللّه فلا تقاعدوه، ومن شك فيما نحن عليه فلا تُفاتحوه (1)، ومن احتاج إلى مسألتكم من إخوانكم فقد خنتموه (2)، ثمّ يقرأ : (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (3).

باب أصناف النّاس

1 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن سليم مولى طربال قال : حدّثني هشام، عن حمزة بن الطيار قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : النّاس على أصناف قال : قلت : أتأذن لي أن أكتبها ؟ قال : نعم قلت ما أكتب؟ قال : اكتب أهل الوعيد من أهل الجنّة وأهل النّار (4) واكتب (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) (5) قال : قلت : من هؤلاء قال : وحشي منهم (6) قال : واكتب (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) (7) قال : واكتب (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) (8) لا يستطيعون حيلة إلى الكفر، ولا يهتدون سبيلاً إلى الإيمان (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) (9) قال : واكتب أصحاب الأعراف (10) قال قلت : وما

ص: 364


1- أي لا تحاكموه، أو لا تقاضوه، أو لا تخاصموه.
2- وجه الخيانة هو الجاؤه للسؤال، مع أن المطلوب هو إعطاؤه قبل أن يسأل.
3- الكهف / 29، والسَّرادق كلما أحاط بالشيء، أو ما يمد فوق صحن البيت و (أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) : أي أحاط بهم عذابها كأنه سرادق ضرب عليهم. والمُهْل : القيح والصديد الّذي يذوب فيسيل من الجسد - كما في النهاية - ومنه قيل للنحاس المذاب : مُهْل. وقيل هو دروي الزيت يشوي الوجوه من حرارته. والمرتفق : المتكا.
4- أهل النّار هم أهل الوعيد، وأما أهل الجنّة فهم أهل الوعد، وكأنه اكتفى بعدم ذكره هنا تغليباً. وفي بعض النسخ (أهل الوعدين) وفي بعضها الآخر (أهل الوعد)، فهذان صنفان من الأصناف الستة.
5- التوبة/ 102.
6- إنما ذكر وحشي لمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً لأنه قتل حمزة عم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في معركة أحد كما قتل مسيلمة الكذاب في وقعة اليمامة وهذا هو الصنف الثالث.
7- التوبة/ 106. وهذا هو الصنف الرابع.
8- النساء / 98.
9- النساء/ 99. وهذا هو الصنف الخامس وهم المستضعفون.
10- هذا هو الصنف السادس والأعراف على ما قيل سور بين الجنّة والنار، وقد ذكره سبحانه في الآية / 13 من سورة الحديد (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ...) الآية وعلى أعلاه رجال يعرفون كلاً بسيماهم... «وعلى أسفله قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أوقفهم اللّه تعالى عليه لأنها درجة متوسطة بين الجنّة والنار ويمكن أن ينتقل بعضهم أو كلهم بعد ذلك إلى الجنّة بفضله تعالى» مرآة المجلسي 104/11 - 105.

أصحاب الأعراف؟ قال: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فإن أدخلهم النّار فبذنوبهم، وإن أدخلهم الجنّة فبرحمته.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حماد، عن حمزة بن الطيار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : النّاس على ست فرق، يؤولون (1) كلّهم إلى ثلاث فرق : الإيمان والكفر والضلال وهم أهل الوعدين (2) الّذين وعدهم اللّه الجنّة والنار : المؤمنون والكافرون والمستضعفون والمرجون لأمر اللّه إمّا يعذبهم وإما يتوب عليهم، والمعترفون بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وأهل الأعراف.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال : دخلت أنا وحمران (3) - أو (4) أنا وبكير - على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إنا نمد المطمار قال : وما المطمار؟ قلت : التُّر(5)، فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برثنا منه، فقال (6) لي : يا زرارة قول اللّه أصدق من قولك (7)، فأين الّذين قال اللّه عزّ وجلّ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) أي المرجون لأمر اللّه ؟ أين الّذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً؟ أين أصحاب الأعراف، أين المؤلفة قلوبهم ؟!.

وزاد حماد في الحديث قال (8) : فارتفع صوت أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصوتي حتّى كان يسمعه من على باب الدار.

ص: 365


1- أي يرجعون.
2- أي الوعيد والوعد والثاني أهم من الأول. وفي بعض النسخ (وهم أهل الوعيد).
3- هو حمران بن أعين وهو أخو زرارة بن أعين.
4- الترديد من الراوي أو من زرارة وبكير هو ابن أعين أخو زرارة أيضاً.
5- التر كما في القاموس الأصل، والخيط يقدّر به البناء. والمعنى أن المقياس الّذي نزن به النّاس هو ولايتنا لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) فمن كان على مذهبنا فيه احيبناه وعظمناه ونصرناه ومن كان على مذهب غيرنا أبغضناه وحقرناه وخذلناه وتبرأنا منه.
6- أي الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7- ويشير (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك إلى وعده سبحانه المستضعفين ومن بعدهم من الأصناف المذكورة بالجنّة فلا يجوز إدخالهم في المخالف والتبرّي منهم كما يُتَبرّى منه المازندراني 44/10.
8- أي زرارة، لأن ما رواه حماد زيادة عما رواه هشام بن سالم عن زرارة أيضاً.

وزاد فيه (1) جميل، عن زرارة : فلما كثر الكلام بيني وبينه قال لي : يا زرارة حقاً على اللّه أن [لا] يدخل الضلال (2) الجنّة.

باب الكفر

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير - الرقي قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): سُنَنُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)(3) كفرائض اللّه (4) عزّ وجلّ؟ فقال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً (5)، وأمر [رسول] اللّه بأمور كلّها حسنة (6). فليس من ترك بعض ما أمر اللّه عزّ وجلّ به عباده من الطاعة بكافر، ولكنّه تارك للفضل منقوص من الخير.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : واللّه إنَّ الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم (7)، قال : ثمّ ذكر كفر إبليس حين قال اللّه له : اسجد لآدم فأبى أن يسجد، فالكفر أعظم من الشرك، فمن اختار على اللّه عزّ وجلّ، وأبى الطاعة وأقام على الكبائر فهو كافر، ومن نصب ديناً غير دين المؤمنين فهو مشرك (8).

ص: 366


1- أي زاد جميل في هذا الحديث عن زرارة على ما رواه هشام بن سالم عن زرارة أيضاً.
2- المراد بالضلال الأصناف الّتي ذكرها الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مقام جوابه لزرارة.
3- أي ما لم يظهر من ظاهر القرآن وبيّنه الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أعم من الواجب والندب مرآة المجلسي 108/11.
4- أي أن هذه السنن كالفرائض في لزوم العمل بها وتعظيمها.
5- «الفريضة تشمل الواجبات الأصولية والفروعية فلا يبعد أن يكون قوله : فلم يعمل بها، ناظراً إلى الثانية. وقوله : وجحدها ناظراً إلى الأولى. حينئذ يكون الكفر أعم من كفر الجحود وكفر ترك ما أمر اللّه به...» المازندراني 10 / 45.
6- الظاهر أن المراد به المندوب ممّا أمر به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
7- «الكفر هو ترك طاعة اللّه معاندة واستكباراً، والشرك هو أن يثبت اللّه في الخلق أو العبادة أو الطاعة شريكاً، أعم من أن يكون ذلك على المعاندة أو على الجهل والضلال فبين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :أولاً : إن ترك طاعته تعالى مع العلم معاندة واستكباراً أخبث وأقدم من الشرك لأن أول معصية وقعت من العباد وأشدها معصية إبليس، وهي كانت من هذا القبيل، لأنه لم يشرك بل ترك السجود والطاعة معاندة واستكباراً وهذا أشد من شرك لم ينضم إليه ذلك، وكان من الجهل والضلالة فأما الشرك الّذي كان على وجه الاستكبار والمعاندة فهو أشد لتلك الجهة لا لجهة الشرك» مرآة المجلسي 110/11.
8- أي أن من اتخذ ديناً غير دين المؤمنين يكون مشركاً بمعنى أنّه أشرك في وجوب الطاعة مع اللّه سبحانه غيره.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكر عنده سالم بن أبي حفصة وأصحابه (1) فقال : إنهم ينكرون أن يكون من حارب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) مشركين؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّهم يزعمون أنهم كفار (2)، ثمّ قال لي : إنَّ الكفر أقدم من الشرك ثمّ ذكر كفر إبليس حين قال اللّه له : اسجد فأبى أن يسجد، وقال : الكفر أقدم من الشرك، فمن اجترى على اللّه فأبى الطاعة وأقام على الكبائر فهو كافر يعني مستخف كافر (3).

4 - عنه، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة عن حمران بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله عزّ وجلّ : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (4) قال: إما أخذ فهو شاكر وإما تاركُ فهو كافر.

5 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حماد بن عثمان، عن عبيد عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (5) قال : ترك العمل الّذي أقرَّ به (6)، من ذلك أن يترك الصلاة من غير سُقم ولا شُغْل.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن موسى بن بكير قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الكفر والشرك أيهما أقدم ؟ قال : فقال لي : ما عهدي بك تخاصم النّاس (7)، قلت : أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك، فقال لي : الكفر أقدم وهو الجحود، قال اللّه عزّ وجلّ: (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)(8).

ص: 367


1- كان وإياهم من الزيدية البترية وقد وردت في ذمّه بل لعنه بعض الروايات.
2- «أي إن لم يقولوا بشركهم فلا محيص لهم عن القول بكفرهم، فإن محاربة الإمام كبيرة البتة والمصرّ على الكبيرة عندهم كافر والكفر أخبث وأقدم من الشرك» مرآة المجلسي 112/11.
3- أي الحكم بكفره مقيد بما إذا كان إباؤه للطاعة وإقامته على الكبائر بنحو الاستخفاف.
4- الدهر، وهدايته للسبيل إنما كانت بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإقامة الحجج (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- المائدة / 5.
6- «فالمراد بالكفر هنا ارتكاب مطلق الكبائر أو الكبائر الّتي يؤذن فعلها بعدم اليقين والاستخفاف بالدين كما يرشد إليه التمثيل بترك الصلاة من غير سقم ولا شغل» مرآة المجلسي 114/11.
7- أي ليس لي معرفة بحالك هل تخاصم النّاس فتريد معرفة ما سألت لتخاصمهم المازندراني 48/10. «ويحتمل أن تتكون (ما) استفهامية، أي ألم أعهد إليك إلّا تخاصم النّاس فهل تخاصمهم بعد عهدي إليك» مرآة المجلسي 114/11 والمخاصمة : المناظرة والمجادلة.
8- البقرة / 34.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يدخل النّار مؤمن (1) قال : لا واللّه، قلت : فما يدخلها إلّا کافر؟ قال : لا إلّا من شاء اللّه، فلما رددت عليه مراراً قال لي : أي زرارة إني أقول : لا وأقول : إلّا من شاء وأنت تقول : لا ولا تقول : إلّا من شاء اللّه.

قال (2) : فحدّثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال: قلت في نفسي : شيخ لا علم له بالخصومة (3)، قال : فقال لي: يا زرارة ما تقول فيمن أقر لك بالحكم (4) أتقتله؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم (5)؟ قال: فقلت : أنا - واللّه - الّذي لا علم لي بالخصومة.

8 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وسئل عن الكفر والشرك أيهما أقدم ؟ - فقال : الكفر أقدم وذلك أن إبليس أول من كفر، وكان كفره غير شرك لأنه لم يدعُ إلى عبادة غير اللّه وإنما دعى إلى ذلك بعد (6) فأشرك.

9 - هارون، عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وسئل ما بال الزاني لا تسمّيه كافراً وتارك الصلاة قد سمّيته كافراً وما الحجّة في ذلك؟ - فقال : لأنَّ الزَّاني وما أشبهه إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنّها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافاً بها، وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلّا وهو مستلذ لإتيانه إياها قاصداً إليها، وكلُّ من ترك الصلاة قاصداً إليها فليس يكون قصده لتركها اللذة، فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر (7).

ص: 368


1- يراد به الشيعي التقي.
2- القائل إما ابن أبي عمير أو إبراهيم بن هاشم كما اختاره المجلسي في مرآته 115/11.
3- أي لا يعرف أسلوب المناظرة الصحيحة، والظاهر أن المراد بالشيخ الّذي أساء زرارة الظن به هو الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- يعني قال لك أنا على مذهبك كلما حكمت على أن أعتقده وأدين اللّه به مرآة المجلسي 116/11.
5- «وحاصل كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الردّ عليه بإثبات الواسطة لأن المخالفين في بعض الأحكام في حكم المسلمين... وإن كان يمكن دخول بعض المخالفين كالمستضعفين الجنّة فلما لم يفهم زرارة غرضه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان يزعم أن الواسطة غير معقولة نبهه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأحوال من أقر له بالحكم أي خدمه وبأحوال خدمه أي عبيده وساير أهاليه فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أتجوز قتلهم، ولم لا تقتلهم إن كانوا كفاراً مشركين، فتفطن من ذلك بالفرق بينهم وبين ساير الكفار وعلم أنّه إذا جاز الفرق في القتل بينهم وبين ساير الكفار فيجوز في غير ذلك من الأمور فاعترف بأنه نفسه لا علم له بالخصومة» مرآة المجلسي 116/11.
6- أي بعد تمرده ولعنه وإنظاره.
7- الكفر هنا هو كفر الجحود لا كفر النعمة مقابل شكرها وذلك لأن المستخف بالصلاة ظاهره الإنكار لها وعدم الاعتناء بشأنها.

قال (1) : وسئل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقيل له : ما الفرق بين من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمر فشربها وبين من ترك الصلاة حتّى لا يكون الزَّاني وشارب الخمر مستخفّاً كما يستختُ تارك الصلاة، وما الحجّة في ذلك وما العلة الّتي تفرّق بينهما ؟ قال : الحجّة أنَّ كلّما أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ولم يغلبك غالب شهوة مثل الزّنا وشرب الخمر، وأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة وليس ثمّ شهوة فهو الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما.

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن عبد اللّه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من شكٍّ في اللّه وفي(2) رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فهو كافر.

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من شكٍّ في رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ قال : كافر، قلت : فمن شكٍّ في كفر الشاك فهو كافر؟ فأمسك عني فرددت عليه ثلاث مرات فاستبنت (3) في وجهه الغضب.

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : ومن يكفر بالإيمان فقد حَبِطَ عمله. فقال : من ترك العمل الّذي أقرَّ به (4)، قلت : فما موضع ترك العمل؟ حتّى يدعه أجمع (5)؟ «قال : منه الّذي يدع الصلاة متعمداً لا من سكر ولا من علة.

13 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم وحماد عن أبي مسروق قال : سألني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أهل البصرة فقال لي : ما هم؟ قلت: مرجئة (6) وقدريّة وحروريّة (7) فقال : لعن اللّه تلك الملل الكافرة المشركة (7) الّتي لا تعبد اللّه على شيء.

ص: 369


1- أي مسعدة.
2- الواو هنا للتنويع والتقسيم فهي بمعنى (أو). ولا بد من حمل كفر الشاك هنا على ما بعد إقامة الحجة عليه وإزاحة الشبهة.
3- أي فعرفت وكأنه صد بالإمساك سؤاله عمّن شك في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعلمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأنه يسأل عنه بعد هذا السؤال فمنعه بالإمساك خوفاً من إفشائه أو تقية من بعض الحاضرين، المازندراني 52/10.
4- إلى هنا مر في مضمون الحديث رقم (5) من باب الكفر وعلقنا عليه.
5- كأنه طلب معرفة العمل الّذي تركه يوجب حبط العمل حتّى يجتنب عنه وفيه دلالة على أن الذنب يحبط العمل» المازندراني 52/10 - 53.
6- المرجئة، فرقة كانت تعتقد بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والقدرية : فرقة كانت تقول بأن الإنسان مجبور على أعماله وأنها مخلوقة اللّه. وقيل بالعكس، أي أنّه مستقل في أفعاله ولا دخل اللّه فيها مطلقاً. والحرورية : فرقة من الخوارج سموا بذلك نسبة إلى حروراء مكان في ظاهر الكوفة.
7- أي اجتمعت فيهم صفتا الكفر والشرك والأوّل أعم.

14 - عنه، عن الخطاب بن مسلمة وأبان عن الفضيل قال: دخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده رجلٌ، فلما قعدت قام الرجل فخرج، فقال لي : يا فضيل ما هذا عندك، قلت: وما هو؟ :قال حروري قلت كافر؟ قال : إي واللّه مشرك.

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كلّ شيء يجره (1) الإقرار والتسليم فهو الإيمان، وكل شيء يجره الإنكار والجحود فهو الكفر.

16 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوساء، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ علياً صلوات اللّه عليه باب فتحه اللّه، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا(2).

17 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن - جبلة، عن إسحاق بن عمّار وابن سنان وسماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «طاعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلُّ (3) ومعصيته كفر باللّه»، قيل : يا رسول اللّه وكيف يكون طاعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذُلاً ومعصيته كفراً باللّه؟ قال: «إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحملكم على الحق، فإن أطعتموه ذللتم، وإن عصيتموه كفرتم باللّه عزّ وجلّ».

18 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشاء، قال: حدّثني إبراهيم ابن أبي بكر قال : سمعت أبا الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باب من أبواب الهدى، فمن دخل من باب عليّ كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الّذين اللّه فيهم المشيئة (4).

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن ابن بكير، عن

ص: 370


1- أي ما كان من لوازمه المترتبة عليه.
2- «المراد بالداخل : العارف بحقه وبالخارج المنكر له سواء أنكره مطلقاً أو أنكره في مرتبته، وهنا قسم ثالث هو الّذي لم يدخل ولم يخرج ويُسمّى ضالاً ومستضعفاً.... وسوف يشير إليه في روايات تالية». المازندراني 54/10.
3- الذل : إما عند اللّه سبحانه لأن من لوازم موالاته العمل بالطاعات القأئمّة على الخضوع والخشوع والتذلل والعبودية للّه تعالى. وإما عند النّاس لأن موالاته قد تجر على المتولي له (عَلَيهِ السَّلَامُ) غضب سلاطين الجور والظلم وتنكيلهم به ومحاربته في عيشه ومضايقته في معيشته، هذا مع ما تقتضيه تلك الموالاة من السير وفق سنن التقوى وما يستتبعه من الزهد في الدنيا او الابتعاد عن الشبهات والشهوات، كلّ ذلك يجعل تلك الدنيا سجناً للمؤمن، ولعل هذا ما يشير إليه قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الحديث : إن علياً يحملكم على الحق.
4- كالمستضعفين وأشباههم.

زرارة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو أنَّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا (1).

20 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ نصب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) علماً بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً، ومن جهله كان ضالاً، ومن نصب معه شيئاً (2) كان مشركاً، ومن جاء بولايته دخل الجنّة ومن جاء بعداوته دخل النار.

21 - يونس، عن موسى بن بكير، عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باب من أبواب الجنّة، فمن دخل بابه كان مؤمناً، ومن خرج من بابه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الّتي للّه فيهم المشيئة.

باب وُجُوه الكُفْر

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللّه عزّ وجلّ قال : الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه.

فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين ؛ والكفر بترك ما أمر اللّه ؛ وكفر البراءة ؛ وكفر النعم.

فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول : لا ربّ ولا جنة ولا نار (3)، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم : الدَّهريّة وهم الّذين يقولون : (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) (4)، وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء ممّا

ص: 371


1- «مثلاً من جحد حق علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يقم عليه حجة إذا وقف ولم ينكره لم يكفر ودخل في المستضعف...» المازندراني 55/10.
2- أي جعل معه إماماً آخر واعتبره مفترض الطاعة كان اتخد ديناً غير دينه سبحانه وجعل اللّه شريكاً في تعيين الإمام لأن الإمامة من المناصب الإلهية كالنبوَّة.
3- الجحود لغة الإنكار فيكون المعنى إنكار ما يتعلق بالربوبية من وجود ووحدانية وغير ذلك. كإنكار المعاد الّذي هو دار الجزاء. إذ إن الربوبية تقتضي التكليف، وهو يقتضي الحساب والثواب أو العقاب، ويقتضي هذا بدوره الإيمان بوجود جنة ونار وكل ذلك من مستلزمات الإيمان بالرب، فإنكاره إنكار لها أيضاً.
4- الجائية / 24. والدهر : اسم لمدة العالم من ابتدائه حتّى انقضائه وهو بخلاف الزمان الّذي يقع على المدة القصيرة والطويلة.

يقولون، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (1) أنَّ ذلك كما يقولون. وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (2) يعني بتوحيد اللّه تعالى، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة(3)، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقٌّ، قد استقر عنده وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (4) وقال اللّه عزّ وجلّ: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (5) فهذا تفسير وجهي الجحود.

والوجه الثالث من الكفر كفر النعم، وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (6). وقال: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (7). وقال: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) (8).

والوجه الرابع من الكفر، ترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به وهو قول اللّه عزّ وجلّ: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ) (9) فكفّرهم بترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به، ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم، ولم ينفعهم عنده فقال : (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (10).

ص: 372


1- البقرة/ 78.
2- البقرة/ 6.
3- أي للحق كأن يحجد عناداً أو حسداً الخ.
4- النمل / 14.
5- البقرة/ 89. والاستفتاح الاستنصار، وقد كان اليهود يزعمون أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يكون منهم ويتهددون العرب قبل مبعثه فلما جاء (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وكانوا قد عرفوه بصفاته في التوراة كفروا به.
6- النمل / 40. وشكر النعمة إنما يكون بمعرفتها ومعرفة أنّها من عند اللّه والانبعاث لتأدية ما أوجبه عليه من الطاعات والانتهاء عما زجره عنه من المعاصي، فإن لم يفعل ذلك يكون كافراً لأنعمه سبحانه.
7- إبراهيم / 7.
8- البقرة/ 152.
9- البقرة/ 84 - 85.
10- البقرة/ 85. والمقصود بإيمانهم ببعض الكتاب : الفداء، وبكفرهم ببعض : حرمة القتال والإجلاء.

والوجه الخامس من الكفر، كفر البراءة، وذلك قوله عزّ وجلّ يحكي قول إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (1) يعني تبرأنا منكم، وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الإنس يوم القيامة : (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (2) وقال : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (3) يعني يتبرَّء بعضكم من بعض.

باب دعائم الكفر وَشُعَبه

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قال: بني الكفر على أربع دعائم (4) : الفسق والغلوّ، والشكّ، والشبهة(5).

والفسق على أربع شعب (6) على الجفاء (7)، والعمى (8)، والغفلة، والعتو(9)، فمن جفا احتقر الحقَّ (10)، ومقت الفقهاء، وأصر على الحنث العظيم (11)، ومن عمي نسي الذكر، واتبع الظنَّ، وبارز خالقه (12)، وألح عليه الشيطان، وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة (13) ولا

ص: 373


1- الممتحنة / 4.
2- إبراهيم / 22.
3- العنكبوت 25 مودة بينكم : أي تتحابون على عبادتها وتتواصلون عليها.
4- جمع الدعامة : وهي العماد للبيت والطنب للخيمة. والمراد هنا أصوله وبواعثه. مرآة المجلسي 141/11.
5- «والفسق : الخروج عن الطاعة، والغلو مجاوزة الحد في الدين..، والشك الارتياب، وهو خلاف اليقين... وكأن المراد به هنا الشك في أصول الدين وضرورياته وهو أعظم أصول الكفر والشبهة ما يشبه الحق وليس به. وقيل : هي ترجيح الباطل بالباطل وتصوير غير الواقع بصورة الواقع وجلها بل كلها يحصل بمزج الباطل بالحقّ» ن. م ص / 141 – 143.
6- أي فروع.
7- «الجفاء : الغلظة في الطبع والخرق في المعاملة والفظاظة في القلب» مرآة المجلسي 143/11.
8- هو زوال البصيرة القلبية أو تعطلها عن التدبر والتأمل.
9- الاستكبار والتجبّر.
10- أي ازدرى أهل الحق. وفي بعض النسخ (الخلق).
11- أي الذنب العظيم. وقيل : هو نقض العهد المؤكد بالحلف.
12- أي حاربه مطلقاً أو في اتباع الظن حيث ارتكب ما نهاه عنه بقوله عزّ وجلّ: (ولا تقف ما ليس لك به علم) المازندراني 64/10.
13- أي بلا تضرّع وتذلل.

غفلة (1) ؛ ومن غفل جنى على نفسه (2) ؛ وانقلب على ظهره، وحسب غيه رشداً؛ وغرته الأماني، وأخذته الحسرة والندامة إذا قضي الأمر وانكشف عنه الغطاء وبدا له ما لم يكن يحتسب (3)، ومن عنا عن أمر اللّه شكٍّ(4)، ومن شكَ تعالى اللّه عليه فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما اغترَّ بربه الكريم وفرَّط في أمره. (5)

والغلو على أربع شعب على التعمّق بالرأي (6)، والتنازع فيه، والزيغ (7)، والشقاق (8)، فمن تعمّق لم ينب إلى الحق، ولم يزدد إلّا غرقاً في الغمرات (9) ولم تنحسر عنه فتنة إلّا غشيته أخرى، وانخرق دينه فهو يهوي في أمر مريج (10)، ومن نازع في الرأي وخاصم شُهر بالعثل (11) من طول اللجاج، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، ومن شاقّ أعورت عليه طرقه (12) واعترض عليه أمره فضاق عليه مخرجه إذا لم يتّبع سبيل المؤمنين.

والشكُّ على أربع شعب على المِرْية (13)، والهوى، والتردد (14)، والاستسلام (15)، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: (فبأي آلاء ربك تتمارى) (16).

وفي رواية أخرى (17) على المرية، والهول من الحق (18)، والتردد، والاستسلام للجهل وأهله.

ص: 374


1- أي من المعاصي.
2- أي أهلكها.
3- أي الوعود الكاذبة، وهي وعود الغرور.
4- أي القيامة، أو عند الاحتضار والسوق، أو بعد يوم الموت.
5- أي عصى أمر ربه استكباراً شك في قدرة اللّه وعظمته لأن المعصية غالباً ما تؤدي بصاحبها إلى الابتعاد عن اللّه ونسيانه وذلك هو الكفر.
6- أي الغوص في أمور الدين بالظنون والآراء الضالة المضلة.
7- أي الانحراف عن الحق.
8- الخصومة والعداوة لأهل الحق.
9- أي اللجج، والمقصود بها لجج الباطل وظلمات الجهل.
10- أي مختلط مضطرب.
11- أي الحمق، وفي بعض النسخ (بالفشل) وهو الضعف والجبن.
12- أي أصبحت طرقه بلا علامات يهتدى بها. وفي بعض النسخ (أوعرت) أي صعبت.
13- المرية : - كما في الجوهري - الشك والجدل.
14- أي التحير.
15- أي الانقياد لهواه ممّا يوجب هلاكه في الدارين.
16- النجم / 55.
17- أي أن الشك - على رواية أخرى.
18- أي الخوف من تقبله لأن قلبه معمور بالباطل.

فمن هاله ما بين يديه (1) نكص على عقبيه (2)، ومن امترى في الدين تردد في الريب(3)، وسبقه الأولون من المؤمنين، وأدركه الآخرون (4)، ووطئته سنابك (5) الشيطان، ومن استسلم لهلكة الدُّنيا والآخرة هلك فيما بينهما (6)، ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين، ولم يخلق اللّه خلقاً أقل من اليقين (7).

والشبهة على أربع شعب : إعجاب بالزينة (8)، وتسويل النفس (9)، وتأول العوج (10) ولَبْس الحق بالباطل، وذلك بأنَّ الزّينة تصدف عن البينة (11) وأنَّ تسويل النفس تقحم على الشهوة، وأنَّ العوج يميل بصاحبه ميلاً عظيماً، وأنَّ اللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

باب صفة النفاق والمنافق

قال (12) : والنفاق على أربع دعائم على الهوى والهوينا (13)، والحفيظة، والطمع.

ص: 375


1- أي من الحق.
2- أي رجع إلى الباطل، إذ ليس بعد الحق مرجع إلاه.
3- أي تحير وانتقل من شك إلى شك ومن باطل إلى باطل لأنه أعمى بصيرته عن طريق الحق الواحد فحار في أي طريق من طرق الباطل يسير.
4- إنما سبقه الأولون ممّن كانوا في مرتبته وأدركه الآخرون ممّن كانوا دونه في الإيمان لأن أولئك وهؤلاء لم يترددوا کتر دده ولم يحتاروا كحيرته فبقي يراوح مكانه واستمروا في سيرهم التصاعدي في مدارج الإيمان واليقين بلا شك ولا ريب.
5- «السنابك : جمع السنبك وهو طرف مقدم الحافر» المازندراني 69/10، وهذا كناية عن استيلاء الشيطان وجنوده عليه.
6- أي لم تسلم له واحدة منهما، فهو ممّن خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
7- اليقين : كيف نفساني يدفع صاحبه إلى أن يكون مع الّذين اصطفاهم اللّه وطهرهم تطهيراً وهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيتابعهم ويواليهم ويأتمر بأوامرهم ويتزجر عند زواجرهم. «واليقين بالمعنى المذكور لا يكون إلّا لمن اصطفاه اللّه تعالى من عباده ولمن تابعهم حق المتابعة» وهم أقل القليل نسبة إلى مجموع الخلق.
8- أي زخرف الحياة الدنيا وبهارجها.
9- أي تزيين الأمور الباطلة لصاحبها.
10- أي تأويل الأمر المعوج والباطل بما يظن أنّه حق ومستقيم مرآة المجلسي 153/11.
11- أي تصرف النفس عنها.
12- «فاعل قال : أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذا من تتمة الحديث السابق» المازندراني 70/10.
13- «الهوی ميل النفس إلى مقتضى طباعها وخروجها عن حدود اللّه وهو أشد جاذب عن قصد الحق... والهوينا: : تصغير الهونا، وهي الفتنة الصغرى الّتي تجر إلى الكبرى» ن. م ص / 71.

فالهوى على أربع شعب : على البغي والعدوان والشهوة والطغيان، فمن بغى كثرت غوائله(1) وتُخلّي منه وقصر عليه (2)، ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه(3)، ولم يسلم قلبه(4)، ولم يملك نفسه عن الشهوات، ومن لم يعدل نفسه (5) في الشهوات خاض في الخبيثات، ومن طغى ضلَّ على عمد بلا حجّة.

والهوينا على أربع شعب على الغِرَّة (6)، والأمل، والهيبة، والمماطلة(7)، وذلك بأن الهيبة تردُّ عن الحق والمماطلة تفرّط في العمل حتّى يقدم عليه الأجل، ولولا الأمل علم الإنسان حَسَبَ ما هو فيه (8)، ولو علم حسب ما هو فيه مات خُفات (9) من الهول والوجل، والغرّة تقصر بالمرء عن العمل.

والحفيظة على أربع شعب على الكبر والفخر والحميّة (10) والعصبيّة، فمن استكبر أدبر عن الحق، ومن فخر فجر، ومن حمى أصر على الذُّنوب، ومن أخذته العصبية جار، فبئس الأمر أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور على الصراط.

والطمع على أربع شعب الفرح والمرح (11)، واللّجاجة، والتّكاثر، فالفرح مكروه عند اللّه، والمرح خيلاء، واللجاجة بلاء (12) لمن اضطرته إلى حمل الآثام، والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ.

فذلك النفاق ودعائمه وشعبه. واللّه قاهر فوق عباده تعالى ذكره، وجلَّ وجهه، وأحسن كلّ شيء خلقه، وانبسطت يداه، ووسعت كلّ شيء رحمته، وظهر أمره، وأشرق نوره وفاضت بركته واستضاءت حكمته وهيمن كتابه، وفَلَجَتْ حجّته (13)، وخلص دينه، واستظهر سلطانه،

ص: 376


1- أي شروره ودواهيه.
2- أي نُسي من قبله سبحانه فمنع عنه لطفه فيخلّي بينه وبين الشيطان فيُغلب. وفي بعض النسخ (ونُصِرَ عليه).
3- جمع بائقة وهي الداهية والمصيبة.
4- أي من الأمراض النفسية والرذائل.
5- أي لم يقصرها ويضع بها حداً يمنعها عن الخوض فيها. وفي بعض النسخ (يعذل) أي يلم. وفي بعضها (يعزل).
6- أي الغفلة.
7- المماطلة : تسويف ما ينبغي الإقدام عليه والإسراع إليه من شؤون الدنيا والدين.
8- أي لو علم الإنسان مقدار عمره وقيمة عمله.
9- خفاتا : أي فجأة.
10- «الحمية: هي الأنفة والعار لأنهما من أسباب الحماية أي المنع والدفع...» المازندراني 73/10.
11- أي أشد الفرح وقد يبرزه بالتبختر والخيلاء.
12- أي فتنة وامتحان.
13- أي ظهرت وغلبت.

وحقّت كلمته وأقسطت موازينه، وبلغت رسله، فجعل السيّئة ذنباً، والذَّنب فتنة (1)، والفتنة دَنَساً (2) وجعل الحسنى عتبى (3) والعتبى توبة والتوبة طهوراً، فمن تاب اهتدى، ومن افتتن غوى، ما لم يتب إلى اللّه ويعترف بذنبه ولا يهلك على اللّه (4) إلّا هالك.

اللّه اللّه فما أوسع ما لديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم، وما أنكل ما عنده من الأنكال (5) والجحيم والبطش الشديد فمن ظفر بطاعته اجتلب كرامته، ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته وعما قليل ليصبحن نادمين.

2 - محمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن عبد الحميد والحسين بن سعيد جميعاً، عن محمّد بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن مسألة فكتب إليَّ : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) (6)، ليسوا من الكافرين، وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين يظهرون الإيمان ويصيرون إلى الكفر والتكذيب لعنهم اللّه

3 - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم، عن الهيثم بن واقد، عن محمّد بن سليمان عن ابن مسكان عن أبي حمزة، عن علي ابن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : إنَّ المنافق ينهي ولا ينتهي ولا ينتهي (7)، ويأمر بما لا يأتي (8)، وإذا قام إلى الصلاة اعترض - قلت: يا ابن رسول اللّه وما الاعتراض؟ قال : الالتفات (9) - وإذا ركع

ص: 377


1- أي افتتاناً وانحرافاً عن الحق.
2- أي قذارة نفسية وقلبية ورذيلة لهما.
3- «العتبى : الرجوع عن الذنب والإساءة والعصيان إلى الطاعة والتوبة والإحسان والحسنى : الفعلة الحسنة الموافقة للقوانين الشرعية والعقلية، أو الكلمة الحسنى وهي الشهادتان وغيرهما من الأقوال المطابقة للقواعد الحقة، أو العبادة الحسنى» المازندراني 77/10.
4- أي بعد أن نصب له الحجج وأقام له البينات وفتح له باب التوبة ثمّ أصر على مبارزته سبحانه بالكفر والمعاصي.
5- «النكل : منع الرجل وتبعيده عما يريد، والنكال : العقوبة الّتي تنكل النّاس عن فعل ما جعلت له جزاء. والنّكل : القيد لأنه ينكل به أي يمنع وجمعه أنكال ونكول» المازندراني 77/10 – 78.
6- النساء/ 143.
7- أي عما نهى عنه.
8- أي بما أمر به.
9- أي يميناً وشمالاً، أما كناية عن انشغال قلبه عن الصلاة بأمور الدنيا، أو يلتفت ليرى هل يراه من أحد يصلّى فيكون عمله رياء وسمعة.

رَبَضَ (1)، يمسي وهمّه العشاء وهو مفطر، ويصبح وهمّه النوم ولم يسهر، إن حدَّثك كَذَبَك، وإن ائتمنته خانك، وإن غِبتَ اغتابك، وإن وَعَدَكَ أَخْلَفَك.

4 - عنه، عن ابن جمهور عن سليمان بن سماعة، عن عبد الملك بن بحر، رفعه مثل ذلك - وزاد فيه - إذا ركع ربض، وإذا سجد نَقَرَ (2)، وإذا جلس شَغَرَ (3).

5 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الّذي أراد فحوله في موضع آخر فلم يستقم له، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنّار (4).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق» (5).

باب الشرك

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بريد العجليّ، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركاً، قال : فقال: من قال للنواة إنّها حصاة وللحصاة إنّها نواة ثمّ دان به (6).

ص: 378


1- الرّبض للدابة مثل بروك الإبل وهو هنا «كناية عن إدلاء رأسه وعدم استواء ظهره، أو عن أنّه يسقط نفسه على الأرض قبل أن يرفع رأسه من الركوع كإسقاط الغنم نفسه عند ربوضه» مرآة المجلسي 172/11.
2- كناية عن تخفيف السجود، بحيث لا تثبت جبهته على الأرض فيه.
3- «أي رفع ساقيه عن الأرض وقعد على عقبيه من شعر الكلب رفع إحدى رجليه بال أو لم يبل» المازندراني 10 / 80. ولعل المراد به ما يفعله المخالفون في التشهد على أنّه فعل مستحب عندهم.
4- أي أن المنافق لا ينتفع منه بشيء ولا يصلح لشيء، وصلاحه في إحراقه. وقيل : «كما أن جذع النخل غير مستقيم يكون ظاهرة منحدباً وباطنه معوجاً غائراً وصار ذلك سبباً لعدم الانتفاع به في بعض الأمور المطلوب منه وإحراقه بالنار كذلك المنافق» المازندراني 80/10.
5- دل على أن زيادة خشوع القلب على خشوع الجسد وكذا تساويهما أمر مرغوب فيه.
6- «يعني اعتقده بقلبه وجعله ديناً، والوجه في كونه شركاً أنّه يرجع إلى متابعة الهوى أو تقليد من يهوى، فصاحبه وإن عبد اللّه وأطاعه فقد أطاع هواه أو من يهواه مع اللّه وأشركه معه» الوافي للفيض ج 42/3.

2 - عنه، عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي العباس قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركاً، قال: فقال : من ابتدع رأياً(1) فأحب عليه (2) أو أبغض علیه (3).

3 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة، عن سماعة، عن أبي بصير وإسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (4) قال : يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك (5).

4 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن بكير، عن ضريس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال : شرك طاعة وليس شرك عبادة. وعن قوله عزّ وجلّ : (ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف) (6) قال: إن الآية تنزل في الرجل ثمّ تكون في أتباعه (7) ثمّ قلت: كلّ من نصب دونكم شيئاً فهو ممّن يعبد اللّه على حرف؟ فقال : نعم وقد يكون محضاً (8).

5 - يونس عن داود بن فرقد عن حسّان الجمال عن عميرة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : أمر النّاس بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا، ثمّ قال : وإن صاموا وصلوا

وشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وجعلوا في أنفسهم أن لا يردُّوا إلينا كانوا بذلك مشركين.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن يحيى

ص: 379


1- أي اخترعه بهواه من دون أن يكون له أساس في دين اللّه، ولم يقم عليه دليل شرعي.
2- أي أحب من تابعه في بدعته.
3- أي أبغض من خالفه رأيه المبتدع.
4- يوسف/ 106.
5- دل هذا الحديث على أن عدم العلم بكون ما يعمله الإنسان في العقائد والأحكام هو إطاعة للشيطان أو أنّه فاسد باطل لا يقدح في كونها شركاً، وبطريق أولى تكون مع العلم بذلك شركاً. وهذا ما يسمى بشرك الطاعة لا بشرك العبادة كما يصرح به في الحديث التالي.
6- الحجّ / 11. قيل معنى (على حرف) على شك. وقيل على ضعف في العبادة. وقيل غير ذلك. ولعل المراد به الشك في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما جاء به من ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وغيرها المازندراني 82/10.
7- أي في عقبه ومن تابعه في عقيدته الفاسدة ممّن أتى بعد عصر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فشكوا في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إذ كانوا تابعين لمن شك في النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في عصره.
8- «أي مشركاً محضاً، كعلماء المخالفين والمتعصبين منهم حيث تركوا الحق مع وضوح البرهان عناداً، مرآة المجلسي.177/11 ويحتمل أن يكون المعنى أن نزولها يكون محضاً لهم - أي الثلاثة المعهودون - وأنهم مقصود منها أصالة» المازندراني 82/10.

الكاهلي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لو أن قوماً عبدوا اللّه وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزَّكاة، وحجّوا البيت وصاموا شهر رمضان ثمّ قالوا لشيء صنعه اللّه أو صنعه النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ألا (1) صنع خلاف الّذي صنع ؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثمّ تلا هذه الآية (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (2) ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فعليكم بالتسليم.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد عن عبد اللّه بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (3) فقال: أما واللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرَّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون.

8 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أطاع رجلا في معصية فقد عبده (4).

باب الشك

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن الحكم قال : كتبت إلى العبد الصالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ): (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) (5) وإني أحبُّ أن تريني شيئاً، فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنَّ إبراهيم كان مؤمناً وأحب أن يزداد إيماناً

ص: 380


1- ألا حرف تحضيض، ودخوله على الفعل الماضي هنا وهو: صنع، يدل على توبيخ ترك الفعل، وعدم رضا المخالفين بما صنعه اللّه وأمر رسوله بتبليغه في تنصيب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجعل ذريته مفروضة الطاعة على الأمة كلها إلى أن تقوم الساعة.
2- النساء/ 65. وقد مضى هذا الحديث بعينه في باب التسليم وفضل المسلمين من المجلد الأوّل تحت رقم (2) وعلقنا عليه هناك فراجع.
3- التوبة / 31.
4- قوله (في معصية) «إما وصف لرجلاً أو حال عنه أو متعلق بأطاع فيفيد على الأولين أن العاصي معبود لمن أطاعه مطلقاً... وعلى الأخير أن العاصي معبود لمن أطاعه في المعصية سواء فعلها أيضاً أو رضي بها ومدحه عليها أو دعا له أو لم ينكرها مع القدرة على الإنكار» المازندراني 10 / 83.
5- البقرة/ 260، وكان السائل «أراد أني شاك فيك فأحب أن تريني شيئاً يفيد اليقين بك كما كان إبراهيم شاكاً في إحياء الموتى فأحب أن يريه ربه ما يفيده اليقين» المازندراني 84/10.

وأنت شاك والشاك لا خير فيه (1)، وكتب (2) : إنّما الشك ما لم يأت اليقين، فإذا جاء اليقين لم يجز الشكُ، وكتب : أنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (3) قال : نزلت في الشّاكَ.

2من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن أبي إسحاق الخراساني قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول في خطبته : لا ترتابوا فتشكّوا أو لا تشكّوا فتكفروا (4).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً عن عن يساره وزرارة عن يمينه، فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد اللّه : ما تقول فيمن شكٍّ في اللّه ؟ فقال : کافر يا أبا محمّد قال: فشكٍّ في رسول اللّه ؟ فقال : كافر، قال : ثمّ التفت إلى زرارة (5) فقال : إنما يكفر إذا جحد.

4 - عنه عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن هارون ابن خارجة عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) (6) قال : بشك.

5 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ الشكٌّ والمعصية في النّار، ليسا منا ولا إلينا (7).

ص: 381


1- «المراد أن إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يسأل ربه ليزيل الشك عن نفسه لأنه كان مؤمناً بذات الرب وصفاته وقدرته على إحياء الموتى ولم يشك قط بل سأله ليزداد يقيناً بأن يرى بالعيان ما علمه بالدليل والجنان... وأنت شاك كما اعترفت به والشاك لا خير فيه لأن الخير كله سيما الإيمان في اليقين» ن. م.
2- أي الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- 102. والعهد يكون بمعنى الوصية وبمعنى الولاية والخلافة، وبمعنى الضمان.
4- الارتياب: الشك والتهمة ولعل المراد هنا الخوض في الشبهات الّتي توجب الشك أو عدم الرضا بقضاء اللّه واتهامه فيه أو التردد الّذي هو مبدأ الريب والشك مرآة المجلسي 182/11.
5- لعل التفاته (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى زرارة بالخصوص ليقول له ما قاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) تنبيهاً له على فساد ما كان يبني عليه من عدم الواسطة بين المؤمن والكافر كما تقدم في الحديث (6) من باب الكفر.
6- الأنعام / 82. ولم يلبسوا : أي ولم يخلطوا. والمقصود بهم من صدقوا ظاهراً باللّه ورسوله وبما جاء به من عند ربه ولم يشكوا بذلك باطناً.
7- «كنى بهما عن أهليهما لأن استحقاق الشاك والعاصي للنار إنما هو من جهة الشك والمعصية ولاستلزامهما من يقومان به» الوافي للفيض ج 49/3.

6 - عدَّة من أصحابنا،، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن عثمان بن عيسى، عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من شكٍّ في اللّه بعد مولده على الفطرة لم يفيء إلى خير أبداً (1).

7 - عنه، عن أبيه، رفعه إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا ينفع مع الشك والجحود عمل (2).

8 - وفي وصيّة المفضّل قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من شكٍّ أو ظنَّ فأقام على أحدهما أحبط اللّه عمله (3)، إن حجة اللّه هي الحجّة الواضحة (4).

9 - عنه، عن عليّ بن أسباط عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت: إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحقّ فهل ينفعه ذلك شيئاً؟ فقال : يا أبا محمّد إنما مثل أهل البيت (5) مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلّا دعا فأجيب، وإنَّ رجلاً منهم اجتهد أربعين ليلة، ثمّ دعا فلم يستجب له فأتى عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشكوا إليه ما هو فيه ويسأله الدُّعاء قال: فتطهر عيسى وصلى ثمّ دعا اللّه عزّ وجلّ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا عيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الّذي أوتى منه، إنه دعاني وفي قلبه شكٍّ منك فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له، قال : فالتفت إليه عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : تدعو ربك وأنت في شك من نبيه؟ فقال : يا روح اللّه وكلمته قد كان واللّه ما قلت فادع اللّه [لي] أن يذهب به عني قال : فدعا له عیسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتاب اللّه عليه وقبل منه وصار في حدّ أهل بيته.

باب الضَّلال

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن هاشم صاحب البريد (6) قال : كنت أنا ومحمّد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعين فقال لنا أبو

ص: 382


1- أي لم يرجع إلى خير، وقد دل الحديث على عدم قبول توبة المرتد الفطري ظاهراً وهو المشهور بين علمائنا، وإن ذهب الشهيد الثاني (رَحمهُ اللّه) إلى أن القول بقبول توبته باطناً قوي.
2- لأن العمل إنما ينفع مع الإيمان لا مع الكفر والجاحد كافر كما مر.
3- أي لم يقبله، وذلك لأن الشرط هو اليقين والشك والظن خلافه.
4- أي توجب اليقين.
5- «إنما مثل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأمته بعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمته في أنهم إذا شكوا فيهم لم تستجب دعوتهم ولم يقبل منهم عبادة، وفيه تنبيه على أن الشك فيهم كالشك في النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لأن عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان نبياً» الوافي ج 49/3.
6- لعله لقب بصاحب البريد لأنه إما كان مالكاً للبغال الّتي كان ينقل عليها البريد أو الرجال الّذين كانوا ينقلونه، أو موكلا بها.

الخطاب : ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الأمر (1)؟ فقلت : من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر، فقال أبو الخطاب : ليس بكافر حتّى تقوم عليه الحجّة، فإذا قامت عليه الحجّة فلم يعرف فهو كافر، فقال له محمّد بن مسلم : سبحان اللّه ماله إذا لم يعرف ولم يجحد يكفر؟! ليس بكافر إذا لم يجحد، قال : فلما حججت دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته بذلك، فقال : إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى.

فلمّا كانت الليلة اجتمعنا عنده وأبو الخطاب ومحمّد بن مسلم فتناول وسادة فوضعها صدره ثمّ قال لنا : ما تقولون في خدمكم ونساءكم وأهليكم أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه؟ قلت بلى قال : أليس يشهدون أنَّ محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ قلت: بلى، قال : أليس يصلّون ويصومون ويحجون؟ قلت: بلى، قال فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت: لا، قال: فما هم عندكم؟ قلت من لم يعرف [هذا الأمر] فهو كافر.

قال : سبحان اللّه أما رأيت أهل الطريق وأهل المياه؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلّون ويصومون ويحجون؟ أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه قلت: بلى، :قال فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت لا قال فما هم عندكم؟ قلت : من لم يعرف [هذا الأمر] فهو كافر.

قال : سبحان اللّه أما رأيت الكعبة والطُوَّاف وأهل اليمن وتعلقهم بأستار الكعبة ! قلت : بلی، قال : أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأنَّ محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ويصلّون ويصومون ويحجون؟ قلت بلى قال فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت : لا قال : فما تقولون فيهم ؟ قلت : من لم يعرف فهو كافر.

قال : سبحان اللّه هذا قول الخوارج (2)، ثمّ قال : إن شئتم أخبرتكم، فقلت أنا: لا، فقال : أما إنّه شرٌّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا، قال: فظننت أنّه يديرنا على قول محمّد بن مسلم.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : فما تقول في مناكحة النّاس فإنّي قد بلغت ما تراه وما تزوجت قط، فقال : وما يمنعك من ذلك؟ فقلت : ما يمنعني إلّا أنني أخشى أن لا تحل لي مناكحتهم (3) فما تأمرني ؟ فقال : فكيف تصنع وأنت شاب أتصبر؟ قلت : أتخذ الجواري. قال : فهات الآن فبما

ص: 383


1- أي أمر الإمامة.
2- «فإنهم يقولون : كلّ من فعل كبيرة أو صغيرة وأصر عليها فهو كافر خارج عن الإسلام مستحق للقتل ولذا حكموا بكفر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للتحكيم مع أنهم جبروه عليه» مرآة المجلسي 190/11.
3- وذلك بناء على رأيه (أي زرارة) في المخالفين وحكمه بكفرهم إذ لا واسطة عنده بين المؤمن والكافر كما مر.

تستحلُ الجواري (1)؟ قلت : إنَّ الأمة ليست بمنزلة الحرة إن رابتني بشيء بعتها واعتزلتها(2)، قال : فحدّثني بما استحللتها (3)؟ قال: فلم يكن عندي جواب.

فقلت له : فما ترى أتزوج؟ فقال : ما أبالي أن تفعل، قلت: أرأيت قولك : ما أبالي أن تفعل، فإنَّ ذلك على جهتين تقول : لست أبالي أن تأثم من غير أن أمرك، فما تأمرني أفعل ذلك بأمرك؟ فقال لي : قد كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تزوج وقد كان من أمر امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان، إنّهما قد كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين، فقلت: إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ليس في ذلك بمنزلتي إنّما هي تحت يده وهي مقرة بحكمه مقرَّة بدينه قال : فقال لي : ما ترى من الخيانة في قول اللّه عزّ وجلّ (فخانتاهما) (4) ما يعني بذلك إلّا الفاحشة (5) وقد زوّج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلاناً(6)، قال : قلت : أصلحك اللّه ما تأمرني أنطلق فأتزوج بأمرك؟ فقال لي : إن كنت فاعلاً فعليك بالبلهاء (7) من النساء قلت : وما البلهاء؟ قال : ذوات الخدور العفائف.

فقلت: من هي على دين سالم بن أبي حفصة (8)؟ قال : لا، فقلت : من هي على دين ربيعة الرأي (9) ؟ فقال : لا ولكن العواتق (10) اللواتي لا ينصبن كفراً ولا يعرفن ما تعرفون(11). قلت : وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة؟ فقال : تصوم وتصلي وتتقي اللّه ولا تدري ما أمركم؟ فقلت : قد قال اللّه عزّ وجلّ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (12). لا واللّه لا يكون أحدٌ من النّاس ليس بمؤمن ولا كافر (13).

قال : فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قول اللّه أصدق من قولك يا زرارة أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ:

ص: 384


1- أي أن نكاح الكافرة حرام كما أن وطيها حرام فما هو دليلك على الفرق بينهما.
2- «يعني إن أوهمتني (أي الأمة) بشيء يسوؤني ويخالف ما أنا عليه بعتها واعتزلتها بخلاف الحرة فإن حرمتها أتم وأعظم وقبح مفارقتها أشد وأفخم» المازندراني 92/10.
3- «أي إنك قبل أن تدخلها في دينك وتكلمها في ذلك كيف جاز لك وطئها على زعمك» مرآة المجلسي 192/11.
4- التحريم / 10.
5- المراد بالفاحشة هنا - بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع وهو عائشة وحفصة - المخالفة والشقاق.
6- يعني عثمان بن عفان.
7- قال الجوهري : رجل أبله وهو الّذي غلبت عليه سلامة الصدر، وامرأة بلهاء.
8- هو من أعيان الزيدية ومقدميهم.
9- هو ابن أبي عبد الرحمن فروخ وكان من فقهاء العامة.
10- جمع العاتق : وهي - في النهاية - الشابة أول ما تدرك. وقيل : هي الّتي لم تبن من والديها ولم تتزوج وقد أدركت وشبت.
11- أي من أمر الإمامة.
12- التغابن / 2.
13- هذا من تتمة كلام زرارة على مبناه في عدم الواسطة بين المؤمن والكافر.

(خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (1) فلما قال عسى ؟ فقلت : ما هم إلّا مؤمنين أو كافرين قال : فقال : ما تقول في قوله عزّ وجلّ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) (2) إلى الإيمان، فقلت: ما هم إلّا مؤمنين أو كافرين فقال واللّه ما هم بمؤمنين ولا كافرين ثمّ أقبل عليَّ فقال : ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت: ما هم إلّا مؤمنين أو كافرين، إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون وإن دخلوا النّار فهم كافرون فقال واللّه ما هم بمؤمنين ولا كافرين؛ ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنّة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النّار كما دخلها الكافرون، ولكنهم قوم قد استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنّهم لكما قال اللّه عزّ وجلّ.

فقلت : أمن أهل الجنّة هم أم من أهل النار؟ فقال : اتركهم حيث تركهم اللّه، قلت : أفتر جئهم ؟ قال : نعم أرجئهم كما أرجأهم اللّه، إن شاء أدخلهم الجنّة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النّار بذنوبهم ولم يظلمهم، فقلت: هل يدخل الجنّة كافر؟ قال: لا، قلت: [ف] هل يدخل النّار إلّا كافر؟ قال: فقال : لا إلّا أن يشاء اللّه. يا زرارة إنني أقول ما شاء اللّه وأنت لا تقول ما شاء اللّه، أما إنّك إن كبرت رجعت وتحلّلت عنك عقدك (3).

باب المُسْتَضْعَف

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المستضعف فقال : هو الّذي لا يهتدي حيلة إلى الكفر فيكف ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان (4)، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر، فهم الصبيان، ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم (5).

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن جميل عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المستضعفون الّذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، قال لا

ص: 385


1- التوبة / 102.
2- النساء / 98.
3- أي من الشبهات والشكوك، أو خف وتلاشى حنقك على المخالفين وحديتك معهم.
4- «وإنما قال في الكفر : حيلة، وفي الإيمان : سبيلا للتنبيه على أنّه لا سبيل إلى الكفر ولا دليل عليه، ولو فرض شيء يفضي إليه فإنما هو حيلة نفسانية وشبهة شيطانية». مرآة لمجلسي 203/11.
5- أي قلم التكليف.

يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون الصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء.

3 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المستضعف، فقال : هو الّذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عن الكفر، ولا يهتدي بها إلى سبيل الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر. قال : والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن جندب، عن سفيان بن السمط البجلي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما تقول في المستضعفين، فقال لي شبيهاً بالفزع (1) : فتركتم أحداً يكون مستضعفاً وأين المستضعفون(2)؟ فواللّه لقد مشى بأمركم هذا العوائق إلى العواتق في خدورهنَّ وتحدَّث به السقايات في طريق المدينة.

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيّوب، عن عمر ابن أبان قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المستضعفين فقال : هم أهل الولاية، فقلت أيُّ ولاية؟ فقال : أما إنّها ليست بالولاية في الدين (3)، ولكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة، وهم لبسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار، ومنهم المُرْجَوْنَ لأمر اللّه عزّ وجلّ.

6 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثْنى، مثنى، عن إسماعيل الجعفي قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الدين الّذي لا يسع العباد جهله، فقال: الدين واسع (4)، ولكنَّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم، قلت : جعلت فداك فأحدثك بديني الّذي أنا عليه ؟ فقال : بلى، فقلت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند اللّه وأتولاكم وأبرء من عدوكم ومن ركب رقابكم (5) وتأمر عليكم وظلمكم حقكم، فقال : ما جهلت شيئاً ! هو واللّه الّذي نحن عليه، قلت: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال : لا إلّا المستضعفين قلت من هم؟ قال : نساؤكم وأولادكم ثمّ قال :

ص: 386


1- أي المرعوب الخائفة.... ولعل فزعه (عَلَيهِ السَّلَامُ) باعتبار أن سفيان كان من أهل الإذاعة لهذا الأمر المازندراني 102/10.
2- «يعني أن المستشعب من لا يكون عالماً بالحقّ والباطل وما تركتم أحداً على هذا الوصف لإفشائكم أمرنا حتّى تتحدث النساء الخ...» ن. م. ولذا فالاستفهام إنكاري.
3- أي موالاة أئمّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
4- أي لا يتحقق الخروج من دين الإسلام بقليل من العقائد والأعمال كما هو مذهب الخوارج مرآة المجلسي 211/11.
5- أي تسلط عليكم واغتصب حقكم بالقهر والغلبة.

أرأيت أم أيمن (1)؟ فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنّة وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عرف اختلاف النّاس فليس بمستضعف (2).

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب عن جميل بن دراج قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني ربما ذكرت هؤلاء المستضعفين فأقول نحن وهم في منازل الجنّة، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يفعل اللّه ذلك بكم أبداً(3).

9 - عنه، عن عليّ بن الحسن الّتيمي، عن أخويه محمّد وأحمد ابني الحسن، عن عليّ بن يعقوب عن مروان بن مسلم، عن أيّوب بن الحرّ قال : قال رجل لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونحن عنده : جعلت فداك، إنّا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين، قال فقال : لا واللّه لا يفعل اللّه ذلك بكم أبداً (4).

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) منا.

10 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من عرف اختلاف النّاس فليس بمستضعف(5).

11 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران، عن عن محمّد ابن منصور الخزاعي، عن عليّ بن سويد عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن الضعفاء فكتب إليَّ : الضعيف من لم تُرفع إليه حجّة ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف.

12 - بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحسن، عن عليّ بن حبيب الخثعمي، عن أبي سارة إمام مسجد بني هلال عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس اليوم مستضعف (6)، أبلغ الرّجال الرّجال والنساءُ النساء.

ص: 387


1- هي حاضنة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
2- لأن من عرف اختلاف النّاس يكون ذا عقل وقدرة على التمييز بين الحق والباطل فلا يشمله اصطلاح المستضعف ليكون معذوراً في ترك طلب الحق وأتباعه.
3- «كأنه أراد به التساوي في الدرجة فأنكره (عَلَيهِ السَّلَامُ) واظهر التفاوت» المازندراني 104/10.
4- دل هذا الحديث على أن المستضعفين في درجة أدنى من المؤمنين وإن كانوا من أصحاب الذنوب والمعاصي.
5- مر مضمونه بعينه قبل قليل تحت رقم (7).
6- وذلك لتيسر معرفة الحق بعد تناقله وشيوعه بحيث لا يجهله إلّا مقصر في صلبه، ولذا فلا عذر له.

باب المُرْجَونَ لأمر اللّه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ) (1) قال : قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين، ثمّ إنّهم دخلوا في الإسلام فوحدوا اللّه وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النّار فهم على تلك الحال إما يعذبهم وإما يتوب عليهم (2).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر الواسطي، عن رجل قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المُرْجَوْنَ قومٌ كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين، ثمّ إنّهم بعد ذلك دخلوا في الإسلام فوحدوا اللّه وتركوا الشرك ولم يكونوا يؤمنون فيكونوا من المؤمنين، ولم يؤمنوا فتجب لهم الجنّة، ولم يكفروا فتجب لهم النّار (3)، فهم على تلك الحال مُرْجَون لأمر اللّه.

باب أصحاب الأعراف

1 - محمّد - بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير؛ وعلي ابن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل جميعاً، عن زرارة قال: قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت: ما هم إلّا مؤمنون أو كافرون، إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون، وإن دخلوا النّار فهم كافرون فقال : واللّه ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين دخلوا الجنّة كما دخلها المؤمنون، ولو كانوا كافرين لدخلوا النّار كما دخلها الكافرون، ولكنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنهم لكما قال اللّه عزّ وجلّ، فقلت: أمن أهل الجنّة هم أو من أهل النار؟ فقال: أتركهم حيث تركهم اللّه، قلت :

ص: 388


1- التوبة/ 106. وقد تمسك أصحاب عقيدة الإرجاء لعقيدتهم بهذه الآية فسُمّوا مرجئة، إذ كانوا يقولون إن اصحاب الكبائر والمعاصي لا تحكم فيهم بكفر ولا إيمان وإنما يؤخرون حتّى يحكم اللّه في أمرهم ما يشاء.
2- يدل الحديث على أن نوبة وحشي قاتل حمزة لم تقبل بنحو القطع واليقين.
3- «لعل المراد بالإيمان الإيمان المقتضي لدخول الجنّة كما يشعر به التفريع وهو الإيمان الكامل المستقر الموجب للأمن، وبالكفر الجحود الموجب لدخول النّار» مرآة المجلسي 215/11.

أفتُرْجِئهم قال : نعم أرجئهم كما أرجئهم اللّه إن شاء أدخلهم الجنّة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النّار بذنوبهم ولم يظلمهم، فقلت : هل يدخل الجنّة كافر؟ قال : لا. قلت : هل يدخل النّار إلّا کافر ؟ قال : فقال : لا إلّا إن يشاء اللّه، يا زرارة إنني أقول : ما شاء اللّه وأنت لا تقول ما شاء اللّه أما إنك إن كبرت رجعت وتحلّلت [عنك] عقدك (1).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسان، عن موسى بن بكر، عن رجل قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الّذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فأولئك قوم مؤمنون، يحدثون في إيمانهم من الذُّنوب الّتي يعيبها المؤمنون ويكرهونها فأولئك عسى اللّه أن يتوب عليهم (2).

باب في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة وأهل البلدان

باب في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية (3) والخوارج والمرجئة وأهل البلدان

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن مروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لعن اللّه القدرية لعن اللّه الخوارج لعن اللّه المرجئة، لعن اللّه المرجئة قال : قلت : لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين ؟ قال : إنَّ هؤلاء يقولون : إنَّ قَتَلَتَنا مؤمنين (4) فدماؤنا (5) متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إن اللّه حكى عن قوم في كتابه: (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (6) قال : كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم اللّه القتل برضاهم ما فعلوا (7).

ص: 389


1- مر هذا الحديث في مضمون حديث آخر تقدم في باب الضلال تحت رقم (2) بنفس السند وعلقنا عليه هناك فراجع.
2- سند هذا الحديث هو بعينه سند الحديث رقم (2) من الباب السابق وكأنه تتمة له. ومعناه قد مر شرحه.
3- لعل المراد بالقدرية هنا المفوضة وهو أحد المعنيين لهذه الفرقة والمعنى الآخر الجبرية. وقد نبهنا على ذلك سابقاً.
4- وذلك انسجاماً مع مبناهم في أنّه لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
5- أي أهل البيت ومن والاهم.
6- الآية كما هي في المصحف هكذا : (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) آل عمران / 183. وعليه فالآية هنا إما تصحيف من النساخ، وإما أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نقلها بالمعنى.
7- يدل هذا على أن الرضا بالقتل من غير حق هو في حكم القتل نفسه من حيث العقوبة والجرم.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم وحماد بن عثمان، عن أبي مسروق :قال سألني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت : مرجئة وقدريّة وحرورية، فقال : لعن اللّه تلك الملل الكافرة المشركة الّتي لا تعبد اللّه على شيء(1).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن منصور بن يونس، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أهل الشام شر من أهل الرُّوم، وأهل المدينة شرٌّ من أهل مكة وأهل مكة يكفرون باللّه جهرة (2).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ أهل مكة ليكفرون باللّه جهرة (3) وإنَّ أهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم سبعين ضعفاً (4)

ه - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن سيف بن عَميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أهل الشام شر أم [أهل] الروم فقال : إنَّ الرُّوم كفروا ولم يعادونا وإنَّ أهل الشّام كفروا وعادونا (5).

6 - عنه، عن محمّد بن الحسين عن النضر بن شعيب عن أبان بن عثمان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تجالسوهم - يعني المرجئة - لعنهم اللّه ولعن [اللّه] مللهم المشركة الّذين لا يعبدون اللّه على شيء من الأشياء (6).

ص: 390


1- قد مر مضمون هذا الحديث بسنده نفسه تحت رقم (13) من باب الكفر من هذا المجلد، وبمتنه أيضاً إلّا أن فيه هناك : فقال لي قبل قوله : (ما هم). وقد علقنا عليه.
2- «الخيرية والشرّية لهذه الأمة باعتبار الإيمان ومحبة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وباعتبار الكفر وعداوتهم، فكلما كان الإيمان والمحبة أفخم كان الخير أعظم وكلما كان الكفر والعداوة أعظم كان الشر أتم، وعداوة أهل الشام لما كانت أكثر من عداوة أهل الروم كان شرهم أكثر من شرهم، وكذلك أهل المدينة بالنسبة لأهل مكة، يكفرون باللّه جهرة لأنهم ينكرون الأوصياء، صريحاً... الخ» المازندراني 108/10.
3- ربما يقال أيضاً - مع ملاحظة ما ذكر في التعليق على الحديث السابق - أنّه إنما كان أهل مكة يكفرون باللّه جهرة لأنهم إذا عصوا أو عبدوا غير اللّه أو تولوا غير أولياء اللّه فقد الحدوا وأشركوا، لقوله تعالى : (ومن يُرِدْ فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)...» ن. م. وقد ورد هذا المعنى عن الصادق(عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- ربما يكون التحديد بالسبعين للمبالغة في بيان خبثهم.
5- يدل الحديث، على شرّية أهل الشام على أهل الروم لعداوتهم لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) دونهم، فمحبتهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) مقياس للخيرية كما أن عداوتهم مقياس للشرية.
6- أي على دين من الأديان، أوملة من الملل.

باب المؤلفة قلوبهم

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل جميعاً، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤلّفة قلوبهم قوم وحدوا اللّه وخلعوا عبادة [من يعبد] من دون اللّه ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنَّ محمّداً رسول اللّه ؛ وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يتألّفهم ويعرفهم لكيما يعرفوا ويعلّمهم (1).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته، عن قول اللّه عزّ وجلّ: (والمؤلّفةِ قُلُوبُهم) (2) قال : هم قوم وحدوا اللّه عزّ وجلّ وخلعوا عبادة من يُعْبَدُ من دون اللّه، وشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وهم في ذلك(3) شُكاك في بعض (4) ما جاء به محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فأمر اللّه عزّ وجلّ نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يَحْسُنَ إسلامهم، ويثبتوا على دينهم الّذي دخلوا فيه وأقروا به.

وإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوم حُنَيْنٍ تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب، وعُيَيْنَة بن حُصَيْن الفزاري وأشباههم من النّاس، فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عُبَادَة، فانطلق بهم إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالجُعرانة (5) فقال : يا رسول اللّه أتأذن لي في الكلام ؟ فقال : نعم فقال : إن كان هذا الأمر من هذه الأموال الّتي قسمت بين قومك شيئاً أنزله اللّه رضينا وإن كان غير ذلك لم نرضَ قال زرارة وسمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : فقال

ص: 391


1- «المفهوم من هذا الخبر وما بعده أن المؤلفة مسلمون لهم ضعف في الإسلام لعدم استقراره في قلوبهم ويدخل فيهم المنافقون بدليل الشك في بعض ما جاء به رسول اللّه.... والتألف : المدارة والإيناس ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال. وقال المفيد: المؤلفة قسمان مسلمون ومشركون. وقال العلامة في الإرشاد: المؤلفة هم الكفار الّذين يستمالون للجهاد أو إلى الإسلام ومسلمون... الخ. والمقصود إن إعطاءهم لأمرين : أحدهما : تأليف قلوبهم بالمال ليثبت إسلامهم ويستقر في قلوبهم. وثانيهما أن يعرفهم ويعلمهم بأعيانهم لأصحابه حتّى يعرفوهم بأنهم من الّذين لم يثبت إيمانهم...» المازندراني 109/10. وقيل : يُعرفهم رسالته بالبراهين والحجج وشرائع الإسلام وأحكام الحلال والحرام الخ.
2- التوبة / 60.
3- أي مع ذلك.
4- كالولاية مثلاً.
5- موضع بين مكة والطائف.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا : سيدنا اللّه ورسوله : ثمّ قالوا في الثالثة : نحن على مثل قوله ورأيه، قال زرارة فسمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : فحطّ اللّه نورهم (1). وفرض اللّه للمؤلفة قلوبهم سهماً في القرآن.

3 - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المؤلّفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم (2).

4 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن إسحاق ابن غالب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية : (إن أعْطُوا منها رَضُوا وإن لم يُعْطُوا منها إذا هم يسخطون) (3) قال : تمَّ قال : هم أكثر من ثلثي النّاس.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن حسان، عن موسى بن بكر، عن رجل قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما كانت المؤلّفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم، وهم قوم وحدوا اللّه وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قلوبهم وما جاء به، فتألفهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وتألّفهم المؤمنون بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لكيما يعرفوا (4).

باب في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال : كان الطيار (5) يقول

ص: 392


1- أي أنزل اللّه في مرتبة إيمانهم بسبب ما صدر عنهم من قول وموقف.
2- «والمراد بكثرتهم أن أصناف المسلمين لما كثروا وتضاعفت أطماعهم وقلّ الديانون منهم كان هذا الصنف الّذين كان يتألفهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أكثر لا إن حكم التأليف جار في هذا الزمان، ويحتمل أن يكون المراد أن إمام الحق أيضاً بحسب قدرته وبسط يده يفعل ذلك معهم». مرآة المجلسي 224/11. ويحتمل أن قوله هذا (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان لبيان خطأ ما صنعه أبو بكر عندما منع سهم المؤلفة قلوبهم بحجة عزة الإسلام ومنعة المسلمين وعدم الحاجة إلى التأليف لذلك، غافلاً عن أن إعطاء هؤلاء لم يكن الهدف منه محصوراً في نصرة المسلمين فقط بل قد يكون لتثبيتهم على الإسلام أو لتعليمهم ما جهلوا منه، أو لجعلهم يتخلون عما يبطنون من شك في بعض ما جاء به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من أمر ربه.
3- التوبة / 58. وفي المصحف (فإن أعطوا...) والآية تتحدث عن المنافقين وتبرز خصلة من خصالهم الذميمة. و (يلمزك) يعيبك.
4- يعرفوا : إما على قراءة المجهول، فيكون المعنى، ليكون أخذهم للسهم علامة يعرفون بها بين أصحابك أنهم من أهل المؤلفة. وإما على المعلوم فيكون المعنى : ليتعلموا أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رسول اللّه حقاً بإقامة الحجج والبينات لهم على ذلك ويتعلموا ما جاء به من عند ربه.
5- يحتمل أنّه محمّد بن عبد اللّه ويحتمل أنّه ابنه حمزة إذ كان يطلق عليه هذا اللقب أيضاً، وقد أدرك ابنه هذا الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يدرك الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ).

لي : إبليس ليس من الملائكة وإنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال إبليس : لا أسجد، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟ قال(1): فدخلت أنا وهو على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : فأحسن واللّه في المسألة (2)، فقال : جعلت فداك أرأيت ما ندب اللّه عزّ وجلّ إليه المؤمنين من قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال: نعم والضلال وكل من أقر بالدّعوة الظاهرة، وكان إبليس ممّن أقر بالدعوة الظاهرة معهم.

باب في قوله تعالى : ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف

باب في قوله تعالى : ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف(3)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل وزرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) (4) قال زرارة : سألت عنها أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : هؤلاء قوم عبدوا اللّه وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، وشكوا في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما جاء به، فتكلموا بالإسلام، وشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه، وأقروا بالقرآن وهم في ذلك شاكون في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما جاء به، وليسوا شكاكاً في اللّه قال اللّه عزّ وجلّ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) يعني على شك في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما جاء به (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ) يعني عافية في نفسه وماله وولده (اطْمَأَنَّ بِهِ) ورضي به (وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ) يعني بلاء في جسده أو ماله تطير (5) وكره المقام على الإقرار بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فرجع إلى الوقوف (6) والشّك، فنصب العداوة اللّه ولرسوله. والجحود بالنبي وما جاء به.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ومن النّاس من يعبد اللّه على

ص: 393


1- أي جميل.
2- الظاهر أن وجه كونه أحسن في المسئلة أنّه لم يسأل عن محل النزاع مباشرة وإنما مهد بالسؤال عن المنافقين، ليدخل فيما بعد بالسؤال عن أمر إبليس باعتبار أنّه كان يخالط الملائكة ويتظاهر كأنه منهم ولم يكن منهم فتحى بذلك منحى المنافقين الّذين يظهرون خلاف ما عليه باطنهم.
3- أي على وجه واحد وهو أن يعبده على السراء والضراء، أو على شك، أو على غير طمأنينة على أمره، كما في القاموس.
4- الحجّ / 11.
5- أي تشاءم.
6- أي التوقف في أمر الدين أو التوقف عن الإذعان لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولما جاء به وذلك باطناً لا ظاهراً وبالجنان لا باللسان. بقرينة ذكر الشك بعده.

حرف) قال : هم قوم وحدوا اللّه وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه فخرجوا من الشرك ولم يعرفوا أنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رسول اللّه، فهم يعبدون اللّه على شك في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وما جاء به، فاتوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وقالوا : ننظر فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أنّه صادق وأنّه رسول اللّه، وإن كان غير ذلك نظرنا (1).

قال اللّه عزّ وجلّ : (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) يعني عافية في الدنيا (وإن أصابته فتنة) يعني بلاء في نفسه وماله] (انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) انقلب على شكّه إلى الشرك، (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ) قال : ينقلب مشركا، يدعو غير اللّه ويعبد غيره، فمنهم من يعرف ويدخل الإيمان قلبه فيؤمن ويصدّق، ويزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان، ومنهم من يثبت على شكه ومنهم من ينقلب إلى الشرك (2).

عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة مثله.

باب [ أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالاً]

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن ابن أذينة، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال : سمعت عليّاً صلوات اللّه عليه يقول - وأتاه رجل فقال له : ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً وأدنى ما يكون به العبد كافراً أو أدنى ما يكون به العبد ضالاً؟ فقال له : قد سألت فافهم الجواب - : أما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه اللّه تبارك وتعالى نفسه (3) فيقر له بالطاعة، ويعرّفه نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (4) فيقر له بالطاعة، ويعرفه إمامه (5) وحجّته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة قلت له : يا أمير المؤمنين وإن

ص: 394


1- أي أن هؤلاء - كما سبق وذكرنا - عبدوا اللّه على وجه واحد هو هنا عبادتهم له على السراء والضراء.
2- أي صنف من هؤلاء عندما تنزل به البلايا والمصائب ينتقل من شكه بنبوة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى الشرك باللّه، لا إنه يجمع بين الشرك باللّه والشك في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
3- وذلك إنما يكون بإظهار آيات قدرته ووحدانيته وعظمته وكماله في الآفاق والأنفس وبإرسال الأنبياء ونصب الحجج وإنزال الكتب.
4- وذلك إنما يتم بإظهار المعجز على يديه.
5- وإنما يتم ذلك إضافة إلى النصوص النبوية الثابتة قولاً وفعلاً وتقريراً، بإظهار الكرامات على يديه وغمره بالألطاف الإلهية ليكون أفضل أهل زمانه من جميع الجهات.

جهل جميع الأشياء إلّا ما وصفت؟ قال: نعم إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى (1).

وأدنى ما يكون به العبد كافراً من زعم أنَّ شيئاً نهى اللّه عنه أنَّ اللّه أمر به ونصبه ديناً يتولّى عليه ويزعم أنّه يعبد الّذي أمره به وإنّما يعبد الشيطان (2).

وأدنى ما يكون به العبد ضالاً، أن لا يعرف حجّة اللّه (3) تبارك وتعالى وشاهده على عباده الّذي أمر اللّه عزّ وجلّ بطاعته وفرض ولايته قلت يا أمير المؤمنين صفهم لي قال: الّذين قرنهم اللّه عزّ وجلّ بنفسه ونبيه فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (4) قلت : يا أمير المؤمنين جعلني اللّه فداك أوضح لي، فقال: الّذين قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في آخر خطبته يوم قبضه اللّه عزّ وجلّ إليه : إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فإنَّ اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض كهاتين - وجمع بين مستحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة والوسطى - فتسبق إحداهما الأخرى، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تَقَدَّمُوهُمْ فتضلّوا (5).

باب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ بني أمية أطلقوا (6) للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه (7).

ص: 395


1- ويدل هذا على أن الإقرار الّذي أشير إليه فيما تقدم من الحديث - لا يكفي وحده بل لا بد مع ذلك من العمل الّذي يتجسد في الانبعاث والانزجار ويؤيد هذا ما ورد عنهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أن الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.
2- لقد مر ما يفيد هذا المعنى في الحديث رقم (1) من باب الشرك وكان فيه : (من قال للحصاة أنّها نواة - أو بالعكس - ودان به...) أي اتخذه دينا.
3- أي لا يعرف أنّه هو حجة اللّه بعينه مع اعتقاده بوجوب وجود حجة اللّه على الخلق بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
4- النساء/ 59.
5- أي لا تتقدموا عليهم ولا تتجاوزوهم.
6- أي رخصوهم فيه.
7- أي أن الغاية من عدم ترخيص طغاة بني أمية النّاس في تعليم الشرك ومعرفة حدوده هي أنهم إذا دعوهم إلى إطاعتهم لم يعلموا أن ما يدعونهم إليه من الشرك، أو أن نفس إطاعتهم لهم شرك، فيأمنون مخالفتهم لهم ويضمنون بقاء سلطانهم.

باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله اللّه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن حسين بن نعيم الصحاف قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لم يكون الرجل عند اللّه مؤمناً قد ثبت له الإيمان عنده ثمّ ينقله اللّه (1) بعد من الإيمان إلى الكفر؟ قال: فقال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ هو العدل إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر ولا يدعو أحداً إلى الكفر به، فمن آمن باللّه ثمّ ثبت له الإيمان عند اللّه لم ينقله اللّه عزّ وجلّ [ بعد ذلك] من الإيمان إلى الكفر، قلت له : فيكون الرَّجل كافراً قد ثبت له الكفر عند اللّه ثمّ ينقله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان؟ قال : فقال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق النّاس كلهم على الفطرة الّتي فطرهم عليها، لا يعرفون إيماناً بشريعة ولا كفراً بجحود، ثمّ بعث اللّه الرُّسل تدعوا العباد إلى الإيمان به، فمنهم من هدى اللّه ومنهم من لم يهده اللّه (2).

باب المُعَارِينَ

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق خلقاً للإيمان(3) لا زوال له، وخلق خلقاً للكفر(4) لا زوال له، وخلق خلقاً بین ذلك واستودع بعضهم الإيمان، فإن يشأ أن يتمه لهم اتمه، وإن يشأ أن يسلبهم إياه سلبهم وكان فلان (5) منهم معاراً.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب

ص: 396


1- نسبته النقل إلى اللّه إما على نحو المجاز، أو على نحو الحقيقة في عقيدة السائل حيث كان يرى أنّه اللّه إنما يخلق الكفر والإيمان في الإنسان.
2- «والمعنى أنّه من هؤلاء النّاس من هداه اللّه عزّ وجلّ بالهدايات الخاصة لعدم إبطاله الفطرة الأصلية... واستماعه إلى نداء الحق... ومنهم من لم يهده اللّه لإبطاله فطرته وإعراضه عن سماع نداء الحق فيسلب عنه الرحمة واللطف والتوفيق وهو المراد من عدم هدايته له» مرآة المجلسي 237/11.
3- الظاهر أن اللام في كلتا اللفظتين للعاقبة أي خلق خلقاً عاقبتهم ستكون الإيمان أو الكفر.
4- الظاهر أن اللام في كلتا اللفظتين للعاقبة أي خلق خلقاً عاقبتهم ستكون الإيمان أو الكفر.
5- الظاهر أنّه محمّد بن مقلاص الأسدي الكوفي : أبو الخطاب بقرينه التصريح به في حديث آت، وربما كنى عنه هنا للتقية. ومقلاص : يكنى بأبي زينب ولذلك يقال لأبي الخطاب أحياناً : محمّد بن أبي زينب وكان أبو الخطاب هذا في بداية أمره على الحق ثمّ فسدت عقيدته فلعنه الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

والقاسم بن محمّد الجوهري، عن كليب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن العبد يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً، وقوم يعارون الإيمان ثمّ يسلبونه ويسمون المعارين، ثمّ قال : فلان منهم (1).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وغيره، عن عيسى شلقان قال : كنت قاعداً فمرَّ أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعه بهمة (2) قال : قلت يا غلام (3) ما ترى ما يصنع أبوك (4)؟ يأمرنا بالشيء ثمّ ينهانا عنه أمرنا أن نتولّى أبا الخطاب ثمّ أمرنا أن نلعنه ونتبرء منه؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام : إن اللّه خلق خلقاً للإيمان لا زوال له، وخلق خلقاً للكفر لا زوال له وخلق خلقاً بين ذلك أعاره الإيمان يسمون المعارين، إذا شاء سلبهم وكان أبو الخطاب ممّن أعير الإيمان قال : فدخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته ما قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وما قال لي فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّه نبعة نبوَّة (5).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن صلوات اللّه عليه قال : إن اللّه خلق النبيّين على النبوَّة فلا يكونون إلّا أنبياء، وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلّا مؤمنين، وأعار قوماً إيماناً، فإن شاء تممه لهم وإن شاء سلبهم إياه، قال : وفيهم جرت (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) (6). وقال لي : إن فلاناً كان مستودعاً إيمانه، فلمّا كذب علينا سلب إيمانه ذلك (7).

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن حبيب عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه جبل النبيّين على نبوتهم، فلا يرتدون أبداً، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبداً، وجبل بعض

ص: 397


1- راجع تعليقتنا على الحديث السابق.
2- جمع بهم، وهي صغار الغنم.
3- المقصود به الإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان صغير السن.
4- أي الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- أي عمله من ينبوع النبوَّة، أو هو غصن من شجرة النبوَّة والرسالة، مرآة المجلسي 246/11. والنبع - كما في القاموس - شجر للقسي والسهام ينبت في قلة الجبل.
6- الأنعام / 98 والآية هكذا (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) من نفس واحدة يعني آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والمستقر ما استقر في الأرحام، والمستودع حيث يموت. وقيل : المستودع : ما كان في أصلاب الرجال يفقهون يفهمون وبناء على تأويله (عَلَيهِ السَّلَامُ) أي منكم من هو ثابت الإيمان ومنكم من هو غير ثابته، ولذا ينتقل عنه إلى الكفر.
7- أي كذبه علينا كان سبيا في سلب إيمانه عنه.

المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبداً، ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدُّعاء مات على الإيمان (1).

باب في علامة المُعَار

1 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن المفضّل الجعفي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الحسرة (2) والندامة (3) والويل (4) كله لمن لم ينتفع بما أبصره (5)، ولم يدر ما الأمر الّذي هو عليه مقيم أنفع له أم ضرٍّ، قلت له : فيم يُعرف الناجي (6) من هؤلاء جعلت فداك ؟ قال : من كان فعله لقوله موافقاً (7) فأثبت له الشهادة بالنجاة ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مستودع (8).

باب سهو القلب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عنمان، عن سماعة، عن أبي بصير وغيره قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ القلب (9) ليكون الساعة من الليل والنهار ما فيه كفر ولا إيمان (10) كالثوب الخَلِق (11)، قال : ثمّ قال لي : أما تجد ذلك من نفسك (12)؟ قال :

ص: 398


1- «هذا تنبيه للغافلين على دوام الذكر وطلب حسن الخاتمة، ومنه خوف أكثر الخائفين حيث علموا صفات القلب وغفلته وتنقله ولم يعلموا أن عاقبة أمرهم هي الاستقرار على الإيمان أو الكفر مع إمكان الموت في ساعة الغفلة وإغواء الشيطان... وفيه دلالة على إن الإتمام والسلب مسببان من فعل الإنسان لأنه يصير بذلك محلاً للتوفيق والخذلان..» المازندراني 10 / 124.
2- الحسرة : التلهف على قوات أمر مرغوب فيه.
3- الندامة : الحزن لما أصابه من مكروه.
4- الويل : العذاب. وقيل : بأنه اسم واد في جهنم.
5- أي أعرض عما نصب له من آيات وعلائم وحجج وبينات وما وضع له من أحكام عرضها ولم يعتن بالعمل بمقتضاها.
6- أي من عقوبات الآخرة.
7- أي يأمر بالمعروف ويأتمر به رينتهي عن المنكر وينهى عنه.
8- أي هو من مُعَاري الإيمان، وقد ينتقل عنه.
9- والمراد بها ساعة الغفلة عن الحق وعن الباطل.
10- أي النفس الناطقة.
11- «تشبيه القلب بالثوب الخلق فى الكثافة والرثائة أو في أنّه ليس باطلاً ولا كاملاً في الجملة تشبيه معقول بمحسوس لقصد التقبيح والتنفير» المازندراني 125/10.
12- الاستفهام تقريري.

ثم تكون النكتة (1) من اللّه من القلب بما شاء من كفر وإيمان.

عدَّةٌ من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أبي أبي عمير مثله.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يكون القلب ما فيه من إيمان ولا كفر شبه المضغة (2) أما يجد أحدكم ذلك.

3 - محمّد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ عن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة (3) على الإيمان (4) فإذا أراد استثارة ما فيها (5) نضحها (6) بالحكمة وزرعها بالعلم وزارعُها والقيم عليها رب العالمين.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن محمّد بن سنان عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن القلب ليرجج (7) فيما بين الصدر والحنجرة حتّى يعقد على الإيمان (8)، فإذا عقد على الإيمان قر، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (9).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة (10)، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ القلب ليتجلجل (11) في الجوف

ص: 399


1- النكتة: النقطة وهى كناية عن موت القلب إذا كانت للكفر وحياته إن كانت للإيمان والمقصود بمشيئته سبحانه للكفر والإيمان منح القدرة للعبد عليها والاختيار بينهما، فإن آمن فبحسن اختياره وإن كفر فبسوء اختياره.
2- المضغة : مقدار ما يمضغ من قطعة اللحم.
3- «خلق قلوبهم مطوية على سبيل التشبيه بما يقبل الطي كالثياب والكتاب، والمراد بالمبهمة المغلقة والمقفلة على سبيل التشبيه بالبيت فلا يعلم ما فيها إلّا هو... أو الخالصة الصحيحة الّتي ليس فيها شيء من العاهات والأمراض».
4- أي كائنة على الإيمان.
5- أي تهيجها. وفي بعض النسخ (استشارة) أي استخراج ما فيها من شار العسل شوراً، وأشاره واستشارة إذا استخرجه من القفير.
6- أي رشها.
7- الرّج : التحريك الشديد والاضطراب وذلك طلباً للحق.
8- أي اعتقد واستقر عليه.
9- التغابن / 11.
10- واسمه المفضّل بن صالح.
11- التجلجل - كما في القاموس - التحرك والتضعضع.

يطلب الحق، فإذا أصابه اطمأن وقر، ثمّ تلا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه الآية : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ - إلى قوله - كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (1).

6- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إن القلب يكون في الساعة من الليل والنهار ليس فيه إيمان ولا كفر، أما تجد ذلك، ثمّ تكون بعد ذلك نكتة من اللّه في قلب عبده بما شاء، إن شاء بإيمان وإن شاء بكفر.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن القاسم، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه خلق قلوب المؤمنين مبهمة على الإيمان، فإذا أراد استثارة ما فيها فتحها بالحكمة، وزرعها بالعلم وزارعها والقيم عليها ربُّ العالمين.

باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللسان، ونور قلب المؤمن وإن قصر لسانه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن فضال، عن عليّ بن عقبة، عن عمرو، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لنا ذات يوم : تجد الرجل لا يخطىء بلام ولا واو خطيباً مِصْقَعاً (2) ولقلبه (3) أشدُّ ظلمة من الليل المظلم (4)، وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه، بلسانه وقلبه يُزْهِر كما يزهر المصباح (5).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن المفضّل، عن سعد (6)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ القلوب أربعة(7): قلب فيه نفاق

ص: 400


1- الأنعام / 125.
2- المِصْفَع: (وقد يلفظ بالسين) : البليغ أو الجهوري الصوت أو من لا يتمتع في كلامه ولا يتردد.
3- أي نفسه الإنسانية الناطقة.
4- وذلك لانغماسها في الشهوات الحيوانية، والأهواء الهابطة وغربتها عن عالم الملكوت المنير بصفاء الإيمان.
5- وذلك لأن نفسه الناطقة قد استضاءت بأنوار الحكمة الإيمانية، فارتفعت عن مهابط الحيوانية ومواضع الشهوات والغرائز وتسامت في مراتب الإنسانية مستلهمة أنوار الحكمة الإيمانية.
6- هو سعد بن طريف بقرينة رواية المفضل بن صالح عنه وهذا يكنى بأبي جميلة.
7- «وجه الحصر، إن القلب إما متصف بالإيمان أو لا، الأوّل إما متصف بالإيمان بجميع ما جاء به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو ببعضه دون بعض الأوّل قلب المؤمن، والثاني قلب فيه إيمان ونفاق، والثاني إما أن يصرح بالإيمان ظاهراً أو لا، الأوّل قلب المنافق والثاني قلب المشرك». المازندراني 130/10.

وإيمان، وقلب منكوس، وقلب مطبوع، وقلب أزهر أجرد (1) - فقلت : ما الأزهر؟ قال: فيه كهيئة السراج - فأما المطبوع فقلب المنافق، وأما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه شَكَرَ وإن ابتلاه صَبَرَ، وأما المنكوس فقلب المشرك، ثمّ قرأ هذه الآية : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (2). فأما القلب الّذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك أحدَهُم أجلُه على نفاقه هَلَكَ وإن أدركه على إيمانه نجا.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال القلوب ثلاثة (3) : قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير، وهو قلب الكافر؛ وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه يعتلجان (4) فأيهما كانت منه غلب عليه ؛ وقلب مفتوح (5) فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن.

باب في تنقل أحوال القلب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدَّةً من أصحابنا عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن محمّد بن النعمان الأحول، عن سلام بن المستنير قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل عليه حمران بن أعين وسأله عن أشياء، فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرك - أطال اللّه بقاءك لنا وأمتعنا بك - أنا نأتيك فما نخرج من عندك حتّى ترقّ قلوبنا وتسلوا أنفسنا عن الدُّنيا (6) ويهون علينا ما في أيدي النّاس من هذه الأموال، ثمّ نخرج من عندك فإذا صرنا مع النّاس والتجار أحببنا الدُّنيا (7)؟ قال : فقال أبو

ص: 401


1- «أريد بالأجرد الصافي عن الكدر، أعني ما يقابل المطبوع فإن الطبع الرَّين» الوافي للفيض ج 51/3.
2- المُلك 22. و (مكباً) أي منقلباً لا يرى ما بين يديه ولا ما عن يمينه ولا ما عن شماله.
3- «هذا لا ينافي ما مر من أن القلوب أربعة، لأن قوله : (وقلب فيه نكتة سوداء يشمل القسمين منها وهما قلب فيه نفاق وإيمان وقلب المنافق الّذي لم يؤمن بحسب الباطن أصلا» المازندراني 131/10.
4- أي يصطرعان ويقتتلان.
5- هذا مقابل القلب المنغلق المختوم عليه وهو قلب المنافق، وانفتاحه عبارة عن قابليته لتلقي المعارف وحقائق الإيمان وتأثره بها، وبقاء أثرها بعد الموت في عالم البرزخ إلى يوم الدين.
6- أي ننساها. يقال : سلاه وسلا عنه.
7- «هذا إنكار منه على نفسه لما وجد منها في خلوتها خلاف ما يظهر منه بحضرته (عَلَيهِ السَّلَامُ) خوف أن يكون ذلك من أنواع النفاق وأراد من نفسه أن يكون دائماً على تلك الحالة الّتي يجدها عند موعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ)... الخ» المازندراني 132/10.

جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما هي القلوب مرة تصعب ومرَّة تسهل (1).

ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما إنَّ أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قالوا : يا رسول اللّه نخاف علينا النّفاق، قال : فقال : ولم تخافون ذلك؟ قالوا : إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلْنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتّى كأنّا نعاين الآخرة والجنّة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحوّل عن الحال الّتي كنا عليها عندك وحتى كأنا لم نكن على شيء ؟ أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «كلا إنَّ هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدُّنيا، واللّه لو تدومون على الحالة الّتي وصفتم أنفسكم بها الصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه لخلق اللّه خلقاً حتّى يذنبوا، ثمّ يستغفروا اللّه فيغفر [ اللّه ] لهم، إنَّ المؤمن مفتن توَّاب (2)»، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (3) وقال : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) (4).

باب الوَسْوَسَة وحديث النفس

1 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن حمران قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الوسوسة (5) وإن كَثُرَتْ، فقال : لا شيء فيها، تقول : لا إله إلّا اللّه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : إنّه يقع في قلبي أمرٌ عظيم فقال: قل: لا إله إلّا اللّه، قال جميل : فكلما وقع في قلبي شيء قلت : لا إله إلّا اللّه فيذهب عنّي (6).

ص: 402


1- أي ليست القلوب على حالة واحدة دائماً، فمرة تنقاد لسلطان العقل وأخرى تتمرد عليه وتنقاد لسلطان الشهوة، مرة تقبل ومرة تُدبر، ولذا سميت القلوب بهذا الاسم لتقلب أحوالها.
2- المفتن : الممتحن والمقصود منه هنا الممتحن بالذنوب والتواب، كثير التوبة.
3- البقرة/ 222.
4- هود.
5- الظاهر أن المراد بالوسوسة هنا حديث النفس حول شؤون المبدا والمعاد أي الوسوسة في التفكر في الخلق. أو أزاد حديث النفس بالمعاصي كالزنا وغيره وإنما لا يكون شيء في الوسوسة هذه ما لم ينطق بها أو يفصح عنها لأنها تكون مشمولة لحديث الرفع وقد ورد فيه «والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينبس بشفة».
6- هذا إخبار من جميل بن درّاج عن أنّه قد جرب ما وجهه إليه الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في تلك الحال فكان نافعاً.

3 - ابن أبي عمير، عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه هَلكت (1)، فقال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتاك الخبيث. فقال لك : مَن خَلَقَك؟ فقلت : اللّه، فقال لك : اللّه من خَلَقَه ؟ فقال : إي والّذي بعثك بالحقّ لكان كذا، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ذاك واللّه محض الإيمان» (2).

قال ابن أبي عمير : فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال : حدّثني أبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إنما عنى بقوله «هذا واللّه محض الإيمان» خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه

4 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، - جميعاً عن عليّ بن مهزيار قال : كتب رجل إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشكو إليه لمما(3) يخطر على باله، فأجابه في بعض كلامه : إن اللّه عزّ وجلّ إن شاء ثبتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً، قد شكى قوم إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمماً يعرض لهم لأن تهوي بهم الريح أو يقطعوا أحبُّ إليهم من أن يتكلموا به (4)، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أتجدون ذلك (5)»؟ قالوا: نعم، فقال: «والّذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا آمنا باللّه ورسوله ولا حول ولا قوة إلّا باللّه».

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن محمّد، عن - محمّد بن بكر بن جناح، عن زكريا بن محمّد، عن أبي اليسع داود الأبزاري، عن حمران، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن رجلا أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه إنني نافقتُ، فقال: واللّه ما نافقت، ولو نافقت ما أتيتني تعلمني ما الّذي رابك (6)؟ أظنُّ العدو الحاضر (7) أتاك فقال لك : مَن خلقك، فقلت : اللّه خلقني، فقال لك : من خلق اللّه ؟ قال : إي والّذي بعثك بالحقّ لكان كذا، فقال : إنَّ الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم (8)، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم اللّه وحده.

ص: 403


1- إنما قال السائل هلكت «لظنه أنّه مكلف بالتحفظ من الخطرات ودفعها شاق عليه»، المازندراني 139/10.
2- إنما كانت هذه الخطرات وما استتبعها من خوف الهلاك محض الإيمان لأن الكافر لا يداخله شيء من هذا الخوف بسبب ذلك بل لا يداخله خوف حتّى من محاربته اللّه ولرسوله. فكان ذلك الخوف إمارة على صدق إيمانه.
3- اللَّمَم : - كما في القاموس - الجنون، وصغار الذنوب.
4- هو عبارة عن إظهاره.
5- أي الهوي والتقطيع أحب إليهم من إظهار ذلك اللمم.
6- أي شككك وأوقعك في الريب.
7- المقصود به الشيطان، كما يصرح بذلك بَعْدُ.
8- أي يدعوكم إلى الزلة وهي المعصية والذنب.

باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي الأحمسي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : واللّه ما ينجو من الذَّنب إلّا من أقرَّ به (1).

قال : وقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): كفى بالندم توبة (2).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا واللّه ما أراد اللّه تعالى من النّاس إلّا خصلتين : أن يقرُّوا له بالنعم فيزيدهم(3)، وبالذنوب فيغفرها لهم (4).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر [و] بن عثمان، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إِنَّ الرَّجل ليذنب الذَّنب فيدخله اللّه به الجنّة، قلت: يدخله اللّه بالذَّنب الجنّة؟ قال : نعم إنه ليذنب فلا يزال منه خائفاً ماقتاً لنفسه فيرحمه اللّه فيدخله الجنّة(5).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان، عن معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنه واللّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار (6) وما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار.

5 - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن عمران بن الحجاج السبيعي [عن محمّد بن وليد]، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : من أذنب ذنباً فعلم أنَّ اللّه مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، غفر له وإن لم يستغفر (7).

ص: 404


1- أي اعترف بأنه ذنب، أما إذا اقترفه مستحلاً فهو كافر ونجاته منه عند الإقرار به نجاة من العقوبة.
2- دل على أن العزم على ترك العود إلى المعصية ليس شرطاً في التوبة، إلّا أن يقال بأن الندم يستبطن العزم على الترك.
3- وذلك لأن معرفة أن النعمة من اللّه سبحانه وأنه متفضّل بها على عبده، هي شكر لها وبالشكر تزيد وتدوم.
4- لأن الإقرار بها ندم وهو توبة وهي توجب غفرانها.
5- «دل على أن دوام الخوف والمقت بمعنى تحققهما كلما خطر الذنب بباله سبب للرحمة لأنه بالخوف اعترف بعظمة الرب وقبح مخالفته وبالمقت اعترف بذنبه وتقصيره وكل واحد سبب تام للرحمة» المازندراني 141/10 - كما دل الحديث على أن «الذنب الّذي يوجب الخضوع والتذلل خير من الطاعة الّتي توجب العُجب والتدلل» مرآة المجلسي 11 / 284.
6- الإصرار، المواظبة على الفعل إما حقيقة أو حكماً.
7- «لعل الوجه أن ذلك إقرار بالذنب وبأنه معصية للخالق العالم المطلع القادر واعتراف بالعجز والتقصير وكل ذلك سبب للمغفرة كالتوبة والندامة وترك الذنوب إلّا أن هذا السبب أعظم من الأوّل» المازندراني 142/10.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم، عن عنبسة العابد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه يحبُّ العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم (1) ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير (2).

7 - محمّد بن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد محمّد بن عيسى عن إسماعيل بن سهل، عن حماد، عن ربعي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : إن الندم على الشر يدعو إلى تركه (3).

8 - محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسين الدقاق، عن عبد اللّه بن محمّد عن أحمد بن عمر، عن زيد القتات عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من عبد أذنب ذنباً فندم عليه إلّا غفر اللّه له قبل أن يستغفر (4)، وما من عبد أنعم اللّه عليه نعمة فعرف أنّها من عند اللّه إلّا غفر اللّه له قبل أن يحمده (5).

باب ستر الذنوب

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن العباس مولى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6) قال : سمعته (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المستتر بالحسنة يعدل (7) سبعين حسنة: والمذيع (8) بالسيئة مخذول (9)، والمستتر بالسيئة مغفور له.

ص: 405


1- «يتحقق هذا الطلب بدوام الحسرة والتضرع ومنشاؤه العلم بقيح المعصية والمخالفة وثمرته تنور القلب ومحبة الرب» ن. م.
2- وذلك باستصغار ذنبه وإصراره على فعله حقيقة أو حكماً، فهذا يستبطن الاستخفاف باللّه سبحانه ومحادته وهو ممّا يوجب مقته سبحانه ولعنته.
3- «وذلك لما تقدم من أن الندامة توبة والتوبة تدعو إلى ترك الذنوب، أو إن الندم يستبطىء العزم على ترك الذنب كلية.
4- لأن الندامة فعل القلب والاستغفار فعل اللسان والأوّل أشرف ولذا له تأثير بدون الثاني ولا تأثير للثاني بدونه» المازندراني 143/10.
5- وذلك لأن معرفته أنّها من عند اللّه نوع من الشكر القلبي والشكر من العبادات المندوب إليها فهي حسنة والحسنة تمحو السيئة وتذهبها.
6- هو العباس بن هشام الناشري الأسدي العربي، كنيته أبو الفضل. ثقة جليل في أصحابنا، كثير الرواية كسر اسمه فقيل عبيس له كتب الخ مات رحمه اللّه سنة عشرين ومائتين أو قبلها بسنة فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 249/9 و ص / 252.
7- أي ثواب استتاره بالحسنة يساوي ثواب سبعين حسنة في العلن.
8- أي المشيع الناشر لها.
9- لأنه بفعله ذاك يكشف عن استخفافه بالدين والشريعة وهتكه لحرمتها، فيكون سبباً لسلب اللّه سبحانه ألطافه عنه وتركه لنفسه وفساد طينته فتكون النتيجة خذلانه في الدنيا والآخرة.

2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن صندل، عن ياسر عن اليسع بن حمزة، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها (1) مغفور له».

باب من يهم بالحسنة أو السيئة

باب من يهم(2) بالحسنة أو السيئة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة وعملها كتبت له بها عشراً، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه [سيئة ] ومن همَّ بها وعملها كتبت عليه سيئة.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن المؤمن ليهمُّ بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة، وإن هو عملها كتبت له عشر حسنات، وإن المؤمن ليهم بالسيِّئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه.

3 - عنه، عن عليّ بن حفص العوسي، عن عليّ بن النسّائح، عن عبد اللّه بن موسى بن جعفر، عن أبيه قال: سألته عن المَلَكَين (3) هل يعلمان بالذَّنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة ؟ فقال : ريح الكنيف وريح الطيب سواء (4)؟ قلت: لا. قال: إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم (5) فإنه قد هم بالحسنة، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فاثبتها له. وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قف فإنه قد همَّ بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه (6).

ص: 406


1- أي بالسيئة بشرط أن يكون استتاره بها حياءً من اللّه ومعرفة بقبح معصيته لا نفاقاً.
2- هم : أراد الشيء وقصده وعزم عليه ولم يفعله. ويظهر من الحديث أن عدم فعل السيئة بعد الهم بها موجب لعدم كتابتها عليه أعم من أن يكون خوفا من اللّه أو من النّاس.
3- يعني الموكلين بكتابة حسنات العبد وسيئاته.
4- هذا وارد عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صورة سؤال تقريري.
5- كناية عن عدم اختصاص الملك صاحب الشمال بما سيصدر عن مريد الحسنة، وفي بعض النسخ (قف).
6- «إنما جعل الريق واللسان آلة لإثبات الحسنة أو السيئة لأن بناء الأعمال إنما هو على ما عقد في القلب من التكلم بها وإليه الإشارة بقوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وهذا الريق واللسان الظاهر صورة لذلك المعنى...» الوافي للفيض ج 170/3.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن فضل ابن عثمان المرادي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أربع (1) من كنَّ فيه لم يهلك على اللّه بعدهنَّ إلّا هالك (2) يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب اللّه له حسنة بحسن نيته، وإن هو عملها كتب اللّه له عشراً ؛ ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هو عملها أجل سبع ساعات وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (3). أو الاستغفار (4)، فإن هو قال (5) : أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذوالجلال والإكرام وأتوب إليه، لم يكتب عليه شيء، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب (6) على الشقي المحروم.

باب التوبة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا تاب العبد توبة نصوحاً (7) أحبّه اللّه فستر عليه في الدُّنيا والآخرة، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال : ينسي مَلَكَيْهِ ما كتبا عليه من الذُّنوب، ويوحي إلى جوارحه : اكتمی علیه ذنوبه ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمى ما كان

ص: 407


1- أي خصال.
2- أي أن من لم تكن فيه هذه الخصال كتبت عليه العقوبة وخسر خسراناً مبيناً، ووجه تعدية الهلاك بعلى في قوله (على اللّه) «إما بتضمين معنى الورود، أي لم يهلك حين وروده على اللّه أو معنى الاجتراء، أي مجترنا على اللّه، أو معنى العلو والرفعة كأن من يعصيه تعالى يترفع عليه ويخاصمه، ويحتمل أن يكون على بمعنى (في) أي في معرفته وأوامره ونواهيه الخ...» مرآة المجلسي 294/11
3- هود / 114.
4- أي أو أن يتبعها بالاستغفار.
5- هذا بيان لأفضل الأفراد وإلا فالاستغفار لا ينحصر بهذه الصيغة.
6- أي سجل عليه سيئة واحدة.
7- التوبة النصوح : - كما في النهاية - هي الخالصة الّتي لا يعاود بعدها الذنب، وإنما سميت التوبة نصوحاً - وهي على وزن فعول من أبنية المبالغة - لأن الإنسان من خلالها قد بالغ في نصح نفسه بها.

يعمل عليك من الذُّنوب(1)، فيلقى اللّه حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذُّنوب.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) (2) قال : الموعظة التوبة (3).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) (4) قال : يتوب العبد من الذُّنب ثمّ لا يعود فيه (5).

قال محمّد بن الفضيل : سألت عنها أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يتوب من الذَّنب ثمّ لا يعود فيه، وأحب العباد إلى اللّه تعالى المفتنون التوابون.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) قال : هو الذَّنب الّذي لا يعود فيه أبداً، قلت: وأينا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمّد إنَّ اللّه يحبُّ من عباده المفتن التواب (6).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رفعه قال : إن اللّه عزّ وجلّ أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها قوله عزّ وجلّ: (إنَّ اللّه يحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهرين) (7). فمن أحبه اللّه لم يعذبه؛ وقوله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ

ص: 408


1- «المراد بكتمان الجوارح وبقاع الأرض ذنوبه إما نسيانهما كما في الملكين أو عدم الشهادة بها والأوّل أظهر» المازندراني 10 / 150.
2- البقرة/ 275.
3- أي أن التوبة تكون من الآثار المترتبة على الموعظة الّتي تؤثر في نفس الإنسان وتصلحها.
4- التحريم / 8.
5- هذا هو تفسير التوبة النصوح وقد ألمحنا إليه سابقاً.
6- مر منا توضيح (المفتّن التوّاب) في باب تنقل أحوال القلب عند تعليقنا على الحديث رقم (1) فراجع.
7- البقرة/ 222.

إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (1). وقوله عزّ وجلّ : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (2).

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنّها ليست إلّا لأهل الإيمان. قلت: فإن عاد (3) بعد التوبة والاستغفار من الذُّنوب وعاد في التوبة؟! فقال: يا محمّد بن مسلم، أترى (4) العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثمّ لا يقبل اللّه توبته؟ قلت : فإنّه فعل ذلك مراراً، يذنب ثمّ يتوب ويستغفر [اللّه]، فقال : كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد اللّه عليه بالمغفرة وإن اللّه غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة اللّه (5).

7 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (6) قال : هو العبد يهمُ بالذَّنب ثمّ يتذكّر فيمسك فذلك قوله: (تذكروا فإذا هم مبصرون)

ص: 409


1- المؤمن / 7 - 9.
2- الفرقان / 68 - 70. ونفهم من مجموع الآيات الثلاث أن كلّ آية استبطنت خصلة من الخصال الّتي منحها اللّه بلطفه للتائبين: الأولى : محبته سبحانه لهم الثانية: استغفار الملائكة ودعاؤهم لهم ولمن صلح من ذرياتهم بدخول الجنّة ووقايتهم لعقوبات السيئات الّتي كانوا قد ارتكبوا الثالثة : وعده سبحانه لهم بالأمن من أهوال يوم القيامة وكرباته فلا يفزعون حين يفزع النّاس.
3- أي رجع إلى مقارفة المعصية بعد توبته واستغفاره منها أولاً.
4- الاستفهام إنكاري.
5- «لما استبعد السائل قبول التوبة بعد نقضها مراراً حذره (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تقنيط المؤمن من الرحمة الواسعة والقول بأنك فعلت ما لا يغفر اللّه لك بعده (فهذا التقنيط) حرام وحكم على اللّه سبحانه وحجر عليه وجهل بأحكام الربوبية وإدلال بأن له عند اللّه تعالى منزلة لا لذلك المذنب، ولذا قال العلماء : ينبغي أن يكون واعظ النّاس متوسطاً بين الترغيب والترهيب، ولو زاد الترهيب لا على حد يوجب القنوط جاز باعتبار أن أكثر النفوس إلى الفساد أميل فزجرها بزيادة الترهيب أفضل» المازندراني 153/10 بتصرف بسيط.
6- الأعراف/ 201. و (مسَّهم طائف) أي ألمّ بهم لمّة من الشيطان، وطائف : اسم فاعل من طاف يطيف، كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم يقدر أن يؤثر فيهم.

8 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلَّ راحلته وزاده (1) في ليلة ظلماء فوجدها، فاللّه أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل (2) براحلته حين وجدها.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد اللّه بن عثمان، عن أبي جميلة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه يحب العبد المفتن التواب ومن لم يكن ذلك منه كان أفضل (3).

10 - عنه عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان عن محمّد بن سنان، عن يوسف [بن] أبي يعقوب بياع الأرز، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : التائب من الذنب كمن لا ذنب له (4) والمقيم على الذَّنب (5) وهو مستغفر منه كالمستهزىء (6).

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن انت عبدي دانيال (7) فقل له : إنّك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فأتاه داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا دانيال إنني رسول اللّه إليك وهو يقول لك : إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فقال له دانيال : قد أبلغت يا نبي اللّه، فلمّا كان في السَّحر قام دانيال فناجى ربّه فقال : يا ربّ إنَّ داود نبيك أخبرني عنك أنني قد عصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي، وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر

ص: 410


1- أي ما يتزود به من طعام وشراب وفي بعض النسخ (ومزاده).
2- أي من فرح ذلك الرجل، والفرح هنا كناية عن الرضا والقبول منه سبحانه لعبده المنيب التائب إليه ممّا اجترح.
3- يدل الحديث على أن ترك الذنب رأساً خير من التوبة منه، كما أن التارك أفضل من التائب.
4- التشبيه هنا بلحاظ عدم العقوبة لا بلحاظ الدرجة عند اللّه.
5- أي المصرّ عليه سواء كان من نوع واحد أو أنواع متعددة.
6- «أي بنفسه أو بشرايع الدين أو برب العالمين أي شبيه به لأنه يظهر الندم وليس بنادم حقيقة... ويظهر الخوف وليس كذلك، ولو كان مستهزئاً حقيقة لكان كافراً باللّه العظيم» مرآة المجلسي 305/11.
7- ليس معلوماً أن المقصود بدانيال في هذا الحديث هو دانيال النبي، بل من المحتمل أنّه أحد عباد أو علماء عصر داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) لذلك لا داعي لتأويل المعصية بأنها فعل خلاف الأولى لتستقيم مع القول بعصمة الأنبياء عندنا كما فعله المجلسي (رَحمهُ اللّه) في مرآته 395/11 والّذي يؤيد ما قلناه ما ورد في ذيل الحديث نفسه على لسان دانيال هذا «فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينك».

لي، فوعزَّتك لئن لم تعصمني لأعصينك، ثمّ لأعصينك ثمّ لأعصينّك.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن موسى بن القاسم، عن جدّه الحسن بن راشد عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبه اللّه فستر عليه فقلت : وكيف يستر عليه ؟ قال : يُنسي ملكيه ما كان يكتبان عليه، ويوحي [اللّه] إلى جوارحه وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه، فليقى اللّه عزّ وجلّ حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب (1).

13 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها(2).

باب الاستغفار من الذنب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ العبد إذا أذنب ذنباً أجّل من غدوة إلى الليل (3) فإن استغفر (4) اللّه لم يكتب عليه.

2 - عنه، عن أبيه عن ابن أبي عمير ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من عمل سيئة أجّل فيها سبع ساعات(5) من النهار فإن قال : أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو الحي القيوم. - ثلاث مرّات - لم تكتب عليه.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وأبو علي الأشعري، ومحمّد بن يحيى، جميعاً، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار عن فضالة بن أيّوب، عن عبد الصمد بن بشير، عن

ص: 411


1- قد مر متن هذا الحديث باختلاف بسيط تحت رقم (1) من هذا الباب وعلقنا عليه فراجع.
2- قد مر كسابقه تحت رقم (8) من هذا الباب.
3- «هذا إذا أذنب غدوة واجل هذا المقدار من الزمان إن أذنب في غيرها» المازندراني 156/10. والظاهر أنّه لا فرق في الذنب بين أن يكون من الكبائر أو الصغائر إذا لم يتعلق بحقوق النّاس.
4- الاستغفار: طلب المغفرة والستر لئلا يطلع على ذنبه أحد من الخلق.
5- هذا التحديد بسبع ساعات لا يتنافى مع ما ورد في الحديث السابق من تأجيله من الغدوة إلى الليل، لأن التأجيل من حيث الزمان يختلف باختلاف الذنوب وتوعية المذنبين.

أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : العبد المؤمن إذا أذنب ذنباً أجله اللّه سبع ساعات، فإن استغفر اللّه لم يكتب عليه شيءٌ، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كُتبَتْ عليه سيئة، وإِنَّ المؤمن لَيَذْكُرُ ذنبه بعد عشرين سنة حتّى (1) يستغفر ربه فيغفر له، وإنّ الكافر لينساه من ساعته.

4 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يتوب إلى اللّه عزّ وجلّ في كلّ يوم سبعين مرَّة (2)، فقلت : أكان يقول : أستغفر اللّه وأتوب إليه ؟ قال : لا ولكن كان يقول : أتوب إلى اللّه (3) قلت إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود فقال : اللّه المستعان.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النّهار، فإن قال : أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو الحي القيوم وأتوب إليه - ثلاث مرات - لم تكتب عليه.(4).

6 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال عن عليّ بن عقبة بياع الأكسية عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ المؤمن ليذنب الذَّنب فيذكر بعد عشرين سنة فيستغفر اللّه منه فيغفر له، وإنما يذكره ليغفر له، وإنَّ الكافر ليذنب الذنب فينساه من ساعته

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من مؤمن يقارف (5) في يومه وليلته أربعين كبيرة، فيقول وهو نادم : أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو الحي القيوم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام وأسأله أن يصلّى على محمّد وآل محمّد وأن يتوب عليَّ. إلّا غفرها اللّه عزّ

ص: 412


1- هذا التعبير يشعر بأن تذكر المؤمن لذنبه بعد هذه المدة المتطاولة إنما هو لطف من اللّه به لكي يستغفر ربه منه. والّذي يؤيد هذا نسيان الكافر لذنبه من ساعته وما ذلك إلّا لسلب ذلك اللطف الإلهي منه. بل سوف يأتي ما يؤكد ذلك في الحديث رقم (6) من هذا الباب.
2- فيه ترغيب في التوبة، لأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا تاب مع علو رفعته وكمال عصمته بهذا العدد في كلّ يوم كان الأولى بحال غيره أن لا يترك التوبة في شيء من الأوقات» المازندراني 157/10.
3- أي مع الاستغفار أو بدونه، ولكن ليس بالصيغة الّتي طرحها السائل، وإنما بوجه آخر. وفعله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للاستغفار والتوبة مع عصمته باعتبار أنهما من العبادات المندوب إليها والمحبوبة بذاتها للّه سبحانه ولذا ليس مأخوذاً فيهما الوقوع في المعصية.
4- ذلك مشروط بعدم إقامته على المعصية وإلا اعتبر مستهزئاً كما مر.
5- أي يواقع، وفي بعض النسخ (يقارب).

وجلَّ له، ولا خير فيمن يقارف في يوم أكثر من أربعين كبيرة (1).

8 - عنه، عن عدَّة من أصحابنا، رفعوه قالوا : قال لكلّ شيء داوء ودواء الذُّنوب : الاستغفار (2).

9 - أبو علي الأشعري ؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن الحسين بن إسحاق؛ وعلي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن عليّ بن مهزيار، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان عن حفص (3) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من مؤمن يذنب ذنباً إلّا أجّله اللّه عزّ وجلّ سبع ساعات من النّهار، فإن هو تاب لم يكتب عليه شيء، وإن هو لم يفعل كتب [اللّه] عليه سيّئة. فأتاه عبّاد البصري فقال له : بلغنا أنّك قلت: ما من عبد يذنب ذنباً إلّا أجّله اللّه عزّ وجلّ سبع ساعات من النّهار؟ فقال : ليس هكذا قلت ولكني قلت: ما من مؤمن وكذلك كان قولى (4).

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من قال: «أستغفر اللّه» مائة مرة في [كلّ] يوم غفر اللّه عزّ وجلّ له سبعمائة ذنب، ولا خير (5) في عبد يذنب في [كلّ] يوم سبعمائة ذنب.

باب فيما أعطى اللّه عزّ وجلّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقت التوبة

باب فيما أعطى اللّه عزّ وجلّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقت التوبة(6)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه أو عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يا ربّ سلّطت عليَّ (7) الشيطان

ص: 413


1- «فيه دلالة على أن المغفرة بالقول المذكور لا تتعلق بالزائد عن الأربعين ولعل السر فيه أن من زاد عليه لعدم مبالاته بالدين خارج عن الإيمان مع احتمال أن يكون هذا الكلام في مقام الوعيد للمبالغة في الزجر» المازندراني 10 / 158.
2- عندما شبه الاستغفار بالدواء فقد شبه الذنوب بالأمراض المهلكة من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.
3- الظاهر أن المراد به حفص الأعور لأن هذا أحد شخصين يروي بواسطتها عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والأخر هو عمر بن يزيد.
4- دل على أن التأجيل مختص بالمؤمن، لأن الكافر ميؤوس من تذكره المعصية.
5- إخبار بشدة عقوبته وسوء حاله وخاتمته إذ قد لا يوفق من له هذه الذنوب الكثيرة للاستغفار والتوبة لكمال غفلته ووغوله في المعاضي ومخالفته المازندراني 159/10.
6- المراد بوقت التوبة إما سعة زمانها فيما إذا كانت (ما) مصدرية، أو تكون (ما) وصلية فيكون ظرفاً، أي أن هذا هو الّذي منحه اللّه لآدم (أو ذريته) في وقت توبتهم.
7- أي على ذريتي.

وأجريته مني مجرى الدَّم (1) فاجعل لي شيئاً(2)، فقال : يا آدم جعلت لك أنَّ من هم من ذرّيّتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً، قال : يا رب زدني، قال : جعلت لك أنَّ من عمل منهم سيِّئة ثمّ استغفر له غفرت له، قال : يا رب زدني، قال : جعلت لهم التوبة - أو قال(3) : بسطت لهم التوبة حتّى تبلغ النَّفْسُ هذه (4)، قال : يا ربّ حسبي (5).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من تاب قبل موته بسنة قبل اللّه توبته»، ثمّ قال: «إن السنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر قبل اللّه توبته ثمّ قال إن الشهر لكثير من تاب قبل موته بجمعة قبل اللّه توبته»، ثمّ قال: «إنَّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل اللّه توبته»، ثمّ قال: «إنَّ يوماً لكثير، من تاب قبل أن يعاين (6) قبل اللّه توبته».

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا بلغت النفس هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - لم يكن للعالم توبة (7) وكانت للجاهل توبة» (8).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان عن معاوية بن وهب قال : خرجنا إلى مكة ومعنا شيخ متألّه متعبد لا يعرف هذا الأمر (9) يتم الصلاة

ص: 414


1- كناية عن تسلّطه عليهم وتمكنه منهم إلّا من أخلصه اللّه تعالى.
2- أي زودني من لطفك بما أحارب به الشيطان وأدفع به شر احابيله أو أستقوي به عليه، أو يمنعني من الياس والقنوط.
3- الترديد من الراوي.
4- النفس الروح والمقصود بهذه التراقي أو الحلقوم كما ورد في بعض الآيات.
5- «إنما قال آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حسبي لعلمه بأن أكثر أولاده إلّا من أخذت يده الشقاوة الأبدية تدركهم الرحمة الواسعة وتدخلهم في باب التوبة...» المازندراني 161/10.
6- أي يعاين ملك الموت أو المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأحوال ما بعد الموت. وهذا الحديث لا ينافي وجوب الفورية في التوبة، لأن الموت قد يأتيه بغتة فلا يوفق إليها.
7- مر مضمون هذا الحديث إلى هنا بسنده تحت رقم (3) من باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الحجة عليه من المجلد الأول.
8- وإنما كان الأمر كذلك «لأن العالم لما ترك مقتضى علمه إلى هذا الوقت لا عذر له فلا مساهلة معه بخلاف الجاهل...» المازندراني 162/10. وقيل : العالم هو العالم بموته والمراد بالجاهل الجاهل بموته.
9- أي أمر الإمامة، ولذلك يفعل فعل العامة فيتم صلاته في السفر.

في الطريق، ومعه ابن أخ له مسلم فمرض الشيخ فقلت لابن أخيه : لو عرضت هذا الأمر على عمك لعل اللّه أن يخلصه، فقال كلّهم : دعوا الشيخ حتّى يموت على حاله، فإنّه حَسَنُ الهيئة (1). فلم يصبر ابن أخيه حتّى قال له : يا عمّ إنَّ النّاس ارتدوا بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلّا نفراً يسيراً، وكان لعليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الطاعة (2) ما كان لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وكان بعد رسول اللّه الحقُّ والطاعة له، قال : فتنفّس الشيخ وشهق وقال : أنا على هذا وخرجت نفسه. فدخلنا على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعرض عليّ بن السري هذا الكلام على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : هو رجل من أهل الجنّة، قال له عليّ بن السري : إنه لم يعرف شيئاً من هذا غير ساعته تلك ! ؟ قال : فتريدون منه ماذا (3)؟، قد دخل واللّه الجنّة.

باب اللُّمَم

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (4) قال : هو الذَّنب يلم به الرَّجل فيمكث ما شاء اللّه ثمّ يلمُّ به بعد (5).

2 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن العلاء، عن صفوان، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) قال : الهنة بعد الهنة (6) أي الذَّنب بعد الذَّنب يلمُّ به العبد.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من مؤمن إلّا وله ذنب يهجره زماناً ثمّ يلمُّ به، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (إلا

ص: 415


1- أي هو حسن السمت وهذا أمر مرغوب فيه شرعاً وعقلاً.
2- أي من لزوم طاعته على العباد بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
3- «يعني ماذا تريدون منه، أتريدون منه الأعمال والأعمال ساقطة عنه مكفّرة بالتوبة أم تريدون منه الإقرار والإيمان وقد أقر وآمن فدخل الجنّة: المازندراني 163/10.
4- النجم / 32 و (كبائر الإثم) هي ما عظم عقابه من المعاصي، وتوعد اللّه صاحبه عليه بالنار، وقيل هي ما ترتب عليه الحد. و (الفواحش) ما يزيد قبحه من الكبائر، وقد فسرت في حديث يأتي بالزنا والسرقة.
5- أي يرتكبه ثمّ يتركه مدة ثمّ يعود إليه.
6- «الهن والهَنة كناية عن كلّ شيء ذكره باسمه قبيح مثل الفرج ونحوه وهي هنا كناية عن الذنب كما وقع التفسير به...» المازندراني 164/10.

اللّمم.. وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ). قال : الفواحش الزنا والسرقة واللّمم الرَّجل يلم بالذَّنب فيستغفر اللّه منه.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحارث بن مهرام، عن عمرو بن جميع قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه، ومن جاءنا يبدي عورة (1) قد سترها اللّه فنحوه، فقال له رجل من القوم : جعلت فداك واللّه إنني لمقيم على ذنب منذ دهر، أريد أن أتحوّل عنه إلى غيره فما أقدر عليه فقال له : إن كنت صادقاً فإنَّ اللّه يحبك وما يمنعه أن ينقلك منه إلى غيره إلّا لكي تخافه(2).

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسى [ عن حريز]، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزَّمان ثمّ يلم به (3) وهو قول اللّه عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ). اللمام : العبد الّذي يلم الذَّنب بعد الذَّنب ليس من سليقته، أي من طبيعته.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعدَّةً من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن المؤمن لا يكون سجيته (4) الكذب والبخل والفجور، وربما ألم من ذلك شيئاً لا يدوم عليه، قيل : فيزني؟ قال : نعم ولكن لا يولد له من تلك النطفة (5).

باب في أن الذنوب ثلاثة

باب في أن الذنوب ثلاثة (6)

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن حماد، عن بعض أصحابه رفعه

ص: 416


1- المقصود بإبداء عورة هنا إذاعة أمرهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) والرواية عليهم ولذا أمر أصحابه بألا يمكنوا من الدخول عليهم من لا يؤتمن على أحاديثهم بل يشيعها ويذيعها ممّا يشكل خطراً عليهم وعلى شيعتهم من قبل الظالمون.
2- أي يبتليك اللّه بهذا الذنب وأمثاله لئلا يأخذك العجب من نفسك بكثرة الطاعات فتخرج بك عن حد الخوف منه سبحانه، وهذا من لطف اللّه بعباده المؤمنين.
3- «لعل المراد أن المؤمن ممنوع من الدخول في الذنب زماناً على سبيل الكناية ثمّ يلم به لمصلحة...» المازندراني 10 / 165.
4- السجية : الطبيعة والخُلُق.
5- «لعل المراد أن المتولد من تلك النطفة لا يكون ولداً له ولا يلحق به شرعاً، لا أنّه لا يتولد منها ولد فإنه خلاف الواقع» المازندراني 165/10.
6- وجه الحصر : إن الذنب إما للتقصير في حق اللّه أو في حق النّاس والأول: إما أن يرفع عن العبد العقوبة الدنيوية بالتوبة، أو لا. فهذه ثلاثة وأما الذنب الّذي لا عقوبة عليه في الدنيا ولم يتب منه. فالظاهر أنّه داخل في القسم الثالث وحكمه حكمه» المازندراني 166/10.

قال : صعد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالكوفة المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها النّاس إن الذنوب ثلاثة ثمّ أمسك، فقال له حَبَّةُ العرني (1): يا أمير المؤمنين قلت: الذُّنوب ثلاثة ثم امسَكْتَ فقال : ما ذكرتها إلّا وأنا أريد أن أفسّرها ولكن عرض لي بهر (2) حال بيني وبين الكلام، نعم الذُّنوب ثلاثة : فذنب مغفور، وذنب غير مغفور، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه، :قال يا أمير المؤمنين فبيّنها لنا؟

قال : نعم أمّا الذَّنب المغفور، فعبد عاقبه اللّه على ذنبه في الدنيا فاللّه أحلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرَّتين ؛ وأمّا الذَّنب الّذي لا يغفر فمظالم العباد بعضهم لبعض، إنَّ اللّه تبارك وتعالى إذا برز لخلقه (3) أقسم قسماً على نفسه، فقال : وعزتي وجلالي لا يجوزني ظُلم ظالم، ولو كفُّ بكفّ (4)، ولو مَسْحَةٌ بكف، ولو نطحة ما بين القرناء إلى الجمّاء (5)، فيقتصُّ للعباد بعضهم من بعض حتّى لا تبقى لأحد على أحد مظلمة ثمّ يبعثهم للحساب ؛ وأمّا الذَّنب الثالث فذنب ستره اللّه على خلقه ورزقه التوبة منه، فأصبح خائفاً من ذنبه راجياً لربه، فنحن له كما هو لنفسه، نرجو له الرَّحمة ونخاف عليه العذاب.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن بكير، عن زرارة، عن حمران، قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رجل أقيم عليه الحد في الرجم أيُعاقَبُ [عليه] في الآخرة؟ قال : إِنَّ اللّه أكرم من ذلك (6).

باب تعجيل عقوبة الذنب

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن حمزة بن حمران، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا كان

ص: 417


1- حبَّة بن جُوَين (جرير، جُوير العَرَني وكنيته أبو قدامة من أصحاب أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- البهر : كما في القاموس - انقطاع النفس من الإعياء.
3- أي ظهر أمره وحكمه، ونصب الموازين يوم القيامة ليقضي بين عباده.
4- أي ضربة كف بكفّ.
5- الجماء : ما لا قرن له من الدواب.
6- «وظاهره أن من أقيم عليه الحدّ يسقط عنه العقاب وإن لم يتب كما هو ظاهر الأصحاب...» مرآة المجلسي 333/11.

أمره (1) أن يكرم عبدا(2) وله ذنب ابتلاه بالسقم (3)، فإن لم يفعل ذلك له ابتلاه بالحاجة(4)، فإن لم يفعل به ذلك شدّد عليه الموت ليكافيه بذلك الذَّنب، قال : وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة صحح بدنه، فإن لم يفعل به ذلك وسع عليه في رزقه، فإن هو لم يفعل ذلك به هون عليه الموت ليكافيه بتلك الحسنة.

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن الحكم بن عتيبة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن العبد (5) إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده من العمل ما يكفّرها ابتلاه بالحزن (6) ليكفّرها.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قال اللّه عزّ وجلّ : (وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدُّنيا وأنا أريد أن أرحمه حتّى أستوفي منه كلّ خطيئة عملها، إما بسقم في جسده، وإما بضيق في رزقه، وإما بخوف في دنياه، فإن بقيت عليه بقية شدَّدتُ عليه عند الموت؛ وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدُّنيا وأنا أريد أن أعذبه حتّى أوقيه كلّ حسنة عملها، إما بسعة في رزقه، وإما بصحة في جسمه، وإما بأمن في دنياه، فإن بقيت عليه بقية هونت عليه بها الموت).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ المؤمن ليهول (7) عليه في نومه فيغفر له ذنوبه، وإنه ليمتهن في بدنه (8) فيغفر له ذنوبه.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن السري بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أراد اللّه عزّ وجلّ بعبد خيراً عجّل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءاً أمسك عليه ذنوبه حتّى يوافي بها يوم القيامة.

ص: 418


1- أي شأنه وقضائه وتدبيره.
2- أي يكرمه في الآخرة بسبب إيمانه فيرفع عنه العذاب.
3- أي المرض.
4- أي ضيّق عليه في معيشته.
5- أي المؤمن.
6- أي بأحد الأسباب المفضية إلى الحزن سواء كانت ظاهرة أو خفية.
7- أي يخوّف ويفرّع، وإن كان ما يحصل منهما للإنسان في نومه خيالي مثالي.
8- أي يصاب بالضعف والوهن.

6 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : و (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (1) : ليس من التواء عرق، ولا نكبة حجر (2) ولا عثرة قدم، ولا خدش عود إلّا بذنب (3) وَلَمَا يعفو اللّه أكثر (4)، فمن عجل اللّه عقوبة ذنبه في الدنيا، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العباس بن موسى الوراق، عن عليّ الأحمسي، عن رجل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما يزال الهمُّ والغمُّ بالمؤمن حتّى ما يدع له ذنباً».

8 - عنه، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن الحارث بن بهرام، عن عمرو بن جميع قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ العبد المؤمن ليهتمُّ (5) في الدُّنيا حتّى يخرج منها ولا ذنب عليه.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي الأحمسي عن رجل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يزال الهم والغم بالمؤمن حتّى ما يدع له من ذنب.

10 - محمّد بن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قال اللّه عزّ وجلّ : (ما من عبد أريدُ أن أدخله الجنّة إلّا ابتليته في جسده، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شدَّدت عليه عند موته حتّى يأتيني ولا ذنب له، ثمّ أدخله الجنّة. وما من عبد أريد أن أدخله النّار إلّا صححت له جسمه، فإن كان ذلك تماماً لطلبته عندي (6)، وإلا آمنت خوفه من سلطانه، فإن كان ذلك تماماً لطلبته عندي، وإلا وسعت عليه في رزقه، فإن كان ذلك تماماً لطلبته عندي، وإلا هونت عليه موته، حتّى يأتيني ولا حسنة له عندي ثمّ أدخله النار).

ص: 419


1- الشورى / 30.
2- أي إصابة بحجر، أو إدماء بحجر.
3- يدل على أن هذه الأمور الّتي قد تصيب المؤمن في الدنيا إنما تكون عقوبة له على ذنب أذنبه وكفارة عنه.
4- أي أن اللّه سبحانه بتفضله وإحسانه يعفو عن أكثر الذنوب بدون ابتلاء العبد بمثل هذه العقوبات.
5- أي تتكاثر عليه الهموم والهم على ما قيل : هو ما يعتري الإنسان قبل حلول المصيبة أو المشكلة وأما الغم فهو ما يعتريه بعد حلولها.
6- أي فإن كان تصحيح جسمه يوازي ما يكون قد عمله من معروف فاكتفى به ويكون قد استوفى حظه منه في الدنيا.

11 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن أورمة، عن النضر بن سويد عن درست بن أبي منصور عن ابن مسكان عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرّ نبي من انبياء بني إسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج منه قد شَعَتَتْه الطير (1) ومزقته الكلاب، ثمّ مضى (2) فَرُفِعَت (3) له مدينة فدخلها، فإذا هو بعظيم من عظمائها ميت على سرير مسجاً بالديباج (4) حوله المجمر (5) فقال : يا ربِّ أشهد أنك حَكَم، عدل، لا تجور، هذا عبدك (6) لم يشرك بك طرفة عين أمته بتلك الميتة، وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عين أمتة بهذه الميتة؟! فقال : عبدي أنا كما قلت حكم عدل لا أجور، ذلك عبدي كانت له عندي سيئة أو (7) ذنب أمته بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء، وهذا عبدي كانت له [ عندي ] حسنة فأمته بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي حسنة.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن أبي الصباح الكناني قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل عليه شيخ فقال : يا أبا عبد اللّه أشكو إليك ولدي وعقوقهم، وإخواني وجَفَاهم عند كبر سنّي، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هذا إنَّ للحق دولة وللباطل دولة، وكلُّ واحد منهما في دولة صاحبه ذليل، وإنَّ أدنى ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده، والجفاء من إخوانه، وما من مؤمن يصيبه شيء من الرفاهية في دولة الباطل إلّا ابتلي قبل موته إما في بدنه وإما في ولده وإما في ماله، حتّى يخلصه اللّه ممّا اكتسب في دولة الباطل، ويوفّر له حظه في دولة الحق. فاصبر وأبشر (8).

ص: 420


1- أي فرقته أجزاء بمخالبها ومناقيرها.
2- أي النبي.
3- أي عرضت وانكشفت.
4- مسجى : أي مغطى والديباج - كما في المصباح - ثوب سداه ولحمته إبريسم.
5- وعاء يوضع فيه الجمر، وربما كان يُشعل فيه البخور.
6- المقصود هو جثة الرجل الّتي مزقتها الكلاب وفرقت لحمها الطيور.
7- «الترديد من الراوي، وفيه دلالة على أن رفع السيئات والحسنات لا يختص بالابتلاء والإكرام في حال الحياة بل يكون بالإعزاز وعدمه بعد الموت أيضاً» المازندراني 171/10.
8- «الحق والباطل مثل كفتي ميزان رفع أحدهما موجب لوضع الآخر وبالعكس فإذا كانت الدولة دولة الباطل كان الباطل رفيعاً وأهله عزيزاً، وكان الحق وضيعاً وأهله ذليلاً، وإذا كانت الدولة دولة الحق كان الأمر بالعكس. ثمّ إنه يصيب المؤمن في دولة الباطل مصائب كثيرة أدناها ما ذكر كلّ ذلك لظهور الباطل وخفاء الحق، وإن أصاب المؤمن في دولة الباطل رفاهية في العيش وسعة في الرزق فإنما هو غالباً لمماشاته مع أهل الباطل ومجاراته معهم، ولو فرض عدم ذلك فلا شبهة في وقوع التشابه بينه وبينهم ومن تشبه بقوم كان منهم فلذلك كانت له سيئة يتخلص منها بالابتلاء قبل الموت. ولما كان السائل في دولة الباطل وانتفت عنه الرفاهية أمره (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالصبر على المصائب اللازمة في دولة الباطل وبشره بما أعد اللّه للصابرين». المازندراني 173/10.

باب في تفسير الذنوب

1 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن أحمد بن محمّد، عن العباس بن العلاء عن مجاهد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الذُّنوب الّتي تغير النعم البغي (1) والذَّنوب الّتي تورث الندم (2) القتل، والّتي تنزل النقم الظلم، والّتي تهتك الستر شرب الخمر، والّتي تحبس الرزق الزنا، والّتي تعجّل الفناء قطيعة الرحم، والّتي تردُّ الدُّعاء وتظلم الهواء (3) عقوق الوالدين.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نعوذ باللّه من الذُّنوب الّتي تعجّل الفناء، وتقرب الآجال وتخلّي الدّيار، وهي قطيعة الرحم والعقوق وترك البرّ (4).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أيّوب بن نوح - أو (5) بعض أصحابه عن أيّوب عن صفوان بن يحيى قال : حدّثني بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا فشا أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزّنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشا الجور في الحكم احتبس القطر، وإذا خُفِرَت (6) الذمة أديل لأهل الشرك من أهل الإسلام (7) وإذا مُنِعَت الزَّكاة ظَهَرَت الحاجة (8).

باب نادر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد

ص: 421


1- «أي البغي على الإمام العارف العادل أو على النّاس أو السعي بالفساد بينهم أو فجور المرأة وكل ذلك يوجب فساد النظام وزوال الرفاهية وتغيّر النعم وذهاب الراحة» ن. م.
2- أي في الدنيا والآخرة.
3- إما كناية عن تشتت الفكر وتوزع القلب ممّا يؤدي إلى عمى البصيرة عنده، أو أنّه يحمل على معناه الحقيقي فتكون رياح مخيفة يسود معها ما بين السماء والأرض وهو من الآيات.
4- بنحو اللف والنشر المرتب، أي أن قطيعة الرحم تعجّل الفناء والعقوق تقرب الآجال وهو كناية عن تقصير الأعمّار، وترك البر يخلي الديار من أهلها.
5- الترديد من الراوي.
6- الإخفار الغدر ونقض العهد.
7- أي حصلت الغلبة لأهل الشرك على المسلمين.
8- «أي حاجة الفقراء، أو حاجة الأغنياء أيضاً لأن الزكاة سبب لبقاء المال ونموه فإذا منعوها تلفت أموالهم»، المازندراني 174/10.

العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ العبد من عبيدي المؤمنين، ليذنب الذَّنب العظيم ممّا يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجل له العقوبة (1) عليه في الدُّنيا لأجازيه بذلك الذَّنب، وأقدر عقوبة ذلك الذنب وأقضيه وأتركه عليه موقوفاً غير ممضى ولي في إمضائه المشيئة، وما يعلم عبدي به، فأتردد في ذلك مراراً على إمضائه، ثمّ أمسك عنه فلا أمضيه كراهةً لمساءته وحيداً عن إدخال المكروه عليه، فأتطول عليه بالعفو عنه والصفح، محبة لمكافآته لكثير نوافله الّتي يتقرب بها إليَّ في ليله ونهاره، فأصرف ذلك البلاء عنه وقد قدَّرته وقضيته، وتركته موقوفاً، ولي في إمضائه المشيئة، ثمّ أكتب له عظيم أجر نزول ذلك البلاء وأدخره وأوفّر له أجره ولم يشعر به ولم يصل إليه أذاه (2) وأنا اللّه الكريم الرؤوف الرَّحيم).

باب نادر أيضاً

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (3) فقال هو(4) : (ويعفو عن كثير) (5) قال : قلت : ليس هذا أردتُ (6) أرأيت ما أصاب عليّاً وإشباهه من أهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ذلك (7)؟ فقال : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يتوب إلى اللّه في كلّ يوم سبعين مرة من غير ذنب (8).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن

ص: 422


1- «إشارة إلى إرادة تعجيل العقوبة الدنيوية وتقديرها وقضائها ليكون جزاءً لذلك الذنب وكفارة له، ثمّ أنّه بعد القضاء جعله موقوفاً على الإمضاء إذ لا يوجد شيء في الخارج بدون الإمضاء، ثمّ أمسك عن الإمضاء وعفى عن ذلك الذنب رحمة وتفضلاً ونظراً لبعض نوافله لئلا يرد عليه المساءة والمكروه».
2- «إشارة إلى تفضّل آخر فوق المذكور وهو أنّه أثابه لأجل ذلك البلاء المقدّر المقضي مع عدم نزوله ثواباً عظيماً، فالمراد بنزول البلاء نزوله على سبيل الفرض» المازندراني 175/10.
3- الشورى / 30.
4- أي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- الشورى / 30.
6- أي ليس تتمة الآية هو ما أردت بسؤالي.
7- أي ممّا كسبت أيديهم من ذنوب، مع أننا نعتقد بأنهم معصومون عنها.
8- «هذا الجواب يحمل وجهين: أحدهما: أن المصيبة قد تكون من غير ذنب والغرض منها زيادة الثواب ورفع الدرجات، حينئذ حكم الآية جار في غيرهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) والخطاب غير شامل لهم. وثانيهما: أن المكتسب أعم من الذنب وغيره كما أن التوبة أعم من ذنب وغيره فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين». المازندراني 176/10.

محبوب، عن عليّ بن رئاب قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعده هو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يتوب إلى اللّه ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرة (1) من غير ذنب، إن اللّه يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

3 - عليّ بن إبراهيم رفعه قال : لما حمل عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى يزيد بن معاوية فأوقف بين يديه قال یزید لعنه اللّه : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، فقال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليست هذه الآية فينا إن فينا قول اللّه عزّ وجلّ: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (2).

باب أن اللّه يدفع بالعامل عن غير العامل

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليّ بن معبد عن عبد اللّه بن القاسم، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه [ل] يدفع بمن يصلى من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكو (3)، وإنَّ اللّه ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإنَّ اللّه ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحج ولو أجمعوا على ترك الحجّ لهلكوا، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (4) فواللّه ما نزلت إلّا فيكم ولا عنى بها غيركم (5).

باب أن ترك الخطيئة أيْسَرُ من [طلب] التوبة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن بعض،

ص: 423


1- لا منافاة بين تحديد الاستغفار بالمائة هنا وبالسبعين في الحديث السابق لإمكان صدورهما منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
2- الحديد / 22، ومقصوده (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن مصيبتنا مقدرة علينا من اللّه سبحانه من غير ذنب ليزيد في ثوابنا ويرفع درجاتنا عنده.
3- أي في الدنيا بالاستئصال.
4- البقرة/ 251.
5- دل على أن هذا اللطف الإلهي مخصوص بموالي الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشيعتهم. وقيل : بأن كون الشيعة هم المقصودون أولاً وبالذات بتنزيلها فيهم لا ينافي شمول تأويلها للغير، فراجع المازندراني 178/10.

أصحابه عن أبي العباس البقباق [قال : ] قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): تركُ الخطيئة أيسر من طلب التوبة (1)، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، والموت فضح الدُّنيا، فلم يترك لذي لبّ فرحاً (2).

باب الاستدراج

باب الاستدراج (3)

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن جندب، عن سفيان بن السمط قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار، وإذا أراد بعبد شرًا فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة(4) لينسيه الاستغفار، ويتمادى بها، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) (5) بالنعم عند المعاصي.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن أبن محبوب، عن ابن رئاب، عن بعض أصحابه قال : سئل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاستدراج، فقال : هو العبد يذنب الذَّب فيملي له (6) ويجدّد له عندها النعم فتلهيه عن الاستغفار من الذنوب، فهو مستدرج من حيث لا يعلم.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ:

ص: 424


1- «إشارة إلى أن شرائط قبول التوبة كثيرة،... وأيضاً بعد إدراك لذة الذنب والتدنس به ربما لم تطاوع نفسه في التوبة لا سيما إذا بلغ حد الطبع والرّين» مرآة المجلسي 351/11.
2- يعني أن الموت يكشف عن مساوىء الدنيا وذلك بمعاينة سوء عاقبة من اغتر بها وبشهواتها فنسي الآخرة في حين أن ذوي العقول السليمة يدركون عواقب المعاصي والاغترار بالشهوات وأنها تؤدي بصاحبها إلى نار أعدها جبارها لغضبه ولذا فهم دائمو الحزن والخوف من أن تدفعهم نفوسهم الأمارة إلى الانغماس فيما يوجب دخولهم فيها، ويتولاهم الهم من جراء مراقبة تلك النفوس ومحاسبتها باستمرار ولذا لا يجدون سبباً أو متسعاً من الوقت ليفرحوا بشيء منها.
3- الاستدراج - كما قيل - «هو أن يتابع اللّه على عبده النعم إبلاغاً للحجة والعبد مقيم على الإساءة مصر عليها فيزداد بتواتر النعم عليه غفلة ومعصية وذهاباً إلى الدرجة القصوى منها فيأخذه اللّه بغتة على شدة حين لا عذر له».
4- اللام للعاقبة.
5- الأعراف/ 182.
6- أي يمهله ويطيل له المدة والزمان قبل أن يأخذه آخذ عزيز مقتدر.

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ). قال : هو العبد يذنب الذَّنب فتجدَّد له النّعمة معه تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار من ذلك الذَّنب.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان [بن داود] المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كم من مغرور بما قد أنعم اللّه عليه، وكم من مُسْتَدْرَج بستر اللّه عليه، وكم من مفتون بثناء النّاس عليه(1).

باب محاسبة العمل

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنما الدهر ثلاثة أيام (2) أنت فيما بينهنَّ : مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبداً، فإن كنت عملت فيه خيراً لم تحزن لذهابه وفرحت بما استقبلته منه (3) وإن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه وتفريطك فيه، وأنت في يومك الّذي أصبحت فيه من غد في غِرَّة (4) ولا تدري لعلّك لا تبلغه وإن بلغته لعلّ حضّك فيه في التفريط مثل حظك في الأمس الماضي عنك.

فيوم من الثلاثة قد مضى أنت فيه مفرّط، ويوم تنتظره لست أنت منه على يقين من ترك التفريط، وإنما هو (5) يومك الّذي أصبحت فيه، وقد ينبغي لك إن عقلت وفكرت فيما فرطت في الأمس الماضي، ممّا فاتك فيه من حسنات ألا تكون اكتسبتها ومن سيئات ألا تكون أقصرت عنها، وأنت مع هذا مع استقبال غد على غير ثقة من أن تبلغه وعلى غير يقين من اكتساب حسنة أو مرتدع عن سيئة محبطة، فأنت من يومك الّذي تستقبل على مثل يومك الّذي استدبرت فاعمل عمل رجل ليس يأمل من الأيّام إلّا يومه الّذي أصبح فيه وليلته، فاعمل أو

ص: 425


1- «أي كم غافل عن مآل حاله وعقوبات اللّه في الدنيا والآخرة بما أنعم اللّه عليه فظن أنّه لكرامته على اللّه أنعم عليه، وكم من رجل ستر اللّه عيوبه عن النّاس أو عن نفسه أيضاً استدراجاً فظن كماله وقربه عند اللّه، وكم رجل افتتن ووقع في مهاوي العُجب بثناء النّاس عليه فغفل عن عيوب نفسه وظن مدح النّاس حقا» مرآة المجلسي 354/11.
2- مقصوده (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالأيّام الأزمنة والأوقات، فأمس يراد به الماضي من عمر الإنسان، وباليوم : الحاضر من عمره، وبالغد : مستقبل غمره.
3- المراد بما يستقبله منه : الثواب الّذي يستقبله في قبره أو في الآخرة، بسبب عمله الصالح الّذي عمله فيه.
4- أي في غفلة والمعنى: «اغتررت بالغد وسوفت العمل إليه غافلاً عن أنك لا تعلم وصولك إليه وعدم تفريطك فيه» مرأة المجلسي 355/11.
5- أي الدهر، وقيل أي اليوم، وقيل: ما بيده من الأيّام وما يمكنه العمل فيه بقرينة المقام.

دَعْ، واللّه المعين على ذلك (1).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الحسن الماضي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس منا (2) من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد اللّه، وإن عمل سيّئاً استغفر اللّه منه وتاب إليه.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي النعمان العجلي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا أبا النعمان لا يغرنك الناسُ من نفسك (3)، فإنَّ الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا (4) فإنَّ معك من يحفظ عليك عملك، وأحسن فإنّي لم أر شيئاً أحسن دَرَكاً (5) ولا أسرع طلباً من حسنة محدثة لذنب قديم (6).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي النعمان مثله.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اصبروا على الدنيا فإنّما هي ساعة، فما مضى منها فلا تجد له ألماً ولا سروراً، وما لم يجىء فلا تدري ما هو؟ وإنّما هي (7) ساعتك الّتي أنت فيها، فاصبر فيها على طاعة اللّه واصبر فيها عن معصية اللّه.

5 - عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إحمل نفسك لنفسك فإن لم تفعل لم يحملك غيرك (8).

ص: 426


1- وحاصل المراد أنه: «ينبغي لك التفكر فيما فرطت في الماضي بترك الحسنات وفعل السيئات مع عدم الوثوق بإدراك المستقبل وعدم اليقين بفعل الحسنة وترك السيئة فيه على تقدير إدراك فإن هذا يوجب العمل في يومك الّذي أصبحت فيه تداركاً لما فات وتلافياً لما هو آت» المازندراني 181/10.
2- أي من شيعتنا، أو من محبينا. وفي الحديث حث على ضرورة مراقبة النفس يومياً، في كلّ ساعة منه، أو في آخره ليرى مدى استقامتها فيبني عليه ويطلب من اللّه التوفيق لتثبيته أو مدى اعوجاجها فيقومه ويطلب من اللّه إقداره على ذلك ويستغفره عما نجم عنه ويتوب إليه.
3- تحذير من أن تنخدع نفسه بمدحهم وثنائهم وتقريضهم إياه فيصيبها الغرور والعُجب فتغفل عن عيوبها. ونبهه إلى أن عيوب نفسه وسيئاتها فيما لو غفل عنها سوف تنعكس سلباً عليه هو لا عليهم وسوف يحاسب عليها هو لا هم.
4- كناية عن القيل والقال واللغو بالباطل.
5- أي لحاقاً.
6- أي تتبع الحسنة السيئة حديثة كانت أو قديمة فتمحوها لأن الحسنات يذهبن السيئات.
7- أي الدنيا.
8- أي ابتعد عن المواطن الّتي تجرك إلى الحزن والشقاء في الدنيا والآخرة لتكون في المواطن الّتي توصلك إلى العزة والسعادة بسبب صلاحك وطاعتك ولا تعتمد على الغير وتسوّف عمرك في التأميل بذلك إذ ما حك جلدك مثل ظفرك. وخاصة يوم القيامة يوم لا تغني نفس عن نفس شيئاً.

6 - عنه (1)، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرجل : إنك قد جعلت طبيب نفسك، وبين لك الداء (2)، وعُرِّفتَ آية الصحة (3)، ودُلِلْتَ على الدَّواء (4)، فانظر كيف قيامك على نفسك (5).

7 - عنه رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرجل : اجعل قلبك قريناً برا (6) أو ولداً واصلاً (7) واجعل عملك والداً تتبعه واجعل نفسك عدوا (8) تجاهدها واجعل مالك عارية تردُّها (9).

8 - [و] عنه، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها (10) كما تسعى في طلب معيشتك (11)، فإن نفسك رهينة بعملك.

9 - عنه، عن بعض أصحابه، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كم من طالب للدُّنيا لم يدركها، ومدرك لها قد فارقها، فلا يشغلنك طلبها عن عملك، والتمسها من معطيها ومالكها، فكم من حريص على الدُّنيا قد صرعته، واشتغل بما أدرك منها عن طلب آخرته حتّى فني عمره وأدركه أجله.

وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المسجون من سجنته دنياه عن آخرته (12).

ص: 427


1- أي أحمد بن محمّد الوارد في سند الحديث رقم (4).
2- المقصود داء النفس، وهو الأمارية بالسوء والعجب والغرور والغفلة وغيرها من أمراضها الخبيثة.
3- آية الصحة الدلائل والبينات والبراهين والحجج الّتي تبين حدود الإيمان والتصديق وصفات المؤمنين.
4- الدواء : أي دواء تلك الأمراض النفسية والخلقية من مراقبة النفس وحملها على مضادات تلك الأمراض والتحلي بالسجايا والخصال الّتي بينها النبي وأهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
5- بمراقبتها وتشخيص علتها وعلاجها بما دُلِلتَ عليه من دواء لتلك العلة.
6- أي رفيقاً مصاحباً صالحاً. والمراد بالقلب العقل.
7- شبه العقل بالولد الواصل الغير العاق لأنه لا يرشده إلّا إلى خير ولا يأتي بما يؤذيه أو يسيء إليه.
8- «شبّه العمل الصالح بالوالد لأنه يوصل الخير العظيم والنفع الجسيم إليه كالوالد، وشبه النفس الأمارة بالعدو لأنها أعدى عدو للإنسان فلا بد من قتل متمنياتها القاتلة وشهواتها الباطلة لتطيع العقل فيما يأمرها به وينهاها عنه» المازندراني 184/10.
9- شبه المال بالعارية في مشقة ضبطها وعدم الانتفاع بها غالباً ولانتقال إلى غيره بعد الموت أي لا ينبغي أن يتعلق قلبك به كما لا يتعلق القلب بالعارية مرآة المجلسي 362/11.
10- أي من النار، أو العذاب.
11- أي ينبغي أن يكون سعيك في فكاك نفسك من العذاب الأخروي أزيد من سعيك في الدنيا بطلب معيشتك لمقام التفاوت بين الدنيا والآخرة، فإن لم تفعل فلا يكونن سعيك في فكاكها أقل من سعيك في معيشتك بل ليكن مثله.
12- أي حبسته في قمقم شهواتها وبهارجها فأعمت بصيرته عن رؤية الآخرة وتذكره لأهوالها فلم يعمل لها.

10 - وعنه رفعه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له : خذ حذرك فإنك غير معذور (1)، وليس ابن الأربعين بأحقِّ بالحذر من ابن العشرين، فإنَّ الّذي يطلبهما واحد ولبس براقد، فاعمل لما أمامك من الهول ودع عنك فضول القول(2).

11 - عنه عن عليّ بن الحكم عن حسّان عن زيد الشحام قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خذ لتفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم، وفي القوة قبل الضعف، وفي الحياة قبل الممات.

12 - عنه، عن عليّ بن الحكم عن هشام بن سالم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ النهار إذا جاء قال : يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربّك يوم القيامة، فإنّي لم أتك فيما مضى، ولا آتيك فيما بقي، وإذا جاء الليل قال مثل ذلك.

13 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن شعيب بن عبد اللّه عن بعض أصحابه : رفعه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين أوصني بوجه من وجوه البر أنجو به، قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها السائل استمع ثمّ استفهم ثمّ استيقن ثمّ استعمل (3)، واعلم أنَّ النّاس ثلاثة (4) : زاهد وصابر وراغب فأما الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قلبه، فلا يفرح بشيء من الدُّنيا ولا يأسى(5) على شيء منها فاته، فهو مستريح، وأما الصابر فإنّه يتمناها بقلبه فإذا نال منها ألجم نفسه عنها لسوء عاقبتها وشنآنها(6)، لو اطلعت على قلبه عجبت من عفّته وتواضعه وحزمه، وأمّا الرَّاغب فلا يبالي من أين جاءته الدنيا من حلّها أو [من] حرامها، ولا يبالي ما دنس فيها عرضه، وأهلك نفسه، وأذهب مروءته، فهم في غمرة (7) يضطربون.

ص: 428


1- لأن العذر المتصور لابن الأربعين إن كان ضعف العقل وقلة الإدراك فإنه - غالباً - ما يكون قد اكتمل ونضج إدراكه في هذه السن، وإن كان غلبة الشهوة فإنها غالباً ما تكون قد انكرت حدتها في هذه السن أيضاً.
2- «المراد بترك فضول القول عدم التكلم به وعدم استماعه لأن ذلك مفسد للسان والسمع والقلب ومانع عن إدراك الحق واستقراره في القلب» المازندراني 185/10.
3- أي ثمّ اعمل بما استيقنت به بعد أن فهمته من بعد استماعك له من أهله.
4- «وجه الحصر أن الإنسان إما أن يخرج حب الدنيا من قلبه أولا والثاني : إما أن يمنع نفسه عن تحصيلها أو لا، فالأول،زاهد والثاني صابر، والثالث راغب» المازندراني 186/10.
5- أي لا يحزن، وكأنه ناظر إلى قوله تعالى (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) الحديد/ 23.
6- الشنآن : البغض، والمقصود من (شنآتها) هنا قبح الدنيا في نظر عقله وإن مالت نفسه إليها.
7- أي في شدة سواء أريد بها الشدة الّتي تعرض لصاحب الدنيا في تحصيلها، أو في ضبطها، أو عند فراقها بالموت، أو عند الوقوف بين يدي اللّه ليحاسبه على حلالها ويعاقبه على،حرامها، ويعاتبه على شبهاتها.

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن حكيم عمّن حدَّثه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يصغر ما ينفع يوم القيامة ولا يصغر ما يضر يوم القيامة، فكونوا فيما أخبركم اللّه عزّ وجلّ كمن عاين (1).

15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد القاساني، جميعاً، عن القاسم بن محمّد عن سليمان المنقري، عن حفص بن غياث قال سمعت أبا عبد اللّه يقول : إن قدرت أن لا تُعرف فافعل وما عليك ألا يثني عليك النّاس، وما عليك أن تكون مذموماً عند النّاس إذا كنت محموداً عند اللّه، ثمّ قال : قال أبي عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا خير في العيش إلّا لرجلين (2) رجل يزداد كلّ يوم خيراً، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وأنّى له بالتوبة، واللّه لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل اللّه تبارك وتعالى منه إلّا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف حقنا، ورجا الثواب فينا، ورضي بقوته نصف مدّ في كلّ يوم، وما ستر عورته، وما أكن رأسه، وهم (3) واللّه في ذلك خائفون وجلون ودُّوا أنّه حظهم من الدُّنيا وكذلك وصفهم اللّه عزّ وجلّ فقال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (4) ثمّ قال : ما الّذي آتوا؟ آتوا واللّه مع الطاعة المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون، ليس خوفهم خوف شكٍّ، ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.

16 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن مهزم عن الحكم بن سالم قال : دخل قوم فوعظهم (5) ثمّ قال : ما منكم من أحد إلّا وقد عاين (6) الجنّة وما فيها وعاين النّار وما فيها إن كنتم تصدقون بالكتاب.

17 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن

ص: 429


1- أي كما أن من رأى شيئاً بعينه الباصرة يتيقن بوجوده كذلك يكون حاله مع ما أخبر به عزّ وجلّ، بل هذا أولى باليقين لاستحالة الخطأ في حقه تعالى مع إمكان اشتباه الحواس.
2- الرجل الأوّل هو المؤمن الكامل الإيمان الّذي يراقب نفسه فلا يتركها تنزلق فيما يغضب اللّه سبحانه، وإن هو هم بذنب ذكر اللّه واستعاذ به من نزغات الغرور فاستيصر. والرجل الثاني هو الغافل المسوّف الّذي يعصي ثمّ يعلل نفسه بالتوبة في آخر عمره، أو أنّه يعصي ولكنه يتوب توبة لاعب لا حتّى وصل به الأمر إلى مرحلة الاستخفاف. أو كان من المخالفين الظالمين أو أتباعهم فإن توبة هذا لا تقبل أيضاً، إذ أن قبولها مشروط بولاية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3- المقصود بهم موالو أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) والخلّص من شيعتهم.
4- المؤمنون 60.
5- لم يتضح من كان ذلك الواعظ من المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- أي بعين بصيرته لا ببصره وذلك من خلال تصور نعيم هذه وعذاب تلك ممّا ورد من أوصافهما وحالات أهلهما في القرآن الكريم والسنة الشريفة، من باب تقريب المعقول بالمحسوس.

سماعة قال: سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تستكثروا كثير الخير(1) ولا تستقلوا قليل الذُّنوب، فإنَّ قليل الذُّنوب يجتمع حتّى يصير كثيراً، وخافوا اللّه في السرّ حتّى تعطوا من أنفسكم النَّصفَ (2)، وسارعوا إلى طاعة اللّه، وأصدقُوا الحديث، وأدوا الأمانة، فإنما ذلك لكم، ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فإنّما ذلك عليكم.

18 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : ما أحسن الحسنات بعد السيئات (3) وما أقبح السيئات بعد الحسنات (4).

19 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن ابن فضّال، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّكم في آجال مقبوضة(5)، وأيام معدودة، والموت يأتي بغتة، من يزرع خيراً يحصد غبطة(6)، ومن يزرع شراً يحصد ندامة ولكلّ زارع ما زرع، ولا يسبق البطيء منكم حظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدَّر له (7)؛ من أعطي خيراً فاللّه أعطاه ومن وُقي شرا فاللّه وقاه.

20 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابه، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان عن واصل عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجلٌ إلى أبي ذرّ فقال : يا أبا ذرّ ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنّكم عمّرتم الدُّنيا وأخر بتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب. فقال له : فكيف ترى قدومنا على اللّه ؟ فقال : أمّا المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله (8)، وأما المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه (9)، قال فكيف ترى حالنا عند اللّه ؟ قال : اعرضوا أعمالكم على الكتاب إن اللّه يقول : (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي

ص: 430


1- لئلا تقعوا في العجب المحبط للعمل والكسل المانع عن الثواب.
2- أي الإنصاف والعدل في حكمهم لها أو عليها من دون حاجة إلى توسط حاكم.
3- لأن الحسنات يذهبن السيئات.
4- لأنها تأكلها وتذهب بها.
5- أي أعمّاركم معدودة بتمام أيامها تنتقص لحظة فلحظة وساعة فساعة.
6- أي مسرة وحبوراً.
7- أي لا يخافن أحد أن يفوته ما قدر له من رزق ولا يتهالكن أحد على الدنيا معتقداً أنّه يستطيع أن يحصل على ما لم يقدّره اللّه له فإن خطأ هذا كخطأ ذاك في تصوره.
8- أي وهو فرح مستبشر بلقاء من يحب وما يحب.
9- أي وهو خائف مضطرب ممّا سوف يلقاه من عقابه.

نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (1) قال : فقال الرجل : فأين رحمة اللّه؟ قال : رحمة اللّه قريب من المحسنين.

قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكتب رجلٌ إلى أبي ذر رضي اللّه عنه - يا أبا ذر أطرفني (2) بشيء من العلم، فكتب إليه : إنّ العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبّه فافعل قال : فقال له الرجل : وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبه؟ فقال له : نعم نفسك أحبُّ الأنفس إليك فإذا أنت عصيت اللّه فقد أسأت إليها.

21 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : اصبروا على طاعة اللّه وتصبروا (3) عن معصية اللّه، فإنّما الدُّنيا ساعة فما مضى فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة الّتي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت (4).

22 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال الخضر لموسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا موسى إن أصلح يوميك الّذي هو أمامك(5)، فانظر أي يوم هو وأعدَّ له الجواب، فإنك موقوف ومسؤول، وخذ موعظتك من الدهر فإنَّ الدَّهر طويل قصير (6)، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك ليكون أطمع لك في الآخرة، فإنّما هو آت من الدنيا كما هو قد ولّى منها.

23 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قيل لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عظنا وأوجز، فقال : الدُّنيا حلالها حساب، وحرامها عقاب، وأنّى لكم بالرّوح ولمّا تأسوا بسنة نبيكم، تطلبون ما يطغيكم (7) ولا ترضون ما يكفيكم.

ص: 431


1- الانفطار 13 - 14.
2- الطرفة : - كما في المصباح - ما يُسْتَمْلح.
3- التصبّر : تكلّف الصبر، وفيه من المشقة ما فيه، باعتبار أن النفس أميل إلى المعصية الّتي فيها شهوتها من الطاعة لما فيها من كبحها عما ترتاح إليه، ومن هنا عبّر عن الطاعة بالصبر وعن المعصية بالتصبر.
4- أي سوف تنال بعد الموت نتيجة صبرك على الطاعة وتصبرك عن المعصية ما يسرك ويجعلك محبوراً بحيث يتمنى غيرك ما كان لك من الثواب والرضوان.
5- عبر عن الدنيا والآخرة باليومين للإنسان ولا إشكال أن ما هو أنفع للإنسان وأصلح هو آخرته، لأن يوم الدنيا يزول وينتهي دون يوم الآخرة.
6- أي «إن الدهر مع طوله نظراً إلى ذاته قصير نظراً إلى وجودك وهو الساعة الّتي أنت فيها أو نظراً إلى انقطاعه لأن كلّ منقطع قصير» المازندراني 292/10.
7- أي الغنى والثروة زيادة عما يكفي الإنسان ليعيش بكرامة مستغنياً عما في أيدي النّاس، قانعاً بما آتاه اللّه من فضله.

باب من يعيب النّاس

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدَّةٌ من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن أسرع الخير ثواباً البر، وإن أسرع الشر عقوبة البغي ؛ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عنه من نفسه، أو يعير النّاس بما لا يستطيع تركه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه(1).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان عن أبي حمزة قال : سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): كفى بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عليه من نفسه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه(2).

3 - محمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق عن عليّ بن مهزیار عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كفى بالمرء عيباً أن يتعرف من عيوب النّاس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب على النّاس أمراً هو فيه، لا يستطيع التحوّل عنه إلى غيره أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي عبد الرحمن الأعرج وعمر بن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر وعليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : إن أسرع الخير ثواباً البر، وأسرع الشرِّ عقوبة البغي ؛ وكفى بالمرء عيباً أن ينظر في عيوب غيره ما يعمى عليه من عیب نفسه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه أو ينهى النّاس عما لا يستطيع تركه.

باب أنه لا يؤاخَذُ المسلم بما عمل في الجاهلية

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ ناساً أتوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعدما أسلموا

ص: 432


1- من الواضح أن الكمال اللّه وحده، وكل إنسان لا بد وأن يكون فيه نقص في جانب من الجوانب، وفي هذا الحديث حثّ على أن يراقب الإنسان نفسه ويرى مواطن الخلل فيها فيعمل على إصلاحها، وأن يقلع عن البحث عما في غيره من عثرات لينتقده عليها أو يعيره بها متعاميا عن عثراته وعورات نفسه هو يقول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شعر منسوب إليه : إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى*** وحظك موفور وعرضك صين لانك لا تذكر به عورة امريء*** فكلّك عورات وللناس السُنُ وعينك إن أبدت إليك معايباً*** فصنها وقل يا عين للناس أعين
2- أي لا يهمه ولا يعود عليه بالفائدة.

فقالوا : يا رسول اللّه أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه؟ فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من حَسُنَ إسلامه وصحٌ يقين إيمانه (1) لم يأخذه اللّه تبارك وتعالى بما عمل في الجاهليّة ، ومن سَخُفَ (2) إسلامه ولم يصح يقين إيمانه أخذه اللّه تبارك وتعالى بالأوّل والآخر.

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الجوهري، عن المنقري، عن فضيل بن عياض قال : «سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن الرَّجل يحسن في الإسلام أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية؟ فقال: قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام (3) أخذ بالأوّل والآخر».

باب أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب وغيره، عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كان مؤمناً فعمل خيراً في إيمانه ثمّ أصابته فتنةً فكفر (4) ثمّ تاب بعد كفره كتب له وحسب بكلّ شيء كان عمله في إيمانه، ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره (5).

باب المعافين من البلاء

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب [وغيره] عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه عزّ وجلّ ضنائن (6) يضنَّ بهم عن البلاء فيحييهم في عافية ويرزقهم في عافية ويميتهم في عافية ويبعثهم في عافية ويسكنهم

ص: 433


1- «المراد بالإسلام الحسن أن يكون مقروناً بالإقرار بجميع أصول الدين ليخرج المخالفون وإضرابهم» مرآة المجلسي 383/11.
2- السُّخف : رقة العقل. والمراد بسخف إسلام المرء أن يخالط إسلامه شيء من الشك أو النفاق.
3- أي ارتكب بعد إسلامه معاصي تشعر باستحلاله لها أو استخفافه بأمر الدين بحيث يحكم بخروجه منه.
4- لا إشكال في أن الفتنة إذا تمكنت من الإنسان أفسدت عقله وقلبه وصار في الغافلين ومن أهل الشقاوة، وخاصة تلك الّتي تكون من الشيطان.
5- «عموم هذا الخبر أو إطلاقه دل على أن توبة المرتد مقبولة وإن كان فطرياً وقد يخصص (أو يقيد) بالملي لروايات دلت على أن توبة الفطري غير مقبولة» المازندراني 196/10.
6- «الضّنائن الخصائص، واحدتها ضنينة فعيلة بمعنى مفعولة من الضّن وهو ما يختصه وتضنن به أي تبخل به لمكانه منك وموقعه عندك» الوافي ج 135/3.

الجنّة في عافية (1).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إنَّ اللّه عزّ وجلّ خلق خلقاً ضنَّ بهم عن البلاء خلقهم في عافية، وأحياهم في عافية وأماتهم في عافية، وأدخلهم الجنّة في عافية.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدَّةٌ من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً عن جعفر بن محمّد، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته، ويحبوهم بعافيته (2)، ويدخلهم الجنّة برحمته تمر بهم البلايا والفتن لا تضرهم شيئاً.

باب [ ما رفع عن الأمة]

1 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن أبي داود المسترقُ قال : حدّثني عمرو ابن مروان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «رفع عن أمتي أربع خصال خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه (3) وما لم يطيقوا (4)» وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) (5) وقوله: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) (6).

2 - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي رفعه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «وضع عن أمتي تسع خصال: الخطاء والنسيان وما لا يعلمون (7)

ص: 434


1- «اعلم أن اللّه تعالى حكيم كلّ فعله منوط بالحكمة فإذا علم أن بعض عبادة لا يحتاج في إصلاحه إلى البلاء رزقهم العافية، وقد يعطى بعضهم البلاء لزيادة الأجر ورفع المنزلة، وإذا علم أن بعضهم يحتاج إلى البلاء ابتلاهم به» المازندراني 196/10.
2- أي يمنحهم العافية بلا من ولا جزاء.
3- من الواضح أن الرفع في هذه الثلاثة متعلق بإثمها إذ لا يُعقل رفع نفسها لوقوعها فعلاً من الأمة.
4- وأما الرفع هنا فمتعلق بنفس ما لا طاقة للأمة به إذ لا يكلف اللّه نفسا إلّا وسعها.
5- البقرة/ 286.
6- النحل /106 إلّا من أكره أي على قول كلمة الكفر.
7- لا بد من تخصيصه بما قام الدليل على عدم معذورية الجاهل فيه من المواضع.

وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، وما استكرهوا عليه، والطَّيَرَة(1)، والوسوسة في التفكر في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد (2)».

باب أن الإيمان لا يضر معه سيئة والكفر لا ينفع معه حسنة

1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل لأحد على ما عمل ثواب على اللّه موجب إلّا المؤمنين؟ قال : لا(3).

2 - عنه، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال موسى للخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد تحرَّمت بصحبتك (4) فأوصني، قال :[له]: ألزم ما لا يضرك معه شيء (5) كما لا ينفعك مع غيره شيء (6).

3 - عنه، عن يونس، عن ابن بكير، عن أبي أمية يوسف بن ثابت قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يضرُّ مع الإيمان عمل ولا ينفع مع الكفر عمل، ألا ترى أنّه قال : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.. وماتوا وَهُمْ كَارِهُونَ) (7).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعدة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : [ قال : ] قال : الإيمان لا يضر معه

ص: 435


1- الطَّيَرَة : التشاؤم من الشيء.
2- يفيد بأن إظهار ما يعرض للإنسان من الحسد وإبرازه في الخارج بمبرز هو فعل محرّم.
3- «دل على وجوب الثواب للمؤمنين على اللّه سبحانه لا لغيرهم وذلك لأن اللّه سبحانه وعد على العمل بشرائطه ثواباً فإذا تحقق العمل مع شرائطه الّتي من جملتها الإيمان لزم الثواب وثبت وهذا معنى الوجوب على اللّه خلافاً للأشاعرة فإنهم ذهبوا إلى أنّه لا يجب على اللّه شيء وقالوا يجوز أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي وهذا القول يبطل الوعد والوعيد» المازندراني 199/10.
4- أي أصبحت لي بمصاحبتك وملازمتك حرمة فلا تخيبني فيما أسألك عنه وإلا تكون قد انتهكتها.
5- المراد به الإيمان أو مستلزماته من الطاعات والعمل الصالح.
6- المراد بغيره، أي غير الإيمان وهو الكفر والعياذ باللّه فإنه سبب لدخول النّار ولو فعل الأعمال الصالحة فإنها لا تنفعه في عتقه منها. ولذا ورد أن الكافر إذا أتى بعمل صالح أثابه اللّه عليه في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب وقد مر ما يدل على ذلك.
7- إلى قوله تعالى وبرسوله، جزء لآية 54 من سورة التوبة وتتمتها (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ ك- الى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) وقوله (وماتوا وَهُمْ كَارِهُونَ) جزء الآية / 125 من سورة التوبة أيضاً وأولها (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ) والحديث في الآيتين عن المنافقين.

عمل وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل.

5 - أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عمّن ذكره عن عبيد بن زرارة عن محمّد بن مارد قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حديث روي لنا أنك قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت؟ فقال : قد قلت ذلك، قال : قلت : وإن زَنَوا أو سرقوا أو شربوا الخمر، فقال لي : : إنا للّه وإنا إليه راجعون (1) ؛ واللّه ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم (2)، إنما قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنّه يقبل منك.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن الرَّيَّان بن الصلت، رفعه، عن أبي اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كثيراً ما يقول في خطبته : يا أيّها النّاس دينكم دينكم(3) فإِنَّ السيّئة فيه خير من الحسنة في غيره والسيّئة فيه تُغفر والحسنة في غيره لا تقبل(4).

هذا آخر كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي من كتاب الكافي والحمد للّه وحده وصلى اللّه على محمّد وآله

ص: 436


1- إشارة إلى أن هذا الافتراء علينا بفهم هذا المعنى مصيبة عظيمة مرآة المجلسي 397/11.
2- والمعنى: «أن التكليف لم يوضع عنا فكيف وضع عنهم بسيينا. أو أنا نخاف العقاب ونتوب ونتضرع إلى اللّه تعالى وهم أملون بسبب ولايتنا إن هذا ليس بإنصاف».ن.م.
3- أي احفظوه أو التزموه.
4- فيه إشارة إلى أن السيئة من حيث هي سيئة ليست خيراً من الحسنة من حيث هي حسنة بل الخيرية وعدمها باعتبار المغفرة وعدم القبول المازندراني 201/10. و (في) الواردة في الحديث بمعنى (مع).

كتاب الدعاء

إشارة:

كتاب الدع---اء (1)

باب فضل الدعاء والحث عليه

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه عزّ وجلّ يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (2) قال : هو الدعاء (3)، وأفضل العبادة الدُّعاء ؛ قلت : إن (إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (4)؟ قال : الأواه هو الدعاء.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل وابن محبوب، جميعاً عن حنان بن سدير، عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي العبادة أفضل؟ فقال : ما من شيء أفضل عند اللّه عزّ وجلّ من أن يسأل ويطلب ممّا عنده (5)، وما أحد أبغض إلى اللّه عزّ وجلّ ممّن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده.

3 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان عن ميسر بن عبد العزيز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي : يا ميسر أدْعُ ولا تَقُلْ : إن الأمر قد فُرغَ منه (6)، إِنَّ عند اللّه عزّ وجلّ منزلة لا تنال إلّا بمسألة (7)؛ ولو أن عبداً سدَّ فاه ولم يسأل لم يُعْطَ شيئاً، فَسَلْ

ص: 437


1- «الدُّعاء :... الرغبة إلى اللّه تعالى، ومنه : دعوت فلاناً ناديته وهو على أربعة أقسام، الأول: ما يتعلق بالتحميد والتسبيح والتهليل الثاني: ما يتعلق بطلب خير الدنيا ورفع مكارهها الثالث ما يتعلق بطلب الآخرة والتوفيق لخيراتها الرابع ما تعلق بالاثنين والثلاثة منها» المازندراني 201/10.
2- غافر / 60. و داخرین صاغرین.
3- أي أن العبادة المذكورة في الآية هي الدعاء، فإنه من أبواب العبادة. وتذكير الضمير بلحاظ أنّه يرجع إلى العبادة وهي مصدر أو باعتبار تذكير الخبر.
4- التوبة / 114. (الأواه) قيل : هو الدعاء كما في الخبر، وقيل : هو الرحيم بعباد اللّه. وقيل : هو الخاشع المتضرّع.
5- أي عند اللّه سبحانه. «وإنما أتى بمن التبعيضية لأن طلب جميع ما عنده اعتداء في الدعاء بل طلب للمحال» مرآة المجلسي 3/12.
6- أي أبرم فلن يتغير، أي وضِعَت الأفلام وطويت الصحف.
7- دل الحديث على أن لكل شيء علة وسبباً وشرطاً وأن الدعاء من جملة تلك الشروط والأسباب، بل قد يكون بذاته - إذا حصل وفق ما هو المطلوب فيه - علة تامة لمتعلقه.

تغط، يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه.

4 - حميد بن زياد عن الخشّاب، عن ابن بقاح عن معاذ، عن عمرو بن جميع، عن، أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من لم يسأل اللّه عزّ وجلّ من فضله [فقد] افتقر (1).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول: أدْعُ ولا تقل قد فُرغ من الأمر، فإنَّ الدُّعاء هو العبادة إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (2).

6 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن أبي نجران، عن سيف التمار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عليكم بالدُّعاء فإنّكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة (3) لصغرها أن تدعوا بها، إنَّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار.

7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة عن أبيه، عن رجل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الدعاء هو العبادة الّتي قال اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي الآية) ادع اللّه عزّ وجلّ ولا تقل : إنَّ الأمر قد فرغ منه.

قال زرارة : إنما يعني لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر أن تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه(4) - أو كما قال (5) -.

8 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحب الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ في الأرض الدُّعاء، وأفضل العبادة العفاف (6)، قال : وكان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلاً دعاءً (7).

ص: 438


1- لأن مفاتيح الرزق وخزائنه عند اللّه سبحانه والدعاء والمسألة أحد تلك المفاتيح إن لم يكن أعظمها.
2- غافر / 60. وأول الآبة (وقال ربكم...) وما تقدم في الحديث تتمة هذه الآية.
3- أي المهمة الصغيرة، الّتي قد لا يعتني النّاس بشأنها عادة لحقارتها. وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان غير قادر باستقلاله عن توفيق اللّه وعنايته على القيام بأي عمل حتّى ولو كان ضئيلاً.
4- يدل على أنّه مع تسلط سيف المحو والإثبات لا مجال للاعتماد على الإيمان بالقضاء والقدر، والدعاء سبب من أسباب المحو والإثبات.
5- هذا من كلام عبيد بن زرارة فقد تردد لشكه فيما قاله أبوه ممّا يؤدي هذا المعنى أو غيره.
6- العفاف : كف البطن والفرج عن الحرام. وقد يراد به مطلق العفة عن الحرام أو عن سؤال ما في أيدي النّاس.
7- أي كثير الدعاء.

باب أن الدعاء سلاح المؤمن

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الدُّعاء سلاح المؤمن (1)، وعمود الدين (2)، ونور السماوات والأرض (3)».

2 - وبهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الدُّعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح (4) وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي ؛ وفي المناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدّ الفزع فإلى اللّه المفزع (5).

3 - وبإسناده قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم»؟ قالوا بلى قال تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدّعاء.

4 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح (6)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الدعاء تُرْس (7) المؤمن، ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول لأصحابه : عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل : وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء.

ص: 439


1- لأن به يستعين المؤمن على دفع أو رفع مكاره الدهر وأهوال يوم القيامة.
2- قيل : هو عمدة العبادات.
3- «أي منورهما، إذ به يظهر آثار الخير فيهما، أو به اهتدى أهلهما، ووفقوا لمعرفته تعالى ومعرفة أوليائه أو المعنى : أن نظامهما ووجودهما وبقاءهما بالدعاء إذ هو من عمدة العبادات وهي سبب لإيجاد المخلوقات...» مرآة المجلسي 12 / 10.
4- النجاح ؛ الفوز بقضاء الحاجة والفلاح - كما في القاموس - الفوز والنجاة والبقاء في الخير والمقاليد: جمع مقلد وهو المفتاح، وقد تأتي المقاليد بمعنى الخزائن. وقد يكون متعلق النجاح الأمور الدينية، ومتعلق الفلاح الأمور الأخروية.
5- أي الاستعانة والاستغاثة.
6- الظاهر أنّه عبد اللّه بن ميمون بن الأسود القداح مولى بني مخزوم، لقب بالقداح لأنه كان يبري القداح وكان ثقة فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 354/10.
7- التّرْس : صفحة من الفولاذ مستديرة تحمل في اليد للوقاية من السيف ونحوه جمع أتراس، وتراس وتروس وترسة.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي سعيد البجلي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ الدُّعاء أَنْفَذُ من السنان (1).

7، - عنه عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الدُّعاء أنفذ من السنان الحديد (2)

باب أن الدعاء يردّ البلاء والقضاء

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان قال : سمعته يقول : إِنَّ الدُّعاء يردُّ القضاء (3)، ينقضه (4) كما يُنْقَضُ السلك وقد أبرم إبراماً (5).

2 - عنه عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن عمر بن يزيد قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ الدُّعاء يردُّ ما قد قدّر (6) وما لم يقدر، قلت : وما قد قدر عرفته فما لم يقدر؟ قال : حتّى لا يكون(7).

3 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن بسطام الزيات، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الدّعاء يردُّ القضاء وقد نزل من السماء وقد أبرم إبراماً.

4 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى عن أبي همّام إسماعيل بن همام، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الدّعاء والبلاء ليترافقان إلى يوم القيامة، إنَّ الدُّعاء ليرد البلاء وقد أبرم إبراماً.

ص: 440


1- «أشار إلى نفوذ الدعاء في الأعداء أشد من نفوذ السنان فيهم ولعل السر فيه أن الداعي الراجي من اللّه تعالى والملتجي إليه في دفع الأعداء يظهر ضعفه وعجزه ويسلب عن نفسه الحول والقوة ويتمسك بحول اللّه وقوته، والمتمسك بالسيف والسنان معتمد بحوله وقوته وسنانه ومن البيّن أن الأوّل أقوى من الثاني في دفعهم» المازندراني 206/10.
2- أي الحاد النافذ.
3- أي يكون الدعاء سبباً في عدم إنفاذ وإمضاء القضاء.
4- أي يهدمه ويحل ما جُدِل وأبرم منه.
5- أي إحكاماً واتقاناً.
6- أي أثبت في اللوح المحفوظ.
7- أي حتّى لا يُمضي ويصبح متعلقاً للإرادة والمشيئة إذ عندها لا يمكن ردّه. ومضمون ما بعده من الأحاديث واردة بهذا المعنى أيضاً. وقد تقدم ما يفيد في المقام في باب البداء من كتاب التوحيد من المجلد الأوّل فراجع.

5 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الدُّعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه (1) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ قلت: بلى، قال : الدُّعاء يردُّ القضاء وقد أبرم إبراماً - وضم أصابعه (2) -.

7 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد،، عن الوساء، اللّه الوشّاء، عن عبد بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الدُّعاء يردُّ القضاء بعدما أبرم إبراماً، فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كلّ رحمة، ونجاح كلّ حاجة، ولا ينال ما عند اللّه عزّ وجلّ إلّا بالدعاء، وإنه ليس باب يكثر قرعه إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن أبي ولاد قال : قال أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليكم بالدّعاء فإنَّ الدّعاء للّه، والطلب إلى اللّه يرد البلاء، وقد قُدْرَ وقُضِيَ ولم يبق إلّا إمضاؤه (3)، فإذا دُعي اللّه عزّ وجلّ وسُئِلَ صَرْف البلاء صَرَفَه.

9 - الحسين بن محمّد رفعه عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ ليدفع بالدّعاء الأمر الّذي علمه إن يدعى له فيستجيب (4) ولولا ما وفق العبد من ذلك الدّعاء لأصابه منه (5) ما يجثّه (6) من جديد الأرض (7).

باب أن الدعاء شفاء من كلّ داء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أسباط بن سالم، عن علاء بن

ص: 441


1- «أي لم يقل إنشاء اللّه... أو لم يستن فرداً منه» مرآة المجلسي 15/12.
2- الظاهر أن المراد بضم الأصابع إطباقها على راحة الكف، وذلك تمثيلاً للإبرام الّذي هو الإحكام الّذي من خصائصه في الأشياء المادية تلاحم أجزائها بعضها مع بعض.
3- فيه إشعار بأن الأمر المقضي إذا بلغ مرحلة الإرادة والمشيئة وامضي لا يرده شيء.
4- «لعل الغرض في توجيه ذلك الأمر وهو البلاء إلى العبد مع العلم بأنه يدفعه بالدعاء هو تحريك العبد إليه في جميع الأوقات فإنه يجوز في كلّ الأوقات أن يكون البلاء متوجهاً إليه ويبعثه ذلك إلى الدعاء دائماً...» المازندراني 209/10.
5- أي من البلاء الّذي كني عنه بلفظ (الأم).
6- أي يقتلعه وينتزعه وهو كناية عن الإهلاك.
7- جديد الأرض: وجهها.

كامل قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عليك بالدُّعاء فإنّه شفاء من كلّ داء (1).

باب أن من دعا استجيب له

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : الدُّعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر (2).

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : ما أبرز عبد يده (3) إلى اللّه العزيز الجبار إلّا استحيا اللّه عزّ وجلّ أن يردها صفراً (4)، حتّى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتّى يمسح على وجهه ورأسه.

باب إلهام الدعاء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل تعرفون طول البلاء من قِصَرِه؟ قلنا : لا، قال: إذا أُلْهِمَ (5) أحد [كم] الدُّعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد قال : قال أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه اللّه عزّ وجلّ الدُّعاء إلّا كان كشف ذلك البلاء وشيك (6)، وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدُّعاء إلّا كان

ص: 442


1- بإطلاقه، يشمل الأدواء الجسدية والروحية.
2- «أي كما أن السحاب مظنة المطر فالدعاء مظنة الإجابة. وكما أن الكهف وهو المغارة في الجبل يكن الأوي إليه من المخاوف والأخطار فالدعاء كهف المضطر وملجأ الملهوف. وقيل : شبه بالسحاب إشارة إلى أنّه محل المطر إلّا أنّه قد لا ينزل لعدم المصلحة وكذلك الدعاء قد لا يستجاب في الدنيا لعدم المصلحة ويعطى عوضه في الآخرة» مرآة المجلسي 18/12.
3- أي سائلا بها.
4- أي خالية.
5- إلهام الدعاء : إخطاره بباله وتوفيقه إليه.
6- أي سريعاً.

ذلك البلاء طويلاً، فإذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء والتضرع إلى اللّه عزّ وجلّ.

باب التقدم في الدعاء

باب التقدم في الدعاء (1)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم عن هشام ابن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من تقدَّم في الدُّعاء استجيب له إذا نزل به البلاء ؛ وقالت الملائكة : صوت معروف ولم يحجب عن السماء. ومن لم يتقدَّم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء ؛ وقالت الملائكة : إن ذا الصوت لا نعرفه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عنبسة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من تخوف [من] بلاء يصيبه فتقدَّم فيه بالدُّعاء لم يُره اللّه عزّ وجلّ ذلك البلاء أبداً.

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن منصور بن يونس، عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ الدُّعاء في الرخاء يستخرج(2) الحوائج في البلاء.

4 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من سره أن يستجاب له في الشدَّة فليُكْثِر الدُّعاء في الرخاء.

5 - عنه، عن أبيه، أبيه، عن عبيد اللّه بن يحيى، عن رجل، عن عبد الحميد بن غوّاص الطائي عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كمان جدّي يقول : تقدموا في الدُّعاء، فإنَّ العبد إذا كان دعاءً فنزل به البلاء فَدَعَا، قيل : صوت معروف، وإذا لم يكن دعاءً فنزل به بلاء فَدَعَا، قيل : أين كنت قبل اليوم.

6 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء عمّن حدثه، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الدُّعاء بعدما ينزل البلاء لا ينتفع [به] (3).

ص: 443


1- الظاهر أن المراد بتقدم الدعاء هو اشتغال العبد به حتّى في وقت الرخاء بحيث يكون عادة لديه وليس فقط بعد نزول البلاء أو عند الشدّة، وهو بهذه الصورة إضافة إلى كونه عبادة مرغوبة في حد ذاتها فإن من فوائده الإسراع في استجابة دعائه عند نزول البلاء به أو عند شدته فيُرفع عنه كما يؤمي إليه مضمون الحديث الأول، بل وما بعده أيضاً.
2- أي يستخلصها ويستوفيها. وقيل يخرجها من القوة إلى (الفعل) مرآة المجلسي 22/12.
3- لا بد من حمله - بملاحظة بعض الروايات المتقدمة - على من لم يكن الدعاء عنده عادة يتوجه به إلى ربه حتّى في وقت الرخاء، أو المقصود بنزول البلاء وصوله مرحلة الإرادة والمشيئة والإبرام، وهو في هذه الحال لا يردّه شيء، كما سبق ونبهنا عليه.

باب اليقين في الدعاء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفراء، عمّن حدثه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا دعوت فظنَّ (1) أن حاجتك بالباب.

باب الإقبال على الدعاء

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمر و قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه (2). فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة.

2 - عدة - من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : لا يقبل اللّه عزّ وجلّ دعاء قلب لاه، وكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا دعا أحدكم للميت فلا يدعو له وقلبه لاه عنه (3)، ولكن ليجتهد له في الدعاء.

ص: 444


1- «حمل الكليني الظن على البقين لما سيأتي في الحديث الأوّل من الباب الآتي، ويمكن حمله على معناه الظاهر فإن اليقين بالإجابة مشكل، إلّا أن يقال : المراد اليقين بما وعد اللّه من إجابة الدعاء إذا كان مع شرائط وأعم من أن يعطيه أو عوضه في الآخرة» مرآة المجلسي 24/12.
2- لو تحرك لسان الداعي بقلب ساه «كان حريا بعد الاستجابة لوجوه. الأوّل : أن الدعاء من أفضل الأعمال وإنما الأعمال بالنيات ولا يتصور النية مع سهو القلب. الثاني: أن دعاءه حينئذ شبيه بالاستهزاء وهو يوجب البعد عن الرحمة فكيف يكون موجباً للإجابة؟ الثالث: أن اللسان ترجمان للقلب والترجمان إذا قال شيئاً لم يخطر ببال الأصل ظهر منه الخيانة واستحق هجه الطرد والمنع عن الحضور. الرابع : أن القلب إذا أعرض عنه جل شأنه واشتغل بغيره فقد اتخذ إلها غيره... فحقيق أن يكله إلى ذلك الغير. الخامس : أن العاشق إذا أعرض عن المعشوق مع كمال ألطاف المعشوق وإكرامه فالمعشوق أولى بأن يعرض عنه» المازندراني 211/10 - 212.
3- أي لاه عن الميت المدعو له، وكأنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر إلى ما عليه النّاس عند دعائهم للميت في حالة تعزية أهله بفقده أو عند ذكره في مجلس ما فإنهم إنما يفعلون ذلك بقصد أداء واجب اجتماعي اقتضته قواعد اللياقة والذوق غالباً فلا يتأتى منهم غالباً قصد الدعاء له حقيقة بل صورة.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن سيف بن عَمِيرَة، عن سليم الفراء عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا دعوت فأقبل بقلبك وظنَّ حاجتك بالباب (1).

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عَمِيرَة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب قاس.

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما استسقى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وسُقِيَ النّاس حتّى قالوا : إنّه الغرق - وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بيده وردّها (2) : «اللّهمّ حوالينا ولا علينا» (3) قال : فتفرق السحاب - فقالوا : يا رسول : : اللّه استسقيت لنا فلم نسق ثمّ استسقيت لنا فسقينا؟ قال: «إنّي دعوت وليس لي في ذلك نية (4) ثمّ دعوت ولي في ذلك نيّة.

باب الإلحاح في الدعاء والتلبّث

باب الإلحاح في الدعاء والتلبّث (5)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عطية، عن عبد العزيز الطويل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ العبد إذا دعا لم يزل اللّه تبارك وتعالى في حاجته (6) ما لم يستعجل (7).

ص: 445


1- هذا المضمون هو ما ورد في الحديث الوتر الوارد ذكره في الباب السابق، ولعله يصلح مفسّراً له، وأن الظن بمعنى اليقين مع توفر شرط الدعاء الأساس وهو الإقبال عليه سبحانه والانقطاع إليه.
2- «هذا يحتمل وجوهاً : أحدها: أن مفعول القول : اللّهمّ الخ. وقوله بيده : حال، أي مشيراً بيده. وقوله : وردّها إيضاً حال، أي وقد ردّها عن السماء بعدما رفعها إليها للدعاء. الثاني : أن يكون القول بمعنى الفعل أي حرّك يده يده يميناً وشمالاً مشيراً إلى تفرّق السحاب وكشفها عن المدينة وقد ردّها سابقاً عن الدعاء...» الخ مرآة المجلسي 27/12.
3- أي أنزل المطر في أطراف المدينة حيث الزرع لا على بيوتها وأزقتها خوفاً من الغرق بالسيل.
4- أي لم يكن عنده كمال الاهتمام والقصد، وذلك لأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قد لا يكون مقتنعا بوجود مصلحة مقتضية لطلب السقي منه سبحانه ثمّ حصلت عنده القناعة فيما بعد.
5- الإلحاح : المواظبة والإسمرار في الدعاء بحيث لا يتوانى عنه ولا يفتر. وقيل : هو العزم وحسن الظن به سبحانه في الإجابة والتلبث : التوقف والمكث في مواطن الدعاء بتطويل مدته وعدم الاستعجال في طلب الحاجة وإن أبطات عنه بحيث لا يكون ذلك مدعاة إلى يأسه وانصرافه عن الدعاء.
6- أي في تقديره وتيسيره وتسبيب أسبابه» مرآة المجلسي 28/12.
7- أي تؤخر استجابة دعائه فيترك الدعاء يأساً من قضائه سبحانه لحاجته.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عطية، عن عبد العزيز الطويل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن العبد إذا عجّل فقام لحاجته (1) يقول اللّه تبارك وتعالى : (أما يعلم عبدي أني أنا اللّه الّذي أقضي الحوائج).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عَمِيرَة، 2 عن محمّد بن مروان عن الوليد بن عقبة الهجري قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : واللّه لا يلح عبد مؤمن على اللّه عزّ وجلّ في حاجته إلّا قضاها له.

4 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحجّال عن حسّان، عن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه عزّ وجلّ كره إلحاح النّاس بعضهم على بعض في المسألة وأحبَّ ذلك لنفسه (2)، إنَّ اللّه عزّ وجلّ يحبُّ أن يُسأل ويُطلَبَ ما عنده

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين الأحمسي، عن رجل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا واللّه لا يلح عبد على اللّه عزّ وجلّ إلّا استجاب اللّه له (3).

6 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «رحم اللّه عبداً طلب من اللّه عزّ وجلّ حاجة فالح في الدّعاء استجيب له أو لم يستجب [له] وتلا هذه الآية: ﴿ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (4).

باب تسمية الحاجة في الدعاء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه الفراء، عن أبي عبد

ص: 446


1- أي اختصر في دعائه أو لم يلجأ إلى الدعاء كسباً للوقت ليتوجه إلى قضاء حاجة ما عرضت له.
2- أي أحب إلحاح عبده في مسألته دون مسألة غيره.
3- الاستجابة هنا وفيما تقدم من الحديثين السابقين مشروطة بأن يكون المطلوب مشروعاً وأن يكون الدعاء مستوفياً للشرائط من الإخلاص والانقطاع والتوجه.
4- مريم / 48. وهذا القول حكاية عن إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ولكنّه يحبّ أن تبثَّ (1) إليه الحوائج، فإذا دعوت فسم حاجتك.

وفي حديث آخر قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ يعلم حاجتك وما تريد، ولكن يحبّ أن تبت إليه الحوائج.

باب إخفاء الدعاء

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي همام إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دعوة العبد سراً دعوة واحدة تعدل سبيعين دعوةً علانية.

وفي رواية أخرى : دعوة تخفيها أفضل عند اللّه من سبعين دعوة تظهرها (2).

باب الأوقات والحالات الّتي ترجى فيها الإجابة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد محمّد بن خالد، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اطلبوا الدعاء في أربع ساعات (3) : عند هبوب الرياح، وزوال الأفياء (4)، ونزول القطر (5)، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن، فإنَّ أبواب السماء تفتح (6) عند هذه الأشياء.

2 - عنه، عن أبيه وغيره عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس فضل البقباق قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يستجاب الدعاء في أربعة مواطن في الوتز (7)، وبعد الفجر، وبعد الظهر،

ص: 447


1- أي تُظهر وتنشر.
2- فيهما دلالة على أن دعوة السر أفضل من دعوة العلن بشرط ألا يكون الإعلان رياءً وسمعة وإلا فلا نسبة بين الدعوتين حينئذ، إذ الثانية بحكم العدم.
3- وأما مقدار الساعة منها فغير معلوم، ولكن ورد أنّه عند الزوال تفتح أبواب السماء، وعندما سُئل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أي وقت؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): بمقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسلاً.
4- الأفياء : جمع فيء وهو الظل، إما بانعدامه كلية كما في بعض الأقطار حيث تكون الشمس في كبد السماء فينزل شعاعها بشكل عمودي على الأجسام، أو بانحرافه ورجوعه من جهة المغرب إلى جهة المشرق.
5- أي المطر.
6- إما حقيقة، أو كناية عن نزول الرحمة والألطاف الإلهية.
7- أي صلاة الوتر، وهي الركعة المفردة من صلاة الليل في آخرها.

وبعد المغرب (1).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اغتنموا الدّعاء عند أربع : عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفّين للشهادة (2)

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن عبد اللّه ابن عطاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي إذا كانت له إلى اللّه حاجة طلبها في هذه الساعة، يعني زوال الشمس.

5 - عنه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حسين بن المختار، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا رقّ أحدكم فليدع، فإنَّ القلب لا يرق حتّى يخلُصَ (3).

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «خير وقت دعوتم اللّه عزّ وجلّ فيه الأسحاره ؛ وتلا هذه الآية في قول يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «سوف أستغفر لكم ربي» (4) [و] قال : أخرهم إلى السحر.

7 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم، عن معاوية ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدَّم شيئاً فتصدَّق به، وشم شيئاً من طيب وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء اللّه (5).

8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن حديد، رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك، فدونَكَ دونك (6)، فقد قصد قصدك (7).

ص: 448


1- أي بعد صلوات الفريضة في هذه الأوقات.
2- أي عند التقاء جيشي المسلمين والكفار للقتال والظاهر أن زمن ذلك يمتد من لحظة التقائهما إلى لحظة الاستشهاد في سبيل اللّه.
3- أي يتفرغ عن الاشتغال بكل شيء إلّا باللّه سبحانه وينقطع عن كلّ شيء إلّا إياه سبحانه.
4- يوسف / 98.
5- فيه إشارة إلى أن التصدّق قبل التوجه بالدعاء وطلب الحاجة، والتطيب، وكون الدعاء في المسجد كلها أمور تساهم في الاستجابة.
6- أسم فعل بمعنى خذ والتكرار للمبالغة.
7- أي اعتدل قصدك إياه واستقام وفيه حث على طلب الحاجات منه حينئذ المازندراني 216/10.

قال : ورواه محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن محمّد بن أبي حمزة، عن سعيد (1) مثله.

9 - عنه، عن الجاموراني(2)، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن صندل(3)، عن أبي الصباح الكناني (4)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه عزّ وجلّ يحبّ من عباده المؤمنين كلّ عبد] دعاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السّماء، وتقسّم فيها الأرزاق وتقضى فيها الحوائج العظام.

10 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثمّ يصلّى ويدعو اللّه عزّ وجلّ فيها إلّا استجاب له في كلّ ليلة، قلت: أصلحك اللّه وأي ساعة هي من الليل؟ قال: إذا مضى نصف الليل وهي السدس الأوّل من أوَّل النّصف (5).

باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الرَّغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السّماء، والرَّهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء (6).

وقوله (7) وتبتل إليه تبتيلا (8) قال : الدّعاء بأصبع واحدة تشير بها(9)، والتضرّع تشير

ص: 449


1- هو سعيد بن يسار الضبيعي العجلي الأعرج لا بياع السابري، وذلك بقرينة رواية محمّد بن أبي حمزة عنه.
2- واسمه محمّد بن أحمد ولقبه الرازي، وذلك بقرينة روايته عن الحسن بن عليّ بن ابي حمزة.
3- هو صندل بن محمّد بن الحسن الأنباري وكان له أخ راوية أيضاً يدعى علي.
4- واسمه إبراهيم بن نعيم العبدي. وقد لقبه الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالميزان لوثاقته.
5- أي من أول النصف الآخر ومن : ابتدائية، وبيانية للسدس المازندراني 217/10.
6- «الرغبة : الإرادة، والراغب الطالب للشيء منه تعالى يناسب حاله أن يبسط كفيه إلى السماء ليوضع مطلوبه فيهما والرهبة : الخوف والفزع والخائف يناسب حاله أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء وبطنهما إلى الأرض للإشعار بأنه ألقى نفسه على الأرض تذللا، أو بأنه مع الخوف من التقصير كيف يتوقع أخذ شيء منه تعالى» المازندراني 217/10.
7- أي مدلول قوله تعالى، وهو من كلام الراوي.
8- المزمّل / 8.
9- «التبتل : الانقطاع والمتبتل المنقطع إليه تعالى المعرض عما سواه يناسب حاله ذلك للإشعار بأنه ليس له سواه ولا مرجع إلّا إياه...» المازندراني 217/10.

بأصبعيك وتحركهما (1)، والابتهال رفع اليدين وتمدُّهما (2) وذلك عند الدمعة، ثمّ ادع (3).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (4)، فقال: الاستكانة هو الخضوع والتضرّع هو رفع اليدين والتضرع بهما.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعاً، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي خالد، عن مروك بياع اللؤلؤ(5)، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال (6): ذكر (7) الرغبة، وأبرز باطن راحتيه إلى السماء، وهكذا (8) الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء، وهكذا التضرع وحرك أصابعه يميناً وشمالاً (9) وهكذا التبتل ويرفع أصابعه مرَّة ويضعها مرة، وهكذا الابتهال، ومدَّ يده تلقاء وجهه إلى القبلة ولا يبتهل حتّى تجري الدَّمعة (10).

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه عن فضالة عن العلاء (11)، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : مرَّ بي رجل وأنا أدعو في صلاتي بيساري فقال : يا أبا عبد اللّه بيمينك، فقلت: يا عبد اللّه إنَّ اللّه تبارك وتعالى حقاً على هذه كحقّه على هذه.

وقال : الرّغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة تبسط يديك وتظهر ظهرهما، والتضرّع تحرك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً، والتبتل تحرّك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلاً (12)

ص: 450


1- الظاهر أنهما من اليدين وأنهما سبابتان ن. م.
2- الابتهال: لغة الاجتهاد وإخلاصه - كما في القاموس - وفسره في النهاية بمد اليدين جميعاً، كما في المتن.
3- الظاهر عوده إلى الجميع.
4- المؤمنون / 76. وأول الآية هكذا (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ...).
5- لا يبعد أنّه مروك بن عبيد بن سالم واسم مروك : صالح. راجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 18 / 125 – 127.
6- أي الراوي.
7- أي الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
8- هذا من كلام الراوي أيضاً، أي ذكر الإمام الرهبة ومثله (هكذا) الّتي بعد ذلك مكررة.
9- لعله إشعار من الداعي بعدم معرفته ما سوف يؤول إليه حاله فيكون من أصحاب الشمال أو من أصحاب اليمين.
10- جريان الدمعة كناية عن البكاء وهو علامة إجابة الدعاء.
11- الظاهر أنّه العلاء بن رزين بقرينة روايته عن محمّد بن مسلم.
12- الرِّسل : الرّفق والتؤدة - كما في القاموس -.

وتضعها، والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السماء والابتهال حين ترى أسباب البكاء.

5 - عنه، عن أبيه أو غيره عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن الدُّعاء ورفع اليدين فقال : على أربعة أوجه : أما التعوّذ (1) فتستقبل القبلة بباطن كفيك، وأما الدّعاء في الرّزق فتبسط كفّيك وتفضي بباطنهما (2) إلى السماء، وأما التبتل فإيماء بأصبعك السبابة، وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك، ودعاء التضرع أن تحرّك أصبعك السبّابة ممّا يلي وجهك (3) وهو دعاء الخيفة.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) قال : الاستكانة هي الخضوع والتضرُّع رفع اليدين والتضرع بهما (4).

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم وزرارة قالا، قلنا لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف المسألة إلى اللّه تبارك وتعالى؟ قال: تبسط كفيك. قلنا : كيف الاستعاذة؟ قال : تفضي بكفيك والتبتل الإيماء بالأصبع، والتضرّع تحريك الأصبع والابتهال أن تمد يديك جميعاً.

باب البكاء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدموع (5) فإنَّ القطرة تطفىء بحاراً من نار، فإذا اغرورقت العين (6) بمائها لم يرهق (7) وجهاً قَتَر (8) ولا ذلّة فإذا فاضت

ص: 451


1- أي التحرز والتحصن من شر الأعداء من الأنس والجن. ومن شرور النفس الّتي هي أعدى الأعداء.
2- أي تجعل باطنهما. أو تظهر باطنهما.
3- «ظاهره الرفع والخفض وهو مخالف لما مر في الخبر السابق وهو بعينه ما مر في التبتل وكأنه لهذا عدّها أربعاً والمراد أنهما مترادفان فهذا اصطلاح آخر». مرآة المجلسي 47/12.
4- مر مضمونه تحت رقم (2) من هذا الباب والراوي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو محمّد بن مسلم أيضاً.
5- «للعبارة وجهان: الأوّل : أن كلّ عبادة يعتبر كيلها ووزنها ويجزي على وجه الاستحقاق بمثلها كيلا بكيل ووزناً بوزن وإذا وقعت الزيادة فهي تفضّل إلّا الدمع فإنه وإن كان خفيفاً قليلاً يستحق صاحبه أجراً جزيلاً لا يعلم قدره إلّا اللّه الثاني : إن الدمع لكونه عظيماً لا يحيط به الكيل والوزن فلا يمكن أن يقدر بهما فلذلك يوجب أجراً جزيلا»المازندراني 220/10.
6- أي فاض دمعها وكأنها غرقت فيه.
7- أي لم يغش.
8- القتر: الغبرة. الغبار.

حرمه اللّه على النّار ولو أن باكياً بكي في أمة الرحموا.

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة ومنصور ابن يونس، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من عين إلّا وهي باكية يوم القيامة، إلّا عيناً بكت من خوف اللّه، وما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه عزّ وجلّ إِلا حرَّم اللّه عزّ وجلّ سائر جسده على النّار، ولا فاضت على خدّه فَرَهَقَ ذلك الوجه قترٌ ولا ذلّة، وما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدمعة، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يطفيء باليسير منها البحار من النار، فلو أن عبداً بكى في أمة لرحم اللّه عزّ وجلّ تلك الأمة ببكاء ذلك العبد.

3 - عنه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن منى الحناط، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من قطرة أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من اللّه يراد بها غيره.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن صالح بن رزين ومحمّد بن مروان وغيرهما، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاثة : عين غُصَّتْ عن محارم اللّه وعين سهرت في طاعة اللّه (1)، وعين بكت في جوف الليل من خشية اللّه.

5 - ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج ودُرُست، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدموع، فإنَّ القطرة منها تطفيء بحاراً من النّار، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يَرْهَق وجهه فتر ولا ذِلّة، فإذا فاضت حرمه اللّه على النار، ولو أنَّ باكياً بكى في أمة الرحموا (2).

6 - ابن أبي عمير، عن رجل من أصحابه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أن عبادي لم يتقرَّبوا إليَّ بشيء أحبّ إليَّ من ثلاث خصال، قال موسى : يا ربِّ وما هنّ؟ قال : يا موسى الزّهد في الدنيا، والورع عن المعاصي، والبكاء من خشيتي، قال موسى : يا ربّ فما لمن صنع ذا؟ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه يا موسى : أما الزاهدون في الدنيا ففي الجنّة، وأما البكاؤون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى (3) لا يشاركهم أحد، وأما الورعون عن

ص: 452


1- أعم من أن يكون ذلك للدعاء والتهجد أو في الثغور لمراقبة العدو والدفاع عن أرض الإسلام.
2- مر مضمونه تحت رقم (1) من هذا الباب.
3- الرفيع الأعلى : المراد به الدرجات العليا في الجنّة، مسكن الرفيق الأعلى من الأنبياء والأولياء والشهداء والصديقين.

معاصي فإنّي أفتش النّاس ولا أقتشهم.(1)

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فارقُ وأبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال : نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربّك تبارك وتعالى(2).

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عنبسة العابد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن لم يكن بك بكاء فتباك (3).

9 - عنه، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن سعيد بن يسار بياع السابري قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنّي أتباكى في الدُّعاء وليس لي بكاء؟ قال: نعم ولو مثل رأس الذُّباب.

10 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن عليّ بن أبي حمزة قال : قال، أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي بصير : إن خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ اللّه ومجده، وأثن عليه كما هو أهله، وصلّ على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وسل حاجتك، وتباك ولو مثل رأس الذُّباب، إنَّ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول : إن أقرب ما يكون العبد من الرَّب عزّ وجلّ وهو ساجدٌ باك.

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن إسماعيل البجلي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن لم يجئك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ (4).

باب الثناء قبل الدعاء

1 - أبو على الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن - الحارث بن المغيرة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إيّاكم إذا أراد أحدُكُم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة، حتّى يبدأ بالثناء على اللّه عزّ وجلّ، والمدح له، والصلاة على

ص: 453


1- أي يدخلون الجنّة بغير حساب.
2- «فيه دلالة على جواز استعمال الحيل المشروعة لترقيق القلب والقدرة على البكاء» المازندراني 222/10.
3- التباكي : حمل النفس على البكاء أو التشبه بالباكين من حيث الحركة والصوت والرّنة.
4- بخ : كلمة تقال عند الإعجاب والرضا بشيء ما، وكذلك عند المدح والثناء أو الفخر.

النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ثمّ يسأل اللّه حوائجه.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن في كتاب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : إِنَّ المِدْحَةَ (1) قبل المسألة، فإذا دعوت اللّه عزّ وجلّ فمجده، قلت: كيف أمجده؟ قال : تقول : «يا من هو أقرب إليَّ من حبل الوريد (2)، يا فعالاً لما يريد، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى (3)، يا من هو ليس كمثله (4) شيء».

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن ابن سنان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنما هي (5) المِدْحَةُ، ثمّ الثناء، ثمّ الإقرار بالذَّنب، ثمّ المسألة، إنه واللّه ما خرج عبد من ذنب إلّا بالإقرار.

4 - وعنه (6)، عن ابن فضّال عن ثعلبة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله إلّا أنّه قال : ثمّ الثناء، ثمّ الاعتراف بالذنب (7).

5 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حماد ابن عثمان، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أردت أن تدعو فمجد اللّه (8) عزّ وجلّ، واحمده، وسبِّحه، وهلله، وأتن عليه، وصلّ على محمّد النبي وآله، ثمّ سَلْ تُعْطَ.

6 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان عن عيص بن القاسم قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا طلب أحدكم الحاجة فلين على ربّه وليمدحه، فإنَّ الرَّجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيا له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجدوا اللّه العزيز الجبار وامدحوه وأثنوا عليه تقول : يا أجود من أعطى ويا خير من سُئِلَ، يا أرحم من

ص: 454


1- المذحة ما يمدح به مصدر مدحته مَدْحاً.
2- كناية عن غاية القرب والإحاطة.
3- «يمكن أن يكون كناية عن إحاطة علمه بجميع الممكنات جليها وخفيها كبيرها وصغيرها واستيلاؤه على الجميع لأن كونه بالمنظر الأعلى يستلزم ذلك» المازندراني 224/10.
4- «المقصود نفي مثله لا نفي مثل مثله المستلزم لثبوت مثله فالكاف زائدة كما قيل. وقيل غير زائدة والمقصود نفي المثل بالبرهان بيانه أن ذاته تعالى مسلّم الثبوت لا ينكره أحد، فلو ثبت له مثل لزم ثبوت مثل المثل، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم وهو المطلوب» ن. م.
5- أي آداب الدعاء.
6- أي عن أحمد بن محمّد بن خالد الوارد في سند الحديث السابق.
7- هو تعبير آخر عن الإقرار الوارد في الحديث السابق.
8- تمجيده سبحانه قول اللّه أكبر. وقد يطلق على الحولقة وهي قول لا حول ولا قوة إلّا باللّه.

استرحم، يا أحد يا صمد (1)، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، يا من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويقضي ما أحب، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شيء، يا سميع يا بصير» وأكثر من أسماء اللّه عزّ وجلّ فإنَّ أسماء اللّه كثيرة، وصلّ على محمّد وآله وقل: «اللّهمّ أوسع عليَّ من رزقك الحلال ما أكفُ به وجهي (2)، وأؤدّي به عن أمانتي، وأصِلُ به رحمي، ويكون عوناً لي في الحجّ والعمرة.»

وقال: إنَّ رجلاً دخل المسجد فصلى ركعتين ثمّ سأل اللّه عزّ وجلّ، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «عجّل العبد ربه» (3). وجاء آخر فصلى ركعتين ثمّ أثنى على اللّه عزّ وجلّ وصلَّى على النبي [وآله] فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «سَلْ تُعْطَ».

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن أبي کهمس قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : دخل رجلٌ المسجد فابتدأ (4) قبل الثناء على اللّه والصلاة على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : عاجل العبد ربه، ثمّ دخل آخر فصلّى وأثنى على اللّه عزّ وجلّ وصلّى على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : سل تُعْطَ، قال : أن في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5) : أنَّ الثناء على اللّه والصلاة على رسوله قبل المسألة، وإنَّ أحدكم ليأتي الرَّجل يطلب الحاجة فيحبُّ أن يقول له خيراً قبل أن يسأله حاجته.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عمّن حدثه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت آيتان في كتاب اللّه عزّ وجلّ أطلبهما فلا أجدهما (6) قال : وما هما؟ قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (7) فندعوه ولا نرى إجابة، قال : أفترى اللّه عزّ وجلّ أخْلَف وعده؟ قلت : لا، قال : فممَّ ذلك (8)؟ قلت: لا أدري، قال : لكني أخبرك، من أطاع اللّه

ص: 455


1- الصمد - كما في النهاية - السيد الّذي انتهى إليه السؤدد وقيل : الدائم الباقي. وقيل : الّذي لا جوف له. وقيل : الّذي يصمد في الحوائج إليه أي يُقصد.
2- أي امنع به وجهي عن ذل مسألة النّاس.
3- أي سأله قبل أن يفعل شيئاً من آداب الدعاء كتمجيده سبحانه وتحميده والثناء عليه وغير ذلك ممّا تقدم.
4- أي بسؤال حاجته.
5- هذا من كلام الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- أي لا أجد أن مضمونهما يتحقق.
7- غافر / 60.
8- أي ما هو علة عدم الإجابة؟

عزّ وجلّ فيما أمره ثمّ دعاه من جهة الدعاء (1) أجابه، قلت وما جهة الدعاء قال : تبدأ فتحمد اللّه وتذكر نعمه عندك، ثمّ تشكره، ثمّ تصلى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، ثمّ تذكر ذنوبك فتقربها، ثمّ تستعيذ منه، فهذا جهة الدُّعاء ثمّ قال : وما الآية الأخرى؟ قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (2) وإنّي أنفق ولا أرى خَلَفاً، قال : أفترى اللّه عزّ وجلّ أخلف وعده ؟ قلت : لا، قال : فم ذلك؟ قلت لا أدري، قال : لو أنَّ أحدكم اكتسب المال من حلّه وأنفقه في حلّه (3) لم ينفق درهماً إلّا أخلف عليه.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من سره أن يستجاب له دعوته فليُطب مكسبه (4).

باب الاجتماع في الدعاء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الواسطي، عن درست بن أبي منصور عن أبي خالد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من رهط أربعين رجلا (5) اجتمعوا فدعوا اللّه عزّ وجلّ في أمر إلّا استجاب اللّه لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون اللّه عزّ وجلّ عشر مرات إلّا استجاب اللّه لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللّه أربعين مرَّة فيستجيب اللّه العزيز الجبار له (6).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن يونس ابن يعقوب، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما اجتمع أربعة رهط (7) قط على أمر

ص: 456


1- أي على الوجه والكيفية الّتي رسمها للداعي عند دعائه وهي عبارة عن شروط ومقدمات وآداب إذا تخلّفت لم تتحقق الإجابة.
2- سبأ 39. فهو يُخلِفَهُ : أي يعطيكم عوضه.
3- أي اكتسبه من وجوه الحلال الّتي شرعها اللّه له وأنفقه في وجوه الحلال دون الحرام.
4- أي ليكسبه من وجوه الحلال دون الحرام.
5- الرهْط : وإن كانوا قد اختلفوا في عدد أفراده على أقوال من جملتها ما في الرواية وهو الأربعون، إلّا أنهم اتفقوا على ان جميع أفراده من الرجال ولا يكون معهم امرأة أبداً.
6- لا تنافي بين هذا الحديث وبين ما مر من أن دعاء السر أفضل من دعاء العلن إذ فرق بين أن يكون الاجتماع في الدعاء أدعى للإجابة وبين كون دعاء السر أكثر ثواباً. فكل من الموردين ناظر إلى جهة غير الأخرى.
7- «أي رجال، ولا ينافي ذلك كون مظنة الإجابة في الأربعين أكثر، أو يحمل على ما إذا دعا كلّ منهم عشر مرات، وقد يحمل الرهط على العشرة فيصير المجموع أربعين» مرآة المجلسي 77/12.

واحد فدعوا [اللّه] إلّا تفرقوا عن إجابة.

3 - عنه عن الحجّال عن ثعلبة، عن عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان ثمّ دعا وأمنوا (1).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الدّاعي والمؤمن في الأجر شريكان.

باب العموم في الدعاء

1 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا دعا أحدكم فليعم (2)، فإنّه أوجب للدُّعاء».

باب من أبطأت عليه الإجابة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قلت لابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): جُعِلْتُ فِداك، أنّي قد سألت اللّه حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال يا أحمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتّى يقنطك، إن أبا جعفر صلوات اللّه عليه كان يقول : إنَّ المؤمن يسأل اللّه عزّ وجلّ حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حباً لصوته واستماع نحيبه (3) ثمّ قال : واللّه ما أخّر اللّه عزّ وجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها، وأي شيء الدُّنيا، إن أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدّة، ليس إذا أعطي فَتَرَ (4)، فلا تملَّ الدُّعاء فإنه من اللّه عزّ وجلّ بمكان (5)، وعليك بالصبر، وطلب الحلال، وصلة الرَّحم، وإياك ومكاشفة النّاس (6) فإنا أهل البيت نَصِلُ من قطعنا، ونُحْسِنُ إلى من أساء إلينا،

ص: 457


1- أي :قالوا آمين وهو اسم مبني على الفتح معناه : اللّهمّ استجب.
2- أي لا يخصص نفسه به، بل يدعو للمؤمنين وللمؤمنات.
3- النحيب البكاء الشديد.
4- فتر انكسرت حدته أو سكن بعد حدّة وذلك بأن يترك الدعاء أو يتراخى فيه.
5- أي في مقام عظيم ومنزلة رفيعة.
6- أي مجاهرتهم بالعداوة ومبادأتهم بها.

فنرى واللّه في ذلك العاقبة الحسنة. إنَّ صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فأعطي طلب غير الّذي سأل، وصغُرَت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء، وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق الّتي تجب عليه وما يُخافُ من الفتنة فيها (1)، أخبرني عنك لو أني قلت لك قولاً أكنت تثق به مني ؟ فقلت له : جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فيمن أثق وأنت حجة اللّه على خلقه؟ قال : فكن باللّه أوثق، فإنك على موعد من اللّه، أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (2). وقال: (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) (3). وقال : (پ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) (4). فكن باللّه عزّ وجلّ أوثق منك بغيره، ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيراً (5) فإنّه مغفورٌ لكم.

2 - عنه، عن أحمد، عن عليّ بن الحكم، عن منصور الصَّيْقَل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ربما دعا الرَّجل بالدُّعاء فاستجيب له ثمّ أخر ذلك إلى حين (6)؟ قال: فقال: نعم، قلت : ولم ذاك ليزداد من الدُّعاء؟ قال : نعم.

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن أبي هلال المدائني، عن حديد (7)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ العبد ليدعو فيقول اللّه عزّ وجلّ للملكَيْن : قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته (8)، فإنّي أحبّ أن أسمع صوته، وإنَّ العبد ليدعو فيقول اللّه تبارك وتعالى : عجّلوا له حاجته فإنّي أبغض صوته.

4 - ابن أبي عمير، عن سليمان صاحب السابري، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يستجاب للرجل الدُّعاء ثمّ يؤخر قال : نعم عشرين سنة.

5 - ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان بين قول اللّه عزّ

ص: 458


1- أي الحقوق من حيث عدم أداء الواجب أو المندوب منها بخلاً وشحاً، أو وقوعه في العُجب فيما لو أداها.
2- البقرة/ 186.
3- الزمر / 53. (لَا تَقْنَطُوا) : أي لا تيأسوا.
4- البقرة/ 268.
5- أي لا تظنوا بربكم إلّا خيراً.
6- هذا كلام مستبطن للاستفهام والتعجب في أن أي هل يمكن أن يستجيب اللّه دعاء العبد ثمّ يؤخر إبرام ما قضى به إلى وقت آخر؟
7- هو حديد بن حكيم الأزدي المدائني، كنيته أبو علي.
8- أي بسبب حاجته بتأخير إجابتها.

وجلَّ: (وقَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) (1) وبين أخذ فرعون أربعين عاماً.

6 - ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ المؤمن ليدعو فيؤخر إجابته إلى يوم الجمعة (2).

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ العبد الولي اللّه يدعو اللّه عزّ وجلّ في الأمر ينوبه(3) فيقول للملك الموكل به : اقض لعبدي حاجته ولا تعجّلها فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته، وإنَّ العبد العدو للّه ليدعو اللّه عزّ وجلّ في الأمر ينوبه فيقال للملك الموكل به: اقض [لعبدي] حاجته وعجّلها فإنّي أكره أن أسمع نداءه وصوته.

قال : فيقول النّاس : ما أعطي هذا (4) إلّا لكرامته ولا منع هذا (5) إلّا لهوانه.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من اللّه عزّ وجلّ ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء، قلت له : كيف يستعجل ؟ قال : يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة.

9 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ المؤمن ليدعو اللّه عزّ وجلّ في حاجته فيقول اللّه عزّ وجلّ أخروا إجابته، شوقاً (6) إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال اللّه عزّ وجلّ: (عبدي!

ص: 459


1- يونس / 89 والخطاب كان لموسى وهارون عندما دعا موسى على آل فرعون بقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ).
2- وذلك لتحصيل فضيلة الدعاء في هذا اليوم لبركته وزيادة النفحات الإلهية فيه.
3- أي يصيبه.
4- أي العدو اللّه.
5- أي الولي اللّه. وفيه دلالة على أن النّاس لمكان قصورهم وتعجّلهم الأمور يحكمون على ظاهرها بحسب مقاييسهم هم وهو غير صحيح.
6- «قيل : الشوق إنما يتعلق بشيء أدرك على وجه ولم يُدرك من وجه آخر فإن غير المدرك أصلا والمدرك من جميع الوجوه لا يتصور الشوق إليه، فإن من غاب عنه محبوبه وبقي عنده خياله يشتاق إليه وكذا لورآه لم يتصور أن يشتاق إليه إلّا أن يراه من وجه دون وجه كأن يرى وجهه دون شعره، ويراه في ظلمة الليل فإنه يشتاق إلى استكمال رؤيته بإشراق الضوء عليه فلكل مشتاق جهتان : جهة إدراك وجهة جهل فالشوق نقص وهو ممتنع عليه سبحانه، وأجيب بأن الشوق يستلزم المحبة وإذا نَسِبَ إليه سبحانه يراد به ذلك اللازم» المازندراني 231/10.

«دعوتني فأخّرت إجابتك، وثوابك (1) كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وَثَوابك كذا وكذا، قال : فيتمنى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب».

باب الصلاة على النبي محمّد وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يزال الدّعاء محجوباً حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد (2).

2 - عنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من دعا ولم يذكر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رفرف الدّعاء على رأسه (3) فإذا ذكر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رفع الدعاء.

3 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن أبي أسامة زيد الشحام، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنَّ رجلا أتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه إنّي أجعل لك ثلث صلواتي (4)، لا، بل أجعل لك نصف صلواتي، لا، بل أجعلها كلّها لك، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا تكفى مؤونة الدنيا والآخرة».

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف(5)، عن أبي أسامة (6)، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ما معنى أجعل صلواتي كلها لك؟ : فقال : يقدّمه بين يدي كلّ حاجة فلا يسأل اللّه عزّ وجلّ شيئاً حتّى يبدأ بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيصلي عليه ثمّ يسأل اللّه حوائجه.

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن

ص: 460


1- أي ثوابك الّذي أعطيك إياه الآن في القيامة.
2- آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عترته وأهل بيته ويشمل ذلك المعصومين الثلاثة عشر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). «والسر في حجب الدعاء بدون الصلاة أمران :الأوّل أن نبينا وآله (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسائط بينه وبين عباده في قضاء حوائجهم ونيل مطالبهم وهم أبواب معرفته فلا بد من التوسل بهم في غرض الدعاء عليه وقبوله لديه... الثاني : إن العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه وعرض المجموع إلى اللّه سبحانه والصلاة غير محجوبة فالدعاء أيضاً غير محجوب لأن اللّه سبحانه كريم يستحي أن يقبل جزء المعروض ويرد جزءاً آخر...» المازندراني 231/10 - 232.
3- هذا كناية عن عدم وصول الدعاء إلى مرتبة الاستجابة.
4- أي أدعيتي.
5- أي ابن عَمِيرَة.
6- هو زيد الشحام.

القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «لا تجعلوني كقَدَح الراكب (1) فإنَّ الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء، اجعلوني في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه».

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن، الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه ؛ وحسين بن أبي العلاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا ذُكر النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأكثروا الصلاة عليه، فإنّه من صلى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلاة واحدة صلّى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة، ولم يبق شيء ممّا خلقه اللّه إلّا صلّى على العبد لصلاة اللّه عليه وصلاة ملائكته (2)، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور، قد برىء اللّه منه ورسوله وأهل بيته.

7 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من صلى عليَّ صلّى اللّه عليه وملائكته، ومن شاء فليقل شاء فليقل ومن شاء فليكثر».

8 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمیر، عن عبد اللّه. بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «الصَّلاة عليَّ وعلى أهل بيتي تذهب بالنّفاق» (3).

9 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان عن أبي عمران الأزدي، عن عبد اللّه ابن الحكم، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال : ياربِّ صلِّ على محمّد وآل محمّد مائة مرّة (4) اقضيت له مائة حاجة ثلاثون للدنيا [والباقي للآخرة].

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم وعبد الرحمن بن أبي نجران جميعاً عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّ دعاء يدعى اللّه عزّ وجلّ به محجوب عن السماء حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد (5).

ص: 461


1- «فإن الراكب يعلّق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه». «أراد : لا تؤخروني في الذكر لأن الراكب يؤخر القدح إلى أن يرفع كلّ شيء بسبب ما فيه من الماء، وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربه ثمّ يعلقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله من خلفه» المازندراني 233/10.
2- الصلاة على النبي وأهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من العبد المؤمن عبارة عن طلب الوسيلة والفضيلة والدرجات الرفيعة مع التحنن لهم وعليهم، والصلاة من اللّه عليهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هو إجابة ذلك الطلب وتحقيق مضمونه.
3- بشرط التصديق به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والإقرار بولايتهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنحو جدّي.
4- أي يكرر اللّهمّ صل على محمّد وآل محمّد بهذا العدد.
5- مر مضمونه مع اختلاف في الألفاظ.

11 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال : حدّثني من سمع أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : جاء رجل إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : أجعل نصف صلواتي لك؟ قال : نعم، ثمّ قال : أجعل صلواتي كلها لك قال : نعم، فلمّا مضى قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «كُفي همَّ الدُّنيا والآخرة» (1).

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم (2) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ رجلا أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه إني جعلت ثلث صلواتي لك؟ فقال له خيراً، فقال له : يا رسول اللّه إنّي جعلت نصف صلواتي لك؟ فقال له : ذاك أفضل، فقال: إنّي جعلت كلّ صلواتي لك فقال : إذا يكفيك اللّه عزّ وجلّ ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك، فقال له (3) رجلٌ : أصلحك اللّه كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يسأل اللّه عزّ وجلّ شيئاً إلّا بدأ بالصلاة على محمّد وآله.

13 - ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ فإنّها تذهب بالنّفاق».

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يعقوب بن عبد اللّه، عن إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا إسحاق بن فروخ من صلى على محمّد وآل محمّد عشراً صلّى اللّه عليه وملائكته مائة مرّة، ومن صلى على محمّد وآل محمّد مائة [مرَّة] صلى اللّه عليه وملائكته ألفاً(4)، أما تسمع قول اللّه عزّ وجلّ : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)(5).

15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد وإنَّ الرَّجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به (6) فيخرج (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح [به].

ص: 462


1- مر مضمونه أيضاً كالسابق.
2- هو مرازم بن حكيم الأزدي المدائني / مولى. كنيته أبو محمّد.
3- أي لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- «لا منافاة بين هذا وبين ما سبق في الحديث رقم (6) من أن من صلى عليه صلاة صلى اللّه عليه ألف صلاة لأن الزيادة من باب التفضل، ويحتمل أن يكون باعتبار تفاوت المصلين» المازندراني 10 / 235 - 236.
5- الأحزاب / 43.
6- أي فترجح سيئاته على حسناته لثقل تلك وخفة هذه.

16 - عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور عن أبيه، عن رجاله قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من كانت له إلى اللّه عزّ وجلّ حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد، فإنَّ اللّه عزّ وجلّ أكرم من أن يقبل الطرفين وبدع الوسط إذ[ا] كانت الصلاة على محمّد وآل محمّد لا تحجب عنه (1).

17 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محسن بن أحمد، عن أبان الأحمر، عن عبد السلام بن نعيم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني دخلت البيت(2) ولم يحضرني شيء من الدُّعاء إلّا الصّلاة على محمّد وآل محمّد، فقال: أما إنه لم يخرج أحدٌ بأفضل ممّا خرجت به.

18 - عليّ بن محمّد، عن أحمد بن الحسين، عن عليّ بن الرَّيَّان، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الدّهقان قال : دخلت على أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي : ما معنى قوله : (وذكر اسم ربه فصلی) (3) :قلت كلّما ذكر اسم ربه قام فصلى فقال لي : لقد كلف اللّه عزّ وجلّ هذا شططاً (4) فقلت : جعلت فداك فكيف هو ؟ فقال : كلّما ذكر اسم ربه صلّى على محمّد وآله.

19 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن مفضّل بن صالح الأسدي، عن محمّد بن هارون عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا صلّى أحدكم ولم يذكر النبي [وآله] (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في صلاته يُسْلَك بصلاته غير سبيل الجنّة (5). وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من ذكرت عنده فلم يصلّ عليَّ دخل النّار فأ بعدَهُ اللّه (6)، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من ذكرت عنده فنسي الصلاة على خطىء به طريق الجنّة» (7).

20 - أبو علي الأشعري عن الحسين بن عليّ، عن عبيس بن هشام، عن ثابت عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من ذكرت عنده فنسي أن يصلّي عليَّ خطأ اللّه به طريق الجنّة».

ص: 463


1- أي بل ترفع إليه وتقبل عنده.
2- أي الكعبة المطهرة.
3- الأعلى / 15.
4- «الشطط : الجور والظلم والبعد عن الحق، وذلك لكثرة أفعال الصلاة ومقدماتها وشرائطها فلو كلفوا بها عند كلّ ذكر لوقعوا في شدة وضيق وعطلت أمورهم بخلاف الصلاة على النبي وآله (عَلَيهِ السَّلَامُ)» المازندراني 237/10.
5- «كناية عن عدم إيصال صاحبها إلى الجنّة أو عن عدم رفعها وإثباتها في عليين. وربما يستدل به على وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد إذ لا تجب في الصلاة إلّا فيه اتفاقاً» مرآة المجلسي 105/12.
6- إما دعاء عليه، أو إخبار عن طرد اللّه له من رحمته.
7- خطيء: أصله خطا، ء: أصله خطأ، يعني جعله اللّه مخطئاً طريق الجنّة، كما يفسره ما بعده.

21 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمع أبي رجلاً متعلقاً بالبيت وهو يقول : اللّهمّ صلّ على محمّد، فقال له أبي : يا عبد اللّه لا تبترها (1) لا تظلمنا حقنا قل: اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته (2).

باب ما يجب من ذكر اللّه عزّ وجلّ في كلّ مجلس

باب ما يجب من ذكر اللّه (3) عزّ وجلّ في كلّ مجلس

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن ربعي بن عبد اللّه بن الجارود الهذلي، عن الفضيل بن يسار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار، فيقومون على غير ذكر اللّه عزّ وجلّ (4) إلّا كان حسرةً عليهم يوم القيامة.

2 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا اللّه عزّ وجلّ ولم يذكرونا، إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة، ثمّ قال : [قال] أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن ذِكْرَنا من ذكر اللّه وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان (5).

3 - وبإسناده قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه: سبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد للّه ربّ العالمين (6).

ص: 464


1- البتر : القطع قبل الإتمام.
2- ويدل على وجوب قرن أهل البيت مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الصلاة، لأنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اعتبر عدم ذكرهم ظلماً وهو قبيح محرم.
3- «اعلم أن ذكر اللّه تعالى هو المقصود من خلق الإنسان ومن وضع جميع التكاليف... وللذكر درجات، الأولى : أن يكون باللسان مع غفلة القلب عنه وهذا أضعفها والثانية : أن يكون بالقلب مع عدم استقراره فيه، والثالثة : أن يكون بالقلب ويستقر فيه والرابعة : أن يكون بالقلب مع استقراره فيه واستيلائه عليه بحيث لا يشغل عنه أصلا». المازندراني 240/10.
4- يندرج في ذكر اللّه كلّ ما يؤدي إلى تمثله سبحانه وحضوره في الذهن من صفات وأحكام ورسل وأولياء بذكر تواريخهم ومناقبهم وفضائلهم، وكذلك ذكر الجنّة والنار الخ. بل يمكن تعميم الذكر إلى ما يشمل القلب إلى جانب اللسان.
5- لأنهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حجج اللّه وأولياؤه وأبوابه الّتي يؤتى منها وأعداءهم أولياء الشيطان ومحاز بوه وأعوانه وحبائله فذكرهم ذكر له.
6- هذا كناية عن مضاعفة الأجر وزيادة الثواب لمن قال ذلك عند القيام من مجلسه.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مكتوب في التوارة الّتي لم تغير (1) أَنَّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) سأل ربه فقال : يا رب أقريب أنت مني فأناجيك أم بعيد فأناديك. فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى : فمن في سترك يوم لا ستر إلّا سترك (2)؟ فقال : الّذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فأحبهم، فأولئك الّذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.

5 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم اللّه عزّ وجلّ ولم يصلوا على نبيهم إلّا كان ذلك المجلس حسرة ووبالاً (3) عليهم».

6 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا بأس بذكر اللّه وأنت تبول، فإنّ ذكر اللّه عزّ وجلّ حسن على كلّ حال فلا تسأم (4) من ذكر اللّه.

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا موسى : لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كلّ حال، فإنَّ كثرة المال تنسي الذُّنوب، وإن ترك ذكري يُقَسِّي القلوب.

8- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: مكتوب في التوراة الّتي لم تغير أن موسى سأل ربه فقال : إلهي إنه يأتي علي مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى إنَّ ذكري حسن على كلّ حال.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابه، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ لموسى : أكثر ذكري بالليل

ص: 465


1- أي الّتي لم تنلها يد تحريف أحبار اليهود.
2- أي لا ظل إلّا ظلك، وذلك يوم القيامة.
3- الوبال : الضرر والمكروه يلحق المرء، وأصله وبال الطعام أي وخامته وثقله ويقال ذاق فلان وبال عمله أي عاقبته السيئة وجزاءه الوخيم.
4- من السأم وهو الملل. أي لا يدعونك حقارة محل البول وقذارته إلى ترك ذكر اللّه فيه وذلك لعظمة ذكره سبحانه على أي حال كنت عليه.

والنهار، وكن عند ذكري خاشعاً، وعند بلائي صابراً، واطمئن عند ذكري واعبدني ولا تشرك بي شيئاً، إلي المصير، يا موسى اجعلني ذُخْرَك (1)، وضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات (2).

10 - وبإسناده عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ لموسى : (اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم (3)، وأكثر ذكري بالليل والنهار، ولا تتبع الخطيئة في معدنها فتندم (4) فإنَّ الخطيئة موعد أهل النّار (5)).

11 - وبإسناده قال : فيما ناجی اللّه به موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال یا موسى لا تنسني على كلّ حال فإنَّ نسياني يميت القلب.

12 - عنه عن ابن فضّال عن غالب بن عثمان عن بشير الدهان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ : (يا ابن آدم اذكرني في ملاء أذكرك في ملاء خير من ملئك) (6).

13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ: (من ذكرني في ملاء من النّاس ذكرته في ملاء من الملائكة).

باب ذكر اللّه عزّ وجلّ كثيراً

1 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن

ص: 466


1- أي ما يكون ذخيرة لك يوم فقرك في الدنيا والآخرة.
2- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الكهف / 46 (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) وكذا ورد ذكر الباقيات الصالحات في الآية 76 من سورة مريم وقد اختلف في المراد بالباقيات الصالحات فقيل: الصلوات الخمس، وقيل : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، وقيل العمل بطاعة اللّه، لأن ذلك كله من الصالحات الّتي تبقى لصاحبها في الآخرة.
3- «يعني تأمل وتفكر أولاً فكل ما رجحه عقلك ورأه خيراً لك وعارياً عن المفسدة ووخامة العاقبة فتكلم به فإنك إن فعلت هكذا تسلم من الندامة» المازندراني 242/10.
4- «وكان المراد بمعدن الخطيئة هو الظَّلمة والفجرة أو السفاهة والجهالة... وبالجملة نهى عن اتباع الخطيئة بالتحرز عن الأصول المتولدة هي منها» ن. م.
5- أي أن النّار ستكون عقاباً لأهل الخطايا.
6- المراد بالملأ الأوّل الجماعة من النّاس، أو علَيتُهم وبالملأ الّذي هو خير ملأ الملائكة، وسوف يأتي في الحديث التالي.

القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من شيء إلّا وله حد ينتهي إليه إلّا الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه، فرض اللّه عزّ وجلّ الفرائض (1) فمن أدَّاهنَّ فهو حدهنَّ ؛ وشهر رمضان فمن صامه فهو حده، والحج فمن حج فهو حده إلّا الذكر فإنَّ اللّه عزّ وجلّ لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه، ثمّ تلا هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (2)، فقال : لم يجعل اللّه عزّ وجلّ له حداً ينتهي إليه، قال : وكان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر اللّه، وآكل وإنه ليذكر اللّه، وأكل معه الطعام وإنه ليذكر اللّه، ولقد كان يحدث القوم [و] ما يشغله ذلك عن ذكر اللّه (3)، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول : لا إله إلّا اللّه (4). وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة (5) من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر. والبيت الّذي يُقْرَأ فيه القرآنُ ويُذْكَرُ اللّه عزّ وجلّ فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري (6) لأهل الأرض، والبيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر اللّه فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم. وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم (7)) فقالوا : بلى، فقال: «ذكر اللّه عزّ وجلّ كثيراً، ثمّ قال : جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : من خير أهل المسجد؟ فقال: «أكثرهم اللّه ذكراً». وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من أعطي لساناً ذاكراً فقد أعطي خیر الدنيا والآخرة». وقال في قوله تعالى : (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (8) قال : لا تستكثر ما عملت من خير اللّه.

2 - حميد بن زياد عن ابن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شيعتنا الّذين إذا خلوا ذكروا اللّه كثيراً(9).

ص: 467


1- أي الصلوات الخمس.
2- الأحزاب / 41 - 42. و (بكرة) : أي غدوة قيل المراد صلاة الصبح. (وأصيلاً) : عشياً، قيل يعني صلاة العصر.
3- «أي الذكر القلبي، كان يجد ذلك بنور الإمامة أو من شواهد أحواله. أو عند تكلم الغير كان مشغولاً بالذكر فإذا تم كلام السائل شرع في الجواب أو كان كلامه دائماً مشتملا على الذكر» مرآة المجلسي 130/12.
4- لأن شهادة التوحيد ليس فيها أي حرف من حروف الشفة بل كلّ حروفها ممّا يلزق بالحنك : وهو باطن أعلى الفم من داخل - كما في القاموس -.
5- أي بتلاوة القرآن.
6- أي المضيء المتلالي.
7- أي في الجهاد.
8- المدثر / 6.
9- هذا دليل على صدق إيمانهم بعكس المنافقين الّذين إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ولا ينشطون إلّا إذا رأوا الناس.

3 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد ؛ وعدَّةً من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من أكثر ذكر اللّه عزّ وجلّ أحبّه اللّه ومن ذكر اللّه كثيراً كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق».

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عَمِيرَة، عن بكر بن أبي بكر، عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: تسبيح فاطمة الزهراء (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الذكر الكثير الّذي قال اللّه عزّ وجلّ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا).

عنه، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي أسامة زيد الشحام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

5 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء عن داود الحمار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أكثر ذكر اللّه عزّ وجلّ أظلّه اللّه في جنّته (1).

باب أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يموت المؤمن بكلّ ميتة (2) إلّا الصاعقة (3)، لا تأخذه وهو يذكر اللّه عزّ وجلّ.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة (4)، عن بريد بن معاوية العجلي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الصواعق لا تصيب ذاكراً، قال : قلت : وما الذاكر؟ قال : من قرأ مائة آية (5).

ص: 468


1- إما بظل أفنان أشجارها وقصورها أو بظل رحمته ورضوانه.
2- الميتة : - كما في المصباح الحال والهيئة أي حال الموت ونوعه وهيئته.
3- الصاعقة : الموت وكل عذاب مهلك وصيحة العذاب، والمخراق الّذي يكون بيد الملك سائق السحاب ولا يأتي على شيء إلّا أحرقه ونار تسقط من السماء في رعد شديد. جمع صواعق.
4- هو عمر بن اذينة.
5- إما في مجموع اليوم والليلة، أو في كلّ منهما. وفيه إشعار بأن المقصود بالذاكر ما يقابل الغافل، وأن الذكر يصدق على كلّ ما يؤدي إلى خطور اللّه سبحانه في الذهن، كما سبق ونبهنا عليه.

3 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ميتة المؤمن، قال : يموت المؤمن بكلِّ ميتة يموت غرقاً ويموت بالهدم ويبتلى بالسبع ويموت بالصاعقة ولا تصيب ذاكراً اللّه عزّ وجلّ.

باب الاشتغال بذكر اللّه عزّ وجلّ

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (من شُغِل بذكري عن مسالّتي (1) أعطيته أفضل ما أعطي من سألني).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ العبد ليكون له الحاجة إلى اللّه عزّ وجلّ فيبدأ بالثناء على اللّه، والصلاة على محمّد وآل محمّد، حتّى ينسى حاجته فيقضيها اللّه له من غير أن يسأله إياها.

باب ذكر اللّه عزّ وجلّ في السر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ: (من ذكرني سرا(2) ذكرته علانية (3)).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عَمِيرَة، عن سليمان بن عمرو عن أبي المغرا الخصاف رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من ذكر اللّه عزّ وجلّ في السرّ فقد ذكر اللّه كثيراً، إنَّ المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانية ولا

ص: 469


1- يشمل ما إذا نسي المسألة لانشغاله بذكره سبحانه كما سيشير إليه في الحديث التالي. ومن جعل الذكر مقصوداً لذاته وبذاته من دون أن يتخذه وسيلة للمسئلة.
2- أعم من أن يكون بالقلب والفكر، أو باللسان في حال الخلوة، أو به لا في حالها ولكن من دون ظهور جوهر الصوت، أي إخفاتاً.
3- أي على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، والمراد بذكره سبحانه له إظهار كرامته وفضله وما أعده له من الثواب الجزيل.

يذكرونه في السر، فقال اللّه عزّ وجلّ: ﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (1).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال رفعه قال : قال اللّه - عزّ وجلّ لعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي(2)، واذكرني في ملإ[ك] أذكرك في ملاء خير من ملاء الآدميين؛ يا عيسى ألن لى قلبك، وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص (3) إليَّ، وكن في ذلك حيّاً ولا تكن ميّتاً (4).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : لا يكتب الملك إلّا ما سمع. وقال اللّه عزّ وجلّ: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً) (5)، فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرّجل غير اللّه عزّ وجلّ لعظمته

باب ذكر اللّه عزّ وجلّ في الغافلين

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الذَّاكر اللّه عزّ وجلّ في الغافلين كالمقاتل في المحاربين (6).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ذاكر اللّه عزّ وجلّ في الغافلين كالمقاتل عن الفارين (7) والمقاتل عن الفارين له الجنّة».

ص: 470


1- النساء / 142.
2- «قيل : النفس تطلق على الدم وعلى نفس الحيوان وعلى الذات، وعلى الغيب... والأولان يستحيلان في حقه تعالى دون الأخيرين [والمراد بالذكر النفسي في الحديث: (وَاذْكُرْ فِي نَفْسِكَ) ذكر لا يعرفه غير الذاكر، وفي قوله (أذكرك في نفسي) جزاء ذلك الذكر يعني أجازيك وارحمك لأجل الذكر فسمي جزاء الذكر ذكراً وليس المراد به الذكر المقابل للنسيان...» المازندراني 249/10.
3- التبصبص : الملق من خوف أو طمع.
4- أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهياً غافلاً فإن القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى وعن إدراك الحق ميت والقلب العاقل الذاكر حي المازندراني 249/10.
5- الأعراف / 205. وما ذكر من أن الملك لا يكتب إلّا ما سمع لا ينافي ما تقدم في باب من هم بالحسنة أو السيئة من أن الملك يعلم قصد العبد لهذه أو تلك بالريح الطيب أو النتن الّذي ينبعث من الهام لإمكان حمله هناك على ما تعلق بالجوارح من الأفعال.
6- «أي الهاربين أو الحاضرين في الحرب الّذين لم يحاربوا. وفي بعض النسخ (في الهاربين)». مرآة المجلسي 143/12.
7- «أي كما أن حرب غير الفارين يدفع العدو عن الفارين لئلا يعاقبوهم كذلك ذكر الذاكرين يدفع ضرر الشيطان عن الغافلين» ن. م.

باب التحميد والتمجيد

باب التحميد والتمجيد (1)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي سعيد القماط، عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جُعِلتُ فداك علمني دعاءً جامعاً، فقال لي : احمد اللّه فإنه لا يبقى أحد يصلّي إلّا دعا لك، يقول: سمع اللّه لمن حمده (2).

2 - عنه عن عليّ بن الحسين عن سيف بن عميرة، عن محمّد بن مروان قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي الأعمال أحبُّ إلى اللّه عزّ وجلّ؟ فقال : أَن تَحمَدَه.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الأنباري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يحمد اللّه في كلّ يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة، عدد عروق الجسد يقول : الحمد للّه ربّ العالمين كثيراً على كلّ حال.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وحميد بن زياد عن الحسن بن محمّد (3)، جميعاً عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقاً، منها مائة وثمانون متحركة، ومنها مائة وثمانون ساكنةً، فلو سكن المتحرّك لم ينم، ولو تحرّك الساكن لم ينم، وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا أصبح قال : الحمد للّه رب العالمين كثيراً على كلّ حال - ثلاثمائة وستين مرة - وإذا أمسى قال مثل ذلك (4).

5 - عدَّة من أصحابنا، من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح قال: حدّثني أبو مسعود، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال أربع مرات إذا أصبح : الحمد للّه ربّ العالمين، فقد أدى شكر يومه (5)، ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.

ص: 471


1- المجد - كما يقول الراغب - السعة في الكرم والجلالة، ويراد بالتمجيد هنا كلّ ذكر يشتمل على الصفات الدالة على جلاله سبحانه وسعة كرمه.
2- أي بعد رفع رأسه من الركوع و (سمع) متضمن معنى (استجاب) أي استجاب اللّه... الخ.
3- في بعض النسخ (الحسين بن محمّد) وما هنا أصح على الظاهر لأن حميد بن زياد يروي عن الحسن بن محمّد بن سماعة وهذا يروي عن الميثمي فراجع مرآة المجلسي 145/12 والمازندراني 250/10.
4- لا تنافي بين مضمون هذا الحديث ومضمون الحديث السابق عليه لأن هذا مفصل وذاك مجمل فيحمل المجمل على المفصل. وإن كان المجلسي 146/12 ذكر أنّه لا داعي لمثل هذا المحل، إذ يمكن أن يكون قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثانياً بعد الغروب وهو داخل في الليل، وقد أيد رأيه هذا بما سيرد في الحديث التالي من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) (شكر ليلته).
5- أي على النعم الإلهية الهابطة عليه أي ذلك اليوم.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن حسان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّ دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر (1)، إنما التحميد ثمّ الثناء، قلت : ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد قال : يقول : (اللّهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء (2)، وأنت الظاهر (3) فليس فوقك شيء، وأنت الباطن(4) فليس دونك شيءُ (5) وأنت العزيز الحكيم».

7 - وبهذا الإسناد قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أدنى ما يجزي من التحميد؟ قال: تقول : (الحمد للّه الّذي علا فقهر، والحمد للّه الّذي ملَك فقدر، والحمد للّه الّذي بَطَنَ فَخَبَر، والحمد للّه الّذي [ يميت الأحياء و] يحيي الموتى وهو على كلّ شيء قدير).

باب الإستغفار

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «خير الدعاء الاستغفار» (6).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن حسين بن سيف، عن أبي جميلة عن - عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ (7).

3 - عليّ بن إبراهيم [ عن أبيه عن ياسر، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرك فيتناثر (8)، والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزيء بربه.

ص: 472


1- أي أقطع.
2- «أشار بالفقرة الأولى إلى أنّه الأوّل باعتبار ابتداء الموجودات، وبالفقرة الثانية إلى أنّه الآخر باعتبار انتهاء الغايات فدائرة الإمكان تبتدىء منه في الوجود وتنتهي إليه في الحاجة» مرآة المجلسي 148/12.
3- أي الغالب القاهر.
4- أي العالم بالسرائر وما تخفي الصدور.
5- أي لا يخفى عليك شيء مهما بلغ في القلة والصغر.
6- «لأن الغفران أهم المطالب وأعظمها، أو لأنه يصير سبباً لرفع السيئات الّتي هي أعظم حُجب إجابة الدعوات» مرآة المجلسي 153/12.
7- أي تلمع وتضيء بقوة.
8- أي يتطاير ورقها عند تحركها.

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان لا يقوم من مجلس وإن خفٌ (1) حتّى يستغفر اللّه عزّ وجلّ خمساً وعشرين مرة (2).

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يستغفر اللّه عزّ وجلّ في كلّ يوم سبعين مرّة، ويتوب إلى اللّه عزّ وجلّ سبعين مرّة قال قلت: كان يقول : أستغفر اللّه وأتوب إليه؟ قال : كان يقول : أستغفر اللّه أستغفر اللّه - سبعين مرة - ويقول : وأتوب إلى اللّه وأتوب إلى اللّه - سبعين مرّة (3) -.

6 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : الاستغفار وقول : لا إله إلّا اللّه، خير العبادة، قال اللّه العزيز الجبار : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (4).

باب التسبيح والتهليل والتكبير

1 - عليّ بن إبراهيم، عن بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وأبي أيّوب الخزاز جميعاً، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء الفقراء إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقالوا : يا رسول اللّه : إنّ الأغنياء لهم ما يُعتقون وليس لنا، ولهم ما يحجون (5) وليس لنا، ولهم ما يتصدّقون وليس لنا، ولهم ما يجاهدون وليس لنا، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من كبر اللّه عزّ وجلّ مائة مرَّة

ص: 473


1- أي وإن قصرت مدة المكث فيه.
2- قد تقدم منا توجيه استغفار المعصوم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وإنه لا يكون عند ذنب، وإنما هو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين.
3- مر قريباً من هذا المضمون مضمون الخبر رقم (4) من باب الاستغفار من الذنب من هذا المجلد وإن بسند آخر فراجع.
4- محمّد / 19. واستشهاده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالآية : «إما لكون كثرة الذكر سبباً لزيادة العلم واليقين، أو لأن المراد بالآية القول مع العلم أو القول فقط لظهور حصول العالم في المخاطب. أو المراد الاستدامة على هذه العقيدة وأعظم أسبابها تكرار الذكر والأفضلية (إنما كانت لاختيارهما للرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فعلم أنهما أنفع الأشياء لها، أو لمّا كان هو أهم العقايد فما يدل عليه أفضل الأذكار» مرآة المجلسي 157/12.
5- أي لهم من الأموال ما يحجون به.

كان أفضل من عتف مائة رقبة، ومن سبّح اللّه مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة (1)، ومن حمد اللّه مائة مرّة كان أفضل من حُمْلانِ (2) مائة فرس في سبيل اللّه بسرجها ولجمها وركبها ومن قال : لا إله إلّا اللّه مائة مرّة كان أفضل النّاس عملاً ذلك اليوم إلّا من زاد (3)، قال : فبلغ ذلك الأغنياء فصنعوه»، قال فعاد الفقراء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقالوا: يا رسول اللّه قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء» (4).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان عن حماد عن ربعي،(5)، عن فُضَيل (6)، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : أكثروا من التهليل والتكبير فإنّه ليس شيء أحبُّ إلى اللّه عزّ وجلّ من التهليل والتكبير (7).

3 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) التسبيح نصف الميزان والحمد للّه يملأ الميزان واللّه أكبر يملأ ما بين السماء والأرض (8).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) برجل يغرس غرساً في حائط (9) له، فوقف له وقال : ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعاً (10) وأطيب ثمراً وأبقى؟ قال: بلى فدلّني يا رسول اللّه، فقال : إذا أصبحت وأمسيت فقل: سبحان اللّه والحمد اللّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فقال : فإنَّ لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة وهنَّ من الباقيات الصالحات، قال فقال الرجل : فإنِّي أشهدك يا رسول اللّه أَنَّ

ص: 474


1- البدنة : قيل هي الناقة أو البقرة، وقد تطلق على البعير، ولا يطلق على الشاة أنّها بدنة وهي الّتي تساق إلى منى أو مكة في الحجّ أو العمرة لتذبح فيهما. ولا يصح أن تركب أو يحمل عليها.
2- الحملان - كما في النهاية - مصدر حمل يحمل أي أفضل من أن يجهز مائة فارس ويبعثهم في الجهاد.
3- أي إلّا من زاد على هذا العدد فإنه يكون أفضل منه.
4- فيه دلالة على أن الغنى الّذي لا يلهي عن اللّه والآخرة أفضل من الفقر، لأنه قد يصل بصاحبه إلى درجات لا يصل إليها الفقير وإن كان له ثواب عظيم فيما لو صبر على فقره.
5- هو ربعي بن عبد اللّه بن الجارود أبو نعيم البصري.
6- هو الفضيل بن يسار بقرينة رواية ربعي عنه.
7- «أفضلية التهليل لدلالته على التوحيد الكامل والتكبير لدلالته على الاتصاف بجميع الصفات الكمالية والتنزه عن جميع سمات النقص...» مرآة المجلسي 161/12.
8- يشعر بأن هذه الأمور الثلاثة ممّا يتجسّم يوم القيامة من الأعمال ويوزن.
9- الحائط البستان.
10- يَنعَت الثمار وأيْنَعَت أي أدركت وهي هنا استعارة لوصول الشجرة حد الإثمار.

حائطي هذا صدقةً مقبوضةً على فقراء المسلمين أهل الصدقة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ آيات من القرآن (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (1).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : خير العبادة قول : لا إله إلّا اللّه».

باب الدعاء للاخوان بظهر الغيب

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن الفضيل ابن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوشك (2) دعوةٍ وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب(3).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق (4) ويدفع المكروه.

3 - عنه عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تبارك وتعالى : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (5) قال : هو المؤمن يدعو لأخيه (6) بظهر الغيب فيقول له الملك امين ويقول اللّه العزيز الجبار : ولك مثلا ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الواسطي، عن دُرست بن أبي منصور، عن أبي خالد القماط قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسرع الدُّعاء نجحاً(7) للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به : آمين ولك مثلاه.

ص: 475


1- الليل / 5 - 7.
2- أي أقرب.
3- أي في حال غيبة المدعو له.
4- أي يكثره ويجلبه.
5- الشورى/ 26.
6- أي لأخيه من المؤمنين رحماً كان أو بعيداً حياً أو ميتاً.
7- النجح : الظفر بالمطلوب.

5 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن جعفر بن محمّد التميمي عن حسين بن علوان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلّا ردَّ اللّه عزّ وجلّ عليه مثل الّذي دعا لهم به من كلّ مؤمن ومؤمنة، مضى من أوّل الدَّهر أو هو آت إلى يوم القيامة، إنّ العبد ليؤمر به إلى النّار يوم القيامة فيُسْحَب فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا ربّ هذا الّذي كان يدعو لنا فشفعنا(1) فيه، فيشفعهم اللّه عزّ وجلّ فيه فينجو».

6 - علي، عن أبيه قال : رأيت عبد اللّه بن جُندب في الموقف (2) فلم أر موقفاً كان أحسن من موقفه، ما زال ماذا يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتّى تبلغ الأرض، فلمّا صَدَرَ النّاس (3) قلت له : يا أبا محمّد ما رأيت موقفاً قط أحسن من موقفك. قال : واللّه ما دعوت إلّا لإخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبرني أنَّ من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة (4)، عن ثوير (5) قال : سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا : نِعْمَ الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير، قد أعطاك اللّه عزّ وجلّ مِثْلَي (6) ما سألت له، وأثنى عليك مِثْلَي ما أثنيت عليه ولك الفضل عليه. وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له : بئس الأخ أنت لأخيك كُفَّ أيّها المسْتَتِرُ على ذنوبه وعورته، وأربع على نفسك، واحمد اللّه الّذي ستر عليك واعلم أنَّ اللّه عزّ وجلّ أعلم بعبده منك (7).

ص: 476


1- أي أقبل شفاعتنا فيه.
2- أي عرفات وعلي في أول السند هو عليّ بن إبراهيم.
3- أي انصرفوا ورجعوا.
4- هو الحذاء.
5- هو ابن أبي فاختة واسم أبي فاختة : سعيد بن علاقة.
6- أي ضعفي.
7- «يعني قف على نفسك واقتصر عليها المازندراني 259/10. والعورة العيب. وقيل المعنى : اقتصر على النظر في حال نفسك ولا تلتفت إلى غيرك وأعلم أن اللّه أعلم بعبده منك فإن علم صلاحه وصلاح سائر عباده في دفعه يدفعه، وفي ابتلائه يبتليه وفي عافيته يعافيه ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى تعليمك» مرآة المجلسي 170/12.

باب مَن تُسْتَجَابُ دَعْوَتُه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عيسى بن عبد اللّه القمي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ثلاثة دعوتهم مستجابة الحاج، فانظروا كيف تخلُفُونَه(1). والغازي في سبيل اللّه، فانظروا كيف تخلفونه. والمريض فلا تغيظوه (2) ولا تضجروه (3).

2 - الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمّد، عن حسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : خمس دعوات لا تُحْجَبَنَّ عن الرَّبِّ تبارك وتعالى (4) : دعوة الإمام المقسط (5)، ودعوة المظلوم، يقول اللّه عزّ وجلّ : (لانتقمن لك ولو بعد حين)، ودعوة الولد الصالح لوالديه، ودعوة الوالد الصالح لولده، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب، فيقول (6) : ولك مثله.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إياكم ودعوة المظلوم فإنّها ترفع فوق السحاب (7) حتّى ينظر اللّه عزّ وجلّ إليها» فيقول: (ارفعوها حتّى أستجيب له وإياكم ودعوة الوالد فإنّها أحد من السيف).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن،زرعة عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان أبي يقول : اتقوا الظلم فإن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء (8)

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قَدَّمَ أربعين من المؤمنين ثمّ دعا أستجيب له (9).

6 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن عليّ بن النعمان، عن عبد اللّه بن

ص: 477


1- أي فيما يعود إليه من مال وأهل وولد، وهو دعوة إلى حسن قيامهم بشؤونهم وما يصلحهم.
2- «يدل على أن الدعاء لأربعين من المؤمنين موجب لإجابة الدعاء نفسه» مرآة المجلسي 173/12.
3- أي تغضبوه.
4- أي لا تجعلوه يتضجر ويتبرم من سوء معاملتكم معه.
5- هذا عبارة عن أنّه سبحانه يستجيب لها.
6- أي العادل وهو أعم من إمام الأصل فيشمل إمام الجماعة.
7- أي اللّه سبحانه، أو المَلك كما مر.
8- كناية عن جهة العلو والارتفاع أو الحجب ما بين الخلق وبين عرش الخالق.
9- كناية عن استجابة اللّه لها.

طلحة النهدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أربعة لا تردُّ لهم دعوة حتّى تفتح لهم أبواب السماء وتصير إلى العرش (1) الوالد لولده، والمظلوم على من ظلمه، والمعتمر حتّى يرجع، والصائم حتّى يفطر».

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب».

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :، قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «دعا موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمَّنَ هارون (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمّنت الملائكة (عَلَيهِ السَّلَامُ)» فقال اللّه تبارك وتعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا) (2). ومن (3) غزا في سبيل اللّه استجيب له كما استجيب لكما يوم القيامة.

باب من لا تُسْتَجاب دعوتُه

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسى عن حسين بن مختار، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: صحبته بين مكة والمدينة فجاء سائل فأمر أن يعطى، ثمّ جاء آخر فأمر أن يعطى ثمّ جاء آخر فأمر أن يعطى ثمّ الرَّابع فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يُشْبِعُكَ اللّه (4)، ثمّ التفت إلينا فقال : أما إنَّ عندنا ما نعطيه ولكن أخشى أن نكون كأحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم دعوة : رجل أعطاه اللّه مالاً فأنفقه في غير حقه(5)، ثمّ قال: اللّهمّ ارزقني فلا يستجاب له، ورجل يدعو على امرأته أن يريحه منها وقد جعل اللّه عزّ وجلّ أمرها إليه (6)، ورجل يدعو على جاره وقد جعل اللّه عزّ وجلّ له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره.

ص: 478


1- «حتى : غاية لعدم الرد لا للرد، ولفظة : أو بمعنى إلى أن، أو للعطف على (تفتح) والفتح إما كناية عن قبول الدعاء وصعوده إلى السماء أو محمول على الحقيقة» المازندراني 261/10. والصيرورة إلى العرش، إما بنحو الحقيقة أو كناية أيضاً عن القبول والاستجابة.
2- يونس / 89.
3- هذا من تتمة كلام اللّه سبحانه، فهو معطوف على (قد أجيبت... الخ). والحديث يدل على أن المؤمن على الدعاء شريك فيه مع الداعي.
4- أي دعا له بأن يكفيه اللّه من فضله، وهو كناية عن عدم أمره بإعطائه شيئاً كما فعل مع الثلاثة قبله.
5- في المحرمات أو المندوبات والمباحات فإن الإسراف مذموم حتّى في المندوبات والمباحات.
6- أي أمر طلاقها وتسريحها.

2 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول: اللّهمّ ارزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب، ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك، ورجل كان له مال فأفسده فيقول: اللّهمّ ارزقني، فيقال له : ألم أمرك بالاقتصاد، ألم آمرك بالاصلاح (1)، ثمّ قال : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (2) ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقال له : ألم أمرك بالشهادة (3).

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر [ان] بن أبي عاصم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله

3 - الحسين بن محمّد الأشعري عن معلى بن محمّد عن الوساء، عن عبد اللّه بن سنان عن الوليد بن صبيح قال: سمعته يقول : ثلاثة تردُّ عليهم دعوتهم : رجلٌ رزقه اللّه مالاً فأنفقه في غير وجهه ثمّ قال : يا رب ارزقني، فيقال له : ألم أرزقك، ورجل دعا على امرأته وهو لها ظالم (4) فيقال له : ألم أجعل أمرها بيدك، ورجلٌ جلس في بيته وقال يا ربّ ارزقني فيقال له : ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرّزق.

باب الدعاء على العدو

1 - عدَّة من من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جاراً لي وما ألقى منه، قال : فقال لي : أدْعُ عليه، قال : ففعلت فلم أر شيئاً (5)، فعدت إليه فشكوت إليه فقال لي : ادع

ص: 479


1- أي إصلاح المال والعمل على حفظه وتنميته من طرق الحلال وحسن التصرف فيه. والاقتصاد: عدم الإسراف وعدم التقتير وعدم الإفراط وعدم التفريط.
2- الفرقان / 67. لم يسرفوا : أي لم يتجاوزوا الحد الّذي أباحه اللّه إلى ما فوقه والإقتار : ما قصر عن أمر اللّه تعالى والقوام الوسط ما بين ذلك. وقيل غير ذلك.
3- إشارة إلى آية المداينة وهي الآية 282 من سورة البقرة وأولها : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...).
4- «إنما كان ظالماً لها بسبب الدعاء عليها لأن دعاءه عليها مع قدرته على التخلص بوجه آخر ظلم: المازندراني 263/10.
5- أي لم يستجب دعائي. ولم يتحقق شيء ممّا دعوت به عليه.

عليه قال : فقلت : جعلت فداك قد فعلت فلم أرشيئاً، فقال : كيف دعوت عليه ؟ فقلت : إذا لقيته دعوت عليه، قال : فقال : أدع عليه إذا أدبر (1) و [إذا] استدبر، ففعلت فلم ألبث حتّى أراح اللّه منه.

2 - وروي عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا دعا أحدكم على أحد قال : اللّهمّ أطرقه ببليّة (2) لا أخت لها وأبح حريمه (3).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم عن مالك ابن عطية، عن يونس بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ لي جاراً من قريش من آل محرِز قد نوه (4) باسمي وشهرني (5) كلّما مررت به قال هذا الرافضي يحمل الأموال إلى جعفر بن محمّد. قال : فقال (6) لي : فادع اللّه عليه إذا كنت في صلاة الليل وأنت ساجد في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين، فاحمد اللّه عزّ وجلّ ومجده وقل: اللّهمّ إنَّ فلان بن فلان قد شهرني ونوه بي وغاظني وعرضني للمكاره، اللّهمّ اضربه بسهم (7) عاجل تشغله به عني، اللّهمّ وقرب أجله، واقطع أثره، وعجّل ذلك يا ربّ الساعة الساعة، قال: فلما قدمنا الكوفة قدمنا ليلاً فسأنت أهلنا عنه قلت ما فعل فلان؟ فقالوا: هو مريض فما انقضى آخر كلامي حتّى سمعت الصياح من منزله وقالوا : قد مات.

4 - أحمد بن محمّد الكوفي، عن عليّ بن الحسن الّتيمي، عن عليّ بن أسباط، عن يعقوب بن سالم قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له العلاء بن كامل : إنَّ فلاناً يفعل بي ويفعل (8)، فإن رأيت أن تدعو اللّه عزّ وجلّ فقال : هذا ضعف بك قل : اللّهمّ إنك تكفي من كلّ

ص: 480


1- الإدبار ضد الإقبال.
2- أي اضربه ودقه ببلية. والطروق الّذي يأتي في الليل سمي بذلك لأنه يحتاج إلى أن يدق الباب، والطوارق: النوازل والمصائب الّتي تحصل ليلا. وقد تقال على المصائب بشكل عام.
3- «الحريم ما يختص بالرجل ولا يحلّ لغيره التصرف فيه إلّا بإذنه.... وحرمة الرجل حرمه وأهله وهو كناية عن استيلاء الأعادي عليه وكشف معايبه وإذلاله» مرآة المجلسي 178/12.
4- نوّه به تنويهاً - كما في القاموس - رفع ذكره وعظمه، والمقصود هنا ليس التعظيم بل النيل منه بكشف عقيدته للنيل منه.
5- الشهرة والتشهير إعلان الشيء وإظهاره في شنعة حتّى يشيع ويذيع بين النّاس
6- أي الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7- السهم استعمل هنا بمعنى المصيبة على نحو الاستعارة.
8- كناية عن إصراره على أذيته ومضايقته.

شيء ولا يكفي منك شيء، فاكفني أمر فلان بم شئت وكيف شئت و [من] حيث شئت وأنّى شئت.(1)

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان عن المسمعي قال : لما قتل داود بن عليّ (2) المعلى بن خنيس قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لأدعونً اللّه على من قتل مولاي وأخذ مالي، فقال له دواد بن عليّ : إنك لتهددني بدعائك ؛ قال حماد : قال المسمعي : فحدّثني معتب أنَّ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يزل ليلته راكعاً وساجداً فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد: «اللّهمّ إنّي أسألك بقوتك القوية وبجلالك (3) الشديد الّذي كلّ خلقك له ذليل أن تصلّى على محمّد وأهل بيته، وأن تأخذه الساعة الساعةَ»، فما رفع رأسه حتّى سمعنا الصيحة في دار داود بن عليّ، فرفع أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه وقال: إني دعوت اللّه بدعوة بعث اللّه عزّ وجلّ عليه ملكاً فضرب رأسه بمرزبة (4) من حديد انشقت منها مثانته فمات.

باب المُبَاهَلَة

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم، عن أبي مسروق (5)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت : إنا نكلم النّاس فنحتج عليهم بقول اللّه عزّ وجلّ : : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فيقولون : نزلت في أمراء السرايا (6)، فنحتج عليهم بقوله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلى آخر الآية) (7) فيقولون : نزلت في المؤمنين؛ ونحتج عليهم بقول اللّه عزّ وجلّ: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (8) فيقولون : نزلت في قربى المسلمين، قال: فلم أدع شيئاً ممّا حضرني ذكره من هذه

ص: 481


1- «بم، إشارة إلى سبب الأخذ والكفاية، وكيف إلى كيفيتهما، وحيث إلى مكانهما وأنّى إلى زمانهما... والظاهر أن معنى من حيث شئت من أي جهة وناحية شئت..» مرآة المجلسي 181/12.
2- هو والي السفاح العباسي على المدينة.
3- الجلال: العظمة.
4- المرزبة : المطرقة الّتي تكسر بها الأحجار وأشباهها.
5- واسمه عبد اللّه النهدي.
6- السرايا: جمع سرية : وهي - كما في النهاية - طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو. سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس. وكأنهم - عند هؤلاء - المقصودون بأولي الأمر.
7- المائدة/ 55.
8- الشورى / 23.

وشبهه إلّا ذكرته، فقال لي : إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة (1)، قلت: وكيف أصنع؟ قال : أصلح نفسك ثلاثاً(2) وأظنه قال : وصم (3) واغتسل (4) وأبرز أنت وهو إلى الجبان(5)، فشبّك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه (6)، ثمّ أنصفه وابدأ بنفسك (7) وقل: (اللّهمّ ربَّ السّماوات السبع وربَّ الأرضين السبع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إن كان أبو مسروق جحد حقاً وادعى باطلاً فأنزل عليه حُسْبانا (8) من السماء أو عذاباً أليماً)، ثمّ ردَّ الدَّعوة عليه فقل: ﴿وإن كان فلان جحد حقاً وادَّعى باطلاً فأنزل عليه حسباناً من السماء أو عذاباً أليماً) ثمّ قال لي : فإنّك لا تلبث أن ترى ذلك فيه، فواللّه ما وجدت خلقاً يجيبني إليه (9).

2 - عدة عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران، عن مخلّد أبي الشكر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الساعة الّتي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (10).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن إسماعيل، عن مخلّد أبي الشكر، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

3 - أحمد، عن بعض أصحابنا في المباهلة قال : تشبك أصابعك في أصابعه ثمّ تقول : (اللّهمّ إن كان فلان جحد حقاً وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك). وتُلاعنه سبعين مرَّة (11).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن أبي

ص: 482


1- المباهلة : - كما في النهاية - الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون : لعنة اللّه على الظالم منا.
2- أي ثلاث ليال وإصلاح النفس بتهذيبها وحملها على الاستغفار والتوبة والدعاء والتهجد.
3- أي في الأيّام الثلاثة الّتي هي نهارات الليالي الثلاث.
4- أي قبل الخروج إلى المباهلة.
5- الجبان المصلى في الصحراء، وقد تسمى المقبرة بالجبانة لأنها غالباً ما تكون في تلك الأزمنة في الصحراء، تسمية للشيء باسم موضعه.
6- أي في أصابع يده اليمنى أيضاً.
7- هذا توضيح لإنصافه له، والإنصاف العدل.
8- الحُسبان : الصاعقة. والشر، والعذاب.
9- هذا من كلام أبي مسروق والمعنى لم أجد من يجرؤ على أن يباهلني.
10- هذا هو أفضل أوقات المباهلة، لأنه مظنة استجابة الدعاء، وإلا فيجوز المباهلة في غيره من الأوقات.
11- «الظاهر كون العدد في مجلس واحد. وقيل : يعني إن لم تقع الاستجابة في المرة الأولى لاعنه مرة ثانية وهكذا»مرأة المجلسي 188/12.

العباس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المباهلة قال : تشبك أصابعك في أصابعه ثمّ تقول : (اللّهمّ إن كان فلان جحد حقاً وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك). وتلاعنه سبعين مرة.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة(1)، عن بعض أصحابه قال : إذا جحد الرجل الحق فإن أراد أن تلاعنه قل: اللّهمّ ربَّ السماوات السبع وربَّ الأرضين السبع وربَّ العرش العظيم، إن كان فلان جحد (2) الحق وكفر به فأنزل عليه حسباناً من السماء أو عذاباً أليماً).

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه عزّ وجلّ ثلاث ساعات في الليل وثلاث ساعات في النّهار يمجد فيهنَّ نفسه، فأول ساعات النهار حين تكون الشمس هذا الجانب يعني من المشرق مقدارها من العصر يعني من المغرب إلى الصلاة الأولى (3)، وأول ساعات الليل في الثلث الباقي من الليل إلى أن ينفجر الصبح (4) يقول : إني أنا اللّه رب العالمين، إنّي أنا اللّه العلي العظيم إني أنا اللّه العزيز الحكيم إنّي أنا اللّه الغفور الرحيم، إنّي أنا اللّه الرّحمن الرّحيم، إنّي أنا اللّه مالك يوم الدين، إنّي أنا اللّه لم أزل ولا أزال إني أنا اللّه خالق الخير والشر إني أنا اللّه خالق الجنّة والنار، إنِّي أنا اللّه بديء كلّ شيء وإلي يعود إنِّي أنا اللّه الواحد الصمد، إنّي أنا اللّه عالم الغيب والشهادة إنّي أنا اللّه الملك القدوس(5) السلام المؤمن(6) المهيمن العزيز الجبار المتكبر، إنّي أنا اللّه الخالق الباريء المصوّر لي الأسماء الحسنى، إنّي أنا اللّه الكبير

ص: 483


1- هو المفضّل بن صالح.
2- الجمود - كما قال الجوهري - الإنكار مع العلم.
3- هي صلاة الظهر، هنا.
4- «وتفصيل القول : إنه قد يقسم مجموع الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة متساوية وتسمى بالساعات المسوّية، وكل يقسم كلّ من الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة متساوية في أي فصل كان وتسمى بالساعات المعوجة، وكأنها المراد هنا، وقد يطلق على مقدار قليل من الليل أو النهار اختص بحكم أو حالة كما ورد أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وإن بين العشائين ساعة فليست هي من الساعات المسوّية ولا المعوجة» مرآة المجلسي 190/12.
5- الطاهر المنزه.
6- أي المؤمن لعباده يوم القيامة من العذاب.

المتعال. قال : ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عنده والكبرياء رداؤه فمن نازعه شيئاً من ذلك أكبّه اللّه في النار، ثمّ قال : ما من عبد مؤمن يدعو بهنَّ مقبلاً قلبه إلى اللّه عزّ وجلّ إلّا قضى حاجته، ولو كان شقيّاً رجوت أن يحول سعيداً.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبد اللّه بن أعين، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى يمجد نفسه في كلّ يوم وليلة ثلاث مرات، فمن مجد اللّه بما مجد به نفسه ثمّ كان في حال شقوة حوله اللّه عزّ وجلّ إلى سعادة، يقول : أنت اللّه لا إله إلّا أنت ربُّ العالمين، أنت اللّه لا إله إلّا أنت الرَّحمن الرّحيم، أنت اللّه لا إله إلّا أنت العزيز [العليُّ ] الكبير، أنت اللّه لا إله إلّا أنت مالك يوم الدين، أنت اللّه لا إله إلّا أنت الغفور الرحيم، أنت اللّه لا إله إلّا أنت العزيز الحكيم، أنت اللّه لا إله إلّا أنت منك بدء الخلق وإليك يعود، أنت اللّه [الّذي] لا إله إلّا أنت لم تزل ولا تزال، أنت اللّه [الّذي] لا إله إلّا أنت خالق الخير والشر، أنت اللّه لا إله إلّا أنت خالق الجنّة النار، أنت اللّه لا إله إلّا أنت أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أنت اللّه لا إله إلّا أنت الملك القدوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان اللّه عما يشركون، هو اللّه الخالق الباريء المصوّر له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم - إلى آخر السورة (1) - أنت اللّه لا إله إلّا أنت الكبير؛ والكبرياء رداؤك.

باب من قال لا إله إلا اللّه

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من شيء أعظم ثواباً(2) من شهادة أن لا إله إلّا اللّه، إنَّ اللّه عزّ وجلّ لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمور أحدٌ.

2 - عنه، عن الفضيل بن عبد الوهاب عن إسحاق بن عبيد اللّه، عن عبيد اللّه بن الوليد الوصافي رفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من قال: «لا إله إلّا اللّه. غُرسَت له شجرةً

ص: 484


1- أي سورة الحشر وآخرها آخر ما ذكر في الحديث، والظاهر أن ابتداء القراءة من الآية 23 حتّى آخر الآية 24 من هذه السورة. ولكن الآية 23 أولها : (هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو الملك...) ولكن لا بد من الالتزام فيها بالصيغة الّتي وردت في التمجيد عن المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- وجه الأعظمية أن هذه الكلمة هي كلمة التوحيد الدالة على اتصافه بجميع صفات الكمال للّه سبحانه.

في الجنّة من ياقوتة حمراء، منبتها (1) في مسك أبيض، أحلى (2) من العسل وأشد بياضاً من الثلج وأطيب ريحاً من المسك فيها أمثال ثدي الأبكار(3)، تعلو عن سبعين حلة».

وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «خير العبادة قول : لا إله إلّا اللّه».

وقال: خير العبادة الاستغفار وذلك قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : «فاعلم أنّه لا إله إلّا اللّه واستغفر لذنبك» (4).

باب من قال لا إله إلا اللّه واللّه أكبر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عیسی رفعه عن حريز، عن يعقوب القمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ثمن الجنّة لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر (5).

باب من قال لا إله إلا اللّه وحده وحده وحدَه

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد، عن عليّ بن النعمان عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : طوبی (6) لمن قال من أمتك : (لا إله إلّا اللّه وحده وحده وحده) (7).

ص: 485


1- أي أرض الجنّة.
2- وصف لثمرتها.
3- «أي في الشجرة أثمار مشبهة بثدي الأبكار في الهيئة والمقدار وكأن المراد بها الرمان» المازندراني 271/10. «وقيل : المراد أن ثمرتها شبيهة بثدي بكر تكون تحت سبعين حجاباً تحفظها عن الغبار والكثافة ونظر الأجانب مبالغة في صفاء تلك الثمرة وطراوتها» مرآة المجلسي 198/12.
4- مر ذكر أن قول لا إله إلّا اللّه خير العبادة ولكن منضماً إلى الاستغفار مع استشهاده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بنفس الآية. في الحديث رقم (6) من باب الاستغفار وعلقنا عليه فراجع.
5- «أي من كلّ شيء، أو من أن يوصف والبايع هو اللّه سبحانه والمشتري هو العبد والثمن هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها ومنها الإقرار بالرسالة والولاية لأهلهما» مرآة المجلسي 12 / 200.
6- طوبی - كما في النهاية - اسم الجنّة واسم شجرة فيها. وقيل هي فعلى من الطيب لا من الجنّة ولا الشجرة.
7- تكرار وحده للتأكيد والمبالغة في تفرده وواحديته ووحدانيته.

باب من قال : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له - عشراً -

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمرو بن عثمان ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن ابن مسكان عن أبي بصير ليث المرادي، عن عبد الكريم بن عُتْبَة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول: من قال عشر مرات(1) قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها : (لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير) كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم (2).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عمّن ذكره، عن عمر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من صلّى الغداة فقال قبل أن ينقض(3) «ركبتيه عشر مرات : لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي [وهو حي لا يموت] بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير. وفي المغرب مثلها، لم يلق اللّه عزّ وجلّ عبد بعمل أفضل من عمله إلّا من جاء بمثل عمله» (4).

باب من قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد، عن أبي عبيدة الحذاء،

ص: 486


1- «اعلم أنّه إذا رتب الثواب على عدد معين فالظاهر أنّه لا يترتب على أقل أو أكثر وبه صرح ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) وغيره... ثمّ قيل: إن الأولى تمام العدد من غير فصل بكلام اجنبي...» المازندراني 273/10.
2- «لعل المراد باليوم اليوم مع ليلته، فيكون ما قاله قبل طلوع الشمس كفارة لذنوب الليل وما قاله قبل غروبها كفارة الذنوب النهار، ولو كان المراد اليوم فقط كان ناظراً إلى قبل غروبها، وأحال الأوّل على الظهور. والظاهر أن المراد بالذنوب أعم من الصغيرة والكبيرة» مرآة المجلسي 203/12.
3- النقض: الهدم وأستعير هنا لتغيير وضع الركبتين عن الحالة الّتي كانت عليها في حال التشهد والتسليم، وفي بعض النسخ أن يقبض وهو قريب من الأول» .ن.م.
4- «إن قيل : الاستثناء يفيد أن عمل من جاء بمثل عمله أفضل من عمله والمثلية تقتضي المساواة فبينهما تناف، قلت : المراد بالأفضلية هنا المساواة مجازاً، كما يقال : ليس في البلد أفضل من زيد، والمراد نفي المساواة، وأنه أفضل ممّن عداه، وهذا شايع، فالمعنى : لم يلق اللّه عبد بعمل مساو لعمله في الفضيلة والكمال إلّا من جاء بمثل عمله».

عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله. كتب اللّه (1) له ألف ألف حسنة.

باب من قال عشر مرات في كلّ يوم: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلها واحداً أحداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد العزيز العبدي، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال في كلّ يوم عشر مرات : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له إلها واحداً أحداً (2) صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً. كتب اللّه له خمسة وأربعين ألف حسنة، ومحا عنه خمسة وأربعين ألف سيئة، ورفع له خمسة وأربعين ألف درجة.

وفي رواية أخرى وكنَّ له حرزاً في يومه من السلطان والشيطان، ولم تحط به كبيرة من الذُّنوب (3).

باب من قال : يا اللّه يا اللّه - عشر مرات -

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن أيّوب بن الحر أخي أديم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال : يا اللّه يا اللّه - عشر مرات - قيل له : لبّيك(4) ما حاجتك.

باب من قال : لا إله إلا اللّه حقاً حقاً

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى الأرميني، عن أبي

ص: 487


1- نسبة الكتابة إلى اللّه على نحو المجاز باعتبار أنّه الأمر بها، والملك المباشر.
2- الواحد : الّذي ليس معه اخر والأحد المتفرد بالذات الّذي تستحيل عليه القسمة ولا يقبل التجزيء. لأنه البسيط من جميع الجهات.
3- أي لم تستول عليه بحيث توقعه في الإصرار عليها.
4- هذا من باب الاستعارة لبيان كونه أهلا لاستجابة دعوته وتحقيق رغبته.

عمران الخراط، عن الأوزاعي (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال في كلّ يوم : لا إله إلّا اللّه حقاً حقاً (2) لا إله إلّا عبودية ورقاً (3)، لا إله إلّا اللّه إيماناً وصدقاً. أقبل اللّه عليه بوجهه (4) ولم يصرف وجهه عنه حتّى يدخل الجنّة.

باب من قال: يا رب يا رب

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن عيسى، عن أيّوب ابن الحر أخي أديم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال عشر مرات : يا رب يا ربِّ (5) قيل له : لبّيك ما حاجتك.

2 - أحمد بن محمّد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران قال : مرض إسماعيل بن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل : يا ربُّ يا ربُّ - عشر مرات - فإنَّ من قال ذلك نودي لبّيك ما حاجتك.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن معاوية، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال : يا رب يا اللّه يا رب يا اللّه. حتّى ينقطع نفسه قيل له : لبّيك ما حاجتك.

باب من قال : لا إله إلا اللّه مخلصاً

1 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد ؛ وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن

ص: 488


1- الأوزاعي : عبد الرحمن بن عمرو بن محمّد من كبار علماء العامة، وكنيته أبو عمرو، كان يسكن بيروت وقبره معروف في محلة منها سميت باسمه.
2- إما حال مؤكدة من لفظ الجلالة، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي : حق حقاً، والتكرار للتأكيد.
3- كلّ منهما معقول لأجله بفعل محذوف أي أقول هذا القول لأجل عبوديتي ورقي لك.
4- كناية عن حبه له ورضاه به.
5- «(والرب): أقرب الأسماء إلى الاسم الأعظم لذا لم يذكر اللّه دعاء من أدعية الأنبياء والصالحين إلّا افتتحها به كقوله : (ربنا ظلمنا أنفسنا) (ربنا آتنا من لدنك رحمة). (ربنا اصرف عنا ربنا لا تؤاخدنا). (رب إني مسني الضر) ومثله كثير، وفيه استعطاف لما فيه من الدلالة على تربية كلّ شيء وتكميله وحفظه وإخراجه من حد النقص إلى الكمال بحسب ما يليق بحاله» مرآة المجلسي 208/12.

محمّد، جميعاً عن الوشّاء عن أحمد بن عائذ عن أبي الحسن السواق(1)، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث : من شهد أن لا إله إلّا مخلصاً (2) وجبت له الجنّة، قال : قلت له : إنّه يأتيني من كلّ صنف من الأصناف أفأروي لهم هذا الحديث؟ قال : نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه الأولين والآخرين فتسلب (3) لا إله إلّا اللّه منهم إلّا من كان على هذا الأمر (4).

باب مَن قال : ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه

10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا دعا الرَّجل فقال بعد ما دعا : ما شاء اللّه (5) لا حول ولا قوة إلّا باللّه (6). قال اللّه عزّ وجلّ : استبسل عبدي (7) واستسلم لأمري اقضوا حاجته.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابه عن جميل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : من قال: ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلّا باللّه - سبعين مرّة - صرف عنه سبعين نوعاً من أنواع البلاء أيسر ذلك الخنق، قلتُ : جعلت فداك وما الخنق ؟ قال : لا يعتلّ بالجنون فيُخْنَق (8).

ص: 489


1- واسمه عليّ بن محمّد بن عليّ بن عمر بن رباح بن قيس.
2- أي شهد بذلك حال كونه مخلصاً اللّه في شهادته تلك ومخلصاً له الدين وهذا ما يسمى بإيمان التصديق، المشروط بشرائط من جملتها التصديق بالرسول والرسالة والولاية لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) كما أشار إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذيل الحديث، وبذلك تجب له الجنّة.
3- «المراد بالسلب إما نسيانها أو عدم ترتب أثرها عليها، أو عدم انطلاق لسانه بها كما أنهم يوم القيامة يريدون أن يسجدوا وهم لا يستطيعون (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) القلم / 43.» مرآة المجلسي211/12.
4- أي والتشيع وولاية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
5- «أي ما شاء اللّه كان أو أشاء ما شاء اللّه» المازندراني 277/10.
6- يعني لا تحول لنا عن المعاصي ولا قوة لنا على الطاعات إلّا بعون اللّه وتوفيقه. وقد مر ما يؤكد هذا المعنى في بعض أبواب كتاب التوحيد من المجلد الأوّل من هذا الكتاب فراجع.
7- استبسل - كما في القاموس - طرح نفسه للحرب يريد أن يقتل أو يُقتل. وهو هنا كناية عن أقصى درجات الانقياد والتسليم والمسكنة اللّه.
8- «كان المعنى : أن مقصودي من الخنق هذا النوع منه وهو الّذي يحصل من الجنون كالصرع مرآة المجلسي 12/214. والاعتلال: أن تصيبه علّة. وفي بعض النسخ (لا يقتل) أي لا يُلوى. وفي بعض النسخ أيضاً (الحُبون) جمع الجبن وهو خراج كالدمل وما يعتري في الجسد فينيح ويرم. (والحَبَن) داء في البطن يعظم منه ويرم - قاله في القاموس -.

باب من قال : استغفر اللّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه

1 - محمّد - بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد الصمد، عن الحسين بن حماد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال في دُبُر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه : أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو الحيُّ (1) القيوم (2) ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه = ثلاث مرات - غفر اللّه عزّ وجلّ له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

باب القول عند الإصباح والإمساء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن غالب بن عبد اللّه، عن أبي - عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تبارك وتعالى : (وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (3) قال هو الدُّعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن جابر، - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ إبليس عليه لعائن اللّه يبثَّ جنود الليل من حيث تغيب الشمس وتطلع، فأكثروا ذكر اللّه عزّ وجلّ في هاتين الساعتين وتعوذوا باللّه من شر إبليس وجنوده، وعوّذوا صغاركم في تلك الساعتين فإنهما ساعتا غفلة (4).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية عن رزين صاحب الأنماط (5)، عن

ص: 490


1- الحي : الفعّال المدرك.
2- أي القائم بلا زوال ويقال هو القيوم على كلّ شيء بالرعاية من قمت بالشيء إذا توليته بنفسك وتوليت حفظه وإصلاحه وتدبيره» المازندراني 279/10.
3- الرعد / 15. يقول : ويسجد أيضاً ظلال كلّ من يسجد اللّه طوعاً وكرها بالغدوات والعشايا فظل المؤمن يسجد طائعاً وظل الكافر يسجد كارها، و (الأصال) جمع (أصل) وهذا جمع (أصيل) وهو العشي. والعشي ما بين العصر إلى غروب الشمس والغُدُوِّ : جمع الغدوة وهي البكرة. أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.
4- أي سهو وعدم التفات. يغفل النّاس غالباً فيهما عن ذكر اللّه سبحانه ويحتمل أنّه إشارة إلى قوله تعالى في. الآية 205 من سورة الأعراف : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ).
5- ويقال : بياع الأنماط والأنماط جمع نمط: وهو ظهارة فراش ما وضَرْب من البسط، ووعاء كالشفط.

أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال : اللّهمّ إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت اللّه لا إله إلّا أنت الرَّحمن الرّحيم وأنَّ محمّداً عبدك ورسولك، وأنَّ فلان بن فلان إمامي وولي، وأنَّ أباه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلياً والحسن والحسين وفلاناً وفلاناً - حتّى ينتهي إليه - أئمتي وأوليائي على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث يوم القيامة وأبرأ من فلان وفلان وفلان. فإن مات في ليلته (1) دخل الجنّة.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال؛ وبكر بن محمّد، عن أبي إسحاق الشعيري (2)، عن يزيد بن كلثمة، عن أبي عبد اللّه أو عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تقول إذا أصبحت أصبحت باللّه مؤمناً على دين محمّد وسنته ودين علي وسنته، ودين الأوصياء وسنتهم، آمنت بسرهم وعلانيتهم (3)، وشاهدهم وغائبهم وأعوذ باللّه ممّا استعاذ منه رسول، اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء، وأرغب إلى اللّه فيما رغبوا إليه، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه

5 - عنه عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما كان إذا أصبح قال: «أبتدىء يومي هذا بين يدي نسياني وعجلتي(4) بسم اللّه وما شاء اللّه. فإذا فعل ذلك العبد أجزأه ممّا نسي في يومه».

6 - عنه، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن شهاب وسليم الفرّاء عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال هذا حين يمسي حُفَّ بجناح من أجنحة جبرئيل (5) (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى يصبح : «أستودع اللّه العلي الأعلى الجليل العظيم (6) نفسي ومن يعنيني أمره، أستودع اللّه نفسي المرهوب المخوف (7) المتضعضع (8)

ص: 491


1- قد يكون هذا قرينة على أن هذا الدعاء من أدعية المساء لعدم التصريح بوقته في الحديث كسابقيه.
2- لقب بذلك لأنه كان يبيع الشعير.
3- «أي من ادعى منهم الإمامة ظاهراً كأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن اتقى ولم يدع ظاهراً كسائر الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ). أو المراد بالسر العقايد وبالعلانية الأقوال والأعمال.. الخ» مرآة المجلسي 224/12.
4- «يعني ابتدىء وأقدم بين يدي نسياني عن الخيرات وسرعتي فيها هاتين الكلمتين الشريفتين...» المازندراني 281/10.
5- هذا كناية عن كونه - عند قوله ذاك - محفوظاً من جميع المكاره.
6- العليّ : المنزه عن صفات المخلوقين، تأكيد لعلوه أو بمعنى الغالب والجليل من صفات الكمال أو هو الحاوي على جميع صفات الجلال والعظيم هو ذو العظمة وهو راجع إلى كمال الذات والصفات.
7- «الفرق بين المرهوب والمخوف أن الرهبة ملاحظة العظمة من حيث هي والخوف بملاحظتها مع ملاحظة التقصير» مرآة المجلسي 227/12.
8- أي المنقاد المستسلم المتذلل.

لعظمته كلّ شيء - ثلاث مرات -.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن الحال عن عليّ بن عقبة وغالب بن عثمان عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أمسيت قل: «اللّهمّ إني أسألك عند إقبال ليلك وإدبار نهارك وحضور صلواتك(1) وأصوات دعائك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد» وادع بما أحببت.

8 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من يوم يأتي على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم (2) : يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فقل في خيراً واعمل في خيراً أشهد لك به يوم القيامة فإنّك لن تراني بعدها أبداً. قال : وكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا أمسى يقول : مرحباً بالليل الجديد والكاتب الشهيد اكتبا على اسم اللّه، ثمّ يذكر اللّه عزّ وجلّ.

9 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عبد اللّه بن بكير، عن شهاب بن عبد ربه قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا تغيرت الشمس (3) فاذكر اللّه عزّ وجلّ، وإن كنت مع قوم يشغلونك فقم وادْعُ.

10 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن شريف بن سابق عن الفضل بن أبي قرَّة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاث تناسخها الأنبياء (4) من آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى وصلن إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان إذا أصبح يقول: اللّهمّ إني أسألك إيماناً تباشر به قلبي (5) ويقيناً(6) حتّى أعلم أنّه لا يصيبني إلّا ما كتبت لي (7)، ورضّني بما قسمت لي (8).

ورواه بعض أصحابنا وزاد فيه (9) وحتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت يا

ص: 492


1- أي صلاة العشائين وحدها أو مع نوافلها ونوافل صلاة الليل.
2- أي بلسان الحال أو أنّه الملك الموكل به بلسان المقال.
3- أي من حيث اصفرار لونها عند العصر.
4- أي توارثوها نبياً عن نبي. والمقصود بالثلاث ثلاث كلمات.
5- «وهو الإيمان المستقر فيه، وإنما طلبه لأن الإيمان المستودع قد يزول بأدنى تدليسات الشيطان ويطير بأدنى نفخاته» المازندراني 283/10.
6- أي علماً جازماً لا يقبل التزلزل، يتعلق بقضاء اللّه وقدره، بقرينة ما بعده.
7- أي قدرته علي وقضيته واثبته في اللوح المحفوظ.
8- ورضاه بما قسمه اللّه له عبارة عن قناعته به والانقياد والتسليم لأمره.
9- هذه الزيادة مرتبطة بثالث الكلمات (ورضّني.. الخ) لأنها ممّا يتفرع على الرضا والتسليم.

حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً وصلى اللّه على محمّد وآله».

11 - «و(1) [روي] عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «الحمد للّه الّذي أصبحنا والملك له، وأصبحت عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك (2)، اللّهمّ ارزقني من فضلك رزقاً من حيث أحتسب (3) ومن حيث لا أحتسب، واحفظني من حيث أحتفظ ومن حيث لا أحتفظ، اللّهمّ ارزقني من فضلك ولا تعجل لي حاجة إلى أحد من خلقك، اللّهمّ البسني العافية وارزقني عليها الشكر يا واحد يا أحد يا صمد يا اللّه الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مالك الملك ورب الأرباب وسيد السادات ويا اللّه [یا] لا إله إلّا أنت اشفني بشفائك من كلّ داء وسقم (4) فإني عبدك وابن عبدك أتقلب في قبضتك».

12 - عنه (5)، عن محمّد بن عليّ، رفعه إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول: «اللّهمّ إنّي وهذا النهار خلقان من خلقك، اللّهمّ لا تبتلني به ولا تبتله بي (6)، اللّهمّ ولا تُرِهِ منّي جرأة على معاصيك ولا ركوباً لمحارمك، اللّهمّ اصرف عني الأزلَ واللأواء والبلوى (7) وسوء القضاء (8) وشماتة الأعداء ومنظر السوء (9) في نفسي ومالي».

قال: وما من عبد يقول حين يمسي ويصبح: رضيت باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نبياً وبالقرآن بلاغاً(10) وبعلي إماماً - ثلاثاً - إلّا كان حقاً على اللّه العزيز الجبار

ص: 493


1- يحتمل أن يكون عطفاً على سند الحديث السابق عليه.
2- كناية عن مدى إحاطة قدرة اللّه بالخلق وتسلطه عليهم.
3- أي أظن.
4- «يمكن حمل الداء على المرض النفساني والسقم على المرض الجسماني» المازندراني 284/10.
5- أي أحمد بن محمّد في سند الحديث السابق.
6- «كأنه طلب أن لا يصدر منه المعاصي فيه ولا ينزل فيه المصائب إليه، وبالجملة طلب حسن المعاشرة وعدم كون كل منهما بلية للآخر». المازندراني 10 / 285.
7- الأزل: الشدة والضيق اللاواء الشدة وضيق المعيشة واحتباس الرزق والبلوى : اسم لما يبتلى ويختبر به من المحنة والبلية والغم.
8- أي ما قضى اللّه سبحانه به عليه من المصائب. وقد مر أن الدعاء قد يكون سبباً في رد الأمر المقضي حيث لم يصل إلى مرتبة المشيئة والإرادة.
9- السوء : اسم من ساءه يسوءه، نقيض سره. والمعنى : يا رب اصرف عني النظر إلى ما يسووني ويحزنني في نفسي ومالي. وقد يراد به المصدر أي المنظر الّذي يسوء من نظر إليه. «وسوء النفس شامل للعيوب النفسانية والجسمانية والعاهات البدنية، وفي المال تلفه ونقصه أو الخسران فيه أو كساده بل كونه حراماً أو شبهة...» مرآة المجلسي 238/12.
10- أي عظة كافية بالغة.

أن يرضيه يوم القيامة.

قال : وكان يقول (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا أمسى : «أصبحنا اللّه شاكرين وأمسينا اللّه حامدين، فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين» (1).

قال : وإذا أصبح قال: «أمسينا اللّه شاكرين وأصبحنا اللّه حامدين والحمد اللّه كما أصبحنا لك مسلمين سالمين».

13 - عنه، عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول إذا أصبح : «بسم اللّه وباللّه وإلى اللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، اللّهمّ إليك أسلمتُ نفسي، وإليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا رب العالمين، اللّهمّ احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن قبلي (2)، لا إله إلّا أنت لا حول ولا قوة إلّا باللّه، نسألك العفو والعافية من كلّ سوء وشر في في الدنيا والآخرة اللّهمّ إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن ضغطة القبر ومن ضيق القبر (3)، وأعوذ بك من سطوات (4) الليل والنهار، اللّهمّ رب المشعر الحرام، وربَّ البلد الحرام، وربَّ الحل والحرام (5)، أبلغ محمّداً وآل محمّد عني السلام، اللّهمّ إني أعوذ بدرعك الحصينة، وأعوذ بجمعك أن تميتني غَرَقاً أو حَرْقاً أو شَرَقاً (6) أو قود (7) أو صبر (8) أو مسمّاً(9) أو

ص: 494


1- أي من الآفات والبلايا.
2- «السالك خائف من قطع الطريق من الشيطان ومن نفسه الأمارة بالسوء والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات والنفس تعرض عليه سلوك سبيل المشتهيات فلم ير للتخلص منها مساغاً إلّا بأن يلجأ إلى اللّه ويطلب منه الحفظ من جميع تلك الجهات وما يخاف منه من قبل نفسه» المازندراني 286/10. والمراد بحفظ الإيمان والحفظ الّذي يقتضيه الإيمان ليشمل الحفظ عما يضر بالدين كما يشمل الحفظ عما يضر بالدنيا، أو أن المعنى : احفظني بما تحفظ به أهل الإيمان.
3- لعل تخصيص ضغطة القبر بعد ذكره عذاب القبر مع أنّها بعض صوره، باعتبارها من أشد صور عذابه وضيق القبر، ربما يكون كناية عن الضنك والشدة الّتي قد يكون الإنسان معرضاً لها بعد وضعه فيه فيكون حبساً له عن الانطلاق في عالم البرزخ الرحب حيث يلتقي مع أحبته ومعارفه.
4- السطوات: جمع سطوة وهي البطش والقهر وهي عبارة عن المصائب والبلايا الّتي تحدث في الليل والنهار.
5- الحلّ ما جاوز الحرم، فيكون المراد بالحرام هنا الحرم بحدوده المرسومة بأحكامها المختصة بها والمذكورة في كتب الفقه. وفي بعض النسخ (والإحرام) فيكون المراد بالجل : الإحلال من جميع ما كان محرماً عليه بالإحرام.
6- الشرق: مصدر شَرِق فلان بالماء ونحوه إذا غص به حتّى يموت.
7- أي قصاصاً.
8- الموت صبراً أي حبساً، بأن يرمى في السجن حتّى يدركه الموت.
9- أي بالسم.

ترديّاً في بئر، أو أكيل السبع، أو موت الفجأة، أو بشيء من ميتات السوء، ولكن أمتني على فراشي في طاعتك وطاعة رسولك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مصيباً للحق (1) غير مخطيء، أو في الصف الّذي نعتهم في كتابك (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (2) أعيذ نفسي وولدي وما رزقني ربي بقل أعوذ بربّ الفلق - حتّى يختم السورة - وأعيذ نفسي وولدي وما رزقني ربي بقل أعوذ برب النّاس - حتّى يختم السورة (3) - ويقول : الحمد للّه عدد ما خلق اللّه، والحمد للّه مثل ما خلق، والحمد للّه مِلءَ ما خلق، اللّه والحمد للّه مِداد كلماته (4) والحمد للّه زنة عرشه، والحمد اللّه رضا نفسه، ولا إله إلّا اللّه الحليم الكريم ولا إله إلّا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه ربّ السماوات والأرضين وما بينهما وربّ العرش العظيم، اللّهمّ إني أعوذ بك من ذرك الشّقاء(5)، ومن شماتة الأعداء، وأعوذ بك من الفقر والوَقْر (6) وأعوذ بك من سوء المنظر في الأهل والمال والولد. ويصلّي على محمّد وآل محمّد» عشر مرات.

14 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من عبد يقول إذا أصبح قبل طلوع الشمس : «اللّه أكبر اللّه أكبر كبيراً وسبحان اللّه بكرة وأصيلاً، والحمد للّه رب العالمين كثيراً، لا شريك له وصلى اللّه على محمّد وآله» إلّا ابتدرهنَّ ملك (7) وجعلهنَّ في جوف جناحه وصعد بهنَّ إلى السماء الدُّنيا فتقول الملائكة : ما معك ؟ فيقول : معي کلمات قالهنَّ رجلٌ من المؤمنين وهي كذا وكذا، فيقولون : رحم اللّه من قال هؤلاء الكلمات وغفر له، قال : وكلّما مرَّ بسماء قال لأهلها مثل ذلك، فيقولون : رحم اللّه من قال هؤلاء الكلمات وغفر له حتّى ينتهي بهنَّ إلى حملة العرش، فيقول لهم: إن معي كلمات تكلّم بهنَّ رجلٌ من المؤمنين وهي كذا وكذا فيقولون : رحم اللّه هذا العبد وغفر له

ص: 495


1- أي للدين والولاية.
2- الصف : 4 والآية هكذا : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) وصفاً : أي مصطفاً، مصطفين، والبنيان المرصوص الحيطان المينية، قد رُصَّت فأحكم بناؤها.
3- يحتمل أن يكون هذا الكلام للاختصار صادراً عن الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما يحتمل أنّه صادر عن أبي بصير أو غيره من الرواة. ومنهم المصنف (رضیَ اللّهُ عنهُ).
4- المداد مصدر بمعنى المدد وهو هنا كناية عن الكثرة، لأن كلماته تعالى لا تنتهي حتّى يصح ما قيل من أن المراد بمداد كلماته مثلها في العدد، أو أنّها مثلها في الكثرة.
5- الدرك الوصول واللحاق ودرك الشقاء في الدنيا التعب والنصب وفي الآخرة سوء العاقبة.
6- الوَقْر ذهاب السمع كله أو ثقل فيه.
7- «دلالة عن أن الملائكة يتنافسون في رفع أعمال العباد فيفهم أن الرافع لأعمالهم غير منحصر بالحفظة» المازندراني 289/10.

انطلق بهنّ إلى حفظة كنوز مقالة المؤمنين فإنَّ هؤلاء كلمات الكنوز (1) حتّى تكتبهنَّ في ديوان الكنوز.

15 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد من أصحابه، عن أبان بن عثمان، عن عيسى بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أصبحت فقل: «اللّهمّ إني أعوذ بك من شر ما خلقت وذرأت وبرأت (2) في بلادك وعبادك، اللّهمّ إني أسألك بجلالك وجمالك وحلمك وكرمك كذا وكذا».

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن علياً صلوات اللّه عليه وآله كان يقول إذا أصبح : «سبحان اللّه الملك القدوس - ثلاثاً - اللّهمّ إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحويل عافيتك، ومن فُجأة نَقْمتك (3)، ومن دَرك الشقاء، ومن شر ما سبق (4) في الليل، اللّهمّ إني أسألك بعزة ملكك، وشدة قوتك، وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك. ثمّ سل حاجتك.

17 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد عن الحسين بن المختار، عن العلاء بن کامل قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول (5) عند المساء : لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو على كلّ شيء قدير. قال : قلت : بيده الخير، قال : إن بيده الخير ولكن قل كما أقول [لك] عشر مرات، وأعود باللّه السميع العليم حين تطلع الشمس وحين تغرب عشر مرات.

18 - علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يقول بعد الصبح : الحمد اللّه ربّ الصباح ؛ الحمد للّه فالق الأصباح (6) - ثلاث مرات - اللّهمّ افتح لي باب الأمر الّذي فيه اليسر والعافية، اللّهمّ هتىء لي سبيله وبصرني مخرجه، اللّهمّ إن كنت قضيت لأحد من خلقك علي مقدّرة (7) بالشرّ فخذه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن

ص: 496


1- «قيل : الإضافة بيانية، وتسميتها بالكنوز باعتبار ادخار ثوابها لصاحبها أو باعتبار نفاستها وعظم قدرها فإنما يكنز ما يضنّ به وكان نفيساً عزيزاً عند صاحبه» مرآة المجلسي 251/12.
2- الخلق في الأصل هو التقدير، والذره خاص بخلق الذرية والبرء الخلق من غير مثال يُحتذى
3- النقمة: العقوبة.
4- أي قدّر في الليل من البليات والمصائب سواء كان نزولها فيه أو في النهار.
5- يحتمل أن يكون قطع الآية هنا وعدم إكمالها من الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو من الراوي مراعاة للاختصار.
6- أي الحمد اللّه شاق الصبح من ظلمة الليل وسواده.
7- أي قدرة وقوة.

شماله ومن تحت قدميه ومن فوق رأسه، واكفنيه بما شئت ومن حيث شئت وكيف شئت».

19 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي، إسماعيل السِّرَّاج عن الحسين بن المختار عن رجل عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال إذا أصبح: «اللّهمّ إنِّي أصبحت في ذمتك وجوارك (1)، اللّهمّ إني أستودعك ديني ونفسي ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، وأعوذ بك يا عظيم من شر خلقك جميعاً، وأعوذ بك من شر ما يبلس (2) به إبليس وجنوده». إذا قال هذا الكلام لم يضره يومه ذلك شيء، وإذا أمسى فقاله لم يضره تلك الليلة شيء إن شاء اللّه تعالى.

20 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا صليت المغرب والغداة فقل : بسم اللّه الرّحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم. - سبع مرات -، فإنّه من قالها لم يصبه جُذام ولا بَرَص ولا جنون ولا سبعون نوعاً من أنواع البلاء، قال: وتقول إذا أصبحت وأمسيت الحمد لربّ الصباح، «الحمد لفالق الإصباح – مرتين -، الحمد للّه الّذي أذهب الليل بقدرته وجاء بالنهار برحمته ونحن في عافية». ويقرأ آية الكرسي (3)، وآخر الحشر (4)، وعشر آيات من الصافات (5) وسبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للّه ربّ العالمين، فسبحان اللّه حين تُمْسُونَ وحين تُصبِحُونَ وله الحمد في السّماوات والأرض وعشيّاً وحين تُظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تُخْرَجون، سُبوح قدوس رب الملائكة والرّوح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلّا أنت سبحانك إني عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم».

21 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّهمّ لك الحمد أحْمَدُكَ وأستعينك وأنت ربي وأنا عبدك، أصبحت على عهدك

ص: 497


1- الذّمة العهد والكفالة والجوار الأمان وإعطاء الذمة.
2- أبلس: تحير وتحزن وسكت ويئس والمعنى ما يئس إبليس به من رحمة اللّه، وهو العُجب والكبر والتمرد على اللّه.
3- الأحوط أنّها إلى قوله : (هم فيها خالدون).
4- أي آخر آية منها ورقمها في المصحف / 24 وهي هو اللّه الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
5- أي من أولها إلى قوله تعالى (شهاب ثاقب).

ووعدك وأؤمن بوعدك وأوفي بعهدك ما استطعت ؛ ولا حول ولا قوة إلّا باللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص، وملّة إبراهيم ودین محمّد، على ذلك أحيا وأموت إن شاء اللّه، اللّهمّ أحيني ما أحييتني به وأمتني إذا أمتني على ذلك وابعثني إذا بعثتني على ذلك، أبتغي بذلك رضوانك واتباع سبيلك، إليك ألجأت ظهري وإليك فوضت أمري، آل محمّد أئمتي ليس لي أئمّة غيرهم، بهم أنتم وإياهم أتولّى وبهم اقتدي، اللّهمّ اجعلهم أوليائي في الدنيا والآخرة، واجعلني أوالي أولياءهم وأعادي أعداءهم في الدنيا والآخرة وألحقني بالصّالحين وآبائي معهم».

422 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له علمني شيئاً أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال: قل: «الحمد للّه الّذي يفعل ما يشاء (1) ولا يفعل ما يشاء غيره، الحمد للّه كما يحبُّ اللّه أن يُحْمَد، الحمد للّه كما هو أهله، اللّهمّ أدخلني في كلّ خير (2) أدخلت فيه محمّداً وآل محمّد، وأخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّداً وآل محمّد وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد».

23 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي، عن عمرو بن مصعب عن فرات بن الأحنف عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مهما تركت من شيء فلا تترك أن تقول في كلّ صباح ومساء : «اللّهمّ إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح وفي هذا اليوم لأهل رحمتك وأبرأ إليك من أهل لعنتك، اللّهمّ إنّي أصبحت أبرأ إليك في هذا اليوم وفي هذا الصباح ممّن نحن بين ظهرانيهم من المشركين ومما كانوا يعبدون، إنهم كانوا قوم سوء فاسقين اللّهمّ اجعل ما أنزلت من السماء إلى الأرض في هذا الصباح وفي هذا اليوم بركة على أوليائك وعقاباً على أعدائك، اللّهمّ وال من والاك وعاد من عاداك، اللّهمّ اختم لي بالأمن والإيمان كلّما طلعت شمس أو غربت، اللّهمّ اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيراً، اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللّهمّ إنك تعلم منقلبهم ومثواهم، اللّهمّ احفظ إمام المسلمين بحفظ الإيمان وانصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً يسيراً واجعل له ولنا من لدنك سلطاناً نصيراً، اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً والفِرَقَ المختلفة (3) على رسولك وولاة الأمر بعد رسولك والأئمّة من بعده وشيعتهم،

ص: 498


1- أي بلا دافع ولا مانع.
2- أي ممّا هو من شأني، ويمكنني الدخول فيه.
3- أي المخالفة للرسول والأئمّة من أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) ممّن اغتصبوهم حقهم الّذي جعله اللّه لهم.

وأسألك الزيادة من فضلك، والإقرار بما جاء من عندك، والتسليم لأمرك، والمحافظة على ما أمرت به لا أبتغي به بَدَلاً ولا أشتري به ثمناً قليلاً، اللّهمّ اهدني فيمن هديت، وقني شرَّ ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، ولا يذلُّ من واليت تباركت وتعاليت، سبحانك ربَّ البيت تقبل مني دعائي وما تقربت به إليك من خير فضاعفه لي أضعافاً [مضاعفة] كثيرة وآتنا من لدنك [رحمة و] أجراً عظيماً ربّ ما أحسن ما ابتليتني (1)، وأعظم ما أعطيتني، وأطول ما عافيتني وأكثر ما سترت عليَّ، فلك الحمد يا إلهي كثيراً طيباً مباركاً عليه، مِلءُ السّماوات ومِلءَ الأرض (2) وملء ما شاء ربّي كما يحب ويرضى، وكما ينبغي لوجه ربي ذي الجلال والإكرام».

24 - عنه (3)، عن إسماعيل بن مهران عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من قال: «ما شاء اللّه كان، لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم» مائة مرة حين يصلّي الفجر (4) لم ير يومه ذلك شيئاً يكرهه.

25 - عنه، عن إسماعيل بن مهران عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال في دُبُرِ صلاة الفجر ودُبُر صلاة المغرب سبع مرات: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم دفع اللّه عزّ وجلّ عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الرّيح (5)، والبرص والجنون، وإن كان شقيّاً مُحِيَ من الشقاء وكُتِبَ في السعداء».

26 - وفي رواية سعدان (6)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله إلّا أنّه قال : أهونه الجنون والجذام والبرص وإن كان شقيّاً رجوت أن يحوّله اللّه عزّ وجلّ إلى السّعادة.

27 - عنه، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله إلّا أنّه قال : يقولها ثلاث مرات حين يصبح، وثلاث مرات حين يمسي لم يخف شيطاناً ولا سلطاناً ولا

ص: 499


1- «أي من الإحسان والخير والإنعام وإن كان الإبلاء يستعمل في الخير والشر. وقال القتيبي : يقال من الخير أبليته أبليه إبلاء ومن الشر بلوته ابلوه بلاء».
2- «المراد به كثرة العدد يقول : لو قدر أن تكون كلمات الحمد إجساماً لبلغت من كثرتها أن تملأ السموات والأرض، ويجوز أن يراد بها أجرها وثوابها» مرآة المجلسي 275/12.
3- أي عن أحمد بن محمّد بن خالد الوارد في سند الحديث السابق.
4- أي بعد فريضة الفجر.
5- الريح : «يحتمل وجوهاً : الأوّل : أن يكون تعفّن الأعضاء وفسادها بحيث يحس منها الريح المنتنة. الثاني: الابتلاء بالريح كسقوطه بها من سطح.. الثالث : أن يكون كناية عن تصرف الجن في البدن كما يقال في عرف العرب والعجم : أصابته ريح الجن» مرآة المجلسي 276/12 باختصار.
6- هذا لقب لعبد الرحمن بن مسلم العامري، وكان يقود أبا بصير (رضیَ اللّهُ عنهُ) يحيى بن القاسم لأنه ولد مكفوفاً.

بَرَصاً ولا جذاماً ؛ ولم يقل سبع مرات، قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)(1): وأنا أقولها مائة مرَّة.

28 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا صلّيت الغداة والمغرب فقل : «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم» - سبع مرات -، فإنه من قالها لم يصبه جنون ولا جذام ولا برص ولا سبعون نوعاً من أنواع البلاء.

29 - عنه، عن محمّد بن عبد الحميد، عن سعد بن زيد قال : قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا صليت المغرب فلا تبسط رجلك ولا تكلم أحداً حتّى تقول مائة مرة : «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم» ومائة مرّة في الغداة فمن قالها دفع اللّه عنه مائة نوع من أنواع البلاء، أدنى نوع منها البرص والجذام والشيطان والسلطان (2).

30 - عنه، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا أمسيت فنظرت إلى الشَّمس في غروب وإدبار فقل: «بسم اللّه الرَّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك. الحمد للّه الّذي يصف ولا يوصف (3) ويعلم ولا يُعلم، يعلم خائنة (4) الأعين وما تخفي الصدور، أعوذ بوجه اللّه (5) الكريم وباسم اللّه العظيم من شرّ ما ذرأ وما برأ ومن شرّ ما تحت الثرى، ومن شر ما ظهر وما بطن ومن شرّ ما كان في الليل والنهار، ومن شرّ أبي مُرَّة (6) وما ولد ومن شرِّ الرَّسيس (7) ومن شر ما وصفت وما لم أصف؟ فالحمد للّه ربّ العالمين ذكر أنّها أمانٌ من السبع (8)، ومن الشيطان الرجيم ومن ذريته. قال : وكان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول إذا أصبح : سبحان اللّه الملك

ص: 500


1- يحتمل الإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما يحتمل الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- النسبة بين هذا الخبر والأخبار السابقة «تقتضي أن يكون المدفوع بالسبع مرات سبعة أنواع من البلايا، أو يكون المدفوع بمائة مرة ألف نوع من البلايا ليرتفع التنافي بين الأخبار والجواب : أن أنواع البلايا المدفوعة بمائة مرة أشد وأعظم من الأنواع المدفوعة بسبع كما يشعر به قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أدنى نوع منها الجذام والبرص والشيطان والسلطان. وفي السبع قال : لم يصبه جنون ولا جذام ولا برص ولا سبعون نوعاً من البلاء حيث يفهم منه أن الجنون والجذام والبرص أعظم نوع من هذه الأنواع، وإذا اختلفت البلايا في الشدة والضعف بطلت النسبة المذكورة» المازندراني 298/10.
3- «أي يصف الأشياء بصفاتها وحقايقها ولا يوصف كنه ذاته وصفاته، أو لا يتصف بصفات المخلوقات، أو بصفات زائدة على الذات» مرآة المجلسي 279/12.
4- أي خيانة، وذلك بالنظر إلى ما حرم اللّه عليه النظر إليه، أو الغمز واللمز بالإشارة بها ليعين ظالماً أو لينتقص مؤمناً
5- أي بذاته المتصفة بالكرم.
6- كنية إبليس. وفي بعض النسخ (أبي قترة) وهو كنية إبليس أيضاً.
7- الرسيس الكاذب أو المفسد وأهل الرس : هم المفسدون من رس بين القوم إذا أفسد.
8- أي الوحش المفترس.

القدوس - ثلاثاً - اللّهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحويل عافيتك، ومن فجأة نقمتك، ومن درك الشقاء، ومن شر ما سبق في الكتاب، اللّهمّ إنّي أسألك بعزة ملكك وشدّة قوّتك وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك».

31 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الدُّعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها سنة واجبة (2) مع طلوع الفجر (3) والمغرب تقول : «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير» - عشر مرات - وتقول : «أعوذ باللّه السميع العليم من هَمَزات الشياطين (4) وأعوذ بك ربّ أن يحضرون، إنَّ اللّه هو السميع العليم» - عشر مرات - قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فإن نسيت قضيت كما تقضي الصلاة إذا نسيتها.

32 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن أبي جميلة عن، عن أبي جميلة، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قل: أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم وأعوذ باللّه أن يحضرون، إنَّ اللّه هو السميع العليم». وقل: «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير». قال: فقال له رجل: مفروض هو؟ قال: نعم مفروض محدود (5) تقوله قبل طلوع الشمس وقبل الغروب عشر مرّات فإن فاتك (6). شيء فاقضه من الليل والنهار.

33 - عنه عن إسماعيل بن مهران عن رجل عن إسحاق بن عمّار، عن العلاء بن، کامل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ من الدُّعاء ما ينبغي لصاحبه إذا نسيه أن يقضيه، يقول بعد الغداة: «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير [كلّه] وهو على كلّ شيء قدير» - عشر مرات.. ويقول: «أعوذ باللّه

ص: 501


1- هو سالم بن مكرم.
2- أي لازمة مؤكدة.
3- «في بعض النسخ : الشمس بدل الفجر، وهو الأظهر والظاهر أن (مع) بمعنى (عند) وأنه مع مدخوله تفسير للقبل وتحديد له ويمكن أن يكون المراد استحباب الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، ووجوبه يعني تأكد استحبابه عند طلوع الفجر أو الشمس وعند غروبها» المازندراني 299/10.
4- الهَمْز - كما في القاموس - الغمز، والضغط والنخس والدفع والضرب، والعض، والكسر. وقد فسر همز الشيطان بالجنون لأنه يحصل من غمزه و نخسه.
5- أي هو ظاهر الرجحان موقوت بوقت معين من أوله وآخره.
6- أي عمد أو عن نسيان.

السميع العليم» - عشر مرات - فإذا نسي من ذلك شيئاً كان عليه قضاؤه.

34 - عنه عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا، جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن التسبيح، فقال : ما علمت شيئاً موظفاً (1) غير تسبيح فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وعشر مرات بعد الفجر تقول : «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد [يحيي ويميت] وهو على كلّ شيء قدير» ويسبّح ما شاء تطوعاً (2).

35 - محمّد بن بن يحيى، عن، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبيدة الحذاء (3) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من قال حين يطلع الفجر: «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت [ويميت ويحيي] وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير» - عشر مرات - «وصلى اللّه على محمّد وآل محمّد» عشر مرات، وسبّح خمساً وثلاثين مرة، وهلل خمساً وثلاثين مرة، وحمد اللّه خمساً وثلاثين مرّة لم يُكتب في ذلك الصباح من الغافلين، وإذا قالها في المساء لم يكتب في تلك الليلة من الغافلين.

36 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله أن يعلّمني دعاءً فكتب إليَّ : تقول إذا أصبحت وأمسيت : «اللّه اللّه اللّه ربّي الرّحمن الرّحيم لا أشرك به شيئاً» وإن زدت على ذلك فهو خير، ثمّ تدعو بما بدا لك في حاجتك فهو لكلّ شيء بإذن اللّه تعالى يفعل اللّه ما يشاء (4).

37 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان، عن داود الرقي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تَدَعْ أن تدعو بهذا الدّعاء ثلاث مرّات إذا أصبحت، وثلاث مرّات إذا أمسيت : «اللّهمّ اجعلني في درعك الحصينة الّتي تجعل فيها من تريد فإنّ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول : هذا من الدُّعاء المخزون (5).

ص: 502


1- الموظف : ما عينت فيه هيئة خاصة وعدد محدود فلا يخرج على هيئته ولا يزاد ولا ينقص من عدده.
2- التطوع : قد يطلق - كما هو الغالب - على ما لم يواظب عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من المستحبات، ولذا لا يندرج في باب السنن، والّتي من خواصها قضاؤها عند الفوت.
3- هو زياد بن عيسى.
4- أي ليس هو لحاجة دون حاجة بتوفيق اللّه، واللّه قادر على أن يقضي جميع الحاجات ما دعي به منها وما لم يُدْعَ.
5- أي محفوظ مُحْرَز عن غير أهله.

38 - عليّ بن محمّد عن بعض أصحابه، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري (1)، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له ما عنى بقوله : (وإبراهيم الّذي وفّى) (2)؟ قال : كلمات بالغ فيهنَّ قلت وما هنَّ ؟ قال : كان إذا أصبح قال : أصبحت : وربي محمود (3) أصبحت لا أشرك باللّه شيئاً ولا أدعو معه إلهاً ولا أتخذ من دونه ولياً - ثلاثاً.. وإذا أمسى قالها ثلاثاً، قال : فأنزل اللّه عزّ وجلّ في كتابه (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى). قلت : فما عنى بقوله في نوح : (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (4)؟ قال : كلمات بالغ فيهنَّ، قلت، وما هنَّ ؟ قال : كان إذا أصبح قال : أصبحت أشهدك ما أصبَحَتْ بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنّها منك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد على ذلك ولك الشكر كثيراً. كان يقولها إذا أصبح ثلاثاً وإذا أمسى ثلاثاً ؛ قلت : فما عنى بقوله في يحيى (وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً) (5) قال : تحنن اللّه، قال : قلت : فما بلغ من تحنّن اللّه عليه ؟ قال : كان إذا قال : يا ربّ، قال اللّه عزّ وجلّ لبّيك يا يحيى.

باب الدعاء عند النوم والانتباه

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ والحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق جميعاً عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات : الحمد للّه الّذي علا فقهر والحمد للّه الّذي بَطَنَ فَخَبَر، والحمد للّه الّذي مَلَكَ فقدَر، والحمد للّه الّذي يحيي الموتى ويميت الأحياء وهو على كلّ شيء قدير (6). خرج من الذُّنوب كهيئة يوم ولدته أمه.

2 - محمّد بر بن يحيى، عن أحمد بن محمّد رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليقل: اللّهمّ إنّي احتبست نفسي عندك (7) فاحتبسها في محلّ رضوانك

ص: 503


1- واسمه هاشم بن حيان.
2- النجم / 37.
3- أي تلهج بحمده جميع الخلائق.
4- الإسراء / 3.
5- مريم / 13. (وحناناً) أي رحمة (وزكاة) أي طهارة من الذنوب.
6- مر هذا في متن الحديث رقم (7) من باب التحميد والتمجيد وعلقنا عليه هناك فراجع.
7- كأنه جعل نفسه بالنوم حبيبة اللّه سبحانه فإن أراد توفاها وقبضها إليه وإن أراد أرسلها إلى أن يحين جينها وهو ما قاله سبحانه في الآية 42 من سورة الزمر.

ومغفرتك، وإن رددتها [إلى بدني] فارددها مؤمنة عارفة بحق أوليائك حتّى تتوفاها على ذلك.

3 - حميد بن زياد عن الحسين بن محمّد عن غير واحد عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول عند منامه: آمنت باللّه وكفرتُ باطاغوت (1)، اللّهمّ احفظني في منامي وفي يقظتي.

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن محمّد بن مروان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أخبركم بما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول إذا أوى إلى فراشه؟ قلت بلى قال كان يقرأ آية الكرسي ويقول: «بسم اللّه آمنت باللّه وكفرت بالطَّاغوت، اللّهمّ احفظني في منامي وفي يقظتي».

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: اللّهمّ إني أعوذ بك من الاحتلام (2)، ومن سوء الأحلام وأن يلعب بي الشيطان (3) في اليقظة والمنام.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين ابن سعيد، جميعاً، عن القاسم بن عروة، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تسبيح فاطمة الزهراء (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا أخذت مضجعك : فكبر اللّه أربعاً وثلاثين، واحمده ثلاثاً وثلاثين وسبحه ثلاثاً وثلاثين(4)، وتقرأ آية الكرسي والمعوذتين، وعشر آيات من أول الصافات، وعشراً من آخرها.

7 - عنه، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيّوب، عن داود بن فرقد، عن أخيه (5) أنَّ شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : قل له : إن امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال قل له : اجعل مسباحاً(6) وكبر اللّه أربعاً وثلاثين

ص: 504


1- «الطاغوت الشيطان والأصنام والكاهن وكل ما عبد من دون اللّه، وكل رئيس في الضلالة، وأقدمهم من أقدم أولاً على تخريب الدين» المازندراني 303/10.
2- الاحتلام: نزول المني في حالة النوم بسبب رؤياه نفسه يداعب أو يجامع امرأة.
3- عبارة عن تزييناته ووساوسه وتسويلاته الخبيثة.
4- ليس في هذا ما يدل على وجوب الترتيب بين أجزاء تسبيح الزهراء (عَلَيها السَّلَامُ)، لأن الواو كما هو مقرر في محله ليست للترتيب كما أن التقديم في الذكر في الرواية لا يدل عليه.
5- لداود بن فرقد عدة أخوة هم يزيد وعبد الرحمن وعبد الحميد وليس معروفاً من منهم المقصود في هذه الرواية.
6- المسباح هو المسبحة أو ما يستعمل لضبط عدد التسبيحات والأذكار.

تكبيرة، وسبح اللّه ثلاثاً وثلاثين تسبيحة واحمد اللّه ثلاثاً وثلاثين، وقل : لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي بيده الخير وله اختلاف الليل والنّهار (1)، وهو على كلّ شيء قدير. - عشر مرات -.

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه أتاه ابن له ليلةً فقال له : يا أبه أريد أن أنام، فقال : يا بنيَّ قل : «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عبده ورسوله أعوذ بعظمة اللّه، وأعوذ بعزة اللّه، وأعوذ بقدرة اللّه، وأعوذ بجلال اللّه، وأعوذ بسلطان اللّه، إنّ اللّه على كلّ شيء قدير، وأعوذ بعفو اللّه، وأعوذ بغفران اللّه، وأعوذ برحمة اللّه من شرّ السّامة والهامّة (2) ومن شرّكلّ دابة صغيرة أو كبيرة بليل أو نهار، ومن شرّ فسقه الجن والإنس ومن شرّ فسقة العرب والعجم، ومن شر الصواعق والبرد اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك». قال معاوية : فيقول الصبي : الطيب، عند ذكر النبي، [الطيب] المبارك (3)، قال : نعم يا بنيَّ الطيب المبارك.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن مفضّل بن عمر قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن استطعت أن لا تبيت ليلة حتّى تَعَوَّذَ بأحد عشر حرفاً؟ قلت: أخبرني بها؟ قال: قل: «أعوذ بعزة اللّه، وأعوذ بقدرة اللّه وأعوذ بجلال اللّه، وأعوذ بسلطان اللّه، وأعوذ بجمال اللّه، وأعوذ بدفع اللّه، وأعوذ بمنع اللّه، وأعوذ بجمع اللّه، وأعوذ بملك اللّه، وأعوذ بوجه اللّه، وأعوذ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من شر ما خلق وبرأ وذرأ». وتعوّذ به كلّما شئت.

10 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح قال : كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا أويت إلى فراشك فقل : «بسم اللّه وضعت جنبي الأيمن (4) [اللّه] على ملة إبراهيم حنيفاً للّه مسلماً وما أنا من المشركين».

ص: 505


1- اي تعاقبهما، وولوج أحدهما في الآخر، أو اختلافهما من حيث الطول والقصر بحسب الفصول.
2- «في مصباح اللغة الهامة ما له سم يقتل كالحية، والجمع الهوام، وقد يطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات والسامة من الخشاش ما يسم ولا يقتل بسمه كالعقرب والزنبور، والجمع سوام» المازندراني 305/10.
3- «قوله : فيقول : استفهام والإخبار بعيد والطيب إما منصوب على أنّه مقول القول، أو مرفوع على أنّه صفة للصبي، والمبارك على الأوّل صفة للنبي وعلى الثاني مقول القول» ن. م. وأرى بأن كلمة : الطيب، بعد كلمة الصبي زائدة من تصحيف النسّاخ، إذ مع حذفها يستقيم المعنى من دون حاجة إلى شيء من هذه التخريجات.
4- لعل فيه تنبيها على استحباب النوم على الجانب الأيمن ربما لبركته وما يستبطنه اسم من توسم الخير وربما لوجود مفسدة صحية في النوم على الأيسر لما يسببه من ضغط وثقل على القلب.

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن حسين بن سعيد، عن، النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «إذا قام أحدكم من الليل فليقل: سبحان ربّ النبيّين وإله المرسلين وربّ المستضعفين» (1) والحمد للّه الّذي يحيي الموتى وهو على كلّ شيء قدير. يقول اللّه عزّ وجلّ: (صدق عبدي وشكر).

12 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا قمت بالليل من منامك فقل: «الحمد للّه الّذي ردَّ عليَّ روحي لأحمده وأعبده» فإذا سمعت صوت الديك (2) فقل : سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبقت رحمتك غضبك، لا إله إلّا أنت وحدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، فإذا قمت فانظر في آفاق (3) السّماء وقل : اللّهمّ لا يواري منك ليل داج (4)، ولا سماء ذات أبراج (5)، ولا أرض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض، ولا بحر لُجِّي (6)، تدلج بين يدي المدلج (7) من خلقك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم لا تأخذك سِنَةٌ ولا نوم، سبحان ربي ربّ العالمين وإله المرسلين والحمد اللّه ربّ العالمين».

13 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان جميعاً، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا قام آخر الليل يرفع صوته حتّى يسمع أهل الدار ويقول: «اللّهمّ أعني على هول المطلع (8).

ص: 506


1- يمكن تخصيصه بالأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويحتمل التعميم لكل مستضعف.
2- روي في بعض الأخبار بأن الديك يصيح عندما يرى يرى ملكاً من الملائكة.
3- الآفاق : الأطراف والأنحاء.
4- أي مظليم معتم.
5- أي أركان وحصون. وقيل: البرج : باب السماء، وقيل: الكوكب العظيم.
6- أي عظيم.
7- «الإدلاج سير الليل كله أو مطلق السير في الليل، وربما خصّص بالسير في أوله. والمعنى: «أن رحمتك : وتوفيقك وإعانتك لمن توجه إليك وعبدك صادرة عنك قبل توجهه إليك وعبادته لك إذ لولا رحمتك وتوفيقك لم يخطر ذلك بباله فكأنك سريت إليه قبل أن يسري هو إليك» مرآة المجلسي 310/12.
8- «هول المطلع : - كما في النهاية - الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الّذي يشرف عليه من موضع عال» وقيل : بأن هول المطّلع هو الإطلاع على الملائكة الّذين يقبضون الأرواح وذهب المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مرآته 313/12 إلى أن المراد منه - حسب الظاهر - أهوال القبر.

ووسّع عليّ ضيق المضجع (1)، وارزقني خير ما قبل الموت وارزقني خير ما بعد الموت».

14 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه رفعه قال : تقول إذا أردت النوم : «اللّهمّ إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها» (2).

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعاً، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي أسامة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من قرأ قل هو اللّه أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر له ما عمل قبل ذلك خمسين عاماً، وقال يحيى : فسألت سماعة عن ذلك فقال: حدّثني أبو بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول ذلك ؛ وقال (3) : يا أبا محمّد (4) أما إنك إن جربته وجدته سديداً (5).

16 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد، جميعاً، عن جعفر بن محمّد الأشعري عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا أوى إلى فراشه قال : «اللّهمّ باسمك أحيا وباسمك أموت فإذا قام من نومه قال: «الحمد للّه الّذي أحياني بعد ما أماتني (6) وإليه النشور» وقال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرّات، والآية الّتي في آل عمران: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ) (7)وآية السخرة وآية السجدة (8)، وكل به شيطانان (9) يحفظانه من مردة الشياطين، شاؤوا أو أبوا، ومعهما من اللّه ثلاثون ملكاً يحمدون اللّه عزّ وجلّ ويسبحونه ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له

ص: 507


1- أي القبر، أو البرزخ.
2- لعله إشارة إلى قوله تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى...) الزمر / 42.
3- أي أبو بصير وهي كنية لليث بن البختري.
4- كنية ليحيي بن القاسم.
5- أي مطابقاً صميماً صادقاً.
6- لأن النوم موت أصغر، واليقظة منه نشور أصغر أيضاً.
7- هي الآية 18 من آل عمران شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم.
8- هي الآية 54 من سورة الأعراف / هنالك قولان حول آية السجدة، قول بأنها الآيتان 53 و 54 من سورة فصلت. والقول الآخر أنّها الآية 16 من سورة آلم السجدة وأولها (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...) إلى قوله تعالى (ينفقون).
9- «هذا من جملة تسخيراته تعالى حيث جعل عدو وليه حافظاً له» المازندراني 309/10.

إلى أن ينتبه ذلك العبد من نومه وثواب ذلك (1) له.

17 - أحمد بن محمّد الكوفي، عن حمدان القلانسي عن محمّد بن الوليد، عن أبان (2)، عن عامر بن عبيد اللّه (3) بن جذاعة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من أحد يقرأ آخر، الكهف (4) عند النوم إلّا تيقظ (5) في الساعة الّتي يريد.

18 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : من أراد شيئاً من قيام الليل وأخذ مضجعه (6) فليقل: «[بسم اللّه] اللّهمّ لا تؤمني مكرك (7)، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين، أقوم (8) ساعة كذا وكذا». إلّا وكّل اللّه عزّ وجلّ به ملكاً ينبهه تلك الساعة.

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن أبي حمزة قال : رأيت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحرّك شفتيه حين أراد أن يخرج وهو قائم على الباب، فقلت: [إني] رأيتك تحرك شفتيك حين خرجت فهل قلت شيئاً؟ قال : نعم، إنَّ الإنسان إذا خرج من منزله قال حين يريد أن يخرج : اللّه أكبر، اللّه أكبر - ثلاثاً - (9) باللّه أخرج وباللّه أدخل وعلى اللّه أتوكل - ثلاث مرات - اللّهمّ افتح لي في وجهي هذا بخير واختم لي بخير؟ وقني شرَّ كلّ دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم لم يزل في ضمان اللّه عزّ وجلّ حتّى يرده اللّه إلى

ص: 508


1- أي ثواب تسبيحهم وتهليلهم وتكبيرهم واستغفارهم.
2- هو أبان بن عثمان الأحمر البجلي، أبو عبد اللّه.
3- الظاهر أن فيه تصحيفاً، إذ الموجود في كتب الرجال عامر بن عبد اللّه بن جذاعة، وهو الّذي روى عنه أبان بن عثمان الأحمر فعبيد غلط.
4- ورقمها (110) وهي قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
5- أي استيقظ من نومه.
6- أي من أراد أن يستيقظ في وقت معين من الليل للتهجد والعبادة.
7- «أصل المكر: الخداع، وهو على اللّه سبحانه محال وإذا نسب إليه تعالى يراد به الاستدراج أو الجزاء بالغفلات والإيقاع بالبليات والعقوبة بالسيئات» المازندراني 310/10.
8- أي أريد أن أقوم.
9- أي قال : اللّه أكبر ثلاث مرات ولعل عدم ذكر اللّه أكبر الثالثة وكذا ما بعده من الذكر وقع من الراوي رعاية للاختصار ويحتمل أنّه من الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لنفس السبب.

المكان الّذي كان فيه.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب عن أبي حمزة مثله.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مالك ابن عطية، عن أبي حمزة الثمالي قال: أتيت باب عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوافقته (1) حين خرج من الباب فقال : بسم اللّه آمنت باللّه وتوكلت على اللّه. ثمّ قال : يا أبا حمزة إنَّ العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان (2) فإذا قال : بسم اللّه قال الملكان : كُفيت (3)، فإذا قال : آمنت باللّه، :قالا : هديتَ (4)، فإذا قال : توكلت على اللّه، قالا : وقبتَ (5). فيننحى الشيطان فيقول بعضهم لبعض (6) : كيف لنا بمن هدي وكفي ووقي ؟ قال : ثمّ قال : اللّهمّ إنَّ عرضي لك اليوم (7). ثمّ قال : يا أبا حمزة إن تركت النّاس (8) لم يتركوك وإن رفضتهم (9) لم يرفضوك، قلت : فما أصنع ؟ :قال اعطهم [من] عرضك ليوم فقرك وفاقتك.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي حمزة قال : استأذنت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخرج إليَّ وشفتاه تتحركان فقلت له (10)، فقال : أفطنت لذلك يا ثمالي ؟ قلت : نعم جعلت فداك، قال: إني واللّه تكلّمت بكلام ما تكلّم به أحد قط إلّا كفاه اللّه ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته قال قلت له أخبرني به قال: نعم، من قال حين يخرج من منزله: «بسم اللّه حسبي اللّه توكلت على اللّه، اللّهمّ إني أسألك خير أموري كلها، وأعوذ بك من خزي الدُّنيا وعذاب الآخرة» كفاه اللّه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته.

4 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 509


1- أي صادفته عند خروجه، أو اتفق وصولي حين خروجه.
2- أي جنسه وكذا فيما سيأتي.
3- أي استغنيت باللّه عن غيره.
4- أي إلى دين الحق.
5- أي من كلّ شر من الجن والإنس.
6- أي بعض الشياطين لبعض.
7- «أي لا أتعرض لمن هتك عرضي لوجهك إما عفواً أو تقية وكلاهما اللّه رضى» مرآة المجلسي 322/12 وقال في النهاية عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير.
8- أي تركت مجادلتهم ومحاورتهم والوقيعة فيهم.
9- أي اعتزلتهم.
10- أي سألته بم أو لم يحرك شفتيه.

قال: من قال حين يخرج من باب داره: أعوذ بما عادت به ملائكة اللّه (1) من شرّ هذا اليوم الجديد الّذي إذا غابت شمسه لم تعد من شر نفسي ومن شرَّ غيري، ومن شر الشياطين، ومن شر من نصب لأولياء اللّه (2)، ومن شر الجن والإنس، ومن شرّ السباع والهوام، ومن شر ركوب المحارم كلّها، أجير نفسي باللّه من كلّ شرّه غفر اللّه له وتاب عليه وكفاه الهم (3) وحجزه (4) عن السوء وعصمه من الشرّ.

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا خرجت من منزلك فقل : «بسم اللّه توكلت على اللّه، لا حول ولا قوة إلّا باللّه. اللّهمّ إني أسألك خير ما خرجت له، وأعوذ بك من شر ما خرجت له، اللّهمّ أوسع علي من فضلك، وأتمم علي نعمتك، واستعملني في طاعتك، واجعل رغبتي فيما عندك، وتوفني على ملتك وملة رسولك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (5).

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة (6) قال : كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا خرج يقول: «اللّهمّ بك خرجت (7)، ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، اللّهمّ بارك لي في يومي وارزقني هذا فوزه (8)، وفتحه(9)، ونصره وطهوره (10)، وهداه وبركته، واصرف عني شره وشر ما، فيه، بسم اللّه وباللّه واللّه أكبر والحمد للّه ربّ العالمين اللّهمّ إنّي قد خرجت فبارك لي في خروجي وانقعني به» قال: وإذا دخل في منزله قال ذلك.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا خرج من منزله قال : «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، خرجت بحول اللّه وقوته لا

ص: 510


1- «أي أعوذ بأسمائه الحسنى، وفي الفقيه : أعوذ باللّه ممّا عاذت منه ملائكة اللّه. والموصول فيه عبارة عن المعصية والمخالفة واستعاذة الملائكة تدل على اقتدارهم على المخالفة وإن لم تقع كما في الأنبياء» المازندراني 312/10.
2- أي الّذين عادوا أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وشيعتهم.
3- أي ما أهمه من أمر دينه ودنياه.
4- أي منعه. وكذا (وعصمه).
5- أي ثبت قلبي على دينك ولا تزغه بعد إذ هديتني.
6- هو سالم بن مكرم.
7- أي بقوتك وتوفيقك.
8- أي بظفري فيما أطلب فيه.
9- أي فتح أبواب رحمتك فيه.
10- أي التنزه عن المعاصي فيه.

بحول مني، ولا قوتي، بل بحولك وقوتك يا ربّ، متعرّضاً لرزقك فأتني به(1) في عافية».

8- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر ابن يزيد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من قرأ قل هو اللّه أحد حين يخرج من منزله عشر مرات، لم يزل في حفظ اللّه عزّ وجلّ وكلاءته (2) حتّى يرجع إلى منزله.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن القاسم، عن صباح الحذاء قال : قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ). إذا أردت السفر فقف على باب دارك واقرأ فاتحة الكتاب أمامك وعن يمينك وعن شمالك، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أمامك وعن يمينك وعن شمالك، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) أمامك وعن يمينك وعن شمالك، ثمّ قل: «اللّهمّ احفظني واحفظ ما معي وسلّمني وسلّم ما معي (3)، وبلغني وبلّغ ما وبلغني وبلّغ ما معي (4) بلاغاً حسناً». ثمّ قال : أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه، ويَسْلَم ولا يَسْلَمُ ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه

10 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان، عن أبي حمزة (5) عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان إذا خرج من البيت قال : «بسم اللّه خرجت وعلى اللّه توكلت، لا حول ولا قوة إلّا باللّه».

11 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن موسى بن القاسم، عن صباح الحذّاء، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يا صباح لو كان الرجل منكم إذا أراد سفراً قام على باب داره تلقاء وجهه الّذي يتوجه له، فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله، والمعوذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله، وقل هو اللّه أحد أمامه وعن يمينه وعن اللّه أحد أمامه وعن يمينه وعن شماله، وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله، ثمّ قال : «اللّهمّ احفظني واحفظ ما معي، وسلّمني وسلّم ما معي، وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل لحفظه اللّه وحفظ ما معه وسلّمه وسلّم ما معه وبلّغه وبلّغ ما معه، أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه، ويبلغ ولا يبلغ ما معه، ويسلم ولا يسلم ما معه» (6).

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم،

ص: 511


1- أي بالرزق.
2- أي وحراسته.
3- «الظاهر أنّه تأكيد لما قبله وهو كثير في الأدعية» المازندراني 315/10.
4- أي إلى الجهة الّتي أقصدها في سفري.
5- أي الثمالي.
6- هذا نفس مضمون الحديث رقم (9) المتقدم وبنفس السند تقريباً، إلّا أن فيه زيادة وآية الكرسي.

عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل: «بسم اللّه آمنت باللّه، توكلت على اللّه، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلّا باللّه» فتلقّاه الشياطين فتنصرف وتضرب الملائكة (1) وجوهها وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمّى اللّه وآمن به وتوكل عليه وقال : ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلّا باللّه.

باب الدعاء قبل الصلاة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من قال هذا القول كان مع محمّد وآل محمّد إذا قام (2) قبل أن يستفتح الصّلاة: «اللّهمّ إنّي أتوجه إليك(3) بمحمّد وآل محمّد وأقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك (4) فاجعلني بهم (5) وجيهاً في الدُّنيا والآخرة ومن المقربين مننت عليَّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فإنّها السعادة واختم لي بها، فإنّك على كلّ شيء قدير». ثمّ تصلّي فإذا انصرفت قلت: «اللّهمّ اجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ عافية وبلاء واجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ مثوى ومنقلب(6)، اللّهمّ اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم واجعلني معهم في المواطن كلّها، ولا تفرّق بيني وبينهم، إنك على كلّ شيء قدير».

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا رفعه قال : تقول قبل دخولك في الصلاة : «اللّهمّ إني أقدم محمّداً نبيك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بين يدي حاجتي، وأتوجه به [إليك] في طَلِبَتي فاجعلني بهم وجيهاً في الدُّنيا والآخرة ومن المقربين، اللّهمّ اجعل صلاتي بهم متقبّلة وذنبي بهم مغفوراً ودعائي بهم مستجاباً يا أرحم الرَّحمين».

3 - عنه، عن أبيه عن عبد اللّه القاسم عن صفوان الجمال قال : شهدت أبا عبد

ص: 512


1- أي تتلقاه الشياطين بقصد إغوائه ولكنها لا تستطيع وتخسأ لأن الملائكة تتصدى لها وتضرب وجوهها كلّ ذلك بسبب الذكر الّذي قاله.
2- أي للصلاة.
3- «أي أقبل بظاهري وباطني إليك» المازندراني 366/10.
4- «أي أتقرب بتوسطهم أو بتصديقهم ومتابعتهم إليك» .ن. م.
5- أي بسبب توسيطي وتصديقي ومتابعتي لهم.
6- «المثوى: محل الإقامة أو مصدر ميمي من قولهم ثوى بالمكان أقام به وكذا المنقلب يحتملها، أي في كلّ مكان أقاموا فيه وكل محل انقلبوا فيه، أو في كلّ إقامة وسكون وكل انقلاب وحركة» مرآة المجلسي 332/12.

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستقبل القبلة قبل التكبير وقال: «اللّهمّ لا تؤيسني من روحك (1) ولا تقنطني من رحمتك، ولا تؤمني مكرك، فإنّه لا يأمن مكر اللّه إلّا القوم الخاسرون» قلت: جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك، فقال: إنَّ من أكبر الكبائر عند اللّه اليأس من روح اللّه والقنوط من رحمة اللّه والأمن من مكر اللّه

باب الدعاء في أدبار الصلوات

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه البرقي(2)، عن عيسى بن عبد اللّه القمّي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول إذا فرغ من الزّوال (3) : «اللّهمّ إنّي أتقرب إليك بجودك وكرمك وأتقرب إليك بمحمّد عبدك ورسولك وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وبك(4)، اللّهمّ أنت الغني عنّي وبي الفاقة إليك، أنت الغني وأنا الفقير إليك أقلتني عثرتي وسترت علي ذنوبي فاقض لي اليوم حاجتي، ولا تعذبني بقبيح ما تعلم منّي، بل عفوك وجودك يسعني» قال : ثمّ يخرُّ ساجداً ويقول : «يا أهل التقوى (5) و يا أهل المغفرة، يا بريا رحيم، أنت أبر بي من أبي وأمي ومن جميع الخلائق، اقبلني (6) بقضاء حاجتي مجاباً دعائي، مرحوماً صوتي، قد كشفت أنواع البلايا عني».

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال إذا صلّى المغرب ثلاث مرات: الحمد للّه الّذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره أعطي خيراً كثيراً.

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، رفعه قال : يقول بعد

ص: 513


1- أي لا تقنطني من راحتك.
2- واسمه أحمد بن محمّد بن خالد.
3- «الظاهر أنّه فريضة الظهر، والنافلة محتملة» المازندراني 318/10.
4- أي إني لا أعتمد على شيء من عملي يقربني منك ولذا أتقرب إليك بما ذكرت.
5- أي أنت حقيق بأن يتقى من عقوبتك بسبب المعصية.
6- في بعض النسخ (اقلبني) ولعله أنسب بالمعنى.

العشائين: «اللّهمّ بيدك (1) مقادير (2) الليل والنهار، ومقادير الدُّنيا والآخرة، ومقادير الموت والحياة، ومقادير الشمس والقمر، ومقادير النصر والخذلان ومقادير الغنى والفقر، اللّهمّ بارك (3) لي في ديني ودنياي، وفي جسدي وأهلي وولدي، اللّهمّ ادرأ عني شرَّ فسقة العرب والعجم والجن والإنس واجعل منقلبي (4) إلى خير دائم ونعيم لا يزول».

4 - عنه، عن بعض أصحابه رفعه قال : من قال بعد كلّ صلاة وهو آخذ بلحيته بيده اليمنى : «يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار» - ثلاث مرات - ويده اليسرى مرفوعة وبطنها إلى ما يلي السّماء ثمّ يقول: «أجرني من العذاب الأليم [ثلاث مرات] ثمّ يؤخر يده عن لحيته، ثمّ يرفع يده ويجعل بطنها ممّا يلي السّماء (5)، ثمّ يقول: يا عزیز یا کریم یا رحمن یا رحیم ويقلب يديه ويجعل بطونهما ممّا يلي السماء، ثمّ يقول «أجرني من العذاب [الأليم]» - ثلاث مرات - صلّ على محمّد وآل محمّد والملائكة والرُّوح غفر له ورضي عنه ووصل بالاستغفار له حتّى يموت جميع الخلائق إلّا الثقلين الجن والإنس ؛ وقال : إذا فرغت من تشهدك فارفع يديك وقل: «اللّهمّ اغفر لي مغفرة عزماً جزماً (6) لا تغادر ذنباً ولا أرتكب بعدها محرماً أبداً، وعافني معافاة لا بلوى بعدها أبداً، واهدني هدى لا أضلُّ بعده أبداً، وانفعني يا ربّ بما علّمتني، واجعله لي ولا تجعله عليَّ (7)، وارزقني كفافاً (8) ورضني به يا رباه، وتب علي يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا رحمن یا رحمن یا رحمن یا رحیم یا رحیم یا رحیم ارحمني من النّار ذات السعير وابسط عليّ من سعة رزقك، واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، واعصمني من الشيطان الرّجيم، وأبلغ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عني تحية كثيرة وسلاماً واهدني بهداك، وأغنني بغناك، واجعلني من أوليائك المخلصين، وصلى اللّه على محمّد وآل محمّد آمین». قال : قال هذا من بعد كلّ صلاة رد اللّه عليه روحه في قبره وكان حيا(9) مرزوقاً ناعماً مسروراً إلى يوم القيامة.

ص: 514


1- اليد : بمعنى القدرة.
2- جمع مقدار وهو مبلغ الشيء المقدّر بتقدير معين.
3- البركة : الزيادة والنماء.
4- أي مرجعي ومالي في الآخرة.
5- الظاهر أنّه بعد الدعاء الأوّل المذكور تصبح كلتا يديه مرفوعتين وباطنهما معاً نحو السماء. ويؤيده قوله فيما بعد (ويقلب يديه).
6- أي حتماً قطعاً.
7- أي اجعل ما علمتني نافعاً لي بأن توفقني للعمل به ولا تجعله بحيث يضرني ترك العمل به فإن العالم بلا عمل محجوج بعلمه مرآة المجلسي 341/12.
8- أي مقدار الحاجة، ممّا يكف وجهي عما في أيدي النّاس.
9- «أي بالحياة الّتي تكون في البرزخ بالجسد المثالي أو غيره كالشهداء لا بهذا البدن» مرآة المجلسي 343/12.

5 - عنه، عن بعض أصحابه رفعه قال : تقول بعد الفجر: «اللّهمّ لك الحمد حمداً خالداً مع خلودك، ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون رضاك (1)، ولك الحمد حمداً لا أمد له دون مشيئتك (2)، ولك الحمد حمداً لا جزاء لقائله إلّا رضاك، اللّهمّ لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، اللّهمّ لك الحمد كما أنت أهله، حتى ينتهي الحمد اللّه بمحامده كلّها على نعمائه كلّها الحمد إلى حيث ما يحبُّ ربي ويرضى». وتقول بعد الفجر قبل أن تتكلّم (3) : الحمد للّه ملء الميزان ومنتهى الرّضا، وزِنَةَ العرش وسبحان اللّه ملء الميزان، ومنتهى الرّضا، وزنة العرش واللّه أكبر ملء الميزان ومنتهى الرّضا وزنة العرش، ولا إله إلّا اللّه ملء الميزان ومنتهى الرّضا وزنة «العرش تعيد ذلك أربع مرات ثمّ تقول : [اللّهمّ] أسألك مسألة العبد الذُّليل أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ؛ وأن تغفر لنا ذنوبنا وتقضي لنا حوائجنا في الدُّنيا والآخرة في يُسر منك وعافية.

6 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه، عن محمّد بن الفرج قال : كتب إليَّ أبو جعفر بن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذا الدعاء وعلّمنيه (4) وقال : من قال في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة إلّا تيسرت له وكفاه اللّه ما أهمّه : بسم اللّه وباللّه وصلّى اللّه على محمّد وآله وأفوض أمري إلى اللّه إن اللّه بصير بالعباد، فوقاه اللّه سيّئاتِ ما مكروا، لا إله إلّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين، حسبنا اللّه ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلّا باللّه [العلي العظيم] ما شاء اللّه لا ما شاء النّاس ما شاء اللّه وإن كره النّاس، (5) الربُّ من حسبي المربوبين، حسبي الخالق من المخلوقين، حسبي الرازق من المرزوقين، حسبي الّذي لم يزل حسبي منذ قط (6) حسبي اللّه الّذي لا إله إلّا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. وقال: إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : رضيت باللّه رباً وبمحمّد نبياً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبفلان وفلان أئمّة، اللّهمّ وليك فلانٌ (7) فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله

ص: 515


1- أي لا ينتهي حتّى أحوز رضاك.
2- أي دون ما تشاء من العباد أن يحمدوك به ممّا أنت أهله.
3- أي بأي كلام مع أحد من النّاس.
4- تعليمه إياه، قد يكون بعد أن التقاه مشافهة وقد يكون بالكتابة.
5- أي اللّه كافيني.
6- «يظهر منه أنّه يمكن أن يكون هنا : قطّ، بالسكون بمعنى حسب. وقيل : المعنى حسبي اللّه وكفاني من أول عمري إلى الآن ومنه أتوقع الكفاية فيما بقي» مرآة المجلسي 350/12.
7- أي للحجة صاحب الزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

ومن فوقه ومن تحته، وامدد له في عمره، واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك، وأره ما يحبُّ وما تَقَرَّ به عينه في نفسه وذريته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوّه (1)، وأرهم منه ما يحذرون، وأره فيهم ما يحبُّ وتقرّ به عينه، واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين قال : وكان النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول إذا فرغ من صلاته: «اللّهمّ اغفر لي ما قدَّمت وما أخرت (2)، وما أسررت وما أعلنت وإسرافي على نفسي، وما أنت أعلم به مني، اللّهمّ أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت، بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين، ما علمت الحياة خيرا لي فأحيني، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللّهمّ إنّي أسألك خشيتك في السر والعلانية، وكلمة الحق في الغضب والرّضا، والقصد (3) في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا ينقطع، وأسألك الرّضا بالقضاء وبركة الموت بعد العيش وبرد العيش بعد الموت، ولذة المنظر إلى وجهك وشوقاً إلى رؤيتك ولقائك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللّهمّ زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين اللّهمّ اهدنا فيمن هديت، اللّهمّ إني أسألك عزيمة الرشاد والثبات في الأمر والرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عافيتك وأداء حقك، وأسألك يا رب قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأستغفرك لما تعلم وأسألك خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم، فإنّك تعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب».

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن سيف ابن عَمِيرة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : جاء جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى يوسف وهو في السجن فقال له : يا يوسف قل في دبر كلّ صلاة : «اللّهمّ اجعل لي فرجاً ومخرجاً (4)، وارزقني من حيث احتسب (5) ومن حيث لا أحتسب».

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عبد العزيز، عن

ص: 516


1- وذلك بإهلاك عدوه، فهو ما تقربه عينه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وقُرة العين سكونها وهو كناية عن فرحها وسرورها وظفرها بالمطلوب.
2- «ودعاؤه بذلك مع علمه بأنه مغفور له ومع أنّه معصوم من جميع الذنوب إشفاق وتعليم للأمة. وقيل خوف مكر اللّه وقيل : يحتمل أنّه بحسب المقامات يرى مقامه في زمان دون مقامه في زمان آخر فيستغفر من مقامه الأول. وقيل طلب لأمته إلّا أنّه نسبها إلى نفسه للأشعار بأن مغفرة ذنوبهم مغفرة له. أو طلبها لنفسه بناء على أن الكفار كانوا معتقدين بأنه مذنب في دعوة الرسالة فجعل رفع ذلك الاعتقاد منهم بمنزلة المغفرة، أو بناء على أنّه عدا خلاف الأولى ذنباً» المازندراني 325/10.
3- أي الاعتدال.
4- أي فرجاً من الشدة ومخرجاً من الضيق.
5- أي من حيث أظن أنّه مورد رزقي.

بكر بن محمّد عمّن رواه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قال هذه الكلمات عند كلّ صلاة مكتوبة حفظ في نفسه وداره وماله وولده أجير نفسي ومالي وولدي وأهلي وداري وكلّ ما هو منّي، باللّه الواحد الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأجير نفسي ومالي وولدي وكلّما هو مني بربّ الفَلَق من شر ما خلق - إلى آخرها - وبرب النّاس - إلى آخرها - وآية الكرسي - إلى آخرها - (1).

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال : من قال في دبر الفريضة : «يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء أحد غيره» - ثلاثاً - ثمّ سأل أعطي ما سأل».

10 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق عن سعدان، عن سعيد بن يسار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا صليت المغرب فأمر يدك على جبهتك وقل : «بسم اللّه الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرّحيم، اللّهمّ أذهب عنّي الهم [والغمّ] والحزن» - ثلاث مرّات -.

11 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد الجعفي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كنت كثيراً ما أشتكي عيني (2)، فشكوت ذلك إلى أبي عبد (3) اللّه فقال : ألا أعلمك دعاء لدنياك وآخرتك وبلاغاً(4) لوجع عينيك ؟ قلت : بلى قال : تقول في دبر الفجر ودبر المغرب: «اللّهمّ إني أسألك بحق محمّد وآل محمّد عليك، صلِّ على محمّد وآل محمّد، واجعل النور في بصري (5)، والبصيرة في ديني واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والسلامة في نفسي والسعة في رزقي، والشكر لك أبداً ما أبقيتني».

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير قال : حدّثني أبو جعفر الشامي قال : حدّثني رجل بالشام يقال له : هلقام (6) بن أبي هلقام قال: أتيت أبا إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : جُعِلتُ فِداك علّمني دعاء جامعاً للدُّنيا والآخرة وأوجز، فقال : قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس: «سبحان اللّه العظيم وبحمده أستغفر اللّه وأسأله من فضله».

ص: 517


1- قال هلقام : لقد كنت من أسوء أهل بيتي حالاً، فما علمت حتّى أتاني ميراث من قبل.
2- تعبير (إلى آخرها) في جميع الموارد رعاية للاختصار وهو إما من الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو من الراوي، أو من النسّاخ.
3- الاشتكاء من الشكوى. وهي المرض.
4- أي كفاية.
5- أي القوة البصريه.
6- الهلقام - كما في القاموس - الضخم الطويل.

رجل ما ظننت أن بيني وبينه قرابة، وإنّي اليوم لمن أيسر أهل بيتي وما ذلك إلّا بما علمني مولاي العبد الصالح (عَلَيهِ السَّلَامُ).

باب الدعاء للرزق

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعاً عن القاسم بن عروة، عن أبي جميلة(1)، عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد للّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يعلّمني دعاء للرّزق، فعلّمني دعاء ما رأيت أجلب منه للرّزق قال : قل : «اللّهمّ ارزقني من فضلك الواسع الحلال الطيب رزقاً واسعاً حلالاً طيباً بلاغاً للدُّنيا والآخرة، صبّاً صبا (2)، هنيئاً مريئاً (3)، من غير كد ولا من من أحد خلقك، إلّا سعة من فضلك الواسع فإنك قلت : واسألوا اللّه فضله (4) فمن فضلك أسأل، من ومن عطيتك أسأل، ومن يدك الملأى (5) أسأل».

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال(6)، عن يونس، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد استبطأت الرّزق، فغضب (7) ثمّ قال لي : قل : «اللّهمّ إنك تكفلت برزقي ورزق كلّ دابة، يا خير مدعو ويا خير من أعطى ويا خير من سُئِلَ ويا أفضل مرتجى افعل بي كذا وكذا».

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال : أبطأ رجلٌ من أصحاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عنه، ثمّ أتاه فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما أبطأ بك عنا؟» فقال : السقم والفقر، فقال له : أفلا أعلمك دعاء يذهب اللّه عنك بالسقم والفقر؟ قال: بلى يا رسول اللّه، فقال : قل : «لا حول ولا قوة إلّا باللّه [العلي العظيم] توكلت على الحي الّذي لا يموت، والحمد للّه الّذي لم يتخذ [صاحبة ولا] ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذُّلّ وكبره تكبيراً» قال : فما لبث أن عاد إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال: يا رسول اللّه قد أذهب اللّه عنّي السقم والفقر.

ص: 518


1- هو المفضل بن صالح.
2- أي رزقاً مصبوباً، والتكرار للتأكيد أو للأشعار بأنه رزق متجدد في كلّ يوم.
3- أي غير وخيم العاقبة لا في الجسد ولا في الروح.
4- النساء / 32.
5- «مؤنث ملآن والمعنى «من مزيد قدرتك المملوءة من نعم الدنيا والآخرة أسأل» مرآة المجلسي 384/12
6- هو الحسن بن عليّ بن فضال.
7- غضبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن كلام أبي بصير يستبطن سوء ظن باللّه سبحانه وعدم التسليم لأمره والرضا بقضائه

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن زيد الشحّام، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : «يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وارزق عبائي من فضلك الواسع فإنك ذو الفضل العظيم».

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن خالد عن القاسم بن عروة، عن أبي جميلة عن أبي بصير قال : شكوت إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحاجة، وسألته أن يعلّمني دعاء في طلب الرّزق، فعلمني دعاء ما احتجت منذ دعوت به قال : قل [دبر] صلاة الليل (1) وأنت ساجد : «يا خير مدعو ويا خير مسؤول ويا أوسع من أعطى ويا خير مرتجى ارزقني وأوسع عليَّ من رزقك وسبب لي رزقاً من قِبَلِك، إنك على كلّ شيء قدير».

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي داود عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه إنِّي ذو عيال وعلي دَيْنٌ وقد اشتدَّت حالي، فعلمني دعاءً أدعو اللّه عزّ وجلّ به ليرزقني ما أقضي به ديني وأستعين به على عيالي، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا عبد اللّه توضأ وأسبغ وضوءك (2)، ثمّ صلّ ركعتين تتمَّ الرُّكوع والسجود» ثمّ قل: «يا ماجد يا واحد يا كريم [يا دائم] أتوجه إليك بمحمّد نبيّك نبي الرحمة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، يا محمّد (3) يا رسول اللّه إنّي أتوجه بك إلى اللّه ربّك وربّي وربّ كلّ شيء، أن تصلّي على محمّد وأهل بيته وأسألك نفحة كريمة (4) من نفحاتك، وفتحاً يسيراً (5)، ورزقاً واسعاً ألمُ به شَعَثي (6) وأقضي به ديني وأستعين به على عيالي».

7 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى،، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن أبان، عن أبي سعيد المكاري وغيره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : علّم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هذا الدُّعاء : يا رازق

ص: 519


1- «إعلم أن في مصطلح الأخبار تطلق صلاة الليل غالباً على الثمان ركعات، وقد تطلق على الإحدى عشرة بإضافة الشفع والوتر إليها، وعلى الثلاث عشرة بإضافة ركعتي الفجر، وكأن الأوّل هنا أظهر، والمراد إما قراءته في كلّ سجدة منها أو في إحداها لا على التعيين والأخير أظهر، لكن لا ينافي التكرار» مرآة المجلسي 387/12.
2- أي انت به كاملا مشتملا على واجباته ومستحابته.
3- بعد أن جعل الداعي محمّد وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسيلة وشفاعة إلى اللّه بين يدي طلبته توجه بالخطاب إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ليقبل هو بدوره أن يكون شفيعه عند اللّه في إنجاز طلبته.
4- النفحة: في الأصل، هبوب الريح الطيبة، وريح المسك استعملها هنا على نحو الاستعارة في الرحمة الإلهية.
5- ای لأبواب الرزق من دون تعب ولا نَصَب.
6- الشَّعَث: انتشار الأمر. والمعنى أسألك يا رب رزقاً تجمع به ما تفرق من أمري واضطرب من أحوالي.

المقلّين (1)، يا راحم المساكين يا ولي المؤمنين، يا ذا القوة المتين (2)، صلّ على محمّد وأهل يا بيته وارزقني وعافني واكفني ما أهمني».

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : نظر أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى رجل وهو يقول: «اللّهمّ إني أسألك من رزقك الحلال»، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سألت قوت النبيّين (3) قل: «اللّهمّ إني أسألك رزقاً [حلالاً ] واسعاً طيباً (4) من رزقك».

9 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قلت للرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جُعِلتُ فداك ادع اللّه عزّ وجلّ أن يرزقني الحلال فقال: أتدري ما الحلال؟ قلت : الّذي عندنا الكسب الطيب، فقال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الحلال هو قوت المصطفين، ثمّ قال: قل: «أسألك من رزقك الواسع».

10 - عنه (5)، عن بعض أصحابه، عن مفضّل بن مزيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قل : «اللّهمّ أوسع عليّ في رزقي، وامدد لي في عمري واجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري»(6).

11 - عنه، عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) دعاء في الرزق: «يا اللّه يا اللّه يا اللّه أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي على محمّد وآل محمّد، وأن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك وأن تبسط عليّ ما حظرت (7) من رزقك».

ص: 520


1- جمع مقل : وهو الفقير.
2- المتين كما في النهاية من أسماء اللّه تعالى ومعناه : الشديد القوى الذى لا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا : تعب.
3- «كونه قوت النبيّين، إما لأنه لا يتيسر العلم بذلك الا لهم بالوحي والإلهام، وإما لندرة وجوهه ولا يمكن لأكثر النّاس الصبر عليه والقناعة به إلّا لهم... وطريقه ضيق والطالب له طالب لضيق معيشته...» مرآة المجلسي 12 / 392 – 393.
4- «المشهور بين الفقهاء أن الحلال والطيب مترادفان أو الحلال ما أحله الشارع وما لم يرد فيه نهي، والطيب ما تستطيبه النفس وتستلذه. وقيل : الطيب يقال لمعان الأوّل المستلذ الثاني : ما أحله الشارع الثالث : ما كان طاهرا الرابع : ما خلا عن الأذى في النفس والبدن وهو حقيقة في الأوّل لتبادره إلى الذهن عند الإطلاق، والخبيث يقابل الطيب بمعانيه» مرآة المجلسي 391/12 – 392.
5- أي عن أحمد بن محمّد بن خالد.
6- «أي اجعلني ممّن تنشقم به من الأعداء لإظهار دينك بالتوفيق والأمر والنهي والجهاد مع إمام عادل... ولا تهلكني بالتولي عن طاعتك، والمخالفة بمعصيتك ولا تأت بمن يطيعك بدلاً مني...» المازندراني 336/10.
7- أي حبست ومنعت.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد العطار، عن يونس بن يعقوب عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنا قد استبطأنا الرزق، فغضب ثمّ قال : قل : «اللّهمّ إنّك تكفلت برزقي ورزق كلّ دابة فيا خير من دعي ويا خير من سئل ويا خير من أعطى ويا أفضل مرتجى افعل بي كذا وكذا (1)».

13 - أبو بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدعو بهذا الدعاء : اللّهمّ إني أسألك حُسْنَ المعيشة (2)، معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي، وأتوصل بها في الحياة إلى آخرتي من غير أن تترفني فيها فأطغى، أو تقتر بها علي فأشقى، أوسع علي من حلال رزقك، وأفضل عليّ من سَيْب (3) فضلك، نعمة منك سابغة (4)، وعطاء غير ممنون(5)، ثمّ لا تشغلني عن شكر نعمتك بإكثار منها تلهيني بهجته، وتفتني زهرات زهوته (6) ولا بإقلال علي منها يقصر بعملي كده، ويملأ صدري همه، أعطني من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك، وبلاغاً أنال به رضوانك، وأعوذ بك يا إلهي من شرّ الدُّنيا وشر ما فيها، لا تجعل الدُّنيا علي سجناً (7) ولا فراقها علي حزناً، أخرجني من فتنتها مرضياً عني، مقبولاً فيها عملي، إلى دار الحيوان (8)، ومساكن الأخيار، وأبدلني بالدُّنيا الفانية نعيم الدار الباقية، اللّهمّ إني أعوذ بك من أَزْلِها (9) وزلزالها وسطوات شياطينها وسلاطينها، ونكالها (10)، ومن بغي من بغى عليَّ فيها، اللّهمّ من كادني فكذه (11)، ومن أرادني فارده، وفلّ عني حد من نصب لي حده، واطف عني نار من شبّ لي وقوده واكفني مكر المكرة وافقاً عنّي عيون الكفرة، واكفني هم من أدخل عليَّ همّه، وادفع عني شرَّ الحَسَدَة، واعصمني من ذلك بالسكينة، وألبسني درعك الحصينة

ص: 521


1- تقدم بمضمون متقارب جداً من هذا المضمون عن يونس عن أبي بصير تحت رقم (2) من هذا الباب وعلّقنا عليه فراجع.
2- المقصود بحسن المعيشة بقرينة ما بعدها عيشة الكفاف دون زيادة ولا نقصان.
3- السيب: العطاء. وفي بعض النسخ (وافض علي...).
4- أي كاملة وافية.
5- أي غير منقوص ولامقطوع.
6- «زهرات الدنيا متاعها وحسنها وبهجتها ونضارتها وزينتها والزهوة الكبر والفخر والخيلاء» المازندراني 337/10.
7- أي بتضييق العيش علي فيها وبكثرة بلاءاتها ومصائبها.
8- الحيوان - كما في القاموس - خلاف المَوتان، والمقصود بها الجنّة، لأن الحياة الحقيقية تنحصر فيها.
9- الأزل : الضيق والشدة والمقصود بزلزالها مصائبها وبلاءاتها.
10- النكّال : العقوبة.
11- الكيد من الإنسان المكر والخديعة ومن اللّه سبحانه: جزاؤه على المكر من باب المشاكلة.

واخبأني في سترك الواقي، وأصلح لي حالي، وصدّق قولي بفعالي، وبارك لي في أهلي ومالي».

باب الدعاء للدين

باب الدعاء للدين (1)

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، - عن جميل بن دراج، عن وليد بن صبيح قال : شكوت إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ديناً لي على أناس، فقال: قل: «اللّهمّ لحظةً (2) من لحظاتك تيسّر على غرمائي بها القضاء، وتيسر لي بها الاقتضاء (3) إنك على كلّ شيء قدير».

2 - الحسين بن محمّد الأشعري عن معلى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجلٌ فقال : يا نبي اللّه الغالب عليَّ الدَّين ووسوسة الصدر، فقال له النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قل: توكلت على الحيّ الّذي لا يموت الحمد للّه الّذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذُّلّ وكبره تكبيراً». قال : فصبر الرَّجل ما شاء اللّه، ثمّ مرَّ على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فهتف به (4) فقال : ما صنعت ؟ فقال : أدمنتُ (5) ما قلت لي يا رسول اللّه فقضى اللّه ديني، وأذهب وَسْوَسَةً صدري.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان (6) عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : يا رسول اللّه قد لقيت شدَّة من وسوسة الصدر، وأنا رجل مدين معيل محوج (7). فقال له : كرّر هذه الكلمات: «توكّلت على الحي الّذي لا يموت، والحمد للّه الّذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذُّلّ، وكبره تكبيراً». فلم يلبث أن جاءه فقال : أذهب اللّه عني وسوسة صدري وقضى عني دَيْني، ووسع عليّ رزقي.

ص: 522


1- أعم من أن يكون للإنسان أو عليه. والدعاء في الأوّل لتيسير الاستيفاء، وفي الثاني للتوفيق إلى الإيفاء.
2- أي أسألك لحظة. والمراد بها هنا نظر الرحمة.
3- أي الاستيفاء.
4- أي صاح به.
5- أي داومت عليه ولازمته.
6- هو عبد اللّه بن مسكان.
7- أي محتاج.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة عن موسى بن بكر، دعاء عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان كتبه لي في قرطاس : «اللّهمّ اردد إلى جميع خلقك مظالمهم الّتي قبلي، صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية، وما لم تبلغه قوتي، ولم تسعه ذات يدي، ولم يقو عليه بدني ويقيني ونفسي(1)، فأدّه عني من جزيل ما عندك من فضلك، ثمّ لا تخلف عليَّ منه شيئاً تقضيه من حسناتي (2)، يا أرحم الرّاحمين، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ عبده ورسوله، وأنَّ الدِّين كما شَرَع، وأن الإسلام كما وصف، وأنَّ الكتاب كما أنزل، وأنَّ القول كما حدَّث، وأنَّ اللّه هو الحق المبين، ذكر اللّه محمّداً وأهل بيته بخير وحيّا محمّداً وأهل بيته بالسّلام».

باب الدعاء لِلْكَرْب والهمّ والحزن والخوف

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السرَّاج (3)، عن ابن مسكان عن أبي حمزة قال : قال محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا حمزة مالك إذا أتى بك أمر تخافه أن لا تتوجه إلى بعض زوايا بيتك - يعني (4) القبلة - فتصلي ركعتين ثمّ تقول : يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الرّاحمين» - سبعين مرة - كلّما دعوت بهذه الكلمات [مرَّة] سألت حاجة.

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن ثابت عن أسماء قالت : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من أصابه هم أو غم أو كرب أو بلاء أو لأواء(5)فليقل: «اللّه ربّي ولا أشرك به شيئاً، توكلت على الحي الّذي لا يموت».

3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا نزلت برجل نازلة أو شديدة أو كربه أمر فليكشف عن ركبتيه وذراعيه

ص: 523


1- «(ويقيني ونفسي) لما فيهما من الضعف المانع من تسليم البدن إلى المظلوم» المازندراني 342/10.
2- أي لا تبق للمظلوم على شيئاً إلى يوم القيامة فيأخذ من حسناتي أو تجعل من سيئاته في ميزاني لقاء ما بقي له عليّ في الدنيا من مظلمة.
3- واسمه عبد اللّه بن عثمان.
4- هذا من كلام الراوي. ويحتمل من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
5- اللأواء: الشدة وضيق المعيشة.

وليلصقهما بالأرض وليلزق جؤجؤه (1) بالأرض ثمّ ليدعُ بحاجته وهو ساجدٌ.

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب، عن الحسن بن عمّار الدَّهان عن مسمع (2)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجُبِّ أتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل عليه فقال : يا غلام ما تصنع ههنا ؟ فقال : إنَّ أخوتي ألقوني في الجبّ، قال : فتحبّ أن تخرج منه ؟ قال : ذاك إلى اللّه عزّ وجلّ، إن شاء أخرجني. قال : فقال له : إن اللّه تعالى يقول لك : ادعني بهذا الدعاء حتّى أخرجك من الجب. فقال له : وما الدعاء؟ فقال: قل: «اللّهمّ إنّي أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلّا أنت المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام أن تصلي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي ممّا أنا فيه فَرَجاً ومخرجاً» قال: ثمّ كان من قصته ما ذكر اللّه في كتابه.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ الّذي دعا به أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على داود بن عليّ حين قتل المعلى بن خنيس وأخذ مال أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّهمّ إنِّي أسألك بنورك الّذي لا يطفى، ويعزائمك (3) الّتي لا تخفى، وبعزك الّذي لا ينقضي، وبنعمتك الّتي لا تحصى، ويسلطانك الّذي كففت به فرعون عن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الهمّ قال : تغتسل وتصلي ركعتين وتقول : «يا فارج الهم ويا كاشف الغم، يا رحمن الدُّنيا والآخرة ورحيمهما (4)، فرج همي واكشف غمّي يا اللّه الواحد الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد اعصمني وطهرني واذهب ببليتي» واقرأ آية الكرسي والمعوذتين.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة (5)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا خفت أمراً فقل: اللّهمّ إنك لا يكفي منك أحد وأنت تكفي من كلّ

ص: 524


1- أي صدره.
2- الظاهر بقرينة رواية الدهان عنه أنّه مسمع بن عبد الملك بن مسمع كنيته أبو سيار ولقبه كردين.
3- عزايم اللّه : - كما في القاموس - فرايضه الّتي أوجبها.
4- «قيل هما اسمان بنيا للمبالغة من رحم، والأوّل أبلغ من الثاني، لأن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني. وتلك الزيادة إما باعتبار الكمية ولذلك يقال رحمن الدنيا لأنه يعم الأبرار والفجار ورحيم الآخرة لأنه يخص الأبرار» المازندراني 344/10.
5- هو ابن مهران بقرينة رواية عثمان بن عيسى عنه.

أحد من خلقك فاكفني كذا وكذا.

وفي حديث آخر قال : تقول: «يا كافياً من كلّ شيء ولا يكفي منك شيء في السماوات والأرض، اكفني ما أهمني من أمر الدُّنيا والآخرة وصلّى اللّه على محمّد وآله». وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): من دخل على سلطان يهابه فليقل: «باللّه أستفتح وباللّه استنجح وبمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أتوجه، اللّهمّ ذلل لي صعوبته وسهل لي حزونته(1) فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب». وتقول أيضاً : «حسبي اللّه لا إله إلّا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، وأمتنع بحول اللّه وقوته من حولهم وقوتهم، وأمتنع بربّ الفَلَق من شر ما خلق ولا حول ولا قوة إلّا باللّه».

8 - عنه، عن عدَّة من أصحابنا، رفعوه، إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان من دعاء (2) أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الأمر يَحْدُث : «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لي وارحمني، وزك عملي (3) ويسر منقلبي واهد[ء] قلبي وآمن خوفي وعافني في عمري كله وثبت حجتي واغفر خطاياي وبيض وجهي واعصمني في ديني وسهل مطلبي ووسع عليَّ في رزقي فإني ضعيف وتجاوز عن سيّىء ما عندي بحسن ما عندك، ولا تفجعني (4) بنفسي، ولا تفجع لي حميماً وهب لي يا إلهي لحظة من لحظاتك، تكشف بها عني جميع ما به ابتليتني، وتردَّ بها عليَّ ما هو أحسن عاداتك عندي فقد ضعفت قوتي وقلت حيلتي وانقطع من خلقك رجائي ولم يبق إلّا رجاؤك وتوكلي عليك وقدرتك عليَّ، يا ربّ : إن ترحمني وتعافني كقدرتك عليَّ إن تعذبني وتبتلني، إلهي ذكر عوائدك (5) يؤنسني، والرَّجاء لإنعامك يقوّيني، ولم أخلُ من نعمك منذ خلقتني وأنت ربي وسيدي ومفزعي (6) وملجئي والحافظ لي، والذَّابُ عني والرحيم بي والمتكفل برزقي، وفي قضائك وقدرتك كلّما أنا فيه فليكن يا سيدي ومولاي فيما قضيت وقدرت وحتمت تعجيل خلاصي ممّا أنا فيه جميعه والعافية لي فإنّي لا أجد لدفع ذلك أحداً غيرك ولا أعتمد فيه إلّا عليك، فكن يا ذا الجلال والإكرام] عند أحسن ظني بك ورجائي لك، وارحم تضرعي واستكانتي وضعف ركني (7) وامنن بذلك عليَّ وعلى كلّ داع دعاك يا أرحم الراحمين وصلى اللّه

ص: 525


1- أي غلظته وخشونته.
2- أي من جملة دعائه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- أي طهرة ممّا يتنافى مع الإخلاص لك فيه، أو ضاعفه من حيث الكم والثواب.
4- الفجيعة : المصيبة.
5- العوائد : جمع العائدة وهي الصلة والرحمة والعطية.
6- أي مغيثي وناصري.
7- أي قوتي أو جوارحي.

على محمّد وآله.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن إسماعيل بن يسار، عن بعض من رواه قال : قال (1) : إذا أحزنك أمر فقل في آخر سجودك : «يا جبرئيل يا محمّد، یا جبرئيل يا محمّد - تكرر ذلك - اكفياني ما أنا فيه فإنكما كافيان واحفظاني بإذن اللّه فإنكما حافظان».

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أعين، عن بشير ابن مسلمة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما أبالي إذا قلت هذه الكلمات لو اجتمع عليَّ الإنس والجن : «بسم اللّه وباللّه ومن اللّه وإلى اللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، اللّهمّ إليك أسلمتُ نفسي، وإليك وجهتُ وجهي، وإليك ألجأت ظَهْري، وإليك فوضت أمري، اللّهمّ احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي، ومن قبلي (2) وادفع عني بحولك وقوتك، فإنه لا حول ولا قوة إلّا بك».

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير مثله.

11 - عنه، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ):قال لي رجل أي شيء قلت حين دخلت على أبي جعفر بالربذة (3) قال: قلت: «اللّهمّ إنك تكفي من كلّ شيء ولا يكفي منك شي فاكفني بما شئت وكيف شئت ومن حيث شئت وأنّى شئت».

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عليّ بن ميسر قال : لما قدم أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له : إذا دخل عَلَيَّ فاضرب عنقه، فلما دخل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر إلى أبي جعفر وأسر شيئاً فيما بينه وبين نفسه لا يدرى ما هو ثمّ أظهر : «يا من يكفي خلقه كلّهم ولا يكفيه أحداً اكفني شرَّ عبد اللّه بن عليّ» قال : فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه وصار مولاه لا يبصره (4)، فقال أبو جعفر : يا

ص: 526


1- هذا الحديث ضعيف من جهة، ومضمر من جهة أخرى باعتبار أنّه لم يُعرف القائل فيه.
2- أي احفظني من المفاسد والمصائب المتأتية من قِبَل نفسي. وفي بعض النسخ (ما قبلي).
3- المراد بأبي جعفر: المنصور العباسي، والرَّبَذَة مكان قريب من المدينة دفن فيه أبو ذر الغفاري (رضیَ اللّهُ عنهُ) بعد أن سيره عثمان منفيا إليها.
4- الضمير يرجع إلى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقرينة ما أجاب به المولى سيده.

جعفر بن محمّد لقد عنّيتك (1) في هذا الحرّ فانصرف، فخرج أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عنده، فقال أبو جعفر لمولاه ما منعك أن تفعل ما أمرتك به؟ فقال : لا واللّه ما أبصرته ولقد جاء شيء فحال بيني وبينه فقال له أبو جعفر : واللّه لئن حدَّثت بهذا الحديث أحداً لأقتلنّك.

13 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز عن أحمد بن أبي داود، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : «ألا أعلمك دعاء تدعو به، إنا أهل البيت إذا كَرَبَنا أمرٌ وتخوفنا من السلطان أمراً لا قبل لنا به (2) ندعو به، قلت : بلى بأبي أنت وأمّي یا ابن رسول اللّه قال قل يا كائناً قبل كلّ شيء، ويا مكوّن كلّ شيء، ويا باقي بعد كلّ شيء، صلّ على محمّد وآل محمّد وافعل بي كذا وكذا».

14 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن عليّ بن مهزيار قال : كتب محمّد بن حمزة الغنوي إليَّ يسألني أن أكتب إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء يعلّمه يرجو به الفرج، فكتب إليَّ : أما ما سأل محمّد بن حمزة من تعليمه دعاء يروجو به الفرج فقل له : يلزم (3) «يا من يكفي من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء، اكفني ما أهمني ممّا أنا فيه» فإني أرجو أن يكفي ما هو فيه من الغمّ إن شاء اللّه تعالى. فأعلمته ذلك، فما أتى عليه إلّا قليل - عتى خرج من الحبس.

15 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه، عن ابن أبي حمزة قال : سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لابنه : يا بني، من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلةٌ فليتوضأ وليسبغ الوضوء، ثمّ يصلي ركعتين أو أربع ركعات ثمّ يقول في آخرهنَّ : «يا موضع كلّ شكوى و یا سامع كلّ نجوى وشاهد كلّ ملأ (4) وعالم كلّ خفيّة، ويا دافع ما يشاء من بلية»، ويا خليل إبراهيم ويا نجي (5) موسى و يا مصطفي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، وقلت حيلته، وضعفت قوته، دعاء الغريق الغريب المضطر، الّذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلّا أنت يا أرحم الرّاحمين» فإنّه لا يدعو به أحدٌ إلّا كشف اللّه عنه إن شاء اللّه.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أخي سعيد عن سعيد ابن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يدخلني الغمّ فقال : أكثر من [أن ت-- ] قول: «اللّه اللّه ربّي

ص: 527


1- أي أتعبتك.
2- أي لا طاقة لنا به.
3- أي بدأب ويداوم، والمقصود بأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) الإمام محمّد بن عليّ الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- الملا : الجماعة.
5- النجي: - كما في الصحاح - الشخص الّذي تساره.

لا أشرك به شيئاً»، فإذا خفت وسوسة أو حديث نفس فقل : «اللّهمّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، عدل في حكمك، ماض في قضاؤك، اللّهمّ إني أسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به (1) في علم الغيب عندك، أن، تصلّى على محمّد وآل محمّد وأن تجعل القرآن نور بصري وربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همي، اللّه اللّه ربي لا أشرك به شيئاً».

17 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان دعاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ليلة الأحزاب (2) : يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا كاشف غمّي، اكشف عنّي غمي وهمي وكربي، فإنك تعلم حالي وحال أصحابي واكفني هول عدوّي.

18 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن إسرائيل، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج بجارية لنا خنازير (3) في عنقها، فأتاني آت فقال : يا علي قل لها فلتقل: «يا رؤوف يا رحيم يا رب يا سيدي» - تكرّره - قال : فقالته فأذهب اللّه عزّ وجلّ عنها، قال : وقال هذا الدُّعاء الّذي دعا به جعفر بن سليمان(4).

19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين قال: سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) دعاءً وأنا خلفه فقال: «اللّهمّ إني أسألك بوجهك (5) الكريم واسمك العظيم، وبعزتك الّتي لا ترام (6) وبقدرتك الّتي لا يمتنع منها شيء أن تفعل بي كذا وكذا». قال : وكتب إليَّ رقعة بخطه قل: يا من علا فقهر وبطن فخبر يا من ملك فقدر ويا من يحيي الموتى وهو على كلّ شي قدير، صلّ على محمّد وآل محمّد وافعل بي كذا وكذا. ثمّ قل: «يا لا إله إلّا اللّه ارحمني بحق لا إله إلّا اللّه ارحمني». وكتب إليَّ في رقعة أخرى يأمرني أن أقول : اللّهمّ ادفع عني بحولك وقوتك، اللّهمّ إني أسألك في يومي هذا، وشهري هذا، وعامي هذا بركاتك فيها وما ينزل فيها من عقوبة أو مكروه أو بلاء فاصرفه عني وعن ولدي بحولك وقوتك، إنك على كلّ شيء قدير

ص: 528


1- أي اختصصت به، أو استبددت به.
2- هي ليلة الخندق وسميت الأحزاب لتحزب المشركين والكفار على حربه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومهاجمة المدينة المنورة. فأرسل سبحانه عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها أحد وألقى في قلوبهم الرعب فهزموا من دون قتال.
3- قال في مغرب :اللغة الخنازير : قروح تخرج في الرقبة.
4- «لعله كان به هذا الداء فارتفع بهذا الدعاء، فذكره (عَلَيهِ السَّلَامُ) تأكيداً لبيان تأثيره» مرآة المجلسي 426/12.
5- المراد بالوجه الذات المقدسة.
6- أي لا تقصد ولا تُطلب، إذ هي ممّا تحار فيها العقول.

اللّهمّ إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحويل عافيتك، ومن فُجأة نقمتك، ومن شر كتاب (1) قد سبق، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كلّ دابة أنت أخذ بناصيتها إنك على كلّ شيء قدير، وإنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيء علماً وأحصى كلّ شيء عدداً».

20 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عمر بن يزيد (2): «يا حَيُّ (3) يا قيوم يا لا إله إلّا أنت، برحمتك أستغيث فاكفني ما أهمني ولا تكلني إلى نفسي» تقوله مائة مرَّة وأنت ساجد.

21 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابه، عن إبراهيم ابن حنان، عن عليّ بن سورة، عن سماعة قال : قال لي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كان لك يا سماعة إلى اللّه عزّ وجلّ حاجة فقل : «اللّهمّ إني أسألك بحق محمّد وعلي فإنَّ لهما عندك شأناً من الشّان وقدراً من القدر، فبحق ذلك الشأن ويحق ذلك القدر أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا»، فإنّه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن مُمتَحَن إلّا وهو يحتاج إليهما (4) في ذلك اليوم.

22 - عليّ بن محمّد، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل، عن معاوية بن عمّار والعلاء بن سيابة وظريف بن ناصح قال : لما بعث أبو الدوانيق (5) إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رفع يده إلى السماء، ثمّ قال: «اللّهمّ إنك حفظت الغلامين بصلاح أبويهما (6) فاحفظني بصلاح آبائي محمّد وعلي والحسن والحسين وعليّ بن الحسين و محمّد بن عليّ، اللّهمّ إني أدرء بك (7) في نحره، وأعوذ بك من شره». ثمّ قال للجمال : سر،

ص: 529


1- الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ.
2- «عمر بن يزيد مشترك بين السابري والكوفي يرويان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والأوّل عن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يعلم أن الدعاء منقول عن المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو لا» المازندراني 355/10.
3- الحي : اسم من أسماء اللّه سبحانه، بمعنى الفعّال المدرك، فهو سبحانه لا يجوز عليه الموت والفناء.
4- أي محمّد وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمكان شفاعتهما عند اللّه.
5- لقب أبي جعفر المنصور واشتهر بأبي الدوانيق لأنه لما أراد حفر الخندق بالكوفة قسط على كلّ واحد منهم دائق فضة وأخذه وصرفه في الحفر هكذا ورد في كتاب المغرب.
6- هذا إشارة إلى قصة الجدار الّذي أقامه العبد الصالح وقيل بأنه الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان معه موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاعترض عليه، وقد وردت في الآية 77 من سورة الكهف (...فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) والآية 82 من سورة الكهف (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ...).
7- أي ادفع بك.

فلما استقبله الربيع بباب أبي الدَّوانيق قال له : يا أبا عبد اللّه ما أشد باطنه عليك لقد سمعته يقول : واللّه لا تركت لهم نخلاً إلّا عقرته ولا مالاً إلّا نهبته، ولا ذرية إلّا سبيتها، قال: فهمس (1) بشيء خفي، وحرّك شفتيه، فلما دخل سلّم وقعد فردّ عليه السلام ثمّ قال : أما واللّه لقد هممت أن لا أترك لك نخلاً إلّا عقرته ولا مالا إلّا أخذته فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أمير المؤمنين إنَّ اللّه ابتلى أيّوب فصبر وأعطى داود فشكر وقدَّر يوسف فغفر، وأنت من ذلك النسل ولا يأتي ذلك النسل إلّا بما يشبهه، فقال: صدقت قد عفوت عنكم، فقال له : يا أمير المؤمنين إنه لم ينل منا أهل البيت أحدٌ دماً إلّا سلبه اللّه ملكه فغضب لذلك واستشاط (2) فقال : على رِسْلكِ (3) يا أمير المؤمنين، إنَّ هذا الملك كان في آل أبي سفيان فلما قتل يزيد حسيناً سلبه اللّه ملكه فورثه آل مروان، فلما قتل هشام زيداً سلبه اللّه ملكه فورثه مروان بن محمّد، فلمّا قتل مروان إبراهيم سلبه اللّه ملكه فأعطاكموه. فقال: صدقتهاتِ ارفع حوائجك، فقال: الإذن، فقال : هو في يدك متى شئت فخرج فقال له الربيع : قد أمر لك بعشرة آلاف درهم، قال : لا حاجة لي فيها قال : إذن تغضبه فخذها ثمّ تصدق بها.

23 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أعين، عن قيس بن سَلَمَة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول : ما أبالي إذا قلت هذه الكلمات لو اجتمع علي الجن والإنس : بسم اللّه وباللّه ومن اللّه وإلى اللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، اللّهمّ إليك أسلمت نفسي، وإليك وجهت وجهي وإليك ألجأت ظهري وإليك فوضت أمري، اللّهمّ احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن قبلي وادفع عني بحولك وقوتك فإنّه لا حول ولا قوة إلّا باللّه» (4).

باب الدعاء للعلل والأمراض

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران

ص: 530


1- أي تكلم بكلام خفي.
2- أي التهب غضباً.
3- الرسل : الرفق والتؤدة.
4- امر هذا المضمون في الحديث رقم (10) من هذا الباب إلّا أن في سنده هناك بشير بن مسلمة بدل قيس بن سلمة. وفي آخره هناك (الأبك) بدل (إلا باللّه). وعلقنا عليه فراجع.

وابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان يقول عند العلة : «اللّهمّ إنك غيرت أقوماً فقلت: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا) (1)، فيا من لا يملك كشف ضري ولا تحويله عنّي أحدٌ غيره، صلّ على محمّد وآل محمّد واكشف ضرّي وحوّله إلى من يدعو معك إلهاً آخر لا إله غيرك.

2 - أحمد بن محمّد عن عبد العزيز بن المهتدي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن رزين قال : مرضت بالمدينة مرضاً شديداً فبلغ ذلك أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكتب إليَّ : قد بلغني علتك فاشتر صاعاً من برثم استلق على قفاك وانثره على صدرك كيفما انتثر وقل : «اللّهمّ إنِّي أسألك باسمك الّذي إذا سألك به المضطر (2) كشفت ما به من ضر، ومكنت له في الأرض، وجعلته خليفتك على خلقك، أن تصلى على محمّد وآل محمّد وأن تعافيني من علّتي ثمّ استو جالساً، واجمع البر من حولك وقل مثل ذلك، وأقسمه مدا(3) مدا لكل مسكين وقل مثل ذلك، قال :داود : ففعلت ذلك فكأنما نشطتُ من عقال (4) وقد فعله غير واحد فانتفع به.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن نعيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اشتكى بعض ولده فقال : يا بنيَّ قل: اللّهمّ اشفني بشفائك، وداوني بدوائك وعافني من بلائك فإني عبدك وابن عبدك.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطية، عن يونس بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جُعِلتُ فداك هذا الّذي قد ظهر بوجهي يزعم النّاس أنَّ اللّه عزّ وجلّ لم يبتل به عبداً له فيه حاجة (5). فقال لي : لا، لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الأصابع (6) فكان يقول هكذا - ويمد يده - ويقول : يا قوم اتبعوا المرسلين، قال : ثمّ قال:

ص: 531


1- الإسراء / 56 والّذين كان المشركون يعبدونهم من دون اللّه هم الملائكة، أو الجن، أو المسيح أو عزير أو الأصنام.
2- قيل: يحتمل أن يكون المراد بالمضطر أيّوب (عَلَيهِ السَّلَامُ). ويحتمل أن يكون عاماً والخلافة عامة. وقيل أن المراد به الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف). والأظهر أنّه إشارة إلى قوله تعالى: (امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) النمل/ 62.
3- المد رطل وثلث والصاع أربعة أمداد.
4- أي خرجت منه، والعِقال : حبل يُعقل به اليعير في وسط ذراعه، جمع : عُقُل.
5- هذا كناية عن عدم اعتناء اللّه بشأنه ونسيانه له. وإسقاطه من عينه.
6- «الظاهر أنّه فرعون موسى، والأنسب بما بعده أنّه فرعون إنطاكية الّذي أرسل إليه عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) رسله، وفرعون لقب كلّ متكبر جبار وإن اشتهر في الأول. والمؤمن المذكور كان من أهل إنطاكية ولذلك نسب إليه وهم قتلوه بعد نصحه لهم وإظهار إيمانه» المازندراني 359/10. وجاء في القاموس : الاكنع : من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجبه، والرواجب : مفاصل أصول الأصابع، أو بواطن مفاصلها... الخ.

إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوَّله فتوضأ وقم إلى صلاتك الّتي تصليها، فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل وأنت ساجد : يا علي يا عظيم يا رحمن يا رحيم يا سامع الدعوات ويا معطي الخيرات صلّ على محمّد وآل محمّد وأعطني من خير الدُّنيا والآخرة ما أنت أهله، واصرف عني من شرّ الدُّنيا والآخرة ما أنت أهله، واذهب عني هذا الوجع وسمه - فإنه قد غاظني و [أ] حزنني وألح في الدُّعاء. قال : فما وصلت إلى الكوفة حتّى أذهب اللّه به عنّي كله.

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد ابن إسماعيل، جميعاً، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا رأيت الرجل مرَّ به البلاء فقل : «الحمد اللّه الّذي عافاني ممّا ابتلاك به وفضّلني عليك وعلى كثير ممّن خلق» ولا تسمعه (1).

6 - محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن عيسى، عن داود بن رزین، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تضع يدك على الموضع الّذي فيه الوجع وتقول ثلاث مرات: «اللّه اللّه ربي حقاً لا أشرك به شيئاً، اللّهمّ أنت لها ولكلّ عظيمة ففرجها عنّي» (2).

7 - عنه، عن محمّد بن عيسى عن داود عن مفضّل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للأوجاع تقول : «بسم اللّه وباللّه كم (3) من نعمة اللّه في عرق ساكن وغير ساكن (4) على عبد شاكر وغير شاكره وتأخذ لحيتك بيدك اليمنى بعد صلاة مفروضة وتقول: «اللّهمّ فرج عنّي كربتي، وعجل عافيتي واكشف ضُرّي» - ثلاث مرات - واحرص أن يكون ذلك مع دموع وبكاء.

8 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رجل قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشكوت إليه وجعاً بي فقال: قل: «بسم اللّه - ثمّ امسح يدك عليه وقل - أعوذ بعزة اللّه وأعوذ بقدرة اللّه وأعوذ بجلال اللّه وأعوذ بعظمة اللّه وأعوذ بجمع اللّه وأعوذ برسول اللّه وأعوذ بأسماء اللّه من شر ما أحذر ومن شرّ ما أخاف على نفسي»

ص: 532


1- الظاهر أن النهي هنا عن إسماعه نهي تحريم لما فيه من أذية وإدخال الحزن عليه.
2- أي اكشفها عني.
3- كم خبرية. والمعنى : للّه نعم لا تحصى.
4- ففي سكون الساكن كما في تحرك المتحرك نعمة جليلة بحيث لو انعكس الأمر فتحرك الساكن أو سكن المتحرك لكان ذلك سبباً في اختلال نظام بدن الإنسان ولإصابته أمراض وأوجاع.

تقولها سبع مرات، قال : ففعلت فأذهب اللّه عزّ وجلّ [بها] الوجع عني.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان عن عون قال (1) : أمر يدك على موضع الوجع ثمّ قل: «بسم اللّه وباللّه ومحمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم اللّهمّ امسح عني ما أجد» ثمّ تمر يدك اليمنى وتمسح موضع الوجع - ثلاث مرات (2).

10 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن أخي غرام، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تضع يدك على موضع الوجع تقول: «بسم اللّه وباللّه [و] محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولا حول ولا قوة إلّا باللّه، اللّهمّ امسح عني ما أجد وتمسح الوجع ثلاث مرّات».

11 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن عيسى، عن عمه قال : قلت له : علّمني دعاء أدعو به لوجع أصابني ؟ قال : قل وأنت ساجد: يا اللّه يا رحمن يا رحيم ] يا رب الأرباب وإله الآلهة، ويا ملك الملوك، ويا سيّد السّادة، اشفني بشفائك من كلّ داء وسقم فإني عبدك أتقلب في قبضتك» (3).

12 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز (4)، عن زرارة عن أحدهما (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : إذا دخلت على مريض فقل : أعيذك باللّه العظيم رب العرش العظيم من شر كلّ عرق نفار (5) ومن شر حر النار» - سبع مرات -.

13 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان ابن عثمان عن الثمالي (6)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا اشتكى الإنسان فليقل : «بسم اللّه وباللّه ومحمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أعوذ بعزة اللّه وأعوذ بقدرة اللّه على ما يشاء من شرّ ما أجد».

ص: 533


1- الحديث مضمر وعون مردد بين عدة أشخاص.
2- لا يخفى أن إمرار اليد اليمنى هنا والمسح بها على موضع الوجع ثلاث مرات إنما هو فعل متأخر عن الدعاء، فيكون مجرد الإمرار مرة على موضع الوجع ولو باليسرى كاف كفعل مقدم على الدعاء.
3- تقلبه في قبضته تعالى كناية عن مقهوريته لقدرته وخضوعه لمشيئته يفعل فيه ما يريد بلا مانع ولا دافع.
4- هو حريز بن عبد اللّه السجستاني، أبو محمّد الأزدي من اهل الكوفة. ولقب بالسجستاني لكثرة سفره إليها للتجارة.
5- عرق نفّار: أي متهيج متورم. وفي بعض النسخ (نعّار) أي فوّار الدم مرتفعه.
6- هو أبو حمزة.

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ، عن هشام الجواليقي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا منزل الشفاء ومذهب الداء أنزل على ما بي داء من شفاء».

15 - محمّد بن يحيى، عن موسى بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن أبي إسحاق صاحب الشعير، عن حسين الخراساني وكان خبازاً قال : «شكوت إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجعاً بي فقال : إذا صليت فضع يدك موضع سجودك ثمّ قل: بسم اللّه محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) اشفني يا شافي لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً، شفاء من كلّ داء وسقم».

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرض علي صلوات اللّه عليه فأتاه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال له : قل: «اللّهمّ إنّي أسألك تعجيل عافيتك وصبراً على بليتك وخروجاً إلى رحمتك».

17 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان ينشر (1) بهذا الدعاء : تضع يدك على موضع الوجع وتقول: «أيها الوجع اسكن بسكينة اللّه (2)، وقرّ بوقار اللّه، وانحجز بحاجز اللّه وإهدأ بهداء اللّه، أعيذك أيّها الإنسان بما أعاذ اللّه عزّ وجلّ به عرشه وملائكته يوم الرَّجفة والزلازل(3)»، تقول ذلك سبع مرات ولا أقل من الثلاث.

18 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عمّار بن المبارك، عن عون بن سعد مولى الجعفري، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تضع يدك على موضع الوجع وتقول: «اللّهمّ إني أسألك بحق القرآن العظيم الّذي نزل به الروح الأمين، وهو عندك في أمّ الكتاب (4) علي (5) حكيمٌ (6)، أن تشفيني بشفائك وتداويني بدوائك وتعافيني من بلائك» - ثلاث مرات - وتصلي على محمّد وآله.

ص: 534


1- جاء في القاموس : النشرة: رقية يعالج بها المجنون والمريض. وقد سمّيت نشرة - على ما في النهاية - لأنه ينشر به عنه أي يكشف ويزال.
2- أي بطمأنينته ورحمته.
3- «(ما) عبارة عن حفظه تعالى لعرشه وملائكته عن التحرك والاضطراب وإلقاء الطمأنينة إليهم في ذلك اليوم وهو يوم ذكره اللّه تعالى في سورة الحاقة» المازندراني 363/10.
4- أي اللوح المحفوظ.
5- أي رفيع الشأن.
6- حكيم: أي ذو حكمة بالغة، أو محكم لا ينسخه غيره - قاله البيضاوي -.

19 - أحمد بن محمّد، عن العوفي، عن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : عرض بي وجع في ركبتي، فشكوت ذلك إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : إذا أنت صليت فقل : «يا أجود من أعطى ويا خير من سُئِلَ ويا أرحم من استرحم إرحم ضعفي وقلة حيلتي وعافني من وجعي» قال : ففعلته فعوفيت.

باب الحرز والعوذة

باب الحرز والعوذة(1)

1 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان، عن ابن المنذر قال : ذكرت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوحشة (2)، فقال : ألا أخبركم بشيء إذا قلتموه لم تستوحشوا بليل ولا نهار بسم اللّه وباللّه وتوكلت على اللّه وإنّه من يتوكل على اللّه فهو حسبه إن اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيء قدراً (3)، اللّهمّ اجعلني في كنفك وفي جوارك واجعلني في أمانك وفي منعك فقال : بلغنا أنَّ رجلاً قالها ثلاثين سنة وتركها ليلة فلسعته عقرب.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محسن بن أحمد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قل: «أعوذ بعزة اللّه، وأعوذ بقدرة اللّه، وأعوذ بجلال اللّه، وأعوذ بعظمة اللّه، وأعوذ بعفو اللّه، وأعوذ بمغفرة اللّه، وأعوذ برحمة اللّه، وأعوذ بسلطان اللّه الّذي هو على كلّ شيء قدير، وأعوذ بكرم اللّه، وأعوذ بجمع اللّه من شر كلّ جبار عنيد (4)، وكلّ شيطان مريد (5) وشرّ كلّ قريب أو بعيد أو ضعيف أو شديد ومن شرّ السامة والهامة والعامة (6) ومن شرّ كلّ دابة صغيرة أو كبيرة بليل أو نهار ومن شرّ فسّاق العرب والعجم ومن شرّ فسقة الجنّ والإنس» (7).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن القداح(8)، عن أبي عبد

ص: 535


1- «العوذة: الرقية والتعويذ والجرز: العوذة وما يحفظ به الشيء». المازندراني 364/10.
2- الوحشة - كما في القاموس - الهم والخلوة والخوف.
3- أي مقداراً أو تقديراً في الذات والصفات والزمان.
4- أي مخالف للحق مع علمه به.
5- أي عاتٍ.
6- العامة المصيبة الّتي تشمل عامة النّاس والعامة أيضاً : القيامة. وكنا قد فسرنا سابقاً كلاً من السّامة والهامة.
7- «يمكن تخصيص الفساق بالكفرة، وتخصيص الفسقة بالفسقة من أهل الدين» المازندراني 365/10.
8- هو عبد اللّه بن ميمون.

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رَقَى النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حسناً وحسيناً فقال: «أعيذكما بكلمات اللّه التامات (1) وأسمائه الحسنى كلها عامة، من شرّ السامة والهامة ومن شرّ كلّ عين لامة (2) ومن شر حاسد إذا حسد» ثمّ التفت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلينا فقال : هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن بكير، عن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا أمسيت فنظرت إلى الشمس في غروب وإدبار فقل : «بسم اللّه وباللّه والحمد للّه الّذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذلّ وكبره تكبيراً، والحمد للّه الّذي يصف ولا يوصف، ويعلم ولا يعلم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأعوذ بوجه اللّه الكريم وباسم اللّه العظيم من شرّ ما برأ وذراً ومن شرّ ما تحت الثرى، ومن شرّ ما بطن وظهر ومن شرّ ما وصفت وما لم أصف والحمد للّه ربّ العالمين»، ذكر أنّها أمانٌ من كلّ سبع ومن الشيطان الرجيم وذريته، وكلّ ما عض أو لسع، ولا يخاف صاحبها إذا تكلّم بها لصاً ولا غولاً. قال : قلت له : إني صاحب صيد السبع (3)، وأنا أبيت في الليل في الخرابات وأتوحّش. فقال لي : قل إذا دخلت: «بسم اللّه أدخل وأدخل رجلك اليمنى وإذا خرجت فأخرج رجلك اليسرى وسم اللّه فإنّك لا ترى مكروهاً.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن قتيبة الأعشى قال : علّمني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قل: «بسم اللّه الجليل أعيذ فلاناً باللّه العظيم من الهامة والسامّة واللامة والعامة ومن الجن والإنس ومن العرب والعجم، ومن نفثهم (4) وبغيهم ونفخهم وبآية الكرسي» ثمّ تقرأها، ثمّ تقول في الثانية (5): «بسم اللّه أعيذ فلاناً باللّه الجليل...» - حتّى تأتي عليه - (6).

ص: 536


1- كلمات اللّه : قيل هي علمه، وقيل هي القرآن وإنما وصفت كلماته بالتامات لأنها خالية عن النقص والعيب إن في جانب اللفظ أو جانب المعنى. وقيل : كلماته : أسماؤه الحسنى، وقيل غير ذلك.
2- أي ذات لمم، واللَّمَم : طرف من الجنون يلم بالإنسان ويقرب منه ويعتريه - كذا في النهاية - وجاء في القاموس - العين اللامة : الّتي تصيب بسوء.
3- أي صياد السباع.
4- النفث : - كما قال في النهاية - إنما يكون بالفم وهو شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلّا ومعه شيء من الريق، وفسر النفخ أيضاً بالكبر لأن المتكبر يتعاظم ويجمع نفسه فيحتاج أن ينفخ. والمراد به هنا السحر، ومنه : النفاثات في العقد. وهن السواحر اللواتي ينفثن في عقد الخيط حتّى يرقين عليها.
5- أي في المرة الثانية.
6- أي إلى آخر الدعاء.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك إنّي أخاف العقارب، فقال: انظر إلى بنات نعش (1) الكواكب الثلاثة الوسطى منها بجنبه كوكب صغير قريب منه تسميه العرب السّها (2) ونحن نسمّيه «أسلم» أحدَّ النظر إليه كلّ ليلة وقل ثلاث مرات: «اللّهمّ ربّ أسلم، صلّ على محمّد وآل محمّد وعجل فرجهم وسلّمنا» قال إسحاق : فما تركته منذ دهري إلّا مرة واحدة فضربتني العقرب.

7 - أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن عن العبّاس بن عامر، عن أبي جميلة، عن سعد الاسكاف قال : سمعته يقول (3) : من قال هذه الكلمات فأنا ضامن له ألا يصيبه عقرب ولا هامة حتّى يصبح : «أعوذ بكلمات اللّه التامات الّتي لا يجاوزهنَّ (4) بَر ولا فاجر، من شر ما ذراً ومن شرّ ما برأ ومن شرّ كلّ دابة هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم».

8 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في بعض مغازيه إذا شكوا إليه البراغيث أنّها تؤذيهم فقال : إذا أخذ أحدُكُم مضجعه فليقل : أيّها الأسود الوئاب الّذي لا يبالي غلقاً ولا باباً، عزمت عليك (5) بأم الكتاب ألا تؤذيني وأصحابي إلى أن يذهب الليل ويجيء الصبح بما جاء - والّذي نعرفه (6) - إلى أن يؤوب الصبح متى ما آب(7).

9 - عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور (8)، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا لقيت السَّبُعَ فقل : «أعوذ بربّ دانيال والجبّ (9) من شرّ كلّ أسد مستأسد».

ص: 537


1- بنات نعش - كما في القاموس - سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلاث بنات، وكذلك الصغرى.
2- السُّها: هي الكوكب الثاني من بنات نعش ويسمى الأوّل منها القائد، والثالث الحور.
3- يحتمل أن يكون القائل هو الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن سعد بن طريف الّذي يلقب بالإسكاف روى عنهما، إضافة إلى أن الشيخ الطوسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) عده أيضاً من أصحاب الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- «إذا كان المراد بالكلمات علم اللّه تعالى فالمعنى أنّه يشمل علمه البر والفاجر ويحيط بهما، وإذا كان المراد القرآن فالمعنى أن أوامره ونواهيه ووعده ووعيده يشملهما، وإذا كان المراد الأسماء فالمعنى أنّها تؤثر في البَرِّ والفاجر... الخ» مرآة المجلسي 439/12.
5- أي أقسمت عليك.
6- هذا من كلام الراوي.
7- أي إلى أن يرجع الصبح متى ما رجع، وهذا - حسب كلام الراوي - بدل من قوله : ويجيء الصبح بما جاء.
8- هو الحسن بن محمّد بن جمهور العمي.
9- الجب: البئر. «وكان دانيال محبوساً في الجبّ في زمن بخت نصر وطرحت معه السباع فلم تَدْنُ السباع فلم تَدْنُ منه». مرآة المجلسي 12 / 440.

10 - محمّد بن جعفر أبو العباس، عن محمّد بن عيسى، عن صالح بن سعيد عن - إبراهيم بن محمّد بن هارون أنّه كتب إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله عُوذَةً للرياح الّتي تعرض للصبيان (1) فكتب إليه بخطه بهاتين العوذتين وزعم صالح (2) أنّه أنفذهما إلى إبراهيم بخطه : «اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللّه، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه ولا ربَّ لي إلّا اللّه، له الملك وله الحمد لا شريك له سبحان اللّه، ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، اللّهمّ ذا الجلال والإكرام، ربَّ موسى وعيسى وإبراهيم الّذي وفّى، إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، لا إله إلّا أنت سبحانك مع ما عددت من آياتك وبعظمتك وبما سألك به النبيون، وبأنك ربُّ النّاس، كنت قبل كلّ شيء وأنت بعد كلّ شيء، أسألك باسمك الّذي تمسك به السماوات أن تقع على الأرض إلّا باذنك، وبكلماتك التامات الّتي تحيي بها الموتى، أن تجير عبدك فلاناً من شرّ ما ينزل من السماء وما يعرج إليها، وما يخرج من الأرض وما يلج فيها وسلامٌ على المرسلين والحمد للّه ربّ العالمين» وكتب إليه أيضاً بخطه : «بسم اللّه وباللّه وإلى اللّه وكما شاء اللّه وأعيذه بعزة اللّه وجبروت اللّه وقدرة اللّه وملكوت (3) اللّه، هذا الكتاب من اللّه شفاء لفلان بن فلان [ابن] عبدك وابن أمتك عبد اللّه صلى اللّه على محمّد وآله».

11 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن عليّ، عن علي ابن محمّد، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل له : «عَزَمْتُ عليك بعزيمة اللّه وعزيمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعزيمة سلیمان بن داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعزيمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة الطاهرين من بعده» فإنّه ينصرف عنك إن شاء اللّه. قال : فخرجت فإذا السبع قد اعترض فعزمت عليه وقلت له : إلّا تنحيت عن طريقنا ولم تؤذينا قال فنظرت إليه قد طأطأ [ب-] رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه وانصرف.

12 - عنه، عن جعفر بن محمّد، عن يونس (4)، عن بعض أصحابنا، عن أبي الجارود(5)

ص: 538


1- الرياح : كناية عن الجن، سموا أرواحاً - كما يقول في النهاية - لكونهم لا يُرون. وما يعرض للأطفال يسمى : أم الصبيان.
2- أي صالح بن سعيد الوارد من السند.
3- الملكوت فعلوت من الملك، ومعناه : العز والسلطان.
4- في الطبعة القديمة من الوافي : جعفر بن محمّد بن يونس ولا يبعد صحة ذلك بقرينة رواية أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب جعفر بن محمّد بن يونس على ما ذكره النجاشي فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 187/20 و 78/21.
5- هو زياد بن المنذر.

عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قال في دبر الفريضة : أستودع اللّه العظيم الجليل نفسي وأهلي وولدي ومن يعنيني امره وأستودع اللّه المرهوب المخوف المتضعضع لعظمته كلّ شيء نفسي وأهلي ومالي وولدي ومن يعنيني أمره حُفَّ بجناح (1) من أجنحة جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحُفِظَ في نفسه وأهله وماله.

13 - عنه، رفعه قال : من بات في دار وبيت وحده فليقرأ آية الكرسي وليقل: «اللّهمّ آنس وحشتي، وآمن روعتي، وأعني على وحدتي».

14 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن يزيد بن مرة عن بكير قال : سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «يا عليُّ ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة (2) أو بلية»؟ فقل : «بسم اللّه الرّحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يصرف بها عنك ما يشاء من أنواع البلاء».

باب الدعاء عند قراءة القرآن

1 - قال(3) كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدعو عند قراءة كتاب اللّه عزّ وجلّ: «اللّهمّ ربنا لك الحمد أنت المتوحد بالقدرة والسلطان المتين ولك الحمد أنت المتعالي بالعزّ والكبرياء وفوق السماوات والعرش العظيم (4)، ربّنا ولك الحمد أنت المكتفي بعلمك والمحتاج إليك كلّ ذي علم ربّنا ولك الحمد يا منزل الآيات والذكر العظيم (5)، ربنا فلك الحمد بما علمتنا من الحكمة والقرآن العظيم المبين، اللّهمّ أنت علّمتناه قبل رغبتنا في تعليمه، واختصصتنا به قبل رغبتنا بنفعه، اللّهمّ فإذا كان ذلك مناً منك وفضلاً وجوداً ولطفاً بنا ورحمة لنا وامتناناً علينا من غير حولنا ولا حيلتنا (6) ولا قوتنا، اللّهمّ فحبّب إلينا حسن تلاوته، وحفظ آياته، وإيماناً بمتشابهه

ص: 539


1- أي أحيط به. وقد ورد قريب من هذا المضمون في الحديث رقم (6) من باب القول عند الإصباح والإمساء وفسرنا هناك معنى المخوف والمتضعضع فراجع.
2- الورطة - كما في القاموس - الهلكة وكل أمر تعسر النجاة منه.
3- هذا الحديث مُرسَل.
4- أي بالقدرة والتسلط لا بالاستقرار والتمكن.
5- الذكر العظيم: القرآن والمراد بالآيات الدلالات والبينات على وجوده وعظمته وما جاء به رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
6- الحول الحركة. والحيلة : الحذق والمهارة.

وعملاً بمحكمه، وسبباً في تأويله(1)، وهدى في تدبيره وبصيرة بنوره، اللّهمّ وكما أنزلته شفاءً لأوليائك وشقاء على أعدائك وعمى على أهل معصيتك ونوراً لأهل طاعتك، اللّهمّ فاجعله لنا حصناً من عذابك وحرزاً من غضبك، وحاجزاً عن معصيتك، وعصمة من سخطك، ودليلا على طاعتك ونوراً يوم نلقاك نستضيء به في خلقك ونجوز به [على] صراطك ونهتدي به إلى جنتك (2)، اللّهمّ إنا نعوذ بك من الشقوة في حمله (3) والعمى عن عمله، والجور عن حكمه، والعلوّ عن قصده (4)، والتقصير دون حقه، اللّهمّ احمل عنا ثقله، وأوجب لنا أجره وأوزعنا شكره(5) واجعلنا نراعيه(6) ونحفظه اللّهمّ اجعلنا نتبع حلاله ونجتنب حرامه، ونقيم حدوده ونؤدي فرائضه اللّهمّ ارزقنا حلاوة في تلاوته، ونشاطاً في قيامه، ووجلاً في ترتيله، وقوة في استعماله في آناء الليل و [ أطراف ] النهار، اللّهمّ واشفنا من النوم باليسير (7) وأيقظنا في ساعة الليل من رقاد الراقدين، ونبهنا عند الأحايين الّتي يستجاب فيها الدعاء من سنة الوسنانين (8)، اللّهمّ اجعل لقلوبنا ذكاء عند عجائبه الّتي لا تنقضي، ولذاذة عند ترديده، وعبرة عند ترجيعه، ونفعاً بيّناً عند استفهامه، اللّهمّ إنا نعوذ بك من تخلّفه في قلوبنا، وتوسّده عند رقادنا (9)، ونبذه وراء ظهورنا، ونعوذ بك من قساوة قلوبنا لما به وعظتنا اللّهمّ انفعنا بما صرفت فيه من الآيات وذكرنا بما ضربت فيه من المَثُلات (10)، وكفّر عنا بتأويله السيئات، وضاعف لنا به جزاء في الحسنات وارفعنا به ثواباً في الدرجات، ولقنا به البشرى بعد الممات اللّهمّ اجعله لنا زاداً تقوينا به في الموقف بين يديك، وطريقاً واضحاً نسلك به إليك، وعلماً نافعاً نشكر به نعماءك، وتخشعاً صادقاً نسبّح به أسماءك، فإنك اتخذت به علينا حجّة قطعت به عذرنا، واصطنعت به عندنا نعمة قصر عنها شكرنا، اللّهمّ اجعله لنا وليّاً يثبتنا من الزلل، ودليلا يهدينا لصالح العمل،

ص: 540


1- أي قيظ لنا من يؤول لنا ما تشابه منه، وهم الأئمّة الهداة من أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
2- لقد ورد في بعض الأحاديث أن القرآن نور يوم القيامة يقود حامله إلى الجنّة.
3- حيث لم نعمل بما ورد فيه من أوامرك وزواجرك ومواعظك وعبرك.
4- أي تجاوز ما رسمه لنا من طريق.
5- أي ألهمنا شكره.
6- بالنظر إلى مقاصده ومراميه.
7- «جعل النوم الكثير مرضاً، واليسير منه وهو ما وقع في ست ساعات تقريباً شفاء له ولا بد من هذا القدر لاستراحة النفس وخروج القوى من التعب والكلال» المازندراني 376/10.
8- الوسنانين جمع الوسنان وهو النائم من غير استغراق في النوم.
9- «جعله وسادة، وهو كناية عن امتهانه وطرحه عند النوم وترك تلاوته والتدبر فيه» المازندرانی 377/10.
10- المثلات : جمع المثلة أن يشوّه جسده حياً أو ميتاً. والظاهر أن المراد بها ما عرضه سبحانه من أخبار عقوبات وهي الأمم السابقة بعد عصيانها وتمردها على اللّه سبحانه ومحاربتها لرسله.

وعَوْناً هادياً يقومنا من الميل(1)، وعوناً يقوينا من الملل، حتّى يبلغ بنا أفضل الأمل، اللّهمّ اجعله لنا شافعاً يوم اللقاء، وسلاحاً يوم الارتقاء، وحجيجاً (2) يوم القضاء، ونوراً يوم الظلماء يوم لا أرض ولا سماء، يوم يجزى كلّ ساع بما سعى، اللّهمّ اجعله لنارياً يوم الظمأ، وفوزاً يوم الجزاء من نار حامية، قليلة البقيا (3) على من بها اصطلى وبحرّها تلظّى، اللّهمّ اجعله لنا برهاناً على رؤوس الملاء يوم يجمع فيه أهل الأرض وأهل السماء اللّهمّ ارزقنا منازل الشهداء، وعيش السعداء، ومرافقة الأنبياء، إنك سميع الدُّعاء».

باب الدعاء في حفظ القرآن

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عمّن ذكره، عن عبد اللّه ابن سنان، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تقول: «اللّهمّ إني أسألك ولم يسأل العبادُ مثلَكَ، أسألك بحق محمّد نبيك ورسولك وإبراهيم خليلك وصفيك، وموسى كليمك ونجيك، وعيسى كلمتك وروحك، وأسألك بصُحُف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى، وقرآن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وبكل وحي اوحيته، وقضاء أمضيته، وحق قضيته، وغنى أغنيته، وضال هديته وسائل اعطيته، وأسألك باسمك الّذي وضعته على الليل فأظلم، وباسمك الّذي وضعته على النّهار فاستنار وباسمك الّذي وضعته على الأرض فاستقرَّت (4) ودعمت به السماوات (5) فاستقلت ووضعته على الجبال فرست (6)، وباسمك الّذي بثثت به الأرزاق وأسألك باسمك الّذي تحيي به الموتى وأسألك بمعاقد العزّ من عرشك(7)، ومنتهى الرَّحمة من كتابك، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن ترزقني حفظ القرآن وأصناف العلم، وأن تثبتها في قلبي وسمعي وبصري وأن تخالط بها لحمي ودمي وعظامي ومخي، وتستعمل بها ليلي ونهاري برحمتك وقدرتك فإنه لا حول ولا قوة إلّا بك يا حي يا قيوم قال :

ص: 541


1- أي الاعوجاج عن طريق الحق.
2- أي محاجاً مغالباً بالحجة والبرهان يوم القيامة.
3- أي قليلة الرعاية والحفظ والشفقة والرحمة والعفو.
4- أي «في الهواء والماء من غير نزول ولا رسوب مع عظمة الحجم وثقالة الجسم» المازندراني 381/10.
5- أي جعلت اسمك دعامة أقمتها بها. وهو الاسم الأعظم.
6- أي ثبتت.
7- «المعاقد : جمع المعقد، اسم مكان يعقد به الشيء، ولعل المراد به خصال العرش الّتي استحق بها العز، أو صفاته تعالى المعقود بها عز عرشه كالقدرة والقوة...» المازندراني 382/10.

وفي حديث آخر زيادة: «وأسألك باسمك الّذي دعاك به عبادك الّذين استجبت لهم، وأنبياؤك فغفرت لهم ورحمتهم، وأسألك بكل اسم أنزلته في كتبك، وباسمك الّذي استقر به عرشك، وباسمك الواحد الأحد الفرد الوتر المتعال الّذي يملأ الأركان كلّها، الطاهر الطهر المبارك المقدَّس الحي القيوم نور السماوات والأرض الرَّحمن الرّحيم الكبير المتعال، وكتابك المنزل بالحق، وكلماتك التامات ونورك التام وبعظمتك وأركانك (1)» وقال في حديث آخر: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أراد أن يوعيه اللّه (2) عزّ وجلّ القرآن والعلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بعسل ماذي (3) ثمّ يغسله بماء المطر قبل أن يمس الأرض، ويشربه ثلاثة أيام على الريق فإنّه يحفظ ذلك إن شاء اللّه».

2 - عنه عن أبيه عن حماد بن عيسى رفعه إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أعلمك دعاء لا تنسى القرآن: «اللّهمّ ارحمني بترك معاصيك أبداً ما أبقيتني، وارحمني مِن تَكلُّف (4) ما لا يعنيني، وارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عنّي، وألزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الّذي يرضيك عنّي، اللّهمّ نور بكتابك بصري، واشرح به صدري وفرّح به قلبي وأطلق به لساني واستعمل به بدني، وقوني على ذلك وأعني عليه إنّه لا معين عليه إلّا أنت لا إله إلّا أنت».

قال ورواه بعض أصحابنا عن وليد بن صبيح عن حفص الأعور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن عبد اللّه بن جُندب، عن أبيه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قل: «اللّهمّ اجعلني أخشاك كأنّي أراك (5)، وأسعدني بتقواك ولا تشقني بنشطي لمعاصيك، وخر لي في قضائك، وبارك [لي] في

ص: 542


1- «لعل المراد بها صفاته الذاتية، ولا يبعد أن يراد بها الأنبياء والرسول والأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والإضافة للتشريف» المازندراني 10 / 385.
2- أي يجعله حافظاً.
3- أي في إناء طاهر نزيه عن القذر بعسل أبيض جديد، أو عسل خالص جيد.
4- أي تجشم.
5- «طلب الخشية يستلزم طلب كمال العلم والمعرفة كما قال تعالى : إنما يخشى اللّه من عباده العلماء، ولذلك قال : كأني أراك، طلباً للتوفيق إلى مقام المشاهدة وهو مقام رفيع لا يبلغه إلّا خاص الخواص كالأنبياء والأوصياء والأولياء وغير ممّن أخذت باعه العناية الأزلية...» المازندراني 386/10.

قدرك حتّى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت واجعل غناي في نفسي ومتعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني (1) وانصرني على من ظلمني وأرني فيه قدرتك يا رب وأقر بذلك عيني».

2 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن أبي اسلیمان الجصاص عن إبراهيم بن ميمون قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: «اللّهمّ أعِنِّي على هَوْل يوم القيامة، وأخرجني من الدُّنيا سالم (2)، وزوّجني من الحور العين، واكفني مؤونتي ومؤونة عيالي ومؤونة النّاس، وأدخلني برحمتك في عبادك الصّالحين».

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قل : «اللّهمّ إني أسألك من كلّ خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كلّ سوء احاط به علمك، اللّهمّ إنّي أسألك عافيتك في أموري كلها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة».

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعدة من أصحابنا، عن سهل ابن زیاد جميعاً، عن عليّ بن زياد قال : كتب عليّ بن بصير يسأله أن يكتب له في أسفل كتابه دعاء يعلمه إياه يدعو به فيعصم به من الذنوب جامعاً للدنيا والآخرة. فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخطه : «بسم اللّه الرَّحمن الرّحيم، يا من أظهر الجميل، وسَتَرَ القبيح، ولم يهتك الستر عني، ياكريم العفو، يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا صاحب كلّ نجوى، ويا منتهى كلّ شكوى يا كريم الصفح يا عظيم المنّ يا مبتدءاً كلّ نعمة قبل استحقاقها، يا رباه يا سيداه یا مولاه یا غیاثاه صلّ على محمّد وآل محمّد وأسألك أن لا تجعلني في النار، ثمّ تسأل ما بدالك».

5- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبي عبد اللّه البرقي وأبي

ص: 543


1- «قيل : أي اجعل السمع والبصر باقيين مني، والمراد ما يحصل بالسمع والبصر وهو العلم، أي وفقنا لحيازة العلم لا المال حتّى يكون العلم هو الباقي مني يبقى بعد موتي...» مرآة المجلسي 449/12. وقيل المعنى : «بقاؤهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدهما» المازندراني 387/10.
2- أي خالصاً من الذنوب وتبعات مظالم النّاس.

طالب، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كربة (1) وأنت رجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعُدة، كم من كرب يضعف عنه. الفؤاد (2)، وتقل فيه الحيلة (3)، ويخذل عنه القريب والبعيد ويشمت به العدو، وتعنيني (4).فيه. الأمور أنزلته بك وشكوته إليك، راغباً فيه عمّن سواك ففرّجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت ولي كلّ نعمة وصاحب كلّ حاجة، ومنتهى كلّ رغبة فلك الحمد كثيراً ولك المن فاضلاً».

6 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن عيسى بن عبد اللّه القمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قل: «اللّهمّ إنّي أسألك بجلالك وجمالك وكرمك أن تفعل بي كذا وكذا».

7 - عنه، عن ابن محبوب، عن الفضل بن يونس، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي : أكثر من أن تقول: «[اللّهمّ ] لا تجعلني من المعارين (5) ولا تخرجني من التقصير» قال : قلت : أما المعارين فقد عرفت فما معنى لا تخرجني من التقصير؟ قال : كلّ عمل تعمله تريد به وجه اللّه عزّ وجلّ فكن فيه مقصراً عند نفسك، فإنَّ النّاس كلّهم في أعمالهم فيما بينهم وبين اللّه عزّ وجل مقصّرون.

8 - عنه، عن ابن محبوب، عن أبان عن عبد الرحمن بن أعين قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد غفر اللّه عزّ وجلّ لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما، قال: «اللّهمّ إن تعذبني فأهل لذلك أنا، وإن تغفر لي فأهل لذلك أنت» فغفر اللّه له.

9 - عنه، عن يحيى بن المبارك، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عمّه، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «يا من دلّني على نفسه وذلّل قلبي بتصديقه، أسألك الأمن والإيمان في الدنيا والآخرة».

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة، عن أبيه

ص: 544


1- الكربة والكرب : الحزن الشديد.
2- وذلك لكثرته، لأن (كم) للتكثير وهي خبرية.
3- وذلك لتعاظمه وتطامن الحيلة عن دفعه.
4- أي تتعبني وتشق علي، وفي بعض النسخ (تُعيني) أي تخضعني وتذلني.
5- المُعار : هو الّذي جعل اللّه الإيمان في قلبه عارية ويوشك أن يُسْلَبَه. وقد مر عدة أحاديث تحت باب المعارين وباب علامات المعار من هذا المجلد فراجع. وأما هذا الحديث بالذات فقد مر بمضمونه مع اختلاف يسير في باب الاعتراف بالتقصير من هذا المجلد تحت رقم (4) والراوي هو ابن يونس أيضاً، وقد ورد في آخره هناك بعد :قوله :مقصرون : (إلا من عصمه اللّه).

قال: رأيت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في فناء الكعبة (1) في الليل وهو يصلّي، فأطال القيام حتّى جعل مرَّة يتوكأ على رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى، ثمّ سمعته يقول بصوت كأنه باك : «يا سيّدي تعذبني (2) وحبّك في قلبي ؟ أما وعزَّتك لئن فعلت لتجمعنّ بيني وبين قوم طال ما عاديتهم فيك» (3).

11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن عمر بن عبد العزيز عن بعض أصحابنا عن داود الرقي قال إنّي كنت أسمع أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكثر ما يلح به في الدّعاء على اللّه بحق الخمسة يعني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم.

12 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب، عن إبراهيم الكرخي قال : علّمنا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) دعاء وأمرنا أن ندعو به يوم الجمعة : «اللّهمّ إنّي تعمدت إليك بحاجتي وأنزلت بك اليوم فقري ومسكنتي، فأنا [ اليوم] لمغفرتك أرجامِنِّي لعملي، ولمَغْفِرَتك ورحمتك أوسع من ذنوبي فتولّ قضاء كلّ حاجة هي لي، بقدرتك عليها وتيسير ذلك عليك، ولفقري إليك، فإنّي لم أصب خيراً قط إلّا منك، ولم يصرف عني أحد شرا قط غيرك، وليس أرجو لآخرتي ودنياي سواك ولا ليوم فقري [و] يوم يفردني النّاس في حفرتي وأفضي إليك يا ربّ بفقري» (4).

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عطية، عن زيد بن الصائغ قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): ادع اللّه لنا، فقال: «اللّهمّ ارزقهم صدق الحديث (5) وأداء الأمانة (6) والمحافظة على الصلوات (7)، اللّهمّ إنهم أحقُّ خلقك أن تفعله بهم اللّهمّ وافعله بهم».

14 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن

ص: 545


1- فناء الكعبة وصيدها وهو الساحة أمامها وقيل : هو ما امتد من جوانبها جمع افنية وفني.
2- الاستفهام إنكاري، والمقصود بالعذاب عذاب الآخرة.
3- «كأنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد أن المعاداة توجب الافتراق والتعذيب يوجب الاجتماع وهما يجتمعان لأن تنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات...» المازندراني 392/10.
4- أفضي : أي أصير إلى ساحتك وأصل إليك وأخلو مع عملي بك. و (بفقري) متعلق بيفردني.
5- أي في أمور الدين والدنيا.
6- أي اللّه وللناس.
7- أي بالإتيان بها في أوقاتها المحددة واجبة ومندوبة تامة الأجزاء والشرائط.

محبوب، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: «اللّهمّ من علي بالتوكل عليك، والتفويض إليك، والرّضا بقدرك، والتسليم لأمرك، حتّى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت يا ربّ العالمين».

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن سجيم (1)، عن ابن أبي يعفور (2) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : وهو رافع يده إلى السماء: «ربّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، لا أقل من ذلك ولا أكثر قال فما كان بأسرع من أن تحدَّر (3) الدموع من جوانب لحيته، ثمّ أقبل علي فقال : يا ابن أبي يعفور، إنَّ يونس بن متى وكله اللّه عزّ وجلّ إلى نفسه أقلّ من طرفة عين فأحدث ذلك الذنب (4). قلت فبلغ به كفراً - أصلحك اللّه -؟ قال: لا ولكنَّ الموت على تلك الحال هلاك (5).

16 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه قال : أتى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال له : إنَّ ربّك يقول لك : إذا أردت أن تعبدني يوماً وليلة حق عبادتي فارفع يديك إليَّ وقل: «اللّهمّ لك الحمد حمداً خالداً مع خلودك، ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون علمك ولك الحمد حمداً لا أمد له دون مشيئتك، ولك الحمد حمداً لا جزاء لقائله إلّا رضاك، اللّهمّ لك الحمد كله ولك المنّ كلّه ولك الفخر كلّه ولك البهاء كله ولك النور كلّه ولك العزّة كلّها ولك الجبروت كلها ولك العظمة كلّها، ولك الدنيا كلّها، ولك الآخرة كلّها، ولك الليل والنهار كله، ولك الخلق كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، اللّهمّ لك الحمد حمداً أبداً، أنت حسن البلاء، جليل الثناء سابغ النعماء(6)، عدل القضاء، جزيل العطاء، حسن الآلاء (7) إله [من] في الأرض وإله [من] في السّماء، اللّهمّ لك الحمد في السّبع السداد (8)، ولك الحمد في الأرض المهاد، ولك الحمد طاقة العباد، ولك الحمد سعة البلاد،

ص: 546


1- في كلّ النسخ الّتي بين يدي (سُجَيم) بالجيم ولكني لم أجد أحداً بهذا الاسم فيما عندي من كتب الرجال وإنما الموجود (سُحَيم) بالحاء المهملة وهو سُحَيم السندي (السعدي) من أصحاب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو الّذي روى عن ابن أبي يعفور.
2- واسمه عبد اللّه.
3- تحدّر الدمع تنزّل، كما ذكره في الصحاح.
4- أي ترك الأولى. وهو خروجه من بين قومه بعد أن كذبوه قبل أن يأمره اللّه بالخروج أو يستأذنه فيه.
5- الهلاك هنا الضلالة، وذلك لأن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين.
6- أي متمها ومكملها.
7- أي النعم. وذكر في قوله (سابغ النعماء) كما لها، وهنا حسنها فلا منافاة.
8- «الشداد: جمع شديدة أي قوية محكمة لا تتغير ولا تتأثر بمرّ الدهور أو مرتفعة من شد النهار إذا ارتفع» المازندراني 397/10.

ولك الحمد في الجبال الأوتاد، ولك(1) الحمد في الليل إذا يغشى، ولك الحمد في النهار إذا تجلّى، ولك الحمد في الآخرة والأولى، ولك الحمد في المثاني (2) والقرآن العظيم، وسبحان اللّه وبحمده، والأرض جميعاً قبضته (3) يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه (4)، سبحانه وتعالى عما يشركون، سبحان اللّه وبحمده، كلّ شيء هالك إلّا وجهه، سبحانك ربنا وتعاليت و تباركت وتقدَّست خلقت كلّ شيء بقدرتك، وقهرت كلّ شيء بعزتك، وعلوت فوق كلّ شيء بارتفاعك (5) وغلبت كلّ شيء بقوتك وابتدعت كلّ شيء بحكمتك وعلمك، وبعثت الرّسل بكتبك، وهديت الصالحين بإذنك، وأيدت المؤمنين بنصرك، وقهرت الخلق بسلطانك، لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، لا نعبد غيرك ولا نسأل إلّا إياك ولا نرغب إلّا إليك أنت موضع شكوانا ومنتهى رغبتنا وإلهنا ومليكنا».

17 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال : قال [لي] أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابتداء منه : يا معاوية أما علمت أن رجلا أتى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له: أين أنت الدعاء عن السريع الإجابة؟ فقال له الرجل: ما هو ؟ قال : قل : «اللّهمّ إني أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأجلّ الأكرم المخزون المكنون النور الحق البرهان المبين، الّذي هو نور مع نور، ونور من نور، ونور في نور، ونور على نور ونور فوق كلّ نور، ونور يضيء به كلّ ظلمة، ويكسر به كلّ شدَّة، وكلّ شيطان مريد وكلّ جبار عنيد لا تقر به أرض ولا تقوم به سماء (6) ويأمن به كلّ خائف، ويبطل به سحر كلّ ساحر، وبغي كلّ باغ، وحسد كلّ حاسد ويتصدع لعظمته البر والبحر ويستقلّ به الفلك حين يتكلّم به الملك فلا يكون للموج عليه سبيل، وهو اسمك الأعظم الأعظم،

ص: 547


1- «بعد التنبيه باختصاص الحمد به تعالى في كلّ الأمكنة نبه باختصاص الحمد به في كلّ الأزمنة» المازندراني 10 / 398.
2- «المثاني : سورة الحمد على الأشهر، وهو المروي عن الأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفيه أقوال أخر... وإنما سميت به لأنها تتى في الصلاة وقيل : لأنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة لما حوّلت القبلة، ولم يثبت ذلك والظاهر أنّها مكية فقط...» ن. م.
3- هذا كناية عن قدرته سبحانه، أي في مقدوره.
4- وهذا أيضاً كناية عن سعة قدرته وذكر اليمين للمبالغة في بيان الاقتدار والقوة.
5- أي قدرة وعلو شأن وليس المقصود الارتفاع المكاني.
6- «القرار الثبات والسكون... والظاهر أن (به) متعلق بالفعل المذكور وأن الباء للسببية أو بمعنى (مع) وأنه يفهم منه بحسب المقام أن عدم قرار الأرض وعدم قيام السماء عند الدعاء به على زوالهما من غير حاجة إلى تقديره وقال بعض أفاضل المتأخرين «به» متعلق بفعل مقدر لا بالمذكور، تقديره : لا تقر أرض ولا تقوم سماء إذا دعي به عليهما، ولا يخفى بعده، لأن حذف الشرط وإرادته وإبقاء جزء منه غير معروف» المازندراني 401/10.

الأجل الأجل، النور الأكبر الّذي سميت به نفسك واستويت به على عرشك، وأتوجه إليك بمحمّد وأهل بيته أسألك بك وبهم أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا».

18 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن عمرو بن أبي المقدام قال : أملا علي هذا الدُّعاء أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو جامع للدنيا والآخرة، تقول بعد حمد اللّه والثناء عليه :

«اللّهمّ أنت اللّه لا إله إلّا أنت الحليم لكريم، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت العزيز الحكيم، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الواحد القهار، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الملك الجبار، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الرّحيم الغفّار، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت شديد المحال (1)، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الكبير المتعال، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت السميع البصير، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت المنيع القدير، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الغفور الشكور، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الحميد المجيد، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الغفور الودود، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الحنان المنّان، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الحليم الدَّيان (2)، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الجواد الماجد وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الواحد الأحد وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الغائب الشاهد، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت الظاهر الباطن، وأنت اللّه لا إله إلّا أنت بكلّ شيء عليم، تم نورك فهديت، وبسطت يدك فأعطيت، ربنا وجهك(3) أكرم الوجوه، وجهتك خير الجهات، وعطيتك أفضل العطايا وأهنأها، تُطاع ربَّنا فَتَشْكُر، وتُعصى دينا فتغفر لمن شئت تجيب المضطر [ين] وتكشف السوء وتقبل التوبة وتعفو عن الذُّنوب، لا محازى أياديك (4)، ولا تحصى نعمك ولا يبلغ مدحتك قول قائل، اللّهمّ صل على محمّد وآل محمّد وعجل فرجهم وروحهم وراحتهم (5) وسرورهم وأذقني طعم فرجهم وأهلك أعداءهم من الجن والإنس (6)، وآتنا في الدُّنيا حَسَنة وفي الآخرة حسنة (7) وقنا عذاب النار، واجعلنا من الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واجعلني من الّذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وبارك لي في المحيا والممات والموقف والنشور

ص: 548


1- شديد المحال أي شديد العقوبة والإهلاك لأعدائه والكيد لهم.
2- الديان: هو الّذي يجازي العباد بأفعالهم. وقيل : الديان القهار.
3- أي ذاتك.
4- أي نِعَمك.
5- الروح الراحة والعطف تفسيري.
6- الآن، أو عند خروج الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أو الأعم.
7- قيل : بأن الحسنة الأولى الجهاد مع إمام عادل، والحسنة الثانية ثواب المجاهدين. وقيل : أن المراد بالأولى متابعة الإمام العادل وبالثانية مصاحبته. وقيل : المراد بالأولى العلم والعبادة وبالثانية الجنّة... الخ.

والحساب والميزان وأهوال يوم القيامة، وسلّمني على الصراط، واجزني عليه، وارزقني علماً نافعاً ويقيناً صادقاً (1)، وتُقى وبرا وورعاً وخوفاً منك وفَرَقاً (2) يبلغني منك زلفى ولا يباعدني عنك، وأحببني ولا تبغضني، وتولّني ولا تخذلني، وأعطني من جميع خير الدنيا والآخرة ما علمت منه وما لم أعلم وأجرني من السوء كله بحذافيره (3) ما علمت منه وما لم أعلم».

19 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا تخصني بدعاء؟ قال : بلى قال : قل : «يا واحد يا ماجد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا عزيز يا كريم يا حنان يا منان يا سامع الدعوات، يا أجود من سئل ويا خير من أعطى، يا اللّه يا اللّه يا اللّه قلت: «ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون (4)» ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «[نعم] لنعم المجيب أنت ونعم المدعو ونعم المسؤول أسألك بنور وجهك وأسألك بعزتك وقدرتك وجبروتك وأسألك بملكوتك، ودرعك الحصينة، وبجَمْعِك (5)، وأركانك كلّها وبحق محمّد وبحق الأوصياء بعد محمّد أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا».

20 - عنه، عن بعض أصحابه، عن حسين بن عمّارة، عن حسين بن أبي سعيد المكاري وجهم بن أبي جهيمة، عن أبي جعفر - رجل من أهل الكوفة كان يعرف بكنيته - قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علمني دعاء أدعو به فقال : نعم قل: «يا من أرجوه لكل خير ويا من آمن سخطه عند كلّ عثرة (6)، ويا من يعطي بالقليل الكثير، يا من أعطى من سأله تحتناً منه ورحمة، يا من أعطى من لم يسأله ولم يعرفه صلّ على محمّد وآل محمّد وأعطني بمسالّتي من جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، فإنّه غير منقوص ما أعطيتني وزدني من سعة فضلك يا كريم».

21 - وعنه، رفعه إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه علم أخاه عبد اللّه بن عليّ هذا الدعاء : «اللّهمّ

ص: 549


1- احتراز عن الكاذب من الاعتقاد وهو الاعتقاد بالباطل فإنه عند أصحابه يقين كاذب أو يراد باليقين الصادق الاعتقاد الجازم الّذي لا يحتمل النقيض، إذ إطلاق اليقين على ما يحتمله غير صادق.
2- الفرق الهلع والخوف الشديد.
3- حذافير : جمع حذفار وهو جانب الشيء وأعلاه والمعنى : احفظني واحمني من جميع أنواع السوء وأفراده بأسرها.
4- الصافات / 75.
5- «قيل : المراد جمعك للكمالات، ويحتمل أن يكون المراد الجيش، أو يكون الجمع بمعنى المجموع أي بمجموع صفاتك». مرآة المجلسي 584/12.
6- العَثْرة : السقطة والزلّة ولعله أريد بها هنا الذنب وأمن سخط اللّه للثقة بسعة رحمته وحلمه لا استصغاراً لشأنه واستخفافاً بعظمته.

ارفع ظنّي صاعداً (1)، ولا تطمع في عدوا ولا حاسداً، واحفظني قائماً وقاعداً ويقظاناً وراقداً، اللّهمّ اغفر لي وارحمني واهدني سبيلك الأقوم، وقني حرّ جهنّم واحطط عنّي المغرم (2) والمأثم (3) واجعلني من خير خيار العالم».

22 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى وهارون بن خارجة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : «ارحمني ممّا لا طاقة لي به ولا صبر لي عليه».

23 - عنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن ابن، سنان، عن حفص، عن محمّد بن مسلم قال : قلت له : علّمني دعاء فقال : فأين أنت من دعاء الإلحاح، قال : قلت : وما دعاء الإلحاح ؟ فقال : «اللّهمّ ربَّ السّماوات السبع وما بينهنَّ، وربَّ العرش العظيم، وربَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وربَّ القرآن العظيم، وربّ محمّد خاتم النبيّين، إنّي أسألك بالّذي تقوم به (4) السماء وبه تقوم الأرض، وبه تفرّق بين الجمع وبه تجمع بن المتفرّق، وبه ترزق الأحياء، وبه أحصيت عدد الرّمال ووزن الجبال وكَيْلَ البحور» ثمّ تصلّي على محمّد وآل محمّد، ثمّ تسأله حاجتك وألح في الطلب.

14 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن كرام(5)، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول : اللّهمّ املأ قلبي حبّاً لك (6) وخشية منك وتصديقاً وإيماناً بك وفَرَقاً منك وشوقاً إليك يا ذا الجلال والإكرام اللّهمّ حبب إلى لقاءك، واجعل لي في لقائك خير الرحمة والبركة وألحقني بالصالحين، ولا تؤخّرني مع الأشرار وألحقني بصالح من مضى واجعلني مع صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين وأعني على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم، ولا تردَّني في سوء استنقذتني منه يا ربَّ العالمين، أسألك إيماناً لا أجل له دون لقائك(7) ، تحييني وتميتني عليه وتبعثني عليه إذا بعثتني، وابرأ قلبي من الرياء

ص: 550


1- «لعل المراد ارفع ظني عن المخلوقين واجعله صاعداً إليك فتكون أنت موضع رجائي أو ارفع ظني عن الانحطاط أي اجعل ظني بك كاملا مرآة المجلسي 12 / 460 وقيل المعنى : أي ظني بالرحمة والمغفرة والإحسان وصعوده عبارة عن الصدق والقبول...» المازندراني 410/10.
2- المغرم: مغرم الذنوب، وقيل هو الغُرم : أي الدين.
3- المأثم : الإثم.
4- المراد بالموصول ذاته تعالى أو علمه وقدرته.
5- هو لقب عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الكوفي.
6- لكي لا يبقى فيه مكان لغيرك يا ربّ.
7- الأجل : الوقت المعين لشيء مستقبلي. والمعنى : اسألك يا رب يقيناً جازماً لا ينقضه شك ولا ريبة إلى الموت أو إلى القيامة.

والسمعة والشّكّ في دينك اللّهمّ أعطني نصراً في دينك وقوة في عبادتك وفهماً في خلقك (1) وكفلين (2) من رحمتك، وبيض وجهي بنورك، واجعل رغبتي فيما عندك، وتوفّني في سبيلك على ملتك وملة رسولك، اللّهمّ إني أعوذ بك من الكسل والهرم والجبن والبخل والغفلة والقسوة والفترة (3) والمسكنة، وأعوذ بك يا ربّ من نفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن صلاة لا تنفع، وأعيذ بك نفسي وأهلي وذريتي من الشيطان الرجيم، اللّهمّ إنه لا يجيرني منك أحد ولا أجد من دونك مُلتَحَداً (4)، فلا تخذلني ولا تردني في هلكة ولا تردني بعذاب، أسألك الثبات على دينك والتصديق بكتابك واتباع رسولك، اللّهمّ اذكرني برحمتك ولا تذكرني بخطيئتي، وتقبل مني وزدني من فضلك إني إليك راغب، اللّهمّ اجعل ثواب منطقي وثواب مجلسي رضاك عني، واجعل عملي ودعائي خالصاً لك، واجعل ثوابي الجنّة برحمتك، واجمع لي جميع ما سألتك وزدني من فضلك إني إليك راغب، اللّهمّ غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، لا يواري منك ليل ساج (5) ولا سماء ذات أبراج ولا أرضُ ذات مهاد (6) ولا بحر لجي، ولا ظلمات بعضها فوق بعض تدلج الرحمة على من تشاء من خلقك، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أشهد بما شهدت به على نفسك وشهدَتْ ملائكتك وأولوا العلم لا إله إلّا أنت العزيز الحكيم، ومن لم يشهد بما شهدت به على نفسك وشَهِدَتْ ملائكتك وأولوا العلم فاكتب شهادتي مكان شهادتهم، اللّهمّ أنت السلام ومنك السلام أسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تفك رقبتي من النار» (7).

25 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ أبا ذرّ أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومعه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صورة دِحْيَة الكلبي (8) وقد استخلاه (9) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلما رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما فقال

ص: 551


1- أي تدبّراً في عظمة مخلوقاتك وتدبيرك لهم يفضي بي إلى رسوخ إيماني بعظمتك ووحدانيتك وسعة قدرتك وحكمتك.
2- أي ضعفين، أو حظين.
3- الفترة : الكسل والفتور عن القيام بما تفرضه عليّ من طاعتك وأداء حقك.
4- المُتحد : الملجأ.
5- ساج: «يمكن أن يكون من سجي بمعنى غطى قال ابن الأثير في النهاية : ومنه الليل الساجي لأنه يغطي بظلامه وسكونه، يعني لا يستر منك شيئاً ليل يغطي الأشياء بظلامه» المازندراني 10 / 415.
6- مهاد : جمع مَمهدة، وهي ما ارتفع أو انخفض من الأرض بشكل مستو.
7- وقد مر بعض فقرات هذا الحديث في ثنايا بعض أحاديث باب الدعاء عند النوم والانتباه من هذا المجلد خاصة الحديث رقم (12) منها وعلقنا عليه هناك فراجع.
8- ذجية الكلبي : - كما قال في النهاية - هو ابن خليفة أحد الصحابة كان جميلاً حسن الصورة.
9- أي اختلى به.

جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا محمّد هذا أبو ذر قد مرَّ بنا ولم يسلّم علينا أما لو سلّم لرددنا عليه، يا محمّد إنَّ له دعاء يدعو به معروفاً عند أهل السماء فسله عنه إذا عرجت إلى السماء، فلما ارتفع جبرئيل جاء أبو ذرّ إلى النبي فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما منعك يا أبا ذر أن تكون سلّمت علينا حين مررت بنا؟ فقال : ظننت يا رسول اللّه أن الّذي [كان] معك دحية الكلبي قد استخليته لبعض شأنك، فقال : ذاك جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا ذر وقد قال : أما لو سلّم علينا لرددنا عليه، فلما علم أبو ذرّ أنّه كان جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل من الندامة حيث لم يسلّم عليه ما شاء اللّه، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما هذا الدعاء الّذي تدعو به؟ فقد أخبرني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ لك دعاء تدعو به معروفاً في السماء، فقال : نعم يا رسول اللّه أقول: اللّهمّ إني أسألك الأمن والإيمان بك والتصديق بنبيك والعافية من جميع البلاء والشكر على العافية والغنى عن شرار النّاس» (1).

26 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة قال : أخذت هذا الدُّعاء عن أبي جعفر [محمّد بن عليّ ] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وكان أبو جعفر يسميه الجامع (2): «بسم اللّه الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، آمنت باللّه وبجميع رسله رسله وبجميع وبجميع ما أنزل به(3) على جميع الرّسل وأنَّ وعد اللّه حقٌّ، ولقاءه حقٌّ، وصَدَقَ اللّه وبلّغ المرسلون والحمد للّه رب العالمين وسبحان اللّه كلّما سبّح اللّه شيءٌ وكما يحبُّ اللّه أن يسبح، والحمد للّه كلّما حمد اللّه شيء وكما يحبّ اللّه أَن يُحْمَدَ، ولا إله إلّا اللّه كلما هلل اللّه شيءٌ وكما يحبّ اللّه أن يهلل واللّه أكبر كلّما كبر اللّه شيء وكما يحبّ اللّه أن يكبر، اللّهمّ إنّي أسألك مفاتيح الخير وخواتيمه (4) وسوابغه (5) وفوائده وبركاته، وما بلغ علمه علمي، وما قصر عن إحصائه حفظي، اللّهمّ انهج إلي أسباب معرفته وافتح لي أبوابه وغشني ببركات رحمتك ومُنَّ عليَّ بعصمة عن الإزالة عن دينك، وطهر قلبي من الشَّكُ ولا تشغل قلبي بدنياي وعاجل معاشي عن آجل ثواب آخرتي، واشعَلْ قلبي بحفظ ما لا تقبل مني جهله، وذلّل لكلّ خير لساني، وطهر قلبي من الرياء ولا تُجْرِهِ في مفاصلي واجعل عملي خالصاً

ص: 552


1- فيه دلالة على أن الإنسان لا يستغني بطبعه عن الاستعانة بغيره، ولذا فليدع ربه أن يغنيه عن شرار النّاس دون خيارهم، وقد مر في الّذي بَعْدَ باب فضل فقراء المسلمين ما يدل عليه فراجع الحديث رقم واحد منه.
2- «في النهاية : الجامع من الدعاء هو الّذي يجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو يجمع الثناء على اللّه تعالى وآداب مسألة» المازندراني 417/10.
3- هذا الكلام غير مستقيم، فإما أن (به) زائدة من تصحيف النسّاخ. وإما أن الصحيح ما في التهذيب ومصباح الكفعمي (انزلت به (جميع)، أو نقدر نائب فاعل ل- (أنزل) فيصبح (وما انزل به جبرئيل، أو الملك).
4- هذا كناية عن دوام الخير واستمراره دون انقطاع.
5- جمع سابغ : وهو الفرد الكامل من كلّ نوع.

لك، اللّهمّ إني أعوذ بك من الشر، وأنواع الفواحش كلّها ظاهرها وباطنها (1) وغفلاتها(2) وجميع ما يريدني به الشيطان الرجيم وما يريدني به السلطان العنيد، ممّا أحطت بعلمه وأنت القادر على صرفه عني، اللّهمّ إني أعوذ بك من طوارق الجن والإنس وزوابعهم وبوائقهم (3) ومكائدهم ومشاهد الفسقة من الجن والإنس، وأن أستزل عن ديني فتفسد عليَّ آخرتي، وأن يكون ذلك منهم ضرراً عليَّ في معاشي أو يعرض بلاء يصيبني منهم لا قوة لي به ولا صبر لي على احتماله، فلا تبتلني يا إلهي بمُقاساته (4)، فيمنعني ذلك عن ذكرك ويشغلني عن عبادتك، أنت العاصم المانع الدافع الواقي من ذلك كله، أسألك اللّهمّ الرفاهية(5) في معيشتي ما أبقيتني، معيشة أقوى بها على طاعتك وأبلغ بها رضوانك، وأصير بها إلى دار الحيوان غداً، ولا ترزقني رزقاً يطغيني، ولا تبتلني بفقر أشقى به مضيقاً عليَّ، أعطني حظاً وافراً في آخرتي ومعاشاً واسعاً هنيئاً مريئاً في دنياي ولا تجعل الدنيا علي سجناً، ولا تجعل فراقها علي حزناً، أجرني من فتنتها واجعل عملي فيها مقبولاً وسعيي فيها مشكوراً، اللّهمّ ومن أرادني بسوء فأرده بمثله، ومن كادني فيها فكده، واصرف عني هم من أدخل عليَّ همه، وامكر بمن مكر بي فإنك خير الماكرين وافقأ عني عيون الكفرة الظلمة والطغاة والحسدة، اللّهمّ وأنزل عليَّ منك السكينة، وألبسني درعك الحصينة واحفظني بسترك الواقي وجلّلني عافيتك النافعة وصدّق قولي وفعالي، وبارك لي في ولدي وأهلي ومالي اللّهمّ ما قدَّمت وما أخرت وما أغفلت وما تعمدت، وما توانيت (6)، وما أعلنت وما أسررت فاغفره لي يا أرحم الراحمين».

27 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قل: «اللّهمّ أوسع عليَّ في رزقي، وامدد لي في عمري، واغفر لي ذنبي، واجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري».

ص: 553


1- «أي جليّها وخفيها، أو بدنيّها وقلبيها، والفاحشة كلّ ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال» المازندراني 419/10.
2- «الإضافة للملابسة باعتبار أن الفواحش مسببة عن الغفلات من وجه وأسباب لها من وجه آخر» ن. م ص / 420.
3- الزابعة من اشتد غيظه وغضبه وعربدته وزوبعة كما في القاموس اسم شيطان أو رئيس الجن. والبوائق : جمع باثفة وهي الداهية والمصيبة والشر والغائلة.
4- أي بمكابدته وتحمل مشقته.
5- الرفاهية لين العيش ورغده.
6- أي قصرت فيه من الطاعة وعمل الخير.

28 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول : يا من يشكر اليسير ويعفو عن الكثير، وهو الغفور الرَّحيم، اغفر لي الذنوب الّتي ذهبت لذتها وبقيت تبعتها».

29 - وبهذا الإسناد، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان من دعائه يقول: «يا نور يا قدوس يا أوَّل الأولين ويا آخر الآخرين يا رحمن يا رحيم، اغفر لي الذنوب الّتي تغير النعم (1) واغفر لي الذُّنوب الّتي تحل النقم (2) واغفر لي الذنوب الّتي تهتك العِصَم (3) واغفر لي الذُّنوب الّتي تنزل البلاء واغفر لي الذنوب الّتي تديل (4) الأعداء، واغفر لي الذنوب الّتي تعجّل الفناء، واغفر لي الذُّنوب الّتي تقطع الرّجاء، واغفر لي الذنوب الّتي تُظلم الهواء، واغفر لي الذُّنوب الّتي تكشف الغطاء واغفر لي الذنوب الّتي تردّ الدعاء واغفر لي الذنوب الّتي ترد غيث السماء» (5).

30 - عنه، عن محمّد بن سنان عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يا عُدتي في كربتي، ويا صاحبي في شدَّتي ويا ولي في نعمتي ويا غياثي في رغبتي». قال: وكان من دعاء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّهمّ كتبت الآثار وعلمت الأخبار واطلعت على الأسرار (6)، فحُلْتَ بيننا وبين القلوب (7)، فالسرُّ عندك علانية، والقلوب إليك مفضاة(8)، وإنما أمرك لشيء إذا أردته أن تقول له كن فيكون، فقل (9) برحمتك لطاعتك أن تدخل في كلّ عضو من أعضائي ولا تفارقني حتّى ألقاك، وقل برحمتك لمعصيتك أن تخرج من كلّ عضو من أعضائي فلا تقربني حتّى ألقاك، وارزقني من الدُّنيا وزهدني فيها، ولا تُزْوها (10) عني ورغبتي

ص: 554


1- كلّ الذنوب تغيّر النعم، وإن كان قد ورد أن النجس في المكيال والميزان بالخصوص سبب لذلك.
2- النقم : جمع نقمة وهي المجازاة بالعقوبة، ومما ينزل النقم المعاصي الكبيرة الّتي تستوجب الحد كالزنا والسرقة.
3- «العِصَم : جمع العِصْمة وهي خصلة مانعة من المعصية، شبهها بالساتر بقرينة الهتك والذنوب إذا كثرت وتراكمت، تهتكها وترفعها بالمرة حتّى لا يبالي المذنب بأي ذنب ورد ولا بأي واد هلك، وقد يصدر الهتك من ذنب واحد كشرب الخمر» المازندراني 424/10.
4- تديل : أي تغلب والإدالة الغلبة - كما في القاموس -.
5- وقد مر بعض فقرات هذا الدعاء في مضامين أحاديث سابقة من هذا الباب وعلقنا عليها هناك فراجع.
6- أي علمتها.
7- «لعل المراد بقوله بيننا المواد الجسمانية والقوى البدنية وبالقلوب العقول المجردة النورانية المائلة إلى اللّه بإذنه، وبكونه تعالى حائلا بينهما أي أنّه مانع من استيلاء الأولى على الثانية...» المازندراني 426/10.
8- أي موصولة.
9- قل هنا بمعنى الحكم والقضاء وقد ورد في كتب اللغة ما يؤكد استعمال القول في هذا المعنى.
10- أي لا تنحيها عني أو لا تقبضها عني.

فيها يا رحمن».

31 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن عبد الرحمن بن سيّابة قال : أعطاني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا الدّعاء: «الحمد للّه ولي الحمد وأهله وسنتهاه ومحله، أخلص من وحده واهتدى من عَبَدَه وفاز من أطاعه وأمِنَ المعتصم به، اللّهمّ يا ذا الجود والمجد والثناء الجميل والحمد، أسألك مسألة من خضع لك برقبته، وَرَغَمَ لك أنفه وعفّر لك وجهه، وذلّل لك نفسه وفاضت من خوفك دموعه وتردَّدت عبرته واعترف لك بذنوبه، وفضحته عندك خطيئته، وشانته (1) عندك جريرته، وضعفت عند ذلك قوَّته وقلت حيلته، وانقطعت عنه أسباب خدائعه واضمحل عنه كلّ باطل، وألجأته ذنوبه إلى ذلّ مقامه بين يديك، وخضوعه لديك، وابتهاله إليك، أسألك اللّهمّ سؤال من هو بمنزلته أرغب إليك كرغبته، وأتضرع إليك كتضرعه وأبتهل إليك كأشدّ ابتهاله، اللّهمّ فارحم استكانة منطقي، وذلَّ مقامي ومجلسي وخضوعي إليك برقبتي أسألك اللّهمّ الهدى من الضّلالة، والبصيرة من العمى، والرشد من الغواية، وأسألك اللّهمّ أكثر الحمد عند الرّخا، وأجمل الصبر عند المصيبة، وأفضل الشكر عند موضع الشكر والتسليم عند الشبهات وأسألك القوة في طاعتك، والضعف عن معصيتك والهرب إليك منك، والتقرب إليك ربّ لترضى والتحري لكلّ ما يرضيك عنّي في إسخاط خلقك التماساً لرضاك، ربّ من أرجوه إن لم ترحمني، أو من يعود عليَّ إن أقصيتني (2)، أو من ينفعني عفوه إن عاقبتني، أو من آمل عطاياه إن حرمتني أو من يملك كرامتي إن أهنتني، أو من يضرني هوانه إن أكرمتني، ربّ ما أسوء فعلي وأقبح عملي، وأقسى قلبي وأطول أملي وأقصر أجلي، وأجرأني على عصيان من خلقني، ربّ وما أحسن بلاءك (3) عندي، وأظهر نعماءك علي، كثرت علي منك النعم فما أحصيها، وقل مني الشكر فيما أُوْلَيْتَنِيهِ فبطرت بالنعم (4)، وتعرَّضت للنقم، وسهوت عن الذكر، وركبت الجهل بعد العلم، وجُزْتُ من العدل إلى الظلم، وجاوزت البر إلى الإثم وصرت إلى الهرب من الخوف والحزن، فما أصغر حسناتي وأقلها في كثرة ذنوبي، وما أكثر ذنوبي وأعظمها على قدر صِغَر خَلقي وضعف ركني، رب وما أطول أملي في قصر أجلي، وأقصر أجلي في بعد أملي وما أقبح سريرتي وعلانيتي، رب

ص: 555


1- أي قبحته وعابته.
2- أي من يعطف عليّ أو يفيدني إن أنت أبعدتني عن عطفك ورحمتك.
3- البلاء العطية والمنحة.
4- البَطَر : شدة المرح بالنعمة والطغيان بها.

لا حجة لي إن احتججت، ولا عذر لي إن اعتذرت، ولا شكر عندي إنْ ابْتُلِيتُ وأُوليتُ (1)، إن لم تعني على شكر ما أوليت، ربّ ما أخف ميزاني غداً إن لم ترجّحه، وأزل لساني إن لم تثبته، واسود وجهي إن لم تبيضه، ربّ كيف لي بذنوبي الّتي سلفت مني قد هدَّت لها أركاني، ربّ كيف أطلب شهوات الدنيا وأبكى على خيبتي فيها ولا أبكي وتشتد حسراتي على عصياني وتفريطي (2)، ربّ دعتني دواعي الدنيا فأجبتها سريعاً، وركنت إليها طائعاً، ودعتني دواعي الآخرة فتتبطت عنها وأبطأت في الإجابة والمسارعة إليها، كما سارعت إلى دواعي الدنيا وحطامها الهامد، وهشيمها البائد، وسرابها الذاهب (3)، ربّ خوفتني وشوقتني، واحتججت عليَّ برقي (4) وكفلت لي برزقي فآمنت [من] خوفك وتثبطت عن تشويقك، ولم أتكل على ضمانك، وتهاونت باحتجاجك، اللّهمّ فاجعل أمني منك في هذه الدنيا خوفاً، وحوّل تتبطي شوقاً، وتهاوني بحجّتك فَرَقاً منك ثمّ رضّني بم قسمت لي من رزقك يا كريم [ يا كريم]، أسألك باسمك العظيم رضاك عند السخطة، والفرجة عند الكربة والنور عند الظلمة، والبصيرة عند تشبه الفتنة، ربّ اجعل جنّتي من خطاياي حصينةً، ودرجاتي في الجنان رفيعةً، وأعمالي كلّها متقبلة، وحسناتي مضاعفة زاكية، وأعوذ بك من الفتن كلّها ماظهر منها وما بطن، ومن رفيع المطعم والمشرب (5)، ومن شرّ ما أعلم ومن شرّ ما لا أعلم وأعوذ بك من أن أشتري الجهل بالعلم والجفاء بالحلم والجور بالعدل والقطيعة بالبرّ، والجزع بالصبر، والهدى بالضلالة (6) والكفر بالإيمان».

ابن محبوب، عن جميل بن صالح أنّه ذكر أيضاً مثله وذكر أنّه دعاء عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما وزاد في آخره «آمين ربّ العالمين».

ص: 556


1- «الابتلاء كما يكون بالمنحة والعطية كذلك يكون بالمحنة والبلية وهي أولى بالإرادة هنا للفرار عن وسمة التكرار وفيه دلالة على أنّه سبحانه يستحق الشكر في الحالين» المازندراني 431/10.
2- «فيه تعجب من انعكاس حاله حيث طلب الدنيا وبكى على عدم نيلها ولم يطلب الآخرة ولم يبك على الإتيان بما يوجب خرابها مع أن الدنيا دار الفرار والآخرة دار القرار» من. م.
3- «السراب : ما تراه نصف النهار كأنه ماء وليس بماء شبه به متاع الدنيا في أنّه ليس بشيء» المازندراني 432/10. وفي بعض النسخ (وشرابها).
4- أي بعبوديتي لك، ووجه الاحتجاج به أن العبد وما يملك لمولاه ويحكم العقل بوجوب إطاعته له وقبح معصيته والتمرد عليه.
5- «وإن كان حلالاً، لأن في حلاله حساباً وفي حرامه عقاباً ولأنه يوجب الغفلة والقسوة والدخول في زمرة المتنعمين والخروج عن زي المساكين» المازندراني 434/10.
6- مقتضى السياق سابقاً ولاحقاً، وانسجاما مع المعنى المقصود فالصحيح القلب بأن تكون (والضلالة بالهدى) وقد وردت هكذا في مصباح الكفعمي.

32 - ابن محبوب قال : حدَّثنا نوح أبو اليقظان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ادْعُ بهذا الدعاء : «اللّهمّ إني أسألك برحمتك الّتي لا تُنال منك إلّا برضاك والخروج من جميع معاصيك [إلا برضاك] والدخول في كلّ ما يرضيك، والنجاة من كلّ ورطة (1)، والمخرج من كلّ كبيرة أتى بها منّي عمداً، وزلّ بها مني خطأ أو خطر بها علي خطرات الشيطان، أسألك خوفاً توقفني به على حدود رضاك وتشعبُ (2) به عنّي كلّ شهوة خطر بها هواي، واستَزَلُّ بها رأبي ليجاوز حد حلالك، أسألك اللّهمّ الأخذ بأحسن ما تعلم، وترك سيء كلّ ما تعلم، أو أخطأ من حيث لا أعلم أو من حيث أعلم، أسألك السعة في الرّزق والزهد في الكفاف، والمخرج بالبيان من كلّ شبهة، والصواب في كلّ حجّة، والصدق في جميع المواطن، وإنصاف النّاس من نفسي فيما عليَّ ولي، والتذلّل في إعطاء النَّصَفِ من جميع مواطن السخط والرّضا، وترك قليل البغي وكثيره في القول مني والفعل وتمام نعمتك في جميع الأشياء، والشكر لك عليها لكي ترضى وبعد الرّضا، وأسألك الخِيَرَةَ في كلّ ما يكون فيه الخيرة بميسور الأمور كلها لا بمعسورها يا كريم يا كريم يا كريم وافتح لي باب الأمر الّذي فيه العافية والفرج، وافتح لي بابه، ويسر لي مخرجه من قدَّرت له علي مقدرة من خلقك فخذ عني بسمعه وبصره ولسانه ويده، وخذه عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن قدامه (3)، وامنعه أن يصل إليَّ بسوء، عزّ جاركِ(4) وجلّ ثناء وجهك ولا إله غيرك أنت ربي وأنا عبدك، اللّهمّ أنت رجائي في كلّ كربة، وأنت ثقتي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدَّة، فكم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة، ويشمت فيه العدو وتعيى (5) فيه الأمور، أنزلته بك، وشكوته إليك، راغباً إليك فيه عمّن سواك قد فرَّجته وكفيته (6)، فأنت ولي كلّ نعمة، وصاحب كلّ حاجة، ومنتهى كلّ رغبة فلك الحمد كثيراً ولك المن فاضلاً».

33 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : قل : اللّهمّ إني أسألك قول التوابين وعملهم (7)، ونور

ص: 557


1- الورطة الهلكة وكل ما يعسر الخلاص منه.
2- تشعب : أي تفرّق وتوزّع.
3- هذا كله كناية عن الحيلولة التامة بينه وبين إيقاع الضرر به.
4- أي من استجار بك.
5- لقد ورد هذا ضمن الدعاء المنسوب إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) والمتقدم في الحديث رقم (5) من هذا الباب وقد ورد فيه هناك (وتعينني) بدل (وتعيي).
6- ورد في الدعاء المنوه عنه أعلاه هناك : (ففرجته وكشفته وكفيتنيه).
7- «أريد بالقول القول اللفظي والنفسي وهو الندامة من الذنوب والعزم على عدم العود إليها، وبعملهم : ما يترتب عليه من تدارك ما مضى والاجتهاد فيما يأتي...» المازندراني 439/10.

الأنبياء وصدقهم، ونجاة المجاهدين وثوابهم، وشكر المصطفين ونصيحتهم، وعمل الذاكرين ويقينهم، وإيمان العلماء وفقههم وتعبّد الخاشعين وتواضعهم، وحكم الفقهاء (1) وسيرتهم، وخشية المتقين ورغبتهم، وتصديق المؤمنين وتوكلهم، ورجاء المحسنين وبرهم، اللّهمّ إنّي أسألك ثواب الشاكرين، ومنزلة المقربين ومرافقه النبيّين، اللّهمّ إني أسألك خوف العاملين لك وعمل الخائفين منك، وخشوع العابدين لك، ويقين المتوكلين عليك وتوكل المؤمنين بك، اللّهمّ إنك بحاجتي عالم غير معلم، وأنت لها واسع غير متكلّف وأنت الّذي لا يحفيك سائل(2) ولا ينقصك نائل، ولا يبلغ مدحتك قول قائل أنت كما تقول وفوق ما نقول، اللّهمّ اجعل لي فرجاً قريباً، وأجر عظيماً وستراً جميلاً، اللّهمّ إنك تعلم أنّي على ظلمي لنفسي وإسرافي عليها لم أتخذ لك صدا ولا ندا ولا صاحبة ولا ولداً (3)، يا من لا تغلطه المسائل، يا من لا يشغله شيء عن شيء ولا سمع عن سمع ولا بصر عن بصر، ولا يبرمه إلحاح الملحين (4)، أسألك أن تفرّج عني في ساعتي هذه من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب، إنك تحيي العظام وهي رميم، وإنك على كلّ شيء قدير، يا من قل شكري له فلم يحرمني، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني على المعاصي فلم يجبهني (5). وخلقني للّذي خلقني له فصنعت غير الّذي خلقني له فنعم المولى أنت يا سيدي وبئس العبد أنا وجدتني، ونعم الطالب أنت ربي وبئس المطلوب [أنا] ألفيتني (6)، عبدك وابن عبدك وابن أمتك بين يديك ما شئت صنعت بي اللّهمّ هدأت الأصوات وسكنت الحركات وخلا كلّ حبيب بحبيبه، وخلوت بك أنت المحبوب إليَّ فاجعل خلوتي منك الليلة العتق من النّار يا من ليست لعالم فوقه صفة، يا من ليس لمخلوق دونه منعة (7) يا أول قبل كلّ شيء ويا آخر بعد كلّ شيء، يا من ليس له عنصر (8)، ويا من ليس لآخره فناء، ويا أكمل منعوت ويا أسمح المعطين ويا من يفقه بكلّ لغة يدعى بها وبا من عفوه قديم،

ص: 558


1- أي حكمتهم أو قضاءهم.
2- الإحفاء الإلحاح في المسألة، والمعنى: أن السائل مهما ألح عليك في المسألة فإنه لا يشق عليك ولا يتعبك بل : إن إلحاحه محبوب مرغوب لديك.
3- أي لم أشرك بعبادتك أحداً ممّا فعله المشركون والمغضوب عليهم والضالون.
4- أي لا يمله ولا يضجره مبالغة عباده في مسألته.
5- أي لم تردّني وتمنعني، أو لم تلقني بما أكره.
6- أي وجدتني.
7- أي قوة تمنع من يريده بسوء - كما في النهاية -.
8- «أي علة فاعلية وأجزاء مادية صورية. وقد يراد بالعنصر : الأصل والمعنى ليس لأوله ابتداء» المازندراني 445/10 بتصرّف.

وبطشه،شديد وملكه مستقيم، أسألك باسمك الّذي شافهت به موسی(1)، یا اللّه یا رحمن، یا لا إله إلّا أنت اللّهمّ أنت الصمد أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تدخلني الجنّة برحمتك.

34 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس قال: قلت : للرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علّمني دعاء وأوجز (2)، فقال: قل: «يا من دلّني على نفسه (3) وذلل قلبي بتصديقه (4) أسألك الأمن والإيمان».

35 - عليّ بن أبي حمزة ؛ عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أن رجلا أتى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين كان لي مال ورثته ولم أنفق منه درهماً في طاعة اللّه عزّ وجلّ، ثمّ اكتسب منه مالاً فلم أنفق منه درهماً في طاعة اللّه (5)، فعلّمني دعاء يخلف عليَّ ما مضى ويغفر لي ما عملت أو عملاً أعمله (6)، قال : قل : قال : وأي شيء أقول يا أمير المؤمنين؟ قال : قل كما أقول: «يا نوري في كلّ ظلمة (7)، ويا أنسي في كلّ وحشة، ويا رجائي في كلّ كربة ويا ثقتي في كلّ شدّة ويا دليلي في الضلالة، أنت دليلي إذا انقطعت دلالة الأدلاء، فإن دلالتك لا تنقطع ولا يضل من هديت أنعمت عليَّ فأسبغت، ورزقتني فوفّرت، وغذيتني فأحسنت غذائي، وأعطيتني فأجزلت بلا استحقاق لذلك بفعل مني ولكن ابتداء منك لكرمك وجودك، فتقويت بكرمك على معاصيك، وتقويت برزقك على سخطك، وأفنيت عمري فيما لا تحبُّ، فلم يمنعك جرأتي عليك وركوبي لما نهيتني عنه ودخولي فيما حرمت عليَّ أن عُدْتَ عليَّ بفضلك، ولم يمنعني حلمك عني وعودك عليَّ بفضلك وإن عدت في معاصيك، فأنت العواد بالفضل وأنا العواد بالمعاصي، فيا أكرم من أقر له بذنب وأعزّ من خضع له بذلّ، لكرمك أقررت بذنبي، ولعزّك خضعت بذلّي، فما أنت صانع بي في كرمك وإقراري بذنبي، وعزّك وخضوعي بذلّي افعل بي ما أنت أهله (8) ولا تفعل بي ما أنا أهله» (9).

ص: 559


1- هذا كناية عن شدة القرب والكلام بلا آلة نطق.
2- أي اختصر.
3- أي على ذاته المقدسة من حيث الوجود ومن حيث ما يليق به من صفات جمال وجلال وأفعال.
4- أي بالإيمان به وبما جاء به رسوله من كتاب وأحكام.
5- الظاهر من هذا أنّه أنفقه في معصية اللّه سبحانه، ويحتمل إنفاق بعضه في المباحات من دون نية التقرب إليه تعالى فلا يترتب عليه ثواب الطاعة.
6- أي : أو علمني عملاً أعمله.
7- شبه الهادي بالنور والجهالة بالظلمة.
8- من سعة رحمتك وكرمك.
9- من الخذلان والأخذ بالعقوبة والحرمان.

ص: 560

كتاب فضل القرآن

إشارة:

كتاب فضل القرآن (1)

في تمثّل القرآن وشفاعته لأهله

1 - عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس عن الحسين بن عبد الرحمن، عن سفيان الحريري، عن أبيه، عن سعد الخفاف، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا سعد تعلموا القرآن، فإنَّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة (2) نظر إليها الخلق، والنّاس صفوف (3) عشرون ومائة ألف صفٌ؛ ثمانون ألف صف أمة محمّد، وأربعون ألف صف من سائر الأمم، فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلّم فينظرون إليه ثمّ يقولون : لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، إنَّ هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته وصفته (4) غير أنّه كان أشدُّ اجتهاداً منا في القرآن، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نُعْطَه، ثمّ يجاوز حتّى يأتي على صف الشهداء فينظرون إليه [الشهداء] ثمّ يقولون : لا إله إلّا اللّه الرَّبُّ الرَّحيم، إنَّ هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسَمْته (5) وصفته غير أنّه من شهداء البحر، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه قال : فيتجاوز حتّى يأتي [على] صف شهداء البحر في صورة شهيد فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم ويقولون : إنَّ هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته، غير أن الجزيرة الّتي أصيب فيها كانت أعظم هولاً من الجزيرة الّتي أصبنا فيها فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه، ثمّ يجاوز حتّى يأتي صف النبيّين والمرسلين في صورة نبي مرسل، فينظر النبيون والمرسلون إليه فيشتد لذلك تعجبهم ويقولون : لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، إنَّ هذا النبي مرسل نعرفه بسمته وصفته غير أنّه أعطي فضلاً كثيراً، قال: فيجتمعون (6) فيأتون

ص: 561


1- القرآن في اللغة هو الجمع والتأليف، ومن هنا سمي كتاب اللّه قرآناً لأنه جمع أغراضاً متعددة بعضها إلى البعض الآخر بين دفتيه من العقائد إلى الأحكام إلى القصص إلى العظة إلى الأخلاق...
2- لا يبعد أن يجسم القرآن يوم القيامة في أحسن خلقة كما ورد في تجسّم الأعمال يومئذ، وقد ذهب إليه بعض العلماء.
3- أي حالة كون النّاس صفوفاً.
4- «إنما يعرفونه بنعته ووصفه لأنهم كانوا يتلونه، وإنما وصفوا اللّه بالحلم والكرم والرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في في جنبه من النقص والقصور الناشين من تقصيرهم فهم يرجون من اللّه العفو والكرم والرحمة» مرآة المجلسي 475/102.
5- السمت الطريق، ویراد به هنا حسن الظاهر.
6- يعني النبيّين.

رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيسألونه ويقولون : يا محمّد من هذا؟ فيقول لهم : أو ما تعرفونه؟ فيقولون ما نعرفه هذا ممّن لم يغضب اللّه عليه(1)، فيقول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هذا حجة اللّه على خلقه (2)، فيسلّم ثمّ يجاوز حتّى يأتي على صفّ الملائكة في صورة ملك مقرب، فتنظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله ويقولون : تعالى ربّنا وتقدَّس، إنَّ هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته وصفته، غير أنّه كان أقرب الملائكة إلى اللّه عزّ وجلّ مقاماً، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس ثمّ يجاوز حتّى ينتهي إلى ربّ العزّة (3) تبارك وتعالى، فيخر تحت العرش فيناديه تبارك وتعالى : يا حجّتي في الأرض، وكلامي الصادق الناطق، ارفع رأسك وسَلْ تُعْطَ، واشفَع تُشَفّع، فيرفع رأسه فيقول اللّه تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي ؟ فيقول : يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيّع شيئاً، ومنهم من ضيعني واستخف بحقي وكذَّب بي، وأنا حجتك على جميع خلقك، فيقول اللّه تبارك وتعالى : (وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لأثيبن عليك اليوم أحسن الثواب، ولأعاقبنَّ عليك اليوم أليم العقاب). قال : فيُرجعُ (4) القرآن رأسه في صورة أخرى ؛ قال : فقلت له : يا أبا جعفر في أي صورة يرجع ؟ قال : في صورة رجل شاحب متغيّر (5) يبصره أهل الجمع (6)، فيأتي الرجل من شيعتنا الّذي كان يعرفه ويجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول : ما تعرفني ؟ فينظر إليه الرجل فيقول : ما أعرفك يا عبد اللّه، قال : فيرجع في صورته الّتي كانت في الخلق الأوّل (7) ويقول : ما تعرفني؟ فيقول : نعم، فيقول القرآن : أنا الّذي أسهرتُ ليلك وأنصَبْتُ (8) عيشك، سمعت الأذى ورجمت (9) بالقول في، ألا وإن كلّ تاجر قد استوفى تجارته وأنا وراءك اليوم، قال : فينطلق به إلى ربّ العزّة

ص: 562


1- «يعني إنما نعرفه بهذا الوجه الّذي لا يفيد تعيينه وهو أنّه لم يفعل شيئاً يوجب غضب اللّه عليه ولو كان ترك الأولى» المازندراني 4/11.
2- ووجه كونه حجة على الخلق لأنه بين لهم كلّ ما ينبغي لهم أن يعملوه أو يتركوه، ووعظهم ورباهم وبشرهم وأنذرهم ورغبهم وحذرهم وخوفهم وساق لهم ما فيه اعتبارهم لو اعتبروا الخ.
3- أي إلى عرضه وموضع مناجاته.
4- في بعض النسخ (فيرفع).
5- «الشاحب : من تغير لونه من جوع أو هزال أو غيره والوصف للتوضيح، وكأن هذه الصورة هي الّتي حدثت بملامسة العصاة، وهي موجودة أيضاً في هذه الدار إلّا أنّها لا تراها الأبصار... وقيل : سبب رجوعه إلى هذه الصورة سماعه الوعيد الشديد، وهو وإن كان على غيره لكنه لا يخلو من التأثير في من اطلع عليه» المازندراني 5/11.
6- أي يرى أهل الموقف ذلك التغير الّذي طرأ عليه.
7- أي صورته الكاملة الحسن الناشئة في الأصل من الأصل من ذاته وكمالاته.
8- أي اتعبت.
9- أي طُردت ولعنت وشتمت بسبب متابعتك أحكامي وإيمانك بأني من عند اللّه.

تبارك وتعالى فيقول : يا رب يا ربّ عبدك وأنت أعلم به قد كان نَصِباً بي(1)، مواظباً عليَّ، يعادى بسببي ويحب في ويبغض، فيقول اللّه عزّ وجلّ: (أدخلوا عبدي جنتي واكسوه حلة من حلل الجنّة وتوجوه بتاج، فإذا فعل به ذلك عُرضَ على القرآن) فيقال له : هل رضيت بما صُنِعَ بوليك؟ فيقول : يا ربّ إنّي أستقل هذا له فزده مزيد الخير كله، فيقول: (وعزتي وجلالي وعلوي وارتفاع مكاني لأنحلنّ له (2) اليوم خمسة أشياء مع المزيد له ولمن كان بمنزلته، إلّا أنّهم شباب لا يهرمون، وأصحاء لا يسقمون وأغنياء لا يفتقرون وفرحون لا يحزنون وأحياء لا يموتون). ثمّ تلا هذه الآية (لا يذقون فيها الموت إلّا الموتة الأولى (3)) قال (4) قلت : جُعلتُ فداك يا أبا جعفر وهل يتكلّم القرآن؟ فتبسم ثمّ قال : رحم اللّه الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم، ثمّ قال : نعم يا سعد والصلاة تتكلّم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى، قال سعد: فتغير لذلك لوني وقلت هذا شيء لا أستطيع [أنا] أتكلّم به في النّاس(5)، فقال أبو جعفر : وهل النّاس إلّا شيعتنا، فمن لم يعرف الصلاة (6) فقد أنكر حقنا. ثمّ قال : يا سعد أسمعك كلام القرآن؟ قال :سعد فقلت بلى صلّى اللّه عليك، فقال: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) فالنهي كلام والفحشاء والمنكر رجال ونحن ذكر اللّه ونحن أكبر.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أيّها النّاس إنّكم في دار هدنه (7)، وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كلّ جديد، ويقربان كلّ بعيد، ويأتيان بكل موعود فأعدوا الجهاز لبعد المجاز (8)، قال : فقام المقداد بن الأسود

ص: 563


1- أي تعِباً بسببي.
2- أي لاعطين له.
3- الدخان 56. والضمير في (فيها) يرجع إلى الجنّة والموتة الأولى : تلك الّتي ذاقوها في الدنيا.
4- أي سعد الخفاف.
5- «والظاهر أن المراد بالتكلم التكلم باللسان وإن سعداً لم يشك فيه بعد سماعه من المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنما سأل لتقريره وتثبيته ذلك في الذهن، لكونه أمراً مستبعداً بين النّاس فلذلك قال : لا أستطيع الخ.. أو قال ذلك تعجباً وفزعاً: المازندراني 7/11. وأما الفيض (رضیَ اللّهُ عنهُ) فقد ذكر في الوافي ج 209/5 أن المقصود من «تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى وهذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي وكذا تكلم الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها وحقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين...».
6- أي بوصف كونها ناطقة، أو كما وصفها (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7- الهدنة : لغة السكون والصلح والموادعة بين كلّ متحاربين. ولكنها هنا بمعنى آخر سوف يوضحه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مكان لاحق من هذا الحديث.
8- أي لطول السفر وبعد المقصد. وذاك السفر يحتاج إلى زاد من نوع خاص هو الطاعات والقربات.

فقال : يا رسول اللّه وما دار الهدنة؟ قال: دار بلاغ (1) وانقطاع (2)، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع (3) وماحل مصدق (4) ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلُّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل (5) وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حُكْم (6) وباطنه علم ظاهره أنيق (7) وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم (8)، لا تُحصى عجائبه، ولا تبلی غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة(9)، فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره، ينجو من عَطَب (10) ويتخلص من نَشَب (11)، فإنّ التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلّص (12) وقلّة التربص (13).

3 - عليّ، عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ العزيز الجبار أنزل عليكم كتابه وهو الصادق البار، فيه خبركم وخبر من قبلكم وخبر من بعدكم وخبر السماء والأرض، ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك (14) لتعجّبتم.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي

ص: 564


1- البلاغ : اسم لما يتبلّغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب، فالهدنة على هذا هي كناية عن المهلة الّتي تعطى للإنسان في الدنيا عمره ليتزود فيها بما ينفعه في آخرته.
2- أي انفصال عن الدنيا إلى الآخرة بالموت.
3- أي مقبول الشفاعة لمن شفع له.
4- الماحل : المجادل والمخاصم، أي أنّه مقبول القول يخصم بين يدي اللّه سبحانه من نبذه وراء ظهره ولم يعمل بمقتضاه.
5- تحصيل الشيء : تحقيقه وإثباته.
6- «يعني إن ظاهره وهو الفاظه وعباراته وأسلوبه وآياته حاكم قاض لنا وعلينا. أو كلام مانع من الجهل والسفه وينهى عنهما، أو محكم متقن لا اختلاف فيه ولا اضطراب» المازندراني 11/11.
7- الأنيق ما حسن ظاهره فأعجب ناظره.
8- أي «أن معانيه مترتبة غير محصورة يظهر بعضها من بعض ويطلع بعضها عقيب بعض» المازندراني 11/11.
9- «يعني أن القرآن دليل على المعرفة لمن عرف وصف القرآن للأشياء ونطقه بأحوالها الّتي من جملتها الولاية إذ لا تتم المعرفة بدون معرفتها، أو لمن عرف نعته وصفته من الغرائب والعجائب والمزايا المندرجة فيه» ن. م.
10- العطب : الهلاك.
11- النَشَب: من نَشَب في الشيء إذا وقع فيما لا نجاة له منه، وهو كناية عن الهلاك.
12- أي النجاة من الباطل.
13- أي قلة التلبث والانتظار.
14- أي عما في القرآن من أخبار الماضين والآتين وغرائب السماوات والأرض وعجائبهما.

الجارود (1)، قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أنا أوّل وافد على العزيز الجبار يوم القيامة، وكتابه وأهل بيتي ثمّ أمتي، ثمّ أسألهم ما فعلتم بكتاب اللّه وبأهل بيتي.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى، ومصابيح الدّجى (2)، فليجل جال بصره، ويفتح للضياء نظره، فإنّ التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في لظلمات بالنور.

6 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان في وصيّة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه : اعلموا أن القرآن هدى النّهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة (3).

7 - علي،، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شكا رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وجعاً في صدره فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : استشف بالقرآن فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وشفاء لما في الصدور) (4)

8 - أبو علي الأشعري عن بعض أصحابه، عن الخشّاب (5)، رفعه قال : قال أبو عبد اللّه : (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا واللّه لا يرجع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبداً، ولا إلى بني أمية أبداً، ولا في ولد طلحة والزبير أبداً، وذلك (6) أنهم نبذوا القرآن وأبطلوا السنن وعطلوا الأحكام، وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : القرآن هدى من الضّلالة، وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأحداث (7)، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من الفتن وبلاغ من الدُّنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد عن القرآن إلّا إلى النّار (8).

ص: 565


1- هو زياد بن المنذر.
2- الدجى الظلمة ويراد بها هنا الشبهة والبدعة من باب الاستعارة.
3- «يعني أن القرآن هدى للمؤمنين في النهار ونور لهم في الليل المظلم في حال شدة ومشقة من التباس الفتن وتوارد الشبهات إذ يهديهم إلى الحق وسلوك سبيله وفي حال الفقر والفاقة إذ يحملهم على الصبر لجزيل الأجر أو يدفعها عنهم بالخاصية أو بعض الآيات والسور الموجبة لزيادة الرزق...» المازندراني 14/11.
4- يونس / 57 دل على أنّه بقراءته وتدبر آياته والتحرز به شفاء للأمراض الجسمية والنفسية.
5- واسمه الحسن بن موسى.
6- أي عدم رجوع الإمامة إلى من ذكر، وذلك واضح لأن الإمامة امتداد للنبوة، والإمام يجب أن يكون كالنبي عالماً : بالقرآن ظاهره وباطنه محكمه ومتشابهه ناسخه و منسوخه عامه وخاصه مطلقه ومقيده، وعاملا بما فيه كذلك.
7- الأحداث : جمع حدث وهو الأمر المنكر، وغالباً ما يطلق على البدعة ولذلك ورد (وشر الأمور محدثاتها).
8- لأنه الحق، وهل بعدد الحق إلّا الضلال؟.

9 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ القرآن زاجر وآمر، يأمر بالجنّة ويزجر عن النار.

10 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن سعد الإسكاف قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أعطيت السور الطوال (1) مكان التوراة، وأعطيت المئين (2) مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني (3) مكان الزبور، وفُضَّلت بالمفصّل(4) ثمان وستون سورة، وهو مهيمن (5) على سائر الكتب والتوراة لموسى، والإنجيل لعيسى والزبور لداود.

11 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يجيىء القرآن يوم القيامة في أحسن منظور إليه صورةً، فيمرُّ بالمسلمين فيقولون: هذا الرّجل منا فيجاوزهم إلى النبيّين فيقولون : هو منا، فيجاوزهم إلى الملائكة المقربين فيقولون : هو منا، حتّى ينتهي إلى ربِّ العزّة عزّ وجلّ فيقول : يا ربّ فلان بن فلان أظمأت هواجره (6)، وأسهرت ليله في دار الدُّنيا، وفلان بن فلان لم أظمأ هواجره ولم أسهر ليله، فيقول تبارك وتعالى : أدخلهم الجنّة على منازلهم فيقوم فيتبعونه، فيقول للمؤمن : إقرأ وارقه(7)، قال : فيقرأ ويرقى حتّى يبلغ كلّ رجل منهم منزلته الّتي هي له فينزلها.

12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد وسهل ابن،زياد جميعاً، عن ابن محبوب عن مالك بن عطية، عن يونس بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن الدواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النعم وديوان فيه الحسنات وديوان فيه السيئات، فيقابل بين ديوان النعم وديوان الحسنات فتستغرق النعم عامة الحسنات (8)، ويبقى

ص: 566


1- السبع الطوال من السور هي : البقرة آل عمران، النساء المائدة الأنعام الأعراف، والقرينتان الأنفال والتوبة، سميتا بذلك لعدم الفصل بينهما بالبسملة. وقيل السابعة : يونس. وسميت بالطوال لأنها أطول سور القرآن.
2- أراد بالمئين كلّ سورة تبلغ آياتها المائة آية أو تنقص عنها يسيراً أو تزيد عليها كذلك.
3- أول المثاني سورة يونس وآخرها سورة النحل، وإنما سميت المثاني لأنها ثنيت الطوال، وقيل: المراد بالمثاني سورة الحمد وهو مروي عنهم (عَلَيهِ السَّلَامُ). وقيل المراد بالمثاني كلّ سور القرآن لقوله تعالى في الآية 23 من سورة الزمر (اللّه نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني. وقيل سميت المثاني لأن اللّه ثنى فيه القصص والأخبار والحدود والأحكام والأمثال الخ).
4- سور المفصل من بعد الحواميم إلى آخر القرآن سميت بذلك لكثرة الفصول بين سورها بالبسملة.
5- أي شاهد.
6- الهواجر جمع الهاجرة تقال لنصف النهار عند اشتداد الحر.
7- أي اقرأ آية واصعد درجة من درجات الجنّة. كما سيصرح به في حديث آت.
8- أي تنفد حسنات العبد بما يقابلها من النعم ويبقى من النعم ما لا يقابله من الحسنات والديوان جريدة الحساب.

ديوان السيئات فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدّم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا ربّ أنا القرآن، وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي، ويطيل ليله بترتيلي، وتفيض عيناه إذا تهجد، فأرضِهِ كما أرضاني. قال : فيقول العزيز الجبار: عبدي أبسُطُ يمينك فيملأها من رضوان اللّه العزيز الجبار، ويملأ شماله من رحمة اللّه، ثمّ يقال : هذه الجنّة مباحة لك فاقرأ واصعد فإذا قرأ آية صعد درجة.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني، جميعاً، عن القاسم ابن محمّد، عن سليمان بن داود عن سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: قال علي ابن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لومات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت (1) بعد أن يكون القرآن معي. وكان (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا قرأ (مالك يوم الدّين) يكررها حتّى كاد أن يموت.

14 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن إسحاق بن غالب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا جمع اللّه عزّ وجلّ الأولين والآخرين، إذا هم بشخص قد أقبل لم يُر قط أحسن صورة منه، فإذا نظر إليه المؤمنون وهو القرآن قالوا : هذا منا، هذا أحسن شيء رأينا، فإذا انتهى إليهم جازهم، ثمّ ينظر إليه الشهداء حتّى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم فيقولون : هذا القرآن، فيجوزهم كلّهم حتّى إذا انتهى إلى المرسلين فيقولون : هذا القرآن فيجوزهم حتّى ينتهي إلى الملائكة فيقولون: هذا القرآن فيجوزهم (2) [ثمَّ ينتهي ] حتّى يقف عن يمين العرش فيقول الجبار وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمنَّ اليوم من أكرمك ولأهينن من أهانك.

باب فضل حامل القرآن

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن السكونيّ (3)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنَّ أهل

ص: 567


1- كناية عن بقائه وحده على هذه الأرض.
2- لا منافاة بين مضمون هذا الخبر من أن من ذكر يعرفون أنّه القرآن بعينه وبين ما ورد في مضمون الخبر الأوّل من هذا الباب من أنهم إنما يعرفونه بنعته وسمته وصفته دون عينه لاحتمال اختلاف المقامين أو الوقتين أو اختلاف القائلين.
3- واسمه إسماعيل بن أبي زياد.

القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيّين والمرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فإن لهم من اللّه العزيز الجبار لمكاناً عليّاً.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الحافظ للقرآن العامل به مع السِّفَرَة الكرام البررة (2).

3 - وبإسناده، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : تعلّموا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شاب جميل شاحب اللون فيقول له القرآن : أنا الّذي كنتُ أسهرت ليلك وأظمات هواجرك وأجفَفْتُ ريقك وأسلْتُ دمعتك، أؤول معك حيثما ألتَ، وكلُّ تاجر من وراء تجارته، وأنا اليوم لك من وراء تجارة كلّ تاجر، وسيأتيك كرامة [من] اللّه عزّ وجلّ فأبشر، فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويعطى الأمان بيمينه والخلد في الجنان بيساره، ويكسى حلتين ثمّ يقال له : إقرء وارقَهُ، فكلما قرء آية صعد درجة، ويكسى أبواه حلّتين إن كانا مؤمنين ثمّ يقال لهما : هذا لما علمتماه القرآن.

4 - ابن محبوب، عن مالك بن عطية عن منهال القصاب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن، اختلط القرآن بلحمه ودمه (3)، وجعله اللّه عزّ وجلّ مع السِّفَرَة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً(4) عنه يوم القيامة، يقول: يا ربِّ إِنَّ كلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلغ به أكرم عطاياك، قال : فيكسوه اللّه العزيز الجبار حلتين من حلل الجنّة، ويوضع على رأسه تاج الكرامة، ثمّ يقال له (5) : هل أرضيناك فيه ؟ فيقول القرآن : يا ربّ قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، فيعطى الأمن بيمينه والخُلد بيساره، ثمّ يدخل الجنّة فيقال له اقرأ واصعد درجة، ثمّ يقال له : هل بلغنا به وأرضيناك فيقول: نعم. قال (6): ومن قرأه : كثيراً، وتعاهده بمشقة من شدَّة حفظه أعطاه اللّه عزّ وجلّ أجر هذا مرَّتين.

5 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ بن عبد اللّه، وحميد بن زياد، عن

ص: 568


1- المراد بأهل القرآن حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
2- السُّفَرَة : جمع سافر وهو - كما في النهاية - الكاتب لأنه يبين الشيء. والمراد بالسِّفَرَة هنا الملائكة. والبَرَرَة : جمع بارّ وهو المطيع اللّه المنزّه عن النقائص.
3- أي حاجزا ومانعا يمنع بين أهوال يوم القيامة وبينه.
4- «يعني يؤثر في ظاهره وباطنه ويوجب استقامة أعضائه وقلبه وجوارحه...» المازندراني 21/11.
5- أي للقرآن الشافع له.
6- أي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

الخشّاب جميعاً، عن الحسن بن عليّ بن يوسف، عن معاذ بن ثابت، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ أحقَّ النّاس بالتخشع في السر والعلانية(1) لَحَامِلُ القرآن، وإن أحقَّ النّاس في السر والعلانية بالصّلاة والصوم لَحَامِلُ القرآن، ثمّ نادى بأعلى صوته : يا حامل القرآن تواضع به يرفعك اللّه ولا تعزّز به فيذلك اللّه، يا حامل القرآن تزين به اللّه يزينك اللّه [به] ولا تزين به للناس (2) فيشينك اللّه به، من ختم القرآن فكأنما أدرجت النبوَّة بين جنبيه ولكنّه لا يوحى إليه، ومن جمع القرآن فنوله (3) لا يجهل مع من يجهل عليه ولا يغضب فيمن يغضب عليه، ولا يحدُّ (4) فيمن يحد، ولكنه يعفو ويصفح ويغفر ويحلم لتعظيم القرآن، ومن أوتي القرآن فظن أن أحداً من النّاس أوتي أفضل ممّا أوتي فقد عظم ما حقّر اللّه وحقّر ما عظم اللّه.

6 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ بن عبد اللّه عن عبيس بن هشام، قال: حدَّثنا صالح القماط، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : النّاس أربعة (5)، فقلت : جعلت فداك وما هم ؟ فقال : رجل أوتي الإيمان ولم يؤتَ القرآن(6)، ورجل أوتي القرآن ولم يؤت الإيمان ورجل أوتي القرآن واوتي الإيمان (7) ورجل لم يؤت القرآن ولا الإيمان، قال: قلت : جُعِلتُ فِداك فسّر لي حالهم، فقال: أما الّذي أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن فمثله كمثل الثمرة طعمها حلو ولا ريح لها، وأما الّذي أوتي القرآن ولم يؤت الإيمان فمثله كمثل الآس (8) ريحها طيب وطعمها مر، وأما من أوتي القرآن والإيمان فمثله كمثل الأترّجة (9) ريحها طيب وطعمها طيب، وأمّا الّذي لم يؤت الإيمان ولا القرآن فمثله كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها.

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني، جميعاً، عن القاسم ابن

ص: 569


1- أي بالجوارح والجوانح.
2- أي ليمدحوك ويثنوا عليك.
3- أي فحقه والمتوقع منه، والمعنى أن من جمع القرآن بحفظه والعمل به فالمتوقع منه ألا يجهل على من يجهل عليه.. الخ. و (في) في قوله (فيمن) بمعنى على أو مع.
4- من الحدّة وهي النزق والحمق.
5- أي أربعة أصناف.
6- أعم من أن يكون أمياً لا يعرف القراءة، أو أنّه يعرفها ولكنه يتهاون بقراءته، أو يقرؤه ولكنه لا يتعظ به ولا يعمل بمقتضاه والمراد بالإيمان التصديق باللّه ورسوله وبما جاء به من عنده.
7- كالمنافق الّذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان فيقرأ القرآن ولكنه لا يؤمن به ولا بما فيه ولا بأنه من عند اللّه.
8- آس جمع اسة شجرة معروفة.
9- الأترجة : ثمرة شجر بستاني من جنس الليمون ناعم الورق والحطب وهو أصناف مختلفة. ويقال : تُرجة، و: ترنجة.

محمّد، عن سليمان بن داود عن سفيان بن عيينة، عن الزهري قال : قلت لعليّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيُّ الأعمال أفضل قال : الحال المرتحل (1) قلت : وما الحال المرتحل قال : فتح القرآن، وختمه كلّما جاء بأوّله ارتحل في آخره وقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من أعطاه اللّه القرآن فرأى أنَّ رجلاً أعطي أفضل ممّا أعطي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً».

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن رشید عن أبيه، عن معاوية بن عمّار قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من قرأ القرآن فهو غني ولا فقر بعده وإلا ما به غنی (2).

9 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يا معاشر قراء القرآن اتقوا اللّه عزّ وجلّ فيما حملكم من كتابه، فإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون إنّي مسؤول عن تبليغ الرسالة وأمّا أنتم فتُسألون عما حملتم من كتاب اللّه وسنتي».

10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص قال سمعت موسی بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لرجل : أتحب البقا في الدنيا؟ فقال: نعم فقال : ولم؟ قال : لقراءة قل هو اللّه أحد، فسكت عنه فقال له بعد ساعة : يا حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن (3) علم في قبره ليرفع اللّه به من درجته، فإنَّ درجات الجنّة على قدر آيات القرآن يقال له : اقرأ وارق، فيقرأ ثمّ يرقى (4). قال حفص : فما رأيت أحداً أشدّ خوفاً على نفسه من موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولا أرجى النّاس منه (5) وكانت قراءته حُزْناً (6)،

ص: 570


1- «أي النازل المقيم والمنتقل، وقد فسّره (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمن يختم القرآن ثمّ يبتدىء به من أوله. قال ابن الأثير : هو الّذي يختم القراءة بتلاوته ثمّ يفتتح التلاوة من أوله شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ثمّ يفتح سيره أي يبتدىء به، ولذلك قراء مكة إذا ختموا القرآن بالتلاوة ابتدأوا وقرأوا الفاتحة وخمس آيات من أول سورة البقرة إلى قوله (وهم المفلحون) ثمّ يقطعون القراءة ويسمون ذلك الحال المرتحل» نقلاً عن المازندراني 26/11.
2- «أي إن لم يكن قرأ القرآن فليس هو بغني وإن جمع الأموال» مرآة المجلسي 488/12 «وذلك لأن في القرآن من المواعظ ما إذا اتعظ به استغنى عن غير اللّه في كلّ ما يحتاج إليه» الوافي للفيض ج 5 / 262.
3- أي قراءة القرآن.
4- أي يقرأ آية ثمّ يصعد درجة وهكذا.
5- لقد مر معنا في باب الخوف والرجاء من هذا المجلد بيان كيف أن العبد المؤمن دائماً تتنازعه حالتا الخوف من اللّه والرجاء لعفوه ورحمته، وإن في قلبه نورين نور خيفة ونور رجاء. وإنما يعرف خوف العبد من ربه بالهرب من معاصيه وكل ما يحتمل أنّه يوقعه فيما لا يحبه ويرضاه، وإنما يعرف بأنه راج بالإقبال على العبادات وسائر الطاعات خاشعاً متضرعاً.
6- أي قراءة تنبىء عن حزن قاريها، أو هي كناية عن حالة البكاء.

فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنساناً.

11 - علي، عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : حملة القرآن عرفاء (1) أهل الجنّة، والمجتهدون قوَّاد أهل الجنّة (2)، والرّسل سادة أهل الجنّة (3).

باب من يتعلم القرآن بمشقة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ؛ وسهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : إنّ الّذي يعالج القرآن (4) ويحفظه بمشقة منه وقلة حفظ له أجران (5).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن الصباح بن سيابة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من شدّد عليه في القرآن(6) كان له أجران ومن يسر عليه كان الأولين (7).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد، عن سليم الفراء، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلّم القرآن أو يكون في تعليمه (8).

باب من حفظ القرآن ثمّ نَسِيَهُ

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد

ص: 571


1- عرفاء جمع عريف، وهو - كما في النهاية - القيم بأمور القبيلة والجماعة.
2- أي العلماء المجتهدون في الدنيا هم قادة النّاس باعتبار أن النّاس سلموهم زمام أمورهم في دينهم ودنياهم من خلال أخذ أحكامهم عنهم ومتابعتهم والالتزام بفتاويهم فأوصلهم ذلك كله إلى الجنّة، فكأنهم قادوهم إليها.
3- وذلك لمزيد شرفهم وفضلهم على سائر أصناف النّاس.
4- أي يزاول تعلمه وقراءته وحفظه.
5- أجر على المشقة في تعلمه وأجر على ما يلقاه من صعوبة حفظه.
6- أي كان حفظه وتعلمه عليه صعباً عانى منه المشقة.
7- لعل المراد بالأولين السابقون الّذين سبقوا إلى الإيمان باللّه ورسوله مرآة المجلسي 490/12.
8- «الّذي يسبق إلى الأفهام من تعلم القرآن وتعليمه غالباً تحفظه بدوام الدرس والتلاوة وحملها على إطلاقها بحيث يتناول ضبطه تحفظاً وتلاوة وفهماً وتفقهاً ودراية أنسب» المازندراني 28/11.

الجبار جميعاً، عن ابن فضّال، عن أبي إسحاق ثعلبة بن ميمون، عن يعقوب الأحمر قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جُعِلْتُ فداك إني كنت قرأت القرآن فقلت مني (1) فادع اللّه عزّ وجلّ أن يعلّمنيه، قال : فكأنّه فزع لذلك فقال : علمك اللّه هو وإيانا جميعاً قال(2): ونحن نحو من عشرة ثمّ قال : السورة تكون مع الرّجل قد قرأها ثمّ تركها فتأتيه يوم القيامة في أحسن صورة وتسلّم عليه فيقول : من أنت فتقول: أنا سورة كذا وكذا فلو أنك تمسكت بي وأخذت بي لأنزلتك هذه الدرجة، فعليكم بالقرآن، ثمّ قال : إنّ من النّاس من يقرأ القرآن ليقال : فلان قارىء، ومنهم من يقرأ القرآن ليطلب به الدنيا ولا خير في ذلك (3)، ومنهم من يقرأ القرآن لينتفع به في صلاته وليله ونهاره.

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا(4)، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من نسي سورة من القرآن مثلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنّة فإذا رآها قال ما أنت ما أحسنك ليتك لي؟ فيقول : أما تعرفني ؟ أنا سورة كذا وكذا ولو لم تنسني رفعتك إلى هذا (5).

3 - ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن يعقوب الأحمر قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ عليَّ دَيْناً كثيراً، وقد دخلني (6) ما كان القرآن يتفلت مني، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : القرآنَ القرآنَ (7)، إنَّ الآية من القرآن والسورة لتجييء يوم القيامة حتّى تصعد ألف درجة - يعني في الجنّة - فتقول : لو حفظتني لبلغت بك ههنا.

4 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة ؛ وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن محسن بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ الرَّجل إذا كان يعلم السورة ثمّ نسيها أو تركها (8) ودخل الجنّة، أشرفت

ص: 572


1- فَلَت وأفلت وانفلت تخلّص وهذا كناية عن نسيانه له.
2- أي الراوي وهو يعقوب.
3- أي لا خير في قراءة من يقرأ القرآن رياء وسمعة أو لطلب الدنيا. أو لا خير في القارىء نفسه. أو لا خير فيه ولا في قراءته.
4- واسمه حميد بن المثنى.
5- أي إلى هذا المقام من الجنّة.
6- أي رابني ودخل نفسي الغم والحزن.
7- أي تعاهدوا القرآن والزموه.
8- أي ترك قراءتها.

عليه من فوق في أحسن صورة فتقول: تعرفني ؟ فيقول : لا، فتقول : أنا سورة كذا وكذا لم تعمل بي وتركتني أما واللّه لو عملت بي لبلغت بك هذه الدرجة وأشارت بيدها إلى فوقها.

5 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ بن عبد اللّه عن العباس بن عامر، عن الحجاج الخشاب، عن أبي كهمس الهيثم بن عبيد (1) قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رجل قرأ القرآن ثمّ نسيه - فرددت عليه ثلاثاً - أعليه فيه حرج؟ قال : لا(2).

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد؛ والحسين بن سعيد جميعاً عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد اللّه بن مسكان عن يعقوب الأحمر قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك إنه أصابتني هموم وأشياء لم يبق شيء من الخير (3) إلّا وقد تفلّت منّي منه طائفة حتّى القرآن لقد تفلّت مني طائفة منه، قال : ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن ثمّ قال : إنَّ الرّجل لينسى السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتّى تشرف عليه من درجة من بعض الدرجات فتقول: السلام عليك، فيقول : وعليك السّلام من أنت ؟ فتقول : أنا سورة كذا وكذا ضيعتني وتركتني، أما لو تمسكت بي بلغت بك هذه الدرجة، ثمّ أشار (4) بأصبعه ثمّ قال : عليكم بالقرآن فتعلموه، فإنَّ من النّاس من يتعلم القرآن ليقال فلان قارىء، ومنهم من يتعلّمه فيطلب به الصوت فيقال فلان حسن الصوت، وليس في ذلك خير، ومنهم من يتعلّمه فيقوم به في ليله ونهاره لا يبالي من علم ذلك ومن لم يعلمه (5).

باب في قراءته

1 - علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : القرآن عهد اللّه

ص: 573


1- وفي النجاشي (الهيثم بن عبد اللّه أبو كهمس كوفي عربي له كتاب ذكره سعد بن عبد اللّه في الطبقات).
2- ولكن الّذي يؤيد أنّه (الهيثم بن عبيد) كما هو مذكور هنا تصريح الشيخ الطوسي (قدّس سِرُّه) في كلّ من التهذيب 8 باب أحكام الطلاق الحديث 318 والاستبصارج 3 باب في أن المواقعة بعد الرجعة شرط لمن يريد أن يطلق طلاق العدة الحديث 1001 بأن أبا كهمس اسمه هيثم بن عبيد فراجع.
3- المنفي بقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا، هو الإثم، من دون نظر إلى فوات الأجر العظيم، وخسرانه الدرجة الرفيعة.
4- أي من الكمالات اللائقة في الإنسان.
5- أي الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ). دل الحديث على أن الثواب الجزيل إنما هو لمن يقرأ القرآن مخلصاً في نيته اللّه متجرداً عن كلّ من عداه وما عداه.

إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد، جميعاً، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود عن حفص بن غیاث عن الزهري قال: سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : آيات القرآن خزائن (1)، فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها.

باب البيوت الّتي يُقْرَأْ فيها القرآن

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن الفضيل بن عثمان، عن ليث بن أبي سليم رفعه قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن، ولا نتّخذوها قبوراً (2) كما فعلت اليهود والنصارى، صلوا في الكنائس والبيع (3) وعطلوا بيوتهم، فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره، واتسع أهله (4)، وأضاء لأهل السماء كما تضىء نجوم السماء لأهل الدُّنيا».

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد؛ والحسين بن سعيد جميعا عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن البيت إذا كان فيه المرء المسلم يتلو القرآن (5) يتراءاه (6) أهل السماء كما يترأى أهل الدُّنيا الكوكب الدري (7) في السماء

3 – محمّد، عن أحمد وعدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً، عن جعفر بن

ص: 574


1- إنما عبر عن آيات القرآن بالخزائن لما تحتويه من غرر المعاني ودور الحقائق ولباب الحكمة وعظيم الأحكام ولذيذ القصص والمؤثر من الموعظة والعبرة، كلّ ذلك بأوجز لفظ وافصحه، واسلس بيان وأبلغه.
2- «يعني لا تتخذوها مهجورة من التلاوة وهو من التمثيل البديع لأنه شبه النائم بالميت وشبه البيت الّذي لا تلاوة فيه بالقبر الّذي لا تتأنى العبادة من ساكنه. ويمكن أن يكون تشبيه البيت بالقبر في معنى الظلمة، بل هو الظاهر» المازندراني 32/11.
3- البيع : جمع بيعة وهي مكان عبادة النصارى والكنائس : جمع كنيسة وهي مكان عبادة النصارى واليهود أيضاً.
4- كناية عن تكاثرهم بالتوالد وزيادة أعدادهم ويحتمل أن المقصود بيان سعة معيشة أهله، بأن وسع عليهم في الرزق.
5- سواء كانت تلاوته في الليل أو النهار.
6- أي ينظرون إليه ويرونه.
7- أي الكوكب الشديد الإنارة، قال في النهاية : كأنه نُسِبَ إلى الدر تشبيهاً بصفائه.

محمّد بن عبيد اللّه، عن ابن القداح (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : البيت الّذي يُقرأ فيه القرآن ويُذكر اللّه عزّ وجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، وإن البيت الّذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يُذْكَرُ اللّه عزّ وجلّ فيه تقل بركته وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين

باب ثواب قراءة القرآن

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان عن معاذ بن مسلم، عن عبد اللّه ابن سليمان عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قرأ القرآن قائماً في صلاته كتب اللّه له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأه في صلاته جالساً كتب اللّه له بكل حرف خمسين حسنة، ومن قرأه في غير صلاته كتب اللّه له بكل حرف عشر حسنات.

قال ابن محبوب وقد سمعته عن معاذ على نحو ممّا رواه ابن سنان.

2 - ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما يمنعُ التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتّى يقرأ سورة من القرآن فتُكتَبُ له مكانَ كلّ آية يقرؤها عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات (2).

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم (3) أو غيره، عن سيف بن عَمِيرَة عن رجل عن جابر، عن مسافر (4)، عن بشر بن غالب الأسدي، عن الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قرأ آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ في صلاته قائماً يكتب له بكلّ حرف مائة حسنة، فإذا قرأها في غير صلاة كتب اللّه له بكل حرف عشر حسنات، وإن استمع

ص: 575


1- هو عبد اللّه بن ميمون القداح.
2- لا منافاة بين ما ورد في هذا الحديث من أنّه يكتب له بكل آية عشر حسنات وما ورد في الحديث السابق من أنّه يكتب له بكل حرف عشر حسنات أما أولاً : فلأنه ذكر هنا أنّه يمحى عنه أيضاً عشر سيئات فربما كان محوا لسيئات العشر عنه معادلاً لنسبة الحروف الزائدة في الآية عن الواحد وثانياً : لأن إثبات الحسنات ومحو السيئات إنما هو من باب التفضل وهذا له مراتب أو لأن الثواب إنما يختلف باختلاف مراتب القارئين وأوقات القراءة وفضيلة المقروء. وعلى هذا توجه الرواية التالية أيضاً.
3- الترديد من الراوي.
4- وكنيته أبو مسلم.

القرآن كتب اللّه له بكلّ حرف حسنة، وإن ختم القرآن ليلاً صلّت عليه الملائكة حتّى يصبح، وإن ختمه نهاراً صلّت عليه الحَفَظَة (1) حتّى يمسي، وكانت له دعوة مجابة، وكان خيراً له ممّا بين السماء إلى الأرض قلت هذا لمن قرأ القرآن فمن لم يقرأ؟ قال : يا أخا بني أسد إنَّ اللّه جواد ماجد كريم إذا قرأ ما معه أعطاه اللّه ذلك.

4 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن النضر بن سويد (2) عن خالد بن ماد القلانسي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من ختم القرآن بمكة (3) من جمعة إلى جمعة أو أقل من ذلك أو أكثر، وختمه في يوم جمعة، كتب له من الأجر والحسنات من أوَّل جمعة كانت في الدُّنيا إلى آخر جمعة تكون فيها، وإن ختمه في سائر الأيّام فكذلك(4).

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد؛ والحسين بن سعيد جميعاً، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن محمّد بن مروان، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كُتِبَ من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتِبَ من الخاشعين ومن قرأ ثلاث مائة آية كُتِبَ من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر (5) - القنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً - أصغرها مثل جبل أحد وأكبرها ما بين السماء إلى الأرض».

6 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد ابن

ص: 576


1- أي الملائكة الحفظة، وهم الموكلون بحفظه من المكاره أو الموكلون بكتابة أعماله وحفظها لمجازاته عليها.
2- في بعض النسخ (النضر بن سعيد) وكذا في الطبعة القديمة من مرآة العقول للمجلسي. وقد روى الشيخ الصدوق هذه الرواية بعينها في كتابه ثواب الأعمال وفيها (النضر بن شعيب) بدل (النضر بن سويد) ولا يبعد أن يكون هو الصحيح وذلك لأن النضر بن شعيب له روايات كثيرة في الكتب الأربعة والّذي يروي عنه كثيرا هو محمّد بن الحسين ووقع في طريق النجاشي والشيخ والصدوق إلى خالد بن ماد القلانسي،... وجزم القهبائي باتحاده مع النضر بن سويد وهو غريب إذ لا مقتضى لاحتمال الاتحاد فضلا عن الجزم به، فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 156/19 – 159.
3- يراد بها الحرم لا خصوص المسجد الحرام، أو البلد الحرام.
4- «لعل التعبير بهذا النحو للإشعار باختلاف مراتب الفضل وإن اشتراك الكل في ذلك الثواب، مثلاً الختم من الجمعة إلى الجمعة أفضل ممّا كان الختم فقط في الجمعة وهو أفضل ممّا إذا كان الابتداء والختم في ساير الأيّام» مرآة المجلسي 496/12.
5- التّبر: : الذهب والفضة أو فتاتهما قبل أن يصاغا، فإذا صيغا فهما ذهب وفضة. والواحدة : تبرة.

محمّد، جميعاً، عن عليّ بن حديد، عن منصور، عن محمّد بن بشير، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - قال (1) : وقد روي الحديث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) - قال : من استمع حرفاً من کتاب اللّه عزّ وجلّ من غير قراءة كتب اللّه له حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة، ومن قرأ نظراً من غير صوت كتب اللّه له بكل حرف حسينة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة، ومن تعلم منه حرفاً ظاهراً (2) كتب اللّه له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات. قال : لا أقول بكل آية ولكن بكلّ حرف باء أو تاء أو شبههما. قال : ومن قرأ حرفاً [ظاهراً] وهو جالس في صلاته كتب اللّه له به خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيّئة ورفع له خمسين درجة، ومن قرأ حرفاً وهو قائم في صلاته كتب اللّه له بكل حرف مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة ورفع له مائة درجة، ومن خَتَمَه كانت له دعوة مستجابة سؤخّرة أو معجّلة (3)، قال : قلت : جعلت فداك ختمه كلّه؟ قال : ختمه كلّه.

7 - منصور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعت أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ختم القرآن إلى حيث تعلم» (4).

باب قراءة القرآن في المصحف

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن يعقوب بن يزيد، رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قرأ القرآن في المصحف متع ببصره، وخُفّف(5) عن والديه وإن كانا كافرين.

2 - عنه عن عليّ بن الحسين بن الحسن الضرير عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد اللّه عزّ وجلّ به الشياطين.

3 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبد

ص: 577


1- أي أحد الرواة. ويحتمل أنّه من كلام المصنف.
2- ظاهراً : إما صفة لحرف فيكون المقصود ما يظهر عند النطق دون ما لا يظهر كالمدغم أو الساقط بسبب درج الكلام. أو صفة للتعلم فالمقصود هو الحفظ عن ظهر قلب.
3- قوله : مؤخرة أو معجلة، إما راجع إلى الدعوة فيكون تفصيلاً بين ما تعلق منها بأمر من أمور العاجلة أو الآجلة. وإما راجع إلى (مستجابة) فيكون تفصيلا في ظرف تحققها وإنه الآن أو مستقبلا.
4- «أي يعلم القارىء كلاً أو بعضاً فإذا علم القارىء بعضه وقرأه ولم يقدر على غيره فله أجر ختم القرآن كله» المازندراني 36/11.
5- أي العذاب. وسوف يأتي ما يدل عليه في الحديث رقم (4).

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ثلاثة يشكون إلى اللّه عزّ وجلّ: مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مُعَلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه.

4 - عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور، عن محمّد بن عمر بن مسعدة، عن الحسن بن راشد، عن جده، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قراءة القرآن في المصحف تخفف العذاب عن الوالدين ولو كانا كافرين.

5 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه ابن جبلة، عن معاوية بن وهب عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر قلبي فأقرأه على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف؟ قال : فقال لي : بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أنَّ النظر في المصحف عبادة (1).

باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن واصل بن سليمان، عن عبد اللّه بن سليمان قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) (2). قال : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : تنه تبياناً (3) ولا تهذه هذ الشعر (4)، ولا تنثره نثر الرَّمل (5)، ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية (6) ولا يكن هم أحدكم آخر السورة (7).

ص: 578


1- دل على أن مجرد النظر في المصحف أمر محبوب ومطلوب في ذاته وإن عليه أجراً غير أجر القراءة، وقد تقدم في الحديث رقم (6) من باب ثواب قراءة القرآن ثواب من قرأ نظراً من غير صوت أيضاً.
2- المزمل / 4.
3- دل على أن الترتيل هو إخراج الحروف من مخارجها بحيث تظهر متميزة بعضها عن بعض عند السامع. ولذا يقال : ترتيل وترسيل.
4- الهَذ: سرعة القطع. وهذ القرآن هذا إذا أسرع في قراءته كما يسرع في قراءة الشعر.
5- الرمل عند نثره يقع على الأرض متباعدة حبّاته وكأنه أراد بذلك التنبيه على أن المطلوب في الترتيل إخراج الحروف من مخارجها بحيث تظهر متميزة بعضها عن بعض ولكن ليس بحيث تخرج الحروف متقطعة منفصلا بعضها عن بعض كحبات الرمل عند نشرها وذلك لطول الفواصل بينها.
6- أي أخيفوا قلوبكم الغليظة بالتدبر في آياته وما ورد فيه من أخبار الأمم السالفة وكيف كفرت باللّه فأخذها سبحانه أخذ عزيز مقتدر، ولا ريب أن التدبر لا يمكن أن يتأتى إلّا لمن يقرأ القرآن بهدوء مترسلا في قراءته فاهماً مقاصده ومراميه.
7- أي همه أن يصل إلى آخر السورة فيسرع في قراءته كسرعته في قراءة الشعر فلا يلتفت إلى معانيه ولا يدرك مغازيه ومراميه.

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن القرآن نَزَل بالحزن (1) فاقرؤوه بالحزن (2).

3 - عليّ بن محمّد، عن إبراهيم الأحمر، عن عبد اللّه بن حماد، عن عبد عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «اقرؤوا القرآن بألحان(3) العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحونَ أهل الفسق (4) وأهل الكبائر، فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع (5) الغناء والنَّوح والرهبانية، لا يجوز تراقيهم (6)، قلوبهم مقلوبة(7)، وقلوب من يعجبه شأنهم».

4 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن حسن بن شمون قال : حدّثني عليّ بن محمّد النوفلي، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكرت الصوت عنده فقال: إنَّ عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقرأ فربّما مرَّ به المار فصعق (8) من حسن صوته، وإنَّ الإمام لو أظهر من ذلك (9) شيئاً لما احتمله النّاس من حسنه، قلت : ولم يكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يحمّل النّاس من خلفه ما يطيقون (10).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفراء عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أعرب القرآن فإنه عربي (11).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلي موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين.

ص: 579


1- «لاشتماله على ما يوجب الحزن من أحوال الحشر والنشر والثواب والعقاب وأحوال الأمم الماضية وإهلاكهم ومسخهم الخ» المازندراني 38/11.
2- أي بصوت يثير الحزن والخشوع في نفس القارىء والسامع.
3- أي بلغات العرب.
4- وهي الّتي تكون بنحو التطريب والتغني كما هو متعارف عند الفسّاق ممّا يوجب لسامعه خفة واهتزازاً.
5- الترجيع : مد الصوت وترديد القراءة.
6- التراقي - كما في المغرب - جمع الترقوة وهي عظام وصل بين نقرة النحر والعاتق من الجانبين، وهذا التعبير كناية عن عدم ارتفاع قراءتهم وعدم قبول اللّه لها.
7- كناية عن عدم قابليتها لاستقرار الإيمان فيها أو أي معنى من المعاني العظيمة الّتي تستبطنها آيات كتاب اللّه.
8- أي غشي عليه وذهب عقله من حسن صوته.
9- من حسن الصوت.
10- أي لم يكن يقرأ بصوت يمكنهم سماعه من دون أن يصعقوا، كما أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم يخاطب النّاس إلّا بقدر عقولهم.
11- «إما من أعرب كلامه إذا ظهر إعرابه ولم يلحن فيه، أو من أعرب بكلامه إذا أفصح به ولم يلحن في خروفه ومواده...» المازندراني 41/11.

7 - عنه عن عليّ بن معبد عن عبد اللّه بن القاسم، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «لم يعط أمتي أقل من ثلاث : الجمال والصوت الحسن والحفظ».

8 - عنه (1)، عن أبيه عن عليّ بن معبد، عن يونس، عن أبي عبد اللّه بن مسكان، عن بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ من أجمل الجمال الشَّعرَ الحسن، ونغمة الصوت الحسن (2)».

9 - عنه، عن عليّ بن معبد عن عبد اللّه بن القاسم، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لكلّ شيء حِلية وحلية القرآن الصوت الحسن»(3).

10 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن موسى بن عمر الصيقل، عن محمّد ابن عيسى، عن السكونيّ (4)، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما بعث اللّه عزّ وجلّ نبياً إلّا حسن الصوت.

11 - سهل [ بن زياد] عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه أحسن النّاس صوتاً بالقرآن، وكان السقاؤون يهرون فيقفون بيابه يسمعون قراءته، وكان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أحسن النّاس صوتاً.

12 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد الأسدي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن محمّد بن الفضيل قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يكره أن يقرأ (قل هو اللّه أحد) بنفس واحد.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا قرأتُ القرآن فرفعتُ به صوتي جاءني الشيطان فقال : إنما ترائي بهذا أهلَك والنّاسَ :قال يا أبا محمّد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ورجع بالقرآن صوتك فإنَّ اللّه عزّ وجلّ يحبُّ الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعاً (5).

ص: 580


1- أي عن عليّ بن إبراهيم.
2- قال في الصحاح : فلان حسن النغمة إذا كان حسن الصوت في القراءة.
3- لقد ورد في بعض الأخبار أن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً. وقد دل هذا الخبر كغيره من أخبار الباب لا على جواز تحسين الصوت في القراءة بل على رجحانه أيضاً.
4- واسمه إسماعيل بن أبي زياد، واسم أبي زياد مسلم.
5- للترجيع مراتب بعضها الغناء كما دل عليه قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الحديث السابق : (سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء). فمن عرف مراتبه وميز بينها وعرف مرتبة الغناء فالظاهر أنّه يجوز له ما دون هذه المرتبة... الخ» المازندراني 43/11. وعليه فيحمل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذا الحديث: ورجّع الخ على المرتبة الجائزة من الترجيع فلا منافاة بين الخبرين.

باب فيمن يظهر الغشية عند [قراءة] القرآن

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن إسحاق الضبي، عن أبي عمران الأرمني (1)، عن عبد اللّه بن الحكم، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت : إن قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم حتّى يُرَى أن أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك؟ فقال سبحان اللّه ذاك من الشيطان (2)، ما بهذا نعتوا (3) إنما هو (4) اللّين والرقّة والدمعة والوجل.

أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان، عن أبي عمران الأرمني، عن عبد اللّه ابن الحكم عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.

باب في كم يُقرأ القرآن ويُختم

1 1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن الحسين بن المختار، عن محمّد بن عبد اللّه قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أقرأ القرآن في ليلة؟ قال : لا يعجبني أن تقرأه في أقل من شهر (5).

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه، عن عليّ بن أبي حمزة

ص: 581


1- واسمه موسى بن رنجويه، وقد نص النجاشي على تضعيفه وكذا ابن الغضائري.
2- «لتصرفه فيه حتّى جعله على هذه الحالة أو لإغوائه حتّى يتصنع ذلك لإظهار كما له عند النّاس» المازندراني 44/11.
3- أي وصفوا والمقصود بهم من لهم أهلية التأثر عند سماع آيات اللّه.
4- أي أن الّذي وصف به المؤمنون عندما تتلى عليهم آيات اللّه هو الوجل وغيره من الصفات المذكورة، ولعله إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنفال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا...) وإلى قوله تعالى في سورة الإسراء: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ... وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا).
5- ليس لازم ذلك تعين قراءة جزء من القرآن في كلّ يوم وليلة ليتطابق عدد أيام الشهر مع عدد أجزائه، مع احتمال ذلك.

قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له أبو بصير : جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة ؟ فقال : لا، قال : ففي ليلتين؟ قال : لا، قال : ففي ثلاث؟ قال: ها وأشار بيده (1)، ثمّ قال : يا أبا محمّد إنَّ لرمضان حقاً وحرمة لا يشبهه شيء من الشهور، وكان أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل، إن القرآن لا يقرأ هذرمة (2) ولكن يرتل ترتيلاً، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فقف عندها وسل اللّه عزّ وجلّ الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار فقف عندها وتعوّذ باللّه من النار.

3 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن النعمان، عن يعقوب بن شعیب، عن حسين بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : في كم أقرأ القرآن؟ فقال : إقرءه أخماساً (3)، إقرءه أسباعاً(4)، أما إن عندي مصحفاً مجزى أربعة عشر جزءاً (5).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد خالد بن عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن عليّ بن المغيرة، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إن أبي سأل جدَّك، عن ختم القرآن في كلّ ليلة فقال له :جدك كلّ ليلة فقال له في شهر رمضان، فقال له جدّك : في شهر رمضان فقال له أبي : نعم ما استطعت فكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان، ثمّ ختمته بعد أبي فربما زدت وربما نقصت على قدر فراغي وشغلي ونشاطي وكسلي، فإذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ختمة، ولعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخرى، ولفاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخرى، ثمّ للأئمّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى انتهيت إليك فصيّرت لك واحدة منذ صرت في هذا الحال(6) فأي شيء لي بذلك؟ قال: لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة، قلت: اللّه أكبر [ف] لي بذلك ؟ قال : نعم ثلاث مرّات.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي

ص: 582


1- ها كما في النهاية كلمة تنبيه للمخاطب على ما يساق إليه من الكلام، وإشارته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده تحتمل تقرير أبا بصير على الثلاث ليال كما تحتمل طلب السكوات والإصغاء.
2- الهذرمة - كما في النهاية - السرعة في الكلام، وقد مر النهي عن الهذ في القراءة، وقلنا هناك بأن الهذ السرعة في القراءة.
3- أي جزءه خمسة أجزا واقرأ في كلّ يوم منه جزء.
4- أي جزءه سبعة أجزاء.
5- أي كان (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقرأه في أسبوعين.
6- أي منذ اعتنقت مذهب التشيع، أو منذ دأبت على هذا العمل في ختم القرآن.

حمزة قال : سأل أبو بصير أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا حاضر فقال له : جعلت فداك أقرأ القرآن في ليلة؟ فقال : لا، فقال في ليلتين ؟ فقال : لا حتّى بلغ ست ليال فأشار بيده فقال : ها، ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا محمّد إنّ من كان قبلكم من أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يقرأ القرآن في شهر وأقلّ، إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلاً إذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوّذت باللّه من النّار، فقال أبو بصير : أقرأ القرآن في رمضان في ليلة؟ فقال: لا، فقال: في ليلتين ؟ فقال : لا فقال : في ثلاث ؟ فقال : ها - وأومأ بيده - نعم شهر رمضان لا يشبهه شيء من الشهور له حقٌّ وحرمة أكثر من الصّلاة ما استطعت (1).

باب أن القرآن يُرْفَعُ كما أُنْزِل

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي (2)، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ الرّجل الأعجمي (3) من أمتي لَيَقْرَأُ القرآن بعجمية (4) فترفعه الملائكة على عربية.

2 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جُعِلْتُ فداك، إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا (5) كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال : لا، إقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم (6).

باب فَضْل القرآن

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بدر، عن محمّد بن مروان،

ص: 583


1- لقد مر الشق الثاني من هذا الحديث في مضمون حديث عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً وكان الشق الأوّل منه هنا مختصاً بالسؤال عن ختم القرآن في ليلة أو أكثر في غير شهر رمضان ولذا لا منافاة بين هذا الشق هنا وبين ما تقدم ومن قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ها إلى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بالنار، مشترك بين الحديثين، ولعله كان هنا وهناك حديثاً واحداً فجزىء خاصة وأن الراوي المباشر له هو ابن حمزة واللّه العالم.
2- النوفلي : لقب الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبد الملك.
3- يُقصد به غير العربي مطلقاً.
4- أي مع اللحن والخطأ في الحروف والحركات لعدم تمكنه من الصحيح.
5- أي في النسخة الّتي هي بخط أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو أن المقصود القرآن الّذي توارثه الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
6- المقصود الإمام الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وسوف يأتي ما يدل عليه. وقد ورد أيضاً في بعض الروايات : اقرأوا كما يقرأ النّاس.

عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قرأ قل هو اللّه أحد مرّة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله ومن قرأها ثلاث مرّات بورك عليه وعلى أهله وعلى جيرانه، ومن قرأها اثني عشر مرة بنى اللّه له اثني عشر قصراً في الجنّة فيقول الحَفَظَة : اذهبوا بنا إلى قصور أخينا فلان فتنظر إليها. ومن قرأها مائة مرّة غُفِرَت له ذنوب خمسة وعشرين سنة ما خلا الدّماء والأموال ومن قرأها أربعمائة مرّة كان له أجر أربعمائة شهيد كلّهم قد عقر جواده (1) وأريق دمه (2)، ومن قرأها ألف مرة في يوم وليلة لم يمت حتّى يَرَى مقعده في الجنّة أو يُرَى له (3).

2 - حميد بن زياد، عن الحسين بن محمّد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما أمر اللّه عزّ وجلّ هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلقن بالعرش (4) وقلن أي ربّ إلى أين تهبطنا إلى أهل الخطايا والذنوب. فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليهنّ: أن اهبطن فوعزتي وجلالي لا يتلوكن أحد من آل محمّد وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه من المكتوبة في كلّ يوم إلّا نظرت إليه بعيني المكنونة (5) في كلّ يوم سبعين نظرة أقضي له في كلّ نظرة سبعين حاجة، وقبلته على ما فيه من المعاصي، وهي (6) أُمّ الكتاب و «شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم» وآية الكرسي وآية الملك.

3 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن محمّد بن سكين، عن عمرو بن شمر عن جابر قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من قرأ المسبحات (7) كلّها قبل أن ينام لم يمت حتّى يدرك القائم، وإن مات كان في جوار محمّد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

4 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن عليّ بن النعمان، عن عبد اللّه بن طلحة، عن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من قرأ قل هو اللّه أحد مائة مرة حين يأخذ

ص: 584


1- أي ضرب قوائمه بالسيف فقطعها.
2- أي في الجهاد.
3- يراه هو إما في منامه أو في لحظات الشوق أو يرى في منامه من يدله عليه من معصوم أو شخص من الصديقين والصالحين.
4- «أي توسلن بعلم اللّه تعالى ممّا يقع في دار الغرور وعالم الشرو، أو تعلقن بالعرش الجسماني الّذي هو مطاف الملائكة المقربين...» المازندراني 48/11.
5- أي الألطاف الخاصة مرآة المجلسي 508/12.
6- أي الآيات المنوه عن هبوطها إلى الأرض أعلاه.
7- «المسبحات من السور ما افتتح بسبح أو يسبح» الوافي للفيض ج 5 / 269.

مضجعه غفر اللّه له ذنوب خمسين سنة (1).

5 - حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح(2)، عن معاذ، عن عمرو بن جميع، رفعه إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من قرأ أربع آيات من أول البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها (3) وثلاث آيات من آخرها لم ير في نفسه وماله شيئاً يكرهه ولا يقربه شيطان ولا ينسى القرآن.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن سيف بن عَمِيرَة، عن رجل عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر، يجهر بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل اللّه، ومن قرأها سرا كان كالمتشحط بدمه (4) في سبيل اللّه، ومن قرأها عشر مرَّات غفرت له على نحو ألف ذنب من ذنوبه.

7 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبي صلوات اللّه عليه يقول : قل هو اللّه أحد ثُلُثُ القرآن (5)، وقل يا أيّها الكافرون رُبع القرآن (6).

8 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن عليّ، عن الحسن ابن الجهم، عن إبراهيم بن مهزم عن رجل سمع أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من قرأ آية الكرسي عند

ص: 585


1- لقد مر في الحديث الأوّل من هذا الباب أن قراءة سورة الإخلاص مائة مرة توجب مغفرة ذنوب خمس وعشرين سنة عدا ما تعلق بالدماء والأموال، ولا منافاة بينه وبين ما ورد فى هذا الحديث من أنّها توجب مغفرة ذنوب خمسين سنة لأن قراءتها هناك مطلقة من حيث الوقت وهنا مقيدة بحين أخذه لمضجعه.
2- هو الحسن بن عليّ بن بقاح.
3- على القول بأن آية الكرسي إلى قوله : خالدون. تكون الآيتان اللتان بعدها الآية رقم 258 والآية رقم 259 من سورة البقرة أي إلى قوله : قدير. وعلى القول بأن آية الكرسي إلى قوله : وهو العلي العظيم فالآيتان اللتان بعدها هما الآية رقم 256 والآية رقم 257 إلى قوله : خالدون.
4- بتشحط بدمه : - كما في النهاية - أي يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ.
5- لعل الوجه «في معادلة هذه السورة لثلث القرآن أن مقاصد القرآن الكريم ترجع عند التحقيق إلى ثلاثة معان معرفة اللّه ومعرفة السعادة والشقاوة الأخرويين والعلم بما يوصل إلى السعادة ويبعد عن الشقاوة وسورة الإخلاص تشتمل على الأصل الأوّل وهو معرفة اللّه وتوحيده وتنزيهه عن مشابهة الخلق بالصمدية ونفي الأصل والفرع والكفو...» الوافي للفيض ج 5 / 102.
6- «لعل الوجه أن القرآن نزل على أربعة أرباع ربع في المؤمنين وربع في الكافرين وربع في السنن والأمثال وربع في الفرائض والأحكام وهذه السورة مشتملة على ربع الكافرين» المازندراني 51/11.

منامه لم يخف الفالج إن شاء اللّه، ومن قرأها في دبر كلّ فريضة لم يضره ذو حمة (1). وقال: من قدَّم قل هو اللّه أحد بينه وبين جبار منعه اللّه عزّ وجلّ منه، يقرأها من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فإذا فعل ذلك رزقه اللّه عزّ وجلّ خيره ومنعه من شرّه ؛ وقال : إذا خفت أمراً فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ثمّ قل: اللّهمّ اكشف عني البلاء - ثلاث مرّات -.

9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من قرأ مائة آية يصلّي بها (2) في ليلة كتب اللّه عزّ وجلّ له بها قنوت ليلة (3)، ومن قرأ مائتي آية في غير صلاة لم يحاجه القرآن(4) يوم القيامة، ومن قرأ خمسمائة آية في يوم وليلة في صلاة النهار والليل (5) كتب اللّه عزّ وجلّ له في اللوح المحفوظ قنطاراً من الحسنات والقنطار ألف ومائتا أوقية ؛ والأوقية أعظم من جبل أحد

10 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن حسّان عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من مضى به يوم واحد فصلّى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو اللّه أحد قيل له : يا عبد اللّه لست من المصلّين (6).

11 - وبهذا الإسناد عن الحسن بن سيف بن عَمِيرَة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة (7) بقل هو اللّه أحد، فإنّه من قرأها جمع اللّه له خير الدُّنيا والآخرة وغفر له ولوالديه وما ولدا.

12 - عنه، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن سورة الأنعام نزلت جملة شيعها سبعون ألف ملك حتّى أنزلت على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فعظموها وبجّلوها (8)، فإِنَّ اسم اللّه عزّ وجلّ فيها في سبعين موضعاً ولو يعلم النّاس ما في قراءتها ما تركوها.

ص: 586


1- «الحمة السم ويطلق على إبرة العقرب والزنبور وناب الحية للمجاورة لأن السم يخرج منها...» ن. م.
2- أي صلاة نافلة.
3- أي قيامها بالتهجد والطاعة.
4- أي لم يخاصمه.
5- اي في فريضتهما أو نوافلهما الموظفة فيهما أو الأعم.
6- يحمل ذلك على نفي الكمال، وأقلية الثواب.
7- أي بعد الفراغ منها.
8- تعظيمها وتبجيلها - بملاحظة ذيل الحديث - إنما يكون بالمداومة على قراءتها بتدبّر.

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلّى على سعد بن معاذ فقال : لقد وافى من الملائكة سبعون ألفاً وفيهم جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصلّون عليه فقلت له : يا جبرئيل بما يستحقُ صلاتكم عليه؟ فقال : بقراءته قل هو اللّه أحد قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وذاهباً وجائياً.

14 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد بن بشير، عن عبيد اللّه بن الدهقان، عن دُرُست (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): من قرأ الهيكم التكاثر عند النوم وقي فتنة القبر (2).

15 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد اللّه بن الفضل النوفلي رفعه قال (3) : ما قُرِءت الحمد على وجع سبعين مرَّة إلّا سكن.

16 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو قُرِءَت (4) الحمد على ميت سبعين مرة ثمّ ردّت فيه الرُّوح ما كان ذلك عجباً.

17 - عنه، عن أحمد بن بكر، عن صالح، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : ما من أحد في حدّ الصبي يتعهد (5) في كلّ ليلة قراءة قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب النّاس كلّ واحدة ثلاث مرات، وقل هو اللّه أحد مائة مرة، فإن لم يقدر فخمسين، إلّا صرف اللّه عزّ وجلّ عنه كلّ لَمَم (6) أو عرض من أعراض الصبيان والعطاش (7)، وفساد المعدة، وبدور الدم (8) أبداً ما تعوهد بهذا حتّى يبلغه الشيب، فإن تعهد نفسه بذلك أو تعوهد (9) كان محفوظاً إلى يوم يقبض اللّه عزّ وجلّ نفسه.

18 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري

ص: 587


1- هو ابن أبي منصور.
2- فتنة القبر : ما يبتلى به الميت بعد وضعه فيه من الضغطة وغيرها ممّا فيه أذيته.
3- هذا الحديث مرفوع.
4- التأنيث باعتبار السورة.
5- حد الصبا: أي وهو في سن الصِّبا ويتعهد أي جعلها في عهدته وداوم عليها.
6- اللمم : طرف من الجنون.
7- العطاش : داء يصيب الإنسان فيشرب ولا يرتوي.
8- أي ضغط الدم - في الاصطلاح المعاصر -.
9- هذا من كلام الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) حسب الظاهر، ومعناه : يتعهده ويتفقده بقراءة ما ذكر.

قال : سمعت أبا إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من استكفى بآية من القرآن من الشرق إلى الغرب (1) كفي [إذا كان بيقين ].

19 - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن بكر بن محمّد الأزدي، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في العوذة قال : تأخذ قُلة (2) جديدة فتجعل فيها ماء ثمّ تقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاثين مرّة، ثمّ تعلّق وتشرب منها وتتوضأ ويز [د] اد فيها ماء (3) إن شاء اللّه.

20 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن إدريس الحارثي، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا مفضّل احتجز من النّاس (4) كلّهم ببسم اللّه الرَّحمن الرّحيم، وبقل هو اللّه أحد، اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك، فإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات واعقد بيدك اليسرى ثمّ لا تفارقها (5) حتّى تخرج من عنده.

21 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر عن السيّاري (6)، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّه قال : والّذي بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالحقّ وأكرم أهل بيته ما من شيء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابة من صاحبها، أو ضالة، أو ابق، إلّا وهو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه، قال : فقام إليه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عمّا يؤمن من الحرق والغرق؟ فقال : اقرأ هذه الآيات (اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (7). (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ - إلى قوله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (8)، فمن قرأها فقد أمن الحرق والغرق - قال : فقرأها رجل واضطرمت النّار في بيوت جيرانه وبيته وسطها فلم يصبه شيء -. ثمّ قام إليه رجل

ص: 588


1- أي من طلب الكفاية والحفظ من شر أهل المشرق والمغرب.
2- القلة : الجرة العظيمة.
3- أي يصب فيها ماء جديد كلما نقص ماؤها الّذي قرأت عليه السورة فيأخذ حكم ما كان ما كان فيها من ماء من حيث التأثير.
4- أي امتنع من شرهم.
5- أي ابق على يدك اليسرى معقودة مضمومة الأصابع حتّى تخرج.
6- هو أحمد بن محمّد بن السيّار.
7- الأعراف/ 196 والآية في المصحف هي : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
8- الزمر/ 67. ما قدروا اللّه حق قدره : أي ما عظموه أو ما أنزلوه المنزلة اللائقة بقدره الرفيع. والظاهر أن الأثر المذكور مترتب على قراءة مجموع الآيتين.

آخر فقال : يا أمير المؤمنين إنَّ دابتي استصعبت (1) عليَّ وأنا منها على وجل(2)، فقال : اقرأ في أذنها اليمنى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (3) - فقرأها فذلّت له دابته - وقام إليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين إنَّ أرضي أرض مُسْبِعَة وإِنَّ السباع تغشى منزلي ولا تجوز حتّى تأخذ فريستها. فقال : اقرأ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (4) - فقرأهما الرجل فاجتنبته السباع.. ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين إن في بطني ماء أصفر (5) فهل من شفاء؟ فقال : نعم بلا درهم ولا دينار، ولكن اكتب على بطنك آية الكرسي، وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ بإذن اللّه عزّ وجلّ - ففعل الرّجل فبرأ بإذن اللّه -. ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الضّالّة (6)؟ فقال : اقرأ يس في ركعتين وقل : يا هادي الضّالّة ردّ عليّ ضالّتي - ففعل فردّ اللّه عزّ وجلّ عليه ضالته. ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الآبق (7) فقال : اقرأ (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ - إلى قوله - : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (8) فقالها الرجل فرجع إليه الآبق.. ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن السرق فإنّه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ليلا؟ فقال له : اقرأ إذا أويت إلى فراشك : (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا - إلى قوله - : وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) (9) ثمّ قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ - إلى قوله - : تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (10) حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين، قال: فمضى الرّجل فإذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ

ص: 589


1- أي صعب انقيادها.
2- أي خوف من أن تلقيني عن ظهرها إن امتطيتها أو ترفسني إن دنوت منها.
3- آل عمران 83 طوعاً وكرها : عنى بذلك إسلام من أسلم من النّاس كرهاً أي حَذَر السيف. وقيل : سجود المؤمن طائعاً وسجود ظل الكافر وهو كاره وفيه اختلاف.
4- التوبة / 128. من أنفسكم تعرفونه لا من غيركم. العنت: دخول المشقة والمكروه. حريص على هدى ضلالكم وتوبتكم. حسبي : كفاني.
5- أي داء الصفراء. وبيته الّذي ينشأ منه ويؤثر على المعدة والجهاز الهضمي هو المرارة.
6- أي عما يفيد من آيات القرآن لوجدان الضالة.
7- العبد الآبق : هو الهارب من مولاه.
8- النور/ 40.
9- الإسراء/ 110 - 111.
10- الأعراف/ 54.

هذه الآية فتغشاه الشيطان وإذا هو آخذ بخطمه (1) فقال له صاحبه : أنظره (2)، واستيقظ الرّجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه (3) : أرغم اللّه أنفك أحرسه الآن حتّى يصبح، فلما أصبح رجع إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبره وقال له : رأيت في كلامك الشفاء والصدق ؛ ومضى بعد طلوع الشمس فإذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعاً في الأرض(4).

22 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن سلمة بن محرز قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء.

23 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن سنان عن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : من قرأ - إذا أوى إلى فراشه - : قل يا أيّها الكافرون وقل هو اللّه أحد كتب اللّه عزّ وجلّ له براءة من الشرك.

24 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عليّ بن معبد عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا تملوا من قراءة إذا زلزلت الأرض زلزالها، فإنه من كانت قراءته بها في نوافله لم يصبه اللّه عزّ وجلّ بزلزلة أبداً ولم يمت بها ولا بصاعقة ولا بآفة من آفات الدنيا حتّى يموت، وإذا مات (5) نزل عليه ملك كريم من عند ربه فيقعد عند رأسه فيقول : يا ملك الموت ارفق بولي اللّه، فإنّه كان كثيراً ما يذكرني ويذكر تلاوة هذه السورة، وتقول له السورة مثل ذلك، ويقول ملك الموت : قد أمرني ربي أن أسمع له وأطيع ولا أخرج روحه حتّى يأمرني بذلك، فإذا أمرني أخرجت روحه، ولا يزال ملك الموت عنده حتّى يأمره بقبض روحه، وإذا كشف له الغطاء فيرى منازله في الجنّة فيخرج روحه من ألين ما يكون من العلاج، ثمّ يشيّع روحه روحه إلى الجنّة سبعون ألف ملك يبتدرون بها إلى الجنّة.

ص: 590


1- الخطم من الدابة مقدم أنفها وفمها.
2- أي أمهله.
3- «لعل المراد بصاحبه الّذي أمره بالإنظار هو المَلَك ولو أريد به الشيطان لورد أن الحراسة فعل الملك دون الشيطان. ويمكن دفعه بأنه لا منافاة بين إثبات الحراسة للملك سابقاً وللشيطان هنا» المازندراني 59/11.
4- في الوافي (منجراً) بدل (مجتمعاً). ولعل الوجه فيه أن الصور المهيبة المنكرة إذا تراءت من الغيب تكون ذوات شعور كثيرة طويلة وذلك لأن الشعر أدخل في النكرة، ولهذا ورد في حديث منكر ونكير أنهما يخطان الأرض بأنيابهما ويطئان في شعورهما يعني يمشيان فيها. الوافي للفيض ج 5 / 271.
5- أي إذا حضره الموت.

باب النوادر

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن عبيس بن هشام عمّن ذكره عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قراء القرآن ثلاثة : رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة (1)، واستدرّ به الملوك (2) واستطال به على النّاس (3). ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده، وأقامه إقامة القدح (4)، فلا كثر اللّه هؤلاء من حملة القرآن ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع اللّه العزيز الجبار البلاء، وبأولئك يديل(5) اللّه عزّ وجلّ من الأعداء وبأولئك يُنزل اللّه عزّ وجلّ الغيثَ من السماء، فواللّه لَهَؤلاء في قراء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نزل القرآن أثلاثاً : ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سُنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام (6).

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ القرآن نزل أربعة أرباع : ربع وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع حلال، خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفَضْلُ ما بينكم.

4 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار،

ص: 591


1- أي سلعة يتاجر بها ليكسب من حطام الدنيا.
2- أي جعله وسيلة يستجلب بها هبات السلاطين وعطاياهم.
3- أي تكبر عليهم واعتدى.
4- القِدْح : هو السهم قبل أن يُحدّ نصله فلا يؤثر في هدف الرامي، وكذلك في حفظ حروف القرآن وضيع حدوده فإنه لا ينتفع به في الآخرة بثواب ولا في الدنيا بتهذيب نفسه وتثبيت إيمانه وتطبيق أحكامه. وقد يقرأ (القدح) وهو الكأس الّذي يشرب منه الماء، وقد مر في الحديث رقم (5) من باب الصلاة على النبي محمّد وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولا تجعلوني كقدح الراكب وقد وضحنا معناه هناك فراجع.
5- الإدالة : الغلبة.
6- «الغرض منه هو الإخبار عما في الواقع مع الحث على الإقرار بالولاية والبراءة من أعدائها والاتعاظ بالعبر والأمثال والعمل بالسنن والفرائض والأحكام، وينبغي أن يعلم أن مثل هذا التقسيم هو تقسيم الكل إلى الأجزاء قد يتفاوت بحسب الاعتبار ولا يجب فيه التساوي في المقدار نعم لا بد من عدم خروج جزء منه...» المازندراني 61/11.

عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا وربع في عدوّنا(1) وربع سنن وأمثال وربع فرائض وأحكام.

5 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد ؛ وسهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن محمّد بن الحسن السّري، عن عمه عليّ بن السّري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوَّل ما نزل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وآخره (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ) (2).

6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان عن داود(3) عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (4) وإنما أنزل في عشرين سنة بين أوله وآخره(5)؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل في طول عشرين سنة، ثمّ قال : قال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وأنزل الزَّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، وأنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان (6).

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى، عن بعض رجاله عن

ص: 592


1- يمكن أن يقال هنا بأن الربع الّذي نزل فيهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو ما يقابل الربع الحلال في الحديث السابق وكذا الربع الّذي نزل في عدوهم هو ما يقابل الربع الحرام هناك والمقصود منه متابعة أعدائهم وموالاتهم فإنه من أعظم المحرمات.
2- أي آخر ما نزل ولعل «المراد أنّه لم ينزل بعدها سورة كاملة فلا ينافي في نزول بعض الآيات بعدها كما هو المشهور» مرآة المجلسي 518/12.
3- في بعض النسخ سلسلة السند :هكذا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن حفص بن غياث «وهو الصحيح، كما عن بعض النسخ أيضاً، لأن إبراهيم بن هاشم لم يرو عن محمّد بن القاسم بل يروي كثيراً عن القاسم بن محمّد، والقاسم بن محمّد لم يرو عن محمّد بن سليمان بل يروي كثيرا عن سليمان بن داود... الخ» فراجع معجم رجال الحديث للإمام الخوئي 154/17.
4- البقرة/ 185.
5- ليس غرض السائل تحديد فترة نزول القرآن بداية وانتهاءً وإنما عرضه بين طول الفترة والاستفسار عن كيفية التوفيق بين منطوق الآية الّتي تحدد نزول القرآن في مدة شهر هي شهر رمضان. وإلا فنزول القرآن استغرق مدة ثلاث وعشرين سنة. هذا إضافة إلى أن المتعارف عليه بين النّاس هو إغفالهم لكسر لو وجد أو تهاونهم في موضوع المقاييس والأوزان والمقادير والتحديدات الزمانية والمكانية.
6- يدل بعد ملاحظة سورة إنا أنزلناه على أن ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تتفأل بالقرآن(1).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان عن ابن مسكان، عن محمّد بن الورّاق قال : عرضت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً فيه قرآن مختم معشر بالذهب (2) وكتب في آخره سورة بالذهب، فأريته إياه، فلم يتب فيه شيئاً إلّا كتابة القرآن بالذَّهب وقال : لا يعجبني أن يُكْتَبَ القرآن إلّا بالسواد كما كُتب أوَّل مرَّة.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن ياسين الضرير، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : تأخذ المصحف في الثلث الثاني من شهر رمضان فتنشره وتضعه بين يديك وتقول : «اللّهمّ إنّي أسألك بكتابك المنزل وما فيه، وفيه اسمك الأعظم الأكبر، وأسماؤك الحسنى، وما يُخاف ويرجى، أن تجعلني من عتقائك من النّار وتدعو بما بدا لك من حاجة.

10 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لكلّ شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان (3).

11 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن سنان (4) أو عن غيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به (5).

12 - الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن جميل بن دراج، عن

ص: 593


1- التفأل والتفاؤل : يكون فيما يسوء وفيما يسر ولعل السر في النهي عنه هو أنّه قد لا يصيب فيكون ذلك سبباً لتزلزل عقيدة المؤمن أو سريان الشك بالقرآن إلى نفسه ولا ينافي هذا النهي عن التفال ما اشتهر اليوم بين النّاس من الاستخارة بالقرآن على النحو المتعارف بينهم لأن التفال غير الاستخارة الوافي للفيض ج 274/5. ولعل المقصود بالتفأل بالقرآن هو أن يرجم بالغيب فيحاول استنباط الخير والشر ومعرفة ما هو غيب.
2- «قيل: الختم : ما كان علامة ختم الآيات فيه بالذهب، ويمكن أن يراد به النقش الّذي يكون في وسط الجلد، أو في الافتتاح والاختتام أو في الحواشي للزينة» مرآة المجلسي 519/12.
3- والوجه في كون شهر رمضان ربيع القرآن والربيع هو فصل الحرارة والحياة والحركة في الطبيعة إن في هذا الشهر تتفتح القلوب والعقول وتنشط الأرواح وتتوجه إلى اللّه فيكون ذلك سبباً في الانتفاع بما في القرآن من كنوز الحكم والعظة والعبرة فيتضاعف الثواب والأجر ويحصل التأثر والانفعال ممّا فيه خير الدنيا والآخرة.
4- الترديد من الراوي.
5- «الفرقان في الأصل مصدر بمعنى الفرق، ثمّ نقل إلى الواجب العمل به على الوجه المطلوب لأنه فارق فاصل بين الواجب والحرام وغيرهما من الأحكام... والمراد بالمحكم الحكم المتقن الباقي إلى آخر الدهر» المازندراني 11 / 64.

محمّد بن مسلم عن زرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ القرآن واحد (1) نزل من عند واحد ولكنَّ الاختلاف يجيىء من قبل الرواة (2).

13 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ النّاس (3) يقولون : إنَّ القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال : كذبوا أعداء اللّه ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد (4).

14 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نزل القرآن بإياك أعني واسمعى يا جارة (5).

وفي رواية أخرى عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : معناه ما عاتب اللّه عزّ وجلّ به على نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). فهو يعني به ما قد مضى في القرآن مثل قوله : (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) (6) عنى بذلك غيره.

15 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه ابن جندب، عن،، عن سفيان بن السمط قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن تنزيل القرآن قال : اقرؤوا كما علمتم (7).

16 - عليّ بن محمّد عن بعض أصحابه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: دفع إلي أبو الحسن (8) (عَلَيهِ السَّلَامُ) مصحفاً وقال : لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)

ص: 594


1- أي نزل بلغة واحدة هي لغة قريش، الّتي ينتمي إليها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
2- حسب اختلاف لهجاتهم وبطونهم.
3- الظاهر أن المراد بهم المخالفون.
4- «اتفقت العامة على أن القرآن نزل على سبعة أحرف وإن اختلفوا في تفسيرها وتعيينها حتّى نقل عن ابن حبان أنّه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا وبالغ الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الرد عليهم وقال إنه نزل على حرف واحد والاختلاف إنما جاء من قبل الرواة فالتبس ذلك الحرف المنزل بغيره على الأمة لأجل ذلك فيجوز لهم القراءة بأحد هذه الحروف حتّى يظهر الأمر» المازندراني 70/11.
5- «الجارة بالتخفيف ضرة المرأة من المجاورة بينهما. والمراد أنّه نزل بعض آيات القرآن وهو أيضاً قرآن على سبيل التعريض، وهو توجيه الخطاب إلى شخص وإرادة غيره لكونه أدخل في النصح وأقرب إلى القبول، أو لغرض» آخر المازندراني.70/11.
6- الإسراء / 74. ثبتناك : عصمناك تركهن إليهم : تميل وتطمئن.
7- أي من قبل أئمتكم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد ورد في الروايات أن اقرأوا كما يقرأ النّاس حتّى يقوم القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
8- أي الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن ابن نصر البزنطي من خواص أصحابه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال : فبعث إلي ؛ ابعث إليّ بالمصحف (1).

17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن حسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلّا كفر (2).

18 - عنه، عن الحسين بن النضر عن القاسم بن سليمان، عن أبي مريم الأنصاري (3)، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول: وقع مصحف في البحر فوجدوه وقد ذهب ما فيه إلّا هذه الآية (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (4).

19 - الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الوشّاء، عن أبان، عن ميمون القداح قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) اقرأ قلت من أي شيء أقرأ؟ قال: من السورة التاسعة قال : فجعلت ألتمسها فقال : اقرأ من سورة يونس قال : فقرأت (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ) (5) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنّي لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن» (6).

20 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد عن الحجّال (7)، عمّن ذكره عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (8) قال : يبين الألسن ولا

ص: 595


1- كأن المراد بهذا المصحف هو الّذي جمعه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخرجه وقال هذا هو القرآن الّذي أنزله سبحانه ورده قومه ولم يقبلوه وهو الموجود عند المعصوم ومن ذريته كما دلت عليه الأخبار المازندراني 71/11. وما وجده من أسماء مكتوبة عند تلك الآية إنما هو توضيح وتفسير لها وليس من النص القرآني.
2- «لعل المراد بضرب بعضه ببعض تأويل بعض متشابهاته إلى بعض بمقتضى الهوى من دون سماع من أهله أو نور وهدى من اللّه» الوافي للفيض ج 274/5.
3- واسمه عبد الغفار بن القاسم.
4- الشورى / ذيل الآية 53، وأولها (صراط اللّه الّذي له ما في السموات وما في الأرض).
5- يونس / 26. قَتَر : أي كآبة وكسوف حتّى تصير من الحزن كأنما عليها :قتر وهو الغبار ذلّة هوان والسورة التاسعة هي سورة التوبة بحسب الترتيب القرآني وليس قول الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما بعد : اقرأ من سورة يونس أنّها هي التاسعة، بل أراد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يخفف عن القداح مؤنة التفتيش عن التوبة في المصحف، وليس غرضه إلّا أن يقرأ القداح لحاجة في نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولذا اختار هو له السورة فقرأ القداح من حيث شاء.
6- وذلك «لاشتماله على الحزن والغم من عقوبات يوم القيامة وعقباته وشدائده وأهواله ووخامة الأمم الماضية وعقوباتهم في الدنيا بالمخالفة... الخ» المازندراني 73/11.
7- واسمه عبد اللّه بن محمّد الأسدي.
8- الشعراء / 195.

تبينه الألسن (1).

21 - أحمد بن محمّد بن أحمد عن محمّد بن أحمد النهدي، عن محمّد بن الوليد، عن أبان، عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من عبد يقرأ آخر الكهف إلّا تيقظ في الساعة الّتي يريد (2).

22 - أبو علي الأشعري وغيره عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سليم مولاك ذكر أنّه ليس معه من القرآن إلّا سورة يس، فيقوم من الليل فينفذ ما معه من القرآن أيعيد ما قرأ؟ قال : نعم لابأس.

23 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها النّاس، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كفَّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ النّاس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ على حدّه (3)، وأخرج المصحف الّذي كتبه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال : أخرجه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى النّاس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب اللّه عزّ وجلّ كما أنزله [اللّه] على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وقد جمعته من اللوحين (4)، فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال أما واللّه ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علي أن اخبركم حين جمعته لتقرؤوه.

24 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان عن سعيد بن عبد اللّه الأعرج قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرّجل يقرأ القرآن ثمّ ينساه ثمّ يقرأه ثمّ ينساه أعليه فيه حرج؟ فقال : لا (5).

ص: 596


1- «قيل: المراد أن القرآن لا يحتاج إلى الاستشهاد بأشعار العرب وكلامهم بل الأمر بالعكس لأنه أفصح الكلام. وفيه : أن اللّه سبحانه أخبر بأنه بلسان العرب فلو وقع فيه ما لا يوافق لسانهم بحسب الظاهر وتمسك به المنكرون في القدح والتكذيب لا بد من الاستشهاد لإخراجه من الكذب والأصوب : إن المبين من الإبانة بمعنى القطع، وإن القرآن يقطع بالفصاحة والبلاغة البالغة حد الإعجاز السنة الفصحاء والبلغاء عن المعارضة والإتيان بمثله ولا تقطعه ألسنتهم بالمعارضة» المازندراني 74/11.
2- مر مضمون هذا الحديث بعينه في باب الدعاء عند النوم والانتباه من هذا المجلد تحت رقم (17) فراجع.
3- أي كما أنزل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
4- «لعله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زمن الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كتبه على لوحين فجمع منهما، أو المراد لوح الخاطر ولوح الدفاتر، أو المراد اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات أو الأرضي والسماوي واللّه يعلم» مرآة المجلسي 523/12.
5- المراد بنفي الحرج هنا نفي الإثم، وهذا لا ينافي في تفويت الثواب والأجر. وقد مر مضمون مطابق لمعنى هذا المضمون من حيث السؤال والجواب في الحديث رقم (5) من باب من حفظ القرآن ثمّ نسيه من هذا المجلد.

25 - علي، عن أبيه، عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبي :(عَلَيهِ السَّلَامُ): ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلّا كفر (1).

26 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن ابن محبوب عن جميل عن سدير (2)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سورة المُلْكَ هي المانعة، تمنع من عذاب القبر، وهي مكتوبة في التوراة سورة الملك، ومن قرأها في ليلته فقد أكثر وأطاب ولم يكتب بها من الغافلين وإني لأركع بها بعد عشاء الآخرة وأنا جالس (3)، وإنّ والدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقرؤها في يومه وليلته ومن قرأها إذا دخل عليه في قبره منكر ونكير من قبل رجليه قالت رجلاه لهما ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد يقوم عليّ فيقرأ سورة الملك في كلّ يوم وليلة، وإذا أتياه من قبل جوفه قال لهما : ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد أو عاني سورة الملك، وإذا أتاه من قبل لسانه قال لهما : ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد يقرأ بي في كلّ يوم وليلة سورة الملك.

27 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا : كنا عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعنا ربيعة الرّأي(4) فذكرنا فضل القرآن فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال، فقال ربيعة : ضال ؟ فقال : نعم ضال، ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما نحن فنقرأ على قراءة أبي (5).

28 - عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ القرآن الّذي جاء به جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سبعة عشر ألف آية (6).

ص: 597


1- مر هذا المضمون بعينه برواية النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان تحت رقم (17) من هذا الباب وعلقنا عليه.
2- هو سديد بن حكيم الصيرفي الكوفي.
3- أي في نافلة العشاء.
4- كان فقيه أهل المدينة في عصره.
5- هو أبي بن كعب، وربما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك بعد أن صرح بضلال ابن مسعود إن هو لم يقرأ بقراءتهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقية منه لوجود ربيعة الرأي وهو من المخالفين.
6- «وقد اشتهر اليوم بين النّاس أن القرآن ستة آلاف وستمائة وست وستون آية وروى الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في تفسيره المسمى بمجمع البيان عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون آية، فلعل البواقي تكون مخزونة عند أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وتكون فيما جمعه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو جاء الاختلاف، من قبل تحديد الآيات وحسابها، أو يكون ممّا نسخ تلاوته...» الوافي للفيض ج 274/5.

ص: 598

كتاب العشرة

إشارة:

كتاب العشرة (1)

باب ما يجب من المعاشرة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم (2) قال : قال - أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عليكم بالصلاة (3) في المساجد، وحسن الجوار للناس(4)، وإقامة الشّهادة (5)، وحضور الجنائز، إنه لا بدَّ لكم من النّاس (6)، إنَّ أحداً لا يستغني عن النّاس حياته والناس لا بدَّ لبعضهم من بعض.

2 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان ؛ وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار جميعاً، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من النّاس (7)؟ قال: فقال : تؤدون الأمانة إليهم (8)، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم(9)، وتشهدون جنائزهم.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، ومحمّد بن خالد

ص: 599


1- العِشرة : اسم من المعاشرة وهي المخالطة والرفقة والمصاحبة.
2- هو مرازم بن حكيم الأزدي.
3- فرادی وجماعة وهذا من المندوب في صلاة الفريضة.
4- وهذا من الواجب في المعاشرات إذ تحرم أذية الجار.
5- أي أداء الشهادة على وجهها وهذا من الواجب.
6- إذ الإنسان مدني بالطبع ولا يمكنه أن يعيش وحده بل لا بد له من التعامل مع غيره والتعامل لتستقيم حياته وحياة غيره، ولولا ذلك لاختل النظام.
7- سأل عن الحقوق المشتركة فيما بين الخاصة المعبر عنهم بالقوم والعامة المعبر عنهم بالخلطاء من النّاس كما يظهر من الحديث الأتي الوافي للفيض ج 97/3.
8- هذا من الأمور الواجبة حتّى ولو كان المستأمن كافراً.
9- هذا من المندوب، إلّا إذا لم يداره أحد بحيث يخشى موته جوعاً وعطشاً أو لعدم الاستطباب فعند ذلك ينقلب إلى واجب كفائي أو عيني حسب مورده.

جميعاً، عن القاسم بن محمّد، عن حبيب الخثعمي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: عليكم بالورع (1) والاجتهاد (2)، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضروا مع قومكم مساجدكم، وأحبوا للناس ما تحبّون لأنفسكم، أما يستحيي الرّجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب قال : قلت له (3) : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من النّاس ممّن ليسوا على أمرنا (4)؟ قال : تنظرون إلى أئمتكم الّذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فواللّه إنّهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الأمانة إليهم.

5 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان جميعاً، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): اقرأ على من ترى أنّه يطيعني منهم (5) ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى اللّه عزّ وجلّ، والورع في دينكم، والاجتهاد اللّه وصدق الحديث وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برا أو فاجراً، فإن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط (6). صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع النّاس قيل : هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل : هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك عليَّ بلاؤه وعاره وقيل : هذا أدب جعفر، فواللّه لحدّثني أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أن الرّجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيكون زَيْنَها، آداهم للأمانة (7)، وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول : مَنْ مِثل فلان إنّه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث.

ص: 600


1- أي عن محارم اللّه.
2- في طاعة اللّه وتحصيل مرضاته.
3- لم يصرح لمن قال والظاهر أن المسؤول هو الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن معاوية بن وهب هو من أصحابه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- أي على التشيع.
5- أي من الشيعة.
6- المخيط الإبرة ويقال لها المخياط أيضاً والخياط.
7- أي أكثرهم أو أحسنهم تأدية لها.

باب حُسن المعاشرة

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم قال : قال : أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل(1).

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن محمّد بن حفص عن أبي الربيع الشامي قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) والبيت غاص بأهله فيه الخراساني والشامي، ومن أهل الآفاق، فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان متكئاً ثمّ قال : يا شيعة آل محمّد اعلموا أنّه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه، ومخالفة (2) من خالقه، ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره، وممالحة (3) من مالحه يا شيعة آل محمّد اتقوا اللّه ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلّا باللّه.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (4) قال : كان (5) يوسع المجلس، ويستقرض للمحتاج، ويعين الضعيف.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن علاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عظموا أصحابكم ووقروهم (6)، ولا يتهجم بعضكم على بعض (7) ولا تضارّوا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل كونوا عباد اللّه المخلصين [الصالحين].

ص: 601


1- «يعني تكون يدك المعطية مستعلية عليهم في إيصال النفع والبر والصلة» الوافي للفيض ج 98/3.
2- المخالفة : المعاشرة بخلق حسن.
3- الممالحة : المؤاكلة.
4- يوسف / 36، وكان هذا خطاباً ليوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) من رفيقيه في السجن عندما سألاه عن تفسير الرؤيا الّتي رآها كلّ واحد منهما. وفي الآية 78 من نفس السورة أيضاً، وكان هذا خطاباً من إخوته وهم لا يعرفون أنّه يوسف عندما طلبوا منه أن يأخذ أحدهم بدل أخيهم من أبيهم وهو أخو يوسف من أبويه بعد أن وجد الصواع في رحله.
5- أي يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ).
6- التوقير والتعظيم بمعنى، ولذا فالعطف للتأكيد.
7- أي لا يدخل عليهم بغتة أو بغير إذن منهم. وقد مر هذا الحديث بعينه متناً وسنداً في باب حق المؤمن على أخيه وإداء حقه تحت رقم (12) ولكن فيه (ولا يتجهم بعضكم بعضاً) أي لا يلقاه بوجه مقطب، أو كريه. وفي بعض النسخ يوجد (ولا يتهجم بعضكم بعضاً) بدون حرف على فالمعنى عليه أنّه لا يطرد بعضكم بعضاً.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال، عن داود بن أبي يزيد وثعلبة وعليّ بن عقبة عن بعض من رواه عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الانقباض من النّاس مكسبة للعداوة.

باب من يجب مصادقته ومصاحبته

1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن حسين بن الحسن، عن محمّد بن، سنان، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا عليك (1) أن تصحب ذا العقل وإن لم تحمد كرمه (2)، ولكن انتفع بعقله، واحترس من سيء أخلاقه، ولا تدعنّ صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله (3) ولكن انتفع بكرمه بعقلك(4) وافرر كلّ الفرار من اللئيم الأحمق (5).

2 - عنه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن الصلت، عن أبان عن أبي العديس (6) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا صالح اتبع من يبكيك (7) وهو لك ناصح ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش (8)، وستردّون على اللّه جميعاً فتعلمون.

3 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن يسار القطان، عن المسعودي(9)، عن أبي

ص: 602


1- أي لا ضرر أو لا بأس أو لا إثم عليك.
2- أي وإن كان بخيلاً أو سيء خلق.
3- بأن كان ضعيف العقل.
4- أي استعمل عقلك للانتفاع بكرمه فتكون بذلك قد أمنت ضعف العقل عنده هو ولم تفوّت منفعة كرمه عليك.
5- «لأنه ليس كريماً لتنتفع بكرمه ولا عاقلاً لتنتفع بعقله مع أن في صحبته مفاسد من وجوه شتى...» المازندراني 81/11.
6- لقد روى الشيخ الطوسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في التهذيب 6 باب المكاسب نفس هذه الرواية تحت رقم (1104)، فإن صح سنده كما جاء في كتابه ولم يكن فيه تصحيف فأبو العديس هذا اسمه محمّد بن الصلت، لأنه (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال هناك : (عن محمّد بن الصلت أبو العديس عن صالح...) ثمّ إن هذا السند هنا ناقص فلا بد من إضافة (عن صالح) بعد أبي العديس ليستقيم قول الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا صالح.
7- بتبيان عيوبك لك وزهده وورعه وتقواه ومتابعته القبول عنه وملازمة مجلسه ومصاحبته.
8- غشه - كما في القاموس - لم يمحضه بالنصح أو أظهر خلاف ما أضمر. وإضحاكه له بإدخال السرور عليه إمام بإطراء محاسنه وإغفال مساوئه أو بإيراد الحكايات المضحكة والقصص المسلية وإغرائه بمجالس البطالين وكل ذلك ممّا ينسيه الآخرة.
9- واسمه عليّ بن الحسين بن عليّ ويطلق على القاسم بن معن فراجع جامع الرواة للأردبيلي 451/2.

داود عن ثابت بن أبي صخرة عن أبي الزّعلي قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «انظروا من تحادثون؟ فإنّه ليس من أحد ينزل به الموت إلّا مثل له أصحابه (1) إلى اللّه (2) إن كانوا خياراً فخياراً وإن كانوا شراراً فشراراً، وليس أحد يموت إلّا تمثلتُ له عند موته» (3).

4 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن بعض الحلبيين (4)، عن عبد اللّه بن مسكان عن رجل من أهل الجبل لم يسمه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عليك بالتلاد وإياك وكلّ محدّث (5) لا عهد له ولا أمان ولا ذمة ولا ميثاق وكن على حذر من أوثق النّاس عندك (6).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أحبُّ إخواني إليَّ من أهدى إليَّ عيوبي (7).

6 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عبيد اللّه الدّهقان، عن أحمد بن عائذ عن عبيد اللّه الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تكون الصداقة إلّا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، فأولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثاني : أن يرى زَيْتُك زَيْنَه وشَيْنُكَ شَيْئًه، والثالثة : أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة : أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته والخامسة : وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلّمك (8) عند النكبات.

ص: 603


1- أي صُوِّروا له بصور مثالية.
2- في بعض النسخ (في اللّه).
3- يحتمل أن يكون من كلام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كما يحتمل أنّه من كلام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- الظاهر أن المراد ببعض الحلبيين أحد بني شعبة إذ إن لقب (الحلبي) يطلق على كلّ واحد منهم وهم : محمّد بن عليّ بن أبي شعبة وأخوته : عبيد اللّه وعمران وعبد الأعلى، وأبوهم عليّ بن أبي شعبة، وأحمد بن عمران.
5- «التالد وإن كان في الأصل يطلق على المال القديم الّذي يولد عند الإنسان مقابل الطارف إلّا أن المقصود بالتلاد هنا والشيوخ وبالمحدث الشباب، أو المراد بالتلاد الأصحاب القدماء الّذين جربهم بالمعاشرة الطويلة، وبالمحدث خلافه» مرآة المجلسي 532/12.
6- يعني إحذر من وثقت به غاية الوثوق ولا تأمن عليه أن يكيدك ويحسدك إذا أحس منك بنعمة فكيف من لا تثق به فإن النّاس كلهم أعداء النعم لا يستطيعون أن يروا نعمة على عبد من عباد اللّه ولا يتغيرون عليه الوافي للفيض ج 3 / 104. وقد أشار (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى تفصيل بعض هذه المعاني في الحديث رقم (6) التالي.
7- فيه حث على أن يكون المؤمن مرآة أخيه المؤمن يرى فيه حسناته وسيئاته إما بمراقبته لنفسه أو بلفت صديقه وأخيه نظره إليها.
8- الإسلام الخذلان.

باب مَن تُكْرَهُ مجالسته ومرافقته

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عمرو بن عثمان، عن سالم الكندي، عمّن حدَّثه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم أن يتجنب مواخاة ثلاثة الماجن الفاجر (1)، والأحمق، : والكذَّاب، فأما الماجن الفاجر فيزيّن لك فعله ويحبُّ أنك مثله، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، ومقاربته جفاء وقسوة ومدخله ومخرجه عار عليك، وأما الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير، ولا يُرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه. وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه. وأما الكذَّاب فإنّه لا يهنأك معه عيش (2)، ينقل حديثك وينقل إليك الحديث، كلّما أفنى أحدوثة مطرها بأخرى مثلها حتّى أنّه يحدّث بالصدق فما يصدَّق ويفرّق بين النّاس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا اللّه عزّ وجلّ وانظروا لأنفسكم (3).

2 - وفي رواية عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا ينبغي للمرء المسلم أن يواخي الفاجر فإنه يزيّن له فعله ويحبُّ أن يكون مثله ولا يعينه على أمر دنياه ولا أمر معاده، ومدخله إليه ومخرجه من عنده شَيْن عليه .

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن يوسف، عن ميسر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا ينبغي للمرء المسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب(4).

4 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال عيسى ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن صاحب الشرّ يعدي (5) وقرين السوء

ص: 604


1- «الماجن : من لا يبالي قولاً ولا فعلاً لصلابة وجهه من المجون بمعنى الصلابة والغلظة» الوافي ج 105/3. والفاجر : صاحب الفجور والانغماس في الموبقات.
2- أي لا يصير لك هنيئاً.
3- وقد مر هذا الحديث سنداً ومتناً مع اختلاف طفيف في بعض ألفاظه ربما كانت من تصحيف النساخ هنا أو هناك وذلك في باب مجالسة أهل المعاصي من هذا المجلد الحديث رقم (6) وكنا قد علقنا عليه فراجع.
4- مر هذا الحديث في باب مجالسة أهل المعاصي من هذا المجلد تحت رقم (3) سنداً ومتناً إلّا أنّه هناك بدون كلمة (للمرء) وإنما فيه (للمسلم).
5- من عدا عليه إذا ظلمه، أو من العدوى، أي أن شره يسري إليه فيعديه فيصبح مثله في الشرية.

يُرْدي (1) فانظر من تقارن.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن موسى قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عمّار إن كنت تحبّ أن تستتب (2) لك النعمة وتكمل لك المروءة وتصلح لك المعيشة، فلا تشارك العبيد والسَّفَلَة (3) في أمرك، فإنّك إن ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نُكِبْتَ خذلوك، وإن وعدوك أخلفوك.

6 - قال : وسمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : حبُّ الأبرار للأبرار ثواب للأبرار، وحبُّ الفجار للأبرار فضيلة للأبرار، وبُغْضُ الفجار للأبرار زَيْن للأبرار وبغض الأبرار للفجار خزي على الفجار (4).

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن بعض أصحابهما، عن محمّد بن مسلم وأبي حمزة، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي أبي عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما : يا بنيَّ انظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق فقلت: يا أبت من هم عرفنيهم؟ قال : إياك ومصاحبة الكذَّاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب اللّه عزّ وجلّ في ثلاثة مواضع، قال اللّه عزّ وجلّ : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ). وقال عزّ وجلّ : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). وقال في البقرة: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (5).

ص: 605


1- أي يهلك.
2- أراذل النّاس وساقطوهم.
3- أي تستقيم وتصفو وتدوم.
4- لم يذكر حب الأبرار للفجار لأنه ممّا لا يتأتى منهم لهم. «وإنما كان حب الفجار للأبرار فضيلة للأبرار لأن حبهم إياهم مع عدم مجانستهم لهم دليل على أن برهم بلغ الغاية. وإنما كان بغضهم إياهم زيناً لهم لأنه دليل على صلابتهم في الدين وإنما كان بغض الأبرار للفجار خزياً عليهم لأنه دليل على أن فجورهم بلغ الغاية» الوافي ج 3/ 105.
5- مر مضمون هذا الحديث سنداً ومتنا في باب مجالسة أهل المعاصي تحت رقم (7) من هذا المجلد وقد علقنا عليه هناك فراجع.

8 - عدة عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن القاسم قال: سمعت المحاربي يروي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ثلاثة مجالستهم تميت القلب : الجلوس مع الأنذال، والحديث مع النساء، والجلوس مع الأغنياء» (1).

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن إبراهيم بن أبي البلاد عمّن ذکره، قال : قال لقمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابنه : يا بنيَّ لا تقترب فتكون أبعد لك ولا تبعد فتهان (2)، كلّ دابة تحبُّ مثلها وإنَّ ابن آدم يحبّ مثله، ولا تنشر بزّك (3) إلّا عند باغيه، كما ليس بين الذئب والكبش خلّة كذلك ليس بين البارّ والفاجر خلّة (4) ؛ من يقترب من الزفت (5) يعلّق به بعضه، كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرقه ؛ من يحبُّ المراء (6) يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يندم.

10 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن أبي نجران(7)، عن عمر بن، يزيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند النّاس كواحد منهم ؛ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : المرء على دين خليله وقرینه (8).

11 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار عن الحجال، عن عليّ بن يعقوب الهاشمي، عن هارون بن مسلم، عن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إياك ومصادقة الأحمق فإنك أسرّ ما تكون من ناحيته أقرب ما يكون إلى مساءتك (9).

ص: 606


1- الأنذال : جمع نَذل وهو الخسيس الحقير في جميع تصرفاته وإنما كانت مجالسة هذه الأصناف تميت القلب لأنها تجره إلى الشهوات وتنسيه الآخرة باعتبار أن هؤلاء غالباً هم حبائل الشيطان، فلا يستبعد أن تسري عدواهم إلى جلسيهم فيهري.
2- «لا تقترب : يعني من النّاس بكثرة المخالطة والمعاشرة فيسأموك ويملوك فتكون أبعد من قلوبهم ولا تبعد كلّ البعد فلم يبالوا بك فتصير مهيناً مخذولاً». الوافي للفيض ج 106/3. وقيل : «لعل معناه : لا تقترب من الفاجر فيكون اقترابه أبعد لك من الخير أو يكون عدم اقترابه أبعد لك من الشر، ولا تبعد من البار فتهان...» المازندراني 89/11.
3- البز: المتاع والثياب. وفي بعض النسخ (برك) أي إحسانك.
4- خِلَة : صداقة.
5- الزفت القار.
6- المراء: الجدال والنزاع والطعن في قول الغير تزييناً لقول الطاعن وتصغيراً للقول المطعون.
7- واسمه عبد الرحمن.
8- لقد مر هذا الحديث متناً وسنداً في باب مجالسة أهل المعاصي من هذا المجلد تحت رقم (3) فراجع.
9- لأنه لا يفكر بعواقب الأمور فربما فعل شيئاً يظن أنّه خير لك فيكون وبالاً عليك.

باب التحبَّب إلى النّاس والتودّد إليهم

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ أعرابياً من بني تميم أتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال له : أوصني، فكان ممّا أوصاه تحبّب (1) إلى النّاس يحبّوك.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مجاملة النّاس ثلث العقل(2).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ثلاث يُصفين وُدَّ المرء لأخيه المسلم : يلقاه بالبشر (3) إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه».

4 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): التودد إلى النّاس نصف العقل (4).

5 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن حسان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : التودد إلى النّاس نصف العقل.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة ابن منصور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من كفَّ يده عن النّاس (5) فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيدياً كثيرة.

7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن صالح بن

ص: 607


1- التحبب إظهار المحبة.
2- المجاملة المعاملة بالجميل ولعل كون المجاملة ثلث العقل باعتبار أنّها لا تستلزم التودد والتودد يستلزم المجاملة فهما مع التبتل في الباطن إلى اللّه تعالى تمام العقل الوافي ج 98/3.
3- البشر: انبساط أسارير الوجه.
4- «لأن العقل نصفان نصف عقل المعاد ونصف عقل المعاش وهذا هوه المازندراني 91/11 نقلا عن شرح النهج وقال في الوافي ج 9/3 لعل نصفه الآخر أن يكون مع ذلك متبتلاً إلى اللّه في باطنه متيقناً بأن النّاس لو اجتمعوا بحذافيرهم على أن ينفعوه مثقال ذرة أو يضروه ما قدروا على ذلك إلّا أن يشاء اللّه».
5- أي عن اذيتهم، لأن جميع الموارد الّتي استعمل فيها هذا التعبير (كف اليد) إنما أريد منع الأذى فراجع المائدة /11 والفتح 24/20، والمائدة / 110 والنساء / 84 و 91 والأنبياء / 39 والنساء / 77. بل قيل : إنما سميت راحة الإنسان مع أصابعها بالكف، لأن الأصل فيها أن يكف بها الإنسان الأذى عن نفسه. الغلول : السرقة من المغنم، وقد يراد به هنا الخيانة مطلقاً.

عقبة، عن سليمان بن زياد التميمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): القريب من قرَّبته المودة وإن بَعُدَ نسبه، والبعيد من بعدته المودَّةُ وإِن قَرُبَ نسبه، لا شيء أقرب إلى شيء من يد إلى جسد، وإنَّ اليد تغلُّ فتقطع وتقطع فتحسم (1).

بات إخبار الرجل أخاه بحبه

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد محمّد بن خالد، عن أبيه،، عن محمّد بن عمر بن أذينة ] عن أبيه، عن نصر بن قابوس قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أحببت أحداً من إخوانك فأعلمه (2) ذلك فإنَّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (3).

2 - أحمد بن محمّد بن خالد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعاً، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أحببت رجلاً فأخبره بذلك فإنه أثبت للمودة بينكما.

باب التسليم

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «السّلام تطوع والرد فريضة» (4)

ص: 608


1- «في التمثيل تنبيه على المهاجرة عن القريب وإن كانت شاقة باعتبار القرابة النسبية لكن لا بد منها إن كان خائناً فاسقاء» المازندراني 91/11.
2- أي أخبره بأنك تحبه، فإن لذلك دخلاً كبيراً في شد عرى المحبة بينكما كما يشير إليه الحديث الثاني.
3- البقرة/ 260. والوجه في استشهاد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) على توجيهه المذكور أعلاه لنصر بن قابوس يوضحه ما رواه الشيخ الصدوق (رضیَ اللّهُ عنهُ) في عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الباب الخامس عشر من عيون الأخبار عندما سأل المأمون الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هذه الآية فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه تبارك وتعالى أوحى إلى إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أني أختار من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه ذلك الخليل فقال : رب أرني الآية. قال أو لم تؤمن بي قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة.
4- لا خلاف في أن السلام ابتداءً أمر مرغوب فيه مندوب إليه في الإسلام كما لا خلاف في أن رده لو حصل واجب إذا كان المسلم عليه بالغاً مكلفاً كالمسلّم، كما أن الرد إذا كان المسلّم عليه واحداً واجب عيني وإن كان أكثر فواجب كفائي. وأما إذا كان المسلّم عليه بالغاً والمسلّم مميزاً أو العكس فقد قال بعضهم بوجوب الرد أيضاً بناء على أفعال الصبي المميز صحيحة شرعاً.

2 - وبهذا الإسناد قال : من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه (1) وقال : ابدؤوا بالسّلام قبل الكلام فمن بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه.

3 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «أولى النّاس باللّه وبرسوله من بدأ بالسّلام» (2).

4 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان سلمان (3) رحمه اللّه يقول : افشوا (4) سلام اللّه فإنّ سلام اللّه لا ينال الظالمين(5).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ إفشاء السّلام.

6 - عنه، عن ابن فضّال، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ قال : [إِنَّ] البخيل من يبخل بالسّلام (6).

7 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول: سلّمت فلم يردّوا عليَّ، ولعلّه يكون قد سلّم ولم يسمعهم، فإذا ردّ أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلّم : سلمت فلم يردّوا عليّ، ثمّ قال : كان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تغضبوا ولا تُغضبوا، افشوا السلام، وأطيبوا الكلام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنّة بسلام، ثمّ تلا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول اللّه عزّ وجلّ : (السّلام المؤمن المهيمن) (7).

ص: 609


1- هذا إذا كان تركه السلام لا لسبب عقلائي سوى التهاون بالآداب الشرعية فحقه أن يقابل بالازدراء والإهمال فلا يجاب على كلامه.
2- فيه إشعار بأن الابتداء بالسلام أفضل من رده، وأكثر ثواباً وقربة.
3- في بعض النسخ (كان سليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ)).
4- أي أذيعوا وأنشروا. وهذا مقتضاه التسليم على كلّ مسلم يمكن أن يلقاه عرفه أم لم يعرفه.
5- أي لا تحجب السلام عمّن تعلم بأنه ظالم لنفسه أو لغيره فإنه لا ينفعه ولا يضرك بل فيه منفعة لك لأنك تكون قد عملت على تكميل نفسك وتألفه فلا تثير حفيظته عليك، بل قد يستوجب ذلك استشارة بقية إنسانية عنده تكون مدعاة لارعوائه عن ظلمه أو يكون عملك ذاك سبباً فى دالتك عليه لتنصحه فيقبل نصيحتك.
6- البخيل في الأصل: هو من شح بماله ومنعه غيره، وربما يكون قد جهد في تحصيله وجمعه، أما السلام فلا يكلفه شيئاً ولا مبرر له إلّا سوء طويته وقبح سريرته وعليه فإمساكه عنه أقبح بحيث يصير أولى بصفة البخيل ممّن شح بماله.
7- الحشر / 23 - المؤمن : الّذي يؤمن خلقه المهيمن الشهيد وقيل الأمين، وقيل : المصدّق.

8 - محمّد بن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال البادي بالسلام أولى باللّه وبرسوله.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن الحسن بن المنذر قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من قال : السّلام عليكم (1) فهي عشر حسنات، ومن :قال : [ ال-] سلام عليكم ورحمة اللّه فهي عشرون حسنة، ومن قال : [ ال-] سلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته فهي كاته فهي ثلاثون حسنة.

10 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاثة تردّ عليهم ردّ الجماعة (2) وإن كان واحداً، عن العطاس يقال : يرحمكم اللّه وإن لم يكن معه غيره، والرّجل يسلم على الرّجل فيقول : السّلام عليكم، والرّجل يدعو للرّجل فيقول : عافاكم اللّه، وإن كان واحداً فإنّ معه غيره (3).

11 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين رفعه قال : كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ثلاثة لا يسلّمون (4): الماشي مع الجنازة والماشي إلى الجمعة وفي بيت الحمام.

12 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن هارون ابن خارجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من التواضع أن تسلّم على من لقيت (5).

ص: 610


1- «قال في النهاية : في أسماء اللّه تعالى السلام قيل : معناه سلامته ممّا يلحق الخلق من العيب والفناء، والسلام في الأصل السلامة، ومنه سميت الجنّة بدار السلام لأنها دار السلامة من الآفات وقيل : التسليم مشتق من السلام وقيل : معناه أن اللّه مطلع عليكم فلا تغفلوا. وقيل : معناه اسم السلام عليكم أي اسم اللّه عليك توقعاً لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض العباد عنه، وقيل : معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك». انتهى.
2- أي بصيغة الجمع وإن كان واحداً.
3- هذا لا ينافي ما تقدم في الحديث من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وإن كان واحداً، أو : وإن لم يكن معه غيره لأن النظر هناك إلى أن واحد ظاهرا وليس معه غيره ممّن هو مرئي ومحسوس، وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فإن معه غيره) ناظر إلى الواقع فإن معه الملائكة الحفظة أو كتبة الأعمال بلحاظه أو معه غيره بحسب القصد والنية ممّن هم على دينه وطريقته الإيمانية فقد تلحقهم رحمة اللّه وسلامه بشمولهم بالتسليم.
4- أي لا يبتدؤن بالسلام، إما في الماشي مع الجنازة والماشي إلى الجمعة فلأنهما مشغولا البال بتذكر الموت وأهواله والقبر وبلاءاته والآخرة وموقفها ومشغولا اللسان بذكر اللّه بالمسنون في مثل هذا الموقف فليس مطلوبا منهم التسليم في هذه الحال، وأما الثالث وهو من كان في بيت الحمام فلأن تسليمه قد يستلزم لفت نظر المسلّم عليه فيطلع على شيء منه لا يجوز النظر إليه أو لا يحسن.
5- لأن لازم السلام على من لقي هو السلام على من هو دونه شرفاً ومرتبة في مقاييس النّاس، فابتداؤه لمن هو دونه في الشرف والمرتبة الاجتماعية فيه نوع من التنزل عن مقامه لمن هو دونه ومحاربة لخصلة التكبر الّتي هي ضد التواضع.

13 - أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل، عن أبي عبيدة الحذاء (1)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مرَّ أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقوم فسلّم عليهم فقالوا : عليك السلام ورحمة اللّه وبركاته ومغفرته ورضوانه، فقال لهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما قالوا : رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت(2).

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب (3)، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن من تمام التحية للمقيم المصافحة، وتمام التسليم على المسافر المعانقة (4).

15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): يكره للرجل أن يقول : حيّاك (5) اللّه ثمّ يسكت حتّى يتبعها بالسلام.

باب مَن يجب أن يبدأ بالسلام

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرَّاح المدائني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يسلّم الصغير على الكبير (6)، والمارُّ على القاعد(7)، والقليل على الكثير (8).

2 - عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة ابن

ص: 611


1- واسمه زیاد بن عیسی.
2- «وقال السيد الداماد (رضیَ اللّهُ عنهُ) الرحمة شاملة لجميع المنافع الأخروية والبركات للمنافع الدنيوية الّتي ترجع إلى الأولى من بسط أيديهم لإعلاء كلمة اللّه وهداية خلق اللّه إلى جانب قدسه تعالى فتكون الأولى للكمال والثانية للتكميل» نقلا عن مرآة المجلسي 542/12.
3- هو الحسن بن محبوب.
4- أي أن التحية للمقيم لها جزء ان التسليم والمصافحة. كما أن السلام للمسافر بعد قدومه من سفره له جزءان إلقاء السلام والمعانقة.
5- حيّاك اللّه : - كما فى النهاية - أي أبقاك حياً، وقيل : هو استقبال المحيا وهو الوجه، وقيل ملكك وفرحك.
6- لما له من حق توقيره وتعظيمه على الصغير، ولما فيه من تأديب الصغير وتعويده على احترام من هو أكبر منه. اللّهمّ إلّا إذا كان الصغير حجة من حجج اللّه على خلقه اصطفاه وارتضاه.
7- لأن المار المتحرك بالنسبة للقاعد الثابت بمنزلة الداخل عليه وسوف يأتي أن على الداخل إلى مجلس أن يسلّم.
8- لمزية الجماعة وفضلها.

مصعب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : القليل يبدؤون الكثير بالسّلام، والراكب يبدأ الماشي، وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال (1).

3 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن ابن بكير(2)، عن 1 بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : يسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، وإذا لقيت جماعة جماعةً سلّم الأقل على الأكثر، وإذا لقي واحد جماعة سلّم الواحد على الجماعة (3).

4 - سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يسلّم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد.

5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن عمر بن عبد العزيز عن جميل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان قوم في مجلس، ثمّ سبق قوم فدخلوا فعلى الداخل أخيراً إذا دخل أن يسلّم عليهم (4).

باب إذا سلّم واحد من الجماعة أجزأهم، وإذا رد واحد من الجماعة أجزأ عنهم

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن ابن بكير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا مرَّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم، وإذا سلّم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم(5).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن

ص: 612


1- ربما لأن أصحاب البغال يكونون عادة أعلى رتبة اجتماعياً من أصحاب الحمير وكذا أصحاب الخيل بالنسبة لأصحاب البغال فطلب منهم الابتداء بالسلام على من دونهم لما فيه من التواضع وما له من أثر حسن في نفوس من هم دونهم رتبة.
2- واسمه عبد اللّه.
3- وذلك لمزية الجماعة وفضلها كما تقدم.
4- يحمل على ما إذا دخل القوم واحداً بعد واحد، والظاهر أن هذا الأخير ينبغي أن يسلّم على من كان في المجلس سابقا على دخوله حتّى ولو كان من رفقائه الّذين كان معهم ثمّ سبقوه في الدخول.
5- لأن وجوب الرد في هذه الحالة كاستحباب السلام كفائي لا عيني.

الحجّاج قال : إذا سلّم الرّجل من الجماعة أجزأ عنهم.

3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم، وإذا ردَّ واحدٌ أجزا عنهم.

باب التسليم على النساء

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يسلّم على النساء ويرددن عليه السلام، وكان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسلّم على النساء، وكان يكره أن يسلّم على الشابة منهنَّ ويقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر ممّا أطلب من الأجر (1).

باب التسليم على أهل الملل

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل يهودي على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعائشة عنده فقال : السّام (2) عليكم فقال: رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عليكم، ثمّ دخل آخر (3) فقال مثل ذلك فردّ عليه كما رد على صاحبه، ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك فردَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كما ردَّ على صاحبيه، فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير، فقال لها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يا عائشة إنَّ الفحش (4) لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إنَّ الرّفق لم يوضع على شيء قط إلّا زانه، ولم يرفع عنه قط إلّا شانه (5)، قالت : يا رسول اللّه أما سمعت إلى قولهم : السام عليكم؟ فقال:

ص: 613


1- قال الشيخ الصدوق (رضیَ اللّهُ عنهُ) في من لا يحضره الفقيه ج 3 بعد أن أورد هذا الحديث نفسه تحت رقم (1436) إلّا أن فيه (وقال) بدل (ويقول)، وقوله : (فيدخل من الإثم علي قال :(رضیَ اللّهُ عنهُ) : «إنما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك لغيره وإن عبّر عن نفسه، وأراد بذلك أيضاً التخوف من أن يظن ظان أنّه يعجبه صوتها فيكفر، ولكلام الأئمّة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مخارج ووجوه لا يعقلها إلّا العالمون».
2- السّام - كما في النهاية - الموت والفه منقلبة عن واو.
3- أي يهودي آخر، وكذا ما بعده.
4- الفحش : ما يقبح من القول.
5- أي عابه.

بلى أما سمعتِ ما رددتُ عليهم؟ قلت : عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا : سلام عليكم وإذا سلّم عليكم كافر فقولوا : عليك (1).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن يحيى(2)، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم (3) وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم.

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلّموا على الرجل وهو جالس كيف ينبغي أن يرد عليهم ؟ فقال : يقول : عليكم.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بريد ابن معاوية، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك.

5 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا فادعه ومره فليكفَّ عن آلهتنا ونكفّ عن إلهه، قال : فبعث أبو طالب إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فدعاه، فلما دخل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم ير في البيت إلّا مشركا (4)، فقال : السلام على من اتبع الهدى ثمّ جلس، فخبره أبو طالب بما جاؤوا له. فقال : أوَهَل لهم في كلمة(5) خير لهم من هذا يسودون بها العرب ويطأون أعناقهم ؟ فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة ؟ فقال :تقولون : لا إله إلّا اللّه قال : فوضعوا

ص: 614


1- الظاهر هو الاقتصار على كلمة (عليك) من دون تقديم لفظ السلام، وذلك بملاحظة الروايات الآتية.
2- لقد تكرر في هذا السند اسم محمّد بن يحيى والمراد بأحدهما الخزّاز وبالآخر الخثعمي، وهذا الكلام بجري في سند الحديث الثالث من باب إذا سلم واحد من الجماعة الخ المتقدم.
3- نهي عن ابتداء الكفار بالسلام والنهي ظاهر في الحرمة.
4- أي ظاهراً، لأن أبا طالب كان يستر إيمانه عن قريش وكان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يعلم ذلك أو أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم ير فيمن وفد على بيت أبي طالب إلّا مشركاً.
5- «الظاهر أن (أو) حرف عطف، يعني إما هذا الّذي قلت أو كلمة أخرى هي خير لهم من هذا، وهل لهم من ذاك، فاعترض الاستفهام بين حرف العطف والمعطوف» الوافي ج 3 ص / 110. وأما المازندراني 103/11 فقد ذهب إلى أن الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر، و (لهم) متعلق بمحذوف، و (خير) خبر مبتدأ، والتقدير : أقالوا هذا، وهل لهم رغبة في كلمة هي خير لهم من هذا الّذي طلبوه».

أصابعهم في آذانهم وخرجوا هراباً يقولون (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) فأنزل اللّه تعالى في قولهم : (ص * وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ - إلى قوله - إِلَّا اخْتِلَاقٌ) (1).

6 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن زرارة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تقول في الردّ على اليهودي والنصراني سلام (2).

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ): أرأيت إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أسلم عليه وأدعو له؟ قال: نعم إنه لا ينفعه دعاؤك (3)

8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرأيت إن احتجت إلى الطبيب وهو نصراني [أن] أسلّم عليه وأدعو له؟ قال: نعم إنه لا ينفعه دعاؤك.

9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن عرفة، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قيل لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف أدعو لليهودي والنصراني قال : تقول له : بارك اللّه لك في الدنيا (4).

10 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني قال من وراء الثوب فإن صافحك بيده (5) فاغسل يدك (6).

ص: 615


1- ص / 1 - 7 ذي الذكر أي ذي الشرف، وقيل ذي التذكر لكم :اختلاق أي كذب اختلقه محمّد.
2- سلام هنا، أي لا شأن لنا بك وأمرنا متاركة أتركك وتتركني فأسلم منك وتسلم مني، كأنه سلام توديع ومفارقة وليس سلام تحية وموادّة، وقد ورد فى القرآن بمعنى المتاركة والمفارقة فى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم الأزر قال سلام عليك 47 / مريم، وكذا 55 / القصص و 89 / الزخرف و 63 / الفرقان وغيرها وليس سلام تحية وموادة كما في هود / 48، والنساء / 94، ومريم / 33 وهود / 69، وفي قوله تعالى : (وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) الأنعام / 54 وغيرها.
3- هذا لا ينافي ما تقدم، لأنه هنا محمول على حال الضرورة حسب الظاهر والضرورات تبيح المحظورات. وقد مر أن سلام اللّه لا ينال الظالمين.
4- في بعض النسخ (في دنياك).
5- أي من دون حاجب.
6- وذلك لأن الكافر نجس العين فتسري النجاسة مع الرطوبة المسرية، وإلا فيكون غسل اليد استحبابياً للتعبد.

11 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبّاس بن عامر، عن عليّ بن معمر عن خالد القلانسي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): ألقى الذمي فيصافحني، قال : امسحها بالتراب وبالحائط (1)، قلت فالناصب؟ قال : اغسلها (2).

12 - أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن العلاء بن رزين، محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رجل صافح رجلاً مجوسياً قال : يغسل يده ولا عن يتوضأ (3).

باب مكاتبة أهل الذمة

باب مكاتبة أهل الذمة (4)

1 - أحمد بن محمّد الكوفي، عن عليّ بن الحسن بن عليّ، عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن أبي بصير قال : سُئل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرّجل يكون له الحاجة إلى المجوسي أو إلى اليهوديّ، أو إلى النصراني، أو أن يكون عاملاً أو دهقان (5) من عظماء أهل أرضه، فيكتب إليه الرّجل في الحاجة العظيمة أيبدأ بالعلج (6) ويسلّم عليه في كتابه، وإنّما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته؟ قال: أما أن تبدأ به فلا، ولكن تسلّم عليه في كتابك، فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قد كان يكتب إلى كسرى وقيصر.

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن عبد اللّه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرّجل يكتب إلى رجل من عظماء عمال المجوس فيبدأ باسمه قبل اسمه ؟ فقال : لا بأس إذا فعل لاختيار المنفعة (7).

ص: 616


1- لا بد وأن يحمل على صورة عدم الرطوبة المسرية.
2- هذا يدل على أخبثية الناصب على الكافر ومع ذلك لا بد من حمل وجوب غسل اليد على صورة ما إذا كانت المصافحة مع الرطوبة المسرية.
3- أما غسل اليد فلسراية النجاسة، وإما عدم الوضوء فلأن ملاقاة الأعيان النجسة لا توجب نقض الوضوء كما أنّها ليست من موجباته.
4- المكاتبة : المراسلة بواسطة الكتب.
5- الدُّهقان : المتولي لشؤون إدارة الناحية أو الضيعة، وعند العجم رئيس الفلاحين ويطلق على التاجر، وكل من كان له التصرف بقوة في شأن من الشؤون.
6- العلج - كما في الصحاح - الرجل من الكفار ويبدأ به أي يقدم ذكر اسمه في الرسالة.
7- اختيار المنفعة : جلبها. ولا منافاة بين قوله هنا لا بأس، وقوله في الرواية المتقدمة (فلا) إذ يمكن حملها هناك على الكراهة وهنا على الإباحة أو الجواز.

باب الإغضاء

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عنده قوم يحدّثهم، إذ ذكر رجل منهم رجلاً فوقع فيه (1) وشكاه، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنّى لك بأخيك كله - وأيّ الرّجال المهذب -(2).

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم؛ ومحمّد بن سنان، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تفتش النّاس (3) فتبقى بلا صديق.

باب نادر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن العلاء بن الفضيل، وحمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : انظر قلبك فإذا أنكر صاحبك فإنّ أحدكما قد أحدث (4).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن يوسف، عن زكريا بن محمّد، عن صالح بن الحكم قال : سمعت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الرّجل يقول : أودّك فكيف أعلم أنّه يودني ؟ فقال : امتحن قلبك فإن كنت توده فإنه يودَّك.

3 - أبو بكر الحبّال، عن محمّد بن عيسى القطان المدائني قال: سمعت أبي يقول: حدَّثنا مسعدة بن اليسع قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي واللّه لأحبّك، فأطرق ثمّ رفع رأسه فقال : صدقت يا أبا بشر، سل قلبك عما لك في قلبي من حبّك فقد أعلمني

ص: 617


1- أي أخذ في ذمه وسبه والانتقاص منه.
2- «(أنّى) بمعنى (أين) للاستبعاد، يعني من أين لك أخوك كلّ الأخ أي الكامل في الأخوة المنزه عما يوجب النقص فيها...» المازندراني 105/11.
3- أي اكتف بحسن ظاهرهم ولا تحاول أن تدقق في بواطنهم، لأنك قلما تجد شخصاً باطنه خالص من أي عيب.
4- أي أبغضك، أو أنّه أحدث ما يوجب فساد المودة بينكما.

قلبي عمّالي في قلبك (1).

4 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تنسني من الدّعاء قال : [أ] وتعلم أني أنساك؟ قال : فتفكرت في نفسي وقلت: هو يدعو لشيعته وأنا من شيعته قلت لا لا تنساني قال : وكيف علمت ذلك؟ قلت : إني من شيعتك وإنّك لتدعو لهم، فقال : هل علمت بشيء غير هذا؟ قال : قلت:،لا، قال : إذا أردت أن تعلم مالك عندي فانظر [إلى] مالي عندك.

5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : انظر قلبك فإن أنكر صاحبك فاعلم أنَّ أحدكما قد أحدث.

باب العُطاس والتسميت

باب العُطاس والتسميت (2)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جرّاح المدائني قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : للمسلم على أخيه من الحق أن يسلّم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمّته إذا عطس يقول (3) : «الحمد للّه رب العالمين لا شريك له»، ويقول له : «يرحمك اللّه» فيجيبه فيقول له: «يهديكم اللّه ويصلح بالكم»، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات (4).

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي. عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا عطس الرّجل فسمتوه ولو كان من وراء جزيرة، وفي رواية اخرى ولو من وراء البحر» (5).

ص: 618


1- أي أن هنالك تلازماً بين ما وجدت لي في قلبك من حب وبين ما وجدته في قلبي لك منه.
2- التسميت بالسين والشين (التشميت) - كما في النهاية - الدعاء بالخير والبركة، واشتقاق المعجمة (التشميت) من الشوامت وهي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة اللّه، وقيل : معناه أبعدك اللّه عن الشماتة، والمهملة (التسميت) من السمت وهو الهيئة الحسنة والقصد والحجة، أي جعلك اللّه على سمت حسن لأن هيئته يزعج للعطاس.
3- أي العاطس.
4- أي يشيع خبازته.
5- هذا مع إمكان سماعه، والمقصود بالبحر حسب الظاهر النهر أو ما شابهه والجزيرة والبحر كناية عن الحاجز بين العاطس والمسمّت وهو يدل على تأكد استحباب تسميت العاطس لمكان الاهتمام به إلى هذا الحد والحرص عليه.

3 - الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن مثنى، عن إسحاق بن يزيد ومعمر بن أبي زياد وابن رئاب قالوا : كنا جلوساً عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ عطس رجل فما ردّ عليه أحد من القوم شيئاً، حتّى ابتدأ هو (1) فقال : سبحان اللّه، ألا سمتم، إن من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكى، وأن يجيبه إذا دعاه، وأن يشهده إذا مات، وأن يسمّته إذا عطس.

4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى قال : كنت عند الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعطس، فقلت له : صلّى اللّه عليك، ثمّ عطس، فقلت: صلى اللّه عليك، ثمّ عطس فقلت صلّى اللّه عليك وقلت له : جعلت فداك إذا عطس مثلك (2) نقول له كما يقول بعضنا لبعض يرحمك اللّه ؟ أو كما نقول (3)؟ قال : نعم أليس تقول : صلى اللّه على محمّد وآل محمّد؟ قلت بلى قال : وارحم محمّداً وآل محمّد (4)؟ قال : بلى وقد صلّى اللّه عليه ورحمه وإنما (5) صلواتنا عليه رحمة لنا وقربة.

5 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : التثاؤب من الشيطان والعطسة من اللّه عزّ وجلّ (6).

6 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد قال سألت العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن العطسة وما : العلّة في الحمد اللّه عليها ؟ فقال : إنّ اللّه نعماً على عبده في صحة بدنه وسلامة جوارحه، وإنّ العبد ينسى ذكر اللّه عزّ وجلّ على ذلك، وإذا نسي أمَرَ اللّه الرّيح فتجاوز (7) في بدنه ثمّ يخرجها

ص: 619


1- أي الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- أي من أهل العصمة (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- إشارة إلى قوله للإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلى اللّه عليك.
4- أي وتقول هذا القول أيضاً.
5- أي أن صلواتنا عليه وعليهم لا لحاجة منهم إلى دعائنا لهم بل لاحتياجنا نحن إلى مغفرته ورحمته سبحانه وقد جعلت صلواتنا عليهم وسيلة إلى نيلهما.
6- «إنما كان الشاؤب من الشيطان لأن منشأه الغفلة الناشئة من الخذلان بأن يكل اللّه العبد إلى نفسه وإنما كانت العطسه من اللّه عزّ وجلّ لأنه حمل عبده عليها ليذكر اللّه عندها» الوافي ج 114/3. وقال المازندراني 108/11 وإنما نسبه - أي التثاب - إلى الشيطان لأنه من تكسيله وسببه، وقيل: أضيف إليه لأنه يرضيه. وقيل إنما ينشأ من امتلاء البطن) وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذا كرهه اللّه تعالى وأحبه الشيطان وضحك منه... ولكونه من الشيطان قيل إنه ما تثاب نبي قط».
7- أصلها فتتجاوز أي تسري وتتخلل.

من أنفه، فيحمد اللّه على ذلك، فيكون حمده عند ذلك شكراً لما نسي.

7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن فضّال، عن جعفر ابن يونس، عن داود بن الحصين قال : كنا عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأحصيت في البيت أربعة عشر رجلاً، فعطسن أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما تكلّم أحدٌ من القوم فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا تسمتون ألا (1) تسمتون من حق المؤمن على المؤمن إذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يشهد جنازته، وإذا عطس أن يسمته - أو (2) قال : يشمته - وإذا دعاه أن يجيبه.

8 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر عن جابر قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نِعمَ الشيء العَطْسَة، تنفع في الجسد وتذكّر باللّه عزّ وجلّ، قلت : إن عندنا قوماً يقولون : ليس لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في العطسة نصيب (3)، فقال إن كانوا كاذبين فلا نالهم شفاعة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).

9 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه قال : عطس رجل عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الحمد اللّه، فلم يسمّته أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : نقصنا حقنا (4)، ثمّ قال إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد للّه ربّ العالمين وصلى اللّه على محمّد وأهل بيته. قال : فقال الرَّجل (5)، فسمّته أبو جعفر.

10 - علي،، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل البصري، عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ النّاس يكرهون الصلاة على محمّد وآله في ثلاثة مواطن : عند العطسة، وعند الذبيحة، وعند الجماع، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مالهم ويلهم نافقوا لعنهم اللّه.

11 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعد بن أبي خلف قال : كان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا عطس فقيل له : يرحمك اللّه قال : يغفر اللّه لكم ويرحمكم ؛ وإذا عطس عنده إنسان قال : يرحمك اللّه عزّ وجلّ.

ص: 620


1- ألا : حرف تخصيص إذا شُدّدت. وإذا خففت فهي للاستفهام وقد يكون إنكارياً وتوبيخياً.
2- الترديد من الراوي.
3- الظاهر - وبقرينة الرواية التالية - أنهم كانوا يرون الاكتفاء عند العطسة بقول الحمد للّه أو بذكر اللّه مطلقاً من دون ذكر محمّد وأهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
4- لم يعطنا ما نستحق من ذكرنا عند عطاسه، وهو قول اللّهمّ صل على محمّد وأهل بيته.
5- أي قال الرجل ما قاله الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) تاماً.

12 - عنه، عن أبيه، عن النوفلي أو غيره عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: عطس غلام لم يبلغ الحُلُمَ عند النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : الحمد للّه، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بارك اللّه فيك.

13 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا عطس الرجل فليقل: الحمد اللّه [ ربّ العالمين] لا شريك له، وإذا سمّت الرّجل فليقل : يرحمك اللّه، وإذا رد[دت] فليقل: يغفر اللّه لك ولنا : فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سئل عن آية أو شيء فيه ذكر اللّه (1) فقال : كلّما ذكر اللّه فيه فهو حسن(2).

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن الحسين بن نعيم عن مسمع بن عبد الملك قال : عطس أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الحمد اللّه ربّ العالمين ثمّ جعل أصبعه على أنفه فقال : رغم أنفي اللّه رغماً داخراً (3).

15 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن سالم عن أحمد بن النضر، عن محمّد بن مروان رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من قال إذا عطس : الحمد للّه ربّ العالمين على كلّ حال لم يجد وجع الأذنين والأضراس.

16 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد أو (4) غيره، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: في وجع الأضراس ووجع الآذان إذا سمعتم من يعطس فابدؤوه بالحمد(5).

17 - عليّ بن إبراهيم [عن أبيه] عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير، عن عثمان، عن أبي أسامة (6) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): من سمع عطسة فحمد اللّه عزّ وجلّ

ص: 621


1- أي سُئِلَ ليعلمهم شيئاً مخصوصاً يقال عند العطاس أو التسميت.
2- بدل ما تقدم وما يأتي على أن بعض الأحاديث الّتي ورد فيها الذم لمن لم يذكر محمّداً وأهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عند العطسة أو الّتي ورد فيها الحث على قولها إنما كانت - حسب الظاهر - مخصوصة بصورة ما إذا لم يقلها القائل باعتباره من أهل الخلاف عليهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويؤمي إلى ذلك بعض التعابير الواردة في تلك الروايات مثل : إن عندنا قوماً. أو: إن النّاس يكرهون.
3- رغم، وأرغم اللّه أنفه : - كما في النهاية - أي ألصقه بالرغم وهو التراب، هذا هو الأصل، ثمّ استعمل في الذل والعجز والانقياد على كره منه.
4- الترديد من الراوي.
5- أي بقول الحمد اللّه.
6- الظاهر أنّه زيد الشحام.

وصلّى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأهل بيته لم يشتك عينيه ولا ضرسه، ثمّ قال : إن سمعتها فقلها (1) وإن كان بينك وبينه البحر.

18 - أبو علي الأشعري عن بعض أصحابه، عن ابن أبي نجران، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : عطس رجل نصراني عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له القوم : هداك اللّه (2)، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : [فقولوا]: يرحمك اللّه، فقالوا له : إنه نصراني؟! فقال : لا يهديه اللّه حتّى يرحمه.

19 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إذا عطس المرء المسلم ثمّ سكت لعلة تكون به قالت الملائكة عنه : الحمد للّه ربّ العالمين، فإن قال : الحمد للّه ربّ العالمين، قالت الملائكة يغفر اللّه لك قال وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «العطاس للمريض دليل العافية وراحة البدن».

20 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن موسى عن يعقوب بن يزيد عن عثمان بنعيسى، عن عبد الصمد بن بشير، عن حذيفة بن منصور [ عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)] قال : قال : العطاس ينفع في البدن كله ما لم يزد على الثلاث فإذا زاد على الثلاث فهو داء وسقم (3).

21 - أحمد بن محمّد الكوفي، عن عليّ بن الحسن، عن عليّ بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم عن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) (4) قال : العطسة القبيحة (5).

22 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن ابن راشد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من عطس ثمّ وضع يده على قصبة أنفه ثمّ قال: «الحمد للّه ربّ العالمين [الحمد للّه] حمداً كثيراً كما هو أهله، وصلّي اللّه على محمّد النبي وآله وسلّم» خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب، حتّى يسير تحت العرش يستغفر اللّه له إلى يوم القيامة (6).

ص: 622


1- أي إن سمعت العطسة فقل هذه الكلمات.
2- أي إلى الإسلام.
3- كالزكام ونحوه ممّا يدل على وجود رطوبات في البدن تجاوزت حدها فسببت اختلال وظائف بعض أعضائه.
4- لقمان / 19. أنكر الأصوات : أقبحها.
5- دل على أنّها إذا خرجت بصوت منكر تكون من مصاديق الآية المستشهد بها.
6- هذا الحديث نص على ضعفه صاحب مرآة العقول 559/12.

23 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه رواه، عن رجل من العامة قال : كنت أجالس أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلا واللّه ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسه (1). قال: فقال لي ذات يوم: من أين تخرج أين تخرج العطسة؟ فقلت : من الأنف، فقال لي : أصبت الخطأ (2)، فقلت : جعلت فداك من أين تخرج؟ فقال: من جميع البدن، كما أنَّ النطفة تخرج من جميع البدن ومخرجها (3) من الإحليل، ثمّ قال : أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاؤه (4)، وصاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام.

24 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «تصديق الحديث عند العطاس» (5).

25 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا كان الرّجل يتحدث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حق».

26 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «تصديق الحديث عند العطاس».

27 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد، عن أحمد بن محمّد، عن محسن بن عن أبان بن عثمان عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا عطس الرَّجل ثلاثاً فَسَمِّته ثمّ اتركه (6).

باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ من إجلال اللّه عزّ وجلّ

ص: 623


1- أي أعظم أو أنجب أو أفضل.
2- أي اخطأت. وهو عبارة أخرى عن قوله : أخطأت الصواب.
3- أي النطفة والإحليل مجرى البول من ذكر الإنسان وقد يطلق على الذكر برمته.
4- أي حصلت فيها مثل الرعدة، والحركة الشديدة.
5- «لعل السر فيه أن العطسة رحمة من اللّه تعالى للعبد ويستبعد نزول الرحمة في مجلس يكذب فيه خصوصاً عند صدور الكذب فإذا قارنت الحديث دلت على صدقه» المازندراني 113/11.
6- أي إذا عاود العطس بعد الثلاثة فلا تسمتنه.

إجلال الشيخ الكبير (1).

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من عرف فضل كبير لسنه فوقره آمنه اللّه من فزع يوم القيامة».

3 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «من وقر ذا شيبة في الإسلام آمنه اللّه عزَّ وجلّ من فزع يوم القيامة».

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا الخطاب يحدّث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثلاثة لا يجهل حقهم إلّا منافق معروف [ب-] النفاق : ذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن (2)، والإمام العادل (3).

5 - عنه، عن أبيه، عن أبي نهشل، عن عبد اللّه بن سنان قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من إجلال اللّه عزّ وجلّ إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمناً فبكرامة اللّه بدأ، ومن استخفٌ بمؤمن ذي شيبة أرسل اللّه إليه من يستخف به قبل موته.

6 - الحسين بن محمّد أحمد عن بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير وغيره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من إجلال اللّه عزّ وجلّ إجلال ذي الشيبة المسلم (4).

باب إكرام الكريم

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال دخل رجلان على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فألقى لكلّ واحد منهما وسادة فقعد عليها أحدهما وأبى الآخر، فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) اقعد عليها فإنه لا يأبى الكرامة إلّا حمار (5)، ثمّ قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».

ص: 624


1- أي تعظيمه وتوقيره في جميع الأحوال.
2- لقد تقدم روايات كثيرة في فضل حامل القرآن وقلنا بأن المراد بحامله حافظه والمتدبر لآياته والعامل به.
3- الظاهر أنّه إمام الأصل، أي الإمام المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ). ويحتمل الأعم فيشمل إمام الجماعة وغيره.
4- من الواضح في هذه الروايات من هذا الباب أنّها تقيد ذا الشيبة بكونه مؤمناً أو مسلماً أو في الإسلام، وفي هذا دلالة على أن الحكم بلزوم توقیره و تعظیمه مختص به دون غيره من الشيوخ.
5- الكرامة مصدر كرم يكرم، وكرّمه تكريماً عظمه ونزّهه.وأعزّه. وإطلاق الحديث يشمل كلّ أنواع التكريم سواء كان بالقول أو الفعل ومنه إهداء الهدية وشبهها وتخصيص الحمار بالذكر هنا نظراً لغبائه وحقارته. والخسيس ضد الكريم.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد محمّد بن عیسى، عن عبد اللّه العلوي، عن أبيه، عن جده قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): لما قدم عدي بن حاتم إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (1) أدخله النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بيته، ولم يكن في البيت غير خَصَفَة (2) ووسادة من أدم (3). فطرحها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لعديّ بن حاتم.

باب حقّ الداخل

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إنَّ من حق الدّاخل على أهل البيت أن يمشوا معه هُنَبيَّةً (4) إذا دخل وإذا خرج ؛ وقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم في بيته فهو أمير عليه حتّى يخرج» (5).

باب المجالس بالأمانة

1 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ؛ وأحمد بن محمّد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان عن ابن أبي عوف، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : المجالس بالأمانة.(6).

ص: 625


1- وذلك بعد هر به إلى الشام على أثر قتال المسلمين بقيادة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقبيلة طي الّتي كان عدي هذا زعيمها باعتبار أنهم أصروا على الشرك، ثمّ بعد ذلك رجع عدي إلى الجزيرة وقدم المدينة وأسلم على يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
2- الخَصَفة : الجُلَّة تعمل من الخوص للتمر. وكذلك تقال للثوب الغليظ جداً، جمعها خَصَف وخِصاف.
3- الأدم: جمع أديم وهو الجلد أو أحمره أو مدبوغه.
4- هنئية : أي ساعة يسيرة أو لطيفة وهي هنا كتابة عن الخطوات القليلة، أو الوقت اليسير.
5- الأمير هو الداخل لا صاحب البيت. والأمير هنا كناية عن تعظيمه وتبجيله وخدمته. قال الشاعر: يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا ***نحن الضيوف وأنت رب المنزل
6- أي أن كلّ ما يراه الإنسان أو يسمعه في مجلس يكون فيه فهو في حكم الأمانة من وجوب الحفظ وعدم الإذاعة وعدم التفريط، بل عليه أن يتعامل معه كما يتعامل مع سر نفسه هو.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «المجالس بالأمانة».

3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى، عمّن،، ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : المجالس بالأمانة وليس لأحد أن يحدث بحديث يكتمه صاحبه إلّا بإذنه إلّا أن يكون ثقة (1) أو ذكراً له بخير.

باب في المناجاة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان القوم ثلاثة فلا يتناجى منهم اثنان دون صاحبهما، فإن في ذلك [م-]مّا يحزنه ويؤذيه (2).

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أصحابنا، عن أحمد بن محمّد أبي عبد اللّه عن محمّد بن عليّ، عن يونس بن يعقوب، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان ثلاثة في بيت فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك ممّا يغمّه (3).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «من عَرَض لأخيه المسلم [المتكلّم ] في حديثه فكأنما خدش وجهه» (4).

ص: 626


1- أي إلّا أن يكون المنقول إليه ثقة مأموناً على ذلك الحديث لا ينقله إلى ثالث إلّا إذا كان ثقة أيضاً وهكذا. ولكن يستشكل فيه مع ملاحظة أن صاحبه يكتمه، ومعنى كتمانه له أنّه يكره أن يشيع والسر إذا جاوز الاثنين شاع. اللّهمّ إلّا أن يحمل على أن ذلك الحديث له ارتباط بموضوع الإمامة وما إليها فيجب كتمه كما مر في باب الكتمان من المجلد الثاني، إلّا على من يوثق به من شيعة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). وفي بعض النسخ (إلا أن يكون فقها).
2- قال اللّه تعالى : (إنما النجوى من الشيطان ليَحْزُنَ الّذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلّا بإذن اللّه) المجادلة / 10. والنجوى الحديث الخفي أو السر.
3- «وكذلك الجماعة دون الواحد للاشتراك في العلة. ثمّ حزنه إما لكتمان السر عنه وعدم ائتمانه بحفظه أو لتوهمه أنهما يقولان في حقه شيئاً ممّا يكرهه... إلى غير ذلك من تسويلات النفس وأحاديث الشيطان... ولا يبعد تخصيص ذلك بما إذا لم يحتاجا إلى السر شرعاً أو عرفاً أو لم يعلما عدم حزن الخارج... فالظاهر أنّه لا يكره...» المازندراني 116/11.
4- أي من قاطع أخاه المسلم في كلامه بحيث لزم منه منعه من إتمام حديثه، خاصة إذا كانت المقاطعة بعنوان الاعتراض عليه وتسفيه رأيه فإن في ذلك إهانة له وحطاً من شأنه وإسقاط مروّته بين النّاس.

باب الجلوس

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن النوفلي، عن عبد العظيم ابن عبد اللّه بن الحسن العلوي رفعه قال : كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يجلس ثلاثاً(1): القُرْفُص (2) وهو أن يقيم ساقيه ويستقبلهما بيديه ويشدّ يده في ذراعه ؛ وكان يجثو على ركبتيه (3)، وكان يثنى رجلاً واحدة ويبسط عليها الأخرى ولم ير (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متربعاً قط.

2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه (4) فقلت : إنَّ النّاس (5) يكرهون هذه الجلسة ويقولون : إنّها جلسة الرَّبِّ، فقال : إنّي إنّما جلست هذه الجلسة للملالة، والرَّبُّ لا يمل (6)، ولا تأخذه سنة ولا نوم.

3 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن مرازم، عن أبي سليمان الزاهد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من رضي بدون التشرف من المجلس لم يزل اللّه عزّ وجلّ وملائكته يصلون عليه حتّى يقوم (7).

4 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أكثر ما يجلس (8) تجاه القبلة.

5 - أبو عبد اللّه الأشعري عن معلى بن محمّد، عن الرّشاء، عن حماد بن عثمان قال :

ص: 627


1- أي ثلاث كيفيات. أو ثلاث جلسات.
2- قال في القاموس : القُرفصاء ضرب من الجلوس وهو أن يجلس على اليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه على ساقيه كما يحتبي بالثوب تكون يداه مكان الثوب.
3- هذه هي الكيفية الثانية لجلسته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). والجُثو : الجلوس على الركبتين.
4- وهذه الجلسة تسمى التورك. ووضع إحدى رجليه على فخذه تميزها عن جلسة التربع.
5- الظاهر أن المقصود بالناس أولئك الّذين يجعلون اللّه جسماً له طول وعرض وأعضاء كأعضاء الإنسان وهم المشبهة والمجسمة ممّن ينتحلون الإسلام وهو منهم براء، أو اليهود والنصارى من غير المسلمين.
6- لأن الملل من صفات الممكن الضعيف واللّه سبحانه هو الواجب الوجود لذاته ويستحيل عليه ذلك.
7- المراد بالتشرف بالمجلس المكان الّذي هو لأهل الشرف والصدارة وهو أعلى المجلس وصدره عادة ومعنى الحديث أنّه إن كان من أهل الصدارة والشرف ومع ذلك جلس حيث ينتهي به المجلس وكان يمكنه أن يجلس في الصدر، وذلك تواضعاً وتهذيباً لنفسه وصوناً لها عن العُجب والغرور فإنه يكون أهلا لطلب الرحمة له من قبل الملائكة وأهلاً لغمره بها من قبل اللّه سبحانه.
8- (ما) مصدرية : أي أكثر جلوسه، مجتمعاً ومنفرداً.

جلس أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) متورّكاً رجله اليمنى على فخذه اليسرى فقال له رجلٌ : جعلت فداك هذه جلسة مكروهة، فقال : لا إنّما هو شيء قالته اليهود لما أن فرغ (1) اللّه عزّ وجلّ من خلقٍ : السماوات والأرض واستوى على العرش، جلس هذه الجلسة ليستريح، فأنزل اللّه عزّ وجلّ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) (2) وبقي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) متوركاً كما هو.

6 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل.

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى(3)، عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقُّ به إلى الليل (4) ؛ قال : وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء (5).

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ينبغي للجلساء في الصيف أن يكون بين كلّ اثنين مقدار عظم الذراع (6) للا يشقّ بعضهم على بعض في الحرّ.

9 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان قال : رأيت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يجلس في بيته عند باب بيته قبالة الكعبة.

باب الاتكاء والاحتباء

باب الاتكاء والاحتباء (7)

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

ص: 628


1- هذا مقول قولهم الفاسد عليهم لعائن اللّه.
2- البقرة/ 255.
3- تقدم التنبيه على أن أحد الراويين هو الخزاز والآخر هو الخثعمي.
4- هذا هو وجه التشبيه بين السوق والمسجد حيث قيل : الوقف لمن سبق والسوق وإن لم يكن وقفاً إلّا أنّه من المنافع العامة الّتي يكون السابق إلى الانتفاع بها أحق من غيره فيها فلا يجوز إزالته بالإكراه عنها وأخذ مكانه.
5- الكراء الأجرة. وبيوت السوق دكاكينها وخيمها وأكشاكها الّتي تعرض فيها البضائع والسلع.
6- هذا من كلّ جانب، فتصبح المسافة بين كلّ اثنين من الجانبين ذراعين، وهذا طبعا تابع لضيق المكان وسعته.
7- الإحتياء جمع الظهر والساقين باليدين أو بقماش من عمامة أو ثوب أو غيرهما.

قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الإتكاء في المسجد (1) رهبانية العرب، إن المؤمن مجلسه مسجده وصومعته بيته».

2 - عنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الاحتباء في المسجد حيطان العرب (2).

3 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «الاحتباء حيطان (العرب».

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن - أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرجل يحتبي بثوب واحد؟ فقال : إن كان يغطي عورته فلا بأس (3).

5 - عنه، عن محمّد بن عليّ عن عليّ بن أسباط عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا يجوز للرجل أن يحتبي مقابل الكعبة (4).

باب الدُّعابةوالضحك

باب الدُّعابة(5) والضحك

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : جُعِلتُ فداك، الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون ؟ فقال : لا بأس ما لم يكن فظننت أنّه عنى الفحش (6)، ثمّ قال: إن رسول ثمّ

ص: 629


1- أي انتظاراً لدخول وقت الصلاة المفروضة أو للتأمل والتدبر في آيات اللّه أو لأية طاعة من الطاعات.
2- شبه الاحتباء بالحيطان لأنه بشد ركبتيه وساقيه مع ظهره بيديه بعد جمعهما تصير تلك الهيئة من الجلوس لهم كالحائط تمنعهم من السقوط وإنما خصص الاحتباء بكونه في المسجد ربما لأن أكثر مساجدهم لم تكن إلّا عبارة عن عرصة يتخذونها للصلاة من دون جُدر أو سقوف أو كانت جُدرها من الخوض فلا تصلح للاتكاء فيستعملون طريقة الاحتباء لأنه يساعدهم على شد أصلابهم إذا جلسوا. وهذا الوجه ينسحب على الحديث التالي أيضاً.
3- أي فيه من الطول ما يكفي عند رفعه الساقيه حالة الاحتباء لستر عورته. وبمفهومه يدل على وجود بأس فيما لم يكن كذلك.
4- ربما لأنه يتنافى مع الخشوع والخضوع والتذلل أما بيت اللّه الحرام وأول بيت وضع للناس. وفي بعض النسخ (قبالة الكعبة) والمعنى واحد.
5- الدُّعابة : المزاح.
6- أي ما لم يكن المزاح فحشاً في القول. وهذا من كلام الراوي.

اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يأتيه الأعرابي فيهدي له الهدية ثمّ يقول مكانه (1) : أعطنا ثمن هديتنا، فيضحك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). وكان إذا اغتم يقول : ما فعل الأعرابي ليته أتانا

2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن شريف بن سابق، عن - الفضل بن أبي قرَّة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من مؤمن إلّا وفيه دعابة، قلت: وما الدُّعابة (2) ؟ قال : المزاح.

3 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن يحيى بن سلام، عن يوسف بن يعقوب، عن صالح بن عقبة، عن يونس الشيباني قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قلت : قليل قال : فلا تفعلوا (3) فإنَّ المداعبة من حُسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك، ولقد كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يداعب الرَّجل يريد أن يسرَّه.

4 - صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يحبُّ المداعب في الجماعة بلا رفث(4).

5 - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن كليب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ضحك المؤمن تبسم (5)

6 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن منصور، عن حريز عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كثرة الضحك تميت القلب (6)، وقال : كثرة الضحك تميث الدين (7) كما يميث الماء الملح.

7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ من الجهل الضحك من غير عَجَب (8) ؛ قال : وكان يقول : لا تبدين عن واضحة (9) وقد

ص: 630


1- أي يقول الأعرابي وهو واقف مكانه لا يتزحزح.
2- إنما سأل هذا السؤال لأن لفظ دعابة يحتمل عدة معان منها الأحمق والضعيف وغيرهما.
3- أي لا تفعلوا ما أنتم عليه من قلة المزاح. وليس معنى ذلك الحث على الإفراط فيه لأنه مذموم بل لا إفراط ولا تفريط.
4- الرفث - هنا - الفحش من القول ويطلق على الجماع.
5- التبسّم : أقل الضحك وهو ما لم يشتمل على صوت.
6- أي توقعه في الغفلة.
7- أي تذيبه.
8- العَجَب والتعجب من الأمور العارضة على الإنسان بلا واسطة، وهو مساءٍ في الصدق مع الإنسان، إذ لا يصدق على الأعجم أنّه متعجب.
9- الواضحة : - كما في الصحاح - الأسنان الّتي تبدو عند الضحك، وهو كناية عن النهي عن الضحك في حال يكون الإنسان في مقام المعصية اللّه سبحانه بل عليه أن يحزن ويندم على ما فرط في جنب اللّه لا أن يضحك ويكون من الغافلين. وقيل : الواضحة هي الأسنان سميت بذلك لاتصافها بالوضح وهو البياض.

عملت الأعمال الفاضحة، ولا يأمن البيات (1) من عمل السيئات.

8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إياكم والمزاح فإنّه يذهب بماء الوجه (2).

9 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن حدَّثه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أحببت رجلاً فلا تمازحه ولا تماره (3)

10 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : القهقهة من الشّيطان (4).

11 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن عنبسة العابد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كثرة الضحك تذهب بماء الوجه.

12 - عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): إياكم والمزاح فإنه يجر السخيمة (5) ويورث الضغينة (6) وهو السبُّ الأصغر (7).

13 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن خالد بن طهمان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا قهقهت فقل حين تفرغ «اللّهمّ لا تمقتني» (8).

ص: 631


1- البيات : - هنا - وقوع العذاب فجأة ليلاً أو مطلقاً.
2- يمكن الجمع بين النهي عن المزاح في هذا الحديث وغيره مع التوجيه إليه فيما تقدم بحمله هنا على النهي عن الإغراق فيه والإكثار منه أو كونه مع بذيء أو خسيس وضيع فإنه يذهب بوقار الإنسان ويسقطه في عيون النّاس ويحمل التوجيه إليه هناك على ما إذا كان بحد معقول وبكيفية معقولة مع أشخاص مؤمنين مؤدبين بآداب الإسلام.
3- المماراة : المجادلة.
4- القهقهة : الضحك بصوت عال مع الترجيع فيه وهي غالباً من صفات أهل الغفلة وهي من الشيطان ولذا نسبها إليه.
5- السخمة: الحقد في النفس.
6- الضغينة، الحقد والبغضاء والعداوة.
7- أي الشتم الأصغر الّذي يؤدي غالباً إلى الشتم الأعظم والفحش فيه.
8- المقت: البغض الشديد.

14 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحجال، عن داود بن فرقد وعليّ بن عقبة وثعلبة، رفعوه إلى أبي عبد اللّه وأبي جعفر أو أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1) قال : كثرة المزاح تذهب بماء الوجه، وكثرة الضحك تمج الإيمان مجّاً(2).

15 - حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن عنبسة العابد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المزاح السباب الأصغر (3).

16 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إياكم والمزاح فإنّه يَذْهَبُ بماء الوجه ومهابة الرّجال.

17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن أبي العباس، عن عمّار ابن مروان قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تُمار (4) فيذهب بهاؤك، ولا تُمازح فَيُجترأ عليك (5).

18 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تُمازح فَيُجترأ عليك.

19 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال في وصيّة له لبعض ولده - أو قال (6) : قال أبي لبعض ولده - : إياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف بمروءتك (7)

20 - عنه، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم، من إبراهيم بن مهزم، عمّن ذكره، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان يحيى بن زكريا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يبكي (8) ولا يضحك، وكان عيسى

ص: 632


1- هذا الترديد كله من الرواة.
2- مَج الماء من الفم : رماه وأخرجه منه والمقصود هنا أن كثرة الضحك تخرج الإيمان من القلب وتقذف به منه.
3- لاحظ تعليقتنا على الحديث رقم (8) والحديث رقم (12) من هذا الباب.
4- أي لا تجادل.
5- أي يتطاول عليك بالقول أو الفعل أو كليهما، وذلك لسقوط هيبتك المانعة من ذلك، وتحلّلك من وقارك الحافظ لمقامك.
6- الترديد من الراوي.
7- المروءة والمروة : هي الإنسانية وهي مشتقة من المرء وهي من أجل وأعظم الصفات الكمالية للإنسان قال في :المصباح : المروءة: آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات.
8- بكاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا لذنب بل شوقاً إلى لقاء اللّه، واستشعاراً لعظمته وربوبيته في حين أن بكاء المذنبين إنما يكون خوفاً من عقابه.

ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يضحك ويبكي، وكان الّذي يصنع عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفضل من الّذي كان يصنع يحيى (عَلَيهِ السَّلَامُ).

باب حق الجوار

1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ؛ ومحمّد بن يحيى، عن الحسين ابن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن عليّ بن فضال عن فضالة بن أيّوب جميعاً عن معاوية بن عمّار، عن عمر و (1) بن عكرمة قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : لي جار يؤذيني؟ فقال : إرحمه، فقلت: لا رحمه اللّه، فصرف وجهه عنّي (2)، قال : فكرهت أن أدعه(3)، كذا وكذا ويفعل بي ويؤذيني فقال : أرأيت إن كاشفته انتصفت منه (4)؟ فقلت : يفعل بي فقلت : بلى أربي عليه (5) فقال : إن ذا ممّن يحسد النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله، فإذا رأى نعمة على أحد فكان له أهل جعل بلاءه عليهم، وإن لم يكن له أهل جعله على خادمه، فإن لم يكن له خادم أسهر ليله وأغاظ نهاره ؛ إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أتاه رجل من الأنصار فقال: إنّي اشتريت داراً في بني فلان وإنَّ أقرب جيراني منّي جواراً من لا أرجو خيره ولا آمن شره، قال: فأمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسلمان وأبا ذر ونسيت (6) آخر وأظنه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه (7) ؛ فنادوا بها ثلاثاً، ثمّ أومأ بيده (8) إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.

ص: 633


1- في بعض النسخ: عمر.
2- إنما صرف (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوجهه عنه أي أعرض لأنه أساء الأدب مع الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي عندما قال له : إرحمه شفيعاً عنده لجاره فلم يكتف برفض شفاعته بل عمل بعكس أمره فقال : لا رحمه اللّه.
3- كأنه ندم على سوء أدبه، ولم تطاوعه نفسه أن يترك الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في حالة النفور منه معرضاً بوجهه عنه. فأخذ في عرض بعض مساوی جاره مبررا حنقه عليه.
4- المكاشفة : المعاداة جهاراً. يعني إن جاهرته بالإيذاء قدرت على الانتقام منه وهضمه ودفع شره عنك. أو إن جاهرته بعد إساءاته فهل لك أن تتم حجتك عليه وتثبت ظلمه إياك بحيث يقبل منك ذلك الوافي للفيض ج 97/3.
5- أي نعم ليس فقط أني أثبت إساءاته بالدليل بل أقيم الحجة على إني أزيد عليه بأني أقابل إساءاته تلك بالإحسان إليه ودفع شره بالرفق واللين والمداراة.
6- الكلام هذا للراوي.
7- البوائق : جمع البائقة وهي الداهية والشر والظلم.
8- أي النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وذلك يدل على أن حكم الجار في وجوب إيتائه حقه ينطبق على من كان على بعد أربعين داراً من جميع الجهات.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة ابن زيد، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قرأت في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم (1)، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه (2) ؛ الحديث مختصر.

3 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن إبراهيم بن أبي رجاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حسن الجوار يزيد في الرّزق.

4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، أسباط، عن عمه يعقوب ابن سالم عن إسحاق بن عمّار عن الكاهلي (3) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما ذهب منه بنيامين نادى يا رب أما ترحمني ؟ أذهبت عيني، وأذهبت ابني؟ فأوحى اللّه تبارك وتعالى : لو أمتهما لأحييتهما لك حتّى أجمع بينك وبينهما، ولكن تذكّر الشاة الّتي ذبحتها وشوّيتها وأكلت وفلان وفلان إلى جانبك صائم (4) لم تنله (5) منها شيئاً؟.

5 - وفي رواية أخرى قال : فكان بعد ذلك يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ينادي مناديه كلّ غداة من منزله على فرسخ : ألا من أراد الغداء فليأتِ إلى يعقوب، وإذا أمسى نادى : ألا من أراد العشاء فليأتِ إلى يعقوب.

6 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عبد العزيز، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاءت فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) تشكو إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعض أمرها فأعطاها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كُرَيْسَةً (6) وقال : تعلمي ما فيها ؛ فإذا فيها : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن باللّه واليوم

ص: 634


1- أي ينبغي للرجل ألا يضار جاره ولا أن يوقعه في الإثم.
2- تشبيه حرمة الجار بحرمة الأم فيه مبالغة وتأكيد على تغليظ الأمر في وجوب رعاية حقه وتعظيمه هذا وقد ذهب المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مرآته 571/12 إلى أن المراد بالجار في الحديث من أجرته لا جار الدار فلا يناسب الباب إلّا بتكلف بعيد.
3- واسمه عبد اللّه بن يحيى ويطلق على أخيه إسحاق أيضاً.
4- من حق اللفظ في هذين الموردين أن يأتي بصيغة التثنية فيقال (صائمان، تنلهما) فأتيا بصيغة الإفراد بتأويل كلّ واحد منهما صائم والمراد بكونهما بجانبه أنهما جاران له دار كلّ منهما إلى جنب داره. وقد يراد بالصيام معناه الحقيقي، وقد يكون كناية عن الجوع والفقر.
5- من حق اللفظ في هذين الموردين أن يأتي بصيغة التثنية فيقال (صائمان، تنلهما) فأتيا بصيغة الإفراد بتأويل كلّ واحد منهما صائم والمراد بكونهما بجانبه أنهما جاران له دار كلّ منهما إلى جنب داره. وقد يراد بالصيام معناه الحقيقي، وقد يكون كناية عن الجوع والفقر.
6- كريسة : مصغر كراسة وهي الجزء من الصحيفة. وفي بعض النسخ (كَرَبَة) مفرد كرب : وهي أصول سعف النخل الغلاظ أمثال الكتف.

الآخر فليقل خيراً أو ليسكت.

7- عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن سعدان، عن أبي مسعود قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسن الجوار زيادة في الأعمّار وعمّارة الديار.

8 - عنه، عن النهيكي، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الحكم الخياط :قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الأعمّار.

9 - عنه، عن بعض أصحابه عن صالح بن حمزة، عن الحسن بن عبد اللّه، عن عبد صالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس حسن الجوار كفّ الأذى (1)، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى (2).

10 - أبو علي الأشعري عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : حسن الجوار يعمر الديار وينسي في الأعمّار (3).

11 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن حفص، عن أبي الربيع الشامي (4)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال - والبيت غاص بأهله (5) : اعلموا أنّه ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره.

12 - عنه، عن محمّد بن عليّ عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المؤمن من آمن جاره بوائقه قلت وما بوائقه؟ قال: ظلمه وغشمه(6).

13 - أبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فشكا إليه أذى من جاره، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إصبر، ثمّ أتاه ثانية فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إصبر، ثمّ عاد إليه

ص: 635


1- أي كف الأذى عن الجار فقط.
2- أي الصادر عن جارك.
3- نساه وأنساه أخره، أي يؤخر الأجل ويطيل العمر. واللّه سبحانه بيده لوح المحو والإثبات فقد يكون عمره مقدَّراً بخمسين عاماً ولكنه إن فعل الأمر الكذائي كصلة رحمه مثلاً يصبح سبعين عاماً. كما إن الأعمّار قد تنقص عما قدر لها في اللوح المحفوظ بسبب عمل معين يقوم به الإنسان.
4- واسمه خالد بن أوفى (أو خليد).
5- أي ممتلىء بهم.
6- العشم : الظلم والجور.

فشكاه ثالثة فقال النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للرجل الّذي شكا : إذا كان عند رواح النّاس إلى الجمعة (1) فأخرج متاعك إلى الطريق حتّى يراه من يروح إلى الجمعة فإذا سألوك فأخبرهم قال : ففعل، فأتاه جاره المؤذى له فقال له : ردّ متاعك فلك اللّه عليَّ أن لا أعود (2).

14 - عنه، عن محمّد بن عبد الجبار عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد اللّه بن عثمان، عن أبي الحسن البجلي عن عبيد اللّه الوصافي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع» (3)، قال : وما من أهل قرية يبيت [و]فيهم ما جائع ينظر اللّه إليهم (4) يوم القيامة.

15 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة(5)، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من القواصم الفواقر (6) الّتي تقصم الظهر جار السوء؛ إذ رأى حسنة أخفاها وإن رأى سيّئة أفشاها.

16 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه(عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أعوذ باللّه من جار السوء في دار إقامة، تراك عيناه ويرعاك قلبه (7)، إن رآك بخير ساءه وإن رآك بشر سره.

باب حد الجوار

1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن عمرو بن عكرمة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : كلّ أربعين داراً جيران من بين يديه خلفه وعن يمينه وعن شماله (8) ومن

ص: 636


1- أي صلاة الجمعة.
2- أي إلى اذيتك.
3- وذلك لأن من جملة ما جاء به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الحث على إغاثة الملهوف وإطعام الجائع وأوصى بالجار حتّى ظن أنّه سيورثه فعندما يبيت شخص شبعا وجاره يتضور جوعاً مع علمه بذلك فلا يكون قد صدق بما جاء به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
4- أي لا ينظر إليهم بعين رحمته.
5- واسمه المفضل بن صالح.
6- الفواقر : جمع الفاقية وهي الداهية الشديدة سميت بذلك لأنها تقصم فقار الظهر.
7- كناية عن مراقبته لك وتسقطه لإخبارك لا لهفة عليك بل تجسساً وحسداً.
8- مر مضمون هذا الحديث في ذيل الحديث رقم (1) من هذا الباب بنفس السند تقريباً.

2 - وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حد الجوار أربعون داراً من كلّ جانب من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.

باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان قال : أوصاني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: أوصيك بتقوى اللّه، وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الصحابة لمن صحبت ولا قوة إلّا باللّه.

2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليه فافعل (1).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «ما اصطحب اثنان إلّا كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى اللّه عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه».

4 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن عدَّة من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً» (2).

5 - عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صاحب رجلاً ذمّيّاً فقال له الذمّي أين تريد يا عبد اللّه؟ فقال : أريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمّي عدل معه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له الذمي : الست زعمت أنك تريد الكوفة؟ فقال له : بلى، فقال له الذمّي : فقد تركت الطريق (3)؟ فقال له : قد علمت، قال : فلِمَ عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرَّجل صاحبه هُنَيئَةً إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فقال له

ص: 637


1- مر هذا الحديث سنداً ومتناً تحت رقم (1) من باب حسن المعاشرة من هذا المجلد إلّا أن فيه هناك (عليهم) بدل (عليه) هنا. وقد علقنا هناك تعليقة فراجع.
2- أي: أن يلازموه ثلاث ليال مع أيامها لتمريضه وعلاجه فإذا لم يتمكن من مرافقتهم فلا جناح عليهم لو تركوه في مأمن وواصلوا سفرهم.
3- أي جاوزت طريق الكوفة وتركتها وراءك.

الذمّي : هكذا قال؟ قال: نعم، قال الذمي : لا جرم إنّما تبعه تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة فأنا أشهدك أني على دينك ورجع الذمي مع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)(1)، فلما عرفه أسلم.

باب التكاتب

1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ؛ وسهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : التواصل بين الأخوان في الحضر التزاور (2)، وفي السفر التكاتب (3).

2 - ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ردُّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام (4)، والبادي بالسلام أولى باللّه ورسوله.

باب النوادر

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقسم لحظاته بين أصحابه فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية (5) ؛ قال : ولم يبسط رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجليه (6) بين أصحابه قط، وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يده من يده حتّى يكون هو التارك، فلمّا فطنوا لذلك كان الرَّجل إذا صافحه قال بيده (7) فنزعها من يده.

ص: 638


1- أي إلى الكوفة.
2- أي زيارة بعضهم بعضاً.
3- أي المراسلة بواسطة الكتب وهي الرسائل.
4- هذا من باب إلحاق النظير بنظيره في الحكم إذ السلام تحية وتحفة من الحاضر، والكتاب تحفة وتحية من الغائب فكما يجب رد السلام بالسلام يجب رد الكتاب بالكتاب المازندراني 133/11.
5- هذا من عظمة أخلاقه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وكونه راعياً للجميع ولما في التسوية حتّى في النظرة من تعميق العلاقة وتمتين الروابط الإنسانية وتثبيت الثقة بعدالة الراعي. ومن هنا نجد أمير المؤمنين يوجه عامله على مصر محمّد بن أبي بكر فيكتب إليه (فاخفض لهم جناحك وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، حتّى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم الكتاب رقم (27) ورقم (46) من نهج البلاغة.
6- أي لم يمدهما.
7- يجعل العرب القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان وكل ذلك على المجاز والاتساع. قال بيده : أي أخذ ورد هكذا في النهاية.

2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان الرّجل حاضراً فكنّه (1) وإذا كان غائباً فسمه (2).

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إذا أحب أحدكم أخاه المسلم فليسأله عن اسمه واسم أبيه واسم قبيلته وعشيرته، فإن من حقه الواجب وصدق الإخاء أن يسأله عن ذلك وإلا فإنها معرفة حمق» (3).

4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن يعقوب بن يزيد، عن عليّ بن جعفر، عن عبد الملك بن قدامة، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً لجلسائه : تدرون ما العَجْز؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم، فقال : العجز ثلاثة (4) أن يبدر(5) أحدكم بطعام يصنعه لصاحبه فيخلفه ولا يأتيه ؛ والثانية أن يصحب الرجل منكم الرجل أو يجالسه يحب أن يعلم من هو ومن أين هو؟ فيفارقه قبل أن يعلم ذلك؛ والثالثة أمر النساء يدنو أحدكم من أهله فيقضي حاجته وهي لم تقض حاجتها (6) ؛ فقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص : فكيف ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : يتحوش (7) ويمكث حتّى يأتي (8) ذلك منهما جميعاً. قال : وفي حديث آخر قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «إن من أعجز العجز رجل لقي رجلاً فأعجبه نحوه(9) فلم يسأله عن اسمه ونسبه وموضعه».

5 - وعنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : سمعت أبا الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تذهب الحشمة (10) بينك وبين أخيك، أبق منها فإنَّ ذهابها ذهاب الحياء.

6 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن إسماعيل، عن عبد اللّه بن

ص: 639


1- أي خاطبه بكنيته.
2- أي اذكره باسمه.
3- أي الأحمق، وهو ضعيف العقل أي إن كلا من العاقل والأحمق مشترك في مثل هذه المعرفة الإجمالية، والمطلوب من العاقل أن يعرف أخاه المؤمن فيما يتعلق بهذه الأمور المذكورة معرفة تفصيلية.
4- أي ثلاثة أنواع، وفي ثلاثة مواقف والمراد بالعجز التقصير في أداء حقوق العشرة والمصاحبة.
5- أي يبادر بمعنى يستبق ويستعجل.
6- أي يصل إلى مرتبة اللذة والإنزال،دونها، وهذا يكشف عن أنانيته وعدم اهتمامه إلّا بقضاء وطره من دون أن يلحظ زوجته. وهذا ما يفسره قوله فيما بعد.
7- أي يتمكث ويبطىء. وفي بعض النسخ (يتحوس) وهما متقاربان.
8- أي بلوغ اللذة والإنزال.
9- أي مثله، أو شخصه.
10- الحشمة : الاستحياء، والتوقي.

واصل، عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تثق بأخيك كلّ الثقة فإِنَّ صِرْعَةَ الاسترسال لن تُسْتَقَال (1).

7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن معلّى بن خنيس وعثمان بن سليمان النحاس، عن مفضّل بن عمر ؛ ويونس بن ظبيان قالا : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثمّ اعزب ثمّ اعزب (2)، محافظة على الصلوات في مواقيتها والبر بالإخوان في العسر واليسر.

باب (بدون العنوان)

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز عن جميل بن دراج قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تدع (3) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وإن كان بعده شعر.

2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن - ابن علي، عن يوسف بن عبد السلام عن سيف بن هارون مولى آل جَعْدَة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من أجود كتابك ولا تمد الباء حتّى ترفع السِّين (4).

3 - عنه عن عليّ بن الحكم عن الحسن بن السرّي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال : لا تكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لفلان (5) ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.

4 - عنه عن محمّد بن عليّ، عن النضر بن شعيب، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن السري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تكتب داخل الكتاب : لأبي فلان واكتب

ص: 640


1- الصرعة : الطرح على الأرض. وفي المَثَل : سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة والاسترسال : الاستيناس والانبساط والاستقالة طلب الإقالة من البيع أو العقد أو العهد. وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) هنا (فإن صرعة... الخ) مثل يُضرب لمن دخل في أمر من دون روية وتدبر ثمّ اكتشف أضراره وأخطاره الّتي لا يمكن دفعها ولا الخروج من وزرها حتّى لو استقال منها.
2- أَعْزَبَ فلان فلاناً : أبعده وعزب الرجل ذهب.
3- النهي هنا كراهتي تنزيهي، وقد ورد أن كلّ كلام لم يُبدء ببسم اللّه الرحمن الرحيم فهو أبتر. سواء كان قولاً أو كتابة.
4- قال الفاضل الاسترابادي : استحباب رفع السين قبل مد الباء يحتمل اختصاصه بالخط الكوفي مرآة المجلسي 580/12 ومعنى رفع السين تضريسه والمقصود بأجود الكتاب في الحديث موضع الصدر منه أي افتتحه بالبسملة.
5- أي لا تثبت في داخل الكتاب اسم المرسل إليه بل أثبته على ظاهره ليعرف من دون أن يفتح من هو صاحبه، أو إن المعنى: لا تكتب لفلان بعد البسملة بل : إلى فلان ويؤيد هذا الوجه الحديث التالي.

«إلى أبي فلان» واكتب على العنوان «لأبي فلان».

5 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرّجل يبدأ بالرَّجل في الكتاب (1)، قال : لا بأس به، ذلك من الفضل، يبدأ الرَّجل بأخيه يكرمه.

6 - عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن الأحمر، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لابأس بأن يبدأ الرجل باسم صاحبه في الصحيفة قبل اسمه.

7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم قال : أمر أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكتاب في حاجة، فكُتِبَ ثمّ عُرِضَ عليه ولم يكن فيه استثناء (2) فقال : كيف رجوتم أن يتم هذا (3) وليس فيه استثناء، انظروا كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.

8 - عنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يترب الكتاب (4)، وقال: لا بأس به.

9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطية أنّه رأى كتباً لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) متربة.

باب النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة

1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الملك بن عتبة، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن القراطيس تجتمع هل تحرق بالنار وفيها شيء من ذكر اللّه ؟ قال : لا تغسل بالماء أوّلاً قبل (5).

2 - عنه، عن الوساء، عن عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: لا تحرقوا القراطيس ولكن امحوها وحرقوها.

ص: 641


1- أي يبدأ بذكر اسم المرسل إليه قبل اسمه تكريماً له وتقديماً على نفسه فيقول بعد البسملة : إلى فلان من فلان، أو إلى أبي فلان من فلان ويؤيد هذا المعنى الحديث التالي.
2- أي إذا شاء اللّه، أو إن شاء اللّه.
3- أي موضوع الحاجة المكتوب عنها.
4- «تتريب الكتاب وإترابه أن تجعل التراب عليه وتلطخه به وفي الحديث: أتربوا فإنه أنجح للحاجة» الوافي للفيض ج 126/3.
5- أي قبل الإحراق إن كان لا بد من إحراقها.

3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن زرارة قال : سُئِلَ أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاسم من أسماء اللّه يمحوه الرّجل بالتفل (1) قال : امحوه بأطهر ما تجدون.

4 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): «امحوا كتاب اللّه [تعالى ] وذكره بأطهر ما تجدون (2)، ونهى أن يُحْرَقَ كتاب اللّه، ونهى أن يمحى بالإقلام» (3).

5 - علي، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الظهور (4) الّتي فيها ذكر اللّه عزّ وجلّ قال : اغسلها (5).

تمَّ كتاب العِشْرَة وللّه الحمد والمنة وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

(هذا آخر كتاب العِشْرَة وبه تم كتاب الأصول من الكافي)

ص: 642


1- أي البصاق.
2- وذلك في صورة الاضطرار إلى محوه لغرض عقلائي كوقوع تصحيف فيه مثلاً.
3- النهي عن الإحراق نهي تحريمي وذلك لما فيه من هتك وإهانة والنهي عن المحو بالأقلام نهي كراهتي.
4- أي الجلود.
5- وذلك لغرض عقلائي أو شرعي.

الفهرس

كتاب الإيمان والكفر

باب طينة المؤمن والكافر...5

باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف...8

باب آخر منه...10

باب أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أول من أجاب وأقرّ اللّه عزّ وجلّ بالربوبية...13

باب كيف أجابوا وهم ذر؟...14

باب فطرة الخلق على التوحيد...15

باب كون المؤمن في صلب الكافر...16

باب إذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يخلق المؤمن...16

باب في أن الصبغة هي الإسلام الإيمان... 17

باب في أن السكينة هي الإيمان...17

باب الإخلاص...18

باب الشرائع... 20

باب دعائم الإسلام...22

باب أن الإسلام يحقن به الدم...28

باب أنَّ الإيمان يشرك الإسلام ولا عكس... 29

باب آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان...32

باب (بدون العنوان)...33

باب في أنّ الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلّها... 38

باب السبق إلى الإيمان... 45

ص: 643

باب درجات الإيمان... 47

باب آخر منه...49

باب نسبة الإسلام...50

باب [ خصال المؤمن ].... 52

باب (بدون العنوان)... 54

باب صفة الإيمان... 56

باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان.... 57

باب حقيقة الإيمان واليقين باب التفكّر...59

باب المكارم... 60

باب فضل اليقين...61

باب الرّضا بالقضاء...63

باب التفويض إلى اللّه والتوكل عليه...66

باب الخوف والرجاء...69

باب حسن الظن باللّه عزّ وجلّ...77

باب الاعتراف بالتقصير...78

باب الطاعة والتقوى...79

باب الورع...82

باب العفّة...84

باب اجتناب المحارم...85

باب أداء الفرائض...87

باب استواء العمل والمداومة عليه... 88

باب العبادة...89

باب النيّة... 90

باب (بدون العنوان)...91

باب الإقتصاد في العبادة...92

باب من بلغه ثواب من اللّه على عمل...93

باب الصبر...94

ص: 644

باب الشكر...100

باب حسن الخلق...106

باب حسن البشر...110

باب الصدق وأداء الأمانة... 111

باب الحياء...113

باب العفو...115

باب كظم الغيظ... 117

باب الحِلم... 119

باب الصمت وحفظ اللسان...121

باب المداراة.... 125

باب الرفق...127

باب التواضع...129

باب الحبّ في اللّه والبغض في اللّه...133

باب ذم الدنيا والزهد فيها...136

باب (بدون العنوان) 145

باب القناعة... 145

باب الكفاف...148

باب تعجيل فعل الخير...149

باب الإنصاف والعدل... 151

باب الاستغناء عن النّاس... 155

باب صلة الرحم...157

باب البر بالوالدين... 164

باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم...169

باب إجلال الكبير...171

باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض...172

باب فيما يوجب الحقِّ لمن انتحل الإيمان وينقصه...174

باب في أن التواخي لم يقع على الدين وإنما هو التعارف... 175

ص: 645

باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقّه... 175

باب التراحم والتعاطف... 181

باب زيارة الاخوان... 182

باب المصافحة...185

باب المعانقة...190

باب التقبيل... 190

باب تذاكر الإخوان...192

باب إدخال السرور على المؤمنين... 194

باب قضاء حاجة المؤمن...198

باب السعي في حاجة المؤمن... 202

باب تفريج كرب المؤمن...204

باب إطعام المؤمنين...205

باب من كسا مؤمناً...209

باب في الطاف المؤمن وإكرامه... 210

باب في خدمته...212

باب نصيحة المؤمن...212

باب الإصلاح بين النّاس... 213

باب في إحياء المؤمن...214

باب في الدعاء للأهل إلى الإيمان...215

باب في ترك دعاء النّاس...216

باب أن اللّه إنما يعطي الدين من يحبه...217

باب سلامة الدين...218

باب التقيّة... 219

باب الكتمان... 224

باب المؤمن وعلاماته وصفاته...229

باب في قلة عدد المؤمنين... 241

باب الرضا بموهبة الإيمان والصبر على كلّ شيء بعده...244

باب في سكون المؤمن إلى المؤمن...246

ص: 646

باب في ما يدفع اللّه بالمؤمنين...246

باب في أنَّ المؤمن صنفان... 246

باب ما أخذه اللّه على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به... 248

باب شدَّة ابتلاء المؤمن...250

باب فضل فقراء المسلمين... 256

باب (بدون العنوان)... 261

باب أن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك والشيطان... 262

باب الروح الّذي أريد به المؤمن...262

باب الذنوب...263

باب الكبائر... 269

باب استصغار الذنب... 278

باب الإصرار على الذَّنب...279

باب في أصول الكفر وأركانه...280

باب الرياء...283

باب طلب الرئاسة... 287

باب اختتال الدنيا بالدين... 288

باب من وصف عدلاً وعمل بغيره...289

باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال...290

باب الغضب ...292

باب الحسد... 295

باب الكبر...296

باب العجب...301

باب حبّ الدّنيا والحرص عليها... 304

باب الطمع...308

باب الخُرْق... 309

باب سوء الخلق... 309

ص: 647

باب السفه...310

باب البذاء...311

باب من يتقى شره... 314

باب البغي...315

باب الفخر والكِبر... 316

باب القسوة...317

باب الظلم...318

باب اتباع الهوى... 322

باب المكر والغدر والخديعة...323

باب الكذب...325

باب ذي اللسانين... 329

باب الهجرة... 330

باب قطيعة الرحم... 332

باب العقوق...334

باب الانتفاء... 335

باب من آذى المسلمين واحتقرهم... 336

باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم...339

باب التعيير...340

باب الغيبة والبهت...341

باب الرواية على المؤمنين... 343

باب الشماتة.... 344

باب السباب...344

باب التهمة وسوء الظن...347

باب من لم يناصح أخاه المؤمن...347

باب خُلف الوعد...348

باب مَن حَجَبَ أخاه المؤمن...349

باب من استعان به أخوة فلم يُعِنْهُ...350

باب من منع مؤمناً شيئاً عنده...351

ص: 648

باب من أخاف مؤمناً...352

باب النميمة....353

باب الإذاعة... 354

باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق...356

باب في عقوبات المعاصي العاجلة...358

باب مجالسة أهل المعاصي...359

باب أصناف النّاس...364

باب الكفر...366

باب وجوه الكفر...371

باب دعائم الكفر وشُعَبه...373

باب صفة النفاق والمنافق...375

باب الشرك...378

باب الشك...380

باب الضلال... 382

باب المستضف...385

باب المُرْجَوْنَ لأمر اللّه... 388

باب أصحاب الأعراف...388

باب في صنوف أهل الخلاف...389

باب المؤلفة قلوبهم...391

باب في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة ...392

باب في قوله تعالى : ومن النّاس (من يعبد اللّه على حرف)... 393

باب أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالاً... 394

باب (بدون العنوان)...395

باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله اللّه...396

باب المُعَارين...396

باب في علامة المُعَار... 398

باب سهو القلب...398

ص: 649

باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللّسان ونور قلب المؤمن وإن قصر به لسانه...400

باب في تنقل أحوال القلب...401

باب الوسوسة وحديث النفس... 402

باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها...404

باب ستر الذُّنوب...405

باب من يهم بالحسنة أو السيئة... 406

باب التوبة.... 407

باب الاستغفار من الذنب...411

باب فيما أعطى اللّه عزّ وجلّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقت التوبة...413

باب اللمم...415

باب في أنَّ الذُّنوب ثلاثة...416

باب تعجيل عقوبة الذنب...417

باب في تفسير الذنوب...421

باب نادر...421

باب نادر أيضاً.... 422

باب أنَّ اللّه يدفع بالعامل عن غير العامل... 423

باب أنَّ ترك الخطيئة أيسر من [طلب] التوبة...423

باب الاستدراج...424

باب محاسبة العمل... 425

باب من يعيب النّاس...432

باب أنّه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية...432

باب أنّ الكفر مع التوبة لا يبطل العمل... 433

باب المعافين من البلاء...433

باب ما رفع عن الامة...434

باب أنَّ الإيمان لا يضر معه سيّئة والكفر لا ينفع معه حسنة... 435

ص: 650

كتاب الدعاء

باب فضل الدعاء والحثّ عليه...437

باب أن الدعاء سلاح المؤمن...439

باب أن الدعاء يردُّ البلاء والقضاء... 440

باب أن الدعاء شفاء من كلّ داء...441

باب أن من دعا أستجيب له...442

باب إلهام الدعاء الدعاء... 442

باب التقدّم في الدّعاء...443

باب اليقين في الدعاء...444

باب الإقبال على الدّعاء... 444

باب الإلحاح في الدعاء والتلبث...445

باب تسمية الحاجة في الدعاء... 446

باب إخفاء الدعاء...447

باب الأوقات والحالات الّتي ترجى فيها الإجابة...447

باب الرغبة والرهبة والتضرُّع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة...449

باب البكاء...451

باب الثناء قبل الدّعاء... 453

باب الاجتماع في الدعاء الدّعاء... 456

باب العموم في الدُّعاء...457

باب من أبطأت عليه الإجابة...457

باب الصلاة على النبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ)...460

باب ما يجب من ذكر اللّه عزّ وجلّ في كلّ مجلس...464

باب ذكر اللّه عزّ وجلّ كثيراً...466

باب أنَّ الصاعقة لا تصيب ذاكراً...468

باب الاشتغال بذكر اللّه عزّ وجلّ...469

باب ذكر اللّه عزّ وجلّ في السرّ...469

باب ذكر اللّه عزّ وجلّ في الغافلين... 470

باب التحميد والتمجيد...471

ص: 651

باب الاستغفار...472

باب التسبيح والتهليل والتكبير... 473

باب الدُّعاء للإخوان بظهر الغيب...475

باب من تُسْتَجَابُ دعوته...477

باب من لا تُسْتَجَابُ دعوته...478

باب الدّعاء على العدوّ...479

باب المباهلة...481

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه...483

باب من قال لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر...484

باب من قال لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر... 485

باب من قال لا إله إلّا اللّه وحده وحده وحده...485

باب من قال لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له - عشراً –...486

باب من قال أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله...486

باب من قال عشر مرات في كلّ يوم : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده - إلى قوله - صاحبة ولا ولداً...487

باب من قال يا اللّه يا اللّه - عشر مرات - ...487

باب من قال لا إله إلّا اللّه حقاً حقاً... 487

باب من قال يا رب يا ربّ...488

باب من قال لا إله إلّا اللّه مخلصاً...488

باب من قال ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلّا باللّه... 489

باب من قال أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو الحي القيوم - الخ -...490

باب القول عبد الإصباح والإمساء... 490

باب الدعاء عند النوم والانتباه...503

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله...508

باب الدعاء قبل الصلاة...512

باب الدعاء في أدبار الصلوات... 513

ص: 652

باب الدّعاء للرّزق...518

باب الدعاء للدين...522

باب الدّعاء للكرب والهم والحزن والخوف...524

باب الدّعاء للعلل والأمراض... 530

باب الحِرْز والعُوذَة...535

باب الدعاء عند قراءة القرآن... 539

باب الدعاء في حفظ القرآن.... 541

باب دعوات موجزات لجميع الحوائج...542

كتاب فضل القرآن

[ في تمثل القرآن وشفاعته لأهله ]...561

باب فضل حامل القرآن...567

باب من يتعلم القرآن بمشقة...571

باب من حفظ القرآن ثمّ نسيه...571

باب في قراءته... 573

باب البيوت الّتي يقرأ فيها القرآن...574

باب ثواب قراءة القرآن... 575

باب قراءة القرآن في المصحف... 577

باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن...578

باب فيمن يظهر الغشية عند [قراءة] القرآن...581

باب في كم يُقرأ القرآن ويُخْتَم...581

باب في أَنَّ القرآن يُرْفَع كما أُنزل...583

باب فضل القرآن...583

باب النوادر...591

كتاب العِشْرَة

باب ما يجب من المعاشرة...599

باب حسن المعاشرة...601

باب من يجب مصادقته ومصاحبته...602

ص: 653

باب من تكره مجالسته ومرافقته...604

باب التحبّب إلى النّاس والتودد إليهم...607

باب إخبار الرجل أخاه يحبه...608

باب التسليم...608

باب من يجب أن يبدأ بالسلام...611

باب إذا سلّم واحد من الجماعة أجزأههم وإذا ردَّ واحد من الجماعة أجزأ عنهم...612

باب التسليم على النساء...613

باب التسليم على أهل الملل...613

باب مكاتبة أهل الذمة... 616

باب الإغضاء... 617

باب نادر... 617

باب العطاس والتسميت...618

باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم... 623

باب إكرام الكريم...624

باب حق الداخل...625

باب المجالس بالأمانة...625

باب في المناجاة... 626

باب الجلوس...627

باب الإتكاء والاحتباء... 628

باب الدعاء والضحك... 629

باب حق الدار... 633

باب حد الجوار...636

باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر...637

باب التكاتب...638

باب النوادر... 638

باب (بدون العنوان)...640

باب النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة...641

ص: 654

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.