سرشناسه : کلیني، محمّد بن یعقوب، - 329ق.
عنوان قراردادی : اصول الکافي
عنوان و نام پدیدآور : اصول الکافي/ محمّد بن یعقوب الکلیني؛ ضبطه و صححه و علق علیه محمّدجعفر شمس الدین.
مشخصات نشر :بیروت : دارالتعارف للمطبوعات، 1411ق. = 1990م.= 1369.
مشخصات ظاهری : 1ج.
فروست : موسوعة الکتب الاربعه فی احادیث النبی (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و العتره؛1،2.
یادداشت : عربی.
یادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.
یادداشت : کتابنامه.
موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.
شناسه افزوده : شمس الدین، محمّدجعفر
رده بندی کنگره : BP129/ک 8ک 22 1369
رده بندی دیویی : 297/212
شماره کتابشناسی ملی : م 81-8050
محرر الرقمي: مرتضی حاتمي فرد
ص: 1
أصول الكافي
ص: 2
ص: 3
مَوْسُوعَة الكتب الأربعة في أحاديث النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والعترة (عَلَيهِم السَّلَامُ)
أصول الكافي
الجزء الأوّل
لثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الکليني (رَحمهُ اللّه)
المتوفّى سنة ٣٢٩/٣٢٨ ه
ضَبَطَهُ وَصَحّحه وعلّق عليه
محمّد جعفر شمس الدّين
دار التعارف للمطبوعات
بيروت لبنان
ص: 4
مكتبة مؤمن قريش
لو وضع ايمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى ترجح إيمانه. الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)
moamenquraish.blogspot.com
حقوق الطبع محفوظة
١٤١١ه_ - ١٩٩٠م
المعارف المطبوعات
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند اللّه اتقاكم
المكتب : شارع سوريا - بناية دوريش - الطابق الثالث
الادارة والمعرض - حارة حريك - المنشية - شارع دكاش - بناية الحسنين
تلفون - ٨٣٧٨٥٧
ص. ب : 8601 - 111
ص: 5
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وَلهُ الحَمد
بين يدي هذا الكتاب
فكرة الضبط والتصحيح للكتب الأربعة عندنا، مع التعليق عليها بما يناسب، راودتني منذ زمن ليس بالقصير، ولعلها نبتت في ذهني منذ ابتلائي بمراجعتها والاطلاع عليها، حيث كنت أرى ما يعتور عبارات بعض مواضعها من تشويش يحتاج إلى تهذيب وما تستبطنه من غموض يحتاج إلى توضيح وشرح وتبسيط، ومن الطبيعي أن أي مطالع لها لا يتسنى له الرجوع إلى ما وضع حولها من شروح مطولة وتعليقات مسهبة من قبل أعاظم علمائنا رضوان اللّه عليهم منذ قرون، وإنما يتأتى ذلك للبعض ممّن يستطيع التوفر على تلك الكتب، وكان قادرا على الإمساك بها والتعامل معها بما يملك من رصيد فكري، ولكن الغالبية قد لا تستطيع الوصول إلى تلك الكتب وهي إن استطاعت فقد لا تستطيع شريحة منها لا يستهان بها أن تستوعب كثيراً من أفكارها والآراء المثبتة فيها، وهي إن استطاعت فقد يشق عليها أن تختار من بين عدة شروح مدرجة للعبارة موضوع الحاجة الرأي الأقرب إلى الصواب من بين تلك المحتملات المتعددة والأنظار المختلفة.
كل هذا كان يجعل الفكرة تلح علي. وقد لمست عند بعض أخواني الهاجس نفسه وربما أوحى إلي بالتشجيع لتجسيد ما يختمر في ذهني عملياً والمباشرة بتنفيذه.
ولكن كان ينتابني الشعور بالقلق والتهيب من ولوج ذلك الباب، بل الشعور بالعجز والقصور عن ارتياده نظرا للتقدم في السن الّذي يحمل معه فتور الهمة وضعف الجوارح منضماً إليه كثرة الهموم وتراكم المصائب العامّة والخاصّة نتيجة الاضطراب الأمني والسياسي والاجتماعي الّذي يلف حياتنا منذ مدة طويلة ويلقي بكلكله الكريه على حياتنا وواقعنا.
هذا إضافة إلى حساسية الموضوع نظراً لكونه يتعلق بالإسلام عقيدته وشريعته وأحكامه، من خلال كلام المعصوم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فكيف يتسنى لإنسان مثلي أن يخوض هذا البحر اللجي بأمواجه العاتية وقعره العميق العميق وهو لا يملك من أدوات العوم أو
ص: 6
الغوص إلّا وسائل محدودة في الزمان والمكان والقدرات؟!.
وهكذا عشت بين الرغبة والرهبة فترة من الزمن، إلى أن منّ اللّه عزّ وجلّ علىّ بنفحة من نفحاته فتوجهت إليه استشيره واستخيره خيرة في عافية، ففعلت، وكانت النتيجة جيدة ومشجّعة.
وعندها شمّرت عن ساعد الجد متوكلاً عليه سبحانه، منقطعاً إليه، أرجو منه القوة وأسأله التسديد والتوفيق مستشفعاً إليه بأشرف خلقه عنده وأكرمهم عليه محمّد وأهل بيته الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ).
وشرعت أول ما شرعت بتناول الأصول من الكافي لثقة الإسلام الكلينيّ رضوان اللّه عليه، على أن يكون عملي فيه منهجاً أطبقه في فروعه أيضاً وفي باقي الكتب الأربعة بلطف اللّه ورحمته ورعايته
ويمكن عرض خطوات عملي فيه _ ومستقبلياً في غيره _ ضمن عدة نقاط :
أوّلاً: فيما يتعلق بالمتن.
١ - ضبط كثير من ألفاظه بحركاته الإعرابية وبالحركات التي تحدّد بناءه اللغوي تسهيلاً على المطالع والباحث من أجل نطقه نطقاً سليماً وصحيحاً من دون الرجوع إلى كتب اللغة لتحديد ذلك. ولا أذيع سراً إذا قلت بأني وجدت كثيراً من المواقع لا تنسجم من حيث القواعد النحوية في اللغة العربية مع ما هو مشهور ومعروف عندنا من هذه القواعد، وقد تحيّرت ابتداءً في كيفية التعامل معها، ولكني بعد التأمل فيها وانطلاقاً ممّا روي عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) من قولهم «أعربوا حديثنا فإننا قوم فصحاء» قررت _ وحفاظاً على النص شكلاً ومضموناً - أن أبقي ما وجدت له وجهاً ولو بعيداً يمكن أن يحمل عليه من تلك القواعد وأعملت قلم التغيير فيما يبدو شاذاً منها بل غلطاً واضحاً لا يمكن توجيهه. وهذا ما أغفل في جميع الطبعات التي خرجت حتّى الآن من هذا الكتاب الجليل.
2 - لم أترك حديثاً من أحاديث أصول الكافي إلّا وأعطيته قسطاً من التعليق عليه، إما بشرح معناه العام الظاهر منه، أو بتفسير ما قد يكون فيه من غريب الألفاظ، آخذاً في ذلك الإطار الفكري العام للإسلام في جانبيه العقيدي والتشريعي من جهة والظروف الموضوعية المحيطة بالنص في عصر صدوره من جهة أخرى بنظر الاعتبار، وقد كان
ص: 7
الاعتبار هذا حاكماً في أكثر من موقع وموضع. وكنت عندما يوجد للفظ عدة معانٍ في كتب اللغة، وللنص عدة معان محتملة اختار ما هو المناسب لروح النص وموضوعه من بين كلّ تلك المعاني المدرجة أو المحتملة.
ولقد اعتمدت - فيما لم يكن لبنات فكري القاصر دخالة فيه من هذه التعليقات - على عدة شروح للكافي، كنت اختار منها التعليق المناسب، وقد اضطر أن ألخص في كثير من الأحيان شرحاً مطولاً لأحد هؤلاء الشارحين العظام بسطور قليلة أو بكلمات لينسجم ذلك مع ما هو مفهوم من التعليق عادة، مع المحافظة على أن يكون الاختصار غير مخلّ بالمعنى المقصود ولا بد من التنبيه هنا وانسجاماً مع روح المنهجية الأكاديمية والموضوعية والأمانة العلمية أن أثبت المصدر في نهاية النص _ التعليق، كاملاً، فأذكر اسم الكتاب والمؤلف والجزء والصفحة، وهذا ما أغفل في كلّ الطبعات التي خرجت لهذا الكتاب حتّى الآن، حيث كان التعليق الموضوع _ على قلته نسبياً وعدم مناسبته للمعنى المقصود بل عدم وضوح ما يراد طرحه من خلاله - يدرج من دون ذكر مصدره في كثير من الأحيان مع أنّه يكون منقولاً من أحد الشروح، أو يشار إلى المصدر بحرفين مثلاً من دون ذكر الجزء أو الصفحة المأخوذ عنها ذلك التعليق. وهذا مستهجن من ناحية منهجية وموضوعية بل مناف للأمانة العلمية.
وأهم الشروح التي اعتمدتها في هذا المشروع هي :
(أ) الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإماميّة للعلامة المير محمّد باقر الحسيني المرعشي الداماد (قدّس سِرُّه).
منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي - قم ١٤٠٥ ه_. ق.
ولا بد من التنبيه هنا على أن العلّامة الداماد (رَحمهُ اللّه) لم يشرح في كتابه هذا إلّا خطبة ثقة الإسلام الكلينيّ (قدّس سِرُّه) في أول كتابه الكافي، وكان باقي الرواشح يدور حول أقسام الحديث وأنواعه وما يتعلق بعلم الدراية.
(ب) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للشيخ محمّد باقر المجلسيّ
منشورات دار الكتب الإسلامية - طهران ١٣٦٣ ه_. ق.
(ج_) الشرح الجامع للمولى محمّد صالح المازندراني مع تعليقات لأبي الحسن الشعراني منشورات المكتبة الإسلامية - طهران 1387 ه_. ق.
ص: 8
(د) كتاب الوافي للفيض الكاشاني (قدّس سِرُّه) منشورات المكتبة الإسلامية - طهران 132٤ه_. ق. الطبعة الحجرية.
وهنالك كتب أخرى استفدنا منها في بعض المواضع ليست من شروح الكافي ولكننا وجدنا فيها بعض البحوث والنظرات التي قد تلامس موقعاً أو موضوعاً من مواقع وموضوعات هذا الكتاب وقد أشرنا إليها في حينه. هذا إضافة إلى بعض كتب اللغة والتفسير والتاريخ.
3 - هنالك بعض الأحاديث في باب واحد أو في أبواب مختلفة كانت تتكرر بمتنها كاملاً تارة ومختلفاً في بعض ألفاظه اختلافاً يسيراً لا يستبعد أن يكون غالباً من تصحيف النسّاخ وخاصّة تلك الأحاديث التي كان سندها متطابقاً أو متقارباً جداً، فقد كنا في مثل هذه الأحاديث نحيل على موقعها السابق للاطلاع عليها وللاطلاع على ما علقنا به وذلك تجنباً للتكرار.
٤ - لقد رُقّمت جميع كتب وأبواب قسم الأصول من الكافي ترقيماً متسلسلاً من أول المجلد الأوّل إلى آخر الثاني وهذا ما خلت منه جميع طبعات الكتاب المتداولة.
ثانياً: فيما يتعلق بالسند.
1 - لم نتعرض في عملنا هذا - إلّا لمماً - لموضوع الرواة وموقعهم من حيث الجرح والتعديل إذ أن ذلك خارج عن أصل فكرتنا التي هي الضبط والتصحيح والتعليق، وذاك بالتحقيق ألصق.
2 - إن كثرة كاثرة من الرواة كان تدرج في الأسانيد لا بأسمائها الصريحة بل بكناها أو ألقابها كأبي بصير، بصير، وأبي جميلة والجواليقي والقدّاح أو نسبها كالخثعمي والكناني الخ وقد عمدنا هنا إلى إثبات أسماء هؤلاء الرواة بعد أن نقبنا في بعض كتب الرجال التي بحوزتنا كجامع الرواة للأردبيلي ومعجم رجال الحديث للخوئي ورجال الكشي، والحلي، وفهرست الشيخ وغيرها وربما وجدنا غلطاً في ضبط بعض الأسماء أو الألقاب أو الكنى الواردة في الكتاب فصححناه ونبهنا عليه. ولكني أعترف بأن بعض الرواة الّذين ورد ذكرهم في بعض الأسانيد بكناهم أو ألقابهم لم أستطع أن أعثر على الاسم الأصيل لهم في تلك الكتب لأن علماء الرجال - في حدود اطلاعي - اكتفوا في الكثير منهم بذكر
ص: 9
ألقابهم أو كناهم، ولعله لاشتهارهم بها بحيث أصبحت اعلاماً عليهم دون الأسماء.
٣ _ قد يرد في بعض الأسانيد اسم الراوي مكرراً بعينه مرتين فمثلاً كان يرد : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى.. بدون واو العطف في محمّد الثاني، فكنت أميز بينهما بالكنية أو اللقب بعد مراجعة كتب الرجال وأنبه في التعليق على ذلك هذا وأعود فأذكر بما كنت قد أشرت إليه أوّلاً من أننا - بعون من اللّه سبحانه وتسديد وتوفيق - سوف نتخذ ممّا عرضناه هنا منهجاً نسير عليه خلال عملنا في كلّ الكتب الأربعة. ولا أنسى أن أذكر بأنه كان للأخ الماجد الموفق الحاج حامد عزيزي صاحب دار التعارف الأثر الكبير - بما أبداه من رغبة مخلصة وتجاوب كبير وحرص على نشر تراث أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) - في احتضان فكرة هذا العمل والتشجيع عليها حتّى أبصرت النور بعد أن قام بتجسيدها طباعة وإخراجاً فله من ربه جزيل الأجر ولا حرمه اللّه وإيانا من شفاعة محمّد وأهل بيته صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.
ولا ادعي بأن ما قمت به خال عن الهنات منزّه عن القصور والتقصير، فالكمال للّه وحده وإنما هو خطوة على الدرب يمكن أن تكون مدخلاً لإخواني وأساتذتي العلماء ليعملوا على تفعيلها وتسديدها والانطلاق بها نحو أعمال أوسع وأنفع واللّه من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بيروت في :
٢٠ ذي القعدة الحرام ١٤١٠ ه
13 حزیران 1990م
الفقير إلى رحمة ربه محمّد جعفر شمس الدّين
ص: 10
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 1
ص: 2
بقلم : الدكتور حسين علي محفوظ
الحديث عند الشيعة (1)
إنَّ أوّل كتاب _ في الحديث - ألف في الإسلام ؛ كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أملاه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخطه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على صحيفة، فيها كلّ حلال وحرام (2). وله كذلك صحيفة في الديات، كان يعلّقها بقراب سيفه (3)، وقد نقل البخاري منها (4).
ثمَّ دون أبو رافع القبطي الشيعي؛ مولى الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كتاب السنن والأحكام والقضايا (5). ثمَّ صنّف علماء الطبقات كتباً كثيرةً، وأصولاً قيمة (6)، جمعها، وهذبها. ورتبها، طائفة من ثقاة المحدثين، في مجموعات حديثية، ربّما كان أجلها، الكافي (7)، للكليني، المتوفّى سنة ٣٢٩ ه_، وفقيه من لا يحضره الفقيه (8)، لابن بابويه، المتوفّى سنة ٣٨١ ه_، وتهذيب الأحكام(9)، والاستبصار (10)، للشيخ الطوسي، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه_. ثمَّ جامع الأخبار في إيضاح الاستبصار (11)، للشيخ عبد اللطيف ابن أبي جامع الحارثي الهمداني
ص: 3
العاملي ؛ تلميذ الشيخ البهاء العاملي؛ المتوفّى سنة ١٠٥٠ ه_، والوافي (1) للفيض، المتوفّى سنة 1٠٩١ ه_، وتفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (2)، لمحمّد بن الحسن الحرّ العاملي المتوفّى سنة ١١٠٤ ه_، وبحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (3) للمجلسي المتوفّى سنة 1110 ه_، والعوالم (4)، في ١٠٠ مجلّد، للشيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحراني، المعاصر للمجلسي، والشِفَا في حديث آل المصطفى (5)، للشيخ محمّد رضا بن عبد اللطيف التبريزي، المتوفّى سنة 11٥٨ ه_، وجامع الأحكام، في ٢٥ مجلداً (6) للسيد عبد اللّه شبر، المتوفّى سنة ١٢٤٦ ه_، ومستدرك الوسائل و مستنبط المسائل (7)، للحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي، المتوفّى سنة ١٣٢٠ ه_، وكثير من أمثالها.
وقد كان علماء الشيعة ورواة أخبار آل محمّد - ولا يزالون - يتوارثون العناية برواية الحديث، وحمله، ونقده، وجمعه، وترتيبه وفنون درايته (8)، وتعديل رواته ؛ وتحقيق تواريخ وطبقات رجاله (9)، وإجازاتهم المبسوطة في هذا الباب جمّة ؛ وقد بلغ بعضها مقدار بضع مجلّدات، أما المقتضبة ؛ فأشتات كثيرة لا تُحصى، قيّدت طائفة منها في مجموعات مشهورة، حافلة بالفوائد والنوادر (10).
وأكتفي في الدلالة - على عناية الشيعة بالحديث - بما رواه أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري ؛ في كتاب دلائل الإمامة ؛ قال : جاء رجل إلى فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقال : يا ابنة رسول اللّه، هل ترك رسول اللّه - عندك - شيئاً تطرفينيه (11)؟ - فقالت : يا جارية هات تلك الحريرة (12) فطلبتها، فلم تجدها، فقالت : ويحكِ (13) اطلبيها فإنّها تعدل عندي حَسَناً وحُسَيْناً، فطلبتها، فإذا
ص: 4
هي قد قممتها في قمامتها، فإذا فيها : قال محمّد النبيّ : ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فليقل خيراً أو يسكت. إنَّ اللّه يحبُّ الخيِّر، الحليم، المتعفّف، ويبغض الفاحش الضنين (1) السئّال، الملحف. إنَّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة. وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار» (2).
وقد قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يا جابر _ واللّه _ لحديث تصيبه من صادق، في حلال وحرام، خير لك ممّا طلعت عليه الشمس حتّى تغرب» (3).
وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «حديث في حلال وحرام، تأخذه من صادق خير من الدُّنيا وما فيها من ذهب أو فضة» (4).
وفي الأخبار ما يفيد اهتمام أصحاب الأئمّة، بحمل الحديث عنهم (5)، والرحلة في طلبه من أصحابه (6)، وتفضيله والتحريض عليه.
والأحاديث في الحثّ على طلب العلم، وفرضه، والتثبت، والاحتياط في الدّين والأخذ بالسنّة، كثيرة جداً.
وكان الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: «لو أتيت بشاب من شباب الشيعة، لا يتفقه في الدّين لأوجَعْتُه» (7).
ومن محاسن ما نقل عن مولانا الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً، ممّا يدلُّ على عظيم تواضع أهل البيت، وعجيب عنايتهم، التي لا تبلغ غايتها، ولا يُدرَكُ غورها - بحفظ سنن اللّه، وسنن رسوله، قصة معارضة محفوظه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالأصل الّذي كان عند مولاهم ؛ جابر بن عبد اللّه الأنصاري؛ على أنهم عيبة الروايات، ومنشأ جميع فنون الفضائل ؛ فإنّما عنهم يؤثر العلم الإلهي، ومنهم ظهر مكنون الآثار النبوية، وقد أوتوا فضيلة العصمة، التي لم يكن لأحد فيها مغمز ؛ وقد عمد لذلك، إرشاداً
ص: 5
للناس، وتعليماً للشيعة، ليحذوا على أمثلتهم ويأخذوا عنهم قوانين توارث تلك الأمانة المذخورة والقصة هذا نصها:
«...عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري : إنَّ لي إليك حاجة، فمتى يخفُّ عليك أن أخلو بك؛ فأسألك عنها ؟ فقال له جابر: أي الأوقات أحببته، فخلا به في بعض الأيام، فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أُمّي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللوح مكتوب؟ فقال جابر : أشهد باللّه أني دخلت على أمك فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فهنيتها بولادة الحسين، ورأيت في يديها لوحاً أخضر، ظننت أنّه من زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها : بأبي وأمي يا بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما هذا اللوح ؟ فقالت : هذا لوح أهداه اللّه إلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيه اسم أبي، واسم بعلي واسم ابني، واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمّك فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقرأته، واستنسخته، فقال له أبي فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ ؟ قال : نعم. فمشى معه أبي إلى منزل جابر، فأخرج صحيفة من رَقّ، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ [أنا] عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر: فأشهد باللّه أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً... الخ (1).
ص: 6
سيرة الكلينيّ معروفة في التواريخ، وكتب الرّجال، والمشيخات الحديثيّة. وكتابه النفيس الكبير الكافي مطبوع ؛ رزق فضيلة الشّهرة والذكر الجميل، وانتشار الصيت. فلا يبرح أهل الفقه ممدودي الطَّرْف إليه، شاخصي البصر نحوه، ولا يزال حَمَلَةُ الحديث عاكفين على استيضاح غرته والاستصباح بأنواره. وهو مَدَد رواة آثار النبوّة، وَرُعاة علم آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وحماة شريعة أهل البيت ونَقَلَة أخبار الشيعة ما انفكوا يستندون في استنباط الفتيا إليه، وهو قَمِنٌ أَن يُعْتَمَدَ عليه في استخراج الأحكام خليق أن يتوارث، حقيق أن يُتَوَفِّر على تدارسه جديرٌ أن يُعنى بما تضمّن من محاسن الأخبار وجواهر الكلام، وطرائف الحكم.
کلین
في إيران - الآن - عدة مواضع يقال لكلّ واحد منها : كلين؛ منها :
ده كُلين(1)، قرية في دهستان فشاپويه من ناحية الريّ (2)، وهي التي قال السمعاني في ضبط النسبة إليها : «الكلينيّ بضم الكاف وكسر اللام، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، في آخرها النون. هذه النسبة إلى كلين وهي من قرى العراق قرية بالريّ» (3) وجاء ذكرها في «سیاست نامه» (4). وقال ياقوت الحموي : «كلين: المرحلة الأولى من الريّ لمن يريد خوار على طريق الحاجّ» (5).
ص: 7
وهي على ٣٨ كيلومتراً، جنوب غربي بليدة الري الحالية، شرقي طريق قم، بينها وبين الطريق خمسة كيلومترات (1).
وكلين - أيضاً - بكسر الكاف واللام (2) ثلاث قرى في دهستان بهنام سوخته، من نواحي ورامين هي : قلعه كلين، وكلين خالصه، ودَه كلين (3)،(4).
وكلين - أيضاً - قرية في دهستان رودبار بناحية معلم كلايه، من أعمال قزوين (5).
والكلينيّ - ولا شكَّ _ من كلين فشاپويه بالري، كما يدلُّ انتسابه إلى الريّ (6) وكونه شيخ أصحابنا في وقته بها (7).
قال العلّامة الحلّيّ : «الكلينيّ مضموم الكاف، مخفّف اللام، منسوب إلى كلين قرية بالريّ» (8).
وقال السيّد محمّد مرتضى الزبيدي : «الكلينيّ، ضبطه ابن السمعانيُّ، كزبير. قلت: وهو المشهور على الألسن والصواب بضم الكاف وإمالة اللام، كما ضبطه الحافظ في التبصير (9) : ة (10)، بالريّ (11)، منها، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ..... (12)».
وقد اختلف المتأخّرون في ضبط الكلينيّ، اختلافاً كبيراً (13):
ص: 8
نقل الميرزا محمّد عن الشهيد الثاني أنَّ الكلينيّ مخفف اللام المفتوحة (1).
وقال الساروي؛ في ترجمة أحمد بن إبراهيم المعروف بعلان الكلينيّ : «مضموم الكاف، مخفّف اللام المفتوحة، منسوب إلى قرية من الري» وقال في الهامش: «كلين كأمير ينسب إليه محمّد بن يعقوب الكلينيّ ؛ بضم الكاف، وفتح اللام. على ما هو المشهور بين ألسنة المحدّثين - وقد يغيّر اللّفظ في النسبة، ولعلّه من ذلك... (منه) (2)».
وقال الشيخ عبد النبيّ الكاظميّ : وفي التحرير (3) : والّذي سمعته من فضلاء الري، أنَّ هناك قريتين كلين كأمير، وكلين - مصغراً _ وفيها قبر الشيخ محمّد (4) بن يعقوب الكلينيّ. وأما. ولده فقبره ببغداد». ثمَّ قال بعد نقل ما ورد في التحرير : «بل المعروف فيما بين علمائنا، وأهل عصرنا، أنّه قبره في بغداد... (5)».
وقال الميرزا عبد اللّه الأفندي، بعد نقل ضبط العلّامة الحلّي، المذكور آنفاً: «وقال الشيخ البهائي، في تعليقاته على هذا الموضع، إنَّ الأولى أن يقال : كَلين بفتح الكاف لكن غلب استعمال كُلين بضم الكاف». وقد ردّ مقالة البهاء العاملي، قال : «ثم أقول : الّذي سمعناه من أهل طهران الّذي هو المعهود من بلاد الري قريتين (6)، اسم أحدهما (7) كلين على وزن أمير، والأخرى، كُلين - مصغراً - و - ح - (8): لا يبقى نزاع في المقام ولكن لا يعلم - ح - أن محمّد بن يعقوب، من أي القريتين، و _ أيضاً _ لا يظهر وجه تصحيح السمعاني هذه النسبة، بأنّها بضم الكاف، وكسر اللام، إذ لم أجد في موضع آخر، كون كلين، بضم الكاف وكسر اللام قرية بالري، ولعلّها في غير الري، فلاحظ، ولو صح ذلك ؛ أعني ؛ القول بأنَّ الكلينيّ، بضم الكاف، وكسر اللّام، فلعله نسبة إلى إحدى القريتين المذكورتين ويكون كسر اللام فيه،
ص: 9
من باب التغييرات للنسب - كما أومأنا إليه أوّلاً أيضاً - فلاحظ (1).
وقال الشهيد في إجازته لابن الخازن الحائري : «الكلينيّ بتشديد اللام» (2). وقال محمّد باقر بن محمّد أكمل: وفي حاشية البلغة: ضبطه بعض الفضلاء بكسر الكاف، وتشديد اللام المكسورة» (3).
وقال الشيخ أحمد النراقي : «الكلينيّ؛ بضم الكاف، وتخفيف اللام، منسوب إلى كُلين، قرية من قرى ريّ (4): ونحوه في بعض لغات الفرس (5). وحكى عن الشهيد الثاني أنّه ضبط في إجازته لعليّ بن حارث الحائري (6)، الكلينيّ بتشديد اللام. وفي القاموس (7)، كلين كأمير قرية بالري، منها محمّد بن يعقوب من فقهاء الشيعة أقول : القرية موجودة الآن في الري، في قرب الوادي المشهور بوادي الكرج وعبرت عن قرية (8)، ومشهورة عند أهلها، وأهل تلك النواحي جميعاً، بكُلَيْن بضم الكاف، وفتح اللام المخفّفة، وفيها قبر الشيخ يعقوب، والد محمّد (9)».
وقال المجلسي: «كلين كزبير - أيضاً - قرية بالري، ومحمّد بن يعقوب منها، كذا سمعت بعض المشايخ، يذكر عن أهل الريّ» (10)
الكلينيّ
هو محمّد بن يعقوب (11) بن إسحاق ؛ الكلينيّ (12)، الرازي (13)، ويعرف أيضاً بالسلسليّ (14)،
ص: 10
البغدادي (1) ؛ أبو جعفر الأعور (2).
ينتسب إلى بيت طيب الأصل في كلين أخرج عدَّة من أفاضل رجالات الفقه والحديث (3)، منهم ؛ خاله علان (4).
وكان هو شيخ الشيعة في وقته بالري ووجههم (5)، ثمَّ سكن بغداد (6) في درب السلسلة (7) بباب الكوفة (8)، وحدّث بها سنة ٣٢٧ ه_ (9). وقد انتهت إليه رئاسة فقهاء الإماميّة في أيّام المقتدر (10). وقد أدرك زمان سفراء المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وجمع الحديث من مشرعه ومورده. وقد انفرد بتأليف «كتاب الكافي في أيامهم (11)، إذ سأله بعض رجال الشيعة أن يكون. عنده كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المُسْتَرْشِد (12)».
وكان مجلسه مثابة أكابر العلماء الراحلين في طلب العلم، كانوا يحضرون حلقته لمذاكرته، ومفاوضته، والتفقه عليه.
وكان - رحمة اللّه عليه - عالماً متعمقاً، محدثاً ثقة، حجّة عدلاً، سديد القول؛ يعد من أفاضل حملة الأدب، وفحول أهل العلم، وشيوخ رجال الفقه، وكبار أئمة الإسلام، مضافاً إلى أنّه من أبدال الزهادة والعبادة والمعرفة والتأله والإخلاص.
والكافي - والحقَّ أقول - جؤنة حافلة بأطائب الأخبار ونفيس الأعلاق من العلم، والدين والشرائع والأحكام والأمر والنهي، والزواجر والسنن، والآداب، والآثار.
وتنمُّ مقدّمة ذلك الكتاب القيم، وطائفة من فقره التوضيحية، في أثناء كلّ باب من
ص: 11
الأبواب على علوّ قدره في صناعة الكتابة، وارتفاع درجته في الإنشاء، ووقوفه على سرّ العربية وبسطته في الفصاحة ومنزلته في بلاغة الكلام.
وكان مع ذلك عارفاً بالتواريخ والطبقات، صنف كتاب الرّجال، كلمانياً بارعاً، ألف كتاب الردّ على القرامطة. وأما عنايته بالآداب فمن أماراتها كتاباه : رسائل الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وما قيل في الأئمّة من الشعر. ولعلّ كتابه تفسير الرؤيا خير كتاب أخرج في باب التعبير.
أشياخه
روى الكلينيّ «عمّن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) ورجالهم ومحدّثيهم» (1) منهم :
1 - أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعريّ، القميّ، المتوفّى سنة ٣٠٦ ه_ (2).
٢ - أحمد بن عبد اللّه بن أمية (3).
٣ - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرّحمن الهمداني ؛ المعروف بابن عُقْدَة؛ المتوفّى سنة ٣٣٣ ه_ (4).
٤ - أبو عبد اللّه أحمد بن عاصم ؛ العاصميّ، الكوفيّ (5).
٥ - أبو جعفر، أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص ابن السائب بن مالك بن عامر الأشعريّ، القميّ (6).
٦ - أحمد بن مهران (7).
7 - إسحاق بن يعقوب (8).
ص: 12
8 - الحسن بن خفيف (1).
9 - الحسن بن الفضل بن يزيد (2) اليمانيّ (3).
١٠ _ الحسين بن الحسن؛ الحسيني، الأسود (4).
١١ - الحسين بن الحسن الهاشميّ، الحسنيّ، العلويّ (5).
١٢ _ الحسين بن عليّ العلوي (6).
١٣ - أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد بن عمران بن أبي بكر الأشعريّ القميّ المعروف بابن عامر (7).
١٤ - حميد بن زياد من أهل نينوى ؛ المتوفّى سنة ٣١٠ ه_ (8).
١٥ - أبو سليمان داود بن كورة القميّ (9).
١٦ - أبو القاسم، سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف الأشعريّ، القميّ ؛ المتوفّى 27 شوَّال سنة ٣٠٠ ه_ (10).
17 - أبو داود سليمان بن سفیان (11).
١٨ - أبو سعيد، سهل بن زياد ؛ الأدميُّ، الرازي (12).
١٩ - أبو العبّاس عبد اللّه بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري القميّ (13).
20 - أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القميّ، صاحب التفسير المعروف (14)
ص: 13
المتوفّى بعد سنة ٣٠٧ ه_.
21 - عليّ بن الحسين السعد آباذي (1).
22 - أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه بن محمّد بن عاصم، الخديجي، الأصغر (؟) (2).
٢٣ - أبو الحسن عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان، الرازي، الكلينيّ، المعروف بعلّان (3).
٢٤ - عليّ بن محمّد بن أبي القاسم بندار (4).
٢٥ - أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي القاسم عبد اللّه بن عمران، البرقي، القميّ ابن بنت أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، المعروف (5).
٢٦ - عليّ بن موسى بن جعفر الكمنداني(6)
27 - أبو محمّد القاسم بن العلاء من أهل أذربايجان (ظ؟) (7).
28 _ أبو الحسن، محمّد بن إسماعيل، النيسابوري، الملقب بندفر (8).
29 - أبو العبّاس، محمّد بن جعفر الرزَّاز، المتوفّى سنة ٣٠١ ه_ (9).
٣٠ - أبو الحسن محمّد بن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد بن عون، الأسدي، الكوفيّ ساكن الري (10).
31 - أبو جعفر، محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار، الأعرج القميّ، صاحب كتاب بصائر الدرجات المتوفّى سنة 290) ه_ (11) مولى عيسى بن موسى بن جعفر الأعرج.
32 - محمّد بن الحسن ؛ الطائي (12).
ص: 14
٣٣- أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك، الحميري، القميّ (1).
٣٤ - محمّد بن عقيل ؛ الكلينيّ (2).
35 - أبو الحسين محمّد بن عليّ بن معمر ؛ الكوفيّ، صاحب الصبيحي (3).
٣٦ _ أبو جعفر محمّد بن يحيى ؛ العطّار، الأشعريّ القمي (4).
تلاميذه والرواة عنه(5)
يروي عن الكلينيّ فئة كثيرة؛ منهم :
١ - أبو عبد اللّه أحمد بن إبراهيم المعروف بابن أبي رافع الصيمري (6).
2 - أبو الحسين أحمد بن أحمد الكاتب الكوفيّ (7)
3 - أبو الحسين أحمد بن عليّ بن سعيد الكوفيّ (8)
٤ - أبو الحسين أحمد بن محمّد بن عليّ الكوفيّ (9).
5 _ أبو غالب أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين بن سنسن الزراري (٢٨٥ - ٣٦٨ ه_) (10).
٦ - أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه، المتوفّى سنة ٣٦٨ ه_ (11).
ص: 15
٧ - أبو الحسن عبد الكريم بن عبد اللّه بن نصر البزاز التنيسي(1).
8 _ - عليّ بن أحمد بن موسى، أحمد بن موسى، الدقاق (2)
9 - أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني، المعروف بابن زينب (3) «كان خصيصاً به، يكتب كتابه الكافي» (4)،(5).
10 - أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عبد اللّه بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمّال الصفواني، نزيل بغداد (6). «كان تلميذه الخاص به يكتب كتابه الكافي وأخذ عنه العلم والأدب، وأجاز [ الكلينيّ] له، في قراءة الحديث(7)».
١١ - أبو عيسى محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان، السناني، الزاهري نزيل الريّ (8).
١٢ - أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطلب، الشيباني (9).
13 - محمّد بن عليّ ماجيلويه (10).
١٤ - محمّد بن محمّد بن عاصم الكلينيّ (11).
١٥ - أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعيد الشيباني، التلعكبري، المتوفّى سن ٣٨٥ ه_ (12)
مَدْحُه
قال النجاشي : «شيخ أصحابنا في وقته بالري، ووجههم. وكان أوثق النّاس في
ص: 16
الحديث، وأثبتهم» (1).
ونقل هذه الكلمة العلّامة الحلّي (2) وابن داود(3) مع تغيير يسير.
وقال الطوسي : «ثقة، عارف بالأخبار» (4).
وقال أيضاً : «جليل القدر، عالم بالأخبار»(5).
وقال ابن شهر اشوب : «عالم بالأخبار» (6).
وقال السيّد رضي الدّين ابن طاووس : «الشيخ المتفق على ثقته، وأمانته، محمّد بنيعقوب الكلينيّ»(7).
وقال أيضاً: «محمّد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه، وأصدق في الدراية» (8).
وقال ابن الأثير : «... وهو من أئمة الإماميّة وعلمائهم» (9).
وقال أيضاً _ وقد عدّه من مجدّدي الإماميّة على رأس المائة الثالثة - : «أبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازي الإمام على مذهب أهل البيت عالم في مذهبهم كبير فاضل عندهم مشهور...» (10).
وعده الطيبي من مجدّدي الأمة على رأس تلك المائة : قال : «... ومن الفقهاء... أبو جعفر الرازي الإمامي» (11).
وقال ابن حجر : «وكان من فقهاء الشيعة والمصنفين على مذهبهم» (12).
وقال أيضاً : «... أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ، من رؤساء فضلاء الشيعة، في أيّام المقتدر» (13).
ص: 17
وقال الفيروزآبادي : «.. محمّد محمّد بن يعقوب الكلينيّ، من فقهاء الشيعة» (1).
وقال الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني : «...محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رضیَ اللّهُ عنهُ) شيخ عصره في وقته ووجه العلماء والنبلاء، كان أوثق النّاس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به» (2).
وقال القاضي الشوشتري : «رئيس المحدثين الشيخ الحافظ» (3).
وقال المولى خليل بن الغازي القزويني: «اعترف المؤالف والمخالف بفضله، قال أصحابنا : وكان أوثق النّاس في الحديث وأثبتهم، وأغورهم في العلوم (4)».
وقال محمّد تقي المجلسيّ : «والحقُّ أنّه لم يكن مثله، فيما رأيناه في علمائنا، وكلُّ من يتدبر في أخباره وترتيب كتابه، يعرف أنّه كان مؤيداً من عند اللّه - تبارك وتعالى _ جزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين أفضل جزاء المحسنين» (5).
وقال محمّد باقر المجلسي: «الشيخ الصدوق، ثقة الإسلام، مقبول طوائف الأنام ممدوح الخاص والعام محمّد بن يعقوب الكلينيّ» (6).
وقال الميرزا عبد اللّه الأفندي : «ثقة الإسلام، هو في الأغلب يراد منه أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ، الرازي، صاحب الكافي وغيره، الشيخ الأقدم المسلم بين العامّة والخاصّة والمفتي لكلا الفريقين» (7).
وقال الشيخ حسن الدمستاني : «ثقة الإسلام، وواحد الأعلام، خصوصاً في الحديث فإنّه جهينة الأخبار، وسابق هذا المضمار الّذي لا يُشَقُ له غبار، ولا يُعْثَر له على عثار» (8).
وقال السيّد محمّد مرتضى الزبيدي : «... من [ فقهاء الشيعة ] (9) ورؤساء فضلائهم، في
ص: 18
أيّام المقتدر (1)».
وقال المحدّث النيسابوري في كتاب منية المرتاد في ذكر نفاة الاجتهاد: «ومنهم ؛ ثقة الإسلام قدوة الأعلام والبدر التمام جامع السنن والآثار، في حضور سقراء الإمام عليه أفضل السلام الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ الرازي محيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة..» (2).
وقال الشيخ أسد اللّه الشوشتري : «... ثقة الإسلام، وقدوة الأنام، وعلم الأعلام، المقدَّم المعظم عند الخاص والعام، الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ» (3).
وقال السيّد أحمد الحسينيّ :
«كذا الصدوق ثقة الإسلام***وقدوة الأماثل الأعلام
نور المهيمن الّذي لا يخبو***وصارم العلم الّذي لا ينبو
العالم العلّامة السامي المحلّ***أعني الكلينيّ بن يعقوب الأجلّ»(4)
وقال أيضاً:
«والشيخ والصدوق والكلينيّ***وكلّهم عدل بغير مين»(5)
وقال :
واسم الكلينيّ محمّد الأبرُّ***سليل يعقوب المعظم الخطر» (6)
وقال السيّد محمّد باقر الخوانساري : هو في الحقيقة أمين الإسلام، وفي الطريقة دليل الأعلام وفي الشريعة جليل الأقدام، ليس في وثاقته لأحد كلام، ولا في مكانته عند أئمّة الأنام (7).
ص: 19
تأليفه
١ - كتاب تفسير الرؤيا (1).
٢ - كتاب الرجال (2)
٣ - كتاب الردّ على القرامطة (3).
٤ - كتاب الرسائل (4) ؛ رسائل الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) (5)، (6).
5 - كتاب الكافي (7).
٦ - كتاب ما قيل في الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الشعر (8).
الكافي
كان هذا الكتاب معروفاً بالكلينيّ (9)، ويسمّى أيضاً الكافي(10). قال الكلينيّ «وقلت: إنّک تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين، والعمل به بالآثار الصحيحة، عن الصادقين (عَلَيهِما السَّلَامُ)» (11) وقد يسر اللّه له تأليف هذا الكتاب الكبير في عشرين سنة(12). وقد سأله بعض الشيعة من البلدان النائية تأليف كتاب الكافي لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره، ممّن يثق بعلمه (13) ويعتقد بعض العلماء أنّه «عُرِض على القائم - صلوات اللّه عليه – فاستحسنه» (14)
ص: 20
وقال: «كافٍ لشيعتنا» (1).
روى الكلينيّ عمّن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) ورجالهم ومحدّثيهم (2)، فكتابه خلاصة آثار الصادقين (عَلَيهِما السَّلَامُ) وعَيْبَةُ القائمة. سنتهم
وقد كان شيوخ أهل عصره يقرؤونه عليه، ويروونه عنه، سماعاً وإجازة (3)، كما قرؤوه على تلميذه أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفيّ الكاتب (4). ورواه جماعة من أفاضل رجالات الشيعة عن طائفة من كَمَلَة حملته ومن رواته الأقدمين : النجاشي (5) والصدوق (6) وابن قولويه(7)، والمرتضى(8)، والمفيد (9)، والطوسيّ (10)، والتعلكبري (11) والزراري (12)، وابن أبي رافع (13)، وغيرهم.
وقد ظلَّ حجّة المتفقهين عصوراً طويلة، ولا يزال موصول الإسناد والرواية، مع تغير الزمان وتبدّل الدهور.
وقد اتفق أهل الإمامة وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب والأخذ به، والثقة بخبره، والاكتفاء بأحكامه، وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره - على أنّه القطب الّذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والاتقان إلى اليوم، وهو عندهم أجمل وأفضل» (14) من سائر اصول الأحاديث.
ص: 21
الثناء عليه
قال الشيخ المفيد: «.... الكافي، وهو من أجلّ كتب الشيعة، وأكثرها فائدة» (1).
وقال الشهيد محمّد بن مكّي في إجازته لابن الخازن : «.... كتاب الكافي في الحديث الّذي لم يعمل الإماميّة مثله» (2).
وقال المحقّق عليّ بن عبد العالي الكركي، في إجازته للقاضي صفي الدّين عيسى : «الكتاب الكبير في الحديث المسمّى بالكافي الّذي لم يعمل مثله.... وقد جمع هذا الكتاب من الأحاديث الشرعية، والأسرار الدينية، ما لا يوجد في غيره» (3).
وقال أيضاً _ في إجازته لأحمد بن أبي جامع العاملي -: «الكافي في الحديث الّذي لم يَعْمَل الأصحاب مثله» (4).
وقال الفيض : «الكافي... أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها؛ لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشَيْنها» (5).
وقال الشيخ عليّ بن محمّد بن حسن بن الشهيد الثاني: «الكتاب الكافي والمنهل العذب الصافي. وَلَعَمْري لم ينسج ناسج على منواله، ومنه يعلم قدر منزلته(6) وجلالة حاله (7)».
وقال المجلسيّ : «كتاب الكافي... اضبط الأصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية، وأعظمها (8)».
وقال المولى محمّد أمين الاسترابادي في الفوائد المدنية: «وقد سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنّه لم يصنّف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه» (9).
ص: 22
وقال بعض الأفاضل : «اعلم أنَّ الكتاب الجامع للأحاديث، في جميع فنون العقائد، والأخلاق والآداب والفقه _ من أوله إلى آخره، ممّا لم يوجد في كتب أحاديث العامّة، وأنَّى لهم بمثل الكافي، في جميع فنون الأحاديث، وقاطبة أقسام العلوم الإلهية، الخارجة من بيت العصمة ودار الرحمة» (1).
وهو «... يحتوي على ما لا يحتوي غيره ممّا ذكرناه من العلوم حتّى أنَّ فيه ما يزيد على ما في الصحاح الست للعامة متوناً وأسانيد»(2) فإنَّ عدة أحاديث الكافي ١٦١٩٩ حديثاً(3)، وجملة ما في كتاب البخاريّ الصحيح 7275 حديثاً، بالأحاديث المكرَّرة، وقد قيل: «إنّها بإسقاط المكررة ٤٠٠٠ حديث» (4).
قال ابن تيميّة : إنَّ أحاديث البخاريّ ومسلم سبعة آلاف حديث وكَسْر (5).
مَزيتُه
خصائص الكافي التي لا تزال تحثّ على الاهتمام به كثيرة؛ منها :
أن مؤلّفه كان حيّاً في زمن سفراء المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال السيّد ابن طاووس: «فتصانيف هذا الشيخ محمّد بن يعقوب، ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين، يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته» (6).
وهو «ملتزم في الكافي أن يذكر في كلّ حديث إلّا نادراً جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم، وقد يحذف صدر السند ولعلّه لنقله عن أصل المروي عنه من غير واسطة أو الحوالته على ما ذكره قريباً. وهذا في حكم المذكور» (7).
«وممّا يعلم في هذا المقام نقلاً عن بعض محققينا الأعلام، أنَّ من طريقة الكلينيّ (رضیَ اللّهُ عنهُ)
ص: 23
وضع الأحاديث المخرجة، الموضوعة على الأبواب على الترتيب بحسب الصحة والوضوح. ولذلك، أحاديث أواخر الأبواب في الأغلب - لاتخ (1) من إجمال وخفاء(2)».
وقد أسلفت إيراد كونه جمع فنون العلوم الإلهيّة، واحتوى على الأصول والفروع، وأنّه يزيد على ما في الصحاح الستة، عَد عن التأني في تأليفه الّذي بلغ عشرين سنة. قال الوحيد البهبهاني: «ألا ترى أنَّ الكلينيّ (رضیَ اللّهُ عنهُ) مع بذل جهده في مدة عشرين سنة، ومسافرته إلى البلدان والأقطار، وحرصه في جمع آثار الأئمّة، وقرب عصره إلى الأصول الأربعمائة والكتب المعوّل عليها وكثرة ملاقاته ومصاحبته مع شيوخ الإجازات، والماهرين في معرفة الأحاديث ونهاية شهرته في ترويج المذهب، وتأسيسه...» (3).
وقال السيّد حسن الصدر: «ومنها اشتماله على الثلاثيات...» (4).
«ومنها أنّه غالباً، لا يورد الأخبار المعارضة، بل يقتصر على ما يدلُّ على الباب الّذي عنونه، وربما دلّ ذلك على ترجيحه لما ذكر على ما لم يذكر (5)، (6).
شروحه (7)
وهي كثيرة؛ منها:
1 - جامع الأحاديث والأقوال، للشيخ قاسم بن محمّد بن جواد بن الوندي المتوفّى بعد سنة ١١٠٠ ه_ (8).
2 - الدر المنظوم من كلام المعصوم ؛ للشيخ عليّ بن محمّد بن الحسن بن زين الدّين الشهيد الثاني العاملي الجبعي، المتوفّى سنة ١١٠٤ ه_. وهو مخطوط، ومنه نسخة (9) بخزانة كتب السيّد محمّد المشكاة الموقوفة بجامعة طهران.
ص: 24
- الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإماميّة (1)، لمحمّد باقر الداماد الحسيني، المتوفّى سنة ١٠٤٠ ه_. وهو مطبوع سنة ١٣١١ ه_ بطهران.
٤ - الشافي ؛ للشيخ خليل بن الغازي القزويني، المتوفّى سنة 1089 ه_. وهو مخطوط، ومنه نسخة (2) بخزانة كتب السيّد محمّد المشكاة.
٥ - شرح الميرزا رفيع الدّين محمّد النائيني، المتوفّى سنة 1802ه_ (3).
٦ - شرح المولى صدرا، الشيرازي، المتوفّى سنة ١٠٥٠ ه_ (4).
7 - شرح محمّد أمين الاسترآبادي الأخباري المتوفّى سنة ١٠٣٦ ه_ (5).
8 - شرح المولى محمّد صالح المازندراني، المتوفّى سنة 1080 ه_ (6)، وهو - عند أفاضل المتفقهين - من خيار الشروح.
9 - كشف الكافي ؛ لمحمّد بن محمّد الملقب شاه محمّد الاصطهباناتي الشيرازي، من أفاضل أوائل القرن الثاني عشر (7). ألّفه للشاه السلطان حسين الموسوي الصفوي. وهو مخطوط، ومنه نسخة (8) بخزانة كتب السيّد محمّد المشكاة.
10 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (9)؛ لمحمّد باقر بن محمّد تقي المجلسيّ المتوفّى سنة 111٠ ه_. وهو مطبوع سنة ١٣٢١ ه_ بطهران، في ٤ مجلّدات ضخمة.
١١ - هدى العقول في شرح أحاديث الأصول؛ لمحمّد بن عبد عليّ بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن عبد الجبار القطيفي، من علماء أوائل القرن الثالث عشر. وهو مخطوط، ومنه نسخة في خزانة كتب مدرسة عالي سبهسالار (10).
ص: 25
12 - الوافي ؛ للفيض الكاشاني (1)، المتوفّى سنة 1091 ه_. وهو مطبوع سنة ١٣١٠ و ١٣٢٤ ه_ بطهران في 3 مجلّدات.
تعاليقه وحواشيه (2)
وهي كثيرة جداً؛ منها :
1 - حاشية الشيخ إبراهيم بن الشيخ قاسم الكاظمي، الشهير بابن الوندي(3).
2 - حاشية أبي الحسن الشريف الفتوني العاملي، المتوفّى سنة 1138 ه_ (4).
3 - حاشية السيّد المير أبي طالب بن الميرزا بيك الفندرسكي من أفاضل وأوائل القرن الثاني عشر (5).
٤ - حاشية الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري، المتوفّى سنة ١١٤٩ ه_ (6).
5 - حاشية السيّد بدر الدّين أحمد الأنصاري العاملي، تلميذ البهاء العاملي (7).
٦ - حاشية محمّد أمين بن محمّد شريف الاستراباديّ الأخباريّ، المتوفّى سنة ١٠٣٦ ه_ (8).
ص: 26
7 - حاشية محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسيّ (1).
8 - حاشية محمّد باقر الداماد الحسيني(2).
9 - حاشية محمّد حسين بن يحيى النوري ؛ تلميذ المجلسيّ (3).
10 - حاشية حيدر عليّ بن الميرزا محمّد بن حسن الشيرواني (4).
11 - حاشية المولى رفيع الجيلاني المعروفة بشواهد الإسلام(5).
12 - حاشية السيّد شبر بن محمّد بن ثنوان الحويزي، النجفي (6).
١٣ - حاشية السيّد نور الدّين عليّ بن أبي الحسن الموسوي العاملي، المتوفّى سنة ١٠٦٨ ه_ (7).
١٤ - حاشية الشيخ زين الدّين أبي الحسن عليّ بن الشيخ حسن صاحب المعالم (8).
١٥ - حاشية الشيخ علي الصغير بن زين الدّين بن محمّد بن الحسن بن زين الدّين الشهيد الثاني(9)
١٦ - حاشية الشيخ علي الكبير بن محمّد بن الحسن بن زين الدّين الشهيد الثاني(10).
17 - حاشية الشيخ قاسم بن محمّد بن جواد الكاظمي، المشهور بابن الوندي، المتوفّى بعد سنة ١١٠٠ ه_ (11).
18 - حاشية الشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدّين الشهيد الثاني، المعروف بالشيخ محمّد السبط العاملي المتوفّى سنة 103٠ ه_ (12).
ص: 27
19 - حاشية الميرزا رفيع الدّين محمّد بن حيدر النائيني، المتوفّى سن 1080 ه_ (1)، (2).
20 - حاشية الشيخ محمّد بن قاسم الكاظمي (3).
21 - حاشية نظام الدّين بن أحمد الدشتكي (4).
ترجماته بالفارسية
١ - تحفة الأولياء؛ لمحمّد عليّ بن الحاج محمّد حسن الأردكاني، المعروف بالنحوي تلميذ السيّد بحر العلوم وهو مخطوط، ومنه نسخة (5) بخزانة كتب السيّد محمّد المشكاة.
٢ - الصافي في شرح أصول الكافي (6)، للشيخ خليل بن الغازي القزويني، وهو مطبوع سنة ١٣٠٨ ه_ / 1891 بلكهنو، في مجلدين ضخمين.
٣ - شرح فروع الكافي، له أيضاً، وهو مخطوط في عدة مجلدات، ومنه نسخة (7) بخزانة كتب السيّد محمّد المشكاة.
شروح بعض أحاديثه
١ - حثيث الفلجة في شرح حديث الفرجة (8) ؛ للسيد بهاء الدّين محمّد بن محمّد باقر الحسني المختاري النائيني، السبزواري، الأصفهاني، من علماء أوائل القرن الثاني عشر (9).
ولهذا الحديث شروح كثيرة (10).
ص: 28
٢ - هداية النجدين وتفصيل الجندين ؛ رسالة في شرح حديث الكافي في جنود العقل وجنود الجهل (1)، للسيد حسن الصدر المتوفّى سنة ١٣٥٤ ه_ (2).
اختصاره
اختصر الكافي، محمّد جعفر بن محمّد صفي الناعسي الفارسي، ومن هذا المختصر نسخة (3) (مخطوطة سنة 1273) بخزانة كتب السيّد محمّد المشكاة.
تحقيقه
عني كثير من الأقدمين والمتأخرين بتحقيق بعض أمور الكافي ؛ ومن آثارهم :
١ - الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإماميّة، للداماد (4).
٢ - رموز التفاسير الواقعة في الكافي والروضة لمولى خليل بن الغازي القزويني (5).
٣ - نظام الأقوال في معرفة الرجال ؛ «رجال الكتب الأربعة لنظام الدّين محمّد بن الحسين القرشي الساوجي (ظ؟) (6)، تلميذ الشيخ البهاء العاملي، «ذكر فيه أسماء الّذين روى عنهم المحمّدون الثلاثة، من الكتب الأربعة، أو ذكر واحداً من أصحابنا، وقال : إنّه ثقة أو عالم أو فاضل، أو ما شابه ذلك، أو قال : روى عن أحد وروى عنه أحد» (7).
٤ - جامع الرواة (8)، لحاجي محمّد الأردبيلي، تلميذ المجلسي.
5 - رسالة الأخبار والاجتهاد في صحة أخبار الكافي، لمحمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني (9).
ص: 29
٦ - معرفة أحوال العدّة الّذين يروي عنهم الكلينيّ، للسيد حجة الإسلام محمّد باقر الشفتي الأصفهاني، المتوفّى سنة ١٢٦٠ ه_ طبع مع مجموعته الرّجالية ص ١١٤ - ٢٥ بطهران سنة ١٣١٤ ه_ (1).
7 - الفوائد الكاشفة عن سلسلة مقطوعة وأسماء في بعض أسانيد الكافي مستورة للسيّد محمّد حسین الطباطبائي التبريزي (2).
قال في مقدّمته: «لما كان بعض الرواة بين ثقة الإسلام الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ، وبين بعض من روى عنه من الأصحاب، كأحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن محمّد بن خالد، وسهل بن زياد غير مذكورين في كتابه المسمّى بالكافي، مشيراً إليهم فيه بعدة من أصحابنا، فأحببت توضيحاً، بل لزوماً، حيث يحتاج العمل بالرواية إلى معرفة أحوال الراوي، من الصحة وغيرها من الأوصاف، أن أكتب رسالة جامعة لما وصل إلينا من أسمائهم، وجامعة لأحوالهم، ووافية لبيان اوصافهم ليكون الطالب العامل بها على بصيرة» (3).
8 - ترجمة عليّ بن محمّد المبدوء به بعض أسانيد الكافي ؛ للشيخ الميرزا أبي المعالي ابن الحاج محمّد إبراهيم بن الحاج محمّد حسن الكاخي الخراساني الأصفهاني، الكلباسي المتوفّى سنة ١٣١٥ ه_ (4).
ص: 30
9 - البيان البديع في أنّ محمّد بن إسماعيل المبدوء به في أسانيد الكافي إنّما هو بزيع (1) للسيّد حسن الصدر المتوفّى 11 ربیع الأوّل سنة ١٣٥٤ ه_ (2).
10 - رجال الكافي جداول لفقيه آل محمّد ورئيس الطائفة، شيخ علماء قم اليوم (3)الحاج السيّد حسين الطباطبائي البروجردي، وهو مخطوط، سمعت به.
أما عدد أحاديث الكافي (4) وتحقيق رجاله، واختلاف رواته، وأسناده، فقد عنّي بها أكثر علماء الحديث والطبقات في المشيخات وكتب الرّجال (5).
طبعاته
طبع الكافي عدَّة مرار(6)؛ منها :
أصول الكافي :
شیراز (؟) سنة 1278 ه_.
تبريز سنة 1281 ه_ في ٤٩٤ صفحة (7).
طهران سنة ١٣١١ ه_ في ٦٢٧ صفحة مع حواش في الهامش.
طهران سنة ١٣١١ ه_ في ٤٦٨ صفحة مع حواش أيضاً.
[ طهران سنة ١٣٧٤ الطبعة الأولى من هذه الطبعة].
لكهنو سنة ١٣٠٢ / ١٨٨٥.
فروع الكافي :
ص: 31
طهران سنة ١٣١٥ ه_. في مجلدين توأم أولهما ٤٢٧ صفحة، والآخر ٣٧٥ صفحة مع حواش في الهامش.
[طبع دار الكتب الإسلامية في خمس مجلدات].
لكهنو سنة ١٣٠٢ / ١٨٨٥.
الروضة :
طهران سنة ١٣٠٣ ه_ في ١٤٢ صفحة(1)، تحف العقول، ومنهاج النجاة.
لكهنو سنة ١٣٠٢ / ١٨٨٥
[طبع دار الكتب مستقلا].
وفاته
مات - كما يقول النجاشي - ببغداد سنة ٣٢٩ ه_. سنة تناثر النجوم (2) وتاريخ وفاته عند الشيخ الطوسي - سنة 328(3)، ثمَّ وافق في كتاب الرّجال (4) الّذي ألفه من بعد، النجاشي.
وقال السيّد رضي الدّين ابن طاووس : «وهذا الشيخ محمّد بن يعقوب كانت حياته في زمن وكلاء المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - عثمان بن سعيد العمري وولده أبي جعفر محمّد، وأبي القاسم حسين بن روح، وعليّ بن محمّد السمري - وتوفّي محمّد بن يعقوب قبل وفاة عليّ بن محمّد السمري، لأنّ عليّ بن محمّد السمري توفّي في شعبان سنة 329 ه_ وهذا محمّد بن يعقوب الكلينيّ توفّي ببغداد سنة 328 ه_ (5)» وذكر ابن الأثير (6)، وابن حجر (7) أنّه توفي في تلك السنة.
وفي الوجيزة للشيخ البهاء العاملي: «توفّي ببغداد سنة ٣٠ أو 329» (8).
والصحيح - عندي _ أنَّ تاريخ الوفاة هو شهر شعبان سنة 329(9)، والنجاشي أقدم وأقرب
ص: 32
إلى عصر الكلينيّ، وقد أيده الشيخ الطوسي، والعلّامة الحلّيُّ، وهم أدرى من ابن الأثير وابن حجر بتواريخ علماء الشيعة. وهذا لا ينافي وفاته قبل عليّ بن محمّد السمري الّذي توفي في شعبان سنة ٣٢٩ ه_، وفاقاً للسيد ابن طاووس.
وصلّى عليه محمّد بن جعفر الحسني المعروف بأبي قيراط (1).
قبره ببغداد
دفن الكلينيّ بباب الكوفة بمقبرتها (2)، في الجانب الغربي، وكان ابن عبدون (3) يعرف قبره (4)، قال: «رأيت قبره في صراة الطائي، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه، واسم أبيه(5)» «وقد درس» (6) في أواخر القرن الرابع الهجري (ظ؟) وقبره - اليوم - قائم في الجانب الشرقي، على شاطيء دجلة عند باب الجسر العتيق «جسر المأمون الحالي» بالقرب منه، على يسار الجائي من جهة المشرق وهو قاصد الكرخ قال الميرزا عبد اللّه الأفندي : «قبره ببغداد ولكن ليس في المكان الّذي يعرف الآن بقبره» (7).
وقال محمّد تقي المجلسي: «قبره ببغداد في مولوي خانه، معروف بشيخ المشايخ ويزوره العامّة والخاصّة، وسمعت من جماعة من أصحابنا ببغداد، أنّه قبر محمّد بن يعقوب الكلينيّ، وزرته هناك» (8).
وقال الشيخ يوسف البحراني : وقبر» هذا الشيخ الآن بل قبل هذا الزمان في بغداد مزار مشهور وعليه قبة عالية» (9).
وقال الشيخ أسد اللّه الشوشتري : «ومزاره معروف الآن؛ قريباً من الجسر» (10).
ص: 33
وقال الشيخ عبد النبيّ الكاظمي : «المعروف فيما بين علمائنا، وأهل عصرنا، أن قبره في بغداد في مكان يقال له المولى خانه قريباً من باب الجسر، وقبره إلى الآن مشهور، يزوره الخاصّة والعامّة» (1).
وقال السيّد محمّد باقر الخوانساري : «والقبر المطهّر الموصوف، معروف في بغداد الشرقية، مشهور تزوره الخاصّة والعامّة في تكية المولوية، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر» (2).
وحاول السيّد محمّد مهدي الأصفهاني، إثبات كون قبر الكلينيّ في الجانب الشرقي (3)، وقد ردّ عليه الأستاذ مصطفى جواد (4) وخطأ «أنَّ القبر الّذي قرب رأس الجسر من الشرق، هو قبر الكلينيّ (5)».
وقد تعوَّد الشيعة زيارة هذا القبر الحالي، منذ قرون متعاقبة، معتقدين أن صاحبه هو الكلينيّ. والفريقان مجتمعان على تعظيم هذا القبر، وتبجيل صاحبه وقصة نبش قبره سائرة (6).
وطريقة سلفنا وآبائنا المتقدمين واستمرار سيرتهم في زيارة الموضع المعروف المنسوب إليه في «جامع الأصفيّة» قرب رأس الجسر من الشرق، يضطرنا إلى احترام هذا المزار ك_ «تمثال الجندي المجهول عند الأوروبيين» وإن كان في الحقيقة لم يرمس فيه، وذلك إحياء لذكره، وإخلاداً لاسمه، واستبقاء له.
قال أبو علي : «وقبره - (قدّس سِرُّه) - معروف في بغداد الشرقية – مش_ - (7) تزوره الخاصّة والعامّة، في تكبة المولوية وعليه شباك من الخارج، إلى يسار العابر من الجسر» (8).
خادم أهل البيت
حسين علي محفوظ
عفا اللّه عنه
١٣٧٤
ص: 34
مر راجع التصحيح في الطبعة الأولى
1 - نسخة مصحّحة مخطوطة في سنة ١٠٧٦ ه_ ؛ عليها تعاليق جمّة لطائفة من الأكابر.
٢ - نسخة مصحّحة مخطوطة في القرن 11 ه_ ؛ عليها تعاليق وحواش كثيرة مفيدة.
٣ - نسخة مخطوطة ؛ عليها تعاليق ثمينة وتصحيحات بخطّ السيّد الداماد (رضیَ اللّهُ عنهُ).
٤ - نسخة مصحّحة مخطوطة في سنة ١٠٥٧ ه_؛ عليها تعاليق مأخوذة من الشروح.
٥ - نسخة مطبوعة في سنة 1331 ه_ ؛ عليها تعاليق مأخوذة من الشروح.
٦ - نسخة مطبوعة في سنة 1311 ه_ ؛ عليها تعاليق مأخوذة من الشروح. 7 - نسخة مطبوعة في سنة 1282 ه_.
مراجع التصحيح في الطبعة الثانية
1 - نسخة مخطوطة مصحّحة مقروءة على العلّامة المجلسيّ كتابتها سنة 1071 ه_.
٢ - نسخة مخطوطة مصحّحة موشّحة بالتعاليق الكثيرة مزدانة بخط الشيخ محمّد الحرّ العاملي تاريخها ١٠٩٢ ه_.
3 - نسخة مخطوطة مصحّحة عليها كثير من شرح المولى صالح شارح الكافي.
وقد تفضّل بإرسال هذه النسخ الثلاث سماحة آية اللّه العلّامة السيّد شهاب الدّين النجفي المرعشي نزيل قم المشرفة - دامت بركاته - راجع صورها الفوتوغرافية تحت رقم 1 و 2 و 3.
ص: 35
1 - النسخة الأولى
الصورة
36jpg^
ص: 36
٢ - النسخة الثانية
الصورة
37jpg^
ص: 37
3 - النسخة الثالثة
الصورة
38jpg^
ص: 38
تنبيه
كل ما كان في الكتاب - الكافي - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى فهم :
١ - أبو جعفر محمّد بن يحيى العطّار القميّ.
2 - عليّ بن موسى بن جعفر الكمندانيّ.
٣ - أبو سليمان داود بن كورة القميّ.
٤ - أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعريّ القميّ، المتوفّى سنة ٣٠٦ ه_.
٥ - أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القميّ.
وكلٌّ ما كان فيه : عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهم :
1 - أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القميّ.
2 - محمّد بن عبد اللّه بن اذينة.
٣- أحمد بن عبد اللّه بن أمية.
٤ - عليّ بن الحسين السعد آبادي.
وكلُّ ما كان فيه : عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد فهم :
1 - أبو الحسن عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي، المعروف بعلان الكلينيّ.
٢ - أبو الحسين محمّد بن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد بن عون الأسديّ الكوفيّ، ساكن الريّ.
3 - محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القميّ، المتوفّى سنة ٢٩٠ ه_، مولى عيسى بن موسى بن جعفر الأعرج.
٤ - محمّد بن عقيل الكلينيّ
وكلُّ : ما كان فيه عدَّة من أصحابنا عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال فمنهم : أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد بن عمران بن أبي بكر الأشعريّ القميّ.
ص: 39
ص: 40
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه (1) المحمود لنعمته (2)، المعبود لقدرته (3)، المطاع في سلطانه(4)، المرهوب لجلاله (5)، المرغوب إليه فيما عنده (6)، النافذ أمره (7) في جميع خلقه، علا فاستعلى(8)، ودنا(9) فتعالى، وارتفع فوق كلّ منظر (10)، الّذي لا بدء لأوليّته، ولا غاية لأزليّته (11)، القائم قبل
ص: 41
الأشياء، والدائم الّذي به قوامها والقاهر الّذي لا يؤوده حفظها، والقادر الّذي بعظمته تفرد بالملكوت (1)، وبقدرته توحد بالجبروت، وبحكمته أظهر حججه على خلقه (2) ؛ اخترع الأشياء إنشاء، وابتدعها ابتداءً (3)، بقدرته وحكمته، لا من شيء فيبطل الإختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع خلق ما شاء كيف شاء، متوحداً بذلك (4) لإظهار حكمته، وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلّت دونه الأبصار (5)، وضلّ فيه تصاريف الصفات (6).
احتجب بغیر حجاب محجوب، واستر بغير ستر مستور (7)، عُرف بغير رؤية(8)، ووصف (9) بغير صورة، ونُعِت بغير جسم، لا إله إلّا اللّه الكبير المتعال، ضلّت الأوهام عن بلوغ
ص: 42
كنهه، وذهلت العقول أن تبلغ غاية نهايته، لا يبلغه حدوهم(1)، ولا يدركه نفاذ بصر، وهو السميع (2) العليم، احتج على خلقه برسله، وأوضح الأمور بدلائله، وابتعث الرسل مبشرين ومنذرين (3)، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حتي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته بعدما أنكروه، ويوحدوه بالإلهية بعدما أضدُّوه (4)، أحمده حمداً يشفي النفوس، ويبلغ رضاه، ويؤدّي شكر ما وصل إلينا من سوابغ النعماء، وجزيل الآلاء وجميل البلاء.
وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له إلها واحداً أحداً صمدا (5) لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أنّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عبد انتجبه ورسول ابتعثه على حين فترة(6) من الرسل، وطول هَجْعةٍ من الأمم (7)، وانبساط من الجهل واعتراض من المبرم (8) الفتنة، وانتقاض من، وعمي عن الحقّ، واعتساف من الجور (9)، وامتحاق من الدّين (10).
ص: 43
وأنزل إليه الكتاب، فيه البيان والتبيان، قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون؛ قد بينه للناس ونهجه بعلم قد فصله ودين قد أوضحه وفرائض قد أوجبها، وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها فيها دلالة إلى النّجاه، ومعالم تدعو إلى هداه (1).
فبلغ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما أرسل به، وصدع بما أمر (2)، وأدّى ما حمل من أثقال النبوّة، وصبر لربه، وجاهد في سبيله، ونصح لأمته، ودعاهم إلى النجاه، وحتّهم على الذكر (3)، ودلّهم على سبيل الهدى من بعده، بمناهج ودواع أسس للعباد أساسها ومنائر رفع لهم أعلامها، لكيلا يضلّوا من بعده (4)، وكان بهم رؤوفاً رحيماً.
فلما انقضت مدته واستكملت أيامه، توفاه اللّه وقبضه إليه، وهو عند اللّه مرضي عمله، وافر حظه عظیم خطره، فمضى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخلّف (5) في أمته كتاب اللّه ووصيه أمير المؤمنين، وإمام المتقين صلوات اللّه عليه صاحبين مؤتلفين، يشهد كلّ واحد منهما لصاحبه بالتصديق، ينطق الإمام عن اللّه في الكتاب بما أوجب اللّه فيه على العباد من طاعته، وطاعة الإمام وولايته، وواجب حقه الّذي أراد من استكمال دينه وإظهار أمره والاحتجاج بحججه والاستضاءة بنوره في معادن أهل صفوته ومصطفى أهل خيرته.
فأوضح اللّه بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن دينه، وأبلج (6) بهم عن سبيل مناهجه وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه، وجعلهم مسالك لمعرفته ومعالم لدينه، وحُجّاباً بينه خلقه، والباب (7) المؤدّي إلى معرفة وبين حقه، وأطلعهم على المكنون من غيب سره.
ص: 44
كلّما مضى منهم إمامٌ (1)، نصب لخلقه من عقبه إماماً بيّناً، وهادياً نيراً، وإماماً قيماً (2)، يهدون بالحقّ وبه يعدلون حجج اللّه، ودعاته، ورعاته على خلقه، يدين بهديهم العباد (3)، ويستهل بنورهم البلاد جعلهم اللّه حياة للأنام، ومصابيح للظلام ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، وجعل نظام طاعته وتمام (4) فرضه التسليم لهم فيما عُلم والردّ إليهم فيما جهل وحظر على غيرهم التهجم على القول بما يجهلون، ومنعهم جحد ما لا يعلمون، لما أراد تبارك وتعالى من استنقاذ من شاء من خلقه، من ملمات الظُّلَم (5) ومغشيات البهم (6). وصلّى اللّه على محمّد وأهل بيته الأخيار، الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس [أهل البيت] وطهرهم تطهيراً.
أما بعد، فقد فهمت يا أخي ما شكوتَ من اصطلاح (7) أهل دهرنا على الجهالة، وتوازرهم (8) وسعيهم في عمارة طرقها، ومباينتهم (9) العلم وأهله، حتّى كاد العلم معهم أن يأرز كله (10) وتنقطع مواده، لما قد رضوا أن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله (11).
وسألت : هل يسع النّاس المُقَام على الجهالة والتدين بغير علم، إذا كانوا داخلين في الدّين مقرّين بجميع أموره على جهة الاستحسان، والنشوء عليه (12)، والتقليد للآباء،
ص: 45
والأسلاف والكبراء، والاتكال على عقولهم في دقيق الأشياء وجليلها؟
فاعلم يا أخي رحمك اللّه، أنّ اللّه تبارك وتعالى خلق عباده خلقة منفصلة (1) من البهائم في الفطن والعقول المركبة فيهم محتملة للأمر والنهي، وجعلهم جلّ ذكره صنفين : صنفاً منهم أهل الصحة والسلامة وصنفاً منهم أهل الضرر والزمانة (2)، فخصّ أهل الصحّة والسلامة بالأمر والنهي، بعدما أكمل لهم آلة التكليف (3)، ووضع (4) التكليف عن أهل الزمانة والضرر، إذ قد خلقهم خلقة غير محتملة للأدب والتعليم، وجعل عزّ وجلّ سبب بقائهم أهل الصحّة والسلامة، وجعل بقاء أهل الصحة والسلامة بالأدب والتعليم، فلو كانت الجهالة جائزة لأهل الصحة والسلامة لجاز وضع التكليف عنهم، وفي جواز ذلك (5) بطلان الكتب والرسل والآداب (6)، وفي رفع الكتب والرسل والآداب فساد التدبير والرجوع إلى قول أهل الدهر (7)، فوجب في عدل اللّه عزّ وجلّ وحكمته أن يخص من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي، بالأمر والنهي، لئلا يكونوا سدى مهملين وليعظموه ويوحدوه، ويقروا له بالربوبية، وليعلموا أنّه خالقهم ورازقهم، إذ شواهد ربوبيته دالّة ظاهرة، وحججه نيرة واضحة، وأعلامه لائحة تدعوهم (8) إلى توحيد اللّه عزّ وجلّ، وتشهد على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهيّة، لما فيها من آثار صنعه، وعجائب تدبيره، فندبهم إلى معرفته لئلا يبيح لهم أن يجهلوه ويجهلوا دينه وأحكامه، لأنّ الحكيم لا يبيح الجهل به والإنكار لدينه، فقال جل ثناؤه : «ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألّا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ» (9) وقال: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) (10)، فكانوا محصورين بالأمر والنهي، مأمورين بقول الحقّ، غير مرخص لهم في المقام
ص: 46
على الجهل (1)، أمرهم بالسؤال والتفقه في الدّين فقال : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (2) وقال : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (3).
فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة المقام على الجهل لما أمرهم بالسؤال، ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب، وكادوا يكونون عند ذلك بمنزلة البهائم، ومنزلة أهل الضرر والزمانة، ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين، فلما لم يجز بقاؤهم إلّا بالأدب والتعليم، وجب أنّه لا بد لكلّ صحيح الخلقة، كامل الآلة من مؤدّب ودليل، ومشير، وآمر، وناه، وأدب، وتعليم، وسؤال، ومسألة.
فأحقُّ ما اقتبسه العاقل، والتمسه المتدبّر الفطن وسعى له الموفّق المصيب، العلم بالدين (4)، ومعرفة ما استعبد اللّه به خلقه من توحيده وشرائعه وأحكامه، وأمره ونهيه وزواجره وآدابه، إذ كانت الحجّة ثابتة، والتكليف لازماً، والعمر يسيراً، والتسويف غير مقبول، والشرط من اللّه جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة، ليكون المؤدّي لها محموداً عند ربه، مستوجباً لثوابه، وعظيم جزائه، لأنَّ الّذي يؤدي بغير علم وبصيرة، لا يدري ما يؤدّي، ولا يدري إلى من يؤدّي، وإذا كان جاهلاً لم يكن على ثقة ممّا أدى، ولا مصدّقاً، لأنَّ المصدّق لا يكون مصدّقاً حتّى يكون عارفاً بما صدق به من غير شك ولا شبهة (5)، لأنّ الشاك لا يكون له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرب مثل ما يكون من العالم المستيقن، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (إ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (6) فصارت الشهادة مقبولة لعلّة العلم بالشهادة (7)، ولولا العلم بالشهادة، لم تكن الشهادة مقبولة، والأمر في الشاك المؤدّي بغير علم وبصيرة إلى اللّه جل ذكره إن شاء تطوّل عليه فقبل عمله، وإن شاء ردّ عليه، لأنّ الشرط عليه من اللّه أن يؤدّي المفروض بعلم وبصيرة ويقين، كيلا يكونوا ممّن وصفه اللّه
ص: 47
فقال تبارك وتعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (1) لأنه كان داخلاً فيه بغير علم ولا يقين، فلذلك صار خروجه بغير علم ولا يقين، وقد قال العالم (2) (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من دخل في الإيمان بعلم ثبت فيه ونفعه إيمانه، ومن دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه» (3)، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من أخذ دينه من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلوات اللّه عليه وآله زالت الجبال قبل أن يزول ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردّته الرجال»، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب(4) الفتن».
ولهذه العلّة انبثقت (5) على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة، والمذاهب المستشنعة (6) التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلّها، وذلك بتوفيق اللّه تعالى وخذلانه، فمن أراد اللّه توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقرا، سَبب له الأسباب التي تؤدّيه إلى أن يأخذ دينه من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلوات اللّه عليه وآله بعلم ويقين وبصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، ومن أراد اللّه خذلانه وأن يكون دينه معاراً مستودعاً _ نعوذ باللّه منه _ سبب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة فذاك في المشيئة، إن شاء اللّه تبارك وتعالى، أتمَّ إيمانه، وإن شاء سلبه إياه، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، لأنه كلما رأى كبيراً من الكبراء مال معه، وكلّما رأى شيئاً استحسن ظاهره قبله، وقد قال العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (7) : «إنّ اللّه عزّ وجلّ] خلق النبيّين على النبوّة، فلا يكونون إلّا أنبياء، وخلق الأوصياء على الوصيّة، فلا يكونون إلّا أوصياء، وأعار قوماً إيماناً فإن شاء تمّمه
ص: 48
لهم، وإن شاء سلبهم إياه ؛ قال : وفيهم جرى قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)(1).
وذكرت أنّ أموراً قد أشكلت عليك، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، وأنك تعلم أنّ اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها وأنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه (2) ممّن تثق بعلمه فيها، وقلت : إنّک تحبُّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع [فيه] من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدّين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدّي فرض اللّه عزّ وجلّ وسنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقلت : لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سبباً يتدارك اللّه [تعالى] بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملّتنا، ويقبل بهم إلى مراشدهم.
فاعلم يا أخي أرشدك اللّه، أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء (عَلَيهِ السَّلَامُ) برأيه، إلّا على ما أطلقه العالم بقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) : «اعرضوها على كتاب اللّه فما وافي كتاب اللّه عزّ وجلّ فخذوه وما خالف كتاب اللّه فردُّوه» وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «خذوا بالمجمع عليه، فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه» ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه (4) ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كله إلى العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم» (5).
وقد يسّر اللّه - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت (6) فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة، إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملّتنا مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكلّ من اقتبس منه، وعمل بما فيه في دهرنا هذا، وفي غابره (7) إلى
ص: 49
انقضاء الدنيا، إذ الربّ جلّ وعزّ واحدٌ، والرسول محمّد خاتم النبيّين - صلوات اللّه وسلامه عليه وآله _ واحد والشريعة واحدة، وحلال محمّد حلال وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ووسعنا قليلاً كتاب الحجّة وإن لم نكمله على استحقاقه لأنا كرهنا أن نبخس (1) حظوظه كلّها.
وأرجو أن يسهّل اللّه جلّ وعزّ إمضاء ما قدّمنا من النية، إن تأخّر الأجل صنّفنا كتاباً أوسع وأكمل منه، نوفّيه (2) حقوقه كلّها إن شاء اللّه تعالى، وبه الحول والقوة، وإليه الرغبة في الزيادة في المعونة والتوفيق والصلاة على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين الأخيار.
وأوّل ما أبدأ به وأفتتح به كتابي هذا كتاب العقل، وفضائل العلم، وارتفاع درجة أهله، وعلو قدرهم، ونقص الجهل، وخساسة أهله، وسقوط منزلتهم، إذ كان العقل هو القطب الّذي عليه المدار (3) وبه يحتجّ وله الثواب وعليه العقاب، [واللّه الموفق].
ص: 50
ص: 51
ص: 52
١ - أخبرنا (1) أبو جعفر محمّد بن يعقوب قال: حدَّثني عدَّة من أصحابنا منهم محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما خلق اللّه العقل (2) استنطقه (3) ثمَّ قال له (4) أقبل فأقبل. ثمَّ قال له : أدبر فأدبر. ثمَّ قال : وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليَّ منك، ولا أكملتك إلّا فيمن أحب، أما إنّي إيّاك آمر، وإيّاك أنهى (5) وإيّاك أعاقب، وإيّاك أُثيب (6).
2 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن مفضّل بن صالح، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : هبط جبرئيل على آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا آدم إنّي أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين. فقال له آدم : يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين. فقال آدم إنّي قد اخترت العقل. فقال جبرئيل للحياء والدين : إنصرفا. ودعاه (7) فقالا (8) : يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان،
ص: 53
قال : فشأنكما وعرج (1).
3 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : ما العقل؟ قال : ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان (2) قال : قلت : فالّذي (3) كان في معاوية ؟ فقال : تلك النَّكراء (4)! تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال(5)، عن الحسن بن الجهم قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : صديق كلّ امرىء عقله، وعدوه جهله.
٥ - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ عندنا قوماً لهم محبّة، وليست لهم تلك العزيمة(6) يقولون بهذا القول؟ فقال : ليس أولئك ممّن عاتب اللّه إنّما قال اللّه : (فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبصَار) (7).
٦ _ أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان، عن أبي محمّد الرازي، عن سيف بن عَميرة، عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من كان عاقلاً كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة.
7 _ عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود (8)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّما يداقُ اللّه العباد (9) في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا.
ص: 54
8 - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر (1)، عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلان مَنْ عبادته ودينه وفضله (2)؟ فقال : كيف عقله؟ قلت: لا أدري، فقال : إنّ الثواب على قدر العقل (3)، إنّ رجلاً من بني إسرائيل كان يعبد اللّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء پ. وإِن مَلَكاً من الملائكة مرَّ به فقال يا ربّ أرني ثواب عبدك هذا، فأراه اللّه [تعالى] ذلك، فاستقلّه المَلَكُ، فأوحى اللّه [تعالى ] إليه (4): أن إصحَبهُ. فأتاه الملك في صورة إنسي فقال له : من أنت؟ قال : أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد اللّه معك، فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك : إنّ مكانك لنزه(5)، وما يصلح إلّا للعبادة، فقال له العابد : إن لمكاننا هذا عيباً. فقال له : وما هو ؟ قال : ليس لربنا بهيمة، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإنّ هذا الحشيش يضيع، فقال له [ذلك] المَلَك : وما لربك حمار ؟ فقال : لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى اللّه إلى الملك: إنّما أثيبه على قدر عقله.
9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ (6)، عن السكوني (7)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فإنما يجازي بعقله (8)».
١٠ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب (9)، عن عبد اللّه بن سنان قال : ذكرت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة (10) وقلت : وهو رجل عاقل، فقال
ص: 55
أبو عبداللّه : وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال سله هذا الّذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنّه يقول لك من عمل الشيطان (1).
١١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابه، رفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «ما قسم اللّه للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل (2) ولا بعث اللّه نبياً ولا رسولاً حتّى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته. وما يضمر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في نفسه(3) أفضلُ من اجتهاد المجتهدين (4)، وما أدى العبد فرائض اللّه حتّى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولو الألباب الّذين قال اللّه تعالى : (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا أولوا الألباب (5)).
12 - أبو عبد اللّه الأشعريّ (6)، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هشام : إنّ اللّه تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (7)).
يا هشام : إن اللّه تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلة، فقال : (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ)
ص: 56
(الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (1).
يا هشام : قد جعل اللّه ذلك دليلاً على معرفته بأنّ لهم مدبّراً، فقال: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (2) وقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)) وقال : (اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ [والسحاب المسخّر بين السماء والأرض] آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)) وقال : (يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(5)). وقال : (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (6)). وقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (7). وقال : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (8)). وقال : (هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (9).
يا هشام ثمَّ وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال : (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (10)
ص: 57
يا هشام ثمَّ خوّف الّذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى : (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (1)). وقال : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(2)).
یا :هشام : إنّ العقل مع العلم فقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (3)). يا هشام ثمَّ ذمّ الّذين لا يعقلون فقال : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) (4) وقال : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (5)). وقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (6)). وقال : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (7)). وقال : (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (8)). وقال : (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (9)).
يا هشام: ثمَّ ذمّ اللّه الكثرة فقال : (وَ إِنْ تُطِعْ أَکْثَرَ مَنْ فِی الْأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَنْ سَبِیلِ اللّه (10)). وقال : (وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللّه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (11)). وقال : و(لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَیَقُولُنَّ اللّه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ (12))
ص: 58
يا هشام ثمَّ مدح القلة فقال : (وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ (1)). وقال: (وَ قَلِیلٌ ما هُمْ (2)). وقال : (وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللّه (3)). وقال: ﴿وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِیلٌ) (4). وقال: (وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (5)). وقال (وَ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ (6)).
يا هشام: ثمَّ ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، وحلاهم بأحسن الحلية، فقال: (یُؤْتِی الْحِکْمَةَ مَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً وَ ما یَذَّکَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7)). وقال : (وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما یَذَّکَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (8)) وقال : (إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ لَآیاتٍ لِأُولِی الْأَلْبابِ) (9). وقال : (أَ فَمَنْ یَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الْحَقُّ کَمَنْ هُوَ أَعْمی إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (10)). وقال : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (11)). وقال : (کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (12) ﴾. وقال : (لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْهُدی وَ أَوْرَثْنا بَنِی إِسْرائِیلَ الْکِتابَ هُدیً وَ ذِکْری- لِأُولِی الْأَلْبابِ) (13) وقال : (وَ ذَکِّرْ فَإِنَّ الذِّکْری تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ (14)).
يا هشام: إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه:(إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْری لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ (15))
ص: 59
يعني : عقل : وقال : (وَ لَقَدْ آتَیْنا لُقْمانَ الْحِکْمَةَ (1)). قال : الفهم والعقل.
يا هشام : إنَّ لقمان قال لابنه : تواضع للحق (2) تكن أعقل النّاس وإن الكيس لدى الحقّ يسير (3)، يا بني إنّ الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها (4) عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل (5)، وقيمها (6) العقل، ودليلها العلم، وسكانها (7) الصبر.
یا :هشام إنّ لكلّ شيء دليلاً (8) ودليل العقل التفكّر، ودليل التفكّر الصمت، ولكلّ شيء مطية (9) ومطيّة العقل التواضع، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.
یا هشام ما بعث اللّه أنبياءه ورسله إلى عباده إلّا ليعقلوا عن اللّه (10)، فأحسنهم استجابة : أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر اللّه أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
یا هشام إنّ اللّه على النّاس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة - (عَلَيهِم السَّلَامُ) -، وأما الباطنة فالعقول.
يا هشام: إنّ العاقل الّذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.
ص: 60
یا هشام من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله (1) : من أظلم نور تفكّره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله (2)، ومن هدم عقله، أفسد عليه دينه ودنياه (3).
یا :هشام كيف يزكو (4) عند اللّه عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربّك وأطعت هواك على غلبة عقلك.
یا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل (5)، فمن عقل عن اللّه (6) اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند اللّه، وكان اللّه أنسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة (7)، ومعزّه من غير عشيرة. يا هشام نصب الحقّ لطاعة اللّه (8)، ولا نجاة إلّا بالطاعة، والطاعة بالعلم والعلم، بالتعلم والتعلم بالعقل يعتقد (9)، ولا علم إلّا من عالم ربّاني، ومعرفة العلم بالعقل.
یا :هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.
ص: 61
يا هشام: إنّ العاقل رضي بالدون (1) من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام: إنَّ العقلاء تركوا فضول الدنيا (2) فكيف الذنوب، وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام : إنَّ العاقل نظر (3) إلى الدنيا وإلى أهلها، فعلم أنّها لا تنال إلّا بالمشقّة. ونظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلّا بالمشقّة، فطلب بالمشقّة أبقاهما (4).
يا هشام: إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة (5) والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته.
یا هشام: من أراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع إلى اللّه عزّ وجلّ في مسألته بأن يُكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبداً.
یا هشام : إن اللّه حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (6) حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها (7).
إنه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه، ومن لم يعقل عن اللّه لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة
ص: 62
يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلّا من كان قوله لفعله مصدّقاً، وسرّه العلانيته موافقاً، لأنّ اللّه تبارك اسمه لم يدلّ على الباطن الخفي من العقل إلّا بظاهر منه (1)، وناطق عنه (2).
یا هشام: كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما عُبد اللّه بشيء أفضل من العقل، وما تم عقل امرىء حتّى يكون فيه خصال شتى : الكفر والشرّ مأمونان والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول وفضل قوله مكفوف ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره الذلُّ أحبُّ إليه مع اللّه من العزّ مع غيره، والتواضع أحبُّ إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقلّ كثير المعروف من نفسه، ويرى النّاس كلهم خيراً منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر (3).
يا هشام: إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.
يا هشام: لا دين لمن لا مروّة له (4)، ولا مروّة لمن لا عقل له (5)، وإن أعظم النّاس قدراً الّذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً(6) أما (7) إِنَّ أبدانكم ليس لها ثمن إلّا الجنة فلا تبيعوها بغيرها (8).
يا هشام: إنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول : إنَّ من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سُئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الّذي يكون فيه صلاح أهله فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.
إن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يجلس في صدر المجلس إلّا رجل فيه هذه الخصال الثلاث (9) أو واحدة منهنّ، فمن لم يكن فيه شيء منهنّ فجلس فهو أحمق.
ص: 63
وقال الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، قيل يا ابن رسول اللّه ومن أهلها؟ قال : الّذين قصّ اللّه (1) في كتابه وذكرهم، فقال : (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) قال : هم أولو العقول.
وقال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العزّ، واستثمار المال تمام المروَّة (2) وإرشاد المستشير قضاء لحق النعم، وكف الأذى من كمال العقل (3)، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلا.
يا هشام: إنَّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يَعِدُ ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه (4)، ولا يُقْدِمُ على ما يخاف فوته بالعجز عنه(5).
13 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العقل غطاء ستير (6)، والفضل جمال ظاهر (7) فاستر خلل خلقك بفضلك (8) وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودّة، وتظهر لك المحبة.
١٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده جماعة من مواليه، فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا قال سماعة : فقلت : جعلت فداك لا نعرف إلّا ما عرفتنا، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق العقل وهو أوّل خلق من
ص: 64
الروحانيّين (1) عن يمين العرش من نوره فقال له : أدبر فأدبر ؛ ثمَّ قال له : أقبل فأقبل ؛ فقال اللّه تبارك وتعالى : خلقتك خلقاً عظيماً وكرّمتك على جميع خلقي، قال : ثمَّ خلق الجهل من البحر الأجاج (2) ظلمانيّاً (3) فقال له : أدبر فأدبر ؛ ثمَّ قال له : أقبل فلم يقبل فقال له : أستكبرت؟ فلعنه، ثمَّ جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً فلما رأى الجهل ما أكرم اللّه به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل: يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته، وأنا ضده، ولا قوة لي به، فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال : نعم، فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي قال قد رضيت فأعطاه خمسة وسبعين جنداً فكان ممّا أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند:
الخير هو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل ؛ والإيمان وضدُّه الكفر ؛ والتصديق وضدّه الجحود ؛ والرجاء وضدّه القنوط ؛ والعدل وضدّه الجور؛ والرضا وضدّه السخط والشكر وضدّه الكفران ؛ والطمع وضدّه اليأس ؛ والتوكل وضدّه الحرص ؛ والرأفة وضدّها القسوة والرحمة وضدّها الغضب والعلم وضدّه الجهل؛ والفهم وضده الحمق؛ والعفّة وضدّها التهتك ؛ والزهد وضدّها الرغبة ؛ والرفق وضده الخرق(4)؛ والرهبة وضدّه الجرأة ؛ والتواضع وضدّه الكبر ؛ والتؤدة (5) وضدّها التسرع ؛ والحلم وضده السفه ؛ والصمت (6) وضدّه الهذر ؛ والاستسلام (7) وضده الاستكبار ؛ والتسليم وضدّه الشك ؛ والصبر وضدّه الجزع ؛ والصفح وضدّه الانتقام ؛ والغنى وضدّه الفقر ؛ والتذكّر وضدّه السهو؛ والحفظ وضدّه النسيان ؛ والتعطف وضدّه القطيعة والقنوع وضدّه الحرص ؛ والمؤاساة (8) وضدّها المنع ؛ والمودّة وضدُّها العداوة والوفاء وضدّه الغدر ؛ والطاعة وضدّها المعصية ؛ والخضوع (9) وضدّه
ص: 65
التطاول ؛ والسلامة وضدّها البلاء ؛ والحبّ وضدّه البغض ؛ والصدق وضدّه الكذب؛ والحق وضدّه الباطل والأمانة وضدّها الخيانة والإخلاص وضدّه الشوب (1) والشهامة وضدّها البلادة ؛ والفهم وضدّه الغباوة ؛ والمعرفة وضدّها الإنكار ؛ والمداراة وضدّها المكاشفة ؛ وسلامة الغيب وضدّها المماكرة ؛ والكتمان وضدّه الإفشاء ؛ والصلاة وضدّها الإضاعة، والصوم وضدّه الإفطار والجهاد وضدّه النكول والحج وضده نبذ الميثاق ؛ وصون الحديث وضدّه النميمة ؛ وبر الوالدين وضدّه العقوق ؛ والحقيقة وضدّها الرياء ؛ والمعروف وضدّه المنكر ؛ والستر وضدّه التبرج (2)، والتقية وضدّها الإذاعة والإنصاف وضدّه الحمية؛ والتهيئة (3) وضدها البغي ؛ والنظافة وضدّها القذر والحياء وضدّه الخلع (4) ؛ والقصد (5) وضدّه العدوان ؛ والراحة وضدّها التعب؛ والسهولة وضدّها الصعوبة والبركة وضدّها المحق؛ والعافية وضدّها البلاء؛ والقوام (6) وضدّه المكاثرة ؛ والحكمة وضدّها الهوى ؛ والوقار وضدّه الخفّة؛ والسعادة وضدّها الشقاوة ؛ والتوبة وضدّها الإصرار ؛ والاستغفار وضدّه الاغترار (7)؛ والمحافظة وضدّها التهاون ؛ والدعاء وضده الاستنكاف والنشاط وضدّه الكسل ؛ والمفرح وضده الحزن؛ والألفة وضدها الفرقة والسخاء وضده البخل.
فلا تجتمع هذه الخصال كلّها من أجناد العقل إلّا في نبي أو وصي نبي، أو مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للإيمان، وأما سائر ذلك من موالينا، فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتّى يستكمل وينقى من جنود الجهل، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء، وإنما يدرك ذلك بمعرفة العقل وجنوده، وبمجانبة الجهل وجنوده ؛ وفقنا اللّه وإيّاكم لطاعته ومرضاته.
1٥ - جماعة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ ابن فضّال،
عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما كلّم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) العباد بكنه
ص: 66
عقله قطّ ؛ وقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «إنَّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم النّاس على قدر عقولهم».
١٦ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن جعفر (1)، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع (2)، وترتهنها إِنَّ المنى، وتستعلقها الخدائع.
17 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبيد اللّه الدهقان،، عن دُرُست (3)، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أكمل النّاس عقلاً أحسنهم خُلُقاً.
18 - علي (4)، [عن أبيه]، عن أبي هاشم الجعفري قال: كنا عند الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتذاكرنا العقل والأدب فقال : يا أبا هاشم العقل جباء (5) من اللّه والأدب (6) كلفة، فمن تكلّف الأدب قدر عليه ومن تكلّف العقل (7) لم يزدد بذلك إلّا جهلاً.
١٩ _ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك إنَّ لي جاراً كثير الصلاة،
ص: 67
كثير الصدقة، كثير الحج لا بأس به قال: فقال : يا إسحاق كيف عقله ؟ قال : قلت له : جعلت فداك ليس له عقل قال فقال : لا يرتفع بذلك منه (1).
٢٠ - الحسين بن محمّد عن أحمد بن محمّد السيّاريّ عن أبي يعقوب البغدادي (2) قال : قال ابن السكيت (3) لأبي الحسن (4) (عَلَيهِ السَّلَامُ) لماذا بعث اللّه موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمّداً _ صلّى اللّه عليه وآله وعلى جميع الأنبياء - بالكلام والخطب؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : إنّ اللّه لما بعث موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجّة عليهم، وإنّ اللّه بعث عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات (5) واحتاج النّاس إلى الطبّ، فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرء الأكمه والأبرص بإذن اللّه، وأثبت به الحجّة عليهم.
وإنّ اللّه بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنّه قال : الشعر - فأتاهم من عند اللّه من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجّة عليهم ؛ قال : فقال ابن السكيت : تاللّه ما رأيت مثلك قط، فما الحجّة على الخلق اليوم؟ قال : فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العقل، يعرف به الصادق على اللّه فيصدّقه والكاذب على اللّه فيكذبه ؛ قال : فقال ابن السكّيت : هذا واللّه هو الجواب.
٢١ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء (6) عن المثنّى الحنّاط (7)، عن قتيبة الأعشى، عن ابن أبي يعفور (8)، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا قام (9) قائمنا وضع اللّه يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم (10).
ص: 68
22 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن سليمان، عن عليّ بن إبراهيم عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حجّة اللّه على العباد النبي، والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه العقل.
23 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد مرسلاً قال: قال أبو عبد اللّه : دعامة الإنسان العقل والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم ؛ وبالعقل يكمل، وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً، حافظاً، ذاكراً فطناً، فهماً، فعلم بذلك كيف وَلِمَ (1) وحَيْثُ (2)، وعرف من نَصَحه ومن غشَّه، فإذا عرف ذلك عرف مجرا وموصوله ومفصوله (3)، وأخلص الوحدانية اللّه، والإقرار بالطاعة. فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات، ووارداً على ما هو آت يعرف ما هو فيه، ولأي شيء هو ههنا، ومن أين يأتيه، وإلى ما هو صائر ؛ وذلك كله من تأييد العقل.
٢٤ _ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : العقل دليل المؤمن.
٢٥ _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء عن حماد بن عثمان، عن _ السري بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «يا علي لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود (4) من العقل.
٢٦ - محمّد بن الحسن (5)، عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران(6)، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما خلق اللّه العقل قال له : أقبل فأقبل. ثمَّ قال له : أدبر فأدبر فقال : وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك إيّاك آمر وإيّاك أنهى، وإيّاك أثيب وإيّاك أعاقب.
27 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الهيثم بن أبي مسروق النهديّ، عن الحسين بن خالد، عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الرَّجل آتيه وأكلمه
ص: 69
ببعض كلامي فيعرفه كلّه، ومنهم من آتيه فأكلّمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثمَّ يردُّه عليَّ (1) كما كلمته، ومنهم من آتيه فأكلمه فيقول : أعد علي ؟! فقال : يا إسحاق! وما تدري لِمَ هذا؟ قلت : لا ؛ قال : الّذي تكلّمه ببعض كلامك فيعرفه كله فذاك من عجنت نطفته بعقله، وأما الّذي تُكلّمه فيستوفي كلامك ثمَّ يجيبك على كلامك، فذاك الّذي ركب عقله فيه في بطن أمه، وأمّا الّذي تكلّمه بالكلام فيقول : أعد عليَّ، فذاك الّذي ركب عقله فيه بعدما كبر، فهو يقول لك : أعد عليَّ.
28 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن بعض من رفعه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إذا رأيتم الرَّجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به (2) حتّى تنظروا كيف عقله؟».
29 - بعض أصحابنا، رفعه عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا مفضّل لا يفلح من لا يعقل ولا يعقل من لا يعلم، وسوف ينجب (3) من يفهم، ويظفر من يحلم، والعلم جنّة (4)، والصدق عزّ، والجهل ذل، والفهم مجد، والجود نجح (5)، وحسن الخلق مجلبة للمودّة، والعالم بزمانه (6) لا تهجم عليه اللوابس (7)، والحزم مساءَةُ الظَّنِّ (8)، وبين المرء والحكمة نعمة العالم والجاهل شقي بينهما (9)، واللّه ولي (10) من عرفه وعدو من تكلفه (11)، والعاقل غفور والجاهل ختور (12)، وإن شئت أن تُكرَم فَلِنْ وإن شئت أن تهان فاخشن، ومن كرم
ص: 70
أصله لانَ قلبه ومن خشن عنصره غلظ كبده ومن فرَّط تورّط (1)، ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم، ومن هجم على أمر بغير علم جذع (2) أنف نفسه، ومن لم يعلم لم يفهم، ومن لم يفهم لم يسلم، ومن لم يسلم لم يُكرم، ومَن لم يكرّم يُهضم (3)، ومَن يهضم كان ألوم، ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم.
30 - محمّد بن يحيى، رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من استحكمت (4) لي فيه خصلة من خصال الخير (5)، احتملته (6) عليها، واغتفرت فقد ما سواها، ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، لأن مفارقة الدّين مفارقة الأمن فلا يتهنا بحياة مع مخافة، وفقد العقل فقد الحياة، ولا يُقَاسُ إلّا بالأموات (7).
31 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن موسى بن إبراهيم المحاربي، عن الحسن ابن موسى، عن موسى بن عبد اللّه، عن ميمون بن عليّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.
٣٢ - أبو عبد اللّه العاصمي، عن عليّ بن الحسن عن عليّ بن أسباط، عن الحسن ابن الجهم، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكر عنده أصحابنا وذكر العقل قال : فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يعبأ (8) بأهل الدّين ممّن لا عقل له، قلت : جعلت فداك إنَّ ممّن يصف هذا الأمر (9) قوماً لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول، فقال: ليس هؤلاء ممّن خاطب اللّه، إن اللّه خلق العقل فقال له : أقبل فأقبل، وقال له : أدبر فأدبر فقال : وعزَّتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك أو أحبّ إليَّ منك، بك آخذ (10) وبك أعطي.
ص: 71
23 - عليّ بن محمّد، عن أحمد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس بين الإيمان (1) والكفر إلّا قلة العقل (2). قيل : وكيف ذاك يا ابن رسول اللّه ؟ قال : إنَّ العبد يرفع رغبته إلى مخلوق، فلو أخلص نيته اللّه، لأتاه الّذي يريد في أسرع من ذلك.
٣٤ - عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن عبيد اللّه الدهقان، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن يحيى بن عمران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: بالعقل استخرج غور الحكمة (3)، وبالحكمة استُخرج غور العقل، وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح. قال : وكان يقول : التفكّر حياة قلب البصير، كما يمشي (4) الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلّص وقلة التربص (5).
[ (أ) (6) عدَّة من أصحابنا، عن عبد اللّه البزاز عن محمّد بن عبد الرحمن بن حماد، عن الحسن بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حديث طويل : أنَّ أوَّل الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء إلّا به، العقل الّذي جعله اللّه زينة لخلقه ونوراً لهم، فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنهم مخلوقون، وأنه المدبّر لهم، وأنّهم المدبّرون، وأنه الباقي وهم الفانون؛ واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه من سمائه وأرضه، وشمسه وقمره وليله ونهاره وبأنَّ له ولهم خالقاً ومدبّراً لم يزل ولا يزول، وعرفوا به الحسن من القبيح، وأنَّ الظلمة في الجهل، وأنَّ النور في العلم، فهذا ما دلّهم عليه العقل.
قيل له : فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال : إنَّ العاقل، لدلالة عقله الّذي جعله اللّه قوامه وزينته وهدايته، علم أنَّ اللّه هو الحقّ، وأنه هو ربه، وعلم أنَّ لخالقه محبة، وأن له كراهية، وأنَّ له طاعة، وأنَّ له معصية، فلم يجد عقله يدلّه على ذلك، وعلم أنّه لا يوصل إليه إلّا بالعلم وطلبه، وأنّه لا ينتفع بعقله، إن لم يصب ذلك بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الّذي لا قوام له إلّا به.
ص: 72
(ب) عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي عمير (1)، عن النضر بن سويد، عن حمران (2) وصفوان بن مهران الجمّال قالا : سمعنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا غنى أخصب من العقل، ولا فقر أحطّ من الحمق، ولا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه].
وهذا آخر كتاب العقل [والجهل]
والحمد للّه وحده وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلم تسليماً
ص: 73
ص: 74
ص: 75
ص: 76
١ - أخبرنا محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم بن هشام [ عن أبيه] عن الحسن ابن أبي الحسين الفارسي، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «طلب العلم (2) فريضة على كلّ مسلم، ألا إنَّ اللّه يحب بغاة (3) العلم».
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه، عن عيسى بن عبد اللّه العمري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: طلب العلم فريضة.
٣ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بعض أصحابه قال : سُئِل أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل يسع النّاس ترك المسألة عمّا يحتاجون إليه؟ فقال: لا (4).
علىّ بن محمّد وغيره عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، جميعاً، عن ابن محبوب (5)، عن هشام بن سالم عن أبي حمزة (6)، عن أبي إسحاق (7) السبيعي عمّن حدّثه قال : سمعت أمير المؤمنين يقول : أيّها النّاس اعلموا أنّ كمال
ص: 77
الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإنَّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله (1) فاطلبوه.
5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن يعقوب بن يزيد، عن أبي عبد اللّه رجل من أصحابنا رفعه (2)، قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «طلب العلم فريضة».
وفي حديث آخر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، ألا وإنَّ اللّه يحبُّ بُغَاة العلم».
٦ - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن خالد(3)، عن عثمان بن عيسى عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : تفقّهوا (4) في الدين، فإنّه من لم يتفقه منكم في الدّين فهو أعرابي (5) إِنَّ اللّه يقول [ في كتابه]: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (6)).
7 _ الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن الربيع، عن مفضّل ابن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عليكم بالتفقه في دين اللّه ولا تكونوا أعراباً، فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة (7)، ولم يزكّ له عملاً (8).
ص: 78
8 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير(1)، عن جميل بن درّاج عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتّى يتفقّهوا.
9 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال له رجل: جُعِلْتُ فداك، رجل عرف هذا الأمر (2)، لزم بيته ولم يتعرف (3) إلى أحد من إخوانه؟ قال: فقال: كيف يتفقه هذا في دينه !؟
1 - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الدهقان، عن دُرُست الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا (4) برجل فقال : ما هذا؟ فقيل : علامة (5) فقال : وما العلّامة ؟ فقالوا له : أعلم النّاس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والأشعار العربية (6)، قال : فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه (7)» ؛ ثمَّ قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنما (8) العلم ثلاثة : آية محكمة(9)، أو فريضة عادلة (10)، أو سنة قائمة (11)، وما خلاهنّ فهو فضل (12)».
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد، عن أبي
ص: 79
البختري (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنَّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإنَّ فينا أهل البيت في كلّ خَلَف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين (2)، وانتحال (3) المبطلين، وتأويل الجاهلين (4).
٣ _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن حمّاد
ابن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أراد اللّه بعبد خيراً فقهه في الدين.
٤ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد عن رجل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : الكمال كلّ الكمال (5) التفقه في الدين، والصبر على النائبة (6)، وتقدير المعيشة (7).
5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : العلماء أمناء (8)، والأتقياء حصون (9)، والأوصياء سادة (10).
وفي رواية أخرى : العلماء منار (11)، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة.
ص: 80
٦ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان، عن إدريس بن الحسن، عن أبي إسحاق الكندي، عن بشير الدهان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير! إن الرَّجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم (1)، فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم (2) وهو لا يعلم.
7 _ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن آبائه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لا خير في العيش إلّا لرجلين عالم مطاع، أو مستمع واع (3)».
8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد ابن محمّد، عن ابن أبي عمير (4)، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.
٩ - الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم، عن معاوية ابن عمار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رجل راوية (5) لحديثكم يبثُّ (6) ذلك في النّاس ويشدّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعلّ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيهما أفضل ؟ قال : الراوية لحديثنا يشدّ به (7) قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد.
1 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة (8)، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن
ص: 81
أبي إسحاق السبيعي، عمّن حدّثه ممّن يوثق به قال سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن النّاس آلوا (1) بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى ثلاثة : آلوا إلى عالم على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بما علم عن علم غيره. وجاهل مدّع للعلم لا علم له معجب بما عنده، قد فتنته الدنيا وفتن غيره. ومتعلّم من عالم على سبيل هدى من اللّه ونجاة. ثمَّ هلك من ادعى (2) وخاب (3) من افترى.
2 - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : النّاس ثلاثة : عالم ومتعلّم وغثاء (4).
٣ - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أغدُ عالماً أو متعلماً أو أحب أهل العلم، ولا تكن رابعاً (5) فتهلك ببغضهم.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن جميل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول يغدوا النّاس على ثلاثة أصناف : عالم ومتعلّم وغثاء، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر النّاس غثاء.
1 - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ عن عبد اللّه بن ميمون القداح ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن القداح (6)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من سلك طريقاً (7) يطلب فيه علماً سلك اللّه به (8) طريقاً إلى الجنّة وإنَّ
ص: 82
الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به (1)، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورَّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر».
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الّذي يعلّم العلم منكم له أجر مثل أجر المتعلّم وله الفضل عليه (2)، فتعلموا العلم من حملة العلم، وعلموه إخوانكم كما علمكموه العلماء.
3 - عليّ بن إبراهيم عن أحمد بن محمّد البرقي، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من علم خيراً فله مثل أجر من عمل به، قلت: فإن علمه غيره (3) يجري ذلك له ؟ قال : إن علمه النّاس كلهم جرى له، قلت : فإن مات ؟ قال : وإن مات.
٤ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن العلاء بن رزين، عن أبي عبيدة الحذَّاء (4) عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من علّم باب هدى (5) فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً. ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار (6) من عمل به ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئاً.
٥ _ الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد بن سعد رفعه، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو يعلم النّاس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج (7) وخوض اللَّجج (8). إنَّ اللّه تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال أنَّ أمقت (9) عبيدي إلى الجاهل المستخفّ
ص: 83
بحقِّ أهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وأنَّ أحب عبيدي إلي التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل(1) عن الحكماء.
6 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ عن حفص بن غياث قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من تعلّم العلم وعمل به وعلّم اللّه، دعي في ملكوت السماوات عظيماً فقيل : تعلم اللّه وعمل اللّه وعلّم اللّه.
1 - محمّد بن يحيى العطّار عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار (2)، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين (3) فيذهب باطلكم بحقّكم (4).
2 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن حماد بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة النَّصْري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (5) قال : يعني بالعلماء من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم (6).
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعید القماط (7)، عن الحلبي (8)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): ألا
ص: 84
أخبركم بالفقيه حقّ الفقيه (1)؟ من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه (2)، ولم يؤمنهم من عذاب اللّه (3)، ولم يرخّص لهم في معاصي اللّه (4)، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره (5)، ألا لا في علم ليس فيه تفهم ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر.
وفي رواية أخرى : ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها، ألا لا خير في في نسك (6) لا ورع (7) فيه.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان النيسابوري جميعاً، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ من علامات الفقه الحلم والصمت.
٥ - أحمد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد البرقي، عن بعض أصحابه رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يكون السفه (8) والغرة (9) في قلب العالم.
٦ - وبهذا الإسناد (10)، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، رفعه قال : قال عیسی ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا معشر الحواريين (11) لي إليكم حاجة اقضوها لي، قالوا : قضيت حاجتك يا روح اللّه، فقام فغسل أقدامهم فقالوا : كنا نحن أحقُّ بهذا يا روح اللّه ! فقال: إنّ حقّ النّاس
ص: 85
بالخدمة العالم، إنّما تواضعتُ هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في النّاس كتواضعي لكم، ثمَّ قال عیسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل.
7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد عمّن ذكره، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يا طالب العلم ! إنَّ للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت، وللمتكلف(1) ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية، ويظلم من دونه بالغلبة، ويظاهر (2) الظلمة.
1 - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال (3)، ولا تأخذ بثوبه (4)، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعاً وخصّه بالتحية دونهم، واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه (5) ولا تغمز بعينك (6) ولا تشر بيدك، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله ولا تضجر بطول صحبته، فإنّما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتّى يسقط عليك منها شيء، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز (7)، عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما أحد من يموت من
ص: 86
المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موت فقيه (1).
2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا مات المؤمن الفقيه، تلم في الإسلام تُلْمَةٌ (2) لا يسدّها شيء.
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء، لأنَّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها.
٤ - وعنه عن أحمد عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما أحد من يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه.
5 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن داود بن فرقد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن أبي كان يقول : إنَّ اللّه عزّ وجلّ لا يقبض العلم بعد ما يهبطه، ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم، فتليهم الحفاة (3) فيضلّون ويضلّون ولا خير في شيء ليس له أصل.
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عليّ عمّن ذكره عن جابر (4)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّه يسخّي (5) نفسي في
ص: 87
سرعة الموت والقتل فينا قول اللّه: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) (1) وهو ذهاب العلماء.
1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس رفعه قال(2): قال لقمان لابنه : يا بنيَّ اختر المجالس على عينك (3) فإن رأيت قوماً يذكرون اللّه جل وعزَّ فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علموك، ولعلّ اللّه أن يُظلهم برحمته فيعمك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون اللّه فلا تجلس معهم، فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعل اللّه أن يظلهم بعقوبة فيعمك معهم.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن ابن محبوب، عن درست بن أبي منصور عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابيّ(4).
3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن شريف بن سابق عن الفضل ابن أبي قُرَّة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «قالت الحواريون لعيسى : يا روح اللّه من نجالس؟ قال من يذكركم اللّه رؤيته(5)، ويزيد في علمكم منطقه(6)، ويرغّبكم في الآخرة عمله».
٤ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير، عن منصور بن
ص: 88
حازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «مجالسة أهل الدّين شرف الدنيا والآخرة».
5 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمّد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة عن مِسْعَر بن كِدَام قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المجلس أجلسه (1) إلى (2) من أثق به، أوثق في نفسي من عمل سنة
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن مجدور (3) أصابته جنابة فغسلوه (4) فمات. قال: قتلوه(5)، ألا سألوا فإن دواء العي(6) السؤال.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن حريز عن زرارة ومحمّد بن مسلم ويُريد العجلي قالوا : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لحمران بن أعين في شيء سأله : إنّما يهلك النّاس لأنهم لا يسألون.
3 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال إنّ هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسئلة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي جعفر الأحول (7)، عن أبي عبد اللّه أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يسع النّاس (8) حتّى يسألوا أو يتفقهوا
ص: 89
ويعرفوا إمامهم. ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كان تقيّة.
٥ - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «أفٌ لرجل لا يفرّغ نفسه في كلّ جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه، وفي رواية أخرى لكلّ مسلم.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول: تذاكر(1) العلم بين عبادي ممّا تحيى عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري».
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : رحم اللّه عبداً أحيا العلم. قال: قلت: وما إحياؤه ؟ قال : أن يذاكر به أهل الدّين وأهل الورع.
8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال عن بعض أصحابه رفعه قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإنَّ الحديث جلاء للقلوب، إنَّ القلوب لترين (2) كما يرين السيف، جلاؤها (3) الحديث».
9 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب عن عمر بن أبان عن منصور الصيقل قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : تذاكر العلم دراسة والدّراسة صلاة حسنة (4).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن حازم، عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قرأت في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ):
ص: 90
إنَّ اللّه لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل (1).
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، ومحمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذه الآية: (ولا تصغر خدَّك للناس (2)) قال : ليكن النّاس عندك في العلم سواء.
٣ - وبهذا الإسناد، عن أبيه، عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: زكاة العلم أن تعلمه عباد اللّه.
٤ - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن عبد الرحمن عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قام عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً في بني إسرائيل فقال : يا بني إسرائيل لا تحدّثوا الجُهّال (3) بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن مفضّل بن يزيد قال : قال [لي] أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال أنهاك أن تدين اللّه بالباطل (4)، وتفتي النّاس بما لا تعلم.
2 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن
ص: 91
عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك : إيّاك أن تفتي النّاس برأيك أو تدين بما لا تعلم.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أفتى النّاس بغير علم (1) ولا هدى (2) لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان الأحمر، عن زياد بن أبي رجاء، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا اللّه أعلم إن الرَّجل لينتزع الآية من القرآن (3) يخرُّ (4) فيها (5) أبعد ما بين السماء والأرض.
٥ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول: اللّه أعلم، وليس لغير العالم أن يقول ذلك (6).
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن حماد بن عيسى، عن حریز بن عبد اللّه عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا سُئل الرَّجل منكم عما لا يعلم فليقل : لا أدري. ولا يقل: اللّه أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا (7). وإذا قال المسؤول لا أدري، فلا يتهمه السائل(8).
7 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن جعفر بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان(9)، عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما حقُّ اللّه
ص: 92
على العباد (1)؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون.
8 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن عبد الرحمن] عن أبي يعقوب إسحاق بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه خص عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا أو لا يردُّوا ما لم يعلموا(2) وقال عزّ وجلّ: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ّ) (3). وقال: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (4).
9 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن فرقد، عمّن حدثه، عن ابن شبرمة(5) قال : ما ذكرت حديثاً سمعته عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا كاد أن يتصدع (6) قلبي، قال : حدَّثني أبي عن جدّي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال ابن شبرمة : وأقسم باللّه ما كذَّب أبوه على جده ولا جده على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «من عمل بالمقائيس (7) فقد هلك (8) وأهلك (9)، ومن أفتى النّاس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك.
١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان عن طلحة بن زيد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : العامل على غير بصيرة كالسائر على
ص: 93
غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إلّا بعداً (1).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسکان (2)، عن حسين الصيقل قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يقبل اللّه عملاً إلّا بمعرفة ولا معرفةً إلّا بعمل فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له (3)، ألا إن الإيمان بعضه من بعض
3 _ عنه، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال (4)، عمّن رواه، عن أبي عبد أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح (5)».
١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش عن سُليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُحدّث عن النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال في كلام له : العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك، وإنَّ أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه، وإنَّ أشدَّ أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى اللّه فاستجاب له وقبل منه فأطاع اللّه فأدخله اللّه الجنّة، وأدخل الدَّاعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحقّ (6) وطول الأمل ينسي الآخرة (7).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن
ص: 94
جابر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم والعلم يهتف (1) بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل عنه (2).
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن محمّد القاساني، - عمّن ذكره، عن عبد اللّه بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ العالم إذا لم بعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا (3).
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري (4)، عن عليّ بن هاشم بن البريد، عن أبيه قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسأله عن مسائل فأجاب. ثمَّ عاد ليسأل عن مثلها فقال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم، فإنَّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفراً، ولم يزدد من اللّه إلّا بُعْداً.
5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : بمَ يُعرف الناجي (5)؟ قال : من كان فعله لقوله موافقاً فأثبت (6) له الشهادة (7)، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مُسْتَوْدَع (8).
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، رفعه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلام له خطب به على المنبر أيّها النّاس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون، إنَّ العالم العامل بغيره (9) كالجاهل الحائر الّذي لا يستفيق عن جهله، بل قد رأيت أنَّ الحجّة عليه اعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ (10) من علمه، منها (11)
ص: 95
على هذا الجاهل المتحيّر (1) في جهله وكلاهما حائر بائر (2)، لا ترتابوا فتشكّوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا (3)، ولا تدهنوا في الحقّ فتخسروا، وإن من الحقّ أن تفقهوا، ومن الفقه أن لا تغتروا (4)، وإنَّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه، ومن يطع اللّه يأمن ويستبشر، ومن يعص اللّه يخب ويندم.
٧ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عمَّن ذكره عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا سمعتم العلم فاستعملوه، ولتسع قلوبكم، فإنَّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله (5) قدر الشيطان عليه، فإذا خاصمكم الشيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون، فإن كيد الشيطان كان ضعيفاً، فقلت : وما الّذي نعرفه ؟ قال خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه عزّ وجلّ.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «منهومان لا يشبعان (6) طالب دنيا وطالب علم، فمن اقتصر من الدُّنيا على ما أحل اللّه له سلم، ومن تناولها من غير حلّها (7) هلك، إلّا أن يتوب أو يراجع (8)، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا، ومن أراد به الدنيا فهي حظُّه».
2 - الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة (9)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أراد الحديث لمنفعة الدُّنيا
ص: 96
لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه اللّه خير الدنيا والآخرة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني، عن المنقري (1)، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أراد الحديث لمنفعة الدُّنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن القاسم عن المنقري، عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا رأيتم العالم محباً لدنياه فاتهموه على دينكم، فإنَّ كلّ محبّ لشيء يحوط (2) ما أحب. وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «أوحى اللّه إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدُّنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإنَّ أولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إنَّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم».
5 - علي (3)، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدُّنيا. قيل يا رسول اللّه : وما دخولهم. في الدُّنيا؟ قال : اتباع السلطان (4) فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم».
٦ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي ابن عبد اللّه عمَّن حدَّثه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من طلب العلم ليباهي (5) به العلماء، أو يماري(6) به السفهاء، أو يصرف به وجوه النّاس إليه (7)، فليتبوء مقعده من النار، إنَّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها (8).
1 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن
ص: 97
حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : يا حفص: يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد.
٢ - وبهذا الإسناد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام ويل لعلماء السوء كيف تلظّى (1) عليهم النار؟!.
3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إذا بلغت النفس ههنا _ وأشار بيده إلى حلقه (2) - لم يكن للعالم توبة، ثمَّ قرأ: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) (3).
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن، النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي (4)، عن أبي سعيد المكاري (5)، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) (6). قال : هم(7) قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثمَّ خالفوه إلى غيره (8).
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الدّهقان، عن درست بن أبي منصور، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفيّ (1) عن شعيب عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع وعينه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة الأشياء والأمور، ويده الرّحمة، ورجله زيارة العلماء، وهمته السلامة، وحكمته الورع، ومستقره النجاة، وقائده العافية ومركبه الوفاء، وسلاحه لين الكلمة (2)، وسيفه الرّضا، وقوسه المداراة، وجيشه محاورة العلماء، وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذُّنوب، وزاده المعروف، وماؤه (3) الموادعة، ودليله الهدى ورفيقه محبّة الأخيار.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): نعم وزير الإيمان (4) العلم، ونعم وزير العلم الحلم، ونعم وزير الحلم الرّفق، ونعم وزير الرّفق الصبر.
٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللّه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا رسول اللّه ما العلم؟ قال: «الإنصات» (5)، قال : ثمَّ مه ؟ قال : «الاستماع»، قال : ثمَّ مه ؟
ص: 99
قال: «الحفظ»، قال : ثمَّ مه ؟ قال : «العمل به»، قال: ثمَّ مه (1) يا رسول اللّه؟ قال: «نشره».
٥ - عليّ بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للإستطالة والختل (2)، وصنف يطلبه للفقه والعقل، فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممارٍ متعرّض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم قد تسربل بالخشوع وتخلّى من الورع، فدقّ اللّه من هذا خيشومه (3)، وقطع منه حيزومه (4). وصاحب الاستطالة والخَتَل، ذو خبّ (5) وملّق(6)، يستطيل على مثله من أشباهه، ويتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم(7)، فأعمى اللّه على هذا خبره، وقطع من آثار العلماء أثره، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر، قد تحنّك في برنسه (8)، وقام الليل في جندِسه (9)، يعمل ويخشى وجلا داعياً مشفقاً، مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه مستوحشاً من أوثق إخوانه فشدَّ اللّه من هذا أركانه (10)، وأعطاه يوم القيامة أمانه.
وحدَّثني به محمّد بن محمود أبو عبد اللّه (11) القزويني عن عدَّة من أصحابنا منهم جعفر بن محمّد (12) الصيقل بقزوين عن أحمد بن عيسى العلوي، عن عباد بن صهيب البصريّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 100
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن رواة الكتاب (1) كثير، وإن رعاته قليل (2)، وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب، فالعلماء يحزنهم ترك الرّعاية والجهال يحزنهم حفظ الرواية، فراع يرعى حياته (3)، وراع يرعى هلكته (4)، فعند ذلك اختلف الرّاعيان وتغاير الفريقان.
7 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عمَّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثاً بعثه اللّه يوم القيامة عالماً فقيهاً.
8 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عمَّن ذكره، عن زيد الشحّام عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (5)) قال: قلت ما طعامه؟ قال : علمه الّذي يأخذه، عمن يأخذه (6).
9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان، عن عبد اللّه بن مسكان عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الوقوف عند الشبهة (7) خيرٌ من الاقتحام في الهلكة (8)، وتركك حديثاً لم تروه خير من رواينك حديثاً لم تحصه (9).
ص: 101
١٠ - محمّد (1)، عن أحمد (2)، عن ابن فضّال، عن ابن فضّال، عن ابن بكير (3)، عن حمزة بن الطيار أنّه عرض على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعض خطب أبيه حتّى إذا بلغ موضعاً منها قال له : كُفَّ واسكت. ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكف عنه والتثبت، والردّ إلى أئمة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد (4) ويجلوا عنكم فيه العمى، ويعرفوكم فيه الحقّ، قال اللّه تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (5)).
11 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري (6)، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : وجدت علم النّاس كله في أربع : أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك.
12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما حقُّ اللّه على خلقه؟ فقال : أن يقولوا ما يعلمون، ويكفّوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى اللّه حقه.
13 - محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن عليّ بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اعرفوا منازل النّاس على قدر روايتهم (7) عنا.
١٤ _ الحسين بن الحسن، عن محمّد بن زكريا الغلابي عن ابن عائشة البصريّ رفعه أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في بعض خطبه : أيّها الناس: اعلموا أنّه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه (8)، النّاس أبناء ما يحسنون، وقدر كلّ امرىء ما يحسن، فتكلموا في العلم تبين أقداركم.
ص: 102
١٥ _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء (1)، عن أبان بن عثمان، عن عبد اللّه بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له : عثمان الأعمى وهو يقول : إنَّ الحسن البصريّ يزعم أنَّ الّذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فهلك إذن مؤمن آل فرعون (2). ما زال العلم مكتوماً منذُ بعث اللّه نوحاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فليذهب الحسن يميناً وشمالاً، فواللّه ما يوجد العلم إلّا ههنا(3).
وفضل الكتابة والتمسك بالكتب
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول اللّه جل ثناؤه : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (4))؟ قال : هو الرَّجل يسمع الحديث (5) فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال : إن كنت تريد معانيه (6) فلا بأس.
٣ _ وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن ابن سنان (7)، عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيىء (8)؟ قال:
ص: 103
فتعمد (1) ذلك؟ قلت : لا، فقال : تريد المعاني؟ قلت: نعم، قال : فلا بأس.
٤ - وعنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك، أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال : سواء، إلّا أنك ترويه عن أبي أحب إليَّ. وقال (2) أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لجميل : ما سمعت مني فاروه عن أبي.
5 _ وعنه، عن أحمد بن محمّد ؛ ومحمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فأضجر (3) ولا أقوى، قال : فاقرأ عليهم من أوّله حديثاً ومن وسطه حديثاً ومن آخره حديثاً (4).
٦ _ عنه، بإسناده عن أحمد بن عمر الحلال قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الرَّجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول : اروه عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال : إذا علمت أن الكتاب له (5) فاروه عنه (6).
7 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه ؛ وعن أحمد بن محمّد بن خالد، عن النوفليّ عن، السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الّذي حدَّثكم (7)، فإن كان حقاً فلكم وإن كان كذباً فعليه.
8 - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد، عن أبي أيّوب المدني، عن ابن بي عمير، عن حسين الأحمسي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : القلب يتكل على الكتابة.
9 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن
ص: 104
عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اكتبوا (1) فإنكم لا تحفظون (2) حتّى تكتبوا.
10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن فضال عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها.
١١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابه، عن أبي سعيد الخيبري، عن المفضّل بن عمر قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن متَّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على النّاس زمان هَرْج (3) لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم.
12 - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن عليّ رفعه قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إيّاكم والكذب المفترع (4)، قيل له : وما الكذب المفترع ؟ قال : أن يحدثك الرَّجل بالحديث فتتركه وترويه عن الّذي حدّثك عنه.
13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن جميل بن دراج قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعربوا حديثنا (5) فإنا قوم فصحاء.
١٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيره قالوا سمعنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحديث رسول اللّه قول اللّه عزّ وجلّ.
15 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد
ص: 105
شَيْنُولة قال : قلت لأبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك إنَّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم (1)، ولم تُروَ(2) عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال: حدّثوا بها فإنّها حقٌّ.
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عبد اللّه بن يحيى، عن ابن مسكان(3)، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (4)؟ فقال: أما واللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم (5)، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرَّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
2 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن إبراهيم بن محمّد الهمداني، عن محمّد بن عبيدة قال : قال لي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا محمّد أنتم أشدُّ تقليداً أم المرجئة؟ قال : قلت قلّدنا وقلّدوا فقال : لم أسألك عن هذا (6)، فلم فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول. فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ المرجئة نصبت رجلاً لم تُفرض طاعته (7) وقلدوه (8) وأنتم نصبتم رجلاً وفرضتم طاعته ثمَّ لم تقلدوه فهم أشد منكم تقليداً.
3 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن عبد اللّه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه جلّ وعزَّ : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) فقال : واللّه ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن أحلّوا لهم حراماً
ص: 106
وحرموا عليهم حلالاً فاتبعوهم.
1 - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء؛ وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال جميعاً، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) النّاس فقال : أيّها النّاس إنّما بَدْءُ وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تُبتدع (1)، يخالف فيها كتاب اللّه، يتولى(2) فيها رجال رجالاً، فلو أنَّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجي (3)، ولو أن الحقّ خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث (4) فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ (5) الشيطان على أوليائه ونجا الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى.
٢ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن محمّد بن جمهور العمي يرفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا ظهرت البدع في أمتي فَلْيُظهِر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه.
٣ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن جمهور رفعه قال من أتى ذا بدعة فعظمه (6) فإنّما يسعى في هدم الإسلام.
٤ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن جمهور رفعه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «أبى اللّه لصاحب البدعة بالتوبة»، قيل : يا رسول اللّه وكيف ذلك؟ قال: «إنّه قد أشرب قلبه حبّها».
٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «إنّ عند كلّ
ص: 107
بدعة تكون من بعدي يُكادبها الإيمان وليّاً من أهل بيتي موكلاً به، يذب (1) عنه، ينطق بإلهام من اللّه ويعلن الحقّ وينوّره ويرد كيد الكائدين يعبر عن الضعفاء(2) فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله».
٦ - محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه ؛ وعليّ بن إبراهيم [عن أبيه] عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب رفعه عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إنَّ من أبغض الخلق إلى اللّه عزّ وجلّ لرجلين : رجلٌ وَكَلَه اللّه إلى نفسه (3) فهو جائر عن قصد السبيل (4)، مشعوف (5) بكلام بدعة، قد لهج (6) بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن عن هدي من كان قبله (7)، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته (8)، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته.
ورجل قمش(9) جهلا في جهّال النّاس، عان (10) بأغباش الفتنة، قد سمّاه أشباه النّاس (11) عالم ولم يغن (12) فيه يوماً سالماً، بكر (13) فاستكثر، ما قل منه خير ممّا كثر، حتّى
ص: 108
إذا ارتوى من آجن (1) واكتنز من غير طائل (2) جلس بين النّاس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضياً سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيا لها حشواً من رأيه، ثمَّ قطع فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكر، ولا يرى أنَّ وراء ما بلغ فيه مذهباً، إن قاس شيئاً بشيء لم يكذب نظره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، لكيلا يقال له : لا يعلم، ثمَّ جسر (3) فقضى، فهو مفتاح عشوات (4)، ركاب شبهات خباط (5) جهالات، لا يعتذر ممّا لا يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم يذري الروايات ذرو الريح الهشيم (6) تبكي منه المواريث، وتصرخ منه الدماء؛ يُستحَلَّ بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال لا مليء بإصدار ما عليه ورد (7)، ولا هو أهل لما منه فرط (8)، من ادّعائه علم الحق.
7 - الحسين بن محمّد ؛ عن معلىّ بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان ابن عثمان عن أبي شيبة الخراسانيّ قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن أصحاب المقائيس طلبوا العلم (9) بالمقائيس، فلم تزدهم المقائيس من الحقّ إلّا بعداً (10)، وإن دين اللّه لا يصاب بالمقائيس.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان رفعه، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : كلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.
9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم قال : قلت
ص: 109
لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك، فقهنا في الدّين وأغنانا اللّه بكم عن الناس، حتّى أنَّ الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما منَّ اللّه علينا بكم فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء. فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا، وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم، فنأخذ به؟ فقال هيهات هيهات، في ذلك واللّه هلك من هلك يا ابن حكيم، قال: ثمَّ قال : لعن اللّه أبا حنيفة كان يقول: قال علي، وقلت.
قال محمّد بن حكيم لهشام بن الحكم واللّه ما أردت إلّا أن يرخص لي في القياس.
1 - محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي، الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بما أوحد اللّه ؟ فقال : يا يونس لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ضل، ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر.
11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، - الوشّاء، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب اللّه، ولا سنّة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنّک إن أصبت لم تؤجر (1)، وإن أخطأت كذبت على اللّه عزّ وجلّ.
12 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
13 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن، عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت: أصلحك اللّه (2) إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا، فلا يرد علينا شيء إلّا وعندنا فيه شيء مسطر (3)، وذلك ممّا أنعم اللّه به علينا بكم، ثمَّ يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شيء، فينظر بعضنا إلى بعض، وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه؟ فقال: وما لكم وللقياس؟ إنّما هلك من هلك من قبلكم
ص: 110
بالقياس، ثمَّ قال : إذا جاءكم ما تعلمون، فقولوا به. وإن جاءكم ما لا تعلمون فها(1) وأهوى بيده إلى فيه (2) -. ثمَّ قال : لعن اللّه أبا حنيفة كان يقول : قال علي وقلت أنا، وقالت الصحابة وقلت ثمَّ قال : أكنت تجلس إليه ؟ فقلت: لا ولكن هذا كلامه ؛ فقلت: أصلحك اللّه، أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) النّاس بما يكتفون به في عهده ؟ قال : نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذلك شيء؟ فقال : لا هو عند أهله.
١٤ _ عنه، عن محمّد، عن يونس عن أبان عن أبي شيبة (3) قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة (4) إملاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخطُّ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده. إنَّ الجامعة لم تدع لأحد كلاماً، فيها علم الجلال والحرام. إنَّ أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحقّ إلّا بعداً، إنَّ دين اللّه لا يصاب بالقياس.
15 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ السنة لا تقاس، ألا ترى أنَّ امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان إنَّ السنة إذا قيست مُحِوّا (5) الدّين.
١٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن القياس فقال : مالكم والقياس إنَّ اللّه لا يُسْأَل كيف أحلَّ وكيف حرم (6).
17 - عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : حدَّثني جعفر، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنَّ عليّاً صلوات اللّه عليه قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس (7)، ومن دان اللّه بالرأي (8) لم يزل دهره في ارتماس (9). قال : وقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من
ص: 111
أفتى النّاس برأيه فقد دان اللّه بما لا يعلم، ومن دان اللّه بما لا يعلم فقد ضاد اللّه (1) حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم.
18 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن الحسين بن ميّاح، عن أبيه (2)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ إبليس قاس نفسه بآدم فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (3)، ولو قاس الجوهر الّذي خلق اللّه منه آدم بالنار، كان ذلك أكثر نوراً وضياء من النار.
19 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حريز (4) عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الحلال والحرام فقال : حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيىء غيره، وقال: قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أحدٌ ابتدع بدعة إلّا ترك بها سنة (5).
20 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن عبد اللّه العقيلي، عن عيسى بن عبد اللّه القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : يا أبا حنيفة ! بلغني أنك تقيس؟ قال : نعم قال : لا تقس فإنَّ أول من قاس إبليس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، فقاس ما بين النار والطين ولو قاس نوريّة آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين، وصفاء أحدهما على الآخر.
21 - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس (6)، عن قتيبة (7) قال : سأل رجل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرَّجل : أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون (8) القول فيها؟ فقال له : مه ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لسنا من: «أرأيت» في شيء (9)
ص: 112
22 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه مرسلاً قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا تتخذوا من دون اللّه وليجة (1) فلا تكونوا مؤمنين، فإن كلّ سبب ونسب وقرابة ووليجةٍ وبدعة وشبهةٍ منقطع إلّا ما أثبته القرآن.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن مُرازم(2) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان (3) كلّ شيء، حتّى واللّه ما ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا أُنزل في القرآن؟ إلّا وقد أنزله اللّه فيه.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حسين بن المنذر، عن عمر بن قيس، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إِنَّ اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلّا أنزله في كتابه، وبينه لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وجعل لكلّ شيء حداً (4)، وجعل عليه دليلاً يدل عليه (5)، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدًّا (6).
3 - علي، عن محمّد، عن يونس، عن أبان عن سليمان بن هارون (7) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما خلق اللّه حلالاً ولا حراماً إلّا وله حد كحد الدار، فما كان من الطريق فهو من الطريق، وما كان من الدار فهو من الدَّار، حتّى أرش (8) الخدش فما سواه، والجلدة ونصف الجلدة.
ص: 113
٤ - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حماد (1)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : ما من شيء إلّا وفيه كتاب أو سنّة.
٥ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي الجارود (2) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب اللّه (3)، ثمَّ قال في بعض حديثه، إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نهى عن القيل والقال(4)، وفساد المال، وكثرة السؤال (5)، فقيل له يا ابن رسول اللّه أين هذا من كتاب اللّه ؟ قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (6) وقال : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا (7)) وقال : (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (8)).
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عمّن حدَّثه، عن المعلىّ بن خنيس قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا وله أصل في كتاب اللّه عزّ وجلّ ولكن لا تبلغه عقول الرجال (9).
7 - محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها النّاس : إِنَّ اللّه تبارك وتعالى أرسل إليكم الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنزل إليه الكتاب بالحقّ وأنتم أميون (10) عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرَّسول ومن أرسله على حين فترة من الرُّسل، وطول هجعة من الأمم، وانبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة وانتقاض من المبرم وعمى عن الحقّ واعتساف من الجور (11)،
ص: 114
وامتحاق من الدين، وتلظّ [ي] من الحروب (1)، على حين اصفرار من رياض جنّات الدنيا، ويبس من أغصانها وانتشار من ورقها ويأس من ثمرها، واغورار من مائها (2) قد درست أعلام الهدى، فظهرت أعلام الرَّدى، فالدُّنيا متهجّمة (3) في وجوه أهلها مكفهرة (4)، مدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها (5) السيف، مزّقتم كلّ ممزق وقد أعمت عيون أهلها وأظلمت عليها أيامها قد قطعوا أرحامهم، وسفكوا دماءهم، ودفنوا، في التراب الموؤدة بينهم (6) من أولادهم، يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدنيا ؛ لا يرجون من اللّه ثواباً، ولا يخافون واللّه منه عقاباً عقاباً؛ حيهم أعمى نجس (7)، وميتهم في النار مبلس (8)، فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى (9)، وتصديق الّذي بين يديه، وتفصيل الحلال من ريب الحرام.
ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه، إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم.
8 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الأعلىّ بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قد ولدني (10) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنا أعلم كتاب اللّه وفيه بدء الخلق، وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر الجنّة وخبر النار، وخبر ما كان، و [خبر] ما هو كائن، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفّي، إنَّ اللّه يقول : (فيه تبيان كلّ شيء) (11)
ص: 115
9 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ونحن نعلمه.
10 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة، عن أبي المغرا (1)، عن سماعة (2)، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : أكلَّ شيء في كتاب اللّه وسنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ أو تقولون فيه (3)؟ قال : بل كلّ شيء في كتاب اللّه وسنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
1 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: قلت لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنِّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غير ما في أيدي الناس، ثمَّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل ؛ أفَتَرى النّاس يكذبون على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال : فأقبل عليَّ فقال : قد سألت فافهم الجواب :
إنَّ في أيدي النّاس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابها (4)، وحفظاً ووهما (5)، وقد كُذِبَ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عهده حتّى قام خطيباً فقال: أيّها النّاس قد كثرت على الكذابة (6)، فمن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار، ثمَّ كُذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجلٌ منافق
ص: 116
يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام (1) لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب (2) على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمداً ؛ فلو علم النّاس أنّه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورآه وسمع منه ؛ وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره (3) اللّه عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزّ وجلّ : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (4). ثمَّ بقوا بعده، فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس(5)، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلّا من عصم اللّه، فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول اللّه شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شيئاً أمر به ثمَّ نهى عنه وهو لا يعلم عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثمَّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، مبغض للكذب خوفاً من اللّه وتعظيماً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، فإن أمر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ [وخاص وعام] ومحكم ومتشابه، قد كان يكون(6) من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص، مثل القرآن. وقال اللّه عزّ وجلّ في كتابه : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (7) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى اللّه به ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يسأله عن الشيء فيفهم، وكان
ص: 117
منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيىء الأعرابي والطاري (1) فيسأل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى يسمعوا.
وقد كنت أدخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كلّ يوم دخلةً، وكل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار (2)، وقد علم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه لم يصنع ذلك بأحد من النّاس غيري، فربما كان في بيني يأتيني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أكثر ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءَه. فلا يبقى عنده غيري. وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحدٌ من بني، وكنت إذا سألته أجابني، وأذا سكت عنه وفنيت مسائلي (3) ابتدأني، فما نزلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آية من القرآن إلّا أقرأنيها، وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا اللّه أن يعطيني فهمها، وحفظها، فما نسيت آية من كتاب اللّه ولا علماً أملاه علي وكتبته، منذ دعا اللّه لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون. ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته، فلم أنسَ حرفاً واحداً ؛ ثمَّ وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً (4) ونوراً، فقلت : يا نبي اللّه بأبي أنت وأمي : منذ دعوت اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست أتخوّف عليك النسيان والجهل.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزاز عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا يتهمون بالكذب فيجييء منكم خلافه؟ قال : إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.
3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي نجران(5)، عن عاصم بن حميد، عن منصور بن حازم قال : قلت لابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها
ص: 118
بالجواب، ثمَّ يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال : إنّا نجيب النّاس على الزيادة والنقصان(1) ؛ قال : قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صدقوا على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أم كذبوا ؟ قال : بل صدقوا ؛ قال : قلت : فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أنَّ الرَّجل كان يأتي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثمَّ يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً.
٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عُبيدة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلاً ممّن يتولانا بشيء من التقيّة؟ قال: قلت له : أنت أعلم جعلت فداك ؛ قال : إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجراً (2). وفي رواية أخرى إن أخذ به اوجر، وإن تركه واللّه أيم.
٥ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن الحسن بن عليّ، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن مسألة فأجابني، ثمَّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثمَّ جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرَّجلان قلت : يا ابن رسول اللّه : رجلان من أهل العراق من شيعتكم قَدِما يسألان فاجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه ؟ فقال يا زرارة! إن هذا خير لنا، وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم النّاس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.
قال : ثمَّ قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا، وهم يخرجون من عندكم مختلفين ؛ قال : فأجابني بمثل جواب أبيه
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان عن نصر الخثعمي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من عرف أنا لا نقول إلّا حقاً فليكتف بما يعلم منا، فإن سمع منا خلاف ما يعلم، فليعلم أنَّ ذلك دفاع منّا عنه (3).
7 _ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، والحسن بن محبوب جميعاً عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر
ص: 119
كلاهما يرويه : أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ فقال: يرجئه (1) حتّى يلقى من يخبره، فهو في سعة حتّى يلقاه.
وفي رواية أخرى بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك (2).
8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى عن الحسين بن المختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أرأيتك لو حدثتك بحديث العام (3)، ثمَّ جئتني من قابل (4) فحدَّثتك بخلافه، بأيهما كنت تأخذ؟ قال :قلت كنت آخذ بالأخير (5) ؛ فقال لي : رحمك اللّه.
ص: 120
٩ - وعنه عن أبيه عن إسماعيل بن مرّار عن يونس عن داود بن فرقد، عن المعلىّ بن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا جاء حديث عن أولكم، وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟ فقال: خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي (1)، فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله، قال : ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنا واللّه لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم؛ وفي حديث آخر : خذوا بالأحدث (2).
١٠ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت (3)، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا(4)، وإن كان حقاً ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) (5).
قلت : فكيف يصنعان ؟ قال : ينظران [إلى] من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه، وعلينا ردَّ، والرَّاد علينا الراد على اللّه وهو على حد الشرك باللّه ؛
قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم(6)؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما (7) ولا
ص: 121
يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ؛ قال :
قلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يُفضّل واحد منهما على الآخر؟ قال: فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه(1) من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشَّاذُ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ؛ وإنما الأمور ثلاثة : أمر بين رُشده فيتّبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يردُّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله، قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم.
قلت: فإن كان الخبران عنكما (2) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟
قال : ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة (3) فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامّة؛
قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟
قال : ما خالف العامّة ففيه الرشاد.
فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً.
قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل؛ حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر
قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟
قال : إذا كان ذلك فأرجه (4) حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.
ص: 122
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنَّ على كلّ حق حقيقة (1)، وعلى كلّ صواب نوراً (2)، فما وافق كتاب اللّه فخذوه وما خالف كتاب اللّه فدعوه.
2 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال : وحدَّثني حسين بن أبي العلاء أنّه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به؟ قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )(3) وإلا فالّذي جاءكم به أولى به.
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف (4).
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب بن راشد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف.
٥ - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خطب النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بمنى فقال: «أيها النّاس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله».
٦ - وبهذا الإسناد، عن ابن أبي عمير (5)، عن بعض أصحابه قال : سمعت أبا عبد
ص: 123
اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من خالف كتاب اللّه وسنّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقد كفر (1).
7 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس رفعه قال : قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ أفضل الأعمال عند اللّه ما عمل بالسنّة وإن قل.
8 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القماط وصالح بن سعيد عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سئل عن مسألة فأجاب فيها، قال: فقال الرَّجل (2) : إنَّ الفقهاء (3) لا يقولون هذا، فقال : يا ويحك (4) وهل رأيت فقيه (5) قطُّ ؟! إنّ الفقيه حقَّ الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالدعن أبيه، عن أبي إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزديّ، عن أبي عثمان العبديّ، عن جعفر (6)، عن آبائه عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا قول إلّا بعمل، ولا قول ولا عمل إلّا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نيَّة إلّا بإصابة السنّة .
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : ما من أحد إلّا وله شِرَّة وفترة (7)، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى.
11 - عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد البرقي. عن عليّ بن حسان ومحمّد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب، عن عليّ بن حسّان (8)، عن موسى بن بكر، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّ من تعدّى (9) السنّة ردّ إلى السنّة (10).
ص: 124
12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عن آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : السنّة سنتان : سنة في فريضة (1) الأخذ بها هدى، وتركها ضلالة، وسنّة في غير فريضة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة.
ص: 125
ص: 126
ص: 128
٢٣ - باب حدوث العالم (1) وإثبات المحدث
1 - أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب قال : حدَّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن، عن عليّ بن منصور قال: قال لي هشام بن الحكم : كان بمصر زنديق (2) تبلغه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أشياء، فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها، وقيل له إنّه خارج بمكّة، فخرج إلى مكّة ونحن مع أبي عبد اللّه فصادفنا ونحن مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الطواف، وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد اللّه فضرب كتفه كتف أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما اسمك؟ فقال: اسمي عبد الملك، قال : فما كنيتك؟ قال: كنيتي أبو عبد اللّه ؛ فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فمن هذا الملك الّذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء ؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ قل ما شئت تُخصم (3) قال هشام بن الحكم : فقلت للزنديق أما تردُّ عليه، :قال فقبح قولي (4) فقال أبو عبد اللّه : إذا فرغت من الطواف فأتنا. فلما فرغ أبو عبد اللّه أتاه : الزنديق فقعد بين يدي أبي عبد اللّه ونحن مجتمعون عنده، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للزنديق : أتعلم أنَّ للأرض تحتاً وفوقاً ؟ قال : نعم ؛ قال فدخلت تحتها؟ قال : لا، قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال : لا أدري إلّا أنّي أظن أن ليس تحتها شيء ؛ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فالظن عجز،
ص: 129
لما لا تستيقن ؟ ثمَّ قال أبو عبد اللّه : أفصعدت السماء؟ قال : لا، قال : أفتدري ما فيها؟ قال : لا ؛ قال : عجباً لك، لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل الأرض ولم تصعد السماء، ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنَّ، وأنت جاحد بما فيهنَّ وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! قال الزنديق ما كلّمني بهذا أحد غيرك، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأنت من ذلك في شكّ فلعله هو ولعلّه ليس هو ؟ فقال الزنديق : ولعلَّ ذلك ؛ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الرَّجل! ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم، ولا حجّة للجاهل يا أخا أهل مصر ! تفهم عنّي فإنا لا نشك في اللّه أبداً، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان، وقد اضطرا ليس لهما مكان إلّا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير اللّيل نهاراً والنهار ليلا؟ اضطرًا واللّه يا أخا أهل مصر إلى دوامهما والّذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر (1). فقال الزنديث : صدقت ؛ ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخا أهل مصر: إن الّذي تذهبون إليه وتظنون أنّه الدهر إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردُّهم، وإن كان يردّهم لِمَ لا يذهب بهم؟ القوم مضطرون يا أخا أهل مصر (2) ليم السماء مرفوعة، والأرض موضوعة ؟ لم لا تسقط السماء على الأرض، لم لا تنحدر (3) فوق طباقها ولا يتماسكان (4) ولا يتماسك من عليها ؟ قال الزنديق : أمسكهما اللّه ربهما وسيّدهما، قال فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له حمران : جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفّار على يدي أبيك، فقال المؤمن الّذي آمن على يدي أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اجعلني من تلامذتك؛ فقال أبو عبد اللّه : يا هشام بن الحكم خذه إليك وعلمه، فعلمه هشام، فكان معلّم أهل الشام وأهل مصر الإيمان، الإيمان، وحسنت طهارته (5) حتّى رضي بها أبو عبد اللّه.
٢ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ بن عليّ عن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم عن أحمد بن محسن الميثمي قال : كنت عند أبي منصور
ص: 130
المتطبّب (1) فقال : أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء (2) وعبد اللّه بن المقفّع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع، ترون هذا الخلق _ وأوما بيده إلى موضع الطواف - ما منهم أحدٌ أُوجِبَ (3) له اسم الإنسانية إلّا ذلك الشيخ الجالس _ يعني أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فأما الباقون فرعاع (4) وبهائم فقال له ابن أبي العوجاء : وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال : لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم. فقال له ابن أبي العوجاء : لا بدَّ من اختبار ما قلت فيه منه، قال : فقال له ابن المقفع : لا تفعل فإنّي أخاف أن يُفسد عليك ما في يدك (5)، فقال : ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الّذي وصفت ؛ فقال ابن المقفع : أما إذا توهمت عليَّ هذا فقم إليه وتحفّظ ما استطعت من الزلل، ولا تثني عنانك إلى استرسال (6) فيسلّمك إلى عقال (7) وسمه (8) مالك أو عليك؟ قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين. فلمّا رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال : ويلك يا ابن المقفع، ما هذا ببشر وإن كان في الدُّنيا روحاني يتجسّد إذا شاء ظاهراً أو يتروّح إذا شاء (9) باطناً فهو هذا؛ فقال له : وكيف ذلك؟ قال : جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال : إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء - وهو على ما يقولون _ يعني أهل الطواف - فقد سلموا وعطبتم (10)، وإن يكن الأمر على ما تقولون - وليس كما تقولون _ فقد استويتم (11) وهم ؛ فقلت له : يرحمك اللّه وأي شيء نقول وأي شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلّا واحداً؛ فقال : وكيف يكون قولك وقولهم واحداً؟ وهم يقولون : إنَّ لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأنَّ في السماء إلهاً وأنّها عمران، وأنتم تزعمون أنَّ السّماء خراب ليس فيها أحد ؛ قال : فاغتنمتها منه فقلت له : ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته،
ص: 131
حتّى لا يختلف منهم اثنان، ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرّسل ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به ؟ فقال لي : ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك : نشوءك ولم تكن وكبرك بعد صغرك، وقوّتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوّتك، وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد حزنك وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبّك، وعزمك بعد أناتك (1) وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك، وخاطرك (2) بما لم يكن في وهمك، وعزوب (3) ما أنت معتقده عن ذهنك وما زال يعدّد عليَّ قدرته (4) التي هي في نفسي التي لا أدفعها، حتّى ظننت أنّه (5) سيظهر فيما بيني وبينه.
عنه عن بعض أصحابنا رفعه وزاد في حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجلس وهو ساکت لا ينطق، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه ؟ فقال : أردت ذلك يا ابن رسول اللّه. فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أعجب هذا تنكر اللّه وتشهد أني ابن رسول اللّه ! فقال : العادة تحملني على ذلك ؛ فقال له العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فما يمنعك من الكلام؟ قال: إجلالاً لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك، فإنّي شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال : يكون ذلك، ولكن أفتح عليك بسؤال. وأقبل عليه فقال له : أمصنوع أنت أو غير مصنوع؟ فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء : بل أنا غير مصنوع. فقال له العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون ؟ فبقي عبد الكريم ملياً لا يحير جواباً (6) وولع (7) بخشبة كانت بين يديه وهو يقول : طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن كلّ ذلك صفة خلقه، فقال له العالم (8) : فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك ممّا يحدث من هذه الأمور، فقال له عبد الكريم : سألتني عن مسألة لم يسألني
ص: 132
عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هبك (1) علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد، على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك، لأنك تزعم أنَّ الأشياء من الأوّل سواء، فكيف قدّمت وأخرت ؛ ثمَّ قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحاً : أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل : هل في الكيس دينار فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم ؟ قال : لا، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس فلعلَّ في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة، فانقطع عبد الكريم وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض.
فعاد في اليوم الثالث فقال : أقلب السؤال، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل عما شئت. فقال : ما الدليل على حديث الأجسام (2)؟ فقال : إني ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلّا وإذا ضمّ إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى، ولو كان قديماً ما زال ولا حال، لأنَّ الّذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الأزل دخوله في العدم، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد، فقال عبد الكريم : هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها، فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدلَّ على حدوثهنَّ ؟ فقال العالم :(عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما نتكلّم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالماً اخر كان لا شيء أدلّ على الحدث من رفعنا إيَّاه ووضعنا غيره، ولكن أجيبك من حيث قدرت (3) أن تُلزمنا فنقول : إنَّ الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنّه متى ضم شيء إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم. كما أنّ في تغييره دخوله في الحدث، ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم. فانقطع وخزي.
فلمّا كان من العام المقبل، التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته : إِنَّ ابن أبي العوجاء قد أسلم. فقال العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم قال : سيدي ومولاي، فقال له العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما جاء بك إلى هذا الموضع ؟ فقال : عادة الجسد، وسنّة البلد، ولننظر ما النّاس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة؟ فقال له العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت بعد على
ص: 133
عتوّك وضلالك يا عبد الكريم. فذهب يتكلّم، فقال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا جدال في الحجّ. ونفض ردائه من يده وقال : إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول، نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال : وجدت في قلبي حزازة (1) فردُّوني فردُّوه فمات لا رحمه اللّه ].
٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر الأسديّ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ الرازيّ، عن الحسين بن الحسن بن برد الدينوري، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني خادم الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: دخل رجلٌ من الزَّنادقة على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده جماعة، فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الرَّجل : أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإيّاكم شرعاً سواءً، لا يضرنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا ؟ فسكت الرَّجل. ثمَّ قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وإن كان القول قولنا وهو قولنا، ألستم قد هلكتم.ونجونا؟. فقال رحمك اللّه أوجدني (2) كيف هو وأين هو؟ فقال : ويلك إن الّذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف (3)، فلا يُعرف بالكيفوفية ولا باينونية ولا يدرك بحاسّة ولا يقاس بشيء.
فقال الرَّجل: فإذا أنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس ؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ويلك، لمّا عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ؟ ! ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنّه ربنا بخلاف شيء من الأشياء.
قال الرَّجل : فأخبرني متى كان ؟ قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان قال الرَّجل : فما الدليل عليه ؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي لما نظرت إلى جسدي ولم يمكّني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أنَّ لهذا البنيان بانياً، فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات، علمت أنَّ لهذا مقدّراً ومنشئاً.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن إسحاق الخفاف أو(4) عن أبيه، عن محمّد بن
ص: 134
إسحاق قال : إن عبد اللّه الدَّيْصَانِي (1) سأل هشام بن الحكم فقال له : ألك ربّ؟ فقال: بلى، قال أقادر هو ؟ قال : نعم قادر قاهر. قال : يقدر أن يدخل الدُّنيا كلّها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدُّنيا؟ قال هشام : النظرة (2) فقال له : قد أنظرتك حولاً، ثمَّ خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستأذن عليه فأذن له فقال له : يا ابن رسول اللّه أتاني عبد اللّه الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلّا على اللّه وعليك، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عماذا سألك ؟ فقال : قال لي : كيت وكيت (3)، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هشام كم حواسك ؟ قال خمس. قال: أيّها أصغر ؟ قال الناظر. قال : وكم قدر الناظر قال : مثل العدسة أو أقل منها. فقال له : يا هشام ! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى فقال : أرى سماء وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً. فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الّذي قدر أن يدخل الّذي تراه العدسة أو أقل منها، قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة فأكبّ هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال : حسبي (4) يا ابن رسول اللّه. وانصرف إلى منزله ؛ وغدا عليه الديصاني فقال له : يا هشام إني جئتك مسلّماً ولم أجئك متقاضياً للجواب فقال له هشام : إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب. فخرج الديصانيُّ عنه حتّى أتى باب أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستأذن عليه فأذن له، فلما قعد قال له : يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي ؟ فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه : كيف لم تخبره باسمك؟ قال : لوكنت قلت له : عبد اللّه، كان يقول : من هذا الّذي أنت له عبد، فقالوا له : عُد إليه وقل له : يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك فرجع إليه فقال له : يا جعفر بن محمّد دُلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي ؟ فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اجلس وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا دَيْصَاني : هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى للذكر خُلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّراً؟ قال : فأطرق مليّاً ثمَّ قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأن محمّداً عبده ورسوله
ص: 135
وأنّك إمام وحجّة من اللّه على خلقه وأنا تائب ممّا كنت فيه.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبّاس بن عمر و الفُقَيْمي، عن هشام بن الحكم، في حديث الزنديق الّذي أتى أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان من قول أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يخلوا قولك : إنهما(1) اثنان من أن يكونا قديمين قويين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً، فإن كانا قوتين، فلم لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرد بالتدبير(2). وإن زعمت أنّ أحدهما قوي والآخر ضعيف، ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني، فإن قلت: إنّهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كلّ جهة أو مفترقين من كلّ جهة، فلمّل(3) رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر، دلَّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنَّ المدير واحد. ثمَّ يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتّى تكون بينهم فرجةً فيكونوا خمسة، ثمَّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة ؛ قال هشام فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه (4)؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)(5): وجود الأفاعيل دلّت على أن صانعاً صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أنَّ له بانياً وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده، قال : فما هو (6)؟ قال: شيء بخلاف الأشياء (7) ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنّه لا جسم ولا صورة ولا يحسّ ولا يجسّ ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدُّهور ولا تغيّره الأزمان.
٦ - محمّد بن يعقوب قال : حدَّثني عدَّة من أصحابنا، عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه عن عليّ بن النعمان عن ابن مسكان (8)، عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري، عن
ص: 136
أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كفى لأولي الألباب بخلق الربّ المسخّر، وملك الربّ القاهر(1)، وجلال (2) الربِّ الظاهر، ونور الربّ الباهر وبرهان الربّ الصادق (3)، وما (4) أنطق به السن العباد، وما أرسل به الرُّسل وما أنزل على العباد دليلاً على الربّ.
٢٤ - باب إطلاق القول بأنه (5) شيء
1 - محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن التوحيد (6) فقلت: أتوهم شيئاً(7)؟ فقال : نعم، غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يُعقل، وخلاف ما يتصوَّر في الأوهام؟! إنّما يُتوهّم شيء غير معقول ولا محدود.
2 - محمّد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد قال : سُئل أبو جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يجوز أن يقال اللّه : إنّه شيء؟ قال: نعم، يخرجه من الحدين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه (8).
3 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي المغرا(9) رفعه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إنّ اللّه خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكلما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا اللّه.
ص: 137
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ اللّه خِلو من خلقه (1) وخلقه خلو منه (2)، وكلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا اللّه فهو مخلوق واللّه خالق كلّ شيء، تبارك الّذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطية، عن خيثمة (3) عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا اللّه تعالى فهو مخلوق واللّه خالق كلّ شيء.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمر والفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال للزنديق حين سأله : ما هو ؟ قال : هو شيء بخلاف الأشياء ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شیء بحقيقة الشيئية غير أنّه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل : فتقول : إنّه سميع بصير بر (4) ؟ قال : هو سميع بصير : سميع بغير جارحة آلة، وبصير بغير بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه ؛ ليس قولي : إنّه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ولكن أردت عبارة عن نفسي (5) إذ كنتُ مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول : إنّه سميع بكله لا أنَّ الكلَّ منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلّا إلى أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى (6).
قال له السائل : فما هو ؟ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو الرب وهو المعبود وهو اللّه. وليس
ص: 138
قولي : : اللّه إثبات هذه الحروف : ألف ولام وهاء، ولا راء، ولا باء (1) ولكن أرجع إلى معنى (2)، وشيء خالق الأشياء وصانعها، ونعت هذه الحروف وهو المعنى سمي به اللّه والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود جلَّ وعزَّ.
قال له السائل : فأنا لم نجد موهوماً إلّا مخلوقاً، قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لو كان ذلك (3) كما تقول لكان لكان التوحيد عنا مرتفعاً لأنا لم نكلّف غير موهوم ولكنا نقول : كلّ موهوم بالحواس (4) مدرك به تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق، إذ كان النفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية : التشبيه إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار إليهم (5) أنهم مصنوعون وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيهاً بهم في ظاهر التركيب والتأليف، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد إذ لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوّة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لبيانها (6) ووجودها.قال له السائل : فقد حددته إذ أثبت وجوده (7)، قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): لم أحدّه ولكنّي أثبته (8) إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة.
قال له السائل: فله إنّيّة ومائية (9) ؟ قال : نعم لا يثبت الشيء إلّا بإنية ومائية.
قال له السائل : فله كيفية؟ قال : لا لأنَّ الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه فقد أنكره، ودفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الّذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لا بد من إثبات
ص: 139
أنَّ له كيفيّة (1) لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره.
قال السائل : فيعاني الأشياء. بنفسه (2)؟ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): هو أجلّ من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة لأنَّ ذلك صفة المخلوق الّذي لا تجيء الأشياء له إلّا بالمباشرة والمعالجة، وهو متعال نافذ الإرادة والمشيئة متعال نافذ الإرادة والمشيئة، فعّال لما يشاء.
7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسى، عمّن ذكره قال : سئل أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيجوز أن يقال: إن اللّه شيء؟ قال : نعم يخرجه من الحدين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه.
1 - عليّ بن محمّد، عمّن ذكره عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن حمران، عن الفضل بن السكن، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اعرفوا اللّه باللّه والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان
ومعنى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) : اعرفوا اللّه باللّه يعني أنَّ اللّه خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان؛ فالأعيان: الأبدان، والجواهر الأرواح، وهو جلَّ وعزَّ لا يشبه جسماً ولا روحاً، وليس لأحد في خلق الرُّوح الحسّاس الدراك أمرٌ ولا سبب، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام، فإذا نفى عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح، فقد عرف اللّه باللّه وإذا شبهه بالرُّوح أو البدن أو النور فلم يعرف اللّه باللّه
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا، عن علي ابن عُقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : سُئل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بم عرفت ربّك ؟ قال : بما عرفني نفسه، قيل : وكيف عرفك نفسه ؟ قال : لا تشبهه صورة ولا
ص: 140
يحسّ بالحواس ولا يقاس بالنّاس، قريب (1) في بعده (2)، بعيد (3) في قربه (4)، فوق كلّ شيء (5) ولا يقال شيء فوقه، أمام كلّ شيء ولا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ولكلّ شيء مبتدء.
3 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي ناظرت قوماً فقلت لهم : إِنَّ اللّه جل جلاله أجل وأعز وأكرم من أن يعرف بخلقه (6)، بل العباد يعرفون باللّه، فقال: رحمك اللّه
1 - محمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن الحسن العلوي ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمداني جميعاً، عن الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن أدنى المعرفة فقال : الإقرار بأنه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير، وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد، وأنه ليس كمثله شيء.
2 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن طاهر بن حاتم في حال استقامته (7) أنّه كتب إلى الرَّجل: ما الّذي لا يجتزء (8) في معرفة الخالق بدونه؟ فكتب إليه : لم يزل عالماً وسامعاً وبصيراً وهو الفعّال لما يريد. وسُئل أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الّذي لا يجتزء بدون ذلك من معرفة الخالق فقال : ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء، لم يزل عالماً سميعاً بصيراً.
٣ _ محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن عليّ بن يوسف بن بقاح عن سيف بن عميرة، عن إبراهيم بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يقول : إنَّ أمر اللّه كله
ص: 141
عجيب (1) إلّا أنّه قد احتج عليكم بما قد عرفكم من نفسه.
1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب(2) وعن غير واحد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من عبد اللّه بالتوهم فقد كفر (3) ومن عبد الاسم دون المعنى (4) فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى (5) فقد أشرك، ومن عبد المعنى بإيقاع (6) الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره.
وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حقاً.
وفي حديث آخر: أولئك هم المؤمنون حقاً.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أسماء اللّه واشتقاقها : اللّه ممّا هو مشتق ؟ قال : فقال لي : يا هشام اللّه مشتق من إله والإله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟ قال: فقلت: زدني، قال: إنَّ اللّه تسعة وتسعين اسماً، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلها، ولكنَّ اللّه معنى يُدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنّار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به (7) أعداءنا والمتّخذين مع اللّه جل وعزّ
ص: 142
غيره؟ قلت : نعم، قال : فقال : نفعك اللّه به وثبتك يا هشام ؛ قال هشام فواللّه ما قهرني أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا.
3 - عليّ بن إبراهيم عن العبّاس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتبت إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو قلت له : جعلني اللّه فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد (1)؟ قال : فقال : إن من عبد الاسم دون المسمّى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً، بل اعبد اللّه الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء، إنَّ الأسماء صفات وصف بها نفسه.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة قال : سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرني عن اللّه متى كان؟ فقال: متى لم يكن حتى أخبرك متى كان (2)، سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتّخذ صاحبة (3) ولا ولداً.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : جاء رجل إلى أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من وراء نهر بلخ فقال : إني أسألك عن مسألة (4) فإن أجبتني فيها بما عندي (5) قلت بإمامتك، فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل عما شئت. فقال : أخبرني عن ربّك متى كان؟ وكيف كان؟ وعلى أي شيء كان اعتماده (6)؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه تبارك وتعالى أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف وكان اعتماده على قدرته؛ فقام إليه الرَّجل فقبل رأسه وقال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه وأنّ علياً وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والقيم بعده بما قام به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأنّكم الأئمّة الصادقون وأنك الخلف من بعدهم.
ص: 143
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال : ويلك إنّما يقال لشيء لم يكن : متى كان، إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ولم يكن له كان ولا كان لكونه كون، كيف ولا كان له أين ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه مكاناً، ولا قوي بعد ما كوَّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً، ولا يشبه شيئاً مذكوراً، ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه؛ لم يزل حياً بلا حياة، وملكاً قادراً قبل أن ينشيء شيئاً، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف ولا له أين ولا له حد، ولا يعرف بشيء يشبهه، ولا يهرم لطول البقاء ولا يصعق (1) لشيء، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها، كان حيّاً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود، ولا أين موقوف عليه، ولا مكان جاور شيئاً، بل حي يُعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته، لا يحدُّ ولا يبعض ولا يفنى كان أوّلاً بلا كيف، ويكون آخراً بلا أين وكلُّ شيء هالك إلّا وجهه ؛ له الخلق والأمر (2) تبارك اللّه رب العالمين؛ ويلك أيّها السائل : إن ربي لا تغشاه الأوهام، ولا تنزل به الشبهات ولا يحار، ولا يجاوزه شيء، ولا تنزل به الأحداث، ولا يُسأل عن شيء، ولا يندم على شيء، ولا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه قال : اجتمعت اليهود - إلى رأس الجالوت (3) فقالوا له : إنَّ هذا الرَّجل عالم - يعنون أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فانطلق بنا إليه نسأله، فأتوه فقيل لهم : هو في القصر (4)، فانتظروه حتّى خرج، فقال له رأس الجالوت : جئناك نسألك فقال : سل يا يهودي عما بدا لك، فقال : أسألك عن ربّك متى كان؟ فقال : كان بلا كينونية كان بلا كيف، كان لم يزل بلا كم وبلا كيف كان ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل ولا غاية ولا منتهى انقطعت عنه الغاية وهو غاية كلّ غاية ؛ فقال رأس الجالوت : امضوا بنا فهو
ص: 144
أعلم ممّا يقال فيه.
٥ - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء حبر من الأحبار (1) إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربّك؟ فقال له : ثكلتك أمك ومتى لم يكن ؟ حتّى يقال : متى كان، كان ربي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ولا غاية ولا منتهى كلّ لغايته، انقطعت الغايات عنده فهو منتهى غاية فقال : يا أمير المؤمنين أفنبي أنت ؟ فقال : ويلك إنّما أنا عبد من عبيد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). وروي أنّه سئل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضاً؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أين سؤال عن مكان؟! وكان اللّه ولا مكان.
٦ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رأس الجالوت لليهود: إنَّ المسلمين يزعمون أنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أجدل (2) النّاس وأعلمهم، اذهبوا بنا إليه لعلّي أسأله عن مسألة وأخطئه فيها. فأتاه فقال : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة، قال : سَل عمّا شئت، قال : يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال له يا يهودي إنّما يقال متى كان لمن لم يكن، فكان متى كان هو كائن بلا كينونية، كائن كان بلا كيف يكون بلى يا يهودي ثمَّ بلى يا يهودي، كيف يكون له قبل ؟ ! هو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى غاية ولا غاية إليها، انقطعت الغايات عنده هو غاية كلّ غاية فقال : أشهد أنّ دينك الحقّ وأن ما خالفه باطل.
7 _ عليّ بن محمّد رفعه عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أكان اللّه ولا شيء؟ قال : نعم كان ولا شيء قلتُ: فأين كان يكون؟ قال: وكان متكئاً فاستوى جالساً وقال : أحلت (3) يا زرارة وسألت عن المكان إذ لا مكان.
8 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الوليد، عن ابن أبي نصر(4)، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أتى حبر من الأحبار أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربك ؟ قال : ويلك إنّما يقال : متى كان لما لم يكن، فأما ما كان فلا يقال : متى كان كان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ولا منتهى غاية لتنتهي غايته،
ص: 145
فقال له : أنبي أنت؟ فقال : لأمّك الهَبَل (1) إنّما أنا عبد من عبيد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اليهود سألوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقالوا : انسب (2) لتا ربِّك فلبث ثلاثاً (3) لا يجيبهم ثمَّ نزلت قل هو اللّه أحد إلى آخرها.
ورواه محمّد بن يحيى، عن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيوب.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ ومحمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حماد بن عمر والنصيبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألت أبا عبد اللّه عن هو قل اللّه أحد فقال : نسبة اللّه إلى خلقه أحداً صمداً أزليّاً صمديّاً لا ظلّ له يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلّتها، عارف بالمجهول معروف عند كلّ جاهل (4)، فرداني (5)، لا خلقه فيه ولا هو في خلقه، غیر محسوس (6) ولا مجسوس (7) لا تدركه الأبصار، علا فقرب ودنا فبعد، وعُصِيَ، فَغَفَرَ وأطيعَ فشكر، لا تحويه أرضه ولا تقله سماواته، حامل الأشياء بقدرته، ديمومي أزلي، لا ينسى ولا يلهو ولا يغلط ولا يلعب ولا لإرادته فصل (8) وفصله جزاء وأمره واقع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له له كفواً أحد.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد قال : قال : سئل عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن التوحيد فقال : إنَّ اللّه
ص: 146
عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون (1) فأنزل اللّه تعالى قل هو اللّه أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله : (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فمن رام وراء ذلك فقد هلك.
٤ - محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه عن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن التوحيد فقال : كلّ من قرأ قل هو اللّه أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد ؛ قلت: كيف يقرؤها؟ قال : كما يقرؤها الناس. وزاد فيه كذلك اللّه ربّي [كذلك اللّه ربّي].
١ - محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تكلّموا في خلق اللّه ولا تتكلموا في اللّه فإنَّ الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلّا تحيراً.
وفي رواية أخرى عن حريز تكلّموا في كلّ شيء ولا تتكلّموا في ذات اللّه.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (2)) فإذا انتهى الكلام إلى اللّه فأمسكوا.
3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا محمّد إن النّاس لا يزال بهم (3) المنطق حتّى يتكلموا في اللّه (4) فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلّا اللّه الواحد الّذي ليس كمثله شيء.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا زياد إيّاك والخصومات (5) فإنّها تورث الشكَ وتهبط العمل وتردي صاحبها. وعسى أن يتكلّم بالشيء فلا يغفر له. إنّه كان
ص: 147
فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به وطلبوا علم ما كفوه، حتّى انتهى كلامهم إلى اللّه فتحيّروا، حتّى أن كان الرَّجل ليُدعى من بين يديه فيجيب من خلفه ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه. وفي رواية أخرى: حتّى تاهوا في الأرض(1).
٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابه، عن الحسين ابن المياح عن أبيه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من نظر في اللّه كيف هو (2)؟ هلك (3).
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ ملكاً عظيم الشأن كان في مجلس له فتناول الرب تبارك وتعالى ففقد فما يدرى أين هو (4).
7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد محمّد بن خالد، عن محمّد بن عبد الحميد عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إيّاكم والتفكر في اللّه ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه.
8 - محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق أبرة لغطاه تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض، إن كنت صادقاً فهذه الشمس خَلْقُ من خَلْق اللّه فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول (5).
9 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ عن اليعقوبي(6)، عن بعض،
ص: 148
أصحابنا، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن يهودياً يقال له : سُبُحْت (1)، جاء إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا رسول اللّه ! جئت أسألك عن ربك، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه وإلا رجعت، قال: سل عما شئت، قال: أين ربك؟ قال : هو في كلّ مكان وليس في شيء من المكان المحدود. قال : وكيف هو ؟ قال : وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق واللّه لا يوصف بخلقه ؛ قال : فمن أين يعلم أنك نبي اللّه ؟ قال : فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلّا تكلم بلسان عربي مبين يا سُبحت إنّه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال سُبحت : ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا، ثمَّ قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنك رسول اللّه.
١٠ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن عبد الرحمن بن عُتيك (2) القصير قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن شيء من الصفة (3) فرفع يده إلى السماء ثمَّ قال تعالى الجبار، تعالى الجبّار من تعاطى ما ثمَّ هلك (4).
باب في إبطال الرؤية (5)
١ - محمّد بن أبي عبد اللّه عن عليّ بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا يوسف جلّ سيّدي ومولاي والمنعم عليَّ وعلى آبائي أن يُرى، قال : وسألته : هل رأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ربِّه؟ فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.
2 _ أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرَّة المحدّث (6) أن أدخله على أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام، حتّى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرَّة : إنا روّينا أنَّ اللّه
ص: 149
قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمّد الرؤية، فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فمن المبلغ عن اللّه إلى الثقلين من الجن والإنس : (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) (1). ولا يحيطون به علماً (2). (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (3)) أليس محمّد ؟ قال : بلى قال : كيف يجيىء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند اللّه، وأنه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه فيقول: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ولا يحيطون به علماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثمَّ يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر؟! أما تستحون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند اللّه بشيء ثمَّ يأتي بخلافه من وجه آخر؟! قال أبو قرة : فإنّه يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (4)) فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن بعد هذه الآية ما يدلُّ على ما رأى حيث قال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (5)) يقول : ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه، ثمَّ أخبر بما رأى فقال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (6)) فآيات اللّه غير اللّه وقد قال اللّه : (ولا يحيطون به) علماً فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة ؛ فقال أبو قرّة فتُكذِّب بالروايات؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذَّبتها. وما أجمع المسلمون عليه، أنّه لا يحاط به علماً ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء؟.
٣ - أحمد بن أدريس عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن سيف، عن محمّد بن عبيد قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن الرؤية وما ترويه العامّة والخاصّة، وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتب بخطه : اتفق الجميع لا تمانع (7) بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى اللّه بالعين وقعت المعرفة ضرورة. ثمَّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيماناً أو ليست بإيمان، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرُّؤية إيماناً، فالمعرفة التي في دار الدُّنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنّها ضدُّه، فلا يكون في الدُّنيا مؤمن لأنهم لم يروا اللّه عزَّ ذكره. وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول ولا تزول في المعاد (8) فهذا دليلٌ على أنَّ اللّه عزّ
ص: 150
وجل لا يرى بالعين، إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه.
٤ _ وعنه، عن أحمد بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه النّاس فكتب : لا تجوز الرؤية، ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية ؛ وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان ذلك التشبيه، لأنّ الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبيه قال : حضرت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له : يا أبا جعفر أي شيء تعبد ؟ قال : اللّه تعالى :قال رأيته ؟ قال : بل لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يُعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس ؛ موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه ؛ ذلك اللّه، لا إله إلّا هو ؛ قال : فخرج الرَّجل وهو يقول: «اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
٦ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاء جبر إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ قال : فقال : ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره ؛ قال : وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (1).
7 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن عاصم ابن
ص: 151
حميد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذاكرت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما يروون من الرؤية. فقال : الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملأوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.
8 - محمّد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لما أسري بي إلى السماء، بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه قط جبرئيل، فكشف له فأراه اللّه من نور عظمته ما أحبَّ
في قوله تعالى : (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) (1)
9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجران، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله : (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) قال : إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله : (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (2) ليس يعني بصر العيون. (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) ليس يعني من البصر بعينه. (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا)، ليس يعني عمى العيون، إنّما عنى إحاطة الوهم كما يقال : فلان بصير بالشعر وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب ؛ اللّه أعظم من أن يُرى بالعين.
10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي هاشم الجعفري(3)، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن اللّه هل يوصف؟ فقال : أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: أما تقرأ قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) ؟ قلت بلى قال فتعرفون الأبصار؟ قلت يلى قال ما هي؟ قلت: أبصار العيون فقال : إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون، فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام.
11 - محمّد بن أبي عبد اللّه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ فقال : يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي
ص: 152
لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟ !.
12 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه، عن هشام بن الحكم(1) قال: الأشياء [كلّها] لا تدرك إلّا بأمرين بالحواس والقلب والحواس إدراكها على ثلاثة معان: إدراكاً بالمداخلة (2) وإدراكاً بالمماسة (3) وإدراكاً بلا مداخلة ولا مماسة، فأما الإدراك الّذي بالمداخلة فالأصوات والمشام والطعوم. وأما الإدراك بالمماسة فمعرفة الأشكال من التربيع والتثليث ومعرفة اللين والخشن والحرّ والبرد، وأمّا الإدراك بلا مماسة ولا مداخلة فالبصر فإنّه يدرك الأشياء بلا مماسة ولا مداخلة في حيّز غيره ولا في حيّزه ؛ وإدراك البصر له سبيل وسبب، فسبيله الهواء، وسببه الضياء، فإذا كان السبيل متصلا بينه وبين المرئي والسبب قائم أدرك ما يلاقي من الألوان والأشخاص، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعاً فحكى ما وراءه، كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فإذا لم يكن له سبيل رجع راجعاً يحكي ما وراءه، وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعاً فيحكي ما وراءه إذ لا سبيل في إنفاذ بصره ؛ فأما القلب فإنّما سلطانه على الهواء، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهمه، فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجوداً رجع راجعاً فحكى ما في الهواء، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجوداً في الهواء من أمر التوحيد جلّ اللّه، وعزّ فإنه إن فعل ذلك لم يتوهم إلّا ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر. تعالى اللّه أن يشبهه خلقه.
1 - عليّ بن إبراهيم عن العبّاس بن معروف عن ابن أبي نجران عن حماد ابن عثمان، عن عبد الرحيم بن عتيك القصير قال : كتبت على يدي (4) عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنَّ قوماً بالعراق يصفون اللّه بالصورة وبالتخطيط، فإن رأيت _ جعلني اللّه فداك _ أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟ فكتب إليَّ : سألت رحمك اللّه عن التوحيد وما ذهب إليه من قِبَلَك، فتعالى اللّه الّذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى عما يصفه الواصفون المشبهون اللّه بخلقه المفترون على اللّه، فاعلم رحمك اللّه أنَّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات اللّه جل وعزَّ، فأنفِ عن اللّه تعالى
ص: 153
البطلان (1) والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه هو اللّه الثابت الموجود تعالى اللّه عما يصفه الواصفون، ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان.
2 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي حمزة قال : قال لي عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا حمزة إن اللّه لا يوصف بمحدودية، عظم ربُّنا عن الصفة، فكيف يوصف بمحدودية من لا يحد ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير؟
٣ - محمّد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد عن إبراهيم بن محمّد الخزاز ومحمّد بن الحسين قالا : دخلنا على أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحكينا له أن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رأى ربه في صورة الشاب الموفق (2) في سنّ أبناء ثلاثين سنة وقلنا : إن هشام بن سالم وصاحب (3) الطاق والميثمي (4) يقولون : إنّه أجوف (5) إلى السرَّة والبقيّة صمد (6)؟ فخر (7) ساجداً اللّه ثمَّ قال : سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك، اللّهمّ لا أصفك إلّا بما وصفت به نفسك ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكلّ خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين ؛ ثمَّ التفت إلينا فقال : ما توهمتم من شيء فتوهّموا اللّه غيره، ثمَّ قال : نحن آل محمّد النمط الأوسط (8) الّذي لا يدركنا الغالي (9) ولا يسبقنا التالي(10)، يا محمّد إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفّق وسنّ أبناء ثلاثين سنة. يا محمّد عَظُمَ ربّي عزّ وجلّ أن يكون في صفة المخلوقين ؛ قال قلت : جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة ؟ قال : ذاك محمّد كان إذا نظر
ص: 154
إلى ربِّه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتّى يستبين له ما في الحجب، إن نور اللّه منه أخضر ومنه أحمر ومنه أبيض ومنه غير ذلك. يا محمّد : ما شهد له الكتاب والسنة فنحن القائلون به.
٤ - عليّ بن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن بشر البرني قال: حدَّثني عباس بن عامر القصباني، قال : أخبرني هارون بن الجهم، عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لو اجتمع أهل السماء والأرض أن يصفوا اللّه بعظمته لم يقدروا.
5 - سهل(1)، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلى الرَّجل (عَلَيهِ السَّلَامُ)(2): أنَّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول : جسم، ومنهم من يقول: صورة (3)، فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخطه : سبحان من لا يحدّ ولا يوصف، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم - أو قال - البصير.
٦ - سهل، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم (4)، عن محمّد بن حكيم قال : كتب أبو الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي : أنَّ اللّه أعلا وأجلُّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفوا عمّا سوى ذلك.
7 - سهلٌ،، عن السندي بن الربيع، عن ابن أبي عمير عن حفص أخي مرازم، عن المفضّل قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن شيء من الصفة فقال: لا تجاوز ما في القرآن.
8 - سهل، عن محمّد بن عليّ القاساني قال : كتبت إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد قال : فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سبحان من لا يحد ولا يوصف، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
9 - سهل، عن بشر بن بشار النيسابوري قال: كتبت إلى الرَّجل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد فمنهم من يقول : [هو] جسم ومنهم من يقول [هو] صورةً، فكتب إليَّ : سبحان من لا يحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ص: 155
10 - سهل، قال : كتبت إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1) سنة خمس وخمسين ومأتين : قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد، منهم من يقول : هو جسم، ومنهم من يقول : هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلتَ متطوّلاً على عبدك، فوقع بخطه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سألت عن التوحيد وهذا(2) عنكم معزول (3)، اللّه واحد، أحد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالق ولميس بمخلوق يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
11 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان حماد عن بن عيسى عن ربعي ابن عبد اللّه عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه لا يوصف، وكيف يوصف؟ وقد قال في كتابه : (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (4) فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك.
12 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمّد بن سليمان، عن عليّ ابن إبراهيم، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إن اللّه عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون کنه (5) عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف؟! وهو الّذي كيف الكيف حتّى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين؟! وهو الّذي أين الأين حتّى صار أيناً فعرفت الأين بما أيّن لنا من الأين أم كيف أصفه بحيث؟! وهو الّذي حيّث الحيث حتّى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث فاللّه تبارك وتعالى داخل في كلّ مكان وخارج من كلّ شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ لا إله إلّا هو العلي العظيم وهو اللطيف الخبير.
ص: 156
1 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن عليّ بن أبي حمزة، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أنّ اللّه جسم صمدي نوري، معرفته ضرورة، يمن بها على من يشاء من خلقه، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلّا هو، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يُحَدُّ ولا يُحَسُّ ولا يُجَس ولا تُدْركه الأبصار ولا] الحواس، ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد.
2 - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد عن حمزة بن محمّد قال : كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن الجسم والصورة فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم ولا صورة؛ ورواه محمّد بن أبي عبد اللّه (1) إلّا أنّه لم يسمّ الرَّجل (2).
٣ - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن زيد قال : جئت إلى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن التوحيد فأملى علي : الحمد للّه فاطر (3) الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداعاً (4) بقدرته وحكمته، لا من شيء فيبطل الاختراع ولا لعلّة فلا يصحُ الابتداع خلق ما شاء كيف شاء، متوحداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلّت دونه الأبصار، وضلّ فيه تصاريف الصفات، احتجب بغیر حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور عُرِفَ بغير رؤية، ووُصِفَ بغير صورة، ونُعِتَ بغير جسم ؛ لا إله إلّا اللّه الكبير المتعال.
٤ - محمّد بن أبي عبد اللّه عمّن ذكره، عن عليّ بن العبّاس، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن حكيم قال : وصفت لأبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول هشام بن سالم الجواليقي، وحكيت له قول هشام بن الحكم إنّه جسم. فقال : إنَّ اللّه تعالى لا يشبهه شيء، أيُّ فحش أو
ص: 157
خنی (1) أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.
٥ - عليّ بن محمّد رفاعه عن محمّد بن الفرج الرُّخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عمّا قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة فكتب : دع عنك حيرة الحيران واستعذ باللّه من الشيطان ليس القول ما قال الهشامان.
6 - محمّد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح عن الحسن بن سعيد عن عبد اللّه بن المغيرة عن محمّد بن زياد قال: سمعت يونس بن ظبيان يقول : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : إن هشام بن الحكم يقول قولاً عظيماً، إلّا أنّي أختصر لك منه أحرفاً : فزعم أن اللّه جسم لأنّ الأشياء شيئان: جسم وفعل الجسم، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل. فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ويحه، أما علم أنّ الجسم محدود متناه والصورة محدودة متناهية، فإذا احتمل الحدّ احتمل الزيادة والنقصان وإذا احتمل الزّيادة والنقصان كان مخلوقاً. قال : قلت : فما أقول؟ قال : لا جسم ولا صورة وهو مجسم الأجسام ومصوّر الصور، لم يتجزء ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقص، لو كان كما يقولون، لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق، ولا بين المُنْشِىء والمُنْشَأ، لكن هو المنشىء فرَّق بين من جسمه وصوره وأنشأه، إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً.
7 - محمّد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن ابن عبد الرحمن الحماني قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن هشام بن الحكم زعم أن اللّه جسم ليس كمثله شيء (2)، عالم، سميع، بصير،،قادر، متكلّم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد ليس شيء منها مخلوقاً. فقال : قاتله اللّه أما علم الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ اللّه وأبرء إلى اللّه من هذا القول، لا هذا القول، لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكلُّ شيء سواه مخلوق، إنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام (3) ولا
ص: 158
تردُّد في نفس (1) ولا نطق بلسان.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن حكيم قال : وصفت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق، ووصفت له قول هشام بن الحكم. فقال : إن اللّه لا يشبهه شيء.
٣٤ - باب صفات الذات (2)
1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لم يزل اللّه عزّ وجلّ ربنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم، وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور، قال : قلت : فلم يزل اللّه متحركاً؟ قال : فقال : تعالى اللّه عن ذلك، إنَّ الحركة صفة محدثة بالفعل، قال : قلت : فلم يزل اللّه متكلّماً؟ قال: فقال : إِنَّ الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان اللّه عزّ وجلّ ولا متكلم.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : كان اللّه عزّ وجلّ ولا شيء غيره ولم يزل عالماً بما يكون فعلمه به قبل كونه، كعلمه به بعد کونه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن الكاهليّ، (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء : الحمد اللّه منتهى علمه. فكتب إليَّ : لا تقولن منتهى
ص: 159
علمه، فليس لعلمه منتهى ولكن قل : منتهى رضاه.
4 - محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله عن اللّه عزّ وجلّ : أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوَّنها، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق، وما كون عندما كوَّن؟ فوقع بخطه : لم يزل اللّه عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء.
٥ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن حمزة قال: كتبت إلى الرَّجل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله : أنَّ مواليك اختلفوا في العلم فقال بعضهم : لم يزل اللّه عالماً قبل فعل الأشياء، وقال بعضهم : لا نقول : لم يزل اللّه عالماً، لأنَّ معنى يعلم يفعل، فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً. فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه (1)؟ فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخطه : لم يزل اللّه عالماً تبارك وتعالى ذكره.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سُكَّرة، قال: قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك إن رأيت أن تعلّمني هل كان اللّه جل وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنّه وحده؟ فقد اختلف مواليك فقال بعضهم : قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئاً من خلقه، وقال بعضهم : إنّما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنّه لا غيره قبل فعل الأشياء فقالوا : إن أثبتنا أنّه لم يزل عالماً بأنه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته؟ فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره؟ فكتب :(عَلَيهِ السَّلَامُ) ما زال اللّه عالما تبارك وتعالى ذكره.
٣٥ - باب آخر وهو من الباب الأوّل (2)
1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن حماد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال في صفة القديم : إنّه واحد صمدٌ أحدي المعنى
ص: 160
ليس بمعاني كثيرة مختلفة (1)، قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغير الّذي يبصر ويبصر بغير الّذي يسمع (2)، قال : فقال : كذبوا وألحدوا وشبّهوا تعالى اللّه عن ذلك، إنّه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع (3)، قال: قلت: يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه (4)، قال فقال : تعالى اللّه إنّما يُعقل ما كان بصفة المخلوق وليس اللّه كذلك
2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن العبّاس بن عمرو عن هشام بن الحكم قال في حديث الزنديق الّذي سأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّه قال له : أتقول : إنّه سميع بصير؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي : إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذا كنت سائلاً فأقول يسمع بكلّه، لا أنَّ كلّه له بعض، لأنَّ الكل لنا [له] بعض، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك كله إلّا أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى.
٣٦ - باب الإرادة إنّها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل (5)
1 - محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن عيسى الأشعريّ عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت : لم يزل اللّه مريداً؟ قال : إنَّ المريد لا يكون إلّا لمراد معه (6)، لم يزل [الله] عالماً قادراً ثمَّ أراد.
2 - محمّد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن بكير بن أعين قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علم اللّه ومشيئته هما مختلفان أو متفقان ؟ فقال : العلم ليس هو المشيئة، ألا ترى
ص: 161
أنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء اللّه ولا تقول : سأفعل كذا إن علم اللّه. فقولك إن شاء اللّه دليل على أنّه لم يشأ، فإذا شاء كان الّذي كما شاء، وعلم اللّه السابق للمشيئة.
3 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني عن الإرادة من اللّه ومن الخلق ؟ قال : فقال : الإرادة من الخلق الضمير (1) وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من اللّه تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك لأنّه لا يروّي (2) ولا يهم ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة اللّه الفعل؛ لا غير ذلك. يقول له : كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكر ولا كيف لذلك، كما أنّه لا كيف له.
٤ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خلق اللّه المشيئة بنفسها ثمَّ خلق الأشياء بالمشيئة (3).
٥ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن محمّد بن عيسى، عن المشرقي حمزة بن المرتفع عن بعض أصحابنا قال: كنت في مجلس أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له : جعلت فداك قول اللّه تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) (4) ما ذلك الغضب (5)؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو العقاب (6). يا عمرو إنّه من زعم أنَّ اللّه قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق وإنّ اللّه تعالى لا يستفزه (7) شيء فيغيره.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمرو، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الّذي سأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكان من سؤاله أن قال له : فله رضا وسخط؟ فقال أبو عبد
ص: 162
(عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أنَّ الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال؛ لأنَّ المخلوق أجوفٌ معتمل (1) مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنّه واحد واحديُّ الذات واحدي المعنى، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، لأنَّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.
7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: المشيئة محدثة.
جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل
إنَّ (2) كلّ شيئين (3) وصفت اللّه بهما وكانا جميعاً في الوجود فذلك صفة فعل؛ وتفسير هذه الجملة : أنّك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد وما يرضاه وما يسخطه وما يحبُّ وما يبغض، فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضاً لتلك الصفة، ولو كان ما يحبُّ من صفات الذات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة، ألا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الأزلي لسنا نصفه بقدرة وعجز، وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطأ وعزّ وذلّة. ويجوز أن يقال : يحبُّ من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه، وإنّه يرضى ويسخط، ويقال في الدعاء : اللّهمّ أرض عنّي ولا تسخط علي، وتولّني ولا تعادني. ولا يجوز أن يقال : يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم ويقدر أن يملك ولا يقدر أن لا يملك، ويقدر أن يكون عزيزاً حكيماً ولا يقدر أن لا يكون عزيزاً حكيماً، ويقدر أن يكون جواداً ولا يقدر أن لا يكون جواداً، ويقدر أن يكون غفوراً ولا يقدر أن لا يكون غفوراً، ولا يجوز أيضاً أن يقال : أراد أن يكون رباً وقديماً وعزيزاً وحكيماً ومالكاً وعالماً
ص: 163
وقادراً لأنَّ هذه من ضفات الذات والإرادة من صفات الفعل ألا ترى أنّه يقال : أراد هذا ولم يرد.هذا وصفات الذات تنفى عنه بكلّ صفة منها ضدّها، يقال : حي وعالم وسميع وبصير وعزيز وحكيمٌ، غني، ملكُ حليم عدل كريم فالعلم ضده الجهل والقدرة ضدها العجز والحياة ضدُّها الموت والعزَّة ضدُّها الذلّة والحكمة ضدُّها الخطأ وضدُّ الحلم العجلة والجهل، وضدّ العدل الجور والظلم.
37 - باب حدوث الأسماء (1)
1 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف غير متصوّت (2)، وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسّد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الأقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حسُّ كلّ متوهم مستتر غیر مستور (3) فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحدٌ قبل الآخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها، وحجب منها واحداً وهو الاسم المكنون المخزون، فهذه الأسماء التي ظهرت والظاهر هو اللّه تبارك وتعالى، وسخر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركناً، ثمَّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إليها فهو الرَّحمن الرحيم، الملك القدوس (4)، الخالق البارىء، المصوّر، الحي القيوم لا تأخذه سِنَةٌ (5) ولا نوم، العليم الخبير السميع البصير الحكيم، العزيز، الجبار، المتكبر، العلي العظيم المقتدر القادر السلام، المؤمن (6)، المهيمن [البارىء]، المنشىء، البديع الرّفيع، الجليل الكريم الرازق المحيي المميت، الباعث، الوارث، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتم ثلاث مائة وستين اسماً فهي نسبة لهذه الأسماء
ص: 164
الثلاثة، وهذه الأسماء الثلاثة أركان (1)، وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة وذلك قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (2).
2 - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد اللّه عن محمّد بن عبد اللّه وموسى بن عمر ؛ والحسن بن عليّ بن عثمان، عن ابن سنان (3) قال: سألت أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل كان اللّه عزّ وجلّ عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : نعم، قلت: يراها ويسمعها؟ قال : ما كان محتاجاً إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنّه (4) إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأوّل ما اختار لنفسه العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها، فمعناه اللّه واسمه العلي العظيم، هو أوّل أسمائه علا على كلّ شيء.
٣- وبهذا الإسناد عن محمّد بن سنان قال: سألته (5) عن الاسم ما هو ؟ قال : صفة لموصوف (6).
٤ - محمّد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح، عن عليّ بن صالح، عن الحسن بن محمّد بن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اسم اللّه غيره، وكل شيء رقع عليه اسم شيء (7) فهو مخلوق ما خلا اللّه. فأما ما عبرته الألسن، أو عملت الأيدي، فهو مخلوق، واللّه غاية من غاياته(8) والمغى غير الغاية، والغاية موصوفة وكلّ موصوف مصنوع، وصانع الأشياء غير موصوف بحدّ مسمّى، لم يتكون فيعرف كينونيته بصنع غيره، ولم يتناه إلى غاية إلّا كانت غيره، لا يزلُّ (9) من فهم هذا
ص: 165
الحكم أبداً، وهو التوحيد الخالص، فارعوه وصدّقوه وتفهموه بإذن اللّه من زعم أنّه يعرف اللّه بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك، لأنَّ حجابه ومثاله وصورته غيره، وإنما هو واحد متوحد، فكيف يوحده من زعم أنّه عرفه بغيره، وإنما عرف اللّه من عرفه باللّه، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنّما يعرف غيره، ليس بين الخالق والمخلوق شيء، واللّه خالق الأشياء لا من شيء كان واللّه يسمّى بأسمائه، وهو غير أسمائه والأسماء غيره (1).
38 - باب معاني الأسماء واشتقاقها(2)
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ؛ عن القاسم بن يحيى ؛ عن جده - الحسن بن راشد عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن تفسير (3) بسم اللّه الرحمن الرحيم قال : الباء بهاء اللّه، والسين سناء اللّه، والميم مجد اللّه. وروى بعضهم : الميم ملك اللّه، واللّه إله كلّ شيء (4)، الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصّة.
2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أسماء اللّه واشتقاقها : اللّه ممّا هو مشتق ؟ فقال : يا هشام : اللّه مشتق من إله وإله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟! قال : قلت : زدني. قال : اللّه تسعة وتسعون اسماً فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلها، ولكنَّ اللّه معنى يُدلُّ عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام : الخبز اسم للمأكول، والماء اسمٌ للمشروب والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع اللّه عزّ وجلّ غيره؟ قلت: نعم، فقال: نفعل اللّه [به] وثبتك يا هشام قال : فواللّه ما قهرني أحدٌ في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا (5).
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه
ص: 166
الحسن بن راشد عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سئل عن معنى اللّه فقال : استولى على ما دقّ وجلَّ(1).
٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد، عن العبّاس بن هلال قال : سألت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (2) فقال : هاد لأهل السماء، وهاد لأهل الأرض، وفي رواية البرقي : هدى من في السماء وهدى من في الأرض.
٥ _ أحمد بن إدريس، عن محمّد بن الجبّار عن صفوان بن يحيى عن فضيل ابن عثمان عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (هو الأوّل والآخر) (3) وقلت : أما الأوّل فقد عرفناه، وأما الآخر فبين لنا تفسيره. فقال : إنّه ليس شيء إلّا يبيد (4) أو يتغيّر، أو يدخله التغيّر والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة إلّا رب العالمين، فإنّه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة هو الأوّل قبل كلّ شيء، وهو الآخر على ما لم يزل، ولا تختلف عليه الصفات والأسماء كما تختلف على غيره، مثل الإنسان الّذي يكون تراباً مرَّة، ومرة لحماً ودماً، ومرَّة رفاتاً(5) ورميماً (6)، وكالبُسر الّذي يكون مرَّة بلحاً، ومرَّة بسراً، ومرة رطباً، ومرة تمراً (7)، فتتبدل عليه الأسماء والصفات واللّه جل وعزّ بخلاف ذلك.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة (8)، عن محمّد ابن حكيم، عن ميمون البان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد سئل عن الأوّل والآخر» فقال :
ص: 167
الأوّل لا عن أوّل،قبله ولا عن بدء سبقه والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ولكن قديم، أوَّلٌ آخر، لم يزل ولا يزول، بلا بدء ولا نهاية، لا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال إلى حال، خالق كلّ شيء.
7 - محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه إلى أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسأله رجل فقال : أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه؟ وأسماؤه وصفاته هي هو؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ لهذا الكلام وجهين إن كنت تقول: هي هو أي أنّه ذو عدد وكثرة، فتعالى اللّه عن ذلك. وإن كنت تقول : هذه الصفات والأسماء لم تزل، فإن لم تزل محتمل معنيين، فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها، فنعم، وإن كنت تقول : لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ اللّه أن يكون معه شيء غيره، بل كان اللّه ولا خلق ثمَّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه، يتضرعون بها إليه ويعبدونه، وهي ذكره وكان اللّه ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو اللّه القديم الّذي لم يزل. والأسماء والصفت مخلوقات والمعاني والمعني بها هو اللّه الّذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف، وإنما يختلف ويأتلف المتجزىء، فلا يقال : اللّه مؤتلف، ولا اللّه قليل ولا كثير، ولكنه القديم في ذاته، لأن ما سوى الواحد متجزىء، واللّه واحد لا متجزىء، ولا متوهم بالقلة والكثرة، وكل متجزىء أو متوهّم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له فقولك : إنّ اللّه قدير، خبرت أنّه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه ؛ وكذلك قولك : عالم، إنّما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه، وإذا أفنى اللّه الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ولا يزال من لم يزل عالماً.
فقال الرَّجل : فكيف سمينا ربنا سميعاً؟ فقال : لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيراً لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار، من لون أو شخص أو غير ذلك، ولم نصفه ببصر لحظة العين، وكذلك سميناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك، وموضع النشوء منها، والعقل والشهوة (1) للسفاد والحَدَب على نسلها (2)، وإقام (3) بعضها على بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في
ص: 168
الجبال والمفاوز (1) والأودية والقفار (2)، فعلمنا أنَّ خالقها لطيف بلا كيف وإنما الكيفية للمخلوق المكيف ؛ وكذلك سمينا ربنا قوياً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان وما كان ناقصاً كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزاً؛ فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ولا ند (3) ولا كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر ؛ ومحرَّم على القلوب أن تُمثله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الضمائر أن تكوّنه، جلَّ وعزَّ عن أدات(4) خلقه وسمات (5) بريته وتعالى عن ذلك علوا كبيراً.
8 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رجل عنده : اللّه أكبر، فقال: اللّه أكبر من أي شيء؟ فقال : من كلّ شيء فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدَّدته (6) فقال الرَّجل : كيف أقول؟ قال: قل: اللّه أكبر من أن يوصف.
9 - ورواه محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن مروك بن عبيد، عن جميع بن عمير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي شيء اللّه أكبر ؟ فقلت : اللّه أكبر من كلّ شيء. فقال: وكان ثمَّ شيء فيكون أكبر منه ؟ فقلت : وما هو ؟ قال : اللّه أكبر من أن يوصف
١٠ - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس، عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن سبحان اللّه فقال : أنفة [أ] اللّه (7).
١١ _ أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن عليّ بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقي قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : «سبحان اللّه»ما يعني به؟ قال تنزيهه.
ص: 169
12 - عليّ بن محمّد ؛ ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن أبي هاشم الجعفري قال : سألت أبا جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما معنى الواحد ؟ فقال : إجماع الألسن عليه بالوحدانية (1) كقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (2).
39 - باب آخر وهو من الباب الأوّل (3)إلا أن فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء اللّه وأسماء المخلوقين
1 - عليّ بن إبراهيم عن المختار بن محمّد بن المختار الهمداني ؛ ومحمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن الحسن العلوي جميعاً عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4) قال : سمعته يقول : وهو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق ولا المنشىء من المنشأ (5)، لكنّه المنشىء، فرَّق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً، قلت: أجل جعلني اللّه فداك لكنك قلت : الأحد الصمد وقلت : لا يشبهه شيء، واللّه واحدٌ والإنسان واحدٌ أليس قد تشابهت الوحدانيّة؟ قال : يا فتح أحَلْتَ (6) ثبتك اللّه إنّما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي واحدة وهي دالة على المسمّى، وذلك أنَّ الإنسان وإن قيل واحدٌ فإنه يخبر أنّه جثّة واحدة وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد
ص: 170
لأنَّ أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة وَمَنْ ألوانه مختلفة غيرُ واحد وهو أجزاء مجزاة، ليست بسواء، دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد في الاسم ولا واحد في المعنى، واللّه جلّ جلاله هو واحدٌ لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى، غير أنّه بالاجتماع شيء واحد(1) قلت: جعلت فداك فرجت عنّي فرج اللّه عنك فقولك : اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت الواحد فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل (2). غير أنّي أحبُّ أن تشرح ذلك لي،، فقال : يا فتح إنّما قلنا : اللطيف للخلق اللطيف [و] لعلمه بالشيء اللطيف، أو لا ترى وفقك اللّه وثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف، ومن الخلق اللطيف ومن الحيوان الصغار ومن البعوض والجرجس (3) وما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكرُ من الأنثى، والحدثُ المولود من القديم، فلما رأينا صغير ذلك في لطفه واهتداءه للسفاد والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه، وما في لحج البحار وما في لحاء الأشجار (4) والمفاوز والقفار وإفهام بعضها عن بعض منطقها (5) وما يفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثمَّ تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة، وأنه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها (6) لا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سميناه، بلا علاج ولا أداة ولا آلة وأنَّ كلّ صانع شيء فمن شيء صنع واللّه الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء.
2 (7) - عليّ بن محمّد مرسلاً عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال : إعلم علمك اللّه الخير أنَّ اللّه تبارك وتعالى قديم، والقدم صفته التي دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامّة معجزة الصفة (8) أنّه لا شيء قبل اللّه ولا شيء مع اللّه
ص: 171
في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً له لأنه لم يزل معه، فكيف يكون خالقاً لم لم يزل معه. ولو كان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشيء لا هذا، وكان الأوّل أولى بأن يكون خالقاً للأوَّل. ثمَّ وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء، دعا الخلق إذ خلقهم وتعبّدهم وابتلاهم إلى يأن يدعوه بها فسمّى نفسه سميعاً بصيراً قادراً قائماً، ناطقاً، ظاهراً، باطناً لطيفاً، خبيراً، قوياً، عزيزاً، حكيماً، عليماً وما أشبه هذه الأسماء، فلما رأى ذلك من أسمائه القالون (1) المكذبون، وقد سمعونا نحدّث عن اللّه أنّه لا شيء مثله ولا شيء من الخلق في حاله قالوا : أخبرونا - إذا زعمتم أنّه لا مثل اللّه ولا شبه له - كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسمّيتم بجميعها؟ فإنَّ في ذلك دليلاً على أنّكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض، إذ جمعتم الأسماء الطيّبة (2)؟
قيل (3) لهم : إنَّ اللّه تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين. والدليل على ذلك قول النّاس الجائز عندهم الشائع، وهو الّذي خاطب اللّه به الخلق فكلّمهم بما يعقلون، ليكون عليهم حجّة في تضييع ما ضيعوا (4). فقد يقال للرَّجل : كلب وحمار وثور وسكّرة وعلقمة وأسد، كلّ ذلك على خلافه وحالاته، لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليه، لأنَّ الإنسان ليس بأسد ولا كلب. فافهم ذلك رحمك اللّه.
وإنما سمّي اللّه تعالى بالعلم (5) بغير علم حادث علم به الأشياء، استعان به على حفظ ما يستقبل من امره، والروية فيما يخلق من خلقه، ويفسد ما مضى ممّا أفنى من خلقه ممّا لو لم يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلاً ضعيفاً، كما أنا لو رأينا علماء الخلق إنّما سمّوا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا فيه جهلة، وربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل، وإنما سمي اللّه عالماً لأنه لا يجهل شيئاً، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم واختلف المعنى على ما رأيت.
وسمّي ربنا سميعاً لا بِخُرْتٍ (6) فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به، كما أنّ خَرْتَنا الّذي به
ص: 172
نسمع لا نقوى به على البصر، ولكنه أخبر أنّه لا يخفى عليه شيء من الأصوات، ليس على حدّ ما سمينا نحن فقد جمعنا الاسم بالسمع واختلف المعنى.
وهكذا البصر لا بِخَرْتٍ منه أبصر، كما أنا نبصر بخرت منا لا ننتفع به في غيره، ولكنَّ اللّه بصير لا يحتمل شخصاً منظوراً إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كَبَد (1)، كما قامت الأشياء ولكن قائم يخبر أنّه حافظ كقول الرَّجل : القائم بأمرنا فلان، واللّه هو القائم على كلّ نفس بما كسبت، والقائم أيضاً في كلام النّاس : الباقي. والقائم أيضاً يخبر عن الكفاية كقولك للرجل : قم بأمر بني فلان أي اكفهم والقائم منا قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم ولم نجمع المعنى.
وأمّا اللطيف فليس على قلة وقَضَافة (2) وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء والامتناع من أن يدرك كقولك للرّجل : لطف عنّي هذا الأمر، ولطف فلان في مذهبه. وقوله : يخبرك أنّه غمض فيه العقل (3) وفات الطلب وعاد متعمّقاً متلطفاً لا يُدركه الوهم، فكذلك لطف اللّه تبارك وتعالى أن يُدرك بحد أو يُحدَّ بوصف واللطافة منا الصغر والقلّة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأما الخبير فالّذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته، ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء، فعند التجربة والاعتبار علمان ولولاهما ما علم، لأن من كان كذلك كان جاهلا واللّه لم يزل خبير بما يخلق والخبير من النّاس المستخبر عن جهل المتعلّم، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتستم لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرَّجل : ظهرت على أعدائي وأظهرني اللّه على خصمي، يخبر عن الفَلَج والغلبة، فهكذا ظهور اللّه على الأشياء. ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء، وأنّه مدبّر لكلّ ما برأ فأي ظاهر أظهر وأوضح من اللّه تبارك وتعالى، لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحدّه، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها، ولكن ذلك منه على
ص: 173
استبطانه للأشياء علماً وحفظاً وتدبيراً، كقول القائل أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره، والباطن منا الغائب في الشيء المستتر، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأما القاهر، فليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضاً، والمقهور منهم يعود قاهراً، والقاهر يعود مقهوراً، ولكن ذلك من اللّه تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله، وقلّة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون والقاهر منا على ما ذكرت ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ؛ وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نستجمعها كلّها، فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك واللّه عونك وعوننا في إرشادنا وتوفيقنا.
٤٠ - باب تأويل (1) الصمد
1 - عليّ بن محمّد ؛ ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ): جعلت فداك ما الصمد ؟ قال : السيّد المصمود إليه (2) في القليل والكثير.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن يونس ابن عبد الرحمن، عن الحسن بن السري عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن شيء من التوحيد فقال: إنَّ اللّه تباركت (3) أسماؤه التي يُدعى بها وتعالى في علو كنهه واحد توحد بالتوحيد في توحده (4)، ثمَّ أجراه على خلقه، فهو واحد، صمد، قدوس، يعبده كلّ شيء ويصمد إليه كلّ شيء ووسع كلّ شيء علماً.
فهذا هو المعنى الصحيح (5) في تأويل الصمد لا ما ذهب إليه المشبهة : أنَّ تأويل الصمد : المصمت الّذي لا جوف له، لأن ذلك لا يكون إلّا من صفة الجسم واللّه جل ذكره متعال عن ذلك، هو أعظم وأجلّ من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته. ولو كان تأويل الصمد في صفة اللّه عزّ وجلّ المصمت لكان مخالفاً لقوله عزّ وجلّ : ليس كمثله
ص: 174
شيء). لأنَّ ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها، مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.
فأما ما جاء في الأخبار من ذلك (1) فالعالم (2) (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعلم بما قال، وهذا الّذي قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ الصمد هو السيّد المصمود إليه هو معنى صحيح موافق لقول اللّه عزّ وجلّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). والمصمود إليه : المقصود في اللغة. قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من شعره:
وبالجمرة القصوى (3) إذا صمدوا له***يؤمون رضخاً(4) رأسها بالجنادل(5)
يعني قصدوا نحوها يرمونها بالجنادل : يعني الحصا الصغار التي تسمّى بالجمار وقال بعض شعراء الجاهلية [شعراً]:
ما كنت أحسب أن بيتاً ظاهراً***لله في أكناف مكّة يُصمد
يعني يُقصد.
وقال ابن :الزبرقان ولا رهيبة إلّا سيد صمد.
وقال شدّاد بن معاوية في حذيفة بن بدر :
علوته بحسام ثمَّ قلت له***خذها حذيف فأنت السيّد الصمد
ومثل هذا كثير. واللّه عزّ وجلّ هو السيّد الصمد الّذي جميع الخلق من الجن والإنس إليه يصمدون في الحوائج وإليه يلجأون عند الشدائد ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء، ليدفع عنهم الشدائد.
قال : ذكر عنده قوم يزعمون أنَّ اللّه تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدُّنيا، فقال: إنَّ اللّه لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل إنّما منظره (1) في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد (2)، ولم يحتج إلى شيء بل يُحتاج إليه، وهو ذو الطول لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، أما قول الواصفين : إنّه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك (3) من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فمن ظنَّ باللّه الظنون هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حدّ تحدُّونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرك، أو زوال أو استنزال، أو نهوض أو قعود فإن اللّه جل وعزَّ عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهّمين؛ وتوكل على العزيز الرحيم الّذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
- وعنه رفعه عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا أقول : إنّه قائم(4) فأزيله عن مكانه، ولا أحده بمكان يكون فيه، ولا أحدُّه أن يتحرك في شيء من الأركان والجوارح، ولا أحدُّه بلفظ شقّ فم (5)، ولكن كما قال [ اللّه ] تبارك وتعالى : كن فيكون بمشيئته من غير تردد في نَفْس، صمداً فرداً، لم يحتج إلى شريك يذكر له ملكه، ولا يفتح له أبواب علمه.
٣ - وعنه، عن محمّد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن إسماعيل، عن داود بن عبد اللّه عن عمرو بن محمّد عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بعض ما كان يحاوره: ذكرت اللّه فأحلت على غائب، فقال أبو عبد اللّه : ويلك كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد (6)، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم ؟ فقال ابن أبي العوجاء : أهو في كلّ مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما وصفت المخلوق الّذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مکان؟ وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الّذي صار إليه ما يحدث في المكان الّذي كان فيه، فأما اللّه العظيم الشأن الملك الديان فلا
ص: 176
يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان (1).
٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلني اللّه فداك يا سيدي قد روي لنا: أنَّ اللّه في موضع دون موضع على العرش استوى، وأنه ينزل كلّ ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، وروي : أنّه ينزل عشيّة عرفة ثمَّ يرجع إلى موضعه، فقال بعض مواليك في ذلك : إذا كان في موضع دون موضع، فقد يلاقيه الهواء ويتكنف (2) عليه والهواء جسم رقيق يتكنف على كلّ شيء بقدره (3)، فكيف يتكنّف عليه جلَّ ثناؤه على هذا المثال؟ فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علم ذلك عنده، وهو المقدّر له بما أحسن تقديراً، واعلم أنّه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش، والأشياء كلّها له سواء؛ علماً وقدرة وملكاً وإحاطة.
وعنه، عن محمّد بن جعفر الكوفيّ، عن محمّد بن عيسى مثله.
في قوله تعالى : (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ (4))
5 _ عنه، عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ) فقال : هو واحد واحديُّ الذات، بائن من خلقه (5)، وبذاك وصف نفسه، (وهو ِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (6) بالإشراف والإحاطة والقدرة (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ) (7) بالإحاطة والعلم لا بالذات، لأن الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها (8) الحواية.
ص: 177
في قوله : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (1)).
٦ - عليّ بن محمّد ؛ ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن [موسى] الخشاب عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سئل عن قول اللّه عزّ وجلّ : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فقال استوى على كلّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء.
7 _ وبهذا الإسناد، عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن مارد أنَّ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سُئِلَ عن قول اللّه عزّ وجلّ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فقال : استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء.
8 _ وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج :قال سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فقال : استوى في كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى في كلّ شيء.
9 - وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من زعم أَنَّ اللّه من شيء، أو في شيء أو على شيء فقد كفر :قلت فسّر لي؟ قال : أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.
وفي رواية أخرى: من زعم أن اللّه من شيء فقد جعله محدثاً(2)، ومن زعم أنّه في شيء فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنّه على شيء فقد جعله محمولاً (3).
في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ (4))
10 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم قال : قال أبو
ص: 178
شاكر الدَّيصاني : إنَّ في القرآن آية هي قولنا (1)، قلت : ما هي؟ فقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فلم أدر بما أجيبه، فحججت فخبرت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : هذا كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول فلان فقل له: ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول : فلان، فقل، كذلك اللّه ربّنا في السماء إله، وفي الأرض إله، وفي البحار إله، وفي القفار إله، وفي كلّ مكان إله. قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال : هذه نقلت من الحجاز (2).
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي رفعه، قال: سأل الجائليق (3) أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرني عن اللّه عزّ وجلّ يحمل العرش أم العرش يحمله؟ فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه عزّ وجلّ حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (4)) قال : فأخبرني عن قوله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) (5) فكيف قال ذلك ؟ وقلت: إنّه يحمل العرش والسماوات والأرض؟ فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ العرش خلقه اللّه تعالى من أنوار أربعة : نور أحمر منه احمرت الحمرة. ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه [ابيض] البياض. وهو العلم الّذي حمّله اللّه الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى مَنْ في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة فكل محمول يحمله اللّه بنوره وعظمته وقدرته، لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فكلُّ شيء محمول واللّه تبارك وتعالى الممسك لهما (6) أن تزولا والمحيط بهما (7) من شيء وهو حياة كلّ
ص: 179
شيء ونور كلّ شيء، سبحانه وتعالى عما يقولون علوّاً كبيراً.
قال له : فأخبرني عن اللّه عزّ وجلّ أين هو ؟ فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو ههنا وههنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله : (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا). فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السر وأخفى، وذلك قوله تعالى : ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(1). فالّذين يحملون العرش هم العلماء الّذين حمّلهم اللّه علمه، وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلق خلق اللّه في ملكوته الّذي أراه اللّه أصفياءه وأراه خليله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (2)). وكيف (3) يحمل حملة العرش اللّه وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته (4)؟!.
١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثمَّ قال له : أفتقر أن اللّه محمول ؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : کل محمول مفعول به مضاف إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ (5) والحامل فاعل وهو في اللّفظ مدحة. وكذلك قول القائل : فوق وتحت وأعلا وأسفل وقد قال اللّه : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (6). ولم يقل في كتبه ؛ إنّه المحمول بل قال : إنّه الحامل في البر والبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوى اللّه. ولم يسمع أحد آمن باللّه وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول ؛ قال أبو قرّة فإنّه قال : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) وقال: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ). فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العرش ليس هو اللّه والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كلّ شيء. ثمَّ أضاف الحمل إلى غيره : خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه وهم حملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده ؟ واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته واللّه على العرش استوى كما
ص: 180
قال (1)، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش واللّه الحامل لهم الحافظ لهم، الممسك القائم على كلّ نفس وفوق كلّ شيء وعلى كلّ شيء، ولا يقال : محمول ولا أسفل قولاً مفرداً لا يوصل بشيء (2) فيفسد اللفظ والمعنى (3) ؛ قال أبو قرة : فتكذب بالرواية التي جاءت أنَّ اللّه إذا غضب إنّما يعرف غضبه أنّ الملائكة الّذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرّون سُجّداً، فإذا ذهب الغضب خفَّ ورجعوا إلى مواقفهم ؟ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني عن اللّه تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه، فمتى رضي ؟ وهو في صفتك (4) لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه كيف تجترىء أن تصف ربّك بالتغيير من حال إلى حال، وأنه يجري ما يجري على المخلوقين؟! سبحانه وتعالى، لم يزل مع الزائلين، ولم يتغير مع المتغيّرين، ولم يتبدَّل مع المتبدلين، وَمَنْ دونه في يده وتدبيره، وكلّهم إليه محتاج وهو غني عمّن سواه.
١- محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي ابن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه جل وعزّ : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ). فقال : يا فضيل كلّ شيء في الكرسي، السماوات والأرض وكلّ شيء في الكرسي.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحجّال عن ثعلبة [بن میمون] عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه جل وعزّ :(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) السماوات والأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش، وكل شيء وسع الكرسي.
5 - محمّد بن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ وسع كرسيه السماوات والأرض السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي
ص: 181
وسع السماوات والأرض؟ فقال: إنّ كلّ شيء في الكرسي (1).
٦ - محمّد [بن يحيى]، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : حملة العرش - والعرش العلم - ثمانية : أربعة منا وأربعة ممّن شاء (2) اللّه.
7 - محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير، عن داود الرقي قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : وكان عرشه على الماء (3) فقال ما يقولون؟ قلت : يقولون : إنَّ العرش كان على الماء والربُّ فوقه، فقال: كذبوا من زعم هذا فقد صيّر اللّه محمولاً، ووصفه بصفة المخلوق، ولزمه أنّ الشيء الّذي يحمله أقوى منه، قلت : بين لي جعلت فداك ؟ فقال : إنَّ اللّه حمّل دينه وعلمه الماء قبل (4) أن يكون أرض أو سماء أو جنُّ أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد اللّه أن يخلق الخلق نثرهم (5) بين يديه فقال لهم : من ربِّكم ؟ فأوَّل من نطق : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة صلوات اللّه عليهم فقالوا :
ص: 182
أنت ربنا، فحمّلهم العلم والدين، ثمَّ قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثمَّ قال لبني آدم أقروا اللّه بالربوبية ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة، فقالوا : نعم ربنا أقررنا، فقال اللّه للملائكة : اشهدوا فقالت الملائكة شهدنا، على أن لا يقولوا غداً : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (1) یا داود (2) : ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.
٤٣ - باب الروح (3)
1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن ابن - أذينة، عن الأحول قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرُّوح التي في آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قوله : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي (4)) ؟ قال : هذه روح مخلوقة والرُّوح التي في عيسى مخلوقة.
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال(5)، عن ثعلبة (6)، عن حمران (7) قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿وروح منه قال : هي روح اللّه مخلوقة خلقها اللّه في آدم وعيسى.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) كيف هذا النفخ ؟ فقال : إِنَّ الرُّوح متحرك كالريح، وإنما سمّي روحاً لأنه اشتقَّ اسمه من الريح، وإنّما أخرجه عن لفظة الريح، لأن الأرواح مجانسة الريح، وإنّما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح، كما قال لبيت من البيوت :
ص: 183
بيتي، ولرسول من الرُّسل : خليلي، وأشباه ذلك، وكلُّ مخلوق مصنوع محدثٌ مربوب مدبَّر
4 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن عبد اللّه بن بحر، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمّا يروون أنَّ اللّه خلق آدم على صورته، فقال هي : صورة محدثة مخلوقة، واصطفاها اللّه واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه، كما أضاف الكعبة إلى نفسه، والروح إلى نفسه، فقال: «بيتي» (1)، «ونفخت فيه من روحي».
1 - محمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن يحيى جميعاً رفعاه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) استنهض (2) النّاس في حرب معاوية في المرة الثانية، فلما حَشَد النّاس (3) قام خطيباً، فقال:
الحمد للّه الواحد الأحد الصمد المتفرّد الّذي لا من شيء كان، ولا من شيء خَلَقَ ما كان، قدرة (4) بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تُنال، ولا حد تضرب له فيه الأمثال كلّ دون صفاته تحبير اللغات وضلَّ هناك تصاريف الصفات(5)، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، تاهت (6) في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور.
فتبارك اللّه الّذي لا يبلغه بعد الهمم (7)، ولا يناله غَوْصُ الفِطَن (8)، وتعالى الّذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود، سبحان الّذي ليس له أوَّلُ مبتدأ، ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى، سبحانه هو كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته، وحدَّ الأشياء كلّها عند
ص: 184
خلقه، إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها لم يحلل فيها فيقال : هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له أين لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه لم يعزب عنه خفيّات غيوب الهواء ولا غوامض مكنون الدُّجى، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى، لكلّ شيء منها حافظ ورقيب، وكلُّ شيء منها بشيء محيط (1)، والمحيط بما أحاط منها.
الواحد الأحد الصمد الّذي لا يغيره صروف الأزمان، ولا يتكأدَّه (2) صنع شيء كان، إنّما قال لما شاء : كن فكان ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا نصب، وكل صانع شيء فمن شيء صنع واللّه لا من شيء صنع ما خلق، وكلُّ عالم فمن بعد جهل تعلم واللّه لم يجهل ولم يتعلّم، أحاط بالأشياء علماً قبل كونها، فلم يزدد بكونها علماً علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها، لم يكوّنها لتشديد سلطان، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضدّ مناو (3)، ولا ندّ مكاثر، ولا شريك مكابر لكن خلائق مربوبون وعباد داخرون (4).
فسبحان الّذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اکتفی (5)، علم ما خلق وخلق ما علم لا بالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق لكن قضاءٌ مبرم وعلمٌ محكم وأمر متقن، توحد بالربوبية وخص نفسه بالوحدانية، واستخلص بالمجد والثناء وتفرد بالتوحيد والمجد والسناء، وتوحد بالتحميد وتمجّد بالتمجيد، وعلا عن اتخاذ الأبناء، وتطهر وتقدّس عن ملامسة النساء، وعزّ وجلّ عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد ولا له فيما ملك يد، ولم يشركه في ملكه أحد، الواحد الأحد الصمد المبيد للأبد (6) والوارث للأمد (7)، الّذي لم يزل ولا يزال وحدانياً أزلياً، قبل بدء الدُّهور وبعد صروف الأمور، الّذي لا يبيد ولا ينفد، بذلك أصف ربِّي فلا إله إلّا اللّه، من عظيم ما أعظمه ؟! ومن جليل ما أجلّه؟! و من عزيز ما أعزّه ؟ ! وتعالى عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
ص: 185
وهذه الخطبة (1) من مشهورات خطبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى لقد ابتذلها العامّة (2) وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم ما فيها، فلو اجتمع ألسنة الجنّ والإنس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به - بأبي وأمي - ما قدروا عليه ولولا إبانته (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما علم النّاس كيف يسلكون سبيل التوحيد ألا ترون إلى قوله : (لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان) فنفى بقوله : (ولا من شيء) كان معنى الحدوث، وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال نفياً لقول من قال : إنَّ الأشياء كلها محدثة بعضها من بعض، وإبطالاً لقول الثنوية الّذين زعموا أنّه لا يحدث شيئاً إلّا من أصل ولا يدبر إلّا باحتذاء مثال، فدفع (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقوله : (لا من شيء خلق ما كان) جميع حجج الثنوية وشبههم، لأن أكثر ما يعتمد الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شيء أو من لا شيء، فقولهم : من شيء خطأ وقولهم من لا شيء مناقضة وإحالة، لأنَّ «من» توجب شيئاً «ولا شيء تنفيه، فأخرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه اللفظة على أبلغ الألفاظ وأصحها فقال : لا من شيء خلق ما كان، فنفى «من» إذ كانت توجب شيئاً، ونفى الشيء إذ كان كلّ شيء مخلوقاً محدثاً لا من أصل أحدثه الخالق، كما قالت الثنوية : إنّه خلق من أصل قديم، فلا يكون تدبير إلّا باحتذاء مثال.
ثمَّ قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ليست له صفة تنال ولا حد تضرب له فيه الأمثال، كلّ دون صفاته تحبير اللغات فنفى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة والبلورة وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء. قولهم : متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية ولم ترجع إلى إثبات هيئة لم تعقل شيئاً فلم تثبت صانعاً» ففسّر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه واحد بلا كيفية وأن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة.
ثمّ قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «الّذي لا يبلغه بُعْدُ الهمم ولا يناله غَوْصُ الفِطَن وتعالى الّذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود» ؛ ثمَّ قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لم يحلل _ في الأشياء _ فيقال : هو فيها كائن ولم ينا عنها فيقال هو منها «بائن فنفى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهاتين الكلمتين صفة الأعراض والأجسام، لأنَّ من صفة الأجسام التباعد والمباينة ومن صفة الأعراض الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسة ومباينة الأجسام على تراخي المسافة.
ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لكن أحاط بها علمه وأتقنها صنعه أي هو في الأشياء بالإحاطة والتدبير
ص: 186
وعلى غير ملامسة.
2 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن إبراهيم (1) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه تبارك اسمه وتعالى ذكره وجل ثناؤه، سبحانه وتقدّس وتفرد وتوحد، ولم يزل ولا يزال وهو الأوّل والآخر (2) والظاهر والباطن فلا أوّل لأوليّته، رفيعاً في أعلى علوّه، شامخ (3) الأركان، رفيع البنيان(4) عظيم السلطان منيف الآلاء، سني العلياء، الّذي عجز الواصفون عن كنه صفته، ولا يطيقون حمل معرفة الهيّته، ولا يحدُّون حدوده، لأنه بالكيفية لا يتناهى إليه.
3 - عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار ومحمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال : ضمّني وأبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5) الطريق في منصر في من مكّة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق، فسمعته يقول: من اتقى اللّه يُتقى ومن أطاع اللّه يُطَاع (6)، فتلطفت في الوصول إليه(7)، فوصلت فسلمت عليه، فرد علي السلام ثمَّ قال : يا فتح : من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن (8) أن يسلط اللّه عليه سخط المخلوق وإنّ الخالق لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الّذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون وتعالى عمّا ينعته الناعتون نأى في قربه وقرب في نأيه فهو في نأيه قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال : كيف؟ وأين الأين فلا يقال : أين؟ إذ هو منقطع الكيفوفية والأينونية.
٤ - محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 187
يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له : ذعلب، ذو لسان بليغ في الخطب، شجاع القلب، فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك؟ قال : ويلك يا ذعلب، ما كنت أعبد رباً لم أره. فقال : يا أمير المؤمنين كيف رأيته ؟ قال : ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة (1) الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ويلك يا ذعلب إنَّ ربي لطيف اللطافة لا يوصف باللطف(2)، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كلّ شيء، لا يقال شيء قبله، وبعد كلّ شيء، لا يقال له بعد، شاء الأشياء لا بهمة (3)، درّاك لا بخديعة (4) في الأشياء كلّها غير متمازج بها ولا بائن منها ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية (5)، ناءٍ لا بمسافة قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم فاعل لا باضطرار مقدّر لا بحركة مريد لا بهمامة(6)، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تحويه الأماكن ولا تضمّنه الأوقات ولا تحدّة الصفات ولا تأخذه السنات (7)، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له (8) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدَّ له، وبمقارنته بين الأشياء عُرف أن لا قرين له، ضادَّ النور بالظلمة، واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحَرور (9)، مؤلّف بين متعادياتها، ومفرّقُ بين متدانياتها، دالّة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلّفها، وذلك قوله تعالى : (ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون(10)). ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بَعدَ له شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض (11) ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه. كان ربّاً إذ لا مربوب، وإلهاً إذ لا مألوه، وعالماً إذ لا معلوم، وسميعاً إذ لا مسموع.
ص: 188
٥ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن شباب الصيرفي واسمه محمّد بن الوليد، عن عليّ بن سيف بن عميرة قال : حدَّثني إسماعيل بن قتيبة قال: دخلت أنا وعيسى شَلْقان على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فابتدأنا فقال : عَجَباً لأقوام يدَّعون على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لم يتكلّم به قط، خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) النّاس بالكوفة فقال : الحمد اللّه الملهم عباده حمده، وفاطرهم على معرفة ربوبيته الدال على وجوده بخلقه وبحدوث خلقه على أزله، وباشتباههم على أن لا شبه له، المستشهد بآياته على قدرته الممتنعة من الصفات ذاته ومن الأبصار رؤيته ومن الأوهام الإحاطة به، لا أمد لكونه (1) ولا غاية (2) لبقائه لا تشمله المشاعر، ولا تحجبه الحجب والحجاب بينه وبين خلقه خلقه إياهم (3)، لامتناعه ممّا يمكن في ذواتهم، ولا مكان ممّا يمتنع منه، ولافتراق الصانع من المصنوع، والحادّ من المحدود، والربّ من المربوب، الواحد بلا تأويل عدد (4)، والخالق لا بمعنى حركة، والبصير لا بأداة، والسميع لا بتفريق آلة والشاهد لا بمماسة، والباطن لا باجتنان (5)، والظاهر البائن لا بتراخي مسافة، أزله نهية (6) لمجَاوِل (7) الأفكار، ودوامه ردع لطامحات العقول، قد حسر كنهه نوافذ الأبصار، وقمع وجوده جوائل الأوهام، فمن وصف اللّه فقد حدَّه، ومن حده فقد عدَّه، ومن عدَّه فقد أبطل أزله، ومن قال : أين؟ فقد غياه، ومن قال : على مَ؟ فقد أخلا منه، ومن قال فيم؟ فقد ضمّنه.
٦ - ورواه محمّد بن الحسين عن صالح بن حمزة، عن فتح بن عبد اللّه مولى بني هاشم قال : كتبت إلى أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن شيء من التوحيد، فكتب إلى بخطه : الحمد اللّه الملهم عباده حمده - وذكر مثل ما رواه سهل بن زياد إلى قوله : وقمع وجوده جوائل الأوهام - ثمَّ زاد فيه - أوَّل الديانة به معرفته وكمال معرفته توحيده، وكمال توحيده. نفي الصفات عنه بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف وشهادة الموصوف أنّه غير الصفة،
ص: 189
وشهادتهما جميعاً بالتثنية الممتنع منه (1) الأزل (2) ؛ فمن وصف اللّه فقد حده ومن حده فقد عدَّه، ومن عدَّه فقد أبطل أزله ومن قال : كيف؟ فقد استوصفه ومن قال: فيم؟ فقد ضمنه ومن قال على :مَ فقد جهله ومن قال : أين؟ فقد أخلا منه ومن قال ما هو؟ فقد نعته ومن قال : إلى م؟ فقد غاياه عالم إذ لا معلوم، وخالق إذ لا مخلوق وربِّ إذ لا مربوب وكذلك يوصف ربنا وفوق ما يصفه الواصفون.
7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خالد، عن أبيه عن أحمد بن النضر وغيره، عمّن ذكره عن عمرو بن ثابت عن رجل سمّاه، عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور قال : خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطبة بعد العصر، فعجب النّاس من حسن صفته، وما ذكره من تعظيم اللّه جل جلاله قال أبو إسحاق : فقلت للحارث أو ما حفظتها؟ قال : قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه : الحمد للّه الّذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه، لأنّه كلّ يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن، الّذي لم يلد فيكون في العزّ مشاركاً، ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدّره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلا (3)، الّذي ليست في أوليته نهاية، ولا لآخريته حد ولا غاية، الّذي لم يسبقه وقت ولم يتقدَّمه زمان، ولا بتعاوره زيادةً ولا نقصان، ولا يوصف بأين ولا بِمَ ولا مكان الّذي بطن من خفيات الأمور وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير، الّذي سُئِلَتْ الأنبياء عنه فلم تصفه بحدّ ولا ببعض، بل وصفته بفعاله ودلّت عليه بآياته، لا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأنَّ من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهنَّ، فلا مدفع لقدرته، الّذي نأى من الخلق فلا شيء كمثله الّذي خلق خلقه لعبادته وأقدرهم على طاعته، بما جعل فيهم وقطع عذرهم بالحجج، فعن بيِّنة هَلَك من هَلَك، وبمنّه نجا من نجا، واللّه الفضل مُبْدِعاً ومعبداً، ثمَّ إِنَّ اللّه وله الحمد، افتتح الحمد لنفسه وختم أمر الدنيا ومحلّ الآخرة (4) بالحمد لنفسه، فقال : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ، وقيل : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (5).
ص: 190
الحمد اللّه اللابس الكبرياء بلا تجسيد والمرتدي بالجلال بلا تمثيل، والمستوي على العرش بغير زوال والمتعالي على الخلق بلا تباعد منهم ولا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهى إلى حده ولا له مثل فيعرف بمثله، ذلَّ من تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته وانقادت لسلطانه وعزّته، وكلّت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأوّل قبل كلّ شيء ولا قبل له، والآخر بعد كلّ شيء ولا بعد له، الظاهر على كلّ شيء بالقهر له والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، لا تلمسه لامسة ولا تحسّه حاسة، هو الّذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم، أتقن ما أراد من خلقه من الأشباح كلّها لا بمثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه، ابتدأ ما أراد ابتداءه وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراد من الثقلين الجن والإنس، ليعرفوا بذلك ربوبيته وتمكّن فيهم طاعته.
نحمده بجميع محامده كلّها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشد أمورنا(1)، ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي سبقت منا، ونشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنَّ محمّداً عبده ورسوله بعثه بالحقّ نبياً دالاً عليه وهادياً إليه فهدى به من الضلالة واستنقذنا به من الجهالة، من يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ونال ثواباً جزيلاً، ومن يعص اللّه ورسوله فقد خسر خسراناً مبيناً واستحق عذاباً أليماً فأنجعوا (2) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصيحة وحسن المؤازرة، وأعينوا على أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة وهجر الأمور المكروهة، وتعاطوا الحقّ بينكم وتعاونوا به دوني، وخذوا على يد الظالم السفيه، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم، عصمنا اللّه وإيّاكم بالهدى وثبتنا وإيّاكم على التقوى وأستغفر اللّه لي ولكم.
١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن النعمان، عن سيف
ص: 191
ابن عميرة، عمّن ذكره عن الحارث بن المغيرة النصري قال سُئِلَ أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تبارك وتعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (1)) : فقال : ما يقولون فيه؟ قلت: يقولون : يهلك كلّ شيء إلّا وجه اللّه، فقال : سبحان اللّه لقد قالوا قولاً عظيماً، إنّما عنى بذلك وجه اللّه الّذي يؤتى منه(2).
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال : من أتى اللّه بما أمر به من طاعة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فهو الوجه الّذي لا يهلك وكذلك قال : (َنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (3)).
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي سلام النحاس، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نحن المثاني (4) الّذي أعطاه اللّه نبيّنا محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونحن وجه اللّه نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين اللّه في خلقه ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وإمامة المتقين (5).
٤ - الحسين بن محمّد الأشعريّ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) قال : نحن واللّه الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللّه من المعباد عملاً إلّا بمعرفتنا.
٥ - محمّد بن أبي عبد اللّه عن محمّد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد عن الهيثم بن عبد اللّه عن مروان بن صباح قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الّذي يؤتى منه، وبابه الّذي يدلّ عليه وخزانه في سمائه وأرضه (6)، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث
ص: 192
السماء وينبت عشب الأرض وبعبادتنا عُبد اللّه ولولا نحن ما عبد اللّه.
٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ (1)) فقال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى اللّه كما يصل إلى خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال : (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها) وقال : (و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (2)) فكلُّ هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرّضا والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل كلّ ذلك، ولو كان يصل إلى اللّه الأسف والضجر، وهو الّذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول : إنَّ الخالق يبيد يوماً ما، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثمَّ لم يعرف المكون من المكوّن ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق تعالى اللّه عن هذا القول علوّاً كبيراً، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه؛ فافهم إن شاء اللّه تعالى.
٧ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر، عن محمّد بن حمران، عن أسود بن سعيد قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأنشأ يقول ابتداء منه من غير أن أسأله : نحن حجة اللّه، ونحن باب اللّه (3)، ونحن لسان اللّه (4)، ونحن وجه اللّه ونحن عين اللّه في خلقه(5)، ونحن ولاة أمر اللّه في عباده.
8 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حسان الجمال قال : حدَّثني هاشم بن أبي عمارة الجنبي قال: سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أنا عين اللّه وأنا يد اللّه، وأنا جنب اللّه، وأنا باب اللّه
٩ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن
ص: 193
عمه حمزة بن بزيع، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (1)) قال : جنب اللّه : أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرّفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم.
١٠ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عليّ بن الصلت عن الحكم وإسماعيل ابني حبيب عن بُريد العجلي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : بنا عُبد اللّه وبنا عرف اللّه، وبنا وحد اللّه تبارك وتعالى، ومحمّد حجاب اللّه تبارك وتعالى.(2).
11 - بعض أصحابنا، عن محمّد بن عبد اللّه عن عبد الوهاب بن بشر، عن موسى ابن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (3) قال : إنَّ اللّه تعالى أعظم وأعزُّ وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنّه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، حيث يقول: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (4) يعني الأئمّة منا
ثم قال في موضع آخر : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ثمَّ ذكر مثله
٤٦ - باب البداء (5)
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحجال، عن أبي إسحاق
ص: 194
ص: 195
ص: 196
ثعلبة(1) عن زرارة بن أعين عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما عبد اللّه بشيء مثل البداء (2).
وفي رواية ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما عظم اللّه بمثل البداء (3).
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في هذه الآية : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) (4) قال : فقال : وهل يمحى إلّا ما كان ثابتاً (5) وهل يثبت إلّا ما لم يكن (6) ؟.
3 - علي، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما بعث اللّه نبياً حتّى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية؛ وخلع الأنداد، وأنَّ اللّه يقدّم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء (7).
4 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير (8)، عن زرارة عن حمران، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (9) قال: هما :أجلان أجل محتوم وأجل موقوف (10).
٥ - أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن عليّ بن أسباط عن خلف بن حماد، عن ابن مسكان (11)، عن مالك الجهني (12) قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول
ص: 197
اللّه تعالى : (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (1) قال : فقال : لا مقدَّراً ولا مكوناً، قال: وسألته عن قوله : (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًاً) (2) فقال : كان مقدراً غير مذكور (3).
1 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : العلم علمان : فعلم عند اللّه مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه، وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فإنّه سيكون، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون يقدّم منه ما يشاء، ويؤخر منه ما يشاء، ويثبت ما يشاء (4).
7 - وبهذا الإسناد، عن حماد عن ربعي عن الفضيل قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من الأمور أمور موقوفة عند اللّه يقدّم منها ما يشاء ويؤخر منها ما يشاء.
8 - عدة مر من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن جعفر ابن عثمان، عن سماعة (5) عن أبي بصير ؛ ووهيب بن حفص عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه علمين : علم مكنون مخزون، لا يعلمه إلّا هو، من ذلك يكون البداء وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.
9 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه سنان، اللّه بن عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما بدا للّه في شيء(6) إلّا كان في علمه (7) قبل أن يبدو له.
10 _ عنه عن أجمد، عن الحسن بن عليّ بن فضال عن داود بن فرقد، عن عمرو بن : عثمان الجهني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه لم يبد له من جهل (8).
ص: 198
11 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم اللّه بالأمس؟ قال: لا، من قال هذا فأخزاه (1) اللّه قلت أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم اللّه ؟ قال : بلی قبل أن يخلق الخلق.
12 - علي، عن محمّد، عن يونس، عن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لو علم النّاس ما في القول (2) بالبداء من الأجر (3) ما فتروا (4) عن الكلام فيه.
13 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عمرو الكوفيّ أخي يحيى، عن مرازم بن حكيم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما تنبا(5) نبي قط، حتّى يقر للّه بخمس خصال: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة.
١٤ - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن يونس، عن جهم ابن أبي جهمة، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه عزّ وجلّ أخبر محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بما كان منذ كانت الدُّنيا، وبما يكون إلى انقضاء الدُّنيا، وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه (6).
15 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول ما بعث اللّه نبياً قط إلّا بتحريم الخمر وأن يقر اللّه بالبداء.
١٦ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد قال : سئل العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) كيف علم اللّه ؟ قال : علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى ؛ فأمضى ما قضى وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشيئة، وبمشيئته كانت الإرادة وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء ؛ والعلم متقدّم على المشيئة والمشيئة ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء.
ص: 199
فللّه تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم في المعلوم قبل كونه والمشيئة في المُنْشَأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً ووقتاً والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكَيْل، وما دبَّ ودَرَجَ من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك ممّا يدرك بالحواس.
فللّه تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، واللّه يفعل ما يشاء، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلّهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم.
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد، جميعاً عن فضالة بن أيّوب عن محمّد بن عمارة، عن حريز بن عبد اللّه وعبد اللّه بن مسكان جميعاً، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بهذه الخصال السبع (1): بمشيئة (2) وإرادة (3) وقَدَر (4) وقضاء (5) وإذن (6) وكتاب (7) وأجل (8)، فمن زعم أنّه يقدر على نقض واحدة فقد كفر.
ص: 200
ورواه عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن محمّد بن حفص، عن محمّد بن عمارة، عن حريز بن عبد اللّه وابن مسكان مثله.
2 - ورواه أيضاً عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلّا بسبع : بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن، فمن زعم غير هذا فقد كذب على اللّه ؛ أورد على اللّه عزّ وجلّ (1).
1 _ عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن إبراهيم الهاشمي قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا يكون شيء إلّا ما شاء اللّه وأراد وقدر وقضى قلت: ما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: ما معنى قدَّر ؟ قال : تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: ما معنى قضى ؟ قال : إذا قضى أمضاه (2)، فذلك الّذي لا مردَّ له (3).
2 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبان عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شاء وأراد وقدّر وقضى؟ قال: نعم، قلت: وأحبَّ (4)؟ قال : لا قلت وكيف شاء وأراد وقدَّر وقضى ولم يحبّ؟ قال : هكذا خرج إلينا (5).
3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليّ بن معبد عن واصل بن سليمان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : أمَرَ اللّه ولم يشأ، وشاء ولم يأمر (6)،
ص: 201
أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ولو شاء لسجد، ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ولو لم يشأ لم يأكل.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد الهمداني ومحمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة اللّه تعالى وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم (1) مشيئة اللّه تعالى.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن دُرست بن أبي منصور، عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : شاء وأراد ولم يحبّ ولم يرض : شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وأراد مثل ذلك ولم يحب أن يقال : ثالث ثلاثة، ولم يرض لعباده الكفر.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قال أبو الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال اللّه: [يا] ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعاً بصيراً قوياً ما أصابك من حسنة فمن اللّه (2)، وما أصابك من سيّئة فمن نفسك (3)، وذاك أني أولى بحسناتك منك (4) وأنت أولى بسيئاتك مني (5)، وذاك أنني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
1 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن محمّد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن
ص: 202
حمزة بن محمّد الطيار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما من قبض ولا بسط (1) إلّا واللّه فيه مشيئة وقضاء وابتلاء (2).
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن حمزة بن محمّد الطيار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّه ليس شيء فيه قبض أو بسط ممّا أمر اللّه به أو نهى عنه إلّا وفيه اللّه عزّ وجلّ ابتلاء وقضاء (3).
1 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه خلق السعادة (4) والشقاء قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه اللّه سعيداً لم يبغضه أبداً، وإن عمل شراً أبغض عمله ولم يبغضه، وإن كان شقياً لم يحبه أبداً وإن عمل صالحاً أحبّ عمله وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب اللّه شيئاً لم يبغضه أبداً(5) وإذ أبغض شيئاً لم يحبه أبداً (6).
2 - عليّ بن محمّد رفعه عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير قال : كنت بين يدي أبي، عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً وقد سأله سائل فقال : جعلت فداك يا ابن رسول اللّه من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتّى حكم اللّه لهم في علمه بالعذاب على عملهم؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها السائل حكم اللّه عزّ وجلّ لا يقوم له أحد من خلقه بحقه، فلمّا حكم بذلك وهب لأهل محبّته
ص: 203
القوّة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لأهل المعصية القوّة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاقة القبول منه فوافقوا ما سبق لهم في علمه ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه (1)، لأنَّ علمه أولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء ما شاء وهو سرّه.
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلىّ بن عثمان، عن عليّ بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنّه قال : يسلك بالسعيد في طريق الأشقياء حتّى يقول النّاس : ما أشبهه بهم بل هو منهم، ثمَّ يتداركه السعادة ؛ وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتّى يقول النّاس ما أشبهه بهم، بل هو منهم، ثمَّ يتداركه الشقاء، إنّ من كتبه اللّه سعيداً وإن لم يبق من الدُّنيا إلّا فواق (2) ناقة ختم له بالسعادة.
٥١ - باب الخير والشر(3)
١ - عدَّةً من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن محبوب وعلي بن الحكم، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن ممّا أوحى اللّه إلى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنزل عليه في التوراة أنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا خلقت الخلق وخلقت الخير وأجريته على يدي من أحبّ، فطوبى لمن أجريته على يديه وأنا اللّه لا إله إلّا أنا خلقت الخلق وخلقت الشر وأجريته على يدي من أريده فويل لمن أجريته على يديه (4).
ص: 204
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن، حکیم، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن في بعض ما أنزل اللّه من كتبه أنّى أنا اللّه لا إله إلّا أنا خلقت الخير وخلقت الشر، فطوبى لمن أجريت على بديه الخير وويل لمن أجريت على يديه الشرّ وويل لمن يقول : كيف ذا وكيف ذا(1).
3 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بكار بن كَرْدَم، عن مفضل بن عمر، وعبد المؤمن الأنصاري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ : أنا اللّه لا إله إلّا أنا، خالق الخير والشر فطوبى لمن أجريت على يديه الخير، وويل لمن أجريت على يديه الشر، وويل لمن يقول : كيف ذا وكيف هذا ؛ قال يونس : يعني من ينكر هذا الأمر يتفقه فيه (2).
٥٢ _ باب الجَبْرُ والقَدَر والأمر بين الأمرين (3)
1 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه قال : كان أمير
ص: 205
المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفّين، إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثمَّ قال له : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من اللّه وقَدَر ؟ فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلّا بقضاء من اللّه وقدر، فقال له الشيخ : عند اللّه أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟ فقال له : مه يا شيخ ! فواللّه لقد عظم اللّه الأجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرّين.
فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟ فقال له : وتظنُّ أنّه كان قضاءً حتماً وقَدَراً لازماً؟ إنّه لو
ص: 206
كان كذلك (1) لبطل (2) الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من اللّه، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب، ولا محمّدةً للمحسن، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقَدَريّة هذه الأمة ومجوسها.
إنَّ اللّه تبارك وتعالى كلّف تخييراً(3)، ونهى تحذيراً (4)، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعْصَ مغلوباً (5) ولم يُطع مكرهاً (6) ولم يملك مفوّض (7)، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيّين مبشرين ومنذرين عبثاً، (ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (8). فأنشأ الشيخ يقول :
أنت الإمام الّذي نرجو بطاعته***يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من أمرنا ما كان ملتبساً***جزاك ربُّك بالإحسان إحسانا
2 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسين بن عليّ الوشّاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه قال: من زعم أن اللّه يأمر بالفحشاء فقد كذب على اللّه ومن زعم أنَّ الخير والشر إليه فقد كذب على اللّه (9).
٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته فقلت: اللّه فوَّض الأمر إلى العباد؟ قال : اللّه أعزُّ من ذلك
ص: 207
قلت : فجبرهم على المعاصي ؟ قال : اللّه أعدل وأحكم من ذلك، قال : ثمَّ قال : قال اللّه : (يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك).
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن قال : قال لي أبو الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يونس لا تقل بقول القدريّة، فإنّ القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنّة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فإنَّ أهل الجنّة قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (1). وقال أهل النار : (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ) (2). وقال إبليس : (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي) (3). فقلت : واللّه ما أقول بقولهم ولكني أقول : لا يكون إلّا بما شاء اللّه وأراد وقدّر وقضى، فقال : يا يونس ليس هكذا : لا يكون إلّا ما شاء اللّه وأراد وقدَّر وقضى، يا يونس تعلم ما المشيئة؟ قلت: لا، قال هي الذكر الأوّل (4)، فتعلم ما الإرادة؟ قلت : لا، قال : هي العزيمة على ما يشاء، فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، قال هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، قال : ثمَّ قال : والقضاء هو الإبرام وإقامة العين (5)، قال : فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت فتحت لي شيئاً كنت عنه في غفلة.
٥ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم ابن - عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه (6) ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذن اللّه.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حفص ابن قرط، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «من زعم أن اللّه يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على اللّه، ومن زعم أنَّ الخير والشر بغير مشيئة اللّه فقد أخرج اللّه من سلطانه. ومن
ص: 208
زعم أن المعاصي بغير قوة اللّه (1) فقد كذب على اللّه، ومن كذب على اللّه أدخله اللّه النار».
7 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن عثمان بن عيسى، عن إسماعيل ابن جابر قال : كان في مسجد المدينة رجل يتكلّم في القدر والناس مجتمعون، قال: فقلت: يا هذا أسألك؟ قال : سل، قلت : يكون في ملك اللّه تبارك وتعالى ما لا يريد؟ قال: فأطرق طويلاً ثمَّ رفع رأسه إليَّ فقال [لي]: يا هذا ! لئن قلت: إنّه يكون في ملكه ما لا يريد، إنّه لمقهور. ولئن قلت لا يكون في ملكه إلّا ما يريد أقررت لك بالمعاصي، قال: فقلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سألت هذا القدري فكان من جوابه كذا وكذا، فقال : لنفسه نَظَر (2)، أما لو قال غير ما قال لهلك.
8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسن زعلان عن أبي طالب القميّ عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت أجبر اللّه العباد على المعاصي؟ قال: لا، قلت: ففَوَّض إليهم الأمر؟ قال : قال : لا، قال : قلت : فماذا؟ قال : لطف من ربك بين ذلك (3).
9 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن غير واحد، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : إنّ اللّه أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثمَّ يعذَّبهم عليها. واللّه أعزُّ من أن يريد أمراً فلا يكون(4)، قال: فسئلا (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل بين الجبر والقدر منزلةٌ ثالثة؟ قالا : نعم أوسع ممّا بين السماء والأرض.
10 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن صالح ابن سهل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سئل عن الجبر والقدر فقال : لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما، فيها الحقّ (5) التي بينهما لا يعلمها إلّا العالم أو من علمها إياه العالم.
11 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد، عن يونس، عن عدَّة (6)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
ص: 209
قال له :رجل : جعلت فداك أجبر اللّه العباد على المعاصي ؟ فقال : اللّه أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثمَّ يعذبهم عليها، فقال له : جعلت فداك ففوّض اللّه إلى العباد ؟ قال : فقال : لو فوض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي (1)، فقال له : جعلت فداك فبينهما منزلة قال : فقال : نعم أوسع ما بين السماء والأرض.
12 - محمّد بن أبي عبد اللّه وغيره عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن بعض أصحابنا يقول بالجبر، وبعضهم يقول: بالاستطاعة (2) قال : فقال لي : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال عليّ بن الحسين : قال اللّه عزّ وجلّ: (يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء وبقوتي أديت إليَّ فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعاً بصيراً، ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك، وذلك أنّي أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون قد نظمت لك كلّ شيء تريد) (3).
13 - محمّد بن أبي عبد اللّه، عن حسين بن محمّد، عن محمّد بن يحيى، عمن حدَّثه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين قال: قلت وما أمر بين أمرين؟ قال مثل ذلك : رجلٌ رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الّذي أمرته بالمعصية.
١٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اللّه أكرم من أن يكلف النّاس ما لا يطيقون(4) واللّه أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد(5).
1 - عليّ بن إبراهيم عن الحسن بن محمّد، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن عليّ
ص: 210
ابن أسباط قال : سألت أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاستطاعة فقال : يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلّى السرب (1) صحيح الجسم (2)، سليم الجوارح (3)، له سبب وارد من، اللّه (4)، قال : قلت : جعلت فداك فسّر لي هذا قال: أن يكون العبد مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثمَّ يجدها، فإما أن يعصم نفسه فيمتنع كما امتنع يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أو يخلّي بينه وبين إرادته فيزني فيسمى زانياً، ولم يطع اللّه بإكراه ولم يعصه
بغلبة.
٢ _ محمّد بن يحيى وعليّ بن إبراهيم جميعاً، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن - الحكم وعبد اللّه بن يزيد جميعاً، عن رجل من أهل البصرة قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاستطاعة، فقال: أتستطيع أن تعمل (5) ما لم يكون؟ قال : لا، قال : فتستطيع أن تنتهي عمّا قد كُون (6)؟ قال : لا، قال فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فمتى أنت مستطيع ؟ قال : لا ادري، قال : فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه خلق خلقاً فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثمَّ لم يفوّض إليهم، فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلك الفعل، فإذا لم يفعلوه في ملكه لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلاً لم يفعلوه، لأنّ اللّه عزّ وجلّ أعزُّ من أن يضاده في ملكه أحدٌ. قال البصريّ : فالناس مجبورون (7)؟ قال : لو كانوا مجبورين كانوا معذورين (8). قال : ففوّض إليهم قال : لا قال فما هم ؟ قال : علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل، فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين، قال البصريّ : أشهد أنّه الحقّ وأنّكم أهل بيت النبوّة والرسالة.
٣ - محمّد بن أبي عبد اللّه، عن سهل بن زياد؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن عليّ بن الحكم عن صالح النيلي قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل للعباد من الاستطاعة شيء؟ قال : فقال لي : إذا فعلوا
ص: 211
الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها اللّه فيهم. قال : قلت وما وهي؟ قال: الآلة مثل الزاني إذا زنى كان مستطيعاً للزنا حين زنى، ولو أنّه ترك الزنا ولم يزن كان مستطيعاً لتركه إذا ترك. قال : ثمَّ قال : ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعاً، قلت: فعلى ماذا يعذبه؟ قال : بالحجّة (1) البالغة والآلة التي رَكَّب فيهم (2)، إن اللّه لم يجبر أحداً على معصيته، ولا أراد إرادة حتم - الكفر من أحد، ولكن حين كفر كان في إرادة(3) اللّه أن يكفر، وهم في إرادة اللّه وفي علمه أن لا يصيروا إلى شيء من الخير، قلت: أراد منهم أن يكفروا؟ قال : ليس هكذا أقول ولكني أقول : علم أنهم سيكفرون، فأراد الكفر لعلمه فيهم، وليست هي إرادة حتم إنّما هي إرادة اختيار.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا، عن عبيد بن زرارة قال : حدَّثني حمزة بن حمران قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاستطاعة فلم يجبني فدخلت عليه دخلة أخرى، فقلت: أصلحك اللّه، إنّه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك، قال : فأنه يضرُّك ما كان في قلبك. قلت : أصلحك اللّه إني يقول : إن اللّه تبارك وتعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون، ولم يكلفهم إلّا ما يطيقون، وإنّهم لا يصنعون شيئاً من ذلك إلّا بإرادة اللّه ومشيئته وقضائه وقدره، قال: فقال : هذا دين اللّه الّذي أنا عليه وآبائي. أو كما قال.
1 - محمّد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن - ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن ابن الطيار (4)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه احتجّ على النّاس بما آتاهم وعرّفهم.
ص: 212
محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج مثله.
2 - محمّد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المعرفة (1) من صنع من هي؟ قال: من صنع اللّه ليس للعباد فيها صنع.
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن میمون عن حمزة بن محمّد الطيار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) (2). قال : حتّى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه ؛ وقال (3) : (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (4) قال : بين لها ما تأتي وما تترك، وقال: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (5) قال : عرفناه، إما أخذوإما تارك، وعن قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (6) :قال عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون؟ وفي رواية : بيّنا لهم.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن بكير، عن حمزة بن محمّد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (7) قال : نجد الخير والشر.
5 - وبهذا الإسناد، عن يونس عن حماد، عن عبد الأعلى (8) قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أصلحك اللّه هل جعل في النّاس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : فقال : لا، قلت : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال: لا، على اللّه البيان: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (9). و لا
ص: 213
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) (1). قال : وسألته عن قوله : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) قال : حتّى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.
٦ - وبهذا الإسناد، عن يوس، عن سعدان رفعه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه لم ينعم على عبد نعمة إلّا وقد ألزمه فيها الحجّة من اللّه، فمن من اللّه عليه فجعله قوياً فحجّته عليه القيام بما كلّفه، واحتمال مَنْ هو دونَه ممّن هو أضعف منه، ومن من اللّه عليه فجعله موسعاً عليه فحجته عليه ماله، ثمَّ تعاهدوه الفقراء بعد بنوافله (2)، ومن من اللّه عليه فجعله شريفاً في بيته، جميلاً في صورته، فحجّته عليه أن يحمد اللّه تعالى على ذلك وأن لا يتطاول على غيره، فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله.
١ - محمّد بن أبي عبد اللّه عن سهل بن زياد عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن زيد عن دُرُست بن أبي منصور عمّن حدَّثه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع المعرفة (3) والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة.
1 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أبي شعيب المحاملي (4)، عن درست بن أبي منصور عن بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس اللّه على خلقه، أن يعرفوا وللخلق على اللّه أن يعرفهم واللّه على الخلق إذا عرَّفهم أن يقبلوا.
ص: 214
٢ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلىّ بن أعين قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من لم يعرف شيئاً هل عليه شيء؟ قال : لا.
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما حجب عن العباد فهو موضوع عنهم.(1).
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم، عن أبان الأحمر عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي : اكتب فأملى عليّ : إن من قولنا إنَّ اللّه يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم، ثمَّ أرسل إليهم رسولاً وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه ونهى، أمر فيه بالصلاة والصيام فنام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن الصلاة فقال : أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصل، ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون، ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك. وكذلك الصيام أنا أمرضك وأنا أصحك فإذا شفيتك فاقضه، ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق ولم تجد أحداً إلّا وللّه عليه الحجّة واللّه فيه المشيئة. ولا أقول إنّهم ما شاؤوا صنعوا، ثمَّ قال : إن اللّه يهدي ويضلُّ وقال: وما أمروا إلّا بدون سعتهم، وكلّ شيء أمر النّاس به فهم يَسَعُونَ له (2)، وكلّ شيء لا يَسَعُونَ له فهو موضوع عنهم، ولكن النّاس لا خير فيهم. ثمَّ تلا (عَلَيهِ السَّلَامُ): (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ...) (3) فوضع عنهم، (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ...) (4). قال : فوضع عنهم لأنهم لا يجدون (5).
1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن
ص: 215
إسماعيل السراج، عن ابن مسكان عن ثابت بن سعيد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ثابت : مالكم وللناس (1)، كفّوا عن النّاس ولا تدعوا أحداً إلى أمركم، فواللّه لو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد اللّه ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه، ولو أنَّ أهل السماوات والأرضين اجتمعوا على أن يضلّوا عبداً يريد اللّه هدايته ما استطاعوا أن يضلّوه كفّوا عن النّاس ولا يقول أحدٌ : عمّي وأخي وابن عمّي وجاري (2) ؛ فإنَّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً طيب روحه فلا يسمع معروفاً إلّا عرفه ولا منكراً إلّا أنكره، ثمَّ يقذف اللّه في قلبه كلمة يجمع بها أمره (3).
2 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن سلیمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً (4) نكت في قلبه نكتة(5) من نور وفتح مسامع قلبه (6) ووكل به ملكاً يسدّده، وإذا أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضله، ثمَّ تلا هذه الآية: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (7).
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اجعلوا أمركم اللّه (8)، ولا تجعلوه للناس فإنّه ما كان اللّه فهو اللّه، وما كان للناس فلا يصعد إلى اللّه، ولا تخاصموا النّاس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب، إنَّ اللّه تعالى قال لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (9)
ص: 216
وقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (1) ذروا النّاس فإنَّ النّاس أخذوا عن الناس، وإنّكم أخذتم عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، إنّي سمعت أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه عزّ وجلّ إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.
٤ - أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن محمّد بن مروان عن فضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ندعو النّاس إلى هذا الأمر (2) ؟ فقال : (3) يا فضيل إنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً أمر ملكاً فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر طائعاً أو کارها(4).
ص: 217
ص: 218
ص: 220
٥٨ - باب الاضطرار (1) إلى الحجّة (2)
[قال أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ مصنف هذا الكتاب رحمه اللّه : حدَّثنا].
1 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن العبّاس بن عمر الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال للزنديق الّذي سأله من أين أثبت (3) الأنبياء والرسل ؟ قال : إنا لما أثبتنا(4) أنَّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً(5) متعالياً لم يجز (6) أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويجاجوه، ثبت أنَّ له سفراء في خلقه، يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جلّ وعزّ، وهم الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة(7)، مبعوثين بها؛ غير مشاركين للناس - على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شيء من أحوالهم (8)
ص: 221
مؤيدين (1) من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثمَّ ثبت (2) ذلك في كلّ دهر ومان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض اللّه من حجّة يكون معه عَلَمٌ(3) يدلُّ على صدق مقالته وجواز عدالته.
2 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن اللّه أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون باللّه، قال : صدقت، قلت: إن من عرف أنَّ له ربّاً، فينبغي له أن يعرف أنَّ لذلك الربّ رضاً وسخطا (4)، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرُّسل (5)، فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة وأن لهم الطاعة المفترضة.
وقلت للناس (6) : تعلمون أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان هو الحجّة من اللّه على خلقه؟ قالوا : بلى. قلتُ فحين مضى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من كان الحجّة على خلقه؟ فقالوا : القرآن. فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي (7) والقدري والزنديق الّذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجّة إلّا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقاً، فقلت لهم : من قيم القرآن (8)؟ فقالوا ابن مسعود (9) قد كان يعلم وعمر يعلم، وحذيفة (10) يعلم،
ص: 222
قلت: كله(1)؟ قالوا : لا، فلم أجد أحداً يقال : إنّه يعرف ذلك كله إلّا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا لا أدري، وقال هذا لا أدري، وقال هذا لا أدري، وقال هذا أنا أدري، فأشهد أن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على النّاس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأن ما قال في القرآن فهو حقٌّ، فقال(2): رحمك اللّه.
3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين ومحمّد بن النعمان، وهشام بن سالم والطيار (3)، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد (4) وكيف سألته ؟ فقال هشام : يا ابن رسول اللّه إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد اللّه : إذا أمرتكم بشيء فافعلوا.
قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك عليَّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة (5) سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها، والناس يسألونه، فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي، ثمَّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ثمَّ قلت: أيّها العالم : إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له : ألك عين؟ فقال : يا بني أي شيء هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه ؟ فقلت هكذا مسألتي فقال : يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء قلت: أجبني فيها، قال لي : سل.
قلت: ألك عين؟ قال : نعم، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص. قلت : فلك أنف؟ قال : نعم، قلت : فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة. قلت: ألك فم؟ قال : نعم، قلت : فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت : فلك أذن ؟ قال : نعم، قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أسمع بها الصوت قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت : فما تصنع به؟ قال:
ص: 223
أميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح والحواس قلت أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال : لا، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بني إنَّ الجوارح إذا شكت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك(1)، قال هشام : فقلت له : فإنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارح ؟ قال : نعم، قلت : لا بدَّ من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح ؟ قال : نعم، فقلت له : يا أبا مروان فاللّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً الجوارحك تردُّ إليه حيرتك وشكك ؟ ! قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً.
ثمَّ التفت إليَّ فقال لي : أنت هشام بن الحكم (2)؟ فقلت: لا(3)، قال: أمن جلسائه؟ قلت : لا، قال : فمن أين أنت؟ قال : قلت من أهل الكوفة قال : فأنت إذا هو، ثمَّ ضمني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه (4) وما نطق حتّى قمت، قال : فضحك أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا هشام من علمك هذا؟ قلت : شيءٌ أخذته منك وألفته، فقال : هذا واللّه مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عمّن ذكره، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجل صاحب كلام (5) وفقه وفرائض (6) وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كلامك من كلام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو من عندك (7)؟ فقال : من كلام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن عندي فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأنت إذاً. شريك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن اللّه عزّ وجلّ يخبرك؟ قال : لا، قال : فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال : لا، فالتفت أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليَّ
ص: 224
فقال : يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه (1) قبل أن يتكلّم، ثمَّ قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس : فيا لها من حسرة، فقلت: جعلت فداك إني سمعتك تنهي عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد (2)، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما قلت : فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون.
ثم قال لي : إخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله؟ قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام، وأدخلت الأحول (3) وكان يحسن الكلام. وأدخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً، وكان قد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا استقر بنا المجلس _ وكان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل الحج يستقر أياماً في جبل في طرف الحرم في فازة له(4) مضروبة _ قال : فأخرج أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب (5) فقال : هشام وربّ الكعبة، قال : فظننا أنَّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل كان شديد المحبة له.
قال : فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلّا من هو أكبر سناً منه قال : فوسع له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ثمَّ قال : يا حمران كلّم الرَّجل، فكلّمه فظهر عليه (6) حمران، ثمَّ قال : يا طاقي كلّمه فكلّمه فظهر عليه الأحول، ثمَّ قال یا هشام بن سالم،کلمه فتعارف (7)، ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقيس الماصر : كلّمه فكلّمه
ص: 225
فأقبل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يضحك من كلامهما ممّا قد أصاب الشاميّ (1).
فقال للشامي كلّم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم - فقال : نعم. فقال لهشام : يا غلام سلني في إمامة هذا، فغضب هشام حتّى ارتعد ثمَّ قال للشامي : يا هذا أربك أنظر (2) لخلقه أم خلقه لأنفسهم ؟ فقال الشامي : بل ربي أنظر لخلقه، قال : ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال : أقام لهم حجّة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودَهُمُ (3) ويخبرهم بفرض ربِّهم، :قال فمن هو ؟ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال هشام فبعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال : الكتاب والسنة، قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي : نعم، قال : فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إيّاك ؟ قال : فسكت الشامي، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للشامي : ما لك لا تتكلّم؟ قال الشامي : إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت : إن الكتاب والسنّة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت (4)، لأنهما يحتملان الوجوه. وإن قلت: قد اختلفنا وكلُّ واحد منا يدَّعي الحقّ فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة. إلّا أنّ لي عليه هذه الحجّة، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): سله تجده مليّاً.
فقال الشامي : يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام ربِّهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام في وقت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو الساعة؟ قال الشامي : في وقت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والساعة من ؟ فقال هشام : هذا القاعد الّذي تشدُّ إليه الرّحال، ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد، قال الشامي : فكيف لي أن أعلم ذلك؟ قال هشام : سله عما بدا لك، قال الشامي : قطعت عذري فعلي السؤال.
فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا شامي : أخبرك كيف كان سفرك؟ وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فأقبل الشامي يقول: صدقت أسلمت اللّه الساعة فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بل آمنت باللّه الساعة، إن الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون(5)، فقال
ص: 226
الشاميُّ : صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنك وصيُّ الأوصياء.
ثم التفت أبو عبد اللّه عليه السلام إلى حمران فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب (1) ؛ والتفت إلى هشام بن سالم، فقال: تريد الأثر ولا تعرفه، ثمَّ التفت إلى الأحول، فقال : قياس رواغ (2) تكسر باطلاً بباطل إلّا أن باطلك أظهر، ثمَّ التفت إلى قيس الماصر، فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أبعد ما تكون منه (3)، تمزج الحقّ مع الباطل وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل، أنت والأحول قفازان حاذقان(4)، قال يونس : فظننت واللّه أنّه يقول لهشام قريباً ممّا قال لهما، ثمَّ قال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت (5) بالأرض طرت مثلك فليكلّم الناس، فاتق الزلّة (6)، والشفاعة من ورائها إن شاء اللّه.
5 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان قال : أخبرني الأحول : أنَّ زيد بن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إليه وهو مستخف(7) قال : فأتيته فقال لي : يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا (8) أتخرج معه؟ قال : فقلت له : إن كان أباك أو أخاك (9) خرجت معه، قال : فقال لي : فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم (10) فاخرج معي، قال : قلت : لا ما أفعل جعلت فداك، قال : فقال لي : أترغب بنفسك عني(11)؟ قال : قلت له :
ص: 227
إنما هي نفسٌ واحدة، فإن كان اللّه في الأرض حجّة فالمتخلف عنك ناج (1) والخارج معك هالك وإن لا تكن اللّه حجّة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء (2).
قال : فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتّى تبرد شفقة عليَّ، ولم يشفق عليَّ من حرّ النار(3)، إذا أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ فقلت له : جعلت فداك من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثمَّ قلت له: جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال : بل الأنبياء. قلت: يقول يعقوب ليوسف: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) (4)، لم لم يخبرهم حتّى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك، قال : فقال : أما واللّه لئن قلت ذلك لقد حدَّثني صاحبك بالمدينة أنّي أقتل وأصلب بالكناسة (5) وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.
فحججت فحدثت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمقالة زيد وما قلت له، فقال لي : أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، ولم تترك له مسلكاً يسلكه.
٥٩ - باب طبقات الأنبياء والرسل(6) والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم ؛ ودرست بن أبي منصور عنه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات (7) : فنبي منباً في نفسه لا يعدو غيرها (8)، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت (9) ولا
ص: 228
يعاينه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط (عَلَيهِ السَّلَامُ)(1)، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد أرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا، كيونس. قال اللّه ليونس: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (2) قال : يزيدون : ثلاثين ألفاً وعليه إمام (3)، والّذي يرى يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم (4). وقد كان إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) نبياً وليس بإمام حتّى قال اللّه : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (5) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً.
2 - محمّد بن الحسن عمّن ذكره عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد - الشحّام قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ اللّه تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيّاً، وإن اللّه اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وإنّ اللّه اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وإنَّ اللّه اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). قال : فمن عِظَمِها في عين إبراهيم قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال : لا يكون السفيه (6) إمام التقيّ.
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن هشام (7) عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سادة النبيّين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى (8) : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلى اللّه عليه وآله وعلى جميع الأنبياء.
٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السفاتج، عن جابر (9)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إِنَّ اللّه اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيّاً، واتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً،
ص: 229
واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له هذه الأشياء _ وقبض يده -(1) قال له : يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماماً، فمِن عِظَمِها في عين إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا رب ومن ذريتي، قال : لا ينال عهدي الظالمين.
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وكان رسولاً نبياً) (2) ما الرسول وما النبيّ ؟ قال : النبيّ الّذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الّذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك، قلت : الإمام ما منزلته؟ قال : يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك، ثمَّ تلا هذه الآية: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ (ولا محدَّث)) (3).
2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرَّار قال : كتب الحسن بن العبّاس المعروفي إلى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام؟ قال: فكتب أو قال(4): الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام أنّ الرّسول الّذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والنبيّ ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع والإمام هو الّذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص.
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول (5) قال سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرَّسول والنبيّ والمحدَّث، قال : الرَّسول الّذي يأتيه جبرئيل قبلا (6) فيراه ويكلّمه فهذا الرَّسول، وأما النبيّ فهو الّذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (7) ونحو ما كان
ص: 230
رأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من أسباب النبوّة قبل الوحي حتّى أتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عند اللّه بالرسالة، وكان محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين جمع له النبوّة وجاءته الرسالة من عند اللّه يجيئه بها جبرئيل ويكلّمه بها قبلاً، ومن الأنبياء من جمع له النبوّة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه، من غير أن يكون يرى في اليقظة، وأما المحدَّث فهو الّذي يحدث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه.
٤ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن حسان عن ابن فضال، عن عليّ بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم عن بريد(1)، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله عزّ وجلّ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ (ولا محدَّث)) قلت: جعلت فداك ليست هذه قراءتنا فما الرسول والنبيّ والمحدَّث؟ قال: الرسول الّذي يظهر له الملك فيكلّمه، والنبيّ هو الّذي يرى في منامه، وربما اجتمعت النبوّة والرسالة لواحد، والمحدَّث الّذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة قال : قلت : أصلحك اللّه كيف يعلم أنَّ الّذي رأى في النوم حقٌّ، وأنّه من المَلَك ؟ قال : يوفّق لذلك (2) حتّى يعرفه، لقد ختم اللّه بكتابكم الكتب وختم بنبيكم الأنبياء.
1 - محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن محبوب، عن داود الرقي، عن العبد الصالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الحجّة لا تقوم (3) اللّه على خلقه إلّا بإمام حتّى يُعرف (4).
2 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الحجّة لا تقوم اللّه عزّ وجلّ على خلقه إلّا بإمام حتى يُعرف.
ص: 231
3 - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن محمّد بن عمارة، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ الحجّة لا تقوم اللّه على خلقه إلّا بإمام حتّى يُعرف.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن خلف بن حماد، عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق(1).
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن أبي عمير، عن - الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال : لا، قلت: يكون إمامان؟ قال: لا إلّا وأحدهما صامت (2).
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام (3)، كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم.(4).
3 - محمّد بر بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المسلّي، عن عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما زالت الأرض إلّا ولله فيها الحجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو النّاس إلى سبيل اللّه.
٤ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا
ص: 232
5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إنَّ اللّه لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يعرف الحقّ من الباطل (1).
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن، محمّد عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه أجلُّ وأعظمُ من أن يترك الأرض بغير إمام عادل.
7 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة وهشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق، عمن يثق به من أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اللّهمّ إنّک لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك
8 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : واللّه ما ترك اللّه أرضاً منذ قبض آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى اللّه وهو حجّته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة اللّه على عباده.
٩ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن أبي عليّ بن
راشد (2) قال : قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن الأرض لا تخلو من حجّة وأنا واللّه ذلك الحجّة.
10 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة (3) عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام
قال : قلت لابي لساخت (4).
11 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له؛ أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: فإنا نروي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّها لا تبقى بغير إمام إلّا أن يسخط اللّه تعالى على أهل الأرض أو على العباد، فقال: لا، لا تبقى إذاً لساخت.
ص: 233
12 - عليٌّ، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه المؤمن (1)، عن أبي هراسة(2)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله.
١٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء (3) قال : سألت أبا الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لا، قلت : إنا نروي أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط اللّه عزّ وجلّ على العباد؟ قال : لا تبقى إذاً لساخت.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن الطيار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لو لم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة (4).
2 - أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن سنان عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجّة على صاحبه.
محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى مثله.
3 - محمّد بن يحيى، عمّن ذكره عن الحسن بن موسى الخشاب، عن جعفر بن محمّد، عن كَرّام قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لو كان النّاس رجلين لكان أحدهما الإمام. وقال : إنَّ آخر من يموت الإمام، لئلا يحتج أحدٌ على اللّه عزّ وجلّ أنّه تركه بغير حجّة اللّه عليه.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد البرقي عن عليّ بن إسماعيل، عن ابن سنان عن حمزة بن الطيار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لولم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة - أو الثاني الحجّة - الشك من أحمد بن محمّد.
٥ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن النهدي (5)، عن أبيه، عن يونس بن
ص: 234
يعقوب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان الإمام أحدهما.
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال : حدَّثنا محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما يعبد اللّه من يعرف اللّه، فأمّا من لا يعرف اللّه فإنّما اللّه فإنّما يعبده هكذا ضلالاً (1) قلت: جعلت فداك فما معرفة اللّه ؟ قال : من تصديق اللّه عزّ وجلّ، وتصديق رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وموالاة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) والائتمام به وبأئمة الهدى (عَلَيهِ السَّلَامُ) والبراءة إلى اللّه عزّ وجلّ من عدوّهم (2)، هكذا يعرف اللّه عزّ وجلّ.
2 - الحسين، عن معلّى عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن عائذ، عن أبيه، عن ابن أذينة (3) قال : حدَّثنا غير واحد عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا يكون العبد مؤمناً حتّى يعرف اللّه ورسوله والأئمّة كلّهم وإمام زمانه، ويرد إليه ويسلّم له، ثمَّ قال : كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل (4) ؟ !
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى النّاس أجمعين رسولاً وحجة اللّه على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن باللّه وبمحمّد رسول اللّه واتبعه وصدقه، فإنَّ معرفة الإمام منا واجبة عليه ؛ ومن لم يؤمن باللّه وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدّقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام (5) وهو لا يؤمن باللّه ورسوله ويعرف حقهما؟! قال : قلت : فما تقول فيمن يؤمن باللّه ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل اللّه، يجب على أولئك حق معرفتكم؟ قال: نعم أليس
ص: 235
هؤلاء يعرفون فلاناً وقلان (1)؟ قلت بلى قال : أترى أنّ اللّه هو الّذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ واللّه ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان لا واللّه ما ألهم المؤمنين حقّنا إلّا اللّه عزّ وجلّ.
٤ _ عنه، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّما يعرف اللّه عزّ وجلّ ويعبده من عرف اللّه وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف اللّه عزّ وجلّ و [لا] يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير اللّه هكذا واللّه ضلالاً.
5 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب عن معاوية بن وهب عن ذريح (2) قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الأئمّة بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إماماً، ثمَّ كان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إماماً، ثمَّ كان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إماماً، ثمَّ كان عليّ بن الحسين إماماً، ثمَّ كان محمّد بن على إماماً، من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة اللّه تبارك وتعالى ومعرفة رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ قال : قلت : ثمَّ أنت (3) جعلت فداك؟ - فأعدتها عليه ثلاث مرَّات - فقال لي : إنّي إنّما حدثتك لتكون من شهداء اللّه تبارك وتعالى في أرضه(4).
٦ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عمّن ذكره عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّکم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ولا تعرفوا حتّى تصدّقوا ولا تصدقوا حتّى تسلّموا أبواباً أربعة (5) لا يصلح
ص: 236
أوّلها إلّا بآخرها ضلَّ أصحاب الثلاثة (1) وتاهوا تيهاً بعيداً. إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يقبل إلّا العمل الصالح ولا يقبل اللّه إلّا الوفاء بالشروط والعهود، فمن وفى اللّه عزّ وجلّ بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل [ما] وعده إن اللّه تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار (2) وأخبرهم كيف يسلكون، فقال : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (3) وقال : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(4) فمن اتقى اللّه فيما أمره لقي اللّه مؤمناً بما جاء به محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، هيهات هيهات (5) فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا، وظنوا أنّهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون.
إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى؛ وصل اللّه طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته (6)، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه ولا رسوله، وهو الإقرار بما أنزل من عند اللّه عزّ وجلّ، خذوا زينتكم عند كلّ مسجد والتمسوا البيوت التي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنّه أخبركم أنَّهم (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (7). إنّ اللّه قد استخلص الرُّسل لأمره، ثمَّ استخلصهم مصدّقين بذلك في نُذُره، فقال: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (8) تاه (9) من جهل، واهتدى من أبصر وعقل، إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (10). وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم يتدبّر؟ اتبعوا رسول اللّه وأهل بيته وأقرُّوا بما نزل من عند اللّه واتبعوا آثار الهدى، فإنّهم علامات الأمانة والتقى، واعلموا أنّه لو أنكر رجل عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأقر بمن
ص: 237
سواه من الرُّسل لم يؤمن اقتصوا (1) الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار (2) تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا باللّه ربكم.
7 - عدَّةً - من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحسين بن صغير، عمّن حدَّثه عن ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : أبى اللّه أن يُجري الأشياء إلّا بأسباب، فجعل لكلّ شيء سبياً (3) وجعل لكلّ سبب شرحاً (4) وجعل لكلّ شرح عَلَماً (5)، وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً (6)، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ذاك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونحن.
8 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كلّ من دان اللّه عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحيّر، واللّه شاني : (7) لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت (8) ذاهبة وجائية يومها، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنّت إليها واغترت بها، فباتت معها في مريضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة (9) متحيرة تائهة، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك واللّه يا محمّد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من اللّه عزّ وجلّ ظاهرا (10) عادل، أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على
ص: 238
هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمّد أنَّ أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه، قد ضلّوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) (1).
9 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن الهيثم بن واقد عن مقرن (2) قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : جاء ابن الكواء (3) إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا أمير المؤمنين: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) (4) فقال : نحن على الأعراف، نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن الأعراف الّذي لا يُعرف اللّه عزّ وجلّ إلّا بسبيل معرفتنا، ونحن الأعراف يعرّفنا اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط، فلا يدخل الجنة إلّا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلّا من أنكرنا وأنكرناه.
إنّ اللّه تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه(5) وصراطه وسبيله والوجه الّذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضَّل علينا غيرنا، فإنهم عن الصراط لناكبون (6) ؛ فلا سواء (7) من اعتصم النّاس به ولا سواء حيث ذهب النّاس إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها ولا انقطاع.
10 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الريان بن شبيب عن يونس، عن أبي أيّوب الخزاز، عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا حمزة يخرج أحدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلاً، وأنت بطرق السماء أجهل منك بطرق الأرض (8)، فاطلب لنفسك دليلاً.
ص: 239
11 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) (1) فقال : طاعة اللّه ومعرفة الإمام.
12 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن أبي بصير قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل عرفت إمامك ؟ قال : قلت : إي واللّه، قبل أن أخرج من الكوفة، فقال: حسبك إذاً (2).
13 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن بريد قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول في قول اللّه تبارك وتعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (3) فقال: «ميت» لا يعرف شيئاً و (نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) : إماماً يؤتم به (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (4) قال : الّذي لا يعرف الإمام.
١٤ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن محمّد بن أورمة ومحمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دخل أبو عبد اللّه الجدليّ على أمير المؤمنين فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أبا عبد اللّه ألا أخبرك بقول اللّه عزّ وجلّ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (5) قال : بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فقال : الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت والسيّئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت، ثمَّ قرأ عليه هذه الآية.
١ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذروة الأمر وسنامه (6) ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة
ص: 240
للإمام بعد معرفته، ثمَّ قال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى يقول : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (1).
2 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح (2) قال : أشهد أنّي سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أشهد أنَّ عليّاً إمام فرض اللّه طاعته، وأنَّ الحسن إمام فرض اللّه طاعته، وأنَّ الحسين إمام فرض اللّه طاعته، وأن عليّ بن الحسين إمام فرض اللّه طاعته، وأنَّ محمّد بن عليّ إمام فرض اللّه طاعته.
٣ - وبهذا الإسناد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ قال : حدَّثنا حماد بن عثمان، عن بشير العطّار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نحن قوم فرض اللّه طاعتنا وأنتم تأتمون بمن لا يعذر النّاس بجهالته (3).
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (4) قال: الطاعة المفروضة.
٥ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي خالد القماط (5) عن أبي الحسن العطّار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أشرك (6) بين الأوصياء والرُّسل في الطاعة.
٦ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نحن قوم فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتنا لنا الأنفال (7)، ولنا صفو المال (8) ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الّذين قال اللّه: («أَمْ يَحْسُدُونَ
ص: 241
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (1).
7 - أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرت لأبي، عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قولنا في الأوصياء أنَّ طاعتهم مفترضة قال : فقال : نعم، هم الّذين قال اللّه تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (2) وهم الّذين قال اللّه عزّ وجلّ : (ِإنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (3).
8 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسي أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : طاعتك مفترضة ؟ فقال : نعم، قال : مثل طاعة عليّ (4) بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقال : نعم.
9 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن الأئمّة هل يجرون في الأمر والطاعة(5) مجرى واحداً(6)؟ قال : نعم.
١٠ _ وبهذا الإسناد، عن مروك بن عبيد، عن محمّد بن زيد الطبري قال: كنت قائماً على رأس الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخراسان وعنده عدَّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العبّاسي فقال : يا :إسحاق بلغني أن النّاس يقولون : إنا نزعم أن النّاس عبيد لنا(7)، لا أنَّ : وقرابتي (8) من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما قلته قط ولا سمعته من آبائي قاله، ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله ؛ ولكني أقول : النّاس عبيد لنا في الطاعة (9)، موال (10) لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب.
ص: 242
11 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن أبي سلمة (1) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : نحن الّذين فرض اللّه طاعتنا، لا : يسع النّاس إلّا معرفتنا ولا يعذر النّاس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً (2)، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتّى يرجع إلى الهدى الّذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء.
12 - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن الفضيل قال: سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ، قال : أفضل ما يتقرب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): حبُّنا إيمان وبغضنا كفر.
13 - محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان، عن عبد اللّه بن سنان عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعرض عليك ديني الّذي أدين اللّه عزّ وجلّ به؟ قال : فقال هات قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأن محمّداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، وأنّ عليّاً كان إماماً فرض اللّه طاعته، ثمَّ كان بعده الحسن إماماً فرض اللّه طاعته، ثمَّ كان بعده الحسين إماماً فرض اللّه طاعته، ثمَّ كان بعده عليّ بن الحسين إماماً فرض اللّه طاعته حتّى انتهى الأمر إليه، ثمَّ قلت أنت يرحمك اللّه؟ قال: فقال: هذا دین اللّه ودين ملائكته.
١٤ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة عن أبي إسحاق عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اعلموا أن صحبة العالم (3) واتباعه دين يدان اللّه به، وطاعته مكسبة للحسنات ممحات للسيئات وذخيرة للمؤمنين ورفعة فيهم في حياتهم وجميل بعد مماتهم.
15 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ اللّه أجلّ وأكرم من أن يُعْرَفَ بخلقه بل الخلق يُعْرَفون باللّه، قال : صدقت، قلت إنَّ من عرف أنَّ له ربّاً، فقد ينبغي له أن يعرف أن لذلك الربّ رضاً
ص: 243
وسخطاً، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فينبغي له أن يطلب الرُّسل فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة وأنّ لهم الطاعة المفترضة، فقلت للناس: أليس تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان هو الحجّة من اللّه على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من كان الحجّة؟ قالوا : القرآن فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق الّذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلّا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقاً فقلت لهم : من قيم القرآن قالوا : ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم، قلت : كله ؟ قالوا : لا، فلم أجد أحداً يقال إنّه يعلم القرآن كله إلّا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا : لا أدري وقال هذا : لا أدري وقال هذا لا أدري، وقال هذا (1) : أنا أدري، فأشهد أن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على النّاس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنَّ ما قال في القرآن فهو حقٌّ، فقال: رحمك اللّه، فقلت : إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ل_م يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأَنَّ الحجّة بعد عليّ الحسن بن عليّ، وأشهد على الحسن أنّه لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك أبوه وجده وأنَّ الحجّة بعد الحسن والحسين وكانت طاعته مفترضة. فقال : رحمك اللّه، فقبلت رأسه وقلت : وأشهد على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده عليّ بن الحسين وكانت طاعته مفترضة فقال : رحمك اللّه، فقبلت رأسه وقلت : وأشهد على عليّ بن الحسين أنّه لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده محمّد بن عليّ أبا جعفر وكانت طاعته مفترضة، فقال : رحمك اللّه، قلت : أعطني رأسك حتّى أقبله، فضحك، قلت: أصلحك اللّه قد علمت أن أباك لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك أبوه وأشهد باللّه أنك أنت الحجّة وأنَّ طاعتك مفترضة، فقال : كفَّ رحمك اللّه، قلت : أعطني رأسك أقبله فقبلت رأسه فضحك وقال : سلني عمّا شئت، فلا أنكرك (2) بعد اليوم أبداً.
١٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمّد الجوهري عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): الأوصياء طاعتهم مفترضة ؟ قال : نعم هم الّذين قال اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
ص: 244
وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).
17 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن عن حماد، عن عبد الأعلى (1) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : السمع والطاعة (2) أبواب الخيز (3)، السامع المطيع لا حجّة عليه (4)، والسامع العاصي لا حجّة له (5)، وإمام المسلمين تمت حجّته، واحتجاجه يوم يلقى اللّه عزّ وجلّ ثمَّ قال: يقول اللّه تبارك وتعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (6).
1 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن سماعة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًااً) (7) قال : نزلت في أمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاصّة (8)، في كلّ قرن منهم إمامٌ منا شاهد عليهم ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شاهد علينا.
٢ - الحسين بن محمّد، عن معلی بن محمّد عن عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ عن عمر بن أذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (9) قال: نحن الأمة الوسطى، ونحن شهداء اللّه على خلقه وحججه في أرضه قلت: قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) (10) قال : إيانا عنى خاصّة (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (11) في الكتب التي مضت «وفي هذا» (12) القرآن (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ) (13) فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 245
الشهيد علينا بما بلغنا عن اللّه عزّ وجلّ، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدّق صدَّقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة.
٣ - وبهذا الإسناد، عن معلىّ بن محمّد عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن عمر الحلال قال: سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) (1) فقال : أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه الشاهد على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على بينة (2) من ربه.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): قول اللّه تبارك وتعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) قال: نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء اللّه تبارك وتعالى على خلقه وحججه في أرضه قلت قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ) (3) قال : إيانا عنى ونحن المجتبون، ولم يجعل اللّه تبارك وتعالى في الدّين «من حَرَج» فالحرج أشدُّ من الضيق. (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) إيانا عنى خاصّة و(سماكم المسلمين) اللّه سمانا المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرآن (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الشهيد علينا بما بلغنا عن اللّه تبارك وتعالى، ونحن الشهداء على النّاس (4)، فمن صدَّق يوم القيامة صدقناه ومن كذَّب كذَّبناه.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قال: إن اللّه تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا (5) وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه (6)، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا (7)
ص: 246
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد وفضالة بن أيّوب عن موسى بن بكر، عن الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (1) فقال : كلّ إمام هادٍ للقرن (2) الّذي هو فيهم.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) فقال : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المنذر ولكلّ زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ الهداة من بعده على ثمَّ الأوصياء واحد بعد واحد.
٣ - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إسماعيل، عن سعدان (3)، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) ؟ فقال : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المنذر وعلي الهادي، يا أبا محمّد هل من هاد اليوم؟ قلت: بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد بعدها حتّى دُفِعَت (4) إليك، فقال: رحمك اللّه يا أبا محمّد، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثمَّ مات ذلك الرَّجل، ماتت الآية، مات الكتاب (5)، ولكنه حتي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور، عن عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تبارك وتعالى : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) فقال : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المنذر وعلي الهادي، أما واللّه ما ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة (6).
1 - محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن أبي زاهر عن الحسن بن موسى، عن
ص: 247
عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نحن ولاة أمر اللّه، وخزنة علم اللّه وعيبة وحي اللّه (1).
٢ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن عليّ بن أسباط، عن أبيه أسباط، عن سَوْرَة بن كليب قال : قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه إنا لخزان اللّه سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضّة إلّا على علمه.
3- عليّ بن موسى، عن موسى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقيّ، عن النضر بن سويد رفعه، عن سدير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك ما أنتم (2)؟ قال : نحن خزّان علم اللّه، ونحن تراجمة وحي اللّه (3)، ونحن الحجّة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض (4).
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن النضر بن شعيب (5)، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): قال اللّه تبارك وتعالى : استكمال حجّتي (6) على الأشقياء من أمتك من ترك (7) ولاية علي والأوصياء من بعدك، فإنَّ فيهم سنتك وسنّة الأنبياء من قبلك، وهم خزّاني على علمي من بعدك، ثمَّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): لقد أنبأني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأسمائهم وأسماء آبائهم.
٥ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن خالد، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن أبي يعفور إنَّ اللّه واحدٌ متوحد بالوحدانية، متفرّدُ بأمره، فخلق خلقاً فقدرهم لذلك الأمر، فنحن هم. يا ابن يعفور فنحن حجج اللّه في عباده وخزانه على علمه، والقائمون بذلك.
ص: 248
٦ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن موسى بن القاسم بن معاوية؛ ومحمّد بن يحيى، عن (1) العمر كي بن عليّ جميعاً، عن عليّ بن جعفر عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه عزّ وجلّ خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا خزانه في سمائه وأرضه، ولنا نطقت الشجرة (2) وبعبادتنا عبد اللّه عزّ وجلّ، ولولانا ما عبد اللّه.
1 - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد عن أبي مسعود، عن الجعفري (3) قال سمعت أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الأئمّة خلفاء اللّه عزّ وجلّ في أرضه.
٢ - عنه، عن معلّى عن محمّد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الأوصياء هم أبواب (4) اللّه عزّ وجلّ التي يؤتى منها، ولولاهم ما عُرف اللّه عزّ وجلّ، وبهم احتجّ اللّه تبارك وتعالى على خلقه.
٣ _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه جل جلاله : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (5) قال : هم الأئمّة.
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن مرداس قال : حدَّثنا
ص: 249
صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن أبي خالد الكابلي (1) قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) (2) فقال : يا أبا خالد : النور واللّه نور الأئمّة من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى يوم القيامة(3)، وهم واللّه نور اللّه الّذي أنزل، وهم واللّه نور اللّه في السماوات وفي الأرض واللّه يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ؛ وهم واللّه ينوّرون في قلوب المؤمنين، ويحجب اللّه عزّ وجلّ نورهم عمَّن يشاء فتظلم قلوبهم ؛ واللّه يا أبا خالد لا يحبّنا عبد ويتولانا حتّى يطهر اللّه قلبه، ولا يطهر اللّه قلب عبد حتّى يسلّم لنا (4) ويكون سلماً (5) لنا، فإذا كان سلماً لنا سلّمه اللّه من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.
2 - عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ - إلى قوله - وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (6) قال : النور في هذا الموضع [علي] أمير المؤمنين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي الجارود قال: قلت: قول اللّه تعالى : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ إلى قوله - أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) (7) قال : فقال : قد آتاكم اللّه كما آتاهم، ثمَّ تلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ (8) مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) (9) يعني إماماً تأتمون به.
ص: 250
٤ _ أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن عليّ بن أسباط - والحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) فقال : يا أبا خالد : النور واللّه الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ). يا أبا خالد : لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الّذين ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب اللّه نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها (1).
5 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد اللّه بن القاسم، عن صالح بن سهل الهمداني قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) (2) فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) (فِيهَا مِصْبَاحٌ) الحسن (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) الحسين (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) فاطمة كوكبٌ درّي بين نساء أهل الدُّنيا (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانية (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يكاد العلم ينفجر بها ولو لم تمسسه نار نور على نور إمامٌ منها بعد إمام (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) يهدي اللّه للأئمة من يشاء (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ)، قلت : (أو كظلمات...) (3) قال : الأوّل وصاحبه (4) (يغشاه موج) الثالث (5). (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ.. ظُلُمَاتٌ) الثاني (6) (بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) معاوية لعنه اللّه وفتن بني أمية (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ) المؤمن في ظلمة فتنتهم (لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا) إماماً من ولد فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) (فما له من نور) إمام يوم القيامة.
وقال في قوله : (يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) (7): أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتّى ينزلوهم منازل أهل الجنة.
عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد عن موسى بن القاسم البجلي ومحمّد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ جميعاً، عن عليّ بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أخيه
ص: 251
موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.
٦ - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد اللّه، عن محمّد بن الحسن وموسى بن عمر، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته قول اللّه تبارك وتعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) (1) قال يريدون ليطفؤوا ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأفواههم، قلت : قوله تعالى : (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قال : يقول : واللّه متم الإمامة والإمامة هى النور وذلك قوله عزّ وجلّ: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) قال : النور هو الإمام.
١ - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما جاء به علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الفضل على جميع من خلق اللّه عزّ وجلّ المتعقب(2) عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على اللّه وعلى رسوله. والراد عليه في صغيرة أو كبيرة (3) على حد (4) الشرك باللّه، كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) باب اللّه الّذي لا يؤتى إلّا منه، وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد(5) بأهلها وحجّته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم اللّه بین الجنة والنار (6)، وأنا الفاروق (7) الأكبر وأنا صاحب العصا
ص: 252
والميسم (1) ولقد أقرت لي جميع الملائكة والرُّوح والرُّسل بمثل ما أقروا به لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولقد حملت على مثل حمولته (2) وهي حمولة الربّ، وإن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يدعى فيكسى، وأدعى فأكسى(3)، ويستنطق واستنطق (4) فأنطق على حدّ منطقه، ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي علمتُ المنايا والبلايا (5)، والأنساب (6) وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يغرب عنّي ما غاب عنّي (7)، أبشر بإذن اللّه وأؤدي عنه، كلّ ذلك من اللّه مكنني فيه بعلمه.
الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور العمي، عن محمّد بن سنان قال : حدَّثنا المفضّل قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول، ثمَّ ذكر الحديث الأول.
2 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي قال: حدَّثنا سعيد الأعرج قال : دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فابتدأنا فقال يا سليمان ما جاء عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يؤخذ به، وما نهى عنه ينتهي عنه. جرى له من الفضل ما جرى لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الفضل على جميع من خلق اللّه المعيب على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شيء من أحكامه كالمعيب على اللّه عزّ وجلّ وعلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك باللّه، كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه باب اللّه الّذي لا يؤتى إلّا منه وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك، وبذلك جرت الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) واحد بعد واحد جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بهم، والحجّة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.
وقال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا قسيم اللّه بين الجنّة والنار، وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح بمثل ما أقرَّت لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 253
ولقد حملت على مثل حمولة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهي حمولة الربّ، وإنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يُدعى فيكسى ويُسْتَنطَق وأدعى فأكسى واستنطق فأنطق على حدّ منطقه، ولقد أعطيت خصالاً لم يعطهنَّ أحد قبلي علمت علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يغرب عنّي ما غاب عنّي، أبشر بإذن اللّه وأؤدي عن اللّه عزّ وجلّ، كلّ ذلك مكنني اللّه فيه بإذنه.
٣ - محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد جميعاً، عن محمّد بن الحسن، عن عليّ بن حسان قال : حدَّثني أبو عبد اللّه الرياحي، عن أبي الصامت الحلواني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : فَضْلُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1) : ما جاء به آخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الطاعة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والفضل لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، المتقدّم بين يديه كالمتقدّم بين يدي اللّه ورسوله والمتفضّل عليه (2) كالمتفضّل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك باللّه، فإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) باب اللّه الّذي لا يؤتى إلّا منه، وسبيله الّذي من سلكه وصل إلى اللّه عزّ وجلّ، وكذلك كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعده، وجرى للأئمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحداً بعد واحد، جعلهم اللّه عزّ وجلّ أركان الأرض أن تميد بأهلها، وعمد(3) الإسلام، ورابطة على سبيل هداه لا يهتدي هاد إلّا بهداهم، ولا يضلَّ خارج من الهدى إلّا بتقصير عن حقهم أمناء اللّه على ما أهبط من علم أو عذر أو نذر (4)، والحجّة البالغة على من في الأرض، يجري لا من اللّه مثل الّذي جرى لأوَّلهم، ولا يصل أحد إلى ذلك إلّا بعون اللّه.
وقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا قسيم اللّه بين الجنّة والنار، لا يدخلها داخل إلّا على حدّ قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدّي عمّن كان قبلي، لا يتقدّمني أحد إلّا أحمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإنّي وإياه لعلى سبيل واحد، إلّا أنّه هو المدعو باسمه (5). ولقد أعطيت
ص: 254
الستَ علم المنايا والبلايا والوصايا (1) ؛ وفصل الخطاب ؛ وإنّي لصاحب الكرات ودولة الدول (2) ؛ وإنّي لصاحب العصا والميسم ؛ والدابة التي تُكلّم الناس.
1 - أبو محمّد القاسم بن العلاء _ رحمه اللّه - رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال : كنا، مع الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمَرُو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف النّاس فيها، فدخلت على سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعلمته خوض النّاس فيه، فتبسم (3) (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ قال قال : يا عبد العزيز : جهل القوم وخدعوا(4) عن آرائهم إن اللّه عزّ وجلّ لم يقبض نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّی أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه النّاس كَمَلاً، فقال عزّ وجلّ: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (5) وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (6) وأمر الإمامة من تمام الدّين (7)، ولم يمض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد (8) سبيل الحقّ، وأقام لهم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) علماً وإماماً، وما ترك [لهم] شيئاً تحتاج إليه الأمة إلّا بينه، فمن زعم أنَّ اللّه عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد ردَّ كتاب اللّه، ومن ردَّ كتاب اللّه فهو كافر به.
هل يعرفون(9) قدر الإمامة ومحلّها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إنَّ الإمامة أجلُّ قدراً رأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها النّاس بعقولهم، أو ينالوها
ص: 255
بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم، إنَّ الإمامة خصَّ اللّه عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد النبوّة، والخِلَّة (1) مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره، فقال : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) فقال الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ) سروراً بها: «ومن ذريتي»، قال اللّه تبارك وتعالى : لا ينال عهدي الظالمين. فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة (2)، ثمَّ أكرمه اللّه تعالى بأن جعلها في ذرّيّته (3) أهل الصفوة والطهارة فقال : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (4).
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورثها اللّه تعالى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال جلّ وتعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (5) فكانت له خاصّة فقلّدها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأمر اللّه تعالى على رسم ما فرض اللّه، فصارت في ذريته الأصفياء (6) الّذين آتاهم اللّه العلم والإيمان، بقوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ) (7) فهي في ولد علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصّة إلى يوم القيامة؛ إذ لا نبي بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (8) فمن أين يختار هؤلاء الجهال (9).
إنَّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة اللّه وخلافة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومقام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وميراث الحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). إنّ الإمامة زمام الدّين (10)، ونظام المسلمين (11)، وصلاح الدُّنيا وعز المؤمنين، إنّ الإمامة أس الإسلام (12).
ص: 256
النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير (1) الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف (2).
الإمام يحلُّ حلال اللّه، ويحرم حرام اللّه، ويقيم حدود اللّه، ويذب عن دين اللّه، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم، وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام البدر المنير والسراج الزاهر، والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى (3) وأجواز (4) البلدان والقفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء، والدال على الهدى، والمنجي من الرّدى، الإمام النار على اليَفَاع (5)، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة، والعين الغزيرة والغدير والروضة.
الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرّة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد (6) الإمام أمين اللّه في خلقه، وحجّته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى اللّه، والذاب عن حرم اللّه.
الإمام المطهر من الذنوب والمبرا عن العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره (7)، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظیر مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضّل الوهاب.
فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره هيهات هيهات، ضلّت العقول، وتاهت الحلوم وحارت الألباب، وخسئت العيون (8) وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء
ص: 257
وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكنت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنّى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟!.
أتظنون أنَّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، كذبتهم واللّه أنفسهم، ومنتهم الأباطيل فارتقوا مرتقاً صعباً حضاً، تزلُّ عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلّا بعداً، (قاتلهم اللّه أنى يؤفكون) ولقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً، وضلّوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار اللّه واختيار رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (1). وقال عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية (2). وقال : (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (3) وقال عزّ وجلّ: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (4) أم (طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) (5) أم (قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (6) أم (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) (7) بل هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم، فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل (8)، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة، والعلم والعبادة،
ص: 258
مخصوص بدعوة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش والذروة من هاشم، والعترة من الرّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والرّضا من اللّه عزّ وجلّ، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه عزّ وجلّ، ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه.
إنّ الأنبياء والأئمّة صلوات اللّه عليهم يوفقهم اللّه ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (1) وقوله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) (2) وقوله في طالوت : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (3) وقال لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (4) وقال في الأئمّة من أهل بيت نبيّه وعترته وذريته صلوات اللّه عليهم: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (5).
وإنَّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ وجلّ لأمور عباده، شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي (6) بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيّد، موفق مسدَّد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه اللّه بذلك ليكون حجّته (7) على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم.
فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه، تعدوا - وبيت اللّه - الحقّ ونبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب اللّه الهدى
ص: 259
والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم، فذمّهم اللّه ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (1) وقال : (فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) (2) وقال : (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (3) وصلّى اللّه على النبيّ محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبة له يذكر فيها حال الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وصفاتم : أنّ اللّه عزّ وجلّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه، وأبلج (4) بهم عن سبيل منهاجه، وفتح (5) بهم عن باطن ينابيع علمه فمن عرف من أمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واجب حق إمامه (6)، وجد طعم حلاوة إيمانه وعلم فضل طلاوة إسلامه (7)، لأنّ اللّه تبارك وتعالى نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله حجّة على أهل مواده (8) وعالمه، وألبسه اللّه تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، يمدُّ بسبب إلى السماء، لا ينقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند اللّه إلّا بجهة أسبابه، ولا يقبل اللّه أعمال العباد إلّا بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدُّجى، ومعميّات السنن (9) ومشبهات الفتن (10)، فلم يزل اللّه تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عقب كلّ إمام يصطفيهم لذلك ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلّ ما مضى منهم إمامٌ نصب لخلقه من عقبه إماماً، علماً بيناً، وهادياً نيراً، وإماماً قيماً، وحجّة عالماً، أئمة من اللّه يهدون بالحقّ وبه يعدلون حجج اللّه ودعاته ورعاته على خلقة، يدين بهديهم العباد وتمستهلُّ (11) بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد (12)، جعلهم اللّه حياة للأنام، ومصابيح
ص: 260
للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام جرت بذلك فيهم مقادير اللّه على محتومها.
فالإمام هو المنتجب المرتضى، والهادي المنتجى (1)، والقائم المرتجى، اصطفاه اللّه بذلك واصطنعه على عينه في الذرّ (2) حين ذرأه، وفي البرية حين برأه، ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه محبواً بالحكمة في علم الغيب عنده اختاره بعلمه، وانتجبه لطهره، بقية من أدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخيرة من ذرية نوح، ومصطفى من آل إبراهيم، وسلالة من إسماعيل، وصفوة من عترة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يزل مرعيّاً بعين اللّه يحفظه ويكلؤه بستره، مطروداً عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق (3) ونفوث كلّ فاسق (4)، مصروفاً عنه قوارف السوء، مبرءاً من العاهات محجوباً عن الآفات معصوماً من الزلات مصوناً عن الفواحش كلّها، معروفاً بالحلم والبرّ في يفاعه (5)، منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه، مسنداً إليه أمر والده (6)، صامتاً عن المنطق في حياته (7).
فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير اللّه إلى مشيئته، وجاءت الإرادة من اللّه فيه إلى محبته، وبلغ منتهى مدَّة والده (عَلَيهِ السَّلَامُ) فمضى وصار أمر اللّه إليه من بعده، وقلّده دينه، وجعله الحجّة على عباده، وقيمه في بلاده وأيده بروحه وآتاه علمه، ونصبه علماً لخلقه وجعله حجّة على أهل عالمه، وضياء لأهل دينه، والقيم على عباده، رضي اللّه به إماماً لهم، استودعه سره واستحفظه علمه واستخبأه حكمته (8) واسترعاه لدينه وانتدبه لعظيم أمره، وأحيا به مناهج سبيله وفرائضه وحدوده، فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل، وتحيير أهل الجدل بالنور الساطع، والشفاء النافع، بالحقّ الأبلج، والبيان اللائح من كلّ مخرج، على طريق المنهج، الّذي مضى عليه الصادقون من آب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فليس يجهل حقَّ هذا العالم إلّا شقي، ولا يجحده إلّا غوي، ولا يصدُّ عنه إلّا جري على اللّه جل وعلا.
ص: 261
١ - الحسين بن محمّد بن عامر الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد قال : حدَّثني الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ عن ابن أذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) فكان جوابه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) (2) يقولون لأئمة الضلالة والدُّعاة إلى النار : هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلا (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ - يعني الإمامة والخلافة _ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) (3) نحن النّاس الّذين عنى اللّه، والنقير النقطة التي في وسط النواة (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (4) نحن النّاس المحسودون على ما آتانا اللّه من الإمامة دون خلق اللّه أجمعين (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (5) يقول : جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمّة، فكيف يقرون به في آل إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وينكرونه في آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (6).
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تبارك وتعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) قال: نحن المحسودون.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي، عن محمّد الأحول عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ):
ص: 262
قول اللّه عزّ وجلّ: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ) ؟ فقال : النبوّة، قلت: «الحكمة»؟ قال: الفهم والقضاء، قلت (وآتيناهم ملكاً عظيماً) ؟ فقال : الطاعة(1).
٤ _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء عن حماد بن عثمان، عن أبي الصباح (2) قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فقال : يا أبا الصباح نحن واللّه النّاس المحسودون.
٥ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تبارك وتعالى : (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) قال : جعل منهم الرُّسل والأنبياء والأئمّة فكيف يقرون في آل إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وينكرونه في آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟! قال : قلت : (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) ؟ قال : الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة؛ من أطاعهم أطاع اللّه، ومن عصاهم عصاهم عصى اللّه، فهو الملك العظيم.
1 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن أبي داود المسترق قال: حدَّثنا داود الجصاص قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (3) قال : النجم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والعلامات هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
2 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أسباط بن سالم قال: سأل الهيثم (4) أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا عنده عن قول اللّه عزّ وجلّ (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) فقال : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) النجم والعلامات هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء قال : سألت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن
ص: 263
قول اللّه تعالى : (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال (1): نحن العلامات والنجم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
١ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن هلال، عن أمية بن عليّ، عن داود الرقّي قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تبارك وتعالى : (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ (2) قال : الآيات هم الأئمّة، والنذر هم الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 _ أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن موسى بن محمّد العجلي، عن يونس بن يعقوب رفعه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا) (3) يعني الأوصياء كلهم.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير، أو غيره، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك إنّ الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (4) قال : ذلك إليَّ إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم (5)، ثمَّ قال : لكنّي أخبرك بتفسيرها، قلت: «عم يتساءلون»؟ قال : فقال : هي في أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول : ما اللّه عزّ وجلّ آيةً هي أكبر مني ولا اللّه من نبأ أعظم مني.
ص: 264
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن أذينة عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (1) قال : إيانا عنّي.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: يا أيّها الّذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين قال : الصادقون هم الأئمّة والصدّيقون (2) بطاعتهم.
٣ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد الحميد عن منصور بن يونس، عن سعد بن طريف عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من أحبّ أن يحيا حياة تشبه حياة الأنبياء، ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء، ويسكن الجنان التي غرسها (3) الرّحمن فليتولَّ عليّاً وليوال وليه (4) وليقتد بالأئمّة من بعده، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، اللّهمّ ارزقهم فهمي وعلمي، وويل للمخالفين لهم من أمتي، اللّهمّ لا تنلهم شفاعتي (5).
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن النضر بن شعيب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : استكمال (6) حجّتي على الأشقياء من أنّتك : من ترك ولاية علي ووالى أعداءه، وأنكر فضله وفضل الأوصياء من بعده، فإنّ فضلك فضلهم، وطاعتك طاعتهم، وحقك حقهم، ومعصيتك معصيتهم وهم الأئمّة الهداة من بعدك جرى فيهم روحك وروحك ما جرى فيك من ربك، وهم عترتك من طينتك ولحمك ودمك، وقد أجرى اللّه عزّ وجلّ فيهم
ص: 265
سنّتك وسنّة الأنبياء قبلك، وهم خزّاني على علمي من بعدك، حق علي لقد اصطفيتهم وانتجبتهم وأخلصتهم وارتضيتهم، ونجا من أحبهم ووالاهم وسلّم لفضلهم، ولقد آت_اني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأسمائهم وأسماء آبائهم وأحبائهم والمسلمين لفضلهم.
٥ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيّوب : عن أبي المغرا(1)، عن محمّد بن سالم، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من أراد أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي ويدخل جنّة عدن التي غرسها اللّه ربّي بيده (2)، فليتول عليّ بن أبي طالب وليتول وليه، وليعاد عدوّه، وليسلّم للأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم اللّه فهمي وعلمي، إلى اللّه أشكو [ أمر] أمتي، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، وأيم اللّه ليقتلنّ ابني (3) لا أنالهم اللّه شفاعتي.
٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد القاسم، عن عبد اللّه بن القهار، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من سره أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعدنيها ربي، ويتمسك بقضيب غرسه ربّي بيده فليتول عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأوصياءه من بعده، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى فلا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم، وإني سألت ربي ألا يفرق بينهم وبين الكتاب (4) حتّى يردا عليَّ الحوض هكذا - وضم بين أصبعيه _ وعرضه ما بين صنعاء إلى أيله فيه قُدْحان فضّة وذهب عدد النجوم (5).
7 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور عن فضالة بن أيّوب عن الحسن بن زياد عن الفضيل بن يسار قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال رسول اللّه : «وإنّ الرَّوح (6) والراحة والفلج (7) والعون والنجاح والبركة والكرامة والمغفرة والمعافاة واليسر
ص: 266
والبشرى والرضوان والقرب والنصر والتمكن والرَّجاء والمحبّة من اللّه عزّ وجلّ لمن تولّى عليّاً وائتم به، وبرىء من عدوّه، وسلّم لفضله وللأوصياء من بعده، حقاً علي أن أدخلهم في شفاعتي، وحقٌّ على ربّي تبارك وتعالى أن يستجيب لي فيهم فإنهم أتباعي ومن تبعني فإنّه مني» (1).
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن عجلان عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (2) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الذكر أنا والأئمّة أهل الذكر، وقولهِ (3) عزّ وجلّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (4) قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نحن قومه ونحن المسؤولون.
٢ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) قال : الذكر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونحن أهله المسؤولون، قال : قلت : قوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) قال : إيَّانا عنى ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.
3 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء قال : سألت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : جعلت فداك (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ؟ فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون قلت: فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال : نعم قلت: حقاً علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلت حقاً عليكم أن تجيبونا؟ قال : (5) ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول اللّه تبارك وتعالى : (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (6).
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن
ص: 267
سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ (وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون) فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (1) الذكر وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) المسؤولون وهم أهل الذكر.
٥ - أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن حماد عن ربعي عن الفضيل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تبارك وتعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) قال : الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤولون.
٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي، قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال : جعلني اللّه فداك اخترت لك سبعين مسألة ما تحضرني منها مسألةً واحدةً، قال : ولا واحدة يا ورد؟ قال: بلى قد حضرني منها واحدةً، قال وما هي قال : قول اللّه تبارك وتعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) من هم؟ قال: نحن قال : قلت علينا أن نسألكم؟ قال : نعم :قلت عليكم أن تجيبونا؟ قال : ذاك إلينا.
7 - محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ من عندنا يزعمون أن قول اللّه عزّ وجلّ : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أنهم اليهود والنصارى، قال: إذاً يدعونكم إلى دينهم (2) قال : - قال بيده إلى صدره (3) - نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.
8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم، وعلى شيعتنا ما ليس علينا أمرهم اللّه عزّ وجلّ أن يسألونا، قال : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا.
9 - أحمد بن محمّد، عن بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : كتبت إلى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً
ص: 268
فكان في بعض ما كتبت : قال اللّه عزّ وجلّ : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وقال اللّه عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (1) فقد فرضت عليهم المسألة، ولم يفرض عليكم الجواب (2)؟ قال : قال اللّه تبارك وتعالى : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ) (3).
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري، عن سعد (4)، عن جابر(5)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (6) قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما نحن الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون عدونا، وشيعتنا أولو الألباب
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله عزّ وجلّ : هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكر أولو الألباب قال : نحن الّذين يعلمون. وعدونا الّذين لا يعلمون. وشيعتنا أولو الألباب.
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن
ص: 269
سويد، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله(1).
2 - عليّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن عليّ عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (2) فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل الراسخين في العلم، قد علّمه اللّه عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله، وأوصاؤه من بعده يعلمونه كلّه، والّذين لا يعلمون تأويله (3) إذا قال العالم (4) فيهم بعلم، فأجابهم اللّه بقوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (5) والقرآن خاص وعام، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه.
٣ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمّة من بعده (عَلَيهِ السَّلَامُ).
1 - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول في هذه الآية : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (6) فأومأ بيده إلى صدره.
2 - عنه، عن محمّد بن عليّ عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال : هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
ص: 270
٣ _ وعنه، عن محمّد بن عليّ، عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي بصير، قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذه الآية : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)... ثمَّ قال : أما واللّه يا أبا محمّد ما قال بين دفتي المصحف (1)؟ قلت: من هم جعلت فداك؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد شعر (2)، عن هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال : هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) خاصّة.
٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال: هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) خاصّة.
١ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور عن حماد بن عيسى عن عبد المؤمن(3)، عن سالم قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) (4) قال : السابق بالخيرات: الإمام والمقتصد : العارف للإمام، والظالم لنفسه: الّذي لا يعرف الإمام.
2 - الحسين، عن معلّى عن الوشّاء، عن عبد الكريم، عن سليمان بن، خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)، فقال : أيُّ شيء تقولون أنتم؟ قلت : نقول : إنّها في الفاطميين ؟ قال : ليس حيث تذهب، ليس يدخل
ص: 271
في هذا من أشار بسيفه ودعا النّاس إلى خلاف (1)، فقلت : فأَيُّ شيء الظالم لنفسه؟ قال : الجالس في بيته لا يعرف حق الإمام والمقتصد : العارف بحق الإمام، والسابق بالخيرات : الإمام.
٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن، عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : ثمَّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا الآية، قال : فقال : ولد فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) (2) والسابق بالخيرات: الإمام، والمقتصد : العارف بالإمام، والظالم لنفسه الّذي لا يعرف الإمام.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد (3) قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) (4) قال : هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : لما نزلت هذه الآية : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (5) قال المسلمون : يا رسول اللّه : ألستَ إمام النّاس كلّهم أجمعين؟ قال: فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنا رسول اللّه إلى النّاس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة على النّاس من اللّه من أهل بيتي، يقومون في النّاس فيكذَّبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم، واتبعهم وصدقهم فهو منّي (6) ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وكذَّبهم فليس مني ولا معي وأنا منه بريء.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى،
ص: 272
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إنَّ الأئمّة في كتاب اللّه عزّ وجلّ إمامان. قال اللّه تبارك وتعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (1) لا بأمر الناس. يقدّمون أمر اللّه قبل أمرهم، وحكم اللّه قبل حكمهم، قال : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار) (2) يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه، وحكمهم قبل حكم اللّه، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله عزّ وجلّ: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ (3) مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) (4) قال : إنّما عنى بذلك الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بهم : عَقد اللّه عزّ وجلّ أيمانكم (5).
٢ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن موسى بن أكيل النميري، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى («إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ (6) قال: يهدي إلى الإمام(7).
١ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن بسطام بن مرة، عن إسحاق بن حسان، عن الهيثم بن واقد عن عليّ بن الحسين العبدي، عن سعد الأسكاف، عن
ص: 273
الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعدلوا عن وصيه؟ لا يتخوفون أن ينزل بهم العذاب، ثمَّ تلا هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جهنّم) (1)، ثمَّ قال : نحن النعمة (2) التي أنعم اللّه بها على عباده، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة.
2 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد رفعه في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (3) : أبالنبيّ أم بالوصي تكذبان؟ نزلت في «الرحمن».
٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن الهثيم بن واقد عن أبي يوسف البزاز قال : تلا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه الآية : (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ) (4) قال : أتدري ما آلاء اللّه ؟ قلت : لا، قال : أعظم نعم اللّه على خلقه هي وهي ولايتنا.
٤ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن قول اللّه عزّ وجلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) الآية، قال : عنى بها قريشاً قاطبة الّذين عادوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونصبوا له الحرب وجحدوا وصيّة وصيّه.
وجلّ : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ(1) * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (2) قال: فقال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم (3).
2 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن يحيى بن إبراهيم قال : حدَّثني أسباط بن سالم قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل عليه رجل من أهل هيت (4) فقال له : أصلحك اللّه ما تقول في قول اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)؟ قال : نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.
3 - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال : الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؛ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اتَّقوا (5) فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه عزّ وجلّ في قول اللّه تعالى : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
٤ - محمّد بن يحيى عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). فقال : هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) قال: لا يخرج منا أبداً (6).
٥ ه - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): المتوسم، وأنا من بعده والأئمّة من ذريتي المتوسمون.
وفي نسخة أخرى (7) عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن أسلم عن إبراهيم بن أيّوب بإسناده مثله.
ص: 275
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تُعْرَضُ الأعمال على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعمال العباد كلّ صباح أبرارها وفَجارِها (1) فاحذروها، وهو قول اللّه تعالى : (اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (2) وسكت (3).
٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون قال : هم الأئمّة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال : سمعته يقول : مالكم تسؤون (4) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟! فقال رجل : كيف نسوؤه؟ فقال : أما تعلمون أنَّ أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول اللّه وسرُّوه.
٤ _ علي (5)، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن (6) الزيات، عن عبد اللّه بن أبان الزيات وكان مكيناً (7) عند الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ادع اللّه لي ولأهل بيتي فقال : أَوَلَسْتُ أفعل ؟ واللّه إنَّ أعمالكم لتعرض عليّ في كلّ يوم وليلة ؛ قال : فاستعظمتُ ذلك (8)،
ص: 276
فقال لي : أما تقرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)؟ قال : هو (1) واللّه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2).
٥ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللّه الصامت، عن يحيى بن مساور، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه ذكر هذه الآية : (فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون) قال : هو واللّه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الوشّاء : قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن الأعمال تعرض على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أبرارها وفجارها.
1 - أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن موسى بن محمّد عن يونس بن يعقوب، عمّن ذكره، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (3) قال : يعني لو استقاموا على ولاية عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقاً، يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان، والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء.
٢ - الحسين بن عن معلىّ بن محمّد عن بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب عن الحسين بن عثمان، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)عن قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) (4) فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : استقاموا على الأئمّة واحد بعد واحد (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (5).
1 - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، محمّد بن عليّ عن غير واحد، عن غير واحد عن حماد بن عيسى، عن
ص: 277
ربعي بن عبد اللّه، عن أبي الجارود (1) قال : قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما ينقم النّاس منا (2)، فنحن واللّه شجرة النبوّة (3)، وبيت الرحمة، ومعدن العلم (4)، ومختلف الملائكة (5).
2 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن بن عيسى، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنا _ أهل البيت _ شجرة النبوّة، وموضع الرّسالة (6)، ومختلف الملائكة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم.
٣ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن عبد اللّه محمّد عن الخشّاب (7) بن قال : حدَّثنا بعض أصحابنا، عن خيثمة قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا خيثمة : نحن شجرة النبوّة، وبيت الرحمة ومفاتيح الحكمة (8)، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سر اللّه (9)، ونحن وديعة اللّه في عباده، ونحن حَرَمُ اللّه الأكبر (10)، ونحن ذمّة اللّه (11)، ونحن عهد اللّه، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد اللّه، ومن خَفَرَها (12) فقد خَفَرَ ذمّة اللّه وعهده.
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن
ص: 278
سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان عالماً والعلم يتوارث، ولن يهلك عالم إلّا بقي من بعده من يعلم علمه، أو ما شاء اللّه (1).
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ العلم الّذي نزل مع آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يرفع(2)، والعلم يتوارث، وكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عالم هذه الأمة، وإنّه لم يهلك منا عالم قط إلّا خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء اللّه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن البرقي عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنَّ العلم يتوارث، ولا يموت عالم إلّا وترك من يعلم مثل علمه، أو ما شاء اللّه.
٤ - أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) سنة ألف نبي من الأنبياء، وإنَّ العلم الّذي نزل مع آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يرفع، وما مات عالم فذهب علمه والعلم يتوارث.
5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ العلم الّذي نزل مع آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يرفع، وما مات عالم فذهب علمه.
٦ - محمّد، عن عن أحمد، عن عليّ بن النعمان رفعه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمصون الثماد (4) ويدعون النهر العظيم، قيل له : وما النهر العظيم؟ قال: رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والعلم الّذي أعطاه اللّه، إنَّ اللّه عزّ وجلّ جمع لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سنن النبيّين من آدم
ص: 279
وهلمَّ جرَّاً إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيّين بأسره، وإنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صيّر ذلك كله عند أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقال له رجل: يا ابن رسول اللّه فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيّين ؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اسمعوا ما يقول؟ إنَّ اللّه يفتح مسامع من يشاء، إنّي حدثته أنَّ اللّه جمع لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علم النبيّين وأنّه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيّين.
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن، يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن العلم يتوارث، فلا يموت عالم إلّا ترك من يعلم مثل علمه، أو ما شاء اللّه.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ العلم الّذي نزل مع آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يرفع، وما مات عالم إلّا وقد ورث علمه إن الأرض لا تبقى بغير عالم (1).
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد اللّه بن جندب أنّه كتب إليه الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما بعد، فإنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان أمين اللّه في خلقه فلما قبض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كنا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء اللّه في أرضه (2)، عندنا علم البلايا والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام (3)، وإنا لنعرف الرَّجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان، وحقيقة النفاق، وإن شيعتنا المكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ اللّه علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس على ملة الإسلام (4) غيرنا وغيرهم، نحن النجباء النجاة، ونحن أفراط الأنبياء(5) ونحن أبناء الأوصياء، ونحن المخصوصون في كتاب اللّه عزّ وجلّ، ونحن أولى النّاس بكتاب
ص: 280
اللّه، ونحن أولى النّاس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ونحن الّذين (شرع اللّه لنا دينه فقال في كتابه : شرع لكم (يا آل محمّد) من الدّين ما وصى به نوحاً (قد وصانا بما وصى به نوحاً) والّذي أوحينا إليك (يا محمّد) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى (فقد علّمنا وبلغنا علم ما علمهم واستودعنا علمهم نحن ورثة أولي العزم من الرُّسل) أن أقيموا الدّين (يا آل محمّد) ولا تتفر قوافيه (وكونوا على جماعة) كبر على المشركين (من أشرك بولاية علي) ما تدعوهم إليه (من ولاية عل)ي اللّه يجتبي إليه من يشاء يا (محمّد) ويهدي إليه من ينيب) (1) من يجيبك إلى ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن بن - كثير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنَّ أوَّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة الله(2) بن آدم، وما من نبي مضى إلّا وله وصي، وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبي وعشرين ألف نبي، منهم خمسة أولو العزم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنَّ عليّ بن أبي طالب كان هبة اللّه لمحمّد، وورث علم الأوصياء وعلم من كان قبله، أما إنَّ محمّداً ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين.
على قائمة العرش مكتوب : حمزة أسد اللّه وأسد رسوله وسيد الشهداء، وفي ذؤابة العرش (3) علي أمير المؤمنين فهذه حجّتنا على من أنكر حقنا، وجحد ميراثنا، وما منعنا من الكلام وأمامنا اليقين (4)، فأيُّ حجّة تكون أبلغ من هذا.
٣ - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عبد اللّه بن القاسم، عن زرعة بن محمّد، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ سليمان ورث داود(5)، وإنَّ محمّداً ورث سليمان، وإنا ورثنا محمّداً، وإنَّ عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور، وتبيان ما في الألواح (6)، قال : قلت : إن هذا لهو العلم ؟ قال : ليس هذا هو العلم، إنَّ العلم الّذي يحدث يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة (7).
ص: 281
٤ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الحداد، عن ضريس الكناسي قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن داود ورث علم الأنبياء، وإنَّ سليمان ورث داود، وإنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإنَّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى، فقال أبو بصير : إنَّ هذا لهو العلم (1) فقال : يا أبا محمّد ليس هذا هو العلم، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنهار، يوماً بيوم وساعة بساعة.
٥ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : يا أبا محمّد : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ لم يعط الأنبياء شيئاً إلّا وقد أعطاه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : وقد أعطى محمّداً جميع ما أعطى الأنبياء، وعندنا الصحف التي قال اللّه عزّ وجلّ : (صحف إبراهيم وموسى) (2) قلت : جعلت فداك هي الألواح ؟ قال : :قال : نعم.
٦ - محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سأله عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (3) ما الزبور وما الذكر ؟ قال : الذكر عند اللّه، والزبور الّذي أنزل على داود، وكلَّ كتاب نزل (4) فهو عند أهل العلم ونحن هم.
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، أو غيره، عن محمّد بن حماد، عن أخيه أحمد بن حماد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورث النبيّين كلّهم؟ قال: نعم، قلت من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟ قال : ما بعث اللّه نبياً إلّا ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعلم منه، قال : قلت : إنَّ عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللّه، قال : صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقدر على هذه المنازل، قال : فقال : إنَّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشاً
ص: 282
في أمره : (فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) (1) حين فقده، فغضب عليه فقال :(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (2). وإنما غضب لأنه كان يدلّه على الماء، فهذا - وهو طائر - قد أعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين [و] المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكان الطير يعرفه وإن اللّه يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) (3). وقد ورثنا نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان، وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب اللّه لآيات ما يراد به أمر إلّا أن يأذن اللّه به مع ما قد يأذن اللّه ممّا كتبه الماضون، جعله اللّه لنا في أم الكتاب (4)، إن اللّه يقول : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (5). ثمَّ قال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (6). فنحن الّذين اصطفانا اللّه عزّ وجلّ وأورثنا هذا الّذي فيه تبيان كلّ شي (7).
١ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن إبراهيم عن يونس، عن هشام بن الحكم في حديث بريه (8) أنّه لما جاء معه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحكى له هشام الحكاية (9)، فلما فرغ قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) البُرَيْه : يا بُرَيْه : كيف علمك بكتابك (10) ؟ قال : أنا به عالم، ثمَّ قال : كيف ثقتك بتأويله ؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه قال : فابتدأ أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقرأ الإنجيل (11) ؟ فقال بُرَيْه : إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن بُرَيْه وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه.
فدخل هشام وبُرَيْه والمرأة على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحكى له هشام الكلام الّذي جرى بين أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين بُرَيْه، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ذرّيّة بعضها من بعض واللّه سميع
ص: 283
عليم، فقال بُرَيْه : أنّى (1) لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها، ونقولها كما قالوا إن اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري.
2 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سنان عن مفضّل بن عمر قال : أتينا باب أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا أنّه بالسريانية، ثمَّ بكى فبكينا لبكائه، ثمَّ خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت : أصلحك اللّه أتيناك نريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنّه بالسريانية ثمَّ بكيت فبكينا لبكائك، فقال : نعم ذكرت إلياس النبيّ وكان من عباد أنبياء بني إسرائيل، فقلت كما كان يقول في سجوده، ثمَّ اندفع فيه بالسريانية(2) فلا واللّه ما رأينا قساً ولا جاثليقاً أفصح لهجة منه به، ثمَّ فسّره لنا بالعربية، فقال : كان يقول في سجوده : أتراك معذبي وقد أظمأن لك هواجري (3)، أتراك معذبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي، أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي».
قال : فأوحى اللّه إليه أن أرفع رأسك فإنّي غير معذبك، قال : فقال : إن قلت : لا أعذبك ثمَّ عذبتني ماذا(4)؟ ألست عبدك وأنت ربي ؟ [قال]: فأوحى اللّه إليه أن أرفع رأسك، فإنّي غير معذبك، إني إذا وعدت وعداً وفيت به.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما ادّعى أحد من النّاس أنّه جمع القرآن كله (5) كما أنزل إلّا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزله اللّه تعالى إلّا عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة من بعده (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 - محمّد بن الحسين عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن
ص: 284
مروان عن المُنخل (1)، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره (2) وباطنه (3) غير الأوصياء.
3 _ عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن الربيع عن عبيد بن عبد اللّه بن أبي هاشم الصيرفي، عن عمرو بن مصعب عن سلمة بن محرز، قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ من (4) علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه، وعلم تغيير الزمان(5) وحدثانه (6)، إذا أراد اللّه بقوم خيراً أسمعهم (7)ولو أسمع من لم يسمع لولى معرضاً كأن لم يسمع، ثمَّ أمسك (8) هنيئة، ثمَّ قال : ولو وجدنا أوعية (9) أو مستراحاً (10) لقلنا واللّه المستعان.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه المؤمن، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : واللّه إني لأعلم كتاب اللّه من أوله إلى آخره كأنه في كفّي فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن، قال اللّه عزّ وجلّ : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (11).
5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشاب، عن عليّ بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (12) قال : ففرّج أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين أصابعه فوضعها في صدره، ثمَّ قال : وعندنا واللّه علم الكتاب كلّه.
ص: 285
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عمّن ذكره جميعاً عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (1) ؟ قال : إِيَّانا عنى، وعلي أولينا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
1 - محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل قال : أخبرني شريس الوابشي، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اسم اللّه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً (2) وإنما كان عند أصف منها حرف واحد فتكلّم به فخُسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده، ثمَّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف واحد عند اللّه تعالى استأثر (3) به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم (4).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد عن زكريا بن عمران القميّ، عن هارون بن الجهم عن رجل من أصحاب أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم أحفظ اسمه قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعطي حرفين كان يعمل بهما، وأعطي موسى أربعة أحرف وأعطي إبراهيم ثمانية أحرف وأعطي نوح خمسة عشر حرفاً، وأعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً، وإن اللّه تعالى جمع ذلك كله لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإن اسم اللّه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، أعطى محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اثنين وسبعين حرفاً وحُجِبَ عنه حرف واحد.
3 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّهف عن عليّ بن محمّد النوفليّ، عن أبي الحسن صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : اسم اللّه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلّم به فانخرقت له الأرض فيما
ص: 286
بينه وبين سبا (1)، فتناول عرش بلقيس حتّى صيره إلى سليمان، ثمَّ انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند اللّه مستأثر به في علم الغيب(2).
ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ)
1 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد اللّه بن محمّد عن منيع بن الحجاج البصريّ، عن مجاشع عن معلّى عن محمّد بن الفيض، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كانت عصا موسى لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصارت إلى شعيب، ثمَّ صارت إلى موسى بن عمران، وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفاً (3)، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنّها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصنع بها ما كان يصنع موسى وإنها لتروّع وتلقف ما يأفكون(4) وتصنع ما تؤمر به، إنّها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون، يفتح لها شعبتان(5): إحداهما في الأرض والأخرى في السقف (6)، وبينهما أربعون ذراعاً تلقف ما يأفكون بلسانها.
2 - أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر البغدادي، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : ألواح موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) عندنا، وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين.
3 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي سعيد الخراساني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن القائم إذا قام بمكّة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر (7) بعير، فلا ينزل منزلاً إلّا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظامئاً روّى، فهو زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن
ص: 287
الأسدي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: خرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذات ليلة بعد عتمة (1) وهو يقول همهمة (2) همهمة وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٥ - محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج (3) عن بشر بن جعفر، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : أتدري ما كان قميص يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال : قلت : لا، قال : إن إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بثوب من ثياب الجنّة فألبسه إياه، فلم يضره معه حرّ ولا برد، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة (4) وعلّقه على إسحاق، وعلّقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) علقه عليه، فكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ)(5). فهو ذلك القميص الّذي أنزله اللّه من الجنّة قلت: جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص ؟ قال : إلى أهله (6)، ثمَّ قال : كلّ نبي ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب عن سعيد السمّان قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة ؟ قال : فقال : لا (7) قال : فقالا له : قد أخبرنا عنك الثقاة أنك تفتي وتقر وتقول به (8) ونسمّيهم (9) لك، فلان وفلان، وهم أصحاب ورع وتشمير (10)
ص: 288
وهم ممّن لا يكذب فغضب أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ما أمرتهم بهذا (1)، فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا.
فقال لي : أتعرف هذين؟ قلت : نعم هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية، وهما يزعمان أنَّ سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند عبد اللّه بن الحسن فقال كذبا لعنهما اللّه واللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه اللّهمّ إلّا أن يكون رآه (2) عند عليّ بن الحسين، فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه (3)؟ وما أثر في موضع مضربه (4).
وإنّ عندي لسيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإن عندي لراية رسول اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودرعه ولامته ومغفره (5)، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ وإن عندي لراية رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المغلبة (6)، وإنّ عندي ألواح موسى وعصاه، وإنّ عندي لخاتم سليمان بن داود، وإنّ عندي الطست الّذي كان موسى يقرّب به القربان، وإنّ عندي الاسم الّذي كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة(7)، وإن عندي لمثل الّذي جاءت به الملائكة (8).
ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوّة، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة، ولقد لبس أبي درع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فخطت على الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت وكانت (9) وقائمنا مَنْ إذا لبسها ملأها إن شاء اللّه.
2 - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن حماد بن عثمان، عن عبد الأعلىّ بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عندي
ص: 289
سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، لا أنازع فيه، ثمَّ قال : إنَّ السلاح مدفوع عنه (1) لو وضع عند شر خلق اللّه لكان خيرهم، ثمَّ قال : إنّ هذا الأمر يصير إلى من يلوّى له الحَنَك (2)، فإذا كانت من اللّه فيه المشيئة خرج (3) فيقول النّاس : ما هذا الّذي كان (4)، ويضع اللّه له يداً على رأس رعيته(5).
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : ترك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المتاع سيفاً ودرعاً وعَنَزَةً (6) ورحلا(7) وبغلته الشهباء فورث ذلك كلّه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٤ - الحسين بن محمّد معلىّ بن محمّد، عن عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن فُضَيْل بن يسار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لبس أبي درع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذات الفضول(8) فخطت (9) ولبستها أنا فَفَضُلْت (10).
٥ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن ذي الفقار سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من أين هو؟ قال: هبط به جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من السماء وكانت حليته (11) من فضة وهو عندي (12).
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمّد بن
ص: 290
حكيم، عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : السلاح موضوع عندنا مدفوع عنه، لو وضع عند شر خلق اللّه كان خيرهم، لقد حدَّثني أبي أنّه حيث بنى بالثققيّة (1) - وكان قد شق له (2) في الجدار - فنجد البيت(3)، فلمّا كانت صبيحة عرسه رمى ببصره فرأى حذوه (4) خمسة عشر مسماراً ففزع لذلك وقال لها (5) : تحوّلي فإني أريد أن أدعو موالي في حاجة فكشطه(6) فما منها مسمار إلّا وجده مصرفاً طرفه عن السيف، وما وصل إليه منها شيء
7 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان عن حجر (7)، عن حمران (8)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عمّا يتحدّث النّاس أنّه دفعت إلى أمّ سلمة صحيفة مختومة فقال : إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما قبض ورث علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) علمه وسلاحه وما هناك (9) ثمَّ صار إلى الحسن، ثمَّ صار إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما خشينا أن نُغْشَى (10) استودعها أم سلمة، ثمَّ قبضها بعد ذلك عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال : فقلت : نعم ثمَّ صار إلى أبيك ثمَّ انتهى إليك وصار بعد ذلك إليك، قال: نعم.
8 - محمّد عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن فضالة (11)، عن عمر بن أبان قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمّا يتحدّث النّاس أنّه دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة، فقال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما قبض ورث علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) علمه وسلاحه وما هناك، ثمَّ صار إلى الحسن ثمَّ صار إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : قلت : ثمَّ صار إلى عليّ بن الحسين، ثمَّ صار إلى ابنه، ثمَّ انتهى إليك، فقال : نعم.
9 - محمّد بن الحسين وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما حضرت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الوفاة
ص: 291
دعا العبّاس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال للعباس : يا عم محمّد تأخذ تراث(1) محمّد وتقضي دينه وتنجز عداته (2)؟ فرد عليه فقال : يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي، إنّي شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح (3)، قال : فأطرق (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هنيئة ثمَّ قال : يا عباس أتأخذ تراث محمّد وتنجز عداته وتقضي دينه؟ فقال بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح.
قال : أما إنّي سأعطيها من يأخذها بحقها ثمَّ قال: يا علي يا أخا محمّد أتنجز عدات محمّد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ فقال : نعم بأبي أنت وأمي ذاك عليَّ (4) ولي(5)، قال : فنظرت إليه حتّى نزع خاتمه من أصبعه فقال : تختم بهذا في حياتي، قال (6) : فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في أصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم.
ثمَّ صاح يا بلال : عليَّ بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسّحاب(7) والبرد والأبرقة والقضيب (8) قال : فواللّه ما رأيتها غير ساعتي تلك _ يعني الأبرقة _. فجيىء بشقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنّة فقال : يا عليُّ إِنَّ جبرئيل أتاني بها وقال : يا محمّد اجعلها في حلقة الدرع واستذفر بها (9) مكان المنطقة. ثمَّ دعا بزوجي نعال عربيين جميعاً أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف (10) والقميصين : القميص الّذي أسري به فيه، والقميص الّذي خرج فيه يوم أحد، والقلانس الثلاث : قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجُمَع، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه.
ص: 292
ثمَّ قال : يا بلال عليَّ بالبغلتين : الشهباء والدلدل والناقتين : العضباء والقصوى (1) والفرسين : الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يبعث الرَّجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحيزوم وهو الّذي كان يقول : أقدم حيزوم (2) والحمار عفير فقال : اقبضها في حياتي.
فذكر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ أوّل شيء من الدواب توفّي عفير ساعة قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قطع خطامه ثمَّ مرَّ يركض حتّى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره.
وروي أنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ ذلك الحمار كلّم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : بأبي أنت وأمّي إِنَّ أبي حدَّثني، عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثمَّ قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيّين وخاتمهم، فالحمد للّه الّذي جعلني ذلك الحمار (3).
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في
ص: 293
بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أيُّ أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوّة، فمن صار إليه السلاح منا أوني الإمامة.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن السكين، عن نوح بن دراج، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، حيثما دار التابوت دار الملك، فأينما دار السلاح فينا دار العلم.
٣ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار التابوت أوتوا النبوّة، وحيثما دار السلاح فينا فثَمَّ الأمر (1)، قلت : فيكون السلاح مزايلاً للعلم؟ قال : لا (2).
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر (3)، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّما مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك، وأينما دار السلاح فينا دار العلم.
فيه ذكر الصحيفة والجَفْر والجامعة ومصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)
١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللّه بن الحجّال عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : جعلت فداك أنّي أسألك عن مسألة ههنا أحد يسمع كلامي (4) ؟ قال : فرفع أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ستراً بينه وبين بيت آخر (5) فأطلع فيه ثمَّ قال : يا أبا محمّد سل عما بدا لك، قال : قلت : جعلت فداك إنَّ شيعتك
ص: 294
يتحدّثون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باباً (1) يفتح له منه ألف باب؟ قال : فقال : يا أبا محمّد علم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب (2) قال : قلت: هذا واللّه العلم (3) قال : فنكت (4) ساعة في الأرض ثمَّ قال : إنّه لعلم وما هو بذاك (5).
قال : ثمَّ قال: يا أبا محمّد ! وإنَّ عندنا الجامعة وما يدريهم (6) ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإملائه من فلق (7) فيه وخطّ علي بيمينه فيها كلّ حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج النّاس إليه حتّى الأرش في الخدش. وضرب بيده إليَّ فقال : تأذن لي يا أبا محمّد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت :قال فغمزني بيده وقال : حتّى أرش هذا - كأنه مغضب - قال : قلت : هذا واللّه العلم قال : إنّه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة، ثمَّ قال : وإنَّ عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال قلت : وما الجفر؟ قال : وعاء من أدم (8) فيه علم النبيّين والوصيين، وعلم العلماء الّذين مضوا من بني إسرائيل، قال قلت: إنَّ هذا هو العلم، قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثمَّ قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وما يدريهم ما مصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، واللّه ما فيه من قرآنكم (9) حرف واحد قال : قلت هذا واللّه العلم قال : إنّه لعلم وما هو بذاك.
ثمَّ سكت ساعة ثمَّ قال : إنَّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة (10) قال : قلت : جعلت فداك هذا واللّه هو العلم، قال : إنَّه لعلم وليس بذاك.
ص: 295
قال : قلت : جعلت فداك فأي شيء العلم ؟ قال : ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة.
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عمر بن عبد العزيز، عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : تظهر الزنادقة (1) في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أنّي نظرت في مصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، قال : قلت : وما مصحف فاطمة؟ قال : إنّ اللّه تعالى لما قبض نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دخل على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلّا اللّه عزّ وجلّ فأرسل اللّه إليها مَلَكاً يسلّي غمّها ويحدّثها، فشكت ذلك (2) إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكتب كلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً قال : ثمَّ قال : أما إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ عندي الجَفْرُ (3) الأبيض، قال : قلت : فأي شيء فيه؟ قال : زبور داود وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنَّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج النّاس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتّى فيه الجَلْدة، ونصف الجَلْدة، وربع الجَلْدة وأرش الخدش.
وعندي الجفر الأحمر، قال : قلت : وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال : السلاح، وذلك إنّما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف (4) للقتل، فقال له عبد اللّه بن أبي يعفور : أصلحك اللّه أيعرف هذا بنو الحسن (5)؟ فقال : إي واللّه كما يعرفون الليل أنّه ليل والنهار أنّه نهار، ولكنّهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم (6).
ص: 296
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره، عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ في الجفر الّذي يذكرونه (1) لَمَا يسؤوهم، لأنهم لا يقولون الحقّ والحقُّ فيه، فليخرجوا قضايا علي وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمّات (2) وليخرجوا مصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فإن فيه وصيّة فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، ومعه (3) سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (4).
5 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب(5)، عن أبي عبيدة قال : سأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعض أصحابنا عن الجفر فقال : هو جلد ثور مملوء علماً، قال له : فالجامعة ؟ قال : تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج (6) فيها كلّ ما يحتاج النّاس إليه، وليس من قضية إلّا وهي فيها، حتّى أرش الخدش.
قال : فمصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ؟ قال : فسكت طويلاً ثمَّ قال : إنّکم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون (7)، إنَّ فاطمة مكثت بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ).
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن صالح بن سعيد، عن أحمد بن أبي بشر، عن بكر بن كرب الصيرفي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإن النّاس ليحتاجون إلينا، وإنَّ عندنا كتاباً إملاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخط علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)،
ص: 297
صحيفة فيها كلّ حلال وحرام، وإنكم لتأتونا بالأمر (1) فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه.
7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فُضَيْل بن يسار وبريد بن معاوية وزرارة أنَّ عبد الملك بن أعين قال لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الزيدية والمعتزلة قد أطافوا بمحمّد بن عبد اللّه (2) فهل له سلطان ؟ فقال : واللّه إنَّ عندي لكتابين (3) فيها تسمية كلّ نبي وكلّ ملك يملك الأرض، لا واللّه ما محمّد بن عبد اللّه في واحد منهما.
8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد، عن عبد الصمد بن بشير عن فضيل [بن] سكرة قال : دخلت على أبي عبد اللّه(عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا فُضَيل: أتدري في أيّ شيء كنت أنظر قبيل (4)؟ قال : قلت : لا، قال : كنت أنظر في کتاب فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، ليس من ملك يملك [الأرض] إلّا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً.
1 - محمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بينا أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر (5) قد قيض له (6) فقطع عليه أسبوعه (7) حتّى أدخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل إليَّ فكنا ثلاثة فقال : مرحباً يا ابن رسول اللّه، ثمَّ وضع يده على رأسي وقال : بارك اللّه فيك يا أمين اللّه بعد آبائه.
يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك، وإن شئت فأصدقني وإن شئت صدقتك (8)؟ قال : كلّ ذلك أشاء، قال : فإيّاك أن ينطق لسانك
ص: 298
عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره. قال: إنّما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه، وإنَّ اللّه عزّ وجلّ أبى أن يكون له علم فيه اختلاف. قال : هذه مسألتي وقد فسرت طرفاً منها.
أخبرني عن هذا العلم الّذي ليس فيه اختلاف من يعلمه؟ قال : أما جملة العلم فعند اللّه جلَّ ذكره، وأما ما لا بدَّ للعباد منه فعند الأوصياء، قال : ففتح الرَّجل عجيرته (1) واستوى جالساً وتهلل وجهه وقال : هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف يعلمونه؟ قال : كما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعلمه إلّا أنهم لا يرون ما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يرى لأنه كان نبياً وهم محدّثون، وأنه كان يفد إلى اللّه عزّ وجلّ فيسمع الوحي وهم لا يسمعون فقال: صدقت يا ابن رسول اللّه سآتيك بمسألة صعبة.
أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر؟ كما كان يظهر مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال: فضحك أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : أبى اللّه عزّ وجلّ أن يطلع على علمه إلّا ممتحناً للإيمان به، كما قضى على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يصبر على أذى قومه، ولا يجاهدهم إلّا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتّى قيل له : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (2)، وأيم اللّه أن لو صدع قبل ذلك لكان آمن (3)، ولكنه إنّما نظر في الطاعة (4)، وخاف الخلاف (5) فلذلك كفَّ، فوددت أنَّ عينك تكون مع مهدي هذه الأمة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.
ثمَّ أخرج سيفاً ثمَّ قال : ما إنَّ هذا منها (6)، قال : فقال أبي : إي والّذي اصطفى محمّداً على البشر، قال : فردَّ الرَّجل اعتجاره وقال : أنا إلياس (7)، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة،
ص: 299
غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك. وسأخبرك بآية أنت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا (1).
قال : فقال له أبى : إن شئت أخبرتك بها ؟ قال : قد شئت قال : إنَّ شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا : إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (2) _ إلى آخرها - فهل كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعلم من العلم شيئاً لا يعلمه في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في غيرها؟ فإنهم سيقولون لا فقل لهم : فهل كان لما علم بد من أن يظهر؟ فيقولون : لا، فقل لهم : فهل كان فيما أظهر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من علم اللّه عزّ ذكره اختلاف؟ فإن قالوا : لا، فقل :لهم فمن حكم بحكم اللّه فيه اختلاف فهل خالف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ فيقولون : نعم - فإن قالوا : لا، فقد نقضوا أوّل كلامهم (3) - فقل لهم : ما يعلم تأويله إلّا اللّه والراسخون في العلم.
فإن قالوا : من الراسخون في العلم ؟ فقل : من لا يختلف في علمه، فإن قالوا فمن هو ذاك؟ فقل : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صاحب ذلك، فهل بلّغ أو لا ؟ فإن قالوا : قد بلغ فقل : فهل مات (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والخليفة من بعده يعلم علماً ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مؤيد ولا يستخلف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلّا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلّا النبوّة (4)، وإن كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يستخلف في علمه أحداً فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده.
فإن قالوا لك : فإنّ علم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان من القرآن (5) فقل : (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [ إنا كنا منذرين فيها ] - إلى قوله - : إنا كنا مرسلين) (6) فإن قالوا لك : لا
ص: 300
يرسل اللّه (1) عزّ وجلّ إلّا إلى نبي فقل : هذا الأمر الحكيم الّذي يُفرق فيه هو من الملائكة والرُّوح التي تنزّل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟ فإن قالوا : من سماء إلى سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية فإن قالوا من سماء إلى أرض - وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك - فقل : فهل لهم بد من سيّد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا : فإنّ الخليفة هو حَكَمُهُمْ فقل: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ - إلى قوله - : خَالِدُونَ) (2) لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي اللّه عزَّ ذكره إلّا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب (3)، كما أنَّ الأمر لا بدَّ من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض، كذلك لا بد من وال، فإن قالوا : لا نعرف هذا فقل : [لهم] قولوا ما أحببتم أبى اللّه عزّ وجلّ بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يترك العباد ولا حجّة عليهم.
قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثمَّ وقف (4) فقال : ههنا يا ابن رسول اللّه باب غامض، أرأيت إن قالوا : حجّة اللّه : القرآن ؟ قال : إذن أقول لهم : إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون، وأقول : قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي في السنة والحكم الّذي ليس فيه اختلاف، وليست في القرآن، أبى اللّه لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض، وليس في حكمه راد لها ومفرّج عن أهلها.
فقال : ههنا تفلجون يا ابن رسول اللّه، أشهد أنَّ اللّه عزّ ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم من الدّين أو غيره، فوضع القرآن دليلا قال : فقال الرَّجل : هل تدري يا ابن رسول اللّه دليل ما هو ؟ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم فيه جمل الحدود وتفسيرها عند الحكم فقال أبى اللّه أن يصيب عبداً بمصيبة في دينه أو في نفسه أو [في] ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.
قال : فقال الرَّجل : أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجّة إلّا أن يفتري خصمكم على اللّه فيقول : ليس اللّه جل ذكره حجّة. ولكن أخبرني عن تفسير (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ (5)؟
ص: 301
مما خُصَّ به علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (1) قال : في أبي فلان(2) وأصحابه واحدة مقدمة وواحدة مؤخّرة (لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) ممّا خُصَّ به علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال الرَّجل : أشهد أنّکم أصحاب الحكم الّذي لا اختلاف فيه ثمَّ قام الرَّجل وذهب فلم أره.
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) قال : بينا أبي جالس وعنده نفر إذ استضحك حتّى اغرورقت عيناه دموعاً ثمَّ قال هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا : لا، قال : زعم ابن عباس أنّه من الّذين قالوا ربنا اللّه ثمَّ استقاموا (4). فقلت له : هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة، مع الأمن من الخوف والحزن، قال فقال : إن اللّه تبارك وتعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (5) وقد دخل في هذا جميع الأمة، فاستضحكت.
ثم قلت: صدقت (6) يا ابن عباس أنشدك اللّه هل في حكم اللّه جل ذكره اختلاف؟ قال : فقال : لا، فقلت : ما ترى في رجل ضرب رجلاً أصابعه بالسيف حتّى سقطت، ثمَّ ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفّه فأتي به إليك وأنت قاض، كيف أنت صانع ؟ قال : أقول لهذا القاطع : أعطه دية كفّه، وأقول لهذا المقطوع : صالحه على ما شئت، وأبعثُ به إلى ذوي عدل، قلت؛ جاء الاختلاف في حكم اللّه عزّ ذكره، ونقضت القول الأول، أبى اللّه عزَّ ذكره أن يُحدث في خلقه شيئاً من الحدود [و] ليس تفسيره في الأرض، إقطع قاطع الكف أصلاً ثمَّ أعطه دية الأصابع، هكذا حكم اللّه ليلة تنزل فيها أمره إن جحدتها بعدما سمعت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأدخلك اللّه النار، كما أعمى بصرك يوم جحدتها عليّ بن أبي طالب قال : فلذلك عمي بصري، قال : وما علمك بذلك فواللّه إن عمي بصري (7) إلّا من صفقة جناح الملك.
قال (8) : فاستضحكت ثمَّ تركته يومه ذلك لسخافة عقله، ثمَّ لقيته فقلت : يا ابن عباس :
ص: 302
ما تكلّمت بصدق مثل أمس، قال لك عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإنّ لذلك الأمر ولاة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقلت : من هم ؟ فقال : أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدّثون، فقلت: لا أراها كانت إلّا مع رسول اللّه فتبدا(1) لك الملك الّذي يحدّثه فقال : كذبت يا عبد اللّه رأت عيناي الّذي حدثك به علي _ ولم تره عيناه (2) ولكن وعا قلبه ووقر في سمعه (3) _ ثمَّ صفقك بجناحه فعميت. قال: فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى اللّه، فقلت له : فهل حكم اللّه في حكم من حكمه بأمرين؟ قال : لا فقلت ههنا هلكت وأهلكت (4).
3 - وبهذا الإسناد، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه عزّ وجلّ في ليلة القدر: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (5) يقول : ينزل فيها كلّ أمر حكيم، والمحكم ليس بشيئين، إنّما هو شيء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من حكم اللّه عزّ وجلّ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت، إنّه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سَنَةً سَنَةً، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر النّاس بكذا وكذا، وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم اللّه عزّ وجلّ الخاص والمكنون العجيب المخزون، مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر، ثمَّ قرأ: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (6).
٤ - وبهذا الإسناد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه يقول: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) صدق اللّه عزّ وجلّ، أنزل اللّه القرآن في ليلة القدر. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)، قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا أدري قال اللّه عزّ وجلّ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر، قال (7) لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): وهل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال: لأنها تنزّل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم من كلّ أمر، وإذا أذن اللّه عزّ وجلّ بشيء فقد رضيه (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) يقول : تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي
ص: 303
وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر.
ثم قال في بعض كتابه (1): (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (2) في (3) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر). وقال في بعض كتابه : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (4). يقول في الآية الأولى : إنّ محمّداً حين يموت، يقول أهل الخلاف لأمر اللّه عزّ وجلّ : مضت ليلة القدر مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فهذه فتنة أصابتهم خاصّة، وبها ارتدوا على أعقابهم، لأنهم إن قالوا : لم تذهب فلا بد أن يكون اللّه عزّ وجلّ فيها أمر، وإذا أقروا بالأمر لم يكن له من صاحب بد (5).
5 - وعن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال كان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كثيراً ما يقول: [ما] اجتمع التيمي والعدوي عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يقرأ : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) بتخشع وبكاء فيقولان : ما أشدَّ رقتك لهذه السورة؟ فيقول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): لما رأت عيني ووعا قلبي ولما برى قلب هذا (6) من بعدي فيقولان : وما الّذي رأيت وما الّذي يرى قال : فيكتب لهما في التراب (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ). قال : ثمَّ يقول : هل بقي شيء بعد قوله عزّ وجلّ : (كلّ أمر) فيقولان :لا، فيقول : هل تعلمان من النزل إليه بذلك؟ فيقولان : أنت يا رسول اللّه، فيقول : نعم. فيقول : هل تكون ليلة القدري من بعدي؟ فيقولان : نعم قال : فيقول: فهل ينزل ذلك فيها؟ فيقولان : نعم، قال: فيقول : إلى مَن؟ فيقولان: لا ندري، فيأخذ برأسي ويقول : إن لم تدريا فادريا هو هذا من بعدي قال : فإن كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من شدّة ما بداخلهما من الرعب.
٦ - وعن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا معشر الشيعة خاصموا (7) بسورة إنا أنزلناه تفلجوا، فواللّه إنّها لحجة اللّه تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإنّها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا ب_ (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا
ص: 304
مُنْذِرِينَ) فإنها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يا معشر الشيعة يقول اللّه تبارك وتعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (1) قيل : يا أبا جعفر نذيرها محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حيٌّ من الْبَعَثَة (2) في أقطار الأرض ؛ فقال السائل : لا، قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرأيتَ بعيثه أليس نذيره، كما أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بعثته من اللّه عزّ وجلّ نذير، فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث نذير قال : فإن قلت لا فقد ضيّع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من في أصلاب الرجال من أمته (3)، قال : وما يكفيهم القرآن ؟ قال : بلى إن وجدوا له مفسّراً. قال : وما فسّره رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال : بلى قد فسره لرجل واحد وفسّر للأمة شأن ذلك الرَّجل وهو عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال السائل: يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامّة ؟ قال : أبى اللّه أن يُعبد إلّا سراً حتّى يأتي إبان أجله الّذي يُظهرُ فيه دينه، كما أنّه كان رسول اللّه مع خديجة مستتراً حتّى أمر بالإعلان قال السائل : ينبغي لصاحب هذا الدّين أن يكتم؟ قال: أو ما كتم عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم أسلم مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى ظهر أمره ؟ قال : بلى، قال: فكذلك أمرنا حتّى يبلغ الكتاب أجله
7 - وعن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لقد خلق اللّه جلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدنيا ولقد خلق فيها أوّل نبي يكون، وأول وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد ردَّ على اللّه عزّ وجلّ علمه، لأنّه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدّثون إلّا أن تكون عليهم حجّة بما يأتيهم في تلك الليلة، مع الحجّة التي يأتيهم بها جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قلت : والمحدّثون أيضاً يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ قال : أمّا الأنبياء والرسل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلا شك، ولا بدَّ لمن سواهم من أوّل يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الأرض حجّة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحبّ من عباده.
وأيم اللّه، لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم وأيم اللّه ما مات آدم إلّا وله وصي، وكلُّ من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها، ووضع لوصيه من بعده، وأيم اللّه
ص: 305
إن كان النبيّ ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن أوص إلى فلان، ولقد قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه لولاة الأمر من بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاصّة : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ - إلى قوله - فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ (1) يقول : أستخلفكم لعلمي (2) وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتّى يبعث النبيّ الّذي يليه (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) يقول : يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فمن قال غير ذلك (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فقد مكن ولاة الأمر بعد محمّد بالعلم ونحن هم فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين، أما علمنا فظاهر، وأما إبان أجلنا الّذي يظهر فيه الدّين منا حتّى لا يكون بين النّاس اختلاف، فإن له أجلا من ممر الليالي والأيام إذا أتى ظهر، وكان الأمر واحداً(3) وأيم اللّه لقد قضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، ولذلك جعلهم شهداء على النّاس ليشهد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علينا ولنشهد على شيعتنا، ولتشهد شيعتنا على النّاس أبى اللّه عزّ وجلّ أن يكون في حكمه اختلاف أو بين أهل علمه (4) تناقض.
ثمَّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضل إيمان المؤمن بحمله (إنا أنزلناه) وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها، كفضل الإنسان على البهائم، وإنَّ اللّه عزّ وجلّ ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا - لكمال عذاب الآخرة لمن (5) علم أنّه لا يتوب منهم _ ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين، ولا أعلم أنَّ في هذا الزمان (6) جهاداً إلّا الحج والعمرة والجوار (7).
8 - قال (8) : وقال رجل لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا ابن رسول اللّه لا تغضب عليّ. قال : لماذا؟ :قال : لما أريد أن أسألك عنه، قال : قل قال : ولا تغضب؟ قال : ولا أغضب. قال : أرأيت قولك في ليلة القدر، وتنزل الملائكة والروّح فيها إلى الأوصياء، يأتونهم بأمر لم يكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد علمه؟ أو يأتونهم بأمر كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعلمه؟ وقد علمت أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 306
مات وليس من علمه شيء إلّا وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) له واع، قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما لي ولك أيّها الرَّجل ومن
أدخلك عليّ؟ قال : أدخلني عليك القضاء لطلب الدّين قال : فافهم ما أقول لك. إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما أسري به لم يهبط حتّى أعلمه اللّه جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون، وكان كثير من علمه ذلك جملاً يأتي تفسيرها في ليلة القدر، وكذلك كان عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر، كما كان مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال السائل : أو ما كان في الجمل تفسير ؟ قال : بلى ولكنه إنّما يأتي بالأمر من اللّه تعالى في ليالي القدر إلى النبيّ وإلى الأوصياء : افعل كذا وكذا الأمر قد كانوا علموه، أمروا كيف يعملون فيه؟ قلت : فسر لي هذا؟ قال : لم يمت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلّا حافظاً لجملة العلم وتفسيره، قلت: فالّذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو ؟ قال : الأمر واليسر فيما كان قد علم، قال السائل : فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا ؟ قال هذا ممّا أمروا بكتمانه، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلّا اللّه عزّ وجلّ.
قال السائل : فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟ قال : لا وكيف يعلم وصي غير علم ما أوصي إليه، قال السائل : فهل يسعنا أن نقول : إنَّ أحداً من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال : لا لم يمت نبي إلّا وعلمه في جوف وصيّه، وإنما تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الّذي يحكم به بين العباد، قال السائل : وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال: بلى قد علموه ولكنَّهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتّى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة، قال السائل : يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا ؟ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أنكره فليس منّا.
قال السائل : يا أبا جعفر أرأيت النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه؟ قال: لا يحلُّ لك أن تسأل عن هذا (1)، أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي إلّا والوصي الّذي بعده يعلمه، أما هذا العلم الّذي تسأل عنه فإنَّ اللّه عزّ وجلّ أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلّا أنفسهم، قال السائل : يا ابن رسول اللّه : كيف أعرف أنَّ ليلة القدر تكون في كلّ سنة؟ قال : إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كلّ ليلة مائة مرة فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنّك ناظر (2) إلى تصديق الّذي سألت عنه
ص: 307
9 - وقال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لما ترون من بعثه اللّه عزّ وجلّ للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأزواجهم أكثر ممّا ترون خليفة اللّه الّذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة (1)، قيل : يا أبا جعفر وكيف يكون شيء أكثر من الملائكة؟ قال: كما شاء اللّه عزّ وجلّ. قال السائل : يا أبا جعفر إنّي لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لأنكروه. قال : كيف ينكرونه؟ قال، يقولون: إن الملائكة (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكثر من الشياطين. قال : صدقت افهم عنّي ما أقول : إنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة، ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتّى إذا أتت ليلة القدر، فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر، خلق اللّه أو قال قيض اللّه - عزّ وجلّ من الشياطين بعددهم ثمَّ زاروا ولي الضلالة فأتوه بالإفك والكذب حتّى لعله يصبح فيقول: رأيت كذا وكذا، فلو سأل ولي الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطاناً أخبرك بكذا وكذا حتّى يفسّر له تفسيراً ويعلمه الضلالة التي هو عليها.
وأيم اللّه إنَّ من صدّق بليلة القدر، ليعلم أنّها لنا خاصّة لقول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين دنا موته : هذا وليكم من بعدي فإن أطعتموه رشدتم، ولكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر، ومن آمن بليلة القدر ممّن على غير رأينا فإنّه لا يسعه في الصدق إلّا أن يقول، إنّها لنا، ومن لم يقل فإنّه كاذب، إنّ اللّه عزّ وجلّ أعظم من أن ينزّل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق، فإن قال : إنّه ينزل إلى الخليفة الّذي هو عليها فليس قولهم ذلك بشيء، وإن قالوا إنّه ليس ينزل إلى أحد فلا يكون أن ينزل شيء إلى غير شيء، وإن قالوا _ وسيقولون _ : ليس هذا بشيء فقد ضلّوا ضلالاً بعيداً.
1 - حدَّثني أحمد بن إدريس القميّ ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن أيّوب، عن أبي يحيى الصنعاني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي: يا أبا يحيى إن لنا في ليالي الجمعة لشأناً (2) من الشأن، قال قلت جعلت فداك وما
ص: 308
ذاك الشأن قال : يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأرواح الأوصياء الموتى(1) وروح الوصي الّذي بين ظهرانيكم، يعرج بها إلى السماء حتّى توافي عرش ربها، فتطوف به أسبوعاً وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتين، ثمَّ ترد إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سروراً ويصبح الوصي الّذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جمّ الغفير (2).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن يوسف الأبزاري، عن المفضّل قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذات يوم وكان لا يكتيني قبل ذلك : يا أبا عبد اللّه قال : قلت : لبيك، قال : إن لنا في كلّ ليلة جمعة سروراً. قلت : زادك اللّه وما ذاك؟ قال : إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) العرش ووافى الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) معه ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلّا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفدنا (3).
3 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد اللّه بن محمّد، عن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس أو المفضّل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : ما من ليلة جمعة إلّا ولأولياء اللّه فيها سرور. قلت : كيف ذلك؟ جعلت فداك. قال : إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) العرش ووافى الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ووافيت معهم فما أرجع إلّا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي.
لولا أن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يزدادون لنفد ما عندهم
1 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن صفوان بن يحيى قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لولا أنا نزداد لأنفدنا .
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن صفوان، عن أبي الحسن مثله.
ص: 309
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ذريح المحاربي قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ذريح لولا أنا نزداد الأنفدنا.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر، عن ثعلبة، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لولا أنا نزداد الأنفدنا، قال: قلت: تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال: أما إنَّه إذا كان ذلك عرض على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمَّ على الأئمّة ثمَّ انتهى الأمر إلينا.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس يخرج شيء من عند اللّه عزّ وجلّ حتّى يبدأ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمَّ بأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ بواحدٍ بعد واحد (1)، لكيلا يكون آخرنا أعلم من أوّلنا.
1 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمُّون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن القاسم، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى علمين : علماً أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه وعلماً استأثر به (2) فإذا بد للّه (3) في شيء منه أعلمنا ذلك، وعرض على الأئمّة الّذين كانوا من قبلنا.
عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم، ومحمّد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ جميعاً، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن
ص: 310
محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه عزّ وجلّ علمين : علماً عنده لم يطلع عليه أحداً من خلقه، وعلماً نبذه إلى ملائكته ورسله، فما نبذه إلى ملائكته ورسله فقد انتهى إلينا.
3 - عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن ضريس، قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه عزّ وجلّ علمين : علم مبذول، وعلم مكفوف (1) فأما المبذول فإنّه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرُّسل إلّا نحن نعلمه، وأما المكفوف فهو الّذي عند اللّه عزّ وجلّ في أم الكتاب (2) إذا خرج نفذ.
٤ _ أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن سويد القلا، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ علمين علم لا يعلمه إلّا هو وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنحن نعلمه.
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال : سأل أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلٌ من أهل فارس فقال له : أتعلمون الغيب؟ فقال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يُبْسَطُ لنا العلم فنعلم ويُقْبَضُ عنا فلا نعلم (3)، وقال : سرُّ اللّه عزّ وجلّ أسرّه إلى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسره جبرئيل إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأسره محمّد إلى من شاء اللّه (4).
2 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن قول اللّه عزّ وجلّ : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (5) قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه عزّ وجلّ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله، فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهنَّ سماوات ولا
ص: 311
أرضون، أما تسمع لقوله تعالى : (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) (1).
فقال له حمران : أرأيت قوله جلّ ذكره : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) (2). فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) (3) وكان واللّه محمّد ممّن ارتضاه، وأما قوله (عَالِمُ الْغَيْبِ) فإن اللّه عزّ وجلّ عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدّر من شيء، ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه، وقبل أن يُفضيه إلى الملائكة، فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشيئة، فيقضيه إذا أراد، ويبدوله فيه فلا يمضيه، فأما العلم الّذي يقدّره اللّه عزّ وجلّ فيقضيه ويمضيه فهو العلم الّذي انتهى إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمَّ إلينا.
٣ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن عن عباد بن سليمان، عن محمّد بن سلیمان، عن أبيه، عن سدير (4) قال : كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا خرج إلينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال : يا عجباً لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلّا اللّه عزّ وجلّ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما. علمت في أي بيوت الدَّارهي. قال سدير: فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له : جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أَنَّكَ تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب. قال : فقال : يا سدير: ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ : (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (5) قال : قلت : جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرَّجل ؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت: أخبرني به؟ قال : قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر (6) فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال: قلت جعلت فداك ما أقل هذا، فقال يا سدير ما أكثر هذا (7) ؛ أن ينسبه اللّه عزّ وجلّ إلى العلم الّذي أخبرك به. يا سدير : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ أيضاً : (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
ص: 312
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (1) قال : قلت : قد قرأته جعلت فداك. قال : أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت : لا، بل من عنده علم الكتاب كله، قال : فأومأ بيده إلى صدره وقال : علم الكتاب واللّه كله عندنا علم الكتاب واللّه كله عندنا.
٤ - أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسن عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة،، عن عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإمام يعلم الغيب؟ فقال : لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه اللّه ذلك(2).
1 - عليّ بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع الشامي (3)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ الإمام إذا شاء أن يعلم عَلِمَ (4).
٢ - أبو علي الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم.
3 - محمّد بن يحيى عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن أبي عبيدة المدائني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أراد الإمام أن يعلم شيئ أعلمه اللّه ذلك.
1 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة وعبد اللّه بن
ص: 313
محمّد، عن عبد اللّه بن القاسم البطل، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي إمام لا يعلم ما يصيبه (1) وإلى ما يصير (2)، فليس ذلك بحجة اللّه على خلقه.
٢ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محمّد بن بشار قال: حدَّثني شيخ من أهل قطيعة الربيع (3) من العامّة ببغداد ممّن كان ينقل عنه، قال: قال لي : قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في فضله ونسكه فقلت له من؟ وكيف رأيته؟ قال : جُمِعْنا أيّام السّندِي بن شَاهَك (4) ثمانين رجلاً ثمانين رجلا من الوجوه المنسوبين إلى الخير(5)، فأدخلنا على موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقال لنا السندي : يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرَّجل هل حدث به حدث (6)؟ فإنَّ النّاس يزعمون أنّه قد فعل به (7) ويكثرون (8) في ذلك، وهذا منزله وفراشه موسّع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءاً وإنّما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين وهذا هو صحيح موسّع عليه في جميع أموره، فسلوه، قال: ونحن ليس لنا هم إلّا النظر إلى الرَّجل وإلى فضله وسمته (9) فقال موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر، غير أني أخبركم أيّها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأنا غداً أخضر وبعد غد أموت. قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السَعَفَة (10).
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن عبد اللّه بن أبي جعفر (11) قال : حدَّثني أخي، عن جعفر (12)، عن أبيه أنّه أتى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليلة قبض فيها بشراب فقال : يا أبتِ اشرب هذا فقال : يا بني إنّ هذه الليلة التي أقبض فيها وهي الليلة التي قبض فيها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 314
٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد عرف قاتله، والليلة التي يقتل فيها، والموضع الّذي يقتل فيه، وقوله لما سمع صياح الأوز في الدار : صوائح تتبعها نوائح، وقول أمّ كلثوم : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس، فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ ابن ملجم لعنه اللّه قاتله بالسيف كان هذا ممّا لم يجز (1) تعرُّضه ؛ فقال : ذلك كان ولكنّه خُيّر في تلك الليلة، لتمضي مقادير اللّه عزّ وجلّ.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ غضب على الشيعة (2) فخيّرني نفسي أوهم؛ فوقيتهم واللّه بنفسي.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن مسافر أنَّ ابا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال له : يا مسافر (3) هذه القناة فيها حيتان؟ قال : نعم جعلت فداك، فقال : إني رأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) البارحة وهو يقول : يا علي ما عندنا خير لك (4).
٧ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كنت عند أبي في اليوم الّذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وفي كفنه وفي دخوله قبره فقلت يا أباه واللّه ما رأيتك منذ اشتكيت (5) أحسن منك اليوم، ما رأيت عليك أثر الموت فقال : يا بني : أما سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ينادي من وراء الجدار يا محمّد تعال، عجل (6)؟
8 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، - عن عبد الملك بن أعين عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أنزل اللّه تعالى النصر على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى كان [ما] بين السماء والأرض ثمَّ خُيّر (7) : النصر، أو لقاء اللّه، فاختار لقاء اللّه تعالى.
ص: 315
1 - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حماد، عن سيف التمار :قال كنا مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جماعةً من الشيعة في الحِجر (1) فقال : علينا عين (2)؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحداً فقلنا : ليس علينا عين فقال : وربّ الكعبة وربّ البنية (3) - ثلاث مرَّات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون (4) وما هو كائن حتّى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وراثة.
2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة وعدة من أصحابنا منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد اللّه بن بشر الخثعمي سمعوا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون قال : ثمَّ مكث هنيئة فرأى أنَّ ذلك كبر على من سمعه منه فقال : علمت ذلك من كتاب اللّه عزّ وجلّ، إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : فيه تبيان كلّ شيء(5).
3 - عليّ بن محمّد، عن سهل، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن جماعة بن سعد الخثعمي أنّه قال : كان المفضّل عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له المفضّل : جعلت فداك، يفرض اللّه طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء ؟ قال : لا، اللّه أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثمَّ يحجب عنه خبر السماء (6) صباحاً ومساء.
ص: 316
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن، ضريس الكناسي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول - وعنده أناس من أصحابه - : عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمَّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم (1) بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا، ويعيبون ذلك على من أعطاه اللّه برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا أترون أنَّ اللّه تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثمَّ يُخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟! فقال له حمران (2) : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي أبي طالب والحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخروجهم وقيامهم بدين اللّه عزّ ذكره، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتّى قتلوا وغُلِبوا ؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) : يا حمران : إن اللّه تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار، ثمَّ أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قام علي والحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وبعلم صمت من صمت منا، ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه عزّ وجلّ وإظهار الطواغيت عليهم سألوا اللّه عزّ وجلّ أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثمَّ كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الّذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها، ولكن المنازل وكرامة من اللّه أراد أن يلعوها، فلا تذهبنَّ بك المذاهب فيهم.
٥ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمنى عن خمسمائة حرف (4) من الكلام فأقبلت أقول : يقولون كذا وكذا قال : فيقول : قل كذا وكذا، قلت : جعلت فداك هذا الحلال وهذا الحرام، أعلم أنك صاحبه وأنّك أعلم النّاس به وهذا هو الكلام، فقال لي : ويك(5) يا هشام [لا] يحتج اللّه تبارك وتعالى على
ص: 317
خلقه بحجّة لا يكون عنده كلّ ما يحتاجون إليه.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا واللّه لا يكون عالمٌ (1) جاهلاً أبداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثمَّ قال : اللّه أجلَّ وأعزُّ وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه، ثمَّ قال : لا يحجب ذلك عنه.
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن عبد اللّه بن سليمان، عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) برمانتين فأكل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إحداهما وكسر الأخرى بنصفين فأكل نصفاً وأطعم عليّاً نصفاً، ثمَّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يا أخي هل تدري ما هاتان الرمانتان؟ قال: لا، قال : أمّا الأولى فالنبوّة، ليس لك فيها نصيب وأما الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك اللّه كيف كان؟، يكون شريكه فيه؟ قال : لم يعلم اللّه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علماً إلّا وأمره أن يعلمه عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2).
٢ - عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبن أذينة عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) برمانتين من الجنّة فأعطاه إياهما فأكل واحدة وكسر الأخرى بنصفين، فأعطى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) نصفها فأكلها ؛ فقال يا علي أما الرمانة الأولى التي أكلتها فالنبوّة (3) ليس لك فيها شيء، وأما الأخرى فهو العلم فأنت شريكي فيه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نزل جبرئيل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) برمانتين من الجنّة، فلقيه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك ؟ فقال : أما هذه فالنبوّة، ليس لك فيها نصيب، وأما هذه فالعلم، ثمَّ فلقها رسول
ص: 318
اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نصفها ثمَّ قال : أنت شريكي فيه(1) وأنا شريكك فيه، قال : فلم يعلم واللّه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حرفاً ممّا علّمه اللّه عزّ وجلّ، إلّا وقد علّمه عليّاً، ثمَّ انتهى العلم إلينا، ثمَّ وضع يده على صدره.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن عمه حمزة بن بزيع، عن علي السائي(2) عن أبي الحسن الأوّل موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : مبلغ علمنا (3) على ثلاثة وجوه ماض وغابر (4) وحادث فأما الماضي فمفسّر (5)، وأما الغابر فمزبور (6) وأما : الحادث (7) فقذف في القلوب (8)، ونقر في الأسماع (9) وهو أفضل علمنا (10). ولا نبي بعد نبيّنا.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر عن عليّ بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [قال] قلت : أخبرني عن علم عالمكم؟ قال : وراثة من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت: إنا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال : أو ذاك (11).
3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عمّن حدّثه عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : روّينا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إنَّ علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع، فقال: أما الغابر فما تقدَّم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأما النكت في القلوب فإلهام، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك
ص: 319
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن - أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن عبد الواحد بن المختار قال قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): لو كان الألسنتكم أوكية (1) لحدَّثت كلّ امرىء بما له (2) وعليه (3).
2 - وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن عبد اللّه بن مسکان قال : سمعت أبا بصير يقول : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم؟ قال: فأجابني - شبه المغضب - : ممّن ذلك إلّا منهم ؟! فقلت : ما يمنعك جعلت فداك ؟ قال : ذلك باب أغلق إلّا أنَّ الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتح منه شيئاً يسيراً. ثمَّ قال : يا أبا محمّد؛ إِنَّ أولئك كانت على أفواههم أوكية (4).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النحوي (5) قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسمعته يقول : إنَّ اللّه عزّ وجلّ أدَّب نبيّه على محبته فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (6). ثمَّ فوَّض إليه فقال عزّ وجلّ : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (7) وقال عزّ وجلّ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (8) قال : ثمَّ قال : وإن نبي اللّه فوض إلى عليّ وائتمنه فسلّمتم له وجحد الناس، فواللّه لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين اللّه
ص: 320
عزّ وجلّ، ما جعل اللّه لأحد خيراً في خلاف أمرنا.
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن نجران (1)، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق (2) قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول ثمَّ ذكر نحوه.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس عن بكار بن بكر، عن موسى بن أشيم قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ، فأخبره بها، ثمَّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر [به] الأول، فدخلني من ذلك ما شاء اللّه، حتّى كأن قلبي يشرح بالسكاكين فقلت في نفسي : تركت أبا قتادة (3) بالشام لا يُخطىء في الواو، وشبهه، وجئت إلى هذا يخطىء هذا الخطأ كلّه، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني (4) وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أنّ ذلك منه تقيّة، قال : ثمَّ التفت إليَّ فقال لي : يا ابن أشيم إنّ اللّه عزّ وجلّ فوّض إلى سليمان بن داود فقال : (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (5) وفوض إلى نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فما فوض إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقد فوّضه إلينا.
3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال عن ثعلبة عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولان : إن اللّه عزّ وجلّ فوَّض إلى نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم (6)، ثمَّ تلا هذه الآية : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لبعض أصحاب قيس الماصر (7) : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ أدب نبيّه فأحسن أدبه، فلما أكمل له الأدب قال : (إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ثمَّ فوَّض إليه أمر الدّين والأمة ليسوس عباده (8)، فقال عزّ وجلّ : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وإنّ
ص: 321
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان مسدّداً موفقاً مؤيداً بروح القدس لا يزلُّ ولا يخطىء في شيء ممّا يسوس به الخلق، فتأدب بآداب اللّه. ثمَّ إِنَّ اللّه عزّ وجلّ فرض الصلاة ركعتين، ركعتين، عشر ركعات فأضاف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهنَّ إلّا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز اللّه عزّ وجلّ له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثمَّ سنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز اللّه عزّ وجلّ له ذلك، والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدُّ بركعة مكان الوتر، وفرض اللّه في السنة صوم شهر رمضان وسنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صوم شعبان وثلاثة أيّام في كلّ شهر مثلي الفريضة، فأجاز اللّه عزّ وجلّ له ذلك. وحرم اللّه عزّ وجلّ الخمر بعينها، وحرّم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المسكر من كلّ شراب فأجاز اللّه له ذلك كله وعاف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنّما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثمَّ رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه، ولم يرخص لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم. فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد، ولم يرخص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما إلى ما فرض اللّه عزّ وجلّ، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً، لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلّا للمسافر، وليس لأحد أن يرخص [ شيئاً] ما لم يرخصه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فوافق أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمر اللّه عزّ وجلّ ونهيه نهي اللّه عزّ وجلّ، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم اللّه تبارك وتعالى.
5 - أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولان : إن اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثمَّ تلا هذه الآية (م وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة مثله.
6 – محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى أدب نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلما انتهى به إلى ما أراد، قال له : (إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فقوّض إليه دينه فقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
ص: 322
فَانْتَهُوا). وإنّ اللّه عزّ وجلّ فرض الفرائض ولم يَقْسِمُ للجدّ (1) شيئاً، وإن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أطعمه السدس (2) فأجاز اللّه جل ذكره له ذلك، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
7 _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء الوشّاء، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وضع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دية العين ودية النفس، وحرم النبيذ وكلّ مسكر، فقال له رجل : وضع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من غير أن يكون جاء فيه شيء؟ قال : نعم ليعلم من يطع الرسول (3) ممّن يعصيه.
8- محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن قال : وجدت في نوادر محمّد بن سنان عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا واللّه ما فوّض اللّه (4) إلى أحد من خلقه إلّا إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإلى الأئمّة، قال عزّ وجلّ : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) (5) وهي جارية في الأوصياء (عَلَيهِم السَّلَامُ).
9 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن زياد، عن محمّد بن الحسن الميثمي، عن بن الحسن الميثمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ أدب رسوله حتّى قومه على ما أراد، ثمَّ فوّض إليه فقال عزّ ذكره : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فما فوّض اللّه إلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقد فوّضه إلينا.
١٠ - عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن صندل الخياط، عن زيد الشحام قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب) قال : أعطى سليمان ملكاً عظيماً، ثمَّ جرت هذه الآية في رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فكان له أن يعطي ما شاء من شاء ويمنع من شاء وأعطاه [الله] أفضل (6) ممّا أعطى سليمان لقوله : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
ص: 323
109 - باب في أن الأئمّة بمن يشبهون ممّن مضى وكراهية (1) القول فيهم بالنبوّة
١ - أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما موضع العلماء؟ قال : مثل ذي القرنين وصاحب سليمان وصاحب موسى (2) (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنّما الوقوف علينا في الحلال والحرام فأما النبوّة فلا.
٣ - محمّد بن يحيى الأشعريّ، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ اللّه ذكره ختم بنبيكم النبيّين فلا نبي بعده أبداً، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبداً، وأنزل فيه تبيان كلّ شيء وخَلْقِكُم (3) وخَلْقَ السماوات والأرض ونبأ ما قبلكم(4) وفصل ما بينكم(5) وخبر ما بعدكم (6) وأمر الجنة والنار وما أنتم صائرون إليه.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار عن الحارث بن المغيرة قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان محدَّثاً. فقلت : فتقول : نبي ؟ قال : فحرك بيده هكذا (7)، ثمَّ قال : أو (8) كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما بلغكم أنّه قال : وفيكم مثله؟(9).
5 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية،
ص: 324
عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : ما منزلتكم؟ ومن تشبهون ممّن مضى؟ قال : صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن البرقي، عن أبي طالب، عن سدير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن قوماً يزعمون أنّکم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآناً: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) (1). فقال : يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبرىء اللّه منهم ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي واللّه لا يجمعني اللّه وإياهم يوم القيامة إلّا وهو ساخط عليهم، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنّکم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآناً (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (2). فقال : يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرىء اللّه منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي واللّه لا يجمعني اللّه وإياهم يوم القيامة إلّا وهو ساخط عليهم قال قلت فما أنتم؟ قال: نحن خزّان علم اللّه، نحن تراجمة أمر اللّه (3)، نحن قوم معصومون، أمر اللّه تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة (4) على من دون السماء وفوق الأرض.
٧ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللّه بن بحر، عن ابن مسكان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الأئمّة بمنزلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (5) إلّا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحلُّ (6) لهم من النساء ما يحلّ للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحجال، عن القاسم بن عن القاسم بن محمّد، عن عبيد بن زرارة قال: أرسل أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء
ص: 325
محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) محدّثون.
2 - محمّد، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة (1) قال: دخلت على عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً فقال : يا حكم : هل تدري الآية التي كان عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعرف قاتله بها ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدّث بها الناس؟ قال الحكم فقلت في نفسي : قد وقعت على علم من علم عليّ بن الحسين، أعلم بذلك تلك الأمور العظام، قال : فقلت : لا واللّه لا أعلم، قال : ثمَّ قلت : الآية تخبرني بها یا این رسول اللّه؟ قال : هو واللّه قول اللّه عزّ ذكره : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ (ولا محدث) (2) وكان عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) محدَّثاً. فقال له رجل يقال له : عبد اللّه بن زيد كان أخا عليّ لأمه (3)، سبحان اللّه، محدثاً؟! كأنه ينكر ذلك، فأقبل علينا أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: أما واللّه إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك، قال : فلما قال ذلك سكت الرَّجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطاب (4) فلم يدر ما تأويل المحدَّث والنبي.
٣ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن إسماعيل قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الأئمّة علماء صادقون مفهّمون محدّثون.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن محمّد بن مسلم قال : ذُكِرَ المحدّث عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص. فقلت له جعلت فداك كيف يعلم أنّه كلام الملك ؟ قال :(5) : إنّه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام ملك.
ص: 326
٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحارث بن المغيرة عن حمران بن أعين قال قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان محدثاً، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة(1)، فقالوا: وما هي ؟ فقلت: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول، كان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) محدثاً. فقالوا : ما صنعت شيئاً، ألا سألته من كان يحدثه (2)، فرجعت إليه فقلت: إنّي حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا : ما صنعت شيئاً ألا سألته من كان يحدثه؟ فقال لي : يحدثه ملَك، قلت: تقول : إنّه نبي؟ قال : فحرّك يده - هكذا -: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنّه قال : وفيكم مثله (3).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن جابر الجعفي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا جابر : إن اللّه تبارك وتعالى خلق الخلق (4) ثلاثة أصناف وهو قول اللّه عزّ وجلّ: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (5) فالسابقون هم رسل اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخاصّة اللّه من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فيه عرفوا الأشياء، وأيدهم بروح الإيمان فيه قدروا على طاعة اللّه وأيدهم بروح الشهوة فيه اشتهوا طاعة اللّه عزّ وجلّ وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج الّذي به يذهب النّاس ويجيئون ؛ وجعل (6) في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان
ص: 327
فيه خافوا اللّه، وجعل فيهم روح القوّة فبه قدروا على طاعة اللّه، وجعل فيهم روح الشهوة فيه اشتهوا طاعة اللّه، وجعل فيهم روح المدرج الّذي به يذهب النّاس ويجيئون.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن عمر، عن محمّد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخلى عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن علم العالم، فقال لي: يا جابر: إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوّة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثمَّ قال : يا جابر إنَّ هذه الأربعة أرواح يصيبها الحدثان (1) إلّا روح القدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب.
٣ - الحسين بن محمّد،، عن المعلىّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال : يا مفضّل : إنَّ اللّه تبارك وتعالى جعل في النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خمسة أرواح : روح الحياة فيه دبَّ ودرج، وروح القوة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فيه آمن وعدل، وروح فيه حمل النبوّة فإذا قبض النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو (2) والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به (3).
1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن، سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تبارك وتعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
ص: 328
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) (1). قال : خَلْقٌ من خلق اللّه (2) عزّ وجلّ أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يخبره ويسدّده، وهو مع الأئمّة من بعده.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن أسباط بن سالم قال : سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول اللّه عزّ وجلّ : وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا فقال : منذ أنزل اللّه عزّ وجلّ ذلك الروح على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ما صعد إلى السماء وإنه لفينا.
3 _ عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (3) قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو مع الأئمّة، وهو من الملكوت (4).
٤ - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، لم يكن مع أحد ممّن مضى (5)، غير محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو مع الأئمّة يسدّدهم، وليس كلّ ما طلب وُجد (6).
5 _ محمّد بن يحيى بن يحيى، عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن عليّ بن أسباط عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن العلم، أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرّجال أم في الكتاب عندكم تقرؤنه فتعلمون منه؟ قال : الأمر أعظم ذلك من وأوجب، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) ثمَّ قال : أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية، أيقرون أنّه كان في حال
ص: 329
لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ فقلت: لا أدري _ جعلت فداك - ما يقولون، فقال [لي]: بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتّى بعث اللّه تعالى الروح التي ذكر في الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي الرُّوح التي يعطيها اللّه تعالى من شاء فإذا أعطاها عبداً علمه الفهم.
٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلاء، عن سعد الأسكاف قال : أتى رجل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله عن الروح، أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الملائكة والروح غير جبرئيل، فكرر ذلك على الرَّجل فقال له : لقد قلت عظيماً من القول، ما أحد يزعم أنَّ الرُّوح غير جبرئيل. فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّك ضالُّ تروي عن أهل الضلال، يقول اللّه تعالى لنبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ) (1) والروح غير الملائكة صلوات اللّه عليهم
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أسباط عن الحكم بن مسكين عن بعض أصحابنا قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) متى يعرف الأخير ما عند الأوّل (2)؟ قال : في آخر دقيقة تبقى من روحه(3).
2 - محمّد، عن محمّد بن الحسين عن عليّ بن أسباط، عن الحكم بن مسكين، عن عبيد بن زرارة وجماعة معه قالوا : سمعنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يعرف الّذي بعد الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن يعقوب بن يزيد، عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر مر إليه؟ قال: في آخر دقيقة من حياة الأوَّل.
ص: 330
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر عن الخشاب(1)، عن عليّ بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه تعالى] (الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ (2) مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (3) قال: (الّذين آمنوا) النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذريته الأئمّة والأوصياء صلوات اللّه عليهم، ألحقنا بهم ولم ننقص ذريتهم الحجّة التي جاء بها محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.
2 - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن داود النهدي عن عليّ بن جعفر عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي : نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا (4) على قدر ما نؤمر.
٣ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن، عن يحيى ابن مسكان عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : نحن في الأمر (5) والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحداً، فأما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6) فلهما فضلهما.
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائد، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ
ص: 331
وجلَّ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (1). قال: إيانا عني، أن يؤدّي الأوّل (2) إلى الإمام الّذي بعده الكتب(3) والعلم والسلاح (4). (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل) الّذي في أيديكم(5)، ثمَّ قال للناس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (6) إيانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا، فإن خفتم تنازعاً في أمر فردوه إلى اللّه وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم كذا نزلت (7) وكيف يأمرهم اللّه عزّ وجلّ بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين الّذين قيل لهم : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
٢ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) قال : هم الأئمّة من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يؤدّي الإمام الأمانة إلى من بعده ولا يخصّ بها غيره ولا يزويها عنه (8).
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا). قال : هم الأئمّة يؤدّي الإمام إلى الإمام من بعده، ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن ابن أبي يعفور عن المعلىّ بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا). قال : أمر اللّه الإمام الأوّل أن يدفع إلى الإمام
ص: 332
الّذي بعده كلّ شيء عنده (1).
٥ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يموت الإمام حتّى يعلم من يكون من بعده فيوصي [إليه].
٦ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن [ابن] أبي عثمان (2)، عن المعلىّ بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الإمام يعرف الإمام الّذي من بعده فيوصي إليه
7 _ أحمد، عن محمّد بن عبد الجبار، عن أبي عبد اللّه البرقي، عن فضالة بن أيّوب، - عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما مات عالم (3) حتّى يعلمه اللّه عزّ وجلّ إلى من يوصي.
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال: حدَّثني عمر بن أبان عن أبي بصير قال كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل (4) فقال : لا واللّه يا أبا محمّد ما ذاك إلينا وما هو إلّا إلى اللّه عزّ وجلّ ينزل واحداً بعد واحد.
2 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان، عن عمرو بن الأشعث قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟! لا إلى من يريد؟! لا واللّه ولكن عهدٌ من اللّه ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لرجل فرجل حتّى
ص: 333
ينتهي الأمر إلى صاحبه(1).
الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن حماد بن عيسى، عن منهال، عن عمرو بن الأشعث، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.
٣ _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ الإمامة عهد من اللّه عزّ وجلّ معهود لرجال مسمّين، ليس للإمام أن يزويها عن الّذي يكون من بعده، إنّ اللّه تبارك وتعالى أوحى إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن اتخذ وصيّاً من أهلك فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبياً إلّا وله وصي من أهله وكان لداود (عَلَيهِ السَّلَامُ) أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محبّاً، فدخل داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليها حين أتاه الوحي فقال لها : إِنَّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إليّ يأمرني أن اتخذ وصيّاً من أهلي. فقالت له امرأته : فليكن ابني ؟ قال : ذلك أريد وكان السابق في علم اللّه المحتوم عنده أنّه سليمان، فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى داود : أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري (2)، فلم يلبث داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك، فجمع داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولده، فلما أن قص الخصمان قال سليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرَّجل كرمك ؟ قال : دخلته ليلاً، قال : قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا، ثمَّ قال له :داود : فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل وكان ثمن الكرم قيمة الغنم ؟ فقال سليمان: إنّ الكرم لم يجتثّ (3) من أصله وإنّما أكل حمله (4) وهو عائد في قابل(5)، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود أنّ القضاء في هذه القضية ما قضى سلیمان به با داود أردت أمراً وأردنا أمراً غيره، فدخل داود على امرأته فقال : أردنا أمراً وأراد اللّه عزّ وجلّ أمراً غيره ولم يكن إلّا ما أراد اللّه عزّ وجلّ، فقد رضينا بأمر اللّه عزّ وجلّ وسلّمنا. وكذلك الأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبه إلى غيره.
ص: 334
قال الكلينيّ معنى الحديث الأوّل (1) : أنّ الغنم لو دخلت الكرم نهاراً، لم يكن على صاحب الغنم شيء، لأن لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى وعلى صاحب الكرم حفظه وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا ولصاحب الكرم أن ينام في بيته.
٤ _ محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير وجميل، عن عمرو بن مصعب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أترون أنّ الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟ لا واللّه ولكنّه عهد من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى رجل فرجل حتّى انتهى إلى نفسه (2).
1 - محمّد بن يحيى والحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن الحسين بن عليّ عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة (3)، عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ الوصيّة نزلت من السماء على محمّد كتاباً(4)، لم ينزل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كتاب مختوم إلّا الوصية، فقال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا محمّد : هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال : نجيب اللّه (5) منهم وذريته، ليرتك علم النبوّة كما ورثه إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وميراثه لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذريتك من صلبه، قال : وكان عليها خواتيم، قال : ففتح علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الخاتم الأوّل ومضى لما فيها (6) ثمَّ فتح الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها (7)، فلمّا توفّي الحسن ومضى فتح الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة، لا شهادة لهم إلّا معك، قال : ففعل (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما مضى دفعها إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق (8) لما
ص: 335
حجب العلم (1)، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها : أن فسر كتاب اللّه تعالى وصدّق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة(2) وقم بحق اللّه عزّ وجلّ وقل الحقّ في الخوف والأمن، ولا تخش إلّا اللّه، ففعل، ثمَّ دفعها إلى الّذي يليه، قال: قلت له : جعلت فداك فأنت هو ؟ قال : فقال : ما بي إلّا أن تذهب يا معاذ فتروي عليَّ (3) قال : فقلت : أسأل اللّه الّذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات، قال؟ قد فعل اللّه ذلك يا معاذ قال : فقلت : فمن هو جعلت فداك ؟ قال : هذا الراقد - وأشار بيده إلى العبد الصالح (4) _ وهو راقد.
٢ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمّد بن أحمد بن عبيد اللّه العمري عن أبيه، عن جده، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه عزّ وجلّ أنزل على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كتاباً قبل وفاته فقال يا محمّد هذه وصيّتك إلى النَّجَبَة من أهلك، قال : وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال : عليّ بن أبي طالب وولده (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمره أن يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاتماً وعمل بما فيه، ثمَّ دفعه إلى ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ففكّ خاتماً وعمل بما فيه، ثمَّ دفعه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ففك خاتماً فوجد فيه أن أخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك وأشْرِ نفسك اللّه (5) عزّ وجلّ، ففعل، ثمَّ دفعه إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ففك خاتماً فوجد فيه أن أطْرِقَ واصمت وألزم منزلك واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين، ففعل، ثمَّ دفعه إلى ابنه محمّد بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ففكّ خاتماً فوجد فيه حدّث النّاس وأفْتِهِمْ ولا تخافن إلّا اللّه عزّ وجلّ، فإنه لا سبيل لأحد عليك [ففعل]، ثمَّ دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتماً فوجد فيه حدّث النّاس وافتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءَك الصالحين ولا تخافن إلّا اللّه عزّ وجلّ وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثمَّ دفعه إلى ابنه موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكذلك يدفعه موسى إلى الّذي بعده ثمَّ كذلك إلى قيام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
ص: 336
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال له حمران : جعلت فداك : أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخروجهم وقيامهم بدين اللّه عزّ وجلّ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتّى قُتِلوا وغلبوا؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا حمران : إن اللّه تبارك وتعالى [قد] كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه، وحتمه، ثمَّ أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول اللّه قام علي والحسن والحسين وبعلم صمَتَ مَنْ صَمَتَ منا (1).
٤ _ الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، أحمد عن الحارث بن جعفر عن عليّ بن إسماعيل بن يقطين عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : حدَّثني موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت لأبي عبد اللّه : أليس كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كاتب الوصيّة ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقربون (عَلَيهِ السَّلَامُ) شهود؟ قال : فأطرق طويلاً ثمَّ قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الأمر (2)، نزلت الوصية من عند اللّه كتاباً مسجّلاً، نزل به جبرئيل مع أمناء اللّه تبارك وتعالى من الملائكة فقال :جبرئيل يا محمّد مر بإخراج من عندك إلّا وصيك، ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها - يعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فأمر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بإخراج من كان في البيت ما خلا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل : يا محمّد ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمّد شهيداً، قال : فارتعدت مفاصل النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا جبرئيل هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عزّ وجلّ وبر هات الكتاب، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : إقرأه، فقرأه حرفاً حرفاً، فقال : يا علي ! هذا عهد ربي تبارك وتعالى إليَّ وشرطه علي وأمانته وقد بلغت ونصحت وأديت، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنا أشهد لك [بأبي وأمي أنت] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي، فقال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا عليُّ أخذت وصيّتي وعرفتها وضمنت اللّه ولي الوفاء بما فيها؟، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) نعم أشهد، فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك، فقال : نعم ليشهدوا وأنا - بأبي أنت وأمي - أشهدهم،
ص: 337
فأَشْهَدَهُم رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان فيما اشترط عليه النبيّ بأمر جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما أمر اللّه عزّ وجلّ أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى اللّه ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى اللّه ورسوله والبراءة منهم على الصبر منك [و] على كظم الغيظ وعلى ذهاب حقي وغصب خُمْسِك وانتهاك حرمتك؟ فقال : نعم يا رسول اللّه. فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : والّذي فَلَقَ الحبّة (1) وبرأ النَّسَمَة(2) لقد سمعت جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول للنبي : يا محمّد عرفه أنّه يُنتهك الحرمة وهي حرمة اللّه وحرمة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط (3). قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فصعقت (4) حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتّى سقطت على وجهي وقلت : نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة، وعُطّلت السنن ومزّق الكتاب(5)، وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابراً محتسباً أبداً حتّى أقدم عليك، ثمَّ دعا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله، فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار (6)، ودفعت إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأبي أنت وأمي (7) ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن اللّه وسنن رسوله (8)، فقلت : أكان في الوصيّة توثبهم (9) وخلافهم على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ فقال: نعم واللّه شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً (10)، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (11)؟ واللّه لقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأمير
ص: 338
المؤمنين وفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : أليس قد فهمتما ما تقدّمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا : بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا.
«وفي نسخة الصفواني زيادة(1):
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم، عن أبي عبد اللّه البزاز، عن حريز قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة النّاس إليكم؟! فقال : إنّ لكلّ واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته، فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنَّ أجله قد حضر فأتاه النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند اللّه. وإنَّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قرأ صحيفته التي أعطيها، وفسر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض، فخرج للقتال، وكانت تلك الأمور التي بقيت أنَّ الملائكة سألت اللّه في نصرته فأذن لها ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتّى قتل، فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقالت الملائكة : يا ربّ أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته، فانحدرنا وقد قبضته، فأوحى اللّه إليهم : أن ألزموا قبره حتّى تروه وقد خرج (2) فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته وبالبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزّياً وحزناً على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره».
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا مات الإمام بم يعرف الّذي بعده؟ فقال للإمام علامات منها أن يكون أكبر ولد أبيه (3) ويكون فيه الفضل والوصيّة، ويقدم الركب فيقول : إلى من أوصى فلان؟ فيقال: إلى
ص: 339
فلان والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد شعر عن هارون بن حمزة، عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المتوتب على هذا الأمر، المدعي له، ما الحجّة عليه؟ قال : يُسأل عن الحلال والحرام (1)، قال : ثمَّ أقبل عليَّ فقال : ثلاثة من الحجّة لم تجتمع في أحد إلّا كان صاحب هذا الأمر أن يكون أولى النّاس (2) بمن كان قبله ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصيّة الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامّة والصبيان : إلى من أوصى فلان؟ فيقولون : إلى فلان بن فلان.
3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قيل له : بأي شيء يُعرف الإمام؟ قال : بالوصية الظاهرة وبالفضل (3)، إنّ الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج، فيقال : كذَّابٌ ويأكل أموال الناس، وما أشبه هذا
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما علامة الإمام الّذي بعد الإمام؟ فقال: طهارة الولادة(4) وحسن المنشأ (5)، ولا يلهو ولا يلعب.
٥ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أحمد بن عمر، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر، فقال : الدّلالة عليه : الكبر والفضل والوصيّة، إذا قدم الركب المدينة فقالوا إلى من أوصى فلان؟ قيل : فلان بن فلان، ودوروا مع السلاح حيثما دار (6)، فأما المسائل فليس فيها حجّةٌ.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن
ص: 340
سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) [قال]: إنّ الأمر (1) في الكبير ما لم تكن فيه عامة (2).
7 _ أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك، بم يُعرَف الإمام؟ قال : فقال : بخصال: أما أوّلها فإنّه بشيء قد تقدّم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجّة، ويسأل فيجيب، وإن سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلّم النّاس بكل لسان، ثمَّ قال لي : يا أبا محمّد : أعطيك علامة قبل أن تقوم، فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلّمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالفارسية فقال له الخراساني : واللّه جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أنّي ظننت أنك لا تحسنها فقال سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك؟ ثمَّ قال لي: يا أبا محمّد إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من النّاس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الرُّوح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام (3).
1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً، إنّما جرت (4) من عليّ بن الحسين كما قال اللّه تبارك وتعالى : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (5) فلا تكون بعد عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
2 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سمعه يقول : أبى اللّه أن يجعلها لأخوين بعد الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ).
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سئل أتكون الإمامة في عمّ أو خال؟ فقال : لا، فقلت : ففي أخ؟
ص: 341
قال : لا قلت ففي من؟ قال في ولدي، وهو يومئذ لا ولد له (1).
٤ _ محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين إنّما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
٥ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إن كان كون (2) - ولا أراني اللّه - فيمن أنتم؟ فأوماً إلى ابنه موسى، قال : قلت : فإن حدث بموسى حدث فيمن أنتم؟ قال : بولده، قلت: فإن حدث بولده حدث وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً ؛ فيمن أنتم؟ قال : بولده ثمَّ واحداً فواحداً. «وفي نسخة الصفواني» : ثمَّ هكذا أبداً.
120 - باب ما نص اللّه عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) واحداً فواحداً
1 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمّد بن عيسى عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فقال : نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فقلت له : إنَّ النّاس يقولون : فما له لم يسم عليّاً وأهل بيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كتاب اللّه عزّ وجلّ؟ قال : فقال : قولوا لهم : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نزلت عليه الصلاة ولم يسم اللّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً (3)، حتّى كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو الّذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كلّ أربعين درهماً درهم(4)، حتّى كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو الّذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا أسبوع (5) حتّى كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو الّذي فسر ذلك لهم، ونزلت (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ونزلت في علي والحسن والحسين - فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في عليّ : من كنت مولاه فعلي
ص: 342
مولاه ؛ وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي، فإني سألت اللّه عزّ وجلّ أن لا يفرق بينهما حتّى يوردهما عليَّ الحوض، فأعطاني ذلك، وقال : لا تعلّموهم فهم أعلم منكم ؛ وقال : إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة، فلوسكت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم يبين من أهل بيته لأدَّعاها آل فلان وآل فلان لكنّ اللّه عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (1). فكان علي والحسن والحسين وفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فأدخلهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تحت الكساء في بيت أم سلمة، ثمَّ :قال : اللّهمّ إنّ لكلّ نبي أهلاً وثَقَلاً، وهؤلاء أهل بيتي وثَقَلي، فقالت أم سلمة: الست من أهلك؟ فقال : إنّك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي، فلما قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان علي أولى (2) النّاس بالناس لكثرة ما بلغ فيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإقامته للناس وأخذه بيده، فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل أن يدخل محمّد بن عليّ ولا العبّاس بن عليّ ولا واحداً من ولده إذاً لقال الحسن والحسين : إنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك، فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، وبلّغ فينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما بلّغ فيك، وأذهب عنا الرّجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أولى بها لكبره، فلمّا توفّي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك واللّه عزّ وجلّ يقول : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) فيجعلها في ولده، إذا لقال الحسين أمر اللّه بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك، وبلّغ في رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما بلّغ فيك وفي أبيك، وأذهب اللّه عنّي الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك، فلما صارت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدَّعي على أخيه وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا، ثمَّ صارت حين أفضت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجرى تأويل هذه الآية (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ). ثمَّ صارت من بعد الحسين لعليّ بن الحسين، ثمَّ صارت من بعد عليّ بن الحسين إلى محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). وقال : الرّجس هو الشكُ، واللّه لا نشكُ في ربّنا أبداً.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن عليّ الحلبي، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثل ذلك
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبيه، عن عبد اللّه بن
ص: 343
المغيرة، عن ابن مسكان، عن عبد الرحيم بن روح القصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (1) فيمن نزلت؟ فقال : نزلت في الإمرة (2)، إنَّ هذ الآية جرت في ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعده، فنحن أولى بالأمر وبرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من المؤمنين والمهاجرين والأنصار، قلت: فولد جعفر (3) لهم فيها نصيب؟ قال لا قلت : فلولد العبّاس(4) فيها نصيب؟ فقال: لا، فعدّدت عليه بطون بني عبد المطلب، كلّ ذلك يقول : لا، قال : ونسيت ولد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ فدخلت بعد ذلك عليه، فقلت له : هل لولد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيها نصيب؟ فقال: لا، واللّه يا عبد الرحيم ما لمحمّدي فيها نصيب غيرنا.
3 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (5) قال : إنّما يعني أولى بكم أي أحقُّ بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم، اللّه ورسوله والّذين آمنوا يعني عليّاً وأولاده الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إلى يوم القيامة، ثمَّ وصفهم اللّه عزّ وجلّ فقال: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). وكان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صلاة الظهر وقد صلّى ركعتين وهو راكعٌ وعليه حلّة قيمتها ألف دينار، وكان النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كساه إياها، وكان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال : السّلام عليك يا ولي اللّه وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها : فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه هذه الآية وصيّر نعمة أولاده بنعمته (6) فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة، يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الّذي سأل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الملائكة (7)، والّذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة،
ص: 344
والفضيل بن يسار، وبكير بن أعين، ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وأبي الجارود جميعاً عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أمر اللّه عزّ وجلّ رسوله بولاية(1) عليّ وأنزل عليه (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ). وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر اللّه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة والزّكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من اللّه، ضاق بذلك صدر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربّه (2) عزّ وجلّ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (3) فصدع بأمر اللّه تعالى ذكره، فقام بولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، وأمر النّاس أن يبلغ الشاهد الغائب - قال عمر بن أذينة : قالوا جميعاً غير أبي الجارود (4) - وقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل اللّه عزّ وجلّ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (5). قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يقول اللّه عزّ وجلّ : لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال (6) : كنت عنده (7) جالساً، فقال له رجل: حدَّثني عن ولاية علي أمن اللّه أو من رسوله ؟ فغضب ثمَّ قال : ويحك، كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أخوف اللّه من أن يقول ما لم يأمره به اللّه، بل افترضه كما افترض اللّه الصلاة والزكاة والصوم والحجّ.
٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين جميعاً، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : فرض اللّه عزّ وجلّ على العباد خمساً، أخذوا (8) أربعاً وتركوا واحداً،
ص: 345
قلت : أتسميهنّ لي جعلت فداك ؟ فقال : الصلاة وكان النّاس لا يدرون كيف يصلون، فنزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا محمّد أخبرهم بمواقيت صلاتهم، ثمَّ نزلت الزكاة فقال : يا محمّد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم، ثمَّ نزل الصوم فكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا كان يوم عاشورا (1) بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر رمضان بین شعبان وشوال، ثمَّ نزل الحج فنزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم.
وزكاتهم وصومهم. ثمَّ نزلت الولاية وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل اللّه عزّ وجلّ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي). وكان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال عند ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (2) : أمتي حديثو عهد بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل، ويقول قائل(3)، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني _ فأتتني عزيمة من اللّه عزّ وجلّ بتلة (4) أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني، فنزلت : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ). فأخذ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بيد علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أيّها الناس: إنّه لم يكن نبي من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا وقد عمّره اللّه، ثمَّ دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت، وأديت ما عليك فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين فقال: اللّهمّ أشهد - ثلاث مرَّات - ثمَّ قال : يا معشر المسلمين : هذا وليكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب.
قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان واللّه [علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)] أمين اللّه على خلقه وغيبه ودينه الّذي ارتضاه لنفسه، ثمَّ إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حضره الّذي حضر (5)، فدعا عليّاً فقال : يا علي : إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني اللّه عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الّذي ارتضاه لنفسه، فلم يشرك واللّه فيها يا زياد أحداً من الخلق. ثمَّ إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) حضره الّذي حضره، فدعا ولده وكانوا اثني عشر ذكراً فقال لهم : يا بَني : إنَّ اللّه عزّ وجلّ قد أبى إلّا أن يجعل في سنةً من يعقوب، وإنَّ يعقوب دعا ولده وكانوا اثني عشر ذكراً، فأخبرهم بصاحبهم، ألا وإني أخبركم بصاحبكم، ألا
ص: 346
إنَّ هذين ابنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاسمعوا لهما وأطيعوا، ووازروهما فإنّي قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ممّا ائتمنه اللّه عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الّذي ارتضاه لنفسه فأوجب اللّه لهما من علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أوجب لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلّا بكبره، وإنَّ الحسين كان إذ حضر الحسن لم ينطق في ذلك المجلس حتّى يقوم، ثمَّ إنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حضره الّذي حضره فسلّم ذلك إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ إنّ حسيناً حضره الّذي حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة - بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة وكان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مبطوناً لا يرون إلّا أنّه لما به (1)، فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين ثمَّ صار واللّه ذلك الكتاب إلينا.
الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن منصور بن يونس عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله
7 - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى عن صباح الأزرق، عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن رجلا من المختارية (2) لقيني فزعم أنَّ محمّد بن الحنفية إمامٌ، فغضب أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ قال : أفلا قلت له (3)؟ قال قلت : لا واللّه ما دريت ما أقول قال أفلا قلت له : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أوصى إلى علي والحسن والحسين، فلما مضى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصى إلى الحسن والحسين، ولو ذهب يزويها عنهما لقالا له : نحن وصيّان مثلك ولم يكن ليفعل ذلك، وأوصى الحسن إلى الحسين ولو ذهب يزويها عنه لقال : أنا وصي مثلك من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن أبي ولم يكن ليفعل ذلك، قال اللّه عزّ وجلّ : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) هي فينا وفي أبنائنا
1 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن
ص: 347
يونس، عن زيد بن الجهم الهلالي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : لما نزلت ولاية عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان من قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : سلّموا على علي بإمرة المؤمنين، فكان ممّا أكّد اللّه عليهما (1) في ذلك اليوم يا زيد : قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهما : قوما فسلّما عليه بإمرة المؤمنين. فقالا : أمِنَ اللّه أو من رسوله يا رسول اللّه ؟ فقال لهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من اللّه ومن رسوله، فأنزل اللّه عزّ وجلّ (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ). يعني به قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهما وقولهما أمِنَ اللّه أو مِن رسوله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ) أئمة هي أزكى من أئمتكم (2)، قال : قلت : جعلت فداك أئمة؟ قال : إي واللّه أئمّة :قلت: فإنّا نقرأ أربى فقال : ما أربى ؟ - وأومأ بيده فطرحها – (إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ (يعني بعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ)) وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا (يعني بعد مقالة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)) وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (يعني به عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)) وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (3).
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين وأحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : لما أن قضى محمّد نبوته، واستكمل أيامه، أوحى اللّه تعالى إليه أن يا محمّد: قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم (4) الّذي عندك والإيمان (5) والاسم الأكبر (6) وميراث العلم(7) وآثار علم النبوّة في أهل بيتك عند أهل بيتك عند عليّ بن أبي طالب، فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من ذرّيّات الأنبياء.
ص: 348
٣ - محمّد بن الحسين وغيره عن سهل، عن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعاً، عن محمّد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أوصى موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون، ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى، إنَّ اللّه تعالى له الخيرة، يختار من يشاء ممّن يشاء، وبشر موسى ويوشع بالمسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما أن بعث اللّه عزّ وجلّ المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال المسيح لهم : إنّه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يجيىء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم(1)، وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين، وإنما سمّاهم اللّه تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر، وهو الكتاب الّذي يُعلم به علم كلّ شيء، الّذي كان مع الأنبياء صلوات اللّه عليهم. يقول اللّه تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) (2) الكتاب (الاسم الأكبر وإنما عرف ممّا يدعى الكتاب (3) التوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح، وفيها كتاب صالح، وشعيب وإبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ). فأخبر اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (4). فأين صحف إبراهيم، إنّما صحف إبراهيم الاسم الأكبر، وصحف موسى الاسم الأكبر، فلم تزل الوصيّة في عالم بعد عالم حتّى دفعوها إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فلما بعث اللّه عزّ وجلّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أسلم له العقب(5) من المستحفظين، وكذبه بنو إسرائيل، ودعا إلى اللّه عزّ وجلّ وجاهد في سبيله، ثمَّ أنزل اللّه جل ذكره عليه : أن أعلن فضل وصيك فقال : ربّ إنَّ العرب قوم جناة، لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي، ولا يعرفون فضل نبوّات الأنبياء عليهم السلام ولا شرفهم، ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي، فقال اللّه جل ذكره : (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) (6) (وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (7). فذكر من فضل وصيّه ذكراً فوقع النفاق في قلوبهم، فعلم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذلك وما يقولون، فقال اللّه جلّ
ص: 349
ذکره : يا محمّد ! (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (1) ولكنهم يجحدون بغير حجّة لهم، وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه السورة، فاحتج عليهم حين أعلم بموته، ونعيت إليه نفسه، فقال اللّه جل ذكره : ﴿فإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (2). يقول : إذا فرغت فانصب علمك، وأعلن وصيك فأعلمهم فضله علانية، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من كنت مولاه فعلی مولاه اللّهمّ وال من والاه، وعادِ مَن عاداه - ثلاث مرَّات - ثمَّ قال : لأبعثنَّ رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، ليس بفرار يعرّض بمن رجع، يجبن أصحابه ويجبنونه (3)، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : علي سيّد المؤمنين. وقال: علي عمود الدين، وقال: هذا هو الّذي يضرب النّاس بالسيف على الحقّ بعدي. وقال : الحقّ مع عليّ أينما مال، وقال : إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب اللّه عزّ وجلّ وأهل بيتي عترتي أيّها النّاس اسمعوا وقد بلغت إنّكم سَتَرِدُونَ عليَّ الحوض فأسألكم عما فعلتم في التقلين، والثقلان : كتاب اللّه جلَّ ذكره وأهل بيتي، فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم.
فوقعت الحجّة بقول النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبالكتاب (4) الّذي يقرأه الناس، فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (5). وقال عزَّ ذكره : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)(6). ثمَّ قال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) (7). فكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان حقه الوصية التي جعلت له، والاسم الأكبر، وميراث العلم، وآثار علم النبوّة فقال : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (8). ثمَّ قال : (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ (9) سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (10). يقول أسألكم
ص: 350
عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها، مودّة القربى بأي ذنب قتلتموهم. وقال جل ذكره : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). قال : الكتاب [هو] الذكر، وأهله آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر اللّه عزّ وجلّ بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال، وسمّى اللّه عزّ وجلّ القرآن ذكراً فقال تبارك وتعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (1). وقال عزّ وجلّ : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (2). وقال عزّ وجلّ : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). وقال عزّ وجلّ : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (3) فردَّ الأمر - أمر النّاس - إلى أولي الأمر منهم الّذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم.
فلما رجع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من حجّة الوداع نزل عليه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (4) فنادى النّاس فاجتمعوا، وأمر بسَمَرات (5) فقم (6) شوكهن، ثمَّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : [يا] أيّها النّاس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم ؟ فقالوا : اللّه ورسوله، فقال: من كنت مولاه فعلی مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعادِ مَن عاداه - ثلاث مرَّات _ فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا : ما أنزل اللّه جل ذكره هذا على محمّد قط، وما يريد إلّا أن يرفع بضَبْع (7) ابن عمّه.
فلما قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا: يا رسول اللّه : إن اللّه جلّ ذكره قد أحسن إلينا وشرَّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا، فقد فرّح اللّه صديقنا وكبت عدونا، وقد يأتيك وفود، فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو، فنحبُّ أن تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم، فلم يردّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليهم شيئاً، وكان ينتظر ما يأتيه من ربه، فنزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). ولم يقبل أموالهم، فقال المنافقون : ما أنزل اللّه هذا على محمّد، وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمه، ويحمل علينا أهل بيته، يقول
ص: 351
أمس : مَن كنت مولاه فعلي مولاه، واليوم : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). ثمَّ نزلت عليه آية الخمس فقالوا : يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا، ثمَّ أتاه جبرئيل فقال : يا محمّد : إنّک قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل الاسم الأكبر، وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإني لم أترك الأرض إلّا ولي فيها عالم تُعرف به طاعتي، وتُعرف به ولايتي، ويكون حجّة لمن يولد بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر (1)، قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة، وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب يفتح كلّ كلمة وكلّ باب ألف كلمة وألف باب.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وصالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن يحيى بن معمر العطّار عن بشير الدَّهّان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مرضه الّذي تُوفّي فيه : ادعوا لي خليلي، فأرسلتا (2) إلى أبويهما، فلما نظر إليهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعرض عنهما (3)، ثمَّ قال: ادعوا لي خليلي، فأرسل إلى عليّ فلما نظر إليه أكب عليه يحدثه، فلما خرج لقياه فقالا له : ما حدَّثك خليلك ؟ فقال : حدَّثني ألف باب(4) يفتح كلّ باب ألف باب.
٥ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي (5)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : علم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ألف حرف كل(6) حرف يفتح ألف حرف (7).
٦ - عدَّة من أصحابنا، عن أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان في ذؤابة سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صحيفة صغيرةً، فقلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي شيء كان في تلك الصحيفة ؟ قال : هي الأحرف التي يفتح كلّ حرف ألف حرف.
قال : أبو بصير : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما خرج منها حرفان حتّى الساعة.
ص: 352
٧ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر، عن فضيل [بن] سكرة قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك هل للماء الّذي يغسل به الميت حد محدود؟ قال: إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا متُ فاستقِ ستّ قِرَب من ما بئر غَرَس(1)، فغسلني وكفني وحنّطني، فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني ثمَّ سلني عمّا شئت، فواللّه لا تسألني عن شيء إلّا أجبتك فيه.
8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن ابن أبي سعيد(2)، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما حضر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الموت دخل عليه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأَدْخَلَ رأسه (3) ثمَّ قال : يا علي : إذا أنا مت فغسلني وكفّني ثمَّ أقعدني وسلني واكتب.
9 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي، عن يونس بن رباط قال : دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له كامل : جعلت فداك حديث رواه فلان؟ فقال : اذكره، فقال : حدَّثني أنَّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حدَّث علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بألف باب يوم وفي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، كلّ باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب فقال : لقد كان ذلك. قلت : جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم ؟ فقال : يا كامل باب أو بابان (4). فقلت [له] جعلت فداك : فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلّا باب أو بابان؟ قال : فقال : وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلّا ألفاً غير معطوفة (5).
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني
ص: 353
وعمر بن أذينة، عن أبان عن سليم بن قيس قال : شهدت وصيّة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأشهد على وصيّته الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومحمّداً (1) وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمَّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بني : أمرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ودفع إليَّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أقبل على ابنه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : وأمرك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثمَّ أخذ بيد عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). ثمَّ قال لعليّ بن الحسين وأمرك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن عليّ، واقرأه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومني السلام.
2 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لما حضره الّذي حضره قال لابنه الحسن : ادن منّي حتّى أسر إليك ما أسرَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليَّ، وأئتمنك على ما ائتمنني عليه، ففعل.
3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال : حدَّثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا: حدَّثنا شهر بن حوشب: أنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين سار إلى الكوفة، استودع أمّ سلمة كتبه والوصيّة، فلمّا رجع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) دفعتها إليه.
«وفي نسخة الصفواني :
٤ - أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن سيف (2)، عن أبي بكر (3)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين سار إلى الكوفة، استودع أم سلمة كتبه والوصيّة فلمّا رجع الحسن دفعتها إليه».
٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوصى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمَّ دفع إليه الكتاب والسلاح، ثمَّ قال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول اللّه أن أوصي إليك وأن أدفع
ص: 354
إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ رسول اللّه ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين، ثمَّ أقبل على ابنه الحسين وقال : أمرك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن تدفعه إلى ابنك هذا، ثمَّ أخذ بيد ابن ابنه عليّ بن الحسين (1)، ثمَّ قال لعليّ بن الحسين : يا بني : وأمرك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن تدفعه إلى ابنك محمّد بن عليّ وأقرئه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومنّي السلام، ثمَّ أقبل على ابنه الحسن، فقال : يا بني أنت ولي الأمر (2) ووليُّ الدم (3)، فإن عفوت فَلَكَ (4) وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم(5).
٦ - الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال : لمّا ضُرِبَ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حُفٌ به العُوّاد وقيل له : يا أمير المؤمنين أوص فقال : اثنوا لي وسادة، ثمَّ قال : الحمد للّه حقٌّ قَدْرِه متبعين أمره، وأحمده كما أحب ولا إله إلّا اللّه الواحد الأحد الصمد كما انتسب (6)، أيّها النّاس كلّ امرىءٍ لاقٍ في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللّه عزَّ ذكره إلّا إخفاءه، هيهات علم مكنون، أما وصيتي فأن لا تشركوا باللّه جلّ ثناؤه شيئاً ومحمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم (7) ما لم تشردوا، حُمّل كلّ امرىء مجهوده، وخفّف عن الجهلة(8)، رب رحيم، وإمام عليمٌ، ودينٌ قويم.
أنا بالأمس صاحبكم و [أنا] اليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذ المزلّة(9) فذاك المراد، وإن تدحض القدم (10)، فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح، وتحت ظلّ غمامة اضمحلَّ في الجو متلفّقها (11)، وعفا (12) في الأرض مخطها، وإنّما كُنْتُ جاراً جاوركم
ص: 355
بدني أيّاماً وستعقبون مني جنّة خلاء ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوّي وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنّه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غداً ترون أيامي، ويكشف اللّه عزّ وجلّ عن سرائري، وتعرفوني بعد خلو مكاني، وقيام غيري مقامي إن أبقَ فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، [وإن أعفُ] فالعفو لي قربة،، ولكم حسنةً، فاعفوا واصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، أو تؤدّيه أيامه إلى شقوة، جعلنا اللّه وإيّاكم ممّن لا يقصر به عن طاعة اللّه رغبة أو تحلّ به بعد الموت نقمة، فإنّما نحن له وبه (1). ثمَّ أقبل على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم.
7 _ محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن، عن عليّ بن إبراهيم العقيلي يرفعه قال : قال : لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحسن : يا بني إذا أنا مت فاقتل ابن ملجم واحفر له في الكُنَاسَة (2) (ووصف العقيلي الموضع على باب طاق المحامل موضع الشواء والرُوَّاس) ثمَّ ارم به فيه فإنّه واد من أودية جهنّم.
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح [قال الكلينيّ ] (3) وعدة من أصحابنا، عن ابن زياد عن محمّد بن سليمان الديلمي عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لما حضرت الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخي إنّي أوصيك بوصيّة فاحفظها، إذا أنا مت فهيئني (4) ثمَّ وجهني إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأحدث به عهداً، ثمَّ اصرفني إلى أمّي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ ردَّني فادفني بالبقيع، واعلم أنّه سيصيبني من عائشة ما يعلم اللّه والناس صنيعها (5) وعداوتها للّه ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض
ص: 356
الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) [و] وضع على السرير ثمَّ انطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّى عليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحمل وأدخل إلى المسجد، فلما أوقف على قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذهب ذو العوينين (1) إلى عائشة فقال لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). فخرجت مبادرة (2) على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجاً - فقالت نحوا ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول اللّه حجابه، فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأدخلت عليه بيته من لا يحب قربه، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة.
2 - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن بعض أصحابنا، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما حضرت الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة قال : يا قنبر: انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ فقال : اللّه تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني، قال: ادع لي محمّد بن عليّ (3)، فأتيته فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلّا خير؟ قلت : أجب أبا محمّد، فعجّل على شسع نعله(4)، فلم يسوّه وخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اجلس فإنّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم، ومصابيح الهدى، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض.
أما علمت أنَّ اللّه جعل ولد إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أئمة وفضّل بعضهم على بعض، وآتى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) زبوراً، وقد علمت بما استأثر به محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). يا محمّد بن عليّ : إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف اللّه به الكافرين، فقال اللّه عزّ وجلّ: (كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (5). ولم يجعل اللّه عزّ وجلّ للشيطان عليك سلطاناً، يا محمّد بن عليّ ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال : بلى، قال : سمعت أباك (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول يوم البصرة : من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمّداً ولدي، يا محمّد بن عليّ : لو شئت أن أخبرك
ص: 357
وأنت نطقة في ظهر أبيك لأخبرتك، يا محمّد بن عليّ : أما علمت أنَّ الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة نفسي، ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند اللّه جل اسمه في الكتاب، وراثة من النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أضافها اللّه عزّ وجلّ له في وراثة أبيه وأمه فعلم اللّه أنّکم خيرة خلقه، فاصطفى منكم محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واختار محمّد عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، واختارني علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالإمامة، واخترت أنا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له محمّد بن عليّ : أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، واللّه لوددت أنَّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإنَّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء، ولا تغيّره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرّق المنمنم (1)، أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المُنْزَل (2)، أو ما جاء به الرسل، وإنه لكلام يكلُّ به لسان الناطق، ويد الكاتب، حتّى لا يجد قلماً، ويؤتوا بالقرطاس حمم (3)، فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي اللّه المحسنين ولا قوَّة إلّا باللّه الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رحماً، كان فقيهاً قبل أن يُخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم اللّه في أحد خيراً ما اصطفى محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلما اختار اللّه محمّداً، واختار محمّد عليّاً، واختارك علي إماماً، واخترت الحسين، سلّمنا ورضينا، من [هو] بغيره يرضى و [ من غيره] كنا نَسْلَم به من مشكلات أمرنا.
٣ - وبهذا الإسناد، عن سهل، عن محمّد بن سليمان عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لما احتضر الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحسين : يا أخي : إني أوصيك بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متُ فهيئني ثمَّ وجّهني إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأحدث به عهداً، ثمَّ اصرفني إلى أمّي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، ثمَّ ردّني فادفني بالبقيع، واعلم أنّه سيصيبني من الحُميراء (4) ما يعلم النّاس من صنيعها وعداوتها اللّه ولرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) [و] وضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّى الحسين على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما أن صلّى عليه حُمِلَ فأدخل المسجد، فلما أوقف على قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بلغ عائشة الخبر وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ ليدفن مع رسول اللّه، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً _ فوقفت وقالت : نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول اللّه حجابه، فقال لها الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب
ص: 358
رسول اللّه وأدخلت بيته من لا يحب رسول اللّه قربه، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة، إِنَّ أخي أمرني أن أقرّ به من أبيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليحدث به عهداً واعلمي أنَّ أخي أعلم النّاس باللّه ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه ستره، لأن اللّه تبارك وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) (1)، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الرجال بغير إذنه وقد قال اللّه عزّ وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) (2) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه (3) عند أذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المعاول، وقال اللّه عزّ وجلّ (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) (4) ولعمري لقد أدخَلَ أبوك وفاروقه على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، إنَّ اللّه حرم من المؤمنين أمواتاً ما حرم منهم أحياءً، وتاللّه يا عائشة، لو كان هذا الّذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول اللّه صلوات اللّه عليهما جائزاً فيما بيننا وبين اللّه، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسُك (5).
قال : ثمَّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة يوماً على بغل، ويوماً على جمل، فما تملكين نفسك (6)، ولا تملكين الأرض (7) عداوة لبني هاشم، قال : فأقبلت عليه فقالت : يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون (8) فما كلامك ؟ فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنى تبعدين محمّداً من الفواطم فواللّه لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر، قال : فقالت عائشة للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نحوا ابنكم واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.
قال : فمضى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى قبر أمه ثمَّ أخرجه فدفنه بالبقيع.
ص: 359
1 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين وأحمد بن محمّد عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا حضره الّذي حضره، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدفع إليها كتاباً ملفوفا ووصية ظاهرة، وكان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مبطوناً معهم لا يرون إلّا أنّه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ صَارَ واللّه ذلك الكتاب إلينا يا زياد. قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني اللّه فداك ؟ قال : فيه واللّه ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق اللّه آدم إلى أن تفنى الدُّنيا، واللّه إن فيه الحدود، حتّى أنَّ فيه أرش الخدش.
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن - أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما حضر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما حضره، دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرةً (1) في كتاب مدرَّج (2)، فلما أن كان من أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما كان، دفعت ذلك إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قلت له : فما فيه - يرحمك اللّه - ؟ فقال : ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدُّنيا إلى أن تفنى.
3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما صار إلى العراق استودع أم سلمة (رضیَ اللّهُ عنهُ) الكتب والوصيّة، فلما رجع عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دفعتها إليه.
«وفي نسخة الصفواني :
٤ _ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن فليح بن أبي بكر الشيباني قال : واللّه إني لجالس عند عليّ بن الحسين وعنده ولده، إذ جاءه جابر بن عبد اللّه الأنصاري فسلّم عليه، ثمَّ أخذ بيد أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخلا به، فقال : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أخبرني أني سأدرك رجلاً من أهل بيته يقال له : محمّد بن عليّ، يُكنى أبا جعفر، فإذا أدركته فاقرأه مني السلام قال : ومضى جابر، ورجع أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجلس أبيه عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإخوته، فلما صلّى المغرب قال عليّ بن الحسين لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي شيء قال لك جابر بن عبد اللّه الأنصاري؟
ص: 360
فقال : قال : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : إنّک ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه محمّد بن عليّ، يكنى أبا جعفر فاقرأه مني السلام، فقال له أبوه : هنيئاً لك يا بني ما خصك اللّه به من رسوله من بين أهل بيتك، لا تطلع إخوتك على هذا فيكيدوا لك كيداً، كما كادوا إخوة يوسف ليوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)».
١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن أبي القاسم الكوفيّ (1)، عن محمّد بن سهل عن إبراهيم بن أبي البلاد عن إسماعيل بن محمّد بن عبد اللّه بن عليّ بن الحسين عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما حضرت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة، قبل ذلك أخرج سَفَطاً (2) أو صندوقاً عنده فقال : يا محمّد احمل هذا الصندوق قال : فحمل بين أربعة، فلمّا تُوفّي جاء إخوته يدَّعون [ما] في الصندوق فقالوا : أعطنا نصيبنا في الصندوق. فقال : واللّه ما لكم فيه شيء، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليَّ، وكان في الصندوق سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكتبه.
2 - محمّد بر بن يحيى، عن عمران بن موسى عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه عن عيسى بن عبد اللّه عن أبيه، عن جده قال : التفت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده، ثمَّ التفت إلى محمّد بن عليّ فقال : يا محمّد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك، قال: أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم، ولكن كان مملوءاً علماً.
3 - محمّد بن الحسن عن سهل، عن محمّد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم (3) أن يرسل إليه بصدقة علي وعمر وعثمان (4)، وإنّ ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم، فسأله الصدقة (5)، فقال زيد : إنّ الوالي (6) كان بعد علي الحسن، وبعد
ص: 361
الحسن الحسين وبعد الحسين عليّ بن الحسين وبعد عليّ بن الحسين محمّد بن عليّ، فابعث إليه فبعث ابن حزم إلى أبي، فأرسلني أبي بالكتاب إليه حتّى دفعته إلى ابن حزم.
فقال له بعضنا يعرف هذا ولد الحسن؟ قال : نعم كما يعرفون أنّ هذا ليل ولكنّهم يحملهم الحسد ولو طلبوا الحقّ بالحقّ (1) لكان خيراً لهم ولكنّهم يطلبون الدنيا.
الحسين بن محمّد معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم، ثمَّ ذكر مثله إلّا أنّه قال : بعث ابن حزم إلى زيد بن الحسن وكان أكبر من أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ). عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء مثله.
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمشي فقال : ترى هذا؟ هذا من الّذين قال اللّه عزّ وجلّ : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (2).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لما حضرت أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة قال : يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً، قلت: جعلت فداك واللّه لأدعتهم - والرَّجل منهم يكون في المصر - فلا يسأل أحداً (3).
3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنى (4) عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن من سعادة الرَّجل أن يكون له الولد، يعرف فيه
ص: 362
شبه خَلْقه وخُلقه وشمائله (1)، وإني لأعرف من ابني هذا شبه خلقي وخُلقي وشمائلي ؛ يعني أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم عن طاهر (2) قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقبل جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا خير البرية أو أخير (3).
5 - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا، عن يونس بن يعقوب، عن طاهر قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقبل جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا خير البرية.
٦ - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن فضيل بن عثمان، عن طاهر، قال : كنت قاعداً عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقبل جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا خير البرية (4).
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سُئِل عن القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضرب بيده على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : هذا واللّه قائم آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال عنبسة : فلما قبض أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته بذلك، فقال : صدق جابر، ثمَّ قال : لعلكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام الّذي كان قبله(5).
8 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) استودعني ما هناك (6)، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر فقال : اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (7) وأوصى محمّد بن عليّ إلى جعفر بن محمّد وأمره أن يكفنه في برده الّذي كان يصلّي فيه الجمعة، وأن يعممه بعمامته، وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع، وأن يحلّ عنه أطماره عند
ص: 363
دفنه (1)، ثمَّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم اللّه، فقلت له : يا أبت - بعدما انصرفوا _ ما كان في هذا بأن تشهد عليه (2) فقال : يا بني كرهت أن تُغلَب وأن يقال: إنّه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجّة.
١ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللّه القلا، عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) خذ بيدي (3) من النار مَن لَنا بعدك ؟ فدخل عليه أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)(4) - وهو يومئذ غلام - فقال : هذا صاحبكم، فتمسك به
٢ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزاز، عن ثُبيت، عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : أسأل اللّه الّذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها فقال : قد فعل اللّه ذلك قال : قلت : من هو - جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح (5) وهو راقد فقال : هذا الراقد وهو غلام.
٣ - وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد قال : حدَّثني أبو علي الأرجاني الفارسي، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت عبد الرحمن في السنة التي أخذ فيها أبو الحسن الماضي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6) افقلت له : إنَّ هذا الرَّجل قد صار في يد هذا (7) وما ندري إلى ما يصير، فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء؟ فقال لي : ما ظننت أن أحداً يسألني هذه المسألة، دخلت على جعفر بن محمّد في منزله فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يؤمن على دعائه، فقلت له جعلني اللّه فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك، فمن وليُّ النّاس بعدك ؟ فقال : إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه(8)، فقلت
ص: 364
له : لا أحتاج بعد هذا إلى شيء.
٤ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن موسى الصيقل، عن المفضّل بن عمر قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام، فقال : استوص به، وضع أمره (1) عند من تثق به من أصحابك.
5 - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال : حدَّثني إسحاق بن جعفر قال : كنت عند أبي يوماً، فسأله عليّ بن عمر بن عليّ فقال : جعلت فداك إلى من نفزع (2) ويفزع النّاس بعدك ؟ فقال : إلى صاحب الثوبين الأصفرين والغديرتين _ يعني الذوابتين (3) _ وهو - وهو الطالع عليك من هذا الباب يفتح البابين بيده جميعاً، فما لبثنا أن طلعت علينا كفّان آخذة بالبابين ففتحهما ثمَّ دخل علينا أبو إبراهيم.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران(4)، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال له منصور بن حازم بأبي أنت وأمي إنَّ الأنفس يُغدا عليها ويراح (5). فإذا كان ذلك، فمن (6) ؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كان ذلك فهو صاحبكم وضرب بيده على منكب أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأيمن - في ما أعلم - وهو يومئذ خماسي (7) وعبد اللّه بن جعفر جالس معنا.
7 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : إن كان كون - ولا أراني اللّه ذلك - فيمن أنتم؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ). قلت: فإن حدث بموسى حدث فيمن أنتم؟ قال : بولده، قلت : فإن حدث بولده حدث وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً فيمن أنتم؟ قال : بولده، ثمَّ قال : هكذا أبداً(8)، قلت : فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه؟
ص: 365
قال : تقول : اللّهمّ إنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فإنّ ذلك يجزيك إن شاء اللّه.
8 _ أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللّه القلا، عن المفضّل بن عمر - قال : ذكر أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وهو يومئذ غلام - فقال : هذا المولود الّذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه ثمَّ قال لي : لا تجفوا إسماعيل (1).
9 - محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن فيض بن المختار في حديث طويل في أمر أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، حتّى قال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو صاحبك الّذي سألت عنه، فقم إليه فأقر له بحقه، فقمت حتّى قبلت رأسه ويده ودعوت اللّه عزّ وجلّ له، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما إنّه لم يؤذن لنا في أوّل منك (2)، قال : قلت: جعلت فداك فأخبر به أحداً؟ فقال: نعم أهلك وولدك، وكان معي أهلي وولدي ورفقائي وكان يونس بن ظبيان من رفقائي، فلما أخبرتهم حمدوا اللّه عزّ وجلّ وقال يونس : لا واللّه حتّى أسمع ذلك منه وكانت به عجلة (3)، فخرج فأتبعته، فلما انتهيت إلى الباب، سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول له : - وقد سبقني إليه - يا يونس الأمر كما قال لك فيض : قال : فقال: سمعت وأطعت، فقال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): خُذه إليك يا فيض.
10 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن جعفر بن بشير، عن فضيل، عن طاهر عن أبي عبد اللّه قال: كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يلوم عبد اللّه (4) ويعاتبه ويعظه ويقول : ما منعك أن تكون مثل أخيك، فواللّه إنّي لأعرف النور في وجهه؟ فقال عبد اللّه : لِمَ، أليس أبي وأبوه واحداً وأمي وأمه واحدة (5)؟ فقال له أبو عبد اللّه : إنّه من نفسي وأنت ابني ابني(6).
ص: 366
11 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن سنان، عن يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد فجعل يُساره طويلاً، فجلستُ حتّى فرغ فقمت إليه فقال لي : ادن من مولاك فسلّم، فدنوت فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام بلسان فصيح، ثمَّ قال لي : اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنّه اسم يبغضه اللّه، وكان ولدت لي ابنة سميتها بالحميراء، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : انته إلى أمره ترشد (1)، فغيرت اسمها.
12 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان، عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد قال : دعا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً ونحن عنده فقال لنا : عليكم بهذا، فهو واللّه صاحبكم بعدي.
13 - عليّ بن محمّد، عن سهل أو غيره، عن محمّد بن الوليد، عن يونس، عن داود بن زربي، عن أبي أيّوب النحوي قال : بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب، قال : فلما سلّمت عليه رمى بالكتاب إليَّ وهو يبكي، فقال لي : هذا كتاب محمّد بن سليمان (2) يخبرنا أن جعفر بن محمّد قد مات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون - ثلاثاً _ وأين مثل جعفر ؟ ثمَّ قال لي : اكتب قال : فكتبت صدر الكتاب، ثمَّ قال : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه، قال : فرجع إليه الجواب أنّه قد أوصى إلى خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور ومحمّد بن سليمان وعبد اللّه (3) وموسى (4) وحميدة (5).
١٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد بنحو من هذا (6)، إلّا أنّه ذكر أنّه أوصى إلى أبي جعفر المنصور وعبد اللّه وموسى ومحمّد بن جعفر ومولى لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال : فقال أبو جعفر ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.
١٥ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن الحسن، عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صاحب هذا الأمر، فقال: إن صاحب هذا
ص: 367
الأمر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن موسى - وهو صغير ومعه عناق (1) مكية وهو يقول لها : اسجدي لربك - فأخذه أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضمّه إليه وقال : بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب.
١٦ _ عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن عيسى بن هشام (2) قال: حدَّثني عمر الرماني، عن فيض بن المختار قال : إني لعند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ أقبل أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام - فالتزمنه وقبلته فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنتم السفينة وهذا ملاحها، قال: فحججت من قابل ومعي ألفا دينار فبعثت بألف إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وألف إليه، فلما دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا فيض عدلته بي (3)؟ قلت : إنّما فعلت ذلك لقولك، فقال : أما واللّه ما أنا فعلت ذلك (4)، بل اللّه عزّ وجلّ فعله به.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الحسين بن نُعيم الصحاف قال : كنت أنا وهشام بن الحكم وعليّ بن يقطين ببغداد، فقال عليّ بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي : يا عليّ بن يقطين هذا علي سيد ولدي، أما إني قد نحلته (5) كنيتي، فضرب هشام بن الحكم براحته (6) جبهته، ثمَّ قال : ويحك كيف قلت؟ فقال عليّ بن يقطين : سمعت واللّه منه كما قلت فقال هشام : أخبرك أنَّ الأمر فيه من بعده.
أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن الحسين بن نُعيم الصحاف قال : كنت عند العبد الصالح وفي نسخة الصفواني قال: كنت أنا - ثمَّ ذكر مثله -.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم، عن نعيم القابوسي عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إِنَّ ابني علياً أكبر ولدي، وأبرهم عندي، وأحبهم إليّ، وهو ينظر
ص: 368
هي في الجفر، ولم ينظر فيه إلّا نبي أو وصي نبي.
3 - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان وإسماعيل بن عباد
القصري جميعاً، عن داود الرقي قال : قلت لأبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك إنّي قد كبر سنّي، فخذ بيدي من النار، قال: فأشار إلى ابنه أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : هذا صاحبكم من بعدي
٤ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن أحمد بن محمّد محمّد بن عبد اللّه عن الحسن عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1): ألا تدلّني إلى من آخذ عنه ديني (2)؟ فقال : هذا ابني عليُّ، إنّ أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا بني ! إنّ اللّه عزّ وجلّ قال : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (3) وإنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا قال قولاً وفى به.
5 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن يحيى بن عمرو عن داود الرقي قال : قلت لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني قد كبرت سني ودق (4) عظمي، وإني سألت أباك (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرني بك فأخبرني [مَنْ بعدك] فقال : هذا أبو الحسن الرضا.
٦ _ أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة (5) قال : دخلت على أبي إبراهيم وعنده ابنه أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال لي : يا زياد هذا ابني فلان، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله.
7 - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل قال: حدَّثني المخزومي (6) وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بعث إلينا أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجمعنا ثمَّ قال لنا : أتدرون لم دعوتكم ؟ فقلنا : لا فقال : اشهدوا أن ابني هذا وصي والقيم
ص: 369
بأمري وخليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عِدَة (1) فلينجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي (2) فلا يلقني إلّا بكتابه.
8 - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن سنان وعليّ بن الحكم جميعاً عن الحسين بن المختار قال: خرجت إلينا ألواح (3) من أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) _ وهو في الحبس (4) - : عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وأن يفعل كذا، وفلان لا تُنله شيئاً (5) حتّى ألقاك أو يقضي اللّه علي الموت.
9 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن الحسين بن المختار قال : خرج إلينا من أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض (6) : عهدي إلى أكبر ولدي، يعطي فلان كذا وفلان كذا، وفلان كذا، وفلان لا يعطى حتّى أجيىء أو يقضي اللّه عزّ وجلّ علي الموت، إنَّ اللّه يفعل ما يشاء.
١٠ _ أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن ابن محرز عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتب إليَّ من الحبس أن فلاناً ابني، سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي.
11 - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، بن عليّ، عن أبي علي الخزاز، عن داود بن سليمان قال: قلت لأبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال : ابني فلان فلان - يعني أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) -.
12 - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن سعيد بن أبي الجهم، عن النصر بن قابوس قال : قلت لأبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني سألت أباك (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الّذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فلمّا توفّي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذهب النّاس يميناً وشمالاً وقلت فيك أنا وأصحابي(7) فأخبرني من الّذي يكون من بعدك من ولدك ؟ فقال : ابني فلان (8).
ص: 370
13 - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن الضحاك بن الأشعث، عن داود بن زربي قال: جئت إلى أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمال، فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك اللّه لأي شيء تركته عندي ؟ قال : إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك، فلما جاءنا نعيه بعث إليَّ أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابنه فسألني ذلك المال، فدفعته إليه.
١٤ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن أبي الحكم (1) الأرمني قال: حدَّثني عبد اللّه بن إبراهيم بن عليّ بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عن يزيد بن سليط الزيدي، قال أبو الحكم وأخبرني عبد اللّه بن محمّد بن عمارة الجرمي عن يزيد بن سليط قال : لقيت أبا إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) - ونحن نريد العمرة - في بعض الطريق، فقلت: جعلت فداك هل تثبت (2) هذا الموضع الّذي نحن فيه؟ قال : نعم فهل تثبته أنت؟ قلت : نعم إنّي أنا وأبي لقيناك ههنا وأنت مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعه إخوتك، فقال له أبي بأبي أنت وأمي أنتم كلكم أئمة مطهرون والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إليَّ شيئاً أحدّث به من يخلفني من بعدي فلا يضلّ، قال : نعم يا أبا عبد اللّه : هؤلاء ولدي وهذا سيّدهم - وأشار إليك - وقد عُلّم الحكم والفهم والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس، وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم، وفيه حُسْنُ الخُلُق وحسن الجواب وهو باب من أبواب اللّه عزّ وجلّ. وفيه أخرى (3) خير من هذا كلّه.
فقال له أبي : وما هي؟ - بأبي أنت وأمي - قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يُخرج اللّه عزّ وجلّ منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفضلها وحكمتها خير مولود وخير ناشيء، يحقن اللّه عزّ وجلّ به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلمُّ به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف وينزل اللّه به القطر، ويرحم به العباد، خير كهل(4) وخير ناشىء، قوله حُكْم وصَمْتُه عِلم، يبين للناس ما يختلفون فيه، ويسود عشيرته من قبل أوان حُلُمه(5)، فقال له أبي : بأبي أنت وأمي وهل وُلِدَ ؟ قال : نعم ومرت به سنون، قال يزيد : فجاءنا من لم نستطع معه كلاماً (6).
ص: 371
قال يزيد : فقلت لأبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأخبرني أنت بمثل ما أخبرني به أبوك (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال لي : نعم إن أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان في زمان ليس هذا زمانه، فقلت له : فمن يرضى منك بهذا فعليه لعنة اللّه، قال : فضحك أبو إبراهيم ضحكاً شديداً، ثمَّ قال : أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بني في الظاهر، وأوصيته في الباطن، فأفردته وحده ولو كان الأمر إليَّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي إيّاه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ، يجعله حيث يشاء، ولقد جاءني بخبره رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ أرانيه وأراني من يكون معه (1)، وكذلك لا يوصي إلى أحد منا حتّى يأتي بخبره رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجدّي علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ورأيت مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاتماً وسيفاً وعصا وكتاباً وعمامة، فقلت : ما هذا يا رسول اللّه ؟ فقال لي : أما العمامة فسلطان اللّه عزّ وجلّ، وأما السيف فعز اللّه تبارك وتعالى، وأما الكتاب فنور اللّه تبارك وتعالى، وأما العصا فقوة اللّه، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور، ثمَّ قال لي : والأمر قد خرج منك إلى غيرك (2)، فقلت: يا رسول اللّه أرنيه أيهم هو ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ما رأيت من الأئمّة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك، ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحبُّ إلى أبيك منك، ولكن ذلك من اللّه عزّ وجلّ.
ثمَّ قال أبو إبراهيم ورأيت ولدي جميعاً الأحياء منهم والأموات، فقال لي أمي_ر المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا سيدهم وأشار إلى ابني علي، فهو منّي وأنا منه واللّه مع المحسنين المحسنين. قال يزيد : ثمَّ قال أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يزيد : إنّها وديعة عندك فلا تخبر بها إلّا عاقلاً أو عبداً تعرفه صادق (3)، وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (4) وقال لنا أيضاً : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ) (5). قال : فقال أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأقبلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقلت : قد جمعتهم لي _ بأبي وأمي - فأيهم هو ؟ فقال : هو الّذي ينظر بنور اللّه (6) عزّ وجلّ، ويسمع بفهمه، وينطق بحكمته، يصيب فلا يخطىء، ويعلم فلا يجهل، معلماً حُكْماً وعلماً، هو هذا _ وأخذ بيد علي ابني - ثمَّ قال : ما أقل مقامك معه، فإذا رجعت من سفرك فأوص وأصلح أمرك، وافرغ ممّا أردت، فإنك منتقل عنهم
ص: 372
ومجاوز غيرهم، فإذا أردت (1) فادع عليّاً فليغسلك وليكفنك، فإنّه طهر لك (2)، ولا يستقيم إلّا ذلك وذلك سنة قد مضت فاضطجع بين يديه، وصفّ إخوته خلفه وعمومته، ومره فليكبر عليك تسعاً، فإنه قد استقامت وصيّته ووليك وأنت حي، ثمَّ اجمع له ولدك من بعدهم، فأَشْهَدْ عليهم(3)، وأشْهِدِ اللّه عزّ وجلّ وكفى باللّه شهيداً، قال يزيد ثمَّ قال لي أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني أوخذ في هذه السنة (4) والأمر هو إلى ابني علي سمّي علي وعلي : فأما عليُّ الأوّل فعليّ بن أبي طالب، وأما الآخر فعليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أعطي فهم الأوّل وحلمه ونصره وودَّه ودينه ومحنته، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره، وليس له أن يتكلّم (5) إلّا بعد موت هارون بأربع سنين.
ثمَّ قال قال لي : يا يزيد وإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه، فبشره أنّه سيولد له غلام، أمين، مأمون مبارك وسيعلمك أنك قد لقيتني فأخبره عند ذلك أنَّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية جارية رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أم إبراهيم، فإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل، قال يزيد : فلقيت بعد مضي أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبدأني، فقال لي يا يزيد ما تقول في العمرة (6) ؟ فقلت: بأبي أنت وأمي ذلك إليك وما عندي نفقة، فقال: سبحان اللّه ما كنا نكلفك ولا نكفيك (7)، فخرجنا حتّى انتهينا إلى ذلك الموضع فابتدأني فقال : يا يزيد إن هذا الموضع كثيراً ما لقيت فيه جيرتك وعمومتك، قلت : نعم، ثمَّ قصصت عليه الخبر فقال لي : أمّا الجارية فلم تجيء بعد، فإذا جاءت بلغتها منه السلام، فانطلقنا إلى مكّة فاشتراها في تلك السنّة، فلم تلبث إلّا قليلاً حتّى حملت فولدت ذلك الغلام، قال يزيد : وكان إخوة عليّ يرجون أن يرثوه، فعادوني إخوته من غير ذنب (8)، فقال لهم إسحاق بن جعفر : واللّه لقد رأيته وإنه ليقعد من أبي إبراهيم بالمجلس الّذي لا أجلس فيه أنا.
١٥ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن أبي الحكم قال : حدَّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري وعبد اللّه بن محمّد بن عمارة، عن يزيد بن سليط قال : لما أوصى أبو
ص: 373
إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَشْهَدَ إبراهيم بن محمّد الجعفري وإسحاق بن محمّد الجعفري وإسحاق بن جعفر بن محمّد وجعفر بن صالح ومعاوية الجعفري ويحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ، وسعد بن عمران الأنصاري، ومحمّد بن الحارث الأنصاري ويزيد بن سليط الأنصاري ومحمّد بن جعفر بن سعد الأسلمي، - وهو كاتب الوصيّة الأولى (1) _ أشهدهم أنّه يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأن محمّداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ اللّه يبعث من في القبور، وأنَّ البعث بعد الموت حقٌّ، وأنَّ الوعد حقٌّ، وأنّ الحساب حقٌّ والقضاء حقُّ وأن الوقوف بين يدي اللّه حقٌّ، وأن ما جاء به محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حق، وأنّ ما نزل به الروح الأمين حق، على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء اللّه، وأشهدهم أنّ هذه وصيتي بخطي وقد نسخت (2) وصيّة جدّي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ووصيّة محمّد بن عليّ قبل ذلك، نسختها حرفاً بحرف، ووصية جعفر بن محمّد، على مثل ذلك، وإني قد أوصيت إلى عليّ، وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشداً وأحبّ أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحبَّ أن يخرجهم. فذاك له، ولا أمر لهم معه، وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الّذين خلفت وولدي إلى إبراهيم والعبّاس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد، وإلى عليّ(3) أمر نسائي دونهم، وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدَّق بها على من سميت له وعلى غير من سمّيت، فذاك له وهو أنا (4) في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي، وإن يرى أن يقر إخوته الّذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم، وإن كره فله أن يخرجهم غير مشرب عليه (5) ولا مردود، فإن آنس منهم غير الّذي فارقتهم عليه، فأحب أن يردّهم في ولاية فذاك له، وإن أراد رجلٌ منهم أن يزوّج أخته فليس له أن يزوجها إلّا بإذنه وأمره، فإنّه أعرف بمناكح (6) قومه وأي سلطان أو أحد من النّاس كفّه عن شيء أو حال بينه وبين شيء ممّا ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممّن ذكرت، فهو من اللّه
ص: 374
ومن رسوله بريء واللّه ورسوله منه براء، وعليه لعنة اللّه وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيّين والمرسلين وجماعة المؤمنين. وليس لأحد من السلاطين أن يكفّه عن شيء وليس لي عنده تبعة (1) ولا تباعة (2). ولا لأحد من ولدي له قبلي مال، فهو مصدق فيما ذكر، فإن أقل فهو أعلم وإن أكثر فهو الصّادقُ كذلك، وإنما أردت بإدخال الّذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم وأمهات أولادي من أقامت منهنّ في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأى ذلك، ومن خرجت منهنَّ إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي (3) إلّا أن يرى علي غير ذلك. وبناتي بمثل ذلك، ولا يزوّج بناتي أحدٌ من إخوتهنّ من أمهاتهن ولا سلطان ولا عمّ إلّا برأيه ومشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا اللّه ورسوله وجاهدوه في ملکه وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوّج زوّج وإن أراد أن يترك ترك وقد أوصيتهنَّ بمثل ما ذكرت في كتابي هذا وجعلت اللّه عزّ وجلّ عليهنَّ شهيداً، وهو وأمّ أحمد [شاهدان] وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهو منها على غير ما ذكرت وسميت، فمن أساء فعليه ومن أحسن فلنفسه وما ربّك بظلام للعبيه وصلّى اللّه على محمّد وعلى آله، وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفضّ كتابي هذا الّذي ختمت عليه الأسفل، فمن فعل ذلك فعليه لعنة اللّه وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين وجماعة المرسلين والمؤمنين من المسلمين وعلى من فض كتابي هذا وكتب وختم أبو إبراهيم والشهود وصلّى اللّه على محمّد وعلى آله، قال أبو الحكم : فحدَّثني عبد اللّه بن آدم الجعفري عن يزيد بن سليط قال : كان أبو عمران الطلحي قاضي المدينة فلما مضى موسى قدّمه إخوته إلى الطلحي القاضي فقال العبّاس بن موسى: أصلحك اللّه وأمتع بك إن في أسفل هذا الكتاب كنزاً وجوهراً ويريد أن يحتجبه ويأخذه دوننا، ولم يدع أبونا رحمه اللّه شيئاً إلّا ألجأه إليه وتركنا عالة، ولولا أنّي أكفُ نفسي لأخبرتك بشيء على رؤوس الملأ، فوثب إليه إبراهيم بن محمّد فقال : إذا واللّه تخبر بما لا نقبله منك ولا نصدقك عليه، ثمَّ تكون عندنا ملوماً مدحوراً، نعرفك بالكذب صغيراً وكبيراً، وكان أبوك أعرف بك، لو كان فيك خيراً، وإن كان أبوك لعارفاً بك في الظاهر والباطن وما كان ليأمنك على تمرتين ثمَّ وثب إليه إسحاق بن جعفر عمّه فأخذ بتلبيبه فقال له : إنّك لسفيه ضعيف أحمق أجْمَع هذا مع ما كان بالأمس منك، وأعانه القوم أجمعون، فقال أبو عمران القاضي
ص: 375
لعليّ : قم يا أبا الحسن حسبي ما لعنني أبوك اليوم وقد وسّع لك أبوك ولا واللّه ما أحد أعرف بالولد من والده ولا واللّه ما كان أبوك عندنا بمستخفٌ في عقله ولا ضعيف في رأيه، فقال العبّاس للقاضي : أصلحك اللّه فضّ الخاتم وأقرأ ما تحته. فقال أبو عمران : لا أفضّه حسبي ما لعنني أبوك اليوم، فقال العبّاس : فأنا أفضه فقال : ذاك إليك، ففض العبّاس الخاتم فإذا فيه إخراجهم وإقرار علي لها وحده وإدخاله إيّاهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا وإخراجهم من حد الصدقة وغيرها وكان فتحه عليهم بلاء وفضيحة وذلّة ولعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خيرة، وكان في الوصية التي فض العبّاس تحت الخاتم هؤلاء الشهود إبراهيم بن محمّد وإسحاق بن جعفر وجعفر بن صالح وسعيد بن عمران وأبرزوا وجه أمّ أحمد في مجلس القاضي وادعوا أنّها ليست إيَّاها حتّى كشفوا عنها وعرفوها، فقالت عند ذلك : قد واللّه قال سيدي هذا : إنّک ستؤخذين جبراً وتخرجين إلى المجالس، فزجرها إسحاق بن جعفر وقال : اسكتي فإن النساء إلى الضعف، ما أظنّه قال من هذا شيئاً، ثمَّ إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) التفت إلى العبّاس فقال : يا أخي إني أعلم أنّه إنّما حملكم على هذه الغرائم والديون التي عليكم، فانطلق يا سعيد فتعين لي ما عليهم، ثمَّ اقض عنهم ولا واللّه لا أدع مواساتكم وبركم ما مشيت على الأرض فقولوا ما شئتم، فقال العبّاس : ما تعطينا إلّا من فضول أموالنا وما لنا عندك أكثر، فقال : قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم(1) فإن تحسنوا فذاك لكم عند اللّه وإن تسيؤوا فإنَّ اللّه غفور رحيمٌ. واللّه إنّکم لتعرفون أنّه مالي يومي هذا ولد ولا وارث غيركم، ولئن حبست شيئاً ممّا تظنون أو أدَّخرته فإنّما هو لكم ومرجعه إليكم. واللّه ما ملكت منذ مضى أبوكم رضي اللّه عنه شيئاً إلّا وقد سيبته حيث رأيتم، فوثب العبّاس فقال : واللّه ما هو كذلك وما جعل اللّه لك من رأي علينا، ولكن حسد أبينا لنا وإرادته ما أراد ممّا لا يسوغه اللّه إياه ولا إيّاك، وإنك لتعرف أنّي أعرف صفوان بن يحيى بياع السابري بالكوفة ولئن سلمت لأغصّصنّه بريقه وأنت معه، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، أما إنّي يا إخوتي فحريص على مسرتكم اللّه يعلم اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي أحبُّ صلاحهم وأنّي بارٌّ بهم واصل لهم رفيق عليهم أعني بأمورهم ليلاً ونهاراً فأجزني به خيراً، وإن كنتُ على غير ذلك فأنت علام الغيوب فأجزني به ما أنا أهله إن كان شرا فشرًا وإن كان خيراً فخيراً، اللّهمّ أصلحهم وأصلح لهم، واخسأ عنا وعنهم الشيطان، وأعنهم على طاعتك ووفقهم لرشدك، أما أنا يا أخي فحريص على مسرتكم جاهدٌ على صلاحكم ؛ واللّه على ما نقول وكيل. فقال العبّاس: ما
ص: 376
أعرفني بلسانك وليس لمسْحاتِكِ (1) عندي طين، فافترق القوم على هذا وصلى اللّه على محمّد وآله.
١٦ - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عليّ وعبيد اللّه بن المرزبان، عن ابن سنان قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي فقال : يا محمّد : أما إنّه سيكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع لذلك، قال: قلت وما يكون جُعلت فداك؟ فقد أقلقني ما ذكرت. فقال : أصير إلى الطاغية (2)، أما إنّه لا يبدأني منه سوء ومن الّذي يكون بعده (3)، قال : قلت : وما يكون جعلت فداك ؟ قال : يضلّ اللّه الظَّالمين ويفعل اللّه ما يشاء، قال : قلت : وما ذاك جعلت فداك ؟ قال : من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم عليّ بن أبي طالب حقه وجحده إمامته بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : قلت : واللّه لئن مدَّ اللّه لي في العمر لأسلّمنَّ له حقه ولأقرَّنَّ له بإمامته، قال: صدقت يا محمّد، يمد اللّه في عمرك، وتسلّم له بحقه، وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده، قال : قلت : ومن ذاك ؟ قال محمّد ابنه (4)، قال : قلت : له الرّضا والتسليم.
129 _ باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5)
١ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يحيى بن حبيب الزيات قال : أَخْبَرَني من كان عند أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً، فلما نهضوا قال لهم : القوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهداً، فلمّا نهض القوم التفت إليَّ فقال : نهض القوم التفت إليَّ فقال : يرحم اللّه المفضّل إنّه كان ليقنع بدون هذا (6).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمر بن خلاد قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 377
وذكر شيئاً فقال : ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني وقال : إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذَّة بالقذَّة (1).
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى قال : دخلت على أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) فناظرني في أشياء، ثمَّ قال لي: يا أبا علي ارتفع الشكٍّ ما لأبي غيري (2).
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن يحيى، عن مالك بن أشيم، عن الحسين بن بشار قال: كتب ابن قياما (3) إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) - شبه المغضب - : وما علمك أنّه لا يكون لي ولد واللّه لا تمضي الأيام والليالي حتّى يرزقني اللّه ولداً ذكراً يفرق به بين الحقّ والباطل.
٥ - بعض أصحابنا عن محمّد بن عليّ، عن معاوية بن حكيم، عن ابن أبي نصر قال : قال لي ابن النجاشي (4) : من الإمام بعد صاحبك؟ فأشتهي أن تسأله حتّى أعلم، فدخلت على الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته، قال : فقال لي : الإمام ابني، ثمَّ قال: هل يتجرى أحد أن يقول ابني وليس له ولد.
٦ - أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن معمر بن خلاد قال : ذكرنا عند أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيئاً بعدما ولد له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبر جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته في مكاني.
7 - أحمد، عن محمّد بن عليّ عن ابن قياما الواسطي قال : دخلت على عليّ بن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : أيكون إمامان؟ قال : لا إلّا وأحدهما صامت، فقلت له : هو ذا أنت، ليس لك صامت - ولم يكن ولد له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد - فقال لي : واللّه ليجعلنَّ اللّه مني ما يثبت به الحقّ وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان ابن قياما واقفياً.
8 - أحمد، عن محمّد بن عليّ عن الحسن بن الجهم قال : كنت مع أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 378
جالساً، فدعا بابنه وهو صغير فأجلسه في حجري، فقال لي : جرده وانزع قميصه، فنزعته فقال لي : انظر بين كتفيه، فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم داخل في اللحم، ثمَّ قال: أترى هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
9 - عنه، عن محمّد بن عليّ، عن أبي يحيى الصنعاني (1) قال : كنت عند أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجيىء بابنه أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو صغير، فقال : هذا المولود الّذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه.
10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد كنا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكنت تقول : يهب اللّه لي غلاماً، فقد وهبه اللّه لك، فأقر عيوننا، فلا أرانا اللّه يومك فإن كان كون فإلى من (2)؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال : وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين(3).
11 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن محمّد بن جمهور، عن معمر بن خلاد قال : سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن ابني في لسانه ثقل، لسانه ثقل، فأنا أبعث به إليك غداً تمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك، فقال : هو مولى أبي جعفر (4) فابعث به غداً إليه.
12 _ الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن محمّد بن خلاد الصيقل، عن محمّد بن الحسن بن عمّار قال : كنت عند عليّ بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من ابن أخيه - يعني أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) - إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) المسجد - مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عم اجلس رحمك اللّه فقال : يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم، فلما رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوتخونه ويقولن : أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال : اسكتوا إذا كان اللّه عزّ وجلّ _ وقبض
ص: 379
على لحيته _ لم يؤهّل هذه الشيبة (1) وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أأنكر فضله؟! نعوذ باللّه ممّا تقولون، بل أنا له عبد (2).
١٣ - الحسين بن محمّد عن الخيراني عن أبيه قال: كنت واقفاً، بين يدي أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخراسان فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً، صاحب شريعة مبتداة في أصغر من السن الّذي فيه أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
١٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد القاساني جميعاً، عن زكريّا بن يحيى بن النعمان الصيرفيّ قال : سمعت عليّ بن جعفر يحدّث الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين فقال : واللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له الحسن : إي واللّه جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته، فقال عليّ بن جعفر : إي واللّه ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن : جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟ قال : قال له إخوته ونحن أيضاً : ما كان فينا إمام قطُّ : حائل اللون (3). فقال لهم الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو ابني، قالوا : فإنّ رسول اللّه قالوا : فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد قضى بالقافة (4) فبيننا وبينك القافة، قال : ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا ولا تُعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم (5).
فلما جاؤوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له : ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثمَّ جاؤوا بأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا : ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه، وهذا عم أبيه، وهذا عمّه، وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالوا : هذا أبوه.
ص: 380
قال عليّ بن جعفر : فقمت فمصصت ريق (1) أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ قلت له: أشهد أنك إمامي عند اللّه، فبكى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ قال : يا عمّ ! ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : بأبي ابن خيرة الإماء (2) ابن النوبيّة الطيبة الفم المنتجبة الرحم، ويلهم لعن اللّه الأعيبس وذريته (3)، صاحب الفتنة، ويقتلهم سنين وشهوراً وأياماً يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة، وهو الطريد الشريد الموتور (4) بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال : مات أو هلك، أيَّ وادٍ سلك (5)؟! أفيكون هذا يا عم إلّا منّي، فقلت: صدقت جعلت فداك.
١٣٠ - باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6)
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران قال : لما خرج أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى (7) من خرجتيه، قلت له عند خروجه : جعلت فداك : إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكر بوجهه إليَّ ضاحكاً وقال : ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة، فلما أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت (8) لحيته، ثمَّ التفت إليَّ فقال : عند هذه يخاف علي الأمر من بعدي إلى ابني علي.
٢ - الحسين بن محمّد، عن الخيراني، عن أبيه أنّه قال : كان يلزم باب أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخدمة التي كان وكل بها، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يجيىء في السحر في كلّ ليلة ليعرف خبر علّة (9) أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان الرسول الّذي يختلف بين أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين أبي(10) إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي، فخرجت ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول
ص: 381
واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي : إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إنّي ماض والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي، ثمَّ مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي : ما الّذي قد قال(1) لك؟ قال : خيراً، قال : قد سمعت ما قال فَلِمَ تكتمه ؟ وأعاد ما سمع، فقال له أبي : قد حرَّم اللّه عليك ما فعلت لأنَّ اللّه تعالى يقول: ﴿ولا تجسسوا) (2) فاحفظ (3) الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما وإيّاك أن تظهرها إلى وقتها.
فلما أصبح أبي كتب نسخة الرّسالة في عشر رقاع وختمها، ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة (4) اوقال : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعلموا بما فيها، فلما مضى أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذكر أبي أنّه لم يخرج من منزله حتّى قطع على يديه(5) نحو من أربعمائة انسان، واجتمع رؤساء العصابة عند محمّد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر، فكتب محمّد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده وأنّه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويسأله أن يأتيه، فركب أبي وصار إليه فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر؟ فقال أبي لمن عنده الرّقاع : احضروا الرّقاع فأحضروها، فقال لهم : هذا ما أمرت به، فقال بعضهم : قد كنا نحبُّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم : قد آتاكم اللّه عزّ وجلّ، به، هذا أبو جعفر الأشعريّ يشهد لي بسماع هذه الرّسالة وسأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئاً، فدعاه أبي إلى المباهلة، فقال : لما حقق عليه(6)، قال : قد سمعت ذلك وهذا مكرمة كنت أحبُّ أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم (7) : فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحقّ جميعاً.
«وفي نسخة الصفواني :
3 - محمّد بن جعفر الكوفيّ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن الحسين
ص: 382
الواسطيّ أنّه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنّه أشهده على هذه الوصية المنسوخة (1): «شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (أشهده أنّه أوصى إلى عليّ ابنه بنفسه وأخواته (2)، وجعل أمر موسى (3) إذا بلغ إليه، وجعل عبد اللّه بن المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ عليّ بن محمّد. صير عبد اللّه بن المساور ذلك اليوم إليه، يقوم بأمر نفسه وأخواته ويصير أمر موسى إليه، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها، وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجّة سنة عشرين ومائتين. وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه، وشهد الحسن بن محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهو الجواني، على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب، وكتب شهادته بيده. وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده.
131 - باب الإشارة والنص على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4)
1 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري (5) قال : أوصى أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ابنه الحسن قبل مضيه (6) بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.
2 _ عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن بشار بن أحمد البصريّ، عن عليّ بن عمر النوفليّ قال: كنت مع أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صحن داره، فمرَّ بنا محمّد ابنه (7)
ص: 383
فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال : لا صاحبكم بعدي الحسن (1).
٣-، - عنه عن بشار بن أحمد، عن عبد اللّه بن محمّد الإصفهاني قال : قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صاحبكم بعدي الّذي يصلّي عليَّ، قال : ولم نعرف أبا محمّد قبل ذلك، قال: فخرج أبو محمّد (2) فصلّى عليه.
٤ - وعنه، عن موسى بن جعفر بن وهب عن علىّ بن جعفر قال : كنت حاضراً أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما توفي ابنه محمّد فقال للحسن : يا بني : أُحْدِثُ اللّه شكراً فقد أحْدَثَ فيك أمراً (3).
5 _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن مروان الأنباري قال: كنت حاضراً عند [مضي] أبي جعفر (4) محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فجاء أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته، وأبو محمّد قائم في ناحية، فلمّا فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا بنيَّ أَحْدِثُ اللّه تبارك وتعالى شكراً فقد أحدث فيك أمراً.
٦ - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد القلانسي عن عليّ بن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان كون _ وأعوذ باللّه _ فإلى من؟ قال : عهدي إلى الأكبر من وَلَدَيَّ (5).
7 _ عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الأسبارقيني، عن عليّ بن عمر والعطّار قال : دخلت على أبي الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنّه هو، فقلت له: جعلت فداك من أخص من ولدك ؟ فقال : لا تخصّوا أحداً حتّى يخرج إليكم أمري. قال : فكتبت إليه بعد : فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إليَّ في الكبير من ولدي، قال : وكان أبو محمّد أكبر من أبي جعفر.
ص: 384
8 - محمّد بن يحيى وغيره عن سعد بن عبد اللّه عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا - يوم توفّي محمّد بن عليّ بن محمّد _ باب أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في صحن داره والنّاس جلوس حوله، فقالوا : قدَّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر النّاس إذ نظر إلى الحسن بن عليّ قد جاء مشقوق الجيب، حتّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه، فنظر إليه أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ساعة فقال : يا بني أحْدِثُ اللّه عزّ وجلّ شكراً، فقد أحدث فيك أمراً، فبكى الفتى وحمد اللّه واسترجع (1)، وقال : الحمد للّه ربّ العالمين وأنا أسأل اللّه تمام نعمة لنا فيك(2) وإنا للّه وإنا إليه راجعون، فسألنا عنه فقيل: هذا الحسن ابنه، وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه (3) قد أشار إليه (4) بالإمامة وأقامه مقامه.
9 - عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى بن درياب قال: دخلت على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد مضي أبي جعفر فعزّيته عنه، وأبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالس، فبكى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5)، فأقبل عليه أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :[له] : إن اللّه تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فاحمد اللّه.
10 - عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعدما مضى ابنه أبو جعفر، وإنّي لأفكر في نفسي أريد أن أقول : كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمّد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنَّ قصّتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمّد المرجّى بعد أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ). فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال : نعم يا أبا هاشم بدا اللّه (6) في أبي محمّد بعد أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لم يكن يعرف له كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل (7) ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك له، نفسك وإن كره المبطلون وأبو محمّد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة (8).
ص: 385
11 - عليّ بن محمّد عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى بن درياب، عن أبي بكر الفهفكيّ (1) قال : كتب إليَّ أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أبو محمّد ابني أنصح آل محمّد غريزة (2)، وأوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه ينتهي عُرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي فَسَلْهُ عنه، فعنده ما يحتاج إليه.
12 _ عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد اللّه الجلاب قال: كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب : أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك فلا تغتم، فإنّ اللّه عزّ وجلّ (يُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) (3). وصاحبك بعدي أبو محمّد ابني وعنده ما تحتاجون إليه، يقدّم ما يشاء اللّه ويؤخر ما يشاء اللّه (ما تَنْسَخْ من آية أو نُنسِها تأتِ بخير منها أو مِثْلِها) (4). قد كتبت بما فيه بيان وقناع (5) لذي عقل يقظان.
3 - عليّ بن محمّد عمّن ذكره عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الخَلَفُ من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخَلَفِ من بعد الخَلَف؟ فقلت : ولم جعلني اللّه فداك ؟ فقال : إنّکم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه (6)، فقلت : فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا الحجّة من آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ). :
1 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال قال: خرج إليَّ من أبي محمّد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلفِ من بعده، ثمَّ خرج إليَّ من قبل مضيه بثلاثة أيّام يُخبرني بالخلف من بعده.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال : سل، قلت : يا سيدي
ص: 386
هل لك ولد ؟ فقال : نعم، فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة.
3 - عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن جعفر بن محمّد المكفوف، عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمّد ابنه (1) وقال : هذا صاحبكم من بعدي.
٤ - عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي قال : قلت للعمري (2): قد مضى أبو محمّد؟ فقال لي : قد مضى ولكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه ؛ وأشار بيده (3).
٥ - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه قال : خرج عن أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين قتل الزبيري (4) لعنه اللّه هذا جزاء من اجترأ على اللّه في أوليائه، يزعم أنّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة اللّه فيه(5)، وولد له ولد سمّاه «م ح م د» (6) في سنه ست وخمسين ومائتين.
٦ - عليّ بن محمّد، عن الحسين ومحمّد ابني عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عليّ بن عبد الرحمن العبدي - من عبد قيس -، عن ضوء بن عليّ العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه قال : أتيت سَامَرًا ولزمت باب أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعاني، فدخلت عليه وسلّمت فقال : ما الّذي أقدمك ؟ قال : قلت : رغبة في خدمتك، قال: فقال لي : فالزم الباب، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثمَّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا في الدار رجال قال : فدخلت عليه يوماً وهو كان في دار الرّجال فسمعت حركة في البيت فناداني : مكانك (7) لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شيء
ص: 387
مغطّى، ثمَّ ناداني : أُدْخُلْ، فدخلتُ، ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها : اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته (1) إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال : هذا صاحبكم، ثمَّ أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
1 - محمّد بن عبد اللّه ومحمّد بن يحيى - جميعاً، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (2) رحمه اللّه عند أحمد بن إسحاق فغمزني (3) أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخَلَف فقلت له : يا أبا عمرو: إنّي أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلّا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً (4)، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة (5) وأغلق باب التوبة (6) فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق اللّه عزّ وجلّ وهم الّذين تقوم عليهم القيامة، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً، وإنَّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) سأل ربه عزّ وجلّ أن يريه كيف يحيى الموتى، قال أولم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته وقلت من أعامل أو عمّن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له : العمري ثقتي فما أدى إليك عنّي فعنّي يؤدّي وما قال لك عنّي فعنّي يقول فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مثل ذلك، فقال له : العمري وابنه (7) ثقتان، فما أديا إليك عنّي فعني يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنّهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال : فخر أبو عمر و ساجداً وبكى ثمَّ قال : سل حاجتك فقلت له : أنت رأيت الخلف من
ص: 388
بعد أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقال : إي واللّه ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده - فقلت له : فبقيت واحدة فقال لي : هات :قلت فالاسم ؟ قال محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإنّ الأمر عند السلطان(1)، أنَّ أبا محمّد (2) مضى ولم يخلف ولداً وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه (3) وهوذا عياله يجولون ليس أحد يجسر (4) أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئاً (5)، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا اللّه وأمسكوا عن ذلك.
قال الكلينيّ (رَحمهُ اللّه) : وحدَّثني شيخ من أصحابنا - ذهب عنّي اسمه _ أنَّ أبا عمرو سُئِلَ عند أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا.
2 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، وكان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالعراق فقال : رأيته (6) بين المسجدين وهو غلام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٣ - محمّد بن يحيى عن الحسين بن رزق اللّه أبو عبد اللّه قال : حدَّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر قال : حدثتني حكيمة ابنة محمّد بن عليّ (7) - وهي عمّة أبيه - أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك.
٤ - عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي قال: قلت للعمري : قد مضى أب_و محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقال : قد مضى ولكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذا؛ وأشار بيده.
5 _ عليّ بن محمّد، عن فتح مولى الزراري (8) قال : سمعت أبا عليّ بن مطهر يذكر أنّه قد رآه ووصف له قده (9).
٦ - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم، عن خادم لإبراهيم بن عبده النيسابوري أنّها قالت (10): كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا فجاء (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى وقف على
ص: 389
إبراهيم وقبض على كتاب مناسكه وحدّثه بأشياء.
7 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه بن صالح أنّه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه (1) وهو يقول : ما بهذا أمر وا (2).
8 - علي، عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنّه قال : رأيته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد مضي أبي محمّد حين أيفع (3) وقبلت يديه ورأسه.
9 - علي، عن أبي عبد اللّه بن صالح وأحمد بن النضر عن القنبري - رجلٌ من ولد قنبر الكبير - مولى أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جرى حديث جعفر بن عليّ (4) فذمه (5)، فقلت له : فليس غيره فهل رأيته (6) ؟ فقال : لم أره ولكن رآه غيري، قلت ومن رآه؟ قال : قد رآه جعفر مرتين وله حديث (7).
10 - عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الوجناني (8) أنّه أخبرني عمّن رآه : أنّه خرج من الدار قبل الحادث (9) بعشرة أيّام وهو يقول : اللّهمّ إنّک تعلم أنّها من أحب البقاع لولا الطرد؛ أو كلام هذا نحوه.
١١ _ عليّ بن محمّد، عن عليّ بن قيس، عن بعض جَلَاوِزَة السواد(10) قال : شاهدت سيماء (11) آنفاً بسر من رأى وقد كسر باب الدار (12)، فخرج عليه وبيده طبرزين (13) فقال له : ما
ص: 390
تصنع في داري؟ فقال سيماء : إنَّ جعفراً زعم أنّ أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار قال عليّ بن قيس : فخرج علينا خادم من خدم الدار فسألته عن هذا الخبر، فقال لي : من حدَّثك بهذا ؟ فقلت له : حدَّثني بعض جلاوزة السواد، فقال لي : لا يكاد يخفى على النّاس شيء.
12 - عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن جعفر بن محمّد المكفوف. عن عمرو الأهوازي قال : أرانيه أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : هذا صاحبكم.
13 - محمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن موسى بن جعفر عن أبي نصر ظريف الخادم أنّه رآه.
١٤ - عليّ بن محمّد، عن محمّد والحسن ابني عليّ بن إبراهيم، أنهما حدَّثاه في سنة تسع وسبعين ومائتين، عن محمّد بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن عليّ العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه أن أبا محمّد أراه إياه.
15 - عليّ بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد عن بعض أهل المدائن قال : كنت حاجاً مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف (1) فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددناه، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئاً من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له ويحك ما أعطاك ؟ فأرانا حصاة ذهب مضرّسة (2)، قدرناها عشرين مثقالاً، فقلت لصاحبي : مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثمَّ ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كلّه، فلم نقدر عليه، فسألنا كلّ من كان حوله من أهل مكّة والمدينة، فقالوا شاب علوي يحج في كلّ سنة ماشياً.
١٣٤ - باب في النهي عن الاسم (3)
1 - عليّ بن محمّد عمّن ذكره عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الخَلَفُ من بعدي الحسن، فكيف
ص: 391
لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت : ولم جعلني اللّه فداك؟ قال : إنّکم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت : فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا : الحجّة من آل محمّد صلوات اللّه عليه وسلامه.
2 - عليّ بن محمّد، عن أبي عبد اللّه الصالحيّ (1) قال : سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب (2) : إن دللتهم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلّوا عليه.
3 - عدَّة من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد عن ابن فضّال، عن الريان بن الصلت قال : سمعت أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول - وسُئِل عن القائم - فقال : لا يُرى جسمه، ولا يسمى اسمه.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلّا كافر (3).
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عمن حدثه، عن المفضّل بن عمر، ومحمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن بعض أصحابه عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أقرب ما يكون العباد من اللّه جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة اللّه جل وعزَّ ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإنَّ أشدَّ ما يكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجّته ولم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيب حجّته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار النّاس (4).
2 - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن مرداس عن
ص: 392
صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيما (1) أفضل : العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال يا عمار: الصدقة في السر واللّه أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك واللّه عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل، وحال الهدنة أفضل ممّن يعبد اللّه عزّ وجلّ ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقّ، واعلموا أنَّ من صلّى منكم اليوم (2) صلاة فريضة في جماعة، مستتر بها من عدوّه في وقتها فأتمها كتب اللّه له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمها، كتب اللّه عزّ وجلّ بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية (3)، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب اللّه له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة، كتب اللّه عزّ وجلّ له بها عشرين حسنة ويضاعف اللّه عزّ وجلّ حسنات المؤمن منكم أذا أحسن أعماله، ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه (4) أضعافاً مضاعفة إن اللّه عزّ وجلّ كريم.
قلت: جعلت فداك : قد واللّه رغبتني في العمل، وحثتني عليه، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحقّ ونحن على دين واحد؟ فقال: إنّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين اللّه عزّ وجلّ وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كلّ خير وفقه، وإلى عبادة اللّه عزّ ذكره سراً من عدوّكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحقّ، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة، تنتظرون (5) إلى حقّ إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطر وكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف مع عدوّكم، فبذلك ضاعف اللّه عزّ وجلّ لكم الأعمال، فهنيئاً لكم.
قلت : جعلت فداك فما ترى إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحقّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحقّ والعدل؟ فقال : سبحان اللّه أما تحبّون أن
ص: 393
يظهر اللّه تبارك وتعالى الحقّ والعدل في البلاد ويجمع اللّه الكلمة ويؤلّف اللّه بين قلوب مختلفة، ولا يعصون اللّه عزّ وجلّ في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد اللّه الحقّ إلى أهله فيظهر حتّى لا يستخفى بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق (1)، أما واللّه يا عمّار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند اللّه من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا.
٣ _ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة عن أبي إسحاق قال : حدَّثني الثقة من أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنهم سمعوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول في خطبة له : اللّهمّ وإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأرز (2) كلّه، ولا ينقطع مواده (3)، وإنك لا تخلى أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور (4)، كيلا تبطل حججك ولا يضلَّ أولياؤك بعد إذ هديتهم(5)، بل أين هم وكم ؟ أولئك الأقلّون عدداً، والأعظمون عند اللّه جلَّ ذِكْرُه قَدْراً، المتبعون لقادة الدّين : الأئمّة الهادين، الّذين يتأدبون بآدابهم، وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم (6) بهم العلم على حقيقة الإيمان، فتستجيب أرواجهم لقادة العلم، ويستلينون من حديثهم ما استوعر (7) على غيرهم، ويأنسون بما استوحش منه المكذِّبون، وأباه المسرفون، أولئك أتباع العلماء صحبوا أهل الدنيا بطاعة اللّه تبارك وتعالى وأوليائه ودانوا بالتقيّة عن دينهم والخوف من عدوّهم، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل، منتظرون لدولة الحقّ، وسَيُحِقُ اللّه الحقّ بكلماته ويَمْحَقَ الباطل ها ها (8)، طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال
ص: 394
هدنتهم، ويا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم، وسيجمعنا اللّه وإياهم في جنات عدن، ومَنْ صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
1 - محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد جميعاً، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن صالح بن خالد، عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جلوساً فقال لنا : إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثمَّ قال هكذا بيده (1) _ فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثمَّ أطرق مليّاً، ثمَّ قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق اللّه عبد وليتمسك بدينه.
2 - عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن جعفر، عن أبيه عن جده، عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع (2) فاللّه اللّه في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني (3) : إنّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنة من اللّه عزّ وجلّ امتحن بها خلقه، لو على أباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه، قال : فقلت : يا سيدي من الخامس من ولد السابع ؟ فقال : يا بني ! عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله (4)، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن المساور، عن المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إيّاكم والتنويه (5) أما واللّه ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصن (6) حتّى يقال : مات، قتل، هلك، بأي واد سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتُكْفَانَّ (7) كما تكفأ السفُنُ في أمواج البحر، فلا ينجو إلّا من
ص: 395
أخذ اللّه ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أي من أي (1)، قال : فبكيت ثمَّ قلت : فكيف نصنع؟ فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال : يا أبا عبد اللّه ترى هذه الشمس؟ قلت نعم فقال واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب، عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن في صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : قلت له : كأنك تذكره حياته أو غيبته؟ قال : فقال لي : وما ينكر من ذلك، هذه الأمة أشباه الخنازير (2)، إنَّ إخوة يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوه وخاطبوه، وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتّى قال : أنا يوسف وهذا أخي، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل اللّه عزّ وجلّ بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف، إن يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان إليه ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك، لقد سار يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يفعل اللّه جل وعزَّ بحجّته كما فعل بيوسف أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتّى يأذن اللّه في ذلك له كما أذن ليوسف (قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) (3).
5 _ عليّ بن إبراهيم، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد اللّه بن موسى، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم (4). :قال : قلت : ولِمَ ؟ قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه (5) -. ثمَّ قال : يا زرارة وهو المنتظر، وهو الّذي يشكُ في ولادته، منهم من يقول : مات أبوه بلا خَلَف، ومنهم من يقول : حمل (6). ومنهم من يقول : إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ اللّه عزّ وجلّ يحبُّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة [قال :قلت جعلت فداك : إن أدركتُ ذلك الزمان أي شيء أعمل ؟ قال يا زرارة ] إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء : اللّهمّ عرفني
ص: 396
نَفْسَكَ، فإنّك إن لمْ تُعَرِّفني نفسك لم أعرف نبيّك (1)، اللّهمّ عرفني رسولك، فإنك إن لم تُعَرِّفني رسولك لم أعرف حُجَّتَكَ، اللّهمّ عَرِّفني حُجَّتك، فإنك إن لم تُعَرِّفني حجّتك ضَلَلْتُ عن ديني ثمَّ قال : يا زرارة لا بدَّ من قتل غلام بالمدينة قلت : جعلت فداك، أليس يقتله جيش السفياني ؟ قال : لا ولكن يقتله جيش آل بني فلان (2) يجىء حتّى يدخل المدينة، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء اللّه (3).
٦ - محمّد بن بن يحيى عن جعفر بن محمّد عن إسحاق بن محمّد، عن يحيى بن المثنى،، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يفقد النّاس إمامهم، يشهد الموسم (4) فيراهم ولا يرونه (5).
٧ - _ عليّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن محمّد بن خالد قال : حدَّثني منذر بن محمّد بن قابوس، عن منصور بن السندي، عن أبي داود المسترق (6)، عن ثعلبة بن ميمون عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض (7)، فقلت يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟ فقال : لا واللّه ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الّذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً، تكون له غيبة وخيرةً، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فقلت : يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال : سنّة أيّام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وإنَّ هذا لكائن ؟ فقال : نعم كما أنّه مخلوق وأنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ ! أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة، فقلت ثمَّ ما يكون بعد ذلك ؟ فقال : ثمَّ يفعل اللّه ما يشاء فإنّ له بداءات (8) وإرادات وغايات ونهايات.
ص: 397
8 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّما نحن كنجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم، غيّب اللّه عنكم نجمكم، فاستوت بنو عبد المطلب (1)، فلم يُعرف أي من أي (2)، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربكم.
9 - محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ للقائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) غيبة قبل أن يقوم قلت ولم ؟ قال : إنّه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه _ يعني القتل.
10 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها.
11 - الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللّه بن جبلة عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي، عن مفضّل بن عمر قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده في البيت أناس فظننت أنّه إنّما أراد بذلك غيري (3) فقال : أما واللّه ليغيين عنكم صاحب هذا الأمر وليخملنَّ هذا حتّى يقال : مات هلك في أي واد سلك ؟ ولتكفأنَّ كما تكفأ السفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلّا من أخذ اللّه ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه وايده بروح منه، ولتُرْفَعَنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي، قال : فبكيت، فقال : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟ فقلت : جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول : اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي ! قال : وفي مجلسه كوّة تدخل فيها الشمس فقال : أبينة هذه؟ فقلت نعم قال : أمرنا أبين من هذه الشمس.
12 - الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيى بن المثنى، عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم، يرى النّاس ولا يرونه.
ص: 398
13 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد؛ ومحمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد؛ وعليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّن يوثق به أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) تكلّم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به على منبر الكوفة : اللّهمّ إنّه لا بدَّ لك من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة على خلقك، يهدونهم إلى دينك، ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع (1)، أو مكنتم (2) يترقب (3)، إن غاب عن النّاس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون.
ويقول (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذه الخطبة في موضع آخر فيمن هذا ؟ ولهذا يأرز العلم إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه، كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه، اللّهمّ فإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأرز كلّه ولا ينقطع مواده، وإنك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم؟ وكم هم؟ أولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون عند اللّه قدراً(4).
١٤ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن موسى بن القاسم بن معاوية البجلي، عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (5) قال : إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد
1٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها.
١٦ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بدَّ
ص: 399
له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة (1) وما بثلاثين من وحشة (2).
17 - وبهذا الإسناد، عن الوشّاء عن عليّ بن الحسن عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين (3)، فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة وسمّى بعضهم بعضاً كذابين، وتفل بعضهم في وجوه بعض؟ قلت : جعلت فداك ما عند ذلك من خير فقال لي: الخير كله عند ذلك، ثلاثاً (4).
18 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسى، عن ابن بكير، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنّه يخاف _ وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل.
١٩ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه (5).
20 - محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عليّ بن حسان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن مفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لصاحب هذا الأمر غيبتان : إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال : هلك، في أتي واد سلك قلت كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال : إذا ادعاها مدَّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله (6).
٢١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن القاسم، عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن الوليد بن عقبة عن الحارث بن زياد عن شعيب عن أبي حمزة قال دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : لا، فقلت : فولدك ؟
ص: 400
فقال : لا، فقلت : فولد ولدك هو ؟ قال : لا، فقلت : فولد ولد ولدك ؟ فقال : لا، قلت : من هو؟ قال : الّذي يملأها عدلاً كما مُلِئَتْ ظلماً وجوراً، على فترة من الأئمّة (1)، كما أنَّ رسول اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث على فترة من الرسل.
22 _ عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق، عن أم هانىء قالت: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن قول اللّه تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) (2) قالت : فقال : إمام يخنس (3) سنة ستين ومائتين، ثمَّ يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرّت عينك.
23 - عدَّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد عن الحسن بن الربيع الهمداني قال : حدَّثنا محمّد بن إسحاق عن أسيد بن ثعلبة عن أم هانىء قالت : لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألته عن هذه الآية (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قال : الخنس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند النّاس سنة ستين ومائتين، ثمَّ يبدو كالشهاب الواقد في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرّت عينك.
٢٤ - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن أيّوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا رفع عَلَمُكم (4) من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم.
٢٥ عدَّة من أصحابنا عن سعد بن عبد اللّه عن أيّوب بن نوح قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه اللّه إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك (5)، فقال : ما منا أحدٌ اختلفت إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسئل عن المسائل، وحملت إليه الأموال (6)، إلّا اغتيل أو مات على فراشه حتّى يبعث اللّه لهذا الأمر غلاماً منا خفي الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه (7).
ص: 401
٢٦ _ الحسين بن محمّد وغيره عن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس بن عامر، عن موسى بن هلال الكندي، عن عبد اللّه بن عطاء عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إنّ شيعتك بالعراق كثيرة واللّه ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟ قال : فقال يا عبد اللّه بن عطاء قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى (1) إي واللّه ما أنا بصاحبكم، قال : قلت له : فمن صاحبنا؟ قال : انظروا من عمي على النّاس ولادته (2)، فذاك صاحبكم إنّه ليس منا أحد يشار إليه بالأصبع ويمضغ بالألسن (3) إلّا مات غيظاً أو رغم أنفه.
27 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة (4).
28 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن الحسن بن عليّ العطّار، عن جعفر بن محمّد، عن منصور، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت : إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً أنتم به ما :أصنع ؟ قال : فأحبَّ من كنت تحبُّ وأبغض من كنت تبغض (5)، حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ.
٢٩ - الحسين بن أحمد عن أحمد بن هلال قال حدَّثنا عثمان بن عيسى، عن : خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لا بد للغلام من غيبة، قلت: ولم؟ قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - وهو المنتظر، وهو الّذي يشكُ النّاس في ولادته، فمنهم من يقول : حمل، ومنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلف، ومنهم من يقول : ولد قبل موت أبيه بسنتين قال زرارة : فقلت : وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال: ادع اللّه بهذا الدعاء : «اللّهمّ عرفني نفسك فإنّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللّهمّ عرفني نبيك، فإنك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قط، اللّهمّ عرفني حجّتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني» قال أحمد بن هلال: سمعت هذا الحديث منذ ست وخمسين سنة (6).
ص: 402
30 - أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن حسان، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللّه بن القاسم عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿فإذا نُقِرَ في الناقور) (1) قال : إنّ منا إماماً مظفّراً مستتراً، فإذا أراد اللّه عزّ ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه (2) نكتة فظهر فقام بأمر اللّه تبارك وتعالى.
31 - محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه عن محمّد بن الفرج قال : كتب إليَّ أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا غضب اللّه تبارك وتعالى على خلقه (3) نحانا عن جوارهم (4).
1 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سلام بن عبد اللّه ومحمّد بن الحسن (5) وعليّ بن محمّد (6)، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعريّ (7). عن محمّد بن حسان جميعاً (8) عن محمّد بن عليّ. بن عليّ عن عليّ بن أسباط، عن سلام بن عبد اللّه الهاشمي، قال محمّد بن عليّ : وقد سمعته منه (9)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: بعث طلحة والزبير رجلا من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقالا له : إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة، وأنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن
ص: 403
تمتنع من ذلك وأن تحاجّه لنا حتّى تقفه على أمر معلوم، واعلم أنّه أعظم النّاس دعوى فلا يَكْسِرَنك ذلك عنه (1)، ومن الأبواب التي يخدع النّاس بها الطعام والشراب والعسل والدهن وأن يخالي الرَّجل، فلا تأكل له طعاماً، ولا تشرب له شراباً، ولا تمس له عسلاً ولا دهناً، ولا تَخْل معه واحذر هذا كلّه منه، وانطلق على بركة اللّه، فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة (2)، وتعوذ باللّه من كيده وكيد الشيطان. فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كلّه (3) ولا تستأنس به، ثمَّ قل له : إنَّ أخويك في الدّين وابني عمّك في القرابة يناشدانك القطيعة، ويقولان لك : أما تعلم أنا تركنا النّاس لك وخالفنا عشائرنا فيك (4) منذ قبض اللّه عزّ وجلّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا وقطعت رجاءنا، ثمَّ قد رأيت أفعالنا فيك وقدرتنا على النأي (5) عنك، وسعة البلاد دونك، وإن من كان يصرفك عنا وعن صلتنا كان أقل لك نفعاً وأضعف عنك دفعاً منا، وقد وضح الصبح لذي عينين، وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا، فما الّذي يحملك على ذلك؟! فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب أتتخذ اللعن لنا ديناً(6)، وترى أن ذلك يكسرنا عنك.
فلما أتى خداش أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صنع ما أمراه، فلما نظر إليه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) _ وهو يناجي نفسه - ضحك وقال : ههنا يا أخا عبد قيس _ وأشار له إلى مجلس قريب منه _ فقال : ما أوسع المكان، أريد أن أؤدّي إليك رسالة قال : بل تطعم وتشرب وتحلَّ ثيابك وتَدَّهن ثمَّ تؤدّي رسالتك. قم يا قنبر فأنزله، قال : ما بي إلى شيء ممّا ذكرت حاجة، قال : فأخلو بك؟ قال : كلّ سر لي علانية، قال: فأنشدك باللّه الّذي هو أقرب إليك من نفسك، الحائل بينك وبين قلبك، الّذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أتقدم إليك الزبير بما عرضت عليك؟ قال: اللّهمّ نعم قال : لو كتمت بعدما سألتك ما ارتد إليك طرفك، فأنشدك اللّه هل علمك كلاماً تقوله إذا أتيتني ؟ قال : اللّهمّ نعم، قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آية السخرة؟ قال : نعم، قال: فاقرأها فقرأها وجعل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكرّرها ويردّدها ويفتح عليه إذا أخطأ حتّى إذا قرأها سبعين مرةً قال الرَّجل: ما يرى
ص: 404
أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمره بتردُّدها سبعين مرة ثمَّ قال له: أتجد قلبك اطمأن قال : إي : - والّذي نفسي بيده _ قال : فما قالا لك؟ فأخبره، فقال : قل لهما : كفى بمنطقكما حجّة عليكما، ولكن اللّه لا يهدي القوم الظالمين، زعمتما أنكما أخواي في الدّين وابنا عمّي في النسب، فأما النسب فلا أنكره، وإن كان النسب مقطوعاً إلّا ما وصله اللّه بالإسلام، وأما قولكما إنكما أخواي في الدين، فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب اللّه عزّ وجلّ وعصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين، وإلا فقد كذبتما وافتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين. وأما مفارقتكما النّاس منذ قبض اللّه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحقّ بفراقكما إياي أخيراً، وإن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الّذي أحدثتما (1)، مع أن صفقتكما بمفارقتكما النّاس لم تكن إلّا لطمع الدنيا، زعمتما وذلك قولكما: «فقطعت رجاءنا لا تعيبان بحمد اللّه من ديني شيئاً. وأما الّذي صرفني عن صلتكما، فالّذي صرفكما عن الحقّ وحملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحَرُونُ (2) لجامه، وهو اللّه ربي لا أشرك به شيئاً فلا تقولا: «أقلُّ نفعاً وأضعف دفعاً فتستحقا اسم الشرك مع النفاق، وأما قولكما : إنّي أشجع فرسان العرب، وهربكما من لعني ودعائي، فإنَّ لكلّ موقف عملاً إذا اختلفت الأسنة وماجت لبود الخيل وملأ سحراكُما أجوافكما(3)، فثم يكفيني اللّه بكمال القلب، وأما إذا أبيتما بأنّي أدعو اللّه فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما (4)، اللّهمّ أقعص (5) الزبير بشر قتلة واسفك دمه على ضلالة وعرف طلحة المذلّة وادَّخر لهما في الآخرة شراً من ذلك، إن كانا ظلماني وافتريا عليَّ (6)، وكتما شهادتهما، وعصياك وعصيا رسولك في، قل امین، قال خداش آمین.
ثمَّ قال خداش لنفسه : واللّه ما رأيت لحيةً قط (7) أبين خطأ منك، حامل حجّة ينقض بعضها
ص: 405
بعضاً لم يجعل اللّه لها مساكاً (1)، أنا أبرأ إلى اللّه منهما (2)، قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ارجع إليهما وأَعْلِمْهُما ما قلت :قال لا واللّه حتّى تسأل اللّه أن يردني إليك عاجلاً وأن يوفقني لرضاه فيك، ففعل فلم يلبث أن انصرف وقُتِل معه يوم الجمل رحمه اللّه.
2 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن حسان جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعيد، عن جراح بن عبد اللّه عن رافع بن سلمة قال: كنت مع عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم النهروان فبينا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالس إذ جاء فارس فقال : السّلام عليك يا علي. فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): وعليك السّلام، ما لَك - ثكلتك أمك - لم تسلّم علي بإمرة المؤمنين؟ قال : بلى سأخبرك عن ذلك، كنتُ إذ كنت على الحقّ بصفين فلما حكمت الحكمين برئت منك وسميتك مشركاً، فأصبحت لا أدري إلى أين أصرف ولايتي، واللّه لأن أعرف هداك من ضلالتك أحبُّ إليَّ من الدُّنيا وما فيها. فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): ثكلتك أمك قف مني قريباً أريك علامات الهدى من علامات الضلالة، فوقف الرَّجل قريباً منه. فبينما هو كذلك، إذ أقبل فارس يركض حتّى أتى علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين أبشر بالفتح أقر اللّه عينك قد واللّه قتل القوم أجمعون، فقال له : من دون النهر أو من خلفه (3) قال : بل من دونه، فقال : كذبت والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يعبرون ابدأ حتّى يُقتلوا، فقال الرَّجل : فازددت فيه بصيرة، فجاء آخر يركض على فرس له فقال له مثل ذلك فردَّ عليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثل الّذي ردَّ على صاحبه، قال الرَّجل الشاكُ : وهممت أن أحمل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأفلق هامته بالسيف. ثمَّ جاء فارسان يركضان قد أعرقا فرسيهما فقالا : أقر اللّه عينك يا أمير المؤمنين أبشر بالفتح قد واللّه قتل القوم أجمعون، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمِنْ خَلْفِ النهر أو من دونه؟ قالا : لا بل من خلفه، إنّهم لما اقتحموا خيلهم النهروان وضرب الماء لبات خيولهم رجعوا فأصيبوا، فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صدقتما؛ فنزل الرَّجل عن فرسه فأخذ بيد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبرجله فقبلهما، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذه لك آية (4).
ص: 406
3 - عليّ بن محمّد، عن أبي علي محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أحمد بن القاسم العجلي، عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد، عن محمّد بن خداهي، عن عبد اللّه بن أيّوب، عن عبد اللّه بن هاشم عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن حبابة الوالبية (1) قالت: رأيت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شرطة الخميس ومعه دِرَّة لها سبابتان (2) يضرب بها بياعي الجري (3) والمارماهي والزمار ويقول لهم : يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان فقام إليه فرات بن أحنف فقال : يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان؟ قال: فقال له : أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمُسخوا. فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه، ثمَّ أتبعته فلم أزل أقفو أثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك اللّه ؟ قالت : فقال ائتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه، ثمَّ قال لي : يا حبابة! إذا ادعى مدَّع الإمامة، فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب (4) عنه شيء يريده، قالت ثمَّ انصرفت حتّى قُبِضَ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فجئت إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في مجلس أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والناس يسألونه فقال : يا حبابة الوالبية فقلت : نعم يا مولاي فقال هاتي ما معك قالت: فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قالت : ثمَّ أتيت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقرب(5) ورحب، ثمَّ قال لي : إنَّ في الدَّلالة دليلاً على ما تريدين أفتريدين دلالة الإمامة؟ فقلت : نعم يا سيدي ؛ فقال: هاتي ما معك فناولته الحصاة فطبع لي فيها، قالت: ثمَّ أتيت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة فرأيته راكعاً وساجداً ومشغولاً بالعبادة فيئست من الدَّلالة فأومأ إليَّ بالسبابة فعاد إلي شبابي، قالت : فقلت : يا سيدي : كم مضى من الدُّنيا وكم بقي ؟ فقال : أما ما مضى فنعم، وأما ما بقي فلا (6)، قالت : ثمَّ قال لي : هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها، ثمَّ أتيت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (7)
ص: 407
فطبع لي فيها، ثمَّ أتيت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1) فطبع لي فيها، ثمَّ أتيت أبا الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)(2) فطبع لي فيها، ثمَّ أتيت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فطبع لي فيها.
وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام.
٤ - محمّد بن أبي عبد اللّه وعليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد النخعي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) فاستؤذن لرجل من أهل اليمن عليه، فدخل رجلٌ عبل (4)، طويل جسيم، فسلّم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس، فجلس ملاصقاً لي، فقلت في نفسي : ليت شِعري (5) من هذا؟ فقال أب_و محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيها بخواتيمهم فانطبعت وقد جاء بها معه يريد أن أطبع فيها، ثمَّ :قال هاتها فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس، فأخذها أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ أخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع فكأني أرى نقش خاتمه الساعة «الحسن بن عليّ». فقلت لليماني : رأيته قبل هذا قط؟ قال: لا واللّه إني لمنذ دهر حريص على رؤيته حتّى كأنَّ الساعة أتاني شاب لست أراه فقال لي : قم فادخل، فدخلت. ثمَّ نهض اليماني وهو يقول: رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت، ذرّيّة بعضها من بعض، أشهد باللّه أنَّ حقك لواجب كوجوب حقّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين، ثمَّ مضى فلم أره بعد ذلك، قال إسحاق : قال أبو هاشم الجعفري : وسألته عن اسمه فقال : اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أم غانم وهي الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والسبط (6) إلى وقت أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة جميعا، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أرسل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخلا به فقال له : يا ابن أخي : قد علمت أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ إلى
ص: 408
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد قتل أبوك رضي اللّه عنه وصُلّي على روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو(1) أبيك وولادتي من علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في سنّي وقديمي (2) أحقُ بها (3) منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجنّي، فقال له عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عم : اتَّقِ اللّه ولا تدَّع ما ليس لك بحق، إنِّي أعظك أن تكون من الجاهلين، إنَّ أبي يا عم صلوات اللّه عليه أوصى إليَّ قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إليَّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عندي، فلا تتعرض لهذا، فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إنَّ اللّه عزّ وجلّ جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك. قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكان الكلام بينهما بمكّة، فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود، فقال عليّ بن الحسين لمحمّد بن الحنفية : ابدأ أنت فابتهل إلى اللّه عزّ وجلّ وسله أن ينطق لك الحجر ثمَّ سل، فابتهل محمّد في الدعاء وسأل اللّه ثمَّ دعا الحجر فلم يجبه، فقال عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عم لو كنت وصيّاً وإماماً لأجابك، قال له محمّد : فادع اللّه أنت يا ابن أخي وسله، فدعا اللّه عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بما أراد ثمَّ قال : أسألك بالّذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق النّاس أجمعين لمّا (4) أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال : فتحرَّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه، ثمَّ أنطقه اللّه عزّ وجلّ بلسان عربي مبين فقال : اللّهمّ إنَّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال : فانصرف محمّد بن عليّ وهو يتولّى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.
٦ - الحسين بن محمّد عن المعلىّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ قال: أخبرني سماعة بن مهران قال : أخبرني الكلبي النسابة (5) قال : دخلت المدينة ولست أعرف شيئاً من هذا الأمر (6)، فأتيت المسجد فإذا جماعة من قريش فقلت : أخبروني عن عالم أهل هذا البيت؟
ص: 409
فقالوا : عبد اللّه بن الحسن، فأتيت منزله فاستأذنت فخرج إلي رجل ظننت أنّه غلام له، فقلت له : استاذن لي على مولاك، فدخل ثمَّ خرج فقال لي : ادخل فدخلت، فإذا أنا بشيخ معتكف شديد الاجتهاد، فسلّمت عليه فقال لي : من أنت؟ فقلت: أنا الكلبي النسابة، فقال: ما حاجتك؟ فقلت جئت أسألك فقال : أمررت بابني محمّد ؟ قلت : بدأت بك، فقال : سل فقلت : أخبرني عن رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء، فقال: تبين برأس الجوزاء(1) والباقي وزر عليه وعقوبة، فقلت في نفسي : واحدة؛ فقلت: ما يقول الشيخ في المسح على الخفين؟ فقال : قد مسح قوم صالحون ونحن أهل البيت لا نمسح، فقلت في نفسي : ثنتان فقلت : ما تقول في أكل الجري أحلال هو أم حرام ؟ فقال : حلال إلّا أنا أهل البيت نعافه فقلت في نفسي : ثلاث فقلت : فما تقول في شرب النبيذ؟ فقال: حلال إلّا أنا أهل البيت لا نشربه فقمت فخرجت من عنده وأنا أقول هذه العصابة تكذب على أهل هذا البيت (2).
فدخلت المسجد فنظرت إلى جماعة من قريش وغيرهم من النّاس فسلمت عليهم ثمَّ قلت لهم : من أعلم أهل هذا البيت؟ فقالوا : عبد اللّه بن الحسن، فقلت: قد أتيته فلم أجد عنده شيئاً. فرفع رجلٌ من القوم رأسه فقال: انتِ جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهو أعلم أهل هذا البيت فلامه بعض من كان بالحضرة - فقلت : إنَّ القوم إنّما منعهم من إرشادي إليه أوّل مرة الحسد.. فقلت له : ويحك إياه أردتُ فمضيت حتّى صرت إلى منزله فقرعت الباب فخرج غلام له فقال : ادخل يا أخا كلب فواللّه لقد أدهشني، فدخلت وأنا مضطرب، ونظرت فإذا شيخ على مصلّى بلا مرفقة ولا بَرذَعة (3)، فابتدأني بعد أن سلمت عليه، فقال لي : من أنت؟ فقلت في نفسي : يا سبحان اللّه غلامه يقول لي بالباب : ادخل يا أخا كلب ويسألني المولى من أنت ؟ ! فقلت له : أنا الكلبي النسّابة، فضرب بيده على جبهته وقال : كذب العادلون باللّه وضلوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً، يا أخا كلب إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) (4) أفتنسبها أنت؟ فقلت : لا جعلت فداك، فقال لي : أفتنسب
ص: 410
نفسك؟ قلت : نعم أنا فلان بن فلان بن فلان حتّى ارتفعت (1) فقال لي : قف ليس حيث تذهب، ويحك أتدري من ف_لان بن فلان؟ قلت: نعم فلان بن فلان، قال : إن فلان بن فلان بن فلان الراعي الكردي إنّما كان فلان الراعي الكردي على جبل آل فلان فنزل إلى فلانة امرأة فلان من جبله الّذي كان يرعى غنمه عليه، فأطعمها شيئاً وغشيها فولدت فلاناً، وفلان بن فلان من فلانة وفلان بن فلان ثمَّ قال: أتعرف هذه الأسامي ؟ قلت : لا واللّه جعلت فداك فإن رأيت أن تكفَّ عن هذا فعلت؟ فقال : إنّما قلت فقلتُ، فقلت: إنّي لا أعود قال : لا نعود إذاً واسأل عمّا جئت له، فقلت له : أخبرني عن رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء، فقال: ويحك أما تقرأ سورة الطلاق؟ قلت بلى قال فاقرأ فقرأت (فطلقوهُنَّ لعدَّتهنَّ وأحْصُوا العِدَّة) (2) قال : أترى ههنا نجوم السماء؟ قلت: لا. قلت: فرجل قال لامرأته : أنت طالق ثلاثاً؟ قال : تردُّ إلى كتاب اللّه وسنة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ قال : لا طلاق إلّا على طهر، من غير جماع بشاهدين مقبولين فقلت في نفسي : واحدة، ثمَّ قال : سل، قلت: ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم ثمَّ قال ؛ إذا كان يوم القيامة ورد اللّه كلَّ. القيامة ورد اللّه كلّ شيء إلى شيئه ورد الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم ؟ فقلت في نفسي : ثنتان، ثمَّ التفت إليَّ فقال : سل فقلت : أخبرني عن أكل الجرّي ؟ فقال : إن اللّه عزّ وجلّ مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحراً فهو الجري والمارماهي والزمار وما سوى ذلك وما أخذ منه منهم براً فالقردة والخنازير والوبر والورك (3) وما سوى ذلك فقلت في نفسي : ثلاث، ثمَّ التفت إليَّ فقال : سل وقم، فقلت: ما تقول في النبيذ؟ فقال: حلال، فقلت: إنا ننبذ فتطرح فيه العكر (4) وما سوى ذلك ونشر به ؟ فقال : شُه شُه (5) تلك الخمرة المنتنة، فقلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني ؟ فقال : إنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تغير الماء وفساد طبايعهم، فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرَّجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كفّ من التمر فيقذف به في الشَّن (6) فمنه شربه ومنه
ص: 411
طهوره، فقلت: وكم كان عدد التمر الّذي [كان] في الكفّ؟ فقال : ما حمل الكف، فقلت: واحدة وثنتان؟ فقال: ربما كانت واحدة وربما كانت ثنتين فقلت : وكم كان يسع الشَّنُّ ؟ فقال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك فقلت : بالأرطال ؟ فقال : نعم أرطال بمكيال العراق قال سماعة : قال الكلبي : ثمَّ نهض (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقمت فخرجت وأنا أضرب بيدي على الأخرى وأنا أقول : إن كان شيء فهذا، فلم يزل الكلبي يدين اللّه بحب آل هذا البيت حتّى مات.
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم قال : كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنا وصاحب الطاق(1)، والناس مجتمعون على عبد اللّه بن جعفر أنّه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده، وذلك أنّهم رووا عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : إن الأمر في الكبير ما لم تكن عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال : في مائتين خمسة فقلنا : ففي مائة ؟ فقال : در همان ونصف. فقلنا واللّه ما تقول المرجئة هذا، قال : فرفع يده إلى السماء فقال : واللّه ما أدري ما تقول المرجئة، قال : فخرجنا من عنده ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجّه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجّه ولا من نقصد ؟ ونقول : إلى المرجئة ؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومي إلي بيده فخفت أن يكون عيناً (2) من عيون أبي جعفر المنصور، وذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه، فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول : تنع فإنّي خائف على نفسي وعليك، وإنّما يريدني لا يريدك، فتنح عنّي لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ، وذلك أني ظننت أنّي لا أقدر على التخلّص منه فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت حتّى ورد بي على باب أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي : أدخل رحمك اللّه، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) فقال لي ابتداءً منه : لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج، إليّ إليَّ، فقلت جعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت : مضى موتاً؟ قال : نعم، قلت : فمن لنا من
ص: 412
بعده؟ فقال : إن شاء اللّه أن يهديك هداك، قلت : جعلت فداك، إن عبد اللّه (1) يزعم أنّه من بعد أبيه قال يريد عبد اللّه أن لا يُعْبَدَ اللّه (2) قال : قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ قال : إن شاء اللّه أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو ؟ قال لا ما أقول ذلك (3)، قال : فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثمَّ قلت له : جعلت فداك عليك إمام؟ قال : لا فداخلني شيء لا يعلم إلّا اللّه عزّ وجلّ إعظاماً له وهيبة أكثر ممّا كان يحلُّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثمَّ قلت له : جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك ؟ فقال : سل تُخْبَر ولا تُذِعْ، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف (4)، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك؟ وقد أخذت عليَّ الكتمان؟ قال : من آنست منه رشداً فألْقِ إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح - وأشار بيده إلى حلقه _ قال : فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي : ما وراءك؟ قلت : الهدى فحدثته بالقصّة. قال : ثمَّ لقينا الفضيل وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وسألاه وقطعا عليه بالإمامة، ثمَّ لقينا النّاس أفواجاً فكلّ من دخل عليه قطع إلّا طائفة عمّار (5) وأصحابه وبقي عبد اللّه لا يدخل إليه إلّا قليل من الناس، فلما رأى ذلك قال : ما حال النّاس ؟ فأخبر أنَّ هشاماً (6) صد عنك النّاس ؛ قال هشام : فأقعد لى بالمدينة غير واحد ليضربوني.
8 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن فلان الواقفي قال : كان لي ابن عم يقال له : الحسن بن عبد اللّه كان زاهداً وكان من أعبد أهل زمانه وكان يتقيه السلطان لجده في الدّين واجتهاده، وربما استقبل السلطان بكلام صعب يعظه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، وكان السلطان يحتمله لصلاحه، ولم تزل هذه حالته حتّى كان يوم من الأيام إذ دخل عليه أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في المسجد فرآه فأومأ إليه فأتاه فقال له : يا أبا علي ما أحبَّ إليَّ ما أنت فيه وأسرني إلّا أنّه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة، قال : جعلت فداك وما المعرفة ؟ قال : اذهب فتفقه واطلب الحديث قال : عمّن ؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة، اعرض علي الحديث، قال : فذهب فكتب ثمَّ جاءه فقرأه عليه فأسقطه (7) كله ثمَّ قال له : اذهب
ص: 413
فاعرف المعرفة وكان الرَّجل معنياً بدينه فلم يزل يترصّد أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى خرج إلى ضيعة له، فلقيه في الطريق فقال له : جعلت فداك إنّي أحتج عليك بين يدي اللّه فدلّني على المعرفة :قال فأخبره بأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وها كان بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأخبره بأمر الرَّجلين (1) فقبل منه ثمَّ قال له : فمن كان بعد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال : الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمَّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى انتهى إلى نفسه ثمَّ سكت قال : فقال له : جعلت فداك فمن هو اليوم؟ قال : إن أخبرتك تقبل ؟ قال : بلى جعلت فداك؟ قال: أنا هو، قال: فشيء أستدلُّ (2) به؟ قال : اذهب إلى تلك الشجرة _ وأشار [ بيده ] إلى أم غيلان (3) - فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر أقبلي، قال: فأتيتها فرأيتها واللّه تخدُّ (4) الأرض خدّاً حتّى وقفت بين يديه، ثمَّ أشار إليها فرجعت قال : فأقر به ثمَّ لزم الصمت والعبادة، فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك.
محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن هاشم مثله.
٩ - محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن الطيب عن عبد الوهاب بن منصور، عن محمّد بن أبي العلاء قال : سمعت يحيى بن أكثم - قاضي سامراء - بعدما جهدت به وناظرته وحاورته وواصلته وسألته عن علوم آل محمّد فقال : بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فرأيت محمّد (5) بن عليّ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يطوف به فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إليَّ، فقلت له : واللّه إني أريد أن أسألك مسألة وإني واللّه لأستحيي من ذلك، فقال لي : أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام، فقلت هو واللّه هذا، فقال أنا هو، فقلت: علامة(6) ؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت : إنّ مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجّة.
١٠ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد أو غيره عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن عمر بن يزيد قال دخلت على الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا يومئذ واقف (7). وقد كان أبي سأل
ص: 414
أباه عن سبع مسائل فأجابه في ستّ وأمسك عن السابعة (1)، فقلت : واللّه لأسألنه عمّا سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة (2)، فسألته فأجاب بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست فلم يزد في الجواب واواً ولا ياءً وأمسك عن السابعة وقد كان أبي قال لأبيه : إني أحتج عليك عند اللّه يوم القيامة أنك زعمت أنّ عبد اللّه لم يكن إماماً، فوضع يده على عنقه، ثمَّ قال له : نعم احتج عليّ بذلك عند اللّه عزّ وجلّ فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي، فلما ودعته قال : إنّه ليس أحد من شيعتنا يُبتلى (3) ببليّة أو يشتكي (4) فيصبر على ذلك إلّا كتب اللّه له أجر ألف شهيد فقلت في نفسي : واللّه ما كان لهذا ذكر، فلما مضيت وكنت في بعض الطريق، خرج بي عِرْقُ المديني (5) فلقيت منه شدّة، فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه وقد بقي من وجعي بقيّة، فشكوت إليه وقلت له : جعلت فداك عوّذ رجلي وبسطتها بين يديه، فقال لي : ليس على رجلك هذه بأس ولكن أرني رجلك الصحيحة فبسطتها بين يديه فعوّذها، فلما خرجت لم ألبث إلّا يسيراً حتّى خرج بي العرق وكان وجعه يسيراً.
١١ - أحمد بن مهران عن محمّد بن عليّ، عن ابن قياما الواسطي - وكان من الواقفة - قال: دخلت على عليّ بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : يكون إمامان؟ قال : لا إلّا وأحدهما صامت، فقلت له : هو ذا أنت ليس لك صامت - ولم يكن ولد له أبو جعفر بعد _ فقال لي : واللّه ليجعلنّ اللّه مني ما يثبت به الحقّ وأهله، ويمحق به الباطل وأهله (6)، فولد له بعد سنة أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقيل لابن قياما : ألا تقنعك هذه الآية؟ فقال: أما واللّه إنّها لآية عظيمة ولكن كيف أصنع بما قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ابنه (7)؟.
١٢ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء قال: أتيت خراسان _ وأنا
ص: 415
واقف _ فحملت معي متاعاً وكان معي ثوب وشي (1) في بعض الرزم ولم أشعر به ولم أعرف مكانه، فلما قدمت مرو، ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلّا ورجل مدني من بعض مولّديها (2)، فقال لي : إنّ أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لك : ابعث إليَّ الثوب الوشيَّ الّذي عندك قال : فقلت : ومن أخبر أبا الحسن بقدومي وأنا قدمت آنفاً وما عندي ثوب وشي؟! فرجع إليه(3) وعاد إليَّ، فقال : يقول لك : بلى هو في موضع كذا وكذا ورزمته كذا وكذا، فطلبته حيث قال، فوجدته في أسفل الرزمة، فبعثت به إليه.
13 - ابن فضّال، عن عبد اللّه بن المغيرة قال: كنت واقفاً (4) وحججت على تلك الحال، فلما صرت بمكّة خلج (5) في صدري شيء، فتعلقت بالملتزم (6) ثمَّ قلت : اللّهمّ قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن آتي الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام قل لمولاك : رجل من أهل العراق بالباب، قال: فسمعت نداءه وهو يقول : أدخل يا عبد اللّه بن المغيرة، أدخل يا عبد اللّه بن المغيرة، فدخلت، فلمّا نظر إليَّ قال لي : قد أجاب اللّه دعاءك وهداك لدينه، فقلت : أشهد أنك حجة اللّه وأمينه على خلقه.
١٤ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه قال : كان عبد اللّه بن هليل (7) يقول بعبد اللّه (8) فصار إلى العسكر (9) فرجع عن ذلك (10) فسألته عن سبب رجوعه، فقال: إنّي عرَّضت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أسأله ذلك، فوافقني (11) في طريق ضيق، فمال نحوي حتّى إذا حاذاني، أقبل نحوي بشيء من فيه (12)، فوقع على صدري، فأخذته فإذا هو رَق فيه مكتوب : ما كان هنالك، ولا كذلك (13).
ص: 416
١٥ _ عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا ذكر اسمه قال : حدَّثنا محمّد بن إبراهيم قال : أخبرنا موسى بن محمّد بن إسماعيل بن عبيد اللّه بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب قال: حدَّثني جعفر بن زيد بن موسى، عن أبيه عن آبائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالوا : جاءت أم أسلم يوماً إلى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو في منزل أمّ سلمة، فسألتها عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقالت : خرج في بعض الحوائج والساعة يجيىء، فانتظرته عند أم سلمة حتّى جاء (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقالت أم أسلم : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه، إني قد قرأت الكتب وعلمت كلّ نبي ووصي، فموسى كان له وصي في حياته (1) ووصي بعد موته (2)، وكذلك عيسى (3)، فمن وصيك يا رسول اللّه ؟ فقال لها يا أمّ أسلم وصيّي في حياتي وبعد مماتي واحد ثمَّ قال لها : يا أم أسلم : من فعل فعلي (4) هذا فهو وصتي، ثمَّ ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها (5) بأصبعه فجعلها شبه الدقيق، ثمَّ عجنها، ثمَّ طبعها بخاتمه، ثمَّ قال : من فعل فعلي هذا فهو وصي في حياتي وبعد مماتي، فخرجت من عنده فأتيت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت: بأبي أنت وأمي أنت وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال : نعم يا أم أسلم ثمَّ ضرب بيده إلى حصاة ففركها فجعلها كهيئة الدقيق، ثمَّ عجنها وختمها بخاتمه، ثمَّ قال : يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصي، فأتيت الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام فقلت له : يا سيدي أنت وصي أبيك ؟ فقال : نعم يا أم أسلم، وضرب بيده وأخذ حصاة ففعل بها كفعلهما(6)، فخرجت من عنده فأتيت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وإني لمستصغرة لسنه - فقلت له : بأبي أنت وأمي، أنت وصي أخيك ؟ فقال : نعم يا أم أسلم ايتيني بحصاة، ثمَّ فعل كفعلهم، فعمّرت أمّ أسلم حتّى لحقت بعليّ بن الحسين بعد قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منصرفه، فسألته أنت وصي أبيك ؟ فقال : نعم، ثمَّ فعل كفعلهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.
١٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن الجارود، عن موسى بن بكر بن داب عمّن حدَّثه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ زيد بن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل على أبي جعفر محمّد بن عليّ ومعه (7) كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى
ص: 417
أنفسهم ويحبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه ؟ فقال : بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولما يجدون في كتاب اللّه عزّ وجلّ من وجوب مودّتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء، فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إن الطاعة مفروضة من اللّه عزّ وجلّ وسنّة أمضاها في الأولين وكذلك يجريها في الآخرين والطاعة لواحد منا(1) والمودة للجميع (2)، وأمر اللّه يجري لأوليائه بحكم موصول (3)، وقضاء مفصول، وحتم مقضي وقدر مقدور، وأجل مسمى لوقت معلوم، فلا يستخفنّك الّذين لا يوقنون، إنهم لن يغنوا عنك من اللّه شيئاً، فلا تعجل فإنّ اللّه لا يعجل لعجلة العباد، ولا تسبقنَّ اللّه فتعجزك البلية فتصر عك (4)، قال : فغضب زيد عند ذلك، ثمَّ قال : ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط (5) عن الجهاد، ولكنَّ الإمام منا من منع حوزته (6)، وجاهد في سبيل اللّه حق جهاده ودفع عن رعيته وذبّ عن حريمه، قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل تعرف يا أخي من نفسك شيئاً ممّا نسبتها إليه فتجبى عليه بشاهد من كتاب اللّه أو حجّة من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو تضرب به مثلاً، فإنّ اللّه عزّ وجلّ أحلَّ حلالاً وحرّم حراماً وفرض فرائض وضرب أمثالاً وسن سنناً ولم يجعل الإمام القائم بأمره شبهة فيما فرض له من الطاعة أن يسبقه بأمر قبل محله، أو يجاهد فيه قبل حلوله، وقد قال اللّه عزّ وجلّ في الصيد :(لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (7) أفقتل الصيد أعظم أم قتل النفس التي حرم اللّه وجعل لكلّ شيء محلاً وقال اللّه عزّ وجلّ : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) (8) وقال عزّ وجلّ : (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) (9) فجعل الشهور عدة معلومة فجعل منها أربعة حرماً وقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) (10)، ثمَّ قال تبارك وتعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
ص: 418
وَجَدْتُمُوهُمْ) (1) فجعل لذلك محلاً وقال : (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (2) فجعل لكلّ شيء أجلاً ولكلّ أجل كتاباً فإن كنت على بينة من ربك ويقين من أمرك وتبيان من شأنك، فشأنك (3)، وإلا فلا تَرُومَنَّ أمراً أنت منه في شك وشبهة، ولا تتعاط زوال ملك لم تنقض أكله، ولم ينقطع مداه، ولم يبلغ الكتاب أجله فلوقد بلغ مداه وانقطع أكله وبلغ الكتاب أجله (4)، لانقطع الفصل وتتابع النظام ولأعقب اللّه في التابع والمتبوع الذل والصغار، أعوذ باللّه من إمام ضلَّ عن وقته، فكان التابع فيه أعلم من المتبوع، أتريد يا أخي أن تحيي ملة قوم قد كفروا بآيات اللّه وعصوا رسوله واتبعوا أهواءهم بغير هدى من اللّه، وادَّعوا الخلافة بلا برهان من اللّه ولا عهد من رسوله؟! أعيذك باللّه يا أخي أن تكون غداً المصلوب بالكناسة. ثمَّ ارفضت عيناه وسالت دموعه، ثمَّ قال : اللّه بيننا وبين من هتك سترنا، وجحدنا حقنا، وأفشى سرّنا ونسبنا إلى غير جدنا (5) وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا (6).
17 - بعض أصحابنا، عن محمّد بن حسان، عن محمّد بن رَنْجَوَيْه، عن عبد اللّه بن الحكم الأرمني، عن عبد اللّه بن إبراهيم بن محمّد الجعفري قال: أتينا خديجة بنت عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نعزّيها بابن بنتها، فوجدنا عندها موسى بن عبد اللّه بن الحسن، فإذا هي في ناحية قريباً من النساء، فعزّيناهم، ثمَّ أقبلنا عليه فإذا هو يقول لابنة أبي يشكر الراثية : قولي فقالت :
اعدد رسول اللّه واع_دد بعده***أسدَ الإله (7) وثالثاً عباسا
واعدد علي الخير واعدد جعفراً***واعدد عقيلاً بعده الرُّوَّاسا
فقال: أحسنت وأطربتني، زيديني، فاندفعت تقول:
ومنا إمام المتقين محمّد***وفارسه ذاك الإمام المطهر
ص: 419
ومنا علي صهره وابن عمه***وحمزة منا والمهذب جعفر
فأقمنا عندها حتّى كاد الليل أن يجيىء، ثمَّ قالت خديجة : سمعت عمّي محمّد بن عليّ صلوات اللّه عليه وهو يقول : إنّما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها ولا ينبغي لها أن تقول هَجْراً (1)، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح، ثمَّ خرجنا فغدونا إليها غدوة فتذاكرنا عندها اختزال منزلها (2) من دار أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد، فقال : هذه دار تسمّى دار السرقة (3)، فقالت: هذا ما اصطفى مهدينا - تعني محمّد بن عبد اللّه بن الحسن - تمازحه بذلك _ فقال موسى بن عبد اللّه : واللّه لأخبرتكم بالعجب رأيت أبي رحمه اللّه لما أخذ في الأمر محمّد بن عبد اللّه وأجمع على لقاء أصحابه، فقال لا أجد هذا الأمر يستقيم إلّا أن ألقى أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد، فانطلق وهو متك عليَّ، فانطلقت معه حتّى حتى أتينا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلقيناه خارجاً يريد المسجد فاستوقفه أبي وكلّمه، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليس هذا موضع ذلك، نلتقي إن شاء اللّه، فرجع أبي مسروراً، ثمَّ أقام حتّى إذا كان الغد أو بعده بيوم، انطلقنا حتّى أتيناه، فدخل عليه أبي وأنا معه فابتدأ الكلام، ثمَّ قال له فيما يقول: قد علمت جعلت فداك أنَّ السنّ لي عليك وأنّ في قومك من هو أستُ منك ولكن اللّه عزّ وجلّ قد قدّم لك فضلا ليس هو لأحد من قومك وقد جئتك معتمداً لما أعلم من برك (4) واعلم - فديتك - أنك إذا أجبتني (5) لم يتخلف عنّي أحدٌ من أصحابك ولم يختلف علي اثنان من قريش ولا غيرهم، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّک تجد غيري أطوع لك مني ولا حاجة لك في (6)، فواللّه إنّک لتعلم أنّي أريد البادية أو أهمُ بها فأثقل عنها، وأريد الحجّ فما أدركه إلّا بعد كد وتعب ومشقة على نفسي. فاطلب غيري وسله ذلك ولا تعلمهم أنك جئتني، فقال له : إنَّ النّاس مادون أعناقهم إليك وإن أجبتني لم يتخلف عنّي أحد، ولك أن لا تكلّف قتالاً ولا مكروهاً، قال : قال : وهجم (7) علينا ناس فدخلوا وقطعوا كلامنا فقال أبي : جعلت فداك ما تقول؟ فقال : نلتقي إن شاء اللّه، فقال: أليس على ما أحب ؟ فقال : على ما تحبُّ إن شاء اللّه من إصلاحك (8). ثمَّ انصرف حتّى جاء
ص: 420
البيت، فبعث رسولاً إلى محمّد في جبل بِجُهَيْنَة، يقال له الأشقر، على ليلتين(1) من المدينة، فبشّره وأعلمه أنّه قد ظفر له بوجه حاجته وما طلب ثمَّ عاد بعد ثلاثة أيّام، فوقفنا بالباب، ولم نكن نحجب إذا جئنا، فأبطأ الرسول، ثمَّ أذن لنا، فدخلنا عليه فجلست في ناحية الحجرة ودنا أبي إليه فقبل رأسه، ثمَّ قال : جعلت فداك قد عدتُ إليك راجياً، مؤملا، قد انبسط رجائي وأملي ورجوت الدَرَكَ (2) لحاجتي، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن عمّ إني أعيذك باللّه من التعرُّض لهذا الأمر الّذي أمسيت فيه ؛ وإنّي لخائف عليك أن يُكْسِبَكَ شَرّاً، فجرى الكلام بينهما، حتّى أفضى إلى ما لم يكن يريد وكان من قوله بأي شيء كان الحسين أحقُّ بها من الحسن؟ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رحم اللّه الحسن ورحم الحسين وكيف ذكرت هذا، قال : لأنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسنّ من ولد الحسن، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ اللّه تبارك وتعالى لما أن أوحى إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أوحى إليه بما شاء، ولم يؤامر أحداً من خلقه (3)، وأمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بما شاء ففعل ما أمر به ؛ ولسنا نقول فيه إلّا ما قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من تبجيله وتصديقه، فلو كان أمر الحسين أن يصيرها في الأسنّ أو ينقلها في ولدهما _ يعني الوصية - لفعل ذلك الحسين، وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه، ولقد ولى وترك ذلك، ولكنّه مضى لما أمر به وهو جدك وعمّك، فإن قلت خيراً فما أولاك به، وإن قلت هجراً فيغفر اللّه لك، أطعني يا ابن عم واسمع كلامي، فواللّه الّذي لا إله إلّا هو لا آلوك (4) نصحاً وحرصاً فكيف ولا أراك تفعل، وما لأمر اللّه من مردّ فسر أبي عند ذلك، فقال له أبو عبد اللّه : واللّه إنّک لتعلم أنّه الأحول الأكشف الأخضر (5) المقتول بسدَّة أشجع (6)، عند بطن مسليها، فقال أبي : ليس هو ذلك (7) واللّه ليحاربنَّ باليوم يوماً وبالساعة ساعة وبالسنة سنة، وليقومنَّ بثار بني أبي طالب جميعاً، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يغفر اللّه لك (8) ما أخوفني أن
ص: 421
يكون هذا البيت (1) يلحق صاحبنا : (متتك نفسك في الخلاء ضلالا). لا واللّه لا يملك أكثر من حيطان المدينة، ولا يبلغ عمله الطائف إذا أحفل - يعني إذا أجهد نفسه، وما للأمر من بد أن يقع، فاتق اللّه وارحم نفسك وبني أبيك، فواللّه إني لأراه أشام سَلْحَةٍ (2) أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء واللّه إنّه المقتول بسدّة أشجع بين دورها، واللّه لكأني به صريعاً مسلوباً بزته بين رجليه لبنة، ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع - قال موسى بن عبد اللّه _ يعنيني وليخرجن معه فيهزم ويقتل صاحبه، ثمَّ يمضي فيخرج معه راية أخرى، فيقتل كبشها(3) ويتفرّق جيشها، فإن أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العبّاس حتّى يأتيه اللّه بالفرج، ولقد علمت بأن هذا الأمر لا يتمُّ، وأنك لتعلم ونعلم أنَّ ابنك الأحول الأخضر الأكشف المقتول بسدّة أشجع بين دورها عند بطن مسيلها، فقام أبي وهو يقول : بل يغني اللّه عنك ولتعودنَّ (4) أو ليقي اللّه بك وبغيرك ما أردت بهذا إلّا امتناع غيرك، وأن تكون ذريعتهم إلى ذلك، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): اللّه يعلم ما أريد إلّا نصحك ورشدك وما عليَّ إلّا الجهد، فقام أبي يجر ثوبه مغضباً، فلحقه أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له : أخبرك أني سمعت عمك وهو خالك (5) يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل، فواللّه الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه، لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي وبأحب أهل بيتي إليَّ، وما يعدلك عندي شيء، فلا ترى أنّي غششتك، فخرج أبي من عنده مغضباً أسفاً، قال : فما أقمنا بعد ذلك إلّا قليلاً _ عشرين ليلة أو نحوها، حتّى قدمت رسل أبي جعفر (6) فأخذوا أبي وعمومتي سليمان بن حسن، وحسن بن حسن، وإبراهيم بن حسن وداود بن حسن، وعليّ بن حسن، وسليمان بن داود بن حسن، وعليّ بن إبراهيم بن حسن وحسن بن جعفر بن حسن، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن حسن، وعبد اللّه بن داود قال : فصفّدوا في الحديد (7)، ثمَّ حملوا في محامل أعراء لا وطاء فيها (8) ووقفوا
ص: 422
بالمصلى لكي يشتمهم الناس، قال : فكفَّ النّاس عنهم ورقوا لهم للحال التي هم فيها، ثمَّ انطلقوا بهم حتّى وقفوا عند باب مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري: فحدثتنا خديجة بنت عمر بن عليّ أنهم لما أوقفوا عند باب المسجد - الباب الّذي يقال له باب جبرئيل - أطلع عليهم أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعامة ردائه مطروح بالأرض، ثمَّ أطلع من باب المسجد فقال : لعنكم اللّه يا معاشر الأنصار - ثلاثاً _ ما على هذا عاهدتم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا بايعتموه أما واللّه إن كنت حريصاً ولكنّي غلبت وليس للقضاء مدفع، ثمَّ قام وأخذ إحدى نعليه فأدخلها رجله والأخرى في يده وعامة ردائه يجره في الأرض، ثمَّ دخل بيته فحُمَّ عشرين ليلة، لم يزل يبكي فيه الليل والنهار حتّى خفنا عليه، فهذا حديث خديجة. قال الجعفري: وحدَّثنا موسى بن عبد اللّه بن الحسن أنّه لما طلع بالقوم في المحامل، قام أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المسجد ثمَّ أهوى إلى المحمل الّذي فيه عبد اللّه بن الحسن يريد كلامه فمنع أشدَّ المنع وأهوى إليه الحرسي فدفعه وقال : تنحّ عن هذا، فإن اللّه سيكفيك ويكفي غيرك، ثمَّ دخل بهم الزقاق ورجع أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله، فلم يبلغ بهم البقيع حتّى ابتلي الحرسي بلاء شديداً، رمحته (1) ناقته فدقت وركه فمات فيها، ومضى بالقوم، فأقمنا بعد ذلك حيناً، ثمَّ أتى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن، فأخبر أنَّ أباه وعمومته قتلوا - قتلهم أبو جعفر - إلّا حسن بن جعفر وطباطبا وعليّ بن إبراهيم وسليمان بن داود وداود بن حسن وعبد اللّه بن داود قال : فظهر محمّد بن عبد اللّه عند ذلك ودعا النّاس لبيعته، قال فكنت ثالث ثلاثة بايعوه واستونق النّاس (2) لبيعته، ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولا عربي، قال : وشاور عيسى بن زيد وكان من ثقاته وكان على شرطه فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه، فقال له عيسى بن زيد : إن دعوتهم دعاء يسيراً لم يجيبوك، أو تغلظ عليهم، فخلني وإياهم، فقال له محمّد امض إلى من أردت منهم، فقال : ابعث إلى رئيسهم وكبيرهم - يعني أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعاً أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : فواللّه ما لبثنا أن أتي بأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى أوقف بين يديه فقال له عيسى بن زيد : أسلم تسلم : فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحدثت نبوة بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ فقال له محمّد : لا ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ولا تكلفن حرباً، فقال له أبو عبد اللّه ه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما في حربٌ ولا قتال ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الّذي حاق به ولكن لا ينفع حذرٌ
ص: 423
من قَدَر، يا ابن أخي عليك بالشباب ودع عنك الشيوخ، فقال له محمّد : ما أقرب ما بيني وبينك في السن، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني لم أعازّك (1) ولم أجىء لأتقدم عليك في الّذي أنت فيه، فقال له :محمّد لا واللّه لا بدَّ من أن تبايع، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما في يا ابن أخي طلب ولا حرب، وإني لأريد الخروج إلى البادية فيصدُّني ذلك ويثقل عليَّ حتّى تكلّمني في ذلك الأهل غير مرَّة، ولا يمنعني منه إلّا الضعف. واللّه والرَّحم (2) أن تدبر عنا (3) ونشقى بك، فقال له : يا أبا عبد اللّه قد واللّه مات أبو الدوانيق - يعني أبا جعفر - فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما تصنع بي وقد مات ؟ قال : أريد الجَمالَ بك (4)، قال : ما إلى ما تريد سبيل، لا واللّه ما مات أبو الدَّوانيق إلّا أن يكون مات موت النوم. قال : واللّه لتبايعني طائعاً أو مكرهاً ولا تحمد في بيعتك، فأبى عليه إباءً شديداً وأمر به إلى الحبس، فقال له عيسى بن زيد : أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن وليس عليه اليوم غلق خفنا أن يهرب منه، فضحك أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ قال : لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم أوتراك تسجنني ؟ قال : نعم والّذي أكرم محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنبوّة لأسجنتك ولأشدّدنّ عليك، فقال عيسى بن زيد : احبسوه في المخبأ _ وذلك دار ريطة اليوم (5) - فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما واللّه إني سأقول ثمَّ أَصَدَّق (6)، فقال له عيسى بن زيد : لو تكلمت لكسرتُ فمك فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): أما واللّه يا أكشف يا أزرق (7)، لكأني بك تطلب، لنفسك جُحراً تدخل فيه، وما أنت في المذكورين عند اللقاء(8)، وإني لأظنّك إذا صُفِّقَ خلفَكَ، طرتَ مثل الهيق النافر (9) فنفر عليه محمّد بانتهاز احبسه وشدّد عليه وأغلظ عليه، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما واللّه لكأني بك خارجاً من سدّة أشجع إلى بطن الوادي وقد حمل عليك فارس مُعْلَم (10) في يده طرادة (11) نصفها أبيض ونصفها أسود على فرس كميت أقرح (12)
ص: 424
فطعنك فلم يصنع فيك شيئاً، وضربت خيشوم فرسه فطرحته، وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين عليه غديرتان مضفورتان وقد خرجتا من تحت بيضة، كثير شعر الشاربين، فهو واللّه صاحبك فلا رحم اللّه رمّته (1). فقال له :محمّد يا أبا عبد اللّه، حَسَبْتَ فأخطأت. وقام إليه السراقي بن سلخ الحوت، فَدَفَعَ في ظهره حتّى أدخل السجن، واصطفي ما كان له من مال، وما كان لقومه ممّن لم يخرج مع محمّد، قال : فَطُلِعَ بإسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب وهو شيخ كبير ضعيف، قد ذهبت إحدى عينيه، وذهبت رجلاه (2) وهو يحمل حملا، فدعاه إلى البيعة، فقال له : يا ابن أخي إنّي شيخ كبير ضعيف وأنا إلى برك وعونك أحوج، فقال له : لا بدَّ من أن تبايع، فقال له : وأي شيء تنتفع ببيعتي واللّه إني لأضيق عليك مكان اسم رجل إن كتبته قال لا بدّ لك أن تفعل وأغلظ له في القول، فقال له إسماعيل : ادع لي جعفر بن محمّد، فلعلنا نبايع جميعاً، قال: فدعا جعفراً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له إسماعيل : جعلت فداك إن رأيت أن تبيّن له فافعل لعل اللّه يكفّه عنا، قال : قد أجمعت ألا أكلمه، أفَلْيَرَفِيَّ برأيه، فقال إسماعيل لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنشدك اللّه، هل تذكر يوماً أتيت أباك محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وعليَّ حلّتان صفراوان، فدام النظر إلي فبكى، فقلت له ؛ ما يبكيك؟ فقال لي : يبكيني أنك تقتل عند كبر سنك ضياعاً، لا ينتطح في دمك عنزان، قال : قلت : فمتى ذاك؟ قال : إذا دعيت إلى الباطل فأبيته وإذا نظرت إلى الأحول مشؤم قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يدعو إلى نفسه قد تسمّى بغير اسمه (3)، فأحدث عهدك واكتب وصيتك، فإنك مقتول في يومك أو من غد (4)، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم وهذا (5) - ورب الكعبة - لا يصوم من شهر رمضان إلّا أقله. فأستودعك اللّه يا أبا الحسن وأعظم اللّه أجرنا فيك، وأحسن الخلافة على من خلّفت وإنا للّه وإنا إليه راجعون، قال: ثمَّ احتمل إسماعيل ورد جعفر إلى الحبس، قال : فواللّه ما أمسينا حتّى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد اللّه بن جعفر فتوطؤوه حتّى قتلوه، وبعث محمّد بن عبد اللّه إلى جعفر فخلى سبيله، قال: وأقمنا بعد ذلك حتّى استهللنا شهر رمضان فبلغنا خروج عيسى بن موسى، يريد المدينة، قال: فتقدّم محمّد بن عبد اللّه على مقدّمته يزيد بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، وكان على مقدّمة
ص: 425
عيسى بن موسى ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن وقاسم !! ومحمّد بن زيد وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد فهزم يزيد بن معاوية وقدم عيسى بن موسى المدينة وصار القتال بالمدينة، فنزل بذياب (1) ودخلت علينا المسوّدة (2) من خلفنا، وخرج محمّد في أصحابه حتّى بلغ السوق، فأوصلهم ومضى، ثمَّ تبعهم حتّى انتهى إلى مسجد الخوامين، فنظر إلى ما هناك فضاء ليس فيه مسوّد ولا مبيض، فاستقدم حتّى انتهى إلى شعب فزارة، ثمَّ دخل هذيل ثمَّ مضى إلى أشجع، فخرج إليه الفارس الّذي قال أبو عبد اللّه من خلفه،، من سكة هذيل فطعنه، فلم يصنع فيه شيئاً وحمل على الفارس، فضرب خيشوم فرسه بالسيف، فطعنه الفارس، فأنفذه في الدرع وانثنى عليه محمّد فضربه فأثخنه وخرج عليه حميد بن قحطبة وهو مدبر على الفارس يضربه من زقاق العماريين فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه فكسر الرمح وحمل على حميد فطعنه حميد بزج الرمح فصرعه، ثمَّ نزل إليه فضربه حتّى أثخنه وقتله وأخذ رأسه، ودخل الجند من كلّ جانب، وأخذت المدينة وأجلينا هرباً في البلاد، قال موسى بن عبد اللّه : فانطلقت حتّى لحقت بإبراهيم بن عبد اللّه، فوجدت عيسى بن زيد مكمناً عنده، فأخبرته بسوء تدبيره، وخرجنا معه حتّى أصيب رحمه اللّه، ثمَّ مضيت مع ابن أخي الأشتر عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن حسن حتّى أصيب بالسند، ثمَّ رجعت شريداً طريداً، تضيّق علي البلاد، فلما ضاقت علي الأرض واشتدَّ [بي] الخوف، ذكرت ما قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فجئت إلى المهدي وقد حجّ وهو يخطب النّاس في ظلّ الكعبة، فما شعر إلّا وأنّي قد قمت من تحت المنبر فقلت : لي الأمان يا أمير المؤمنين؟ وأدلك على نصيحة لك عندي ؟ فقال نعم ما هي ؟ قلت : أدلك على موسى بن عبد اللّه بن حسن، فقال لي : نعم لك الأمان، فقلت له : أعطني ما أثق به فأخذت منه عهوداً ومواثيق ووثقت لنفسي ثمَّ قلت : أنا موسى بن عبد اللّه فقال لي : إذا تُكْرَم وتُحبى (3). فقلت : له اقطعني (4) إلى بعض أهل بيتك، يقوم بأمري عندك، فقال لي : انظر إلى من أردت فقلت: عمّك العبّاس بن محمّد فقال العبّاس لا حاجة لي فيك، فقلت: ولكن لي فيك الحاجة، أسألك بحق أمير المؤمنين إلّا قبلتني فقبلني شاء أو أبى، وقال لي المهدي من يعرفك ؟ - وحوله أصحابنا أو أكثرهم - فقلت : هذا الحسن بن زيد يعرفني وهذا موسى بن جعفر
ص: 426
يعرفني وهذا الحسن بن عبد اللّه بن العبّاس يعرفني، فقالوا : نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا، ثمَّ قلت للمهدي : يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرَّجل وأشرت إلى موسى بن جعفر قال(1) موسى بن عبد اللّه : وكذبت على جعفر كذبة : فقلت له : وأمرني أن أقرئك السلام وقال إنّه إمام عدل وسخاء، قال: فأمر لموسى بن جعفر بخمسة آلاف دينار، فأمر لي منها موسى بألفي دينار ووصل عامة أصحابه ووصلني فأحسن صلتي، فحيث ما ذكر ولد محمّد بن عليّ بن الحسين، فقولوا صلّى اللّه عليهم وملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون وخصوا أبا عبد اللّه بأطيب ذلك، وجزى موسى بن جعفر عنّي خيراً، فأنا واللّه مولاهم بعد اللّه.
18 - وبهذا الإسناد، عن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال : حدَّثنا عبد اللّه بن المفضّل مولى عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب قال : لما خرج الحسين بن عليّ المقتول بفخّ (2) واحتوى على المدينة (3)، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة، فأتاه فقال له : يا ابن عم لا تكلفني ما كلّف ابن عمّك (4) عمك أبا عبد اللّه (5) فيخرج منّي ما لا أريد كما خرج من أبي عبد اللّه ما لم يكن يريد فقال له الحسين : إنّما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه، وإن كرهته لم أحملك عليه واللّه المستعان، ثمَّ ودعه، فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه يا ابن عم : إنّک مقتول فأجد الضراب (6) فإنَّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويسترون شركاً، وإنا للّه وإنا إليه راجعون، أحتسبكم عند اللّه من عصبة، ثمَّ خرج الحسين وكان من أمره ما كان، قتلوا كلهم كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ).
19 - وبهذا الإسناد عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري قال : كتب يحيى بن عبد بن اللّه الحسن إلى موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أما بعد فإنّي أوصي نفسي بتقوى اللّه وبها أوصيك فإنّها وصيّة اللّه في الأولين ووصيّته في الآخرين خبرني من ورد علي من أعوان اللّه على دينه ونشر طاعته بما كان من تحتنك مع خذلانك، وقد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد
ص: 427
احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك (1)، وقديماً ادَّعيتم ما ليس لكم، وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم اللّه فاستهويتم وأظللتم وأنا محذرك ما حذرك اللّه من نفسه».
فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من موسى بن أبي عبد اللّه جعفر. وعلي (2) مشتركين في التذلل اللّه وطاعته، إلى يحيى بن عبد اللّه بن حسن، أما بعد فإني أحذرك اللّه ونفسي (3) وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه وتكامل نقماته، وأوصيك ونفسي بتقوى اللّه فإنّها زينُ الكلام وتثبيت النعم، أتاني كتابك تذكر فيه أنّي مدَّع وأبي من قبل، وما سمعت ذلك مني وستكتب شهادتهم ويُسألون (4)، ولم يَدَعْ حرصُ الدُّنيا ومطالبها لأهلها مطلباً لآخرتهم، حتّى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم وذكرت أنّي تبطت النّاس عنك لرغبتي فيما في يديك، وما منعني من مدخلك الّذي أنت فيه لو كنت راغباً ضعف عن سنة ولا قلة بصيرة بحجّة، ولكنَّ اللّه تبارك وتعالى خلق النّاس أمشاج (5) وغرائب (6) وغرائز، فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما ما العترف (7) في بدنك وما الصهلج (8) في الإنسان، ثمَّ اكتب إليَّ بخبر ذلك، وأنا متقدّم إليك أحذرك معصية الخليفة وأحثك على برّه وطاعته وأن تطلب لنفسك أماناً قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كلّ مكان، فتروّح إلى النفس من كلّ مكان ولا تجده، حتّى يمنَّ اللّه عليك بمنّه وفضله ورقة الخليفة أبقاه اللّه فيؤمنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول اللّه، والسّلام على من اتبع الهدى؛ إنا قد أوحي إلينا أنّ العذاب على من كذب وتولّى(9).
قال الجعفري (10) : فبلغني أنّ كتاب موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقع في يدي هارون فلما قرأه قال : النّاس يحملوني على موسى بن جعفر وهو بريء ممّا يُرمى به.
تم الجزء الثاني من كتاب الكافي، ويتلوه بمشيئة اللّه وعونه الجزء الثالث وهو باب كراهية التوقيت. والحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله أجمعين.
ص: 428
138 - باب كراهية التوقيت (1)
1 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : يا ثابت (2) : إنَّ اللّه تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين (3)، فلما أن قتل الحسين صلوات اللّه عليه، اشتدَّ غضب اللّه تعالى على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة (4) فحدَّثناكم (5) فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر (6) ولم يجعل اللّه له بعد ذلك وقتاً عندنا ويمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
قال أبو حمزة : فحدثت بذلك أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : قد كان كذلك.
2 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عليّ بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه مهزم (7)، فقال له : جعلت فداك: أخبرني عن هذا الأمر (8) الّذي ننتظر متى هو ؟ فقال : يا مهزم كذب الوقاتون(9) وهلك المستعجلون ونجا المسلمون.
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، - عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نوقت (10).
ص: 429
٤ - أحمد بإسناده قال : قال أبى اللّه إلّا أن يخالف وقت الموقتين.
٥ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الخزاز، عن عبد الكريم بن عمر الخثعمي عن الفضل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت: لهذا الأمر وقت؟ فقال كذب الوفاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، إنَّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما خرج وافداً إلى ربه (1)، واعدهم ثلاثين يوماً، فلما زاده اللّه على الثلاثين عشراً، قال قومه : قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدَّثناكم الحديث فجاء على ما حدَّثناكم [به] فقولوا : صَدَق اللّه، وإذا حدَّثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدَّثناكم به فقولوا : صدق اللّه تؤجروا مرّتين(2).
٦ - محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن السياري(3)، عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الشيعة تُرَبّى بالأماني (4) منذ مائتي سنة، قال : وقال يقطين لابنه عليّ بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ قال: فقال له عليّ : إنَّ الّذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أنَّ أمركم حضر، فأعطيتُم مَحْضَه (5)، فكان كما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر، فعللنا بالأماني، فلو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلّا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة النّاس عن الإسلام، ولكن قالوا : ما أسرعه وما أقربه به تألّفاً لقلوب النّاس وتقريباً للفرج.
7 - الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن عليّ، عن إبراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكرنا عنده ملوك آل فلان فقال : إنّما هلك النّاس من استعجالهم لهذا الأمر، إنَّ اللّه لا يعجل لعجلة العباد، إنّ لهذا الأمر (6) غايةً ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا.
ص: 430
139 - باب التمحيص والامتحان (1)
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج وعليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا بويع بعد مقتل عثمان، صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها يقول فيها : ألا إنَّ بليّتكم (2) قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والّذي بعثه بالحقّ لتبلبلن بلبلة (3) ولتغربلن غربلة، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقنَّ سباقون كانوا قصّروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا، واللّه ما كتمت وسمة (4) ولا كذبت كذبة ولقد نبثّت بهذا المقام وهذا اليوم.
2 - محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري عن الحسين بن عليّ، عن أبي المغرا، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب قلت جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال: نفر يسير، قلت : واللّه إن من يصف هذا الأمر (5) منهم لكثير، لكثير، قال : لا بد للناس من أن يمحصوا ويميّزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير.
٣ - محمّد بن يحيى، والحسن بن محمّد عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن جعفر بن محمّد الصيقل عن أبيه، عن منصور قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا منصور إنَّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد أياس (6)، ولا واللّه حتّى تميزوا، ولا واللّه حتّى تمحصوا، ولا واللّه حتّى يشقى (7) من يشقى ويسعد من يسعد.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا
ص: 431
الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : (ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (1) ثمَّ قال لي : ما الفتنة؟ قلت: جعلت فداك الّذي عندنا الفتنة في الدّين (2)، فقال : يُفْتَنون (3) كما يفتن الذهب، ثمَّ قال : يخلصون كما يخلص الذهب
٥ - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن سليمان بن صالح رفعه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إن حديثكم هذا (4) لتشمئز منه قلوب الرجال، فمن أقر به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنّه لا بد من أن يكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة (5) حتّى يسقط فيها من يشقُ الشعر بشعرتين (6)، حتّى لا يبقى إلّا نحن وشيعتنا.
٦ - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن منصور الصيقل عن أبيه قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً وأبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسمع كلامنا، فقال لنا في أي شيء أنتم ؟ هيهات هيهات!! لا واللّه لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتّى تُغَر بلوا، لا واللّه لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتّى تُمَحْصوا، لا واللّه لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتّى تُمَيَّزوا، لا واللّه ما يكون ما تمدُّون إليه أعينكم إلّا بعد أياس، لا واللّه لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد.
١٤٠ - باب أنّه من عرف إمامه لم يَضُرّه تقدَّمَ هذا الأمر (7) أو تأخَّرَ
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت (8) لم يضرك، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر.
ص: 432
٢ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن صفوان بن يحيى عن محمّد بن مروان عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (1) فقال : يا فضيل اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر، ومن عرف إمامه ثمَّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه، قال : وقال بعض أصحابه بمنزلة من استشهد مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
3 - عليّ بن محمّد رفعه، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه _ه :(عَلَيهِ السَّلَامُ): جعلت فداك متى الفرج ؟ فقال : يا أبا بصير وأنت ممّن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره.
٤ - عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن إسماعيل بن محمّد الخزاعي قال : سأل أبو بصير أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا أسمع، فقال : تراني أدرك القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ فقال : يا أبا بصير ألست تعرف إمامك ؟ فقال : إي واللّه وأنت هو - وتناول يده، فقال : واللّه ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبياً (2) بسيفك في ظلّ رواق (3) القائم صلوات اللّه عليه
٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن محمّد بن مروان، عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من مات وليس له إمام (4) فميتته ميتة جاهلية (5)، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره، تقدّم هذا الأمر أو تأخر ومن مات وهو عارف الإمامه، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.
٦ - الحسين بن عليّ العلوي، عن سهل بن جمهور، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن الحسن بن الحسين العربي، عن عليّ بن هاشم عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) :قال ما ضرَّ من مات منتظراً لأمرنا ألا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره.
7 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب،
ص: 433
عن عمر بن أبان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : اعرف العلّامة (1)، فإذا عرفته لم يضرك، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي سلام (2)، عن سَوْرَة بن كليب، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : قول اللّه عزّ وجلّ : (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (3) ؟ قال : من قال : إني إمام وليس بإمام. قال : قلت : وإن كان علويّاً؟ قال: وإن كان علويّاً، قلت وإن كان من ولد عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ قال : وإن كان.
2 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن أبان عن الفضيل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر (4).
٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن الحسين بن المختار قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): جُعِلتُ فداك ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه ؟ قال : كلّ من زعم أنّه إمام وليس بإمام، قلت : وإن كان فاطميّاً علويّاً (5)؟ قال وإن كان فاطمياً علويّاً.
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن داود الحمار (6)، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : ثلاثة لا يكلمهم اللّه القيامة ولا يوم يزكيهم (7) ولهم عذاب أليم : من ادعى إمامة من اللّه ليست له ومن جحد إماماً من اللّه، ومن
ص: 434
زعم أن لهما (1) في الإسلام نصيباً.
٥ _ محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن يحيى أخي أديم، عن الوليد بن صبيح قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول : إنّ هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلّا بتر (2) اللّه عمره.
٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من أشرك مع إمام إمامته من عند اللّه من ليست إمامته من اللّه كان مشركا باللّه (3).
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رجل قال لي : اعرف الآخر من الأئمّة ولا يضرك أن لا تعرف الأوّل (4)، قال : فقال : لعن اللّه هذا، فإنّي أبغضه ولا أعرفه، وهل عُرِف الآخر إلّا بالأوّل.
8 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور عن صفوان، عن ابن مسكان قال : سألت الشيخ (5)، عن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات.(6).
9 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن سعيد، عن أبي وهب(7)، عن محمّد بن منصور قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (8) قال فقال : هل رأيت أحداً زعم أنّ اللّه أمر بالزنا وشرب الخمر أو شيء من هذه المحارم؟ فقلت : لا،
ص: 435
فقال : ما هذه الفاحشة التي يدّعون أنّ اللّه أمرهم بها قلت اللّه أعلم ووليه، قال : فإنّ هذا في أئمة الجور، ادعوا أنّ اللّه أمرهم بالائتمام بقوم لم يأمرهم اللّه بالائتمام بهم، فردّ اللّه ذلك عليهم فأخبر أنّهم قد قالوا عليه الكذب وسمّى ذلك منهم فاحشة.
10 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن أبي وهب عن محمّد بن منصور قال : سألت عبداً صالحاً عن قول اللّه عزّ وجلّ: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (1) قال : فقال : إنَّ القرآن له ظهر وبطن فجميع ما حرَّم اللّه في القرآن هو ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل اللّه تعالى في الكتاب هو الظاهر، الظاهر والباطن من والباطن من ذلك أئمة الحقّ (2).
11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) (3) قال : هم واللّه أولياء فلان وفلان، اتخذوهم أئمة اللّه. دون الإمام الّذي جعله اللّه للناس إماماً، فلذلك قال (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (4) ثمَّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هم واللّه يا جابر أئمّة الظلمة (5) وأشياعهم.
12 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أبي داود المسترق(6)، عن عليّ بن ميمون، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : من ادعى إمامة من اللّه ليست له، ومن جحد إماماً من اللّه، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيباً (7).
ص: 436
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد [عن] ابن أبي نصر، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) (1) قال : يعني من اتخذ دينه رأيه، بغير إمام (2) من أئمة الهدى.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كلّ من دان اللّه بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحيَّر واللّه شانى (3) لأعماله. ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها، فحنّت إليها واغترت بها، فباتت معها في ربضتها (4)، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها، فحنّت إليها واغترت بها، فصاح بها الراعي : الحقي براعيك وقطيعك، فإنّك تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذَعِرةً متحيّرةً نادَّة (5) لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردُّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك واللّه يا محمّد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من اللّه جلَّ وعزَّ ظاهراً عادلاً (6) أصبح ضالاً تائهاً وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ؛ واعلم يا محمّد أنَّ أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه، قد ضلّوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرمادٍ اشتدَّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد.
3 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني أخالط النّاس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم، ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق؟ قال: فاستوى أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً فأقبل عليَّ
ص: 437
كالغضبان، ثمَّ قال : لا دين لمن دان اللّه بولاية إمام جائر ليس من اللّه، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من اللّه، قلت : لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء؟! قال : نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء، ثمَّ قال : ألا تسمع لقول اللّه عزّ وجلّ : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (1) يعني [من] ظلمات الذُّنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل من اللّه. وقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) (2) إنّما عنى بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام، فلما أن تولّوا كلّ إمام جائر ليس من اللّه عزّ وجلّ خرجوا بولايتهم [إيَّاه] من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب اللّه لهم النار مع الكفّار، ف_ (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (3).
٤ - وعنه، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال اللّه تبارك وتعالى : لأعذبنَّ كلّ رعيّة (4) في الإسلام دانت (5) بولاية كلّ إمام جائر ليس من اللّه، وإن كانت الرّعيّة في أعمالها برَّة (6) تقيّة ؛ ولأعفون عن كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من اللّه وإن كانت الرّعيّة في أنفسها ظالمة مسيئة.
٥ _ عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور (7)، عن أبيه، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : إِنَّ اللّه لا يستحيي (8) أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من اللّه وإن كانت في أعمالها برة تقيّة، وإنَّ اللّه ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من اللّه وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة.
١٤٣ - باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى وهو من الباب الأوّل (9)
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن
ص: 438
أحمد بن عائذ، عن ابن أذينة (1)، عن الفضيل بن يسار قال : ابْتَدَ أنا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً وقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهليّة، فقلت: قال ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقال : إي واللّه قد قال قلت : فكل من مات وليس (2) له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ ! قال : نعم.
٢ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء قال : حدَّثني عبد الكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة، قال (3) : قلت : ميتة كفر ؟ قال : ميتة ضلال، قلت : فمن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ فقال : نعم.
٣ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة؟ قال نعم قلت : جاهليّة جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه (4)؟ قال جاهليّة كفر ونفاق وضلال (5).
٤ - بعض أصحابنا، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن مالك بن عامر، عن المفضّل بن زائدة عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من دان اللّه بغير سماع عن صادق ألزمه اللّه - البتة (6) - إلى العناء، ومن ادعى سماعاً من غير الباب الّذي فتحه اللّه فهو مشركٌ وذلك الباب المأمون على سرّ اللّه المكنون.
ص: 439
١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن سلیمان بن جعفر قال : سمعت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ عليّ بن عبد الله(1) بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وامرأته وبنيه من أهل الجنة، ثمَّ قال : من عرف هذا الأمر من ولد علي وفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) لم يكن كالنّاس (2).
2 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد قال : حدَّثني الوشّاء قال : حدَّثنا أحمد بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني عمّن عاندك ولم يعرف حقك من ولد فاطمة؟ هو وسائر النّاس سواء في العقاب؟ فقال : كان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عليهم ضعفا العقاب (3).
3 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن راشد قال : حدَّثنا عليّ بن إسماعيل الميثمي قال : حدَّثنا ربعي بن عبد اللّه قال : قال لي عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنكر لهذا الأمر من بني هاشم وغيرهم سواء؟ فقال لي : لا تقل : المنكر، ولكن قل : الجاحد (4) من بني هاشم وغيرهم، قال أبو الحسن : فتفكرت [فيه] فذكرت قول اللّه عزّ وجلّ في إخوة يوسف : (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (5).
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر قال: سألت الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قلت له : الجاحد منكم (6) ومن غيركم سواء ؟ فقال : الجاحد منا له ذنبان والمحسن له حسنتان
ص: 440
1 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا حدث على الإمام حدثٌ (1)، كيف يصنع الناس؟ قال: أين قول اللّه عزّ وجلّ : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (2) قال : هُم في عذر (3) ما داموا في الطلب وهؤلاء الّذين ينتظرونهم في عذر، حتّى يرجع إليهم أصحابهم.
2 - عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرَّحمن قال: حدَّثنا حماد، عن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول العامّة : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة، فقال: الحقّ واللّه قلت : فإن إماماً هلك ورجلٌ بخراسان لا يعلم من وصيّه لم يسعه ذلك ؟ قال : لا يسعه إن الإمام إذا هلك وقعت حجّة وصيه على من هو معه في البلد وحقُّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم (4)، إنَّ اللّه عزّ وجلّ يقول : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قلت : فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم؟ قال : إن اللّه جل وعزَّ يقول : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (5). قلت : فبلغ البلد بعضهم فوجدك مغلقاً عليك بابك، ومُرخى عليك سترك (6)، لا تدعوهم إلى نفسك ولا يكون من يدلّهم عليك فيما يعرفون ذلك؟ قال : بكتاب اللّه المنزل، قلت : فيقول اللّه جل وعزَّ كيف؟ قال : أراك قد تكلمت في هذا قبل اليوم قلت: أجل، قال : فذكر ما أنزل اللّه في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وما قال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حسن وحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وما خص اللّه به عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وما قال فيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من وصيّته إليه ونصبه إياه وما يصيبهم، وإقرار الحسن والحسين بذلك ووصيّته إلى السحن وتسليم الحسين له بقول اللّه : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
ص: 441
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (1). قلت فإنَّ النّاس تكلّموا. في أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويقولون : كيف تخطت (2) من ولد أبيه من له مثل قرابته ومن هو أسن منه وقصرت عمّن هو أصغر منه، فقال : يُعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره : هو أولى النّاس بالّذي قبله، وهو وصيه، وعنده سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووصيته وذلك عندي، لا أنازع فيه قلت : إن ذلك مستور (3) مخافة السلطان؟ قال : لا يكون في ستر إلّا وله حجّة ظاهرة، إنَّ أبي استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال : أدْعُ لي شهوداً فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر قال : اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه : (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (4). وأوصى محمّد بن عليّ إلى ابنه جعفر بن محمّد وأمره أن يكفنّه في بُرده الّذي كان يصلّي فيه الجُمَع وأن يعممه بعمامته، وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع، ثمَّ يخلّي عنه (5)، فقال : اطووه (6)، ثمَّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم اللّه، فقلت بعدما انصرفوا ما كان في هذا يا أبت أن تشهد عليه ؟ فقال : إنّي كرهت أن تغلب وأن يقال : إنّه لم يوص فأردت أن تكون لك حجّة فهو الّذي إذا قدم الرَّجل البلد قال : مَن وصيٌّ فلان، قيل فلان، قلت: فإن أشرك في الوصيّة؟ قال: تسألونه فإنّه سيبين لكم(7).
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أصلحك اللّه بلغنا شكواك (8) وأشفقنا، فلو أعلمتنا أو علّمتنا من (9)؟ قال : إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان عالماً والعلم يتوارث، فلا يهلك عالم إلّا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء اللّه، قلت : أفيسع النّاس إذا مات العالم ألا يعرفوا الّذي بعده؟ فقال: أما أهل هذه البلدة
ص: 442
فلا _ يعني المدينة، المدينة -، وأما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم(1)، إنَّ اللّه يقول، إِنَّ اللّه يقول : (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدّين ولينذر وا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). قال : قلت : أرأيت من مات في ذلك(2) فقال : هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ثمَّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه، قال : قلت : فإذا قدموا بأي شيء يعرفون صاحبهم ؟ قال : يعطى السكينة والوقار (3) والهيبة (4).
١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن أبي جرير (5) القميّ قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمَّ إليك، ثمَّ حلفت له : وحقّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه بأنه لا يخرج مني ما تخبرني به إلى أحد من الناس؛ وسألته عن أبيه أحي هو أو ميت؟ فقال قد واللّه مات، فقلت : جعلت فداك إنّ شيعتك يروون : أنّ فيه سنة أربعة أنبياء قال : قد واللّه الّذي لا إله إلّا هو هلك، قلت: هلاك غيبة أو هلاك موت؟ قال: هلاك موت، فقلت : لعلك مني في تقية؟ فقال سبحان اللّه، قلت : فأوصى إليك؟ قال : نعم قلت فأشرك معك فيها (6) أحداً؟ قال : لا، قلت: فعليك من إخوتك إمام؟ قال : لا قلت فأنت الإمام؟ قال : نعم.
2 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال: قلت للرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رجلاً عنى (7) أخاك إبراهيم، فذكر له أنّ أباك في الحياة، وأنك تعلم من ذلك ما يعلم فقال سبحان اللّه يموت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا يموت موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) (8) قد واللّه مضى كما
ص: 443
مضى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولكن اللّه تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هلم جراً يمن بهذا الدّين (1) على أولاد الأعاجم ويصرفه عن قرابة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هلم جراً فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء، لقد قضيت عنه (2) في هلال ذي الحجّة ألف دينار بعد أن أشفى (3) على طلاق نسائه وعتق ممالیکه (4). ولكن قد سمعت ما لقي يوسف من إخوته.
3 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)(5) : إنهم رووا عنك في موت أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6) أنَّ رجلاً قال لك : علمت ذلك بقول سعيد (7)، فقال : جاء سعيد بعدما علمت به (8) قبل مجيئه (9)، قال : وسمعته يقول طلقت أم فروة بنت إسحاق (10) في رجب بعد موت أبي الحسن بيوم، قلت : طلقتها وقد علمت بموت أبي الحسن؟ قال : نعم قلت قبل أن يقدم عليك سعيد؟ قال: نعم
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن صفوان قال : قلت للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني عن الإمام متى يعلم أنّه إمام؟ حين يبلغه أن صاحبه قد مضى أو حين يمضي (11)؟ مثل أبي الحسن قبض ببغداد وأنت ههنا، قال : يعلم ذلك حين يمضي صاحبه قلت بأي شيء؟ قال : يلهمه اللّه (12).
٥ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن أبي الفضل الشهباني، عن هارون بن الفضل قال: رأيت أبا الحسن عليّ بن محمّد في اليوم الّذي توفّي فيه أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : : إنا
ص: 444
للَّه وإنا إليه راجعون، مضى أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقيل له : وكيف عرفت؟ قال : لأنه تداخلني (1) ذلّة للّه لم أكن أعرفها.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن مسافر (2) قال: أمر أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أخرج به _ أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن ينام على بابه في كلّ ليلة أبداً ما كان حيّاً إلى أن يأتيه خبره قال : فكنا في كلّ ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز (3)، ثمَّ يأتي بعد العشاء فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله، قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنه وفُرِشَ له فلم يأتي كما كان يأتي، فاستوحش العيال وذعر وا، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه، فلما كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال وقصد إلى أمّ أحمد فقال لها ؛ هات التي أودعك أبي فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها وقالت مات واللّه سيّدي، فكفّها وقال لها : لا تكلمي بشيء ولا تظهريه، حتّى يجيىء الخبر إلى الوالي، فأخرجت إليه سَفَطاً (4) وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره وقالت : إنّه قال لي فيما بيني وبينه وكانت أثيرة (5) عنده : احتفظي بهذه الوديعة عندك، لا تطلعي عليها أحداً حتّى أموت، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه واعلمي أني قد متّ وقد جاءني واللّه علامة سيدي، فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك (6) جميعاً إلى أن ورد الخبر، وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل فما لبثنا إلّا أياماً يسيرة حتّى جاءت الخريطة(7) بنعيه فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت فإذا هو قد مات في الوقت الّذي فعل أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فعل، من تخلّفه عن المبيت وقبضه لما قبض.
ص: 445
١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكان عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين تكلّم في المهد حجّة [ا] اللّه على أهل زمانه؟ فقال : كان يومئذ نبيّاً حجّة [ا] اللّه غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (1). قلت : فكان يومئذ حجّة اللّه على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للنّاس ورحمة من اللّه لمريم حين تكلّم فعبر عنها، وكان نبياً حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثمَّ صمت فلم يتكلّم حتّى مضت له سنتان، وكان زكريا الحجّة اللّه عزّ وجلّ على النّاس بعد صمت عيسى بسنتين، ثمَّ مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عزّ وجلّ : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (2) فلما بلغ عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) سبع سنين تكلم بالنبوّة والرسالة حين أوحى اللّه تعالى إليه، فكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى النّاس أجمعين، وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجّة اللّه على النّاس منذ يوم خلق اللّه آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأسكنه الأرض، فقلت: جعلت فداك : أكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حجّة من اللّه ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقال : نعم يوم أقامه للناس ونصبه علماً ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته، قلت : وكانت طاعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واجبة على النّاس في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبعد وفاته؟ فقال : نعم ولكنه صمت فلم يتكلّم مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وكانت الطاعة لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أمته وعلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وكانت الطاعة من اللّه ومن رسوله على النّاس كلهم لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حكيماً عالماً (3).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): قد كنا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكنت تقول : يهب اللّه لي غلاماً،
ص: 446
فقد وهب اللّه لك فقرَّ عيوننا، فلا أرانا اللّه يومك، فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبى جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! قال : وما يضره من ذلك شيء، قد قام عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين(1).
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إنّهم يقولون في حداثة سنك(2)، فقال : إِنَّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى اللّه إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن خذ عصا المتكلمين (3): وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليها بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة فأخبرهم داود، فقالوا : قد رضينا وسلّمنا.
٤ - عليّ بن محمّد وغيره عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد، عن مصعب، عن مسعدة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال أبو بصير : دخلت إليه ومعي غلام خماسي (4) لم يبلغ، فقال لي : كيف أنتم إذا احتج عليكم (5) بمثل سنه [ أو قال : سيلي عليكم بمثل سنه ].
5 - سهل بن زياد عن عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألته - يعني أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) - عن شيء من أمر الإمام فقلت يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال : نعم وأقل من خمس سنين، فقال سهل : فحدَّثني عليّ بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين ومائتين.
٦ - الحسين بن محمّد، عن الخيراني (6)، عن أبيه قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخراسان فقال له :قائل يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال : إلى أبي جعفر ابني، فكأنّ القائل استصغر سن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) رسولاً نبياً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الّذي فيه أبو جعفر (7).
ص: 447
7 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال : رأيت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد خرج عَلَيَّ فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتّى قعد فقال : يا علي : إنّ اللّه احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوّة فقال : (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (1). (و لما بَلَغَ أَشُدَّهُ) (2). (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (3) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال : قال عليّ بن حسّان لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سيدي إنَّ النّاس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال : وما ينكرون من ذلك قول اللّه عزّ وجلّ؟ لقد قال اللّه عزّ وجلّ لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (4) فواللّه ما تبعه إلّا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين.
١ - الحسين بن محمّد، عن معلی بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره(5)، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إنهم يحاجونا (6) يقولون : إنّ الإمام لا يغسله إلّا الإمام (7) قال : فقال : ما يدريهم من غسله؟ فما قلت لهم؟ قال: فقلت: جعلت فداك قلت لهم ؛ إن قال إنّه غسله تحت عرش ربّي فقد صدق وإن قال : غسله في تخوم الأرض فقد صدق. قال : لا هكذا [قال] فقلت : فما أقول لهم؟ قال : قل لهم : إنّي غسلته، فقلت : أقول لهم إنّک غسلته؟ فقال : نعم.
٢ - الحسين بن محمّد عن معلی بن محمّد، عن محمّد بن جمهور قال : حدَّثنا أبو معمر قال : سألت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإمام يغسله الإمام، قال : سنة موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ)(8).
ص: 448
3 - وعنه، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن يونس، عن طلحة قال قلت للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ الإمام لا يغسله إلّا الإمام ؟ فقال : أما تدرون من حضر لغسله(1)، قد حضره خير ممّن غاب عنه : الّذين حضروا يوسف في الجبّ (2) حين غاب عنه أبواه وأهل بيته.
1 - عليّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إسحاق العلوي، عن محمّد بن زيد الرزامي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : حججنا مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما نزلنا الأبواء (3) وضعَ لنا الغداء، وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال : فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له : إن حميدة تقول : قد أنكرت نفسي (4) وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي، وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا، فقام أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانطلق مع الرسول، فلما انصرف قال له أصحابه : سرك اللّه وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟ قال سلّمها اللّه وقد وهب لي غلاماً، وهو خير من برأ اللّه في خلقه (5)، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها، فقلت : جعلت فداك وما الّذي أخبرتك به حميدة عنه ؟ قال : ذكرت أنّه سقط من بطنها حين سقط واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمارة الوصي من بعده (6)، فقلت : جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمارة الوصي من بعده؟ فقال لي : إنّه لمّا كانت الليلة التي علق فيها (7) بجدّي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرقُ من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدّي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي، أتى آت جدي فسقاه كما سقى جدَّ أبي وأمره بمثل الّذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، ولمّا أن كانت الليلة التي علق فيها بي، أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالّذي أمرهم به فقام
ص: 449
فجامع فعلق بي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم فقمت بعلم اللّه وإنّي مسرور بما يهب اللّه لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود فدونكم فهو واللّه صاحبكم من بعدي، إنّ نطفة الإمام ممّا أخبرتك، وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشيء فيها الروح بعث اللّه تبارك وتعالى ملكاً يقال له : حيوان، فكتب(1) على عضده الأيمن (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (2). وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء. فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كلّ علم اللّه أنزله من السماء إلى الأرض، وأما رفعه رأسه إلى السماء فإنَّ منادياً ينادي به من بطنان العرش من قِبَل ربّ العزّة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول : يا فلان بن فلان أُثْبَتْ تُثبت (3)، فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خَلْقي، وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحبي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثمَّ وعزَّتي وجلالي لأصْلِيَنَّ من عاداك أشد عذابي، وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصوت - صوت المنادي - أجابه هو واضعاً يديه رافعاً رأسه إلى السماء يقول (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (4). قال : فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل والعلم الآخر (5)، واستحقَّ زيارة الروح في ليلة القدر، قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟ قال: الروح هو أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة وإنّ الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول اللّه تبارك وتعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ) (6).
محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين عن أحمد بن الحسن، عن المختار بن زياد عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير مثله.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن الحسن بن راشد قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه تبارك وتعالى إذا أحب أن يخلق الإمام أمر ملكاً فأخذ شربة من ماء تحت العرش، فيسقيها أباه فمن ذلك يُخْلَقُ
ص: 450
الإمام، فيمكث أربعين يوماً وليلة في بطن أمه لا يسمع الصوت، ثمَّ يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا وُلِدَ بَعَثَ ذلك الملك فيكتب بين عينيه (1): (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فإذا مضى الإمام الّذي كان قبله رفع لهذا منار من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق، فبهذا (2) يحتج اللّه على خلقه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن يونس بن ظبيان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام، بعث ملكاً فأخذ شربة من ماء تحت العرش، ثمَّ أوقعها أو دفعها (3) إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرحم أربعين يوماً لا يسمع الكلام، ثمَّ يسمع الكلام بعد ذلك، فإذا وضعته أمه بعث اللّه إليه ذلك الملك الّذي أخذ الشّربة فكتب على عضده الأيمن : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ). فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كلّ بلدة مناراً (4) ينظر به إلى أعمال العباد.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن الربيع بن محمّد المسلي، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ الإمام ليسمع في بطن أمّه، فإذا ولد خطّ بين كتفيه (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فإذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عموداً من نور، يبصر به ما يعمل أهل كلّ بلدة
٥ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن ابن مسعود، عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري قال : سمعت إسحاق بن جعفر يقول : سمعت أبي يقول : الأوصياء إذا حملت بهم أمهاتم أصابها (5) فترة شبه الغشية (6)، فأقامت في ذلك يومها ذلك إن كان نهاراً، أو ليلتها إن كان ليلاً، ثمَّ ترى في منامها رجلا يبشرها بغلام، عليم، حليم، فتفرح لذلك، ثمَّ تنتبه من نومها، فتسمع من جانبها الأيمن في جانب البيت صوتاً
ص: 451
يقول : حملت بخير وتصيرين إلى خير وجئتِ بخير أبشري بغلام حليم عليم، وتجد خفّة في بدنها ثمَّ لم تجد بعد ذلك امتناعاً (1) من جنبيها وبطنها فإذا كان التاسع من شهرها سمعت في البيت حسّاً شديداً، فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلّا أبوه، فإذا ولدته ولدته قاعداً، وتفتحت له (2) حتّى يخرج متربعاً يستدير بعد وقوعه إلى الأرض، فلا يخطىء القبلة حيث كانت بوجهه، ثمَّ يعطس ثلاثاً يشير بأصبعه بالتحميد ويقع مس مسروراً(3) مختونا(4) ورباعيناه (5) من فوق وأسفل وناباه وضاحكاه ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور، ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهباً (6)، وكذلك الأنبياء إذا ولدوا وإنما الأوصياء أعلاق من الأنبياء.
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن دراج قال: روى غير واحد من أصحابنا أنّه قال : لا تتكلموا في الإمام فإنّ الإمام يسمع الكلام وهو في بطن أمه فإذا وضعته كتب الملك بين عينيه (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فإذا قام بالأمر رُفِعَ له في كلّ بلدة منار ينظر منه إلى أعمال العباد.
7 _ عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد قال : كنت أنا وابن فضّال (7) جلوساً إذ أقبل يونس فقال : دخلت على أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : جعلت فداك قد أكثر النّاس في العمود (8)، قال : فقال لي : يا يونس ما تراه أتراه عموداً من حديد يرفع لصاحبك (9)؟ قال : قلت : ما أدري، قال : لكنه ملك موكَّل بكل بلدة يرفع اللّه به أعمال تلك البلدة، قال: فقام ابن فضّال فقبل رأسه وقال : رحمك اللّه يا أبا محمّد (10) لا تزال تجيىء بالحديث الحقّ الّذي يفرج اللّه به عنا.
ص: 452
8 - عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن ابن أبي عمير، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : للإمام عشر علامات يولد مطهراً، مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يُجنب (1)، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ولا يتثاب ولا يتمطى، ويرى من، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كانت عليه وفقاً(2)، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه.
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه خلقنا من عليّين (3)، وخلق أرواحنا من فوق ذلك (4) وخلق أرواح شيعتنا من علّيين وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحنّ إلينا.
2 - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن شعيب عن عمران بن إسحاق الزعفراني، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : إنَّ اللّه خلقنا من نور عظمته (5)، ثمَّ صوّر خلقنا (6) من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين، لم يجعل لأحد في مثل الّذي خلقنا منه نصيباً، وخلق أرواح شعيتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة، ولم يجعل اللّه لأحد في مثل الّذي خلقهم منه نصيباً إلّا للأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم : النّاس (7)، وصار سائر النّاس همج (8)، للنار وإلى النار.
ص: 453
3 - عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن حسان ؛ ومحمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب وغيره، عن عليّ بن حسان، عن عليّ بن عطية، عن عليّ بن رئاب رفعه إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ للّه نهراً دون عرشه، ودون النهر الّذي دون عرشه نور نوره، وإِنَّ في حافتي النهر روحين مخلوقين : روح القدس وروح من أمره، وإِنَّ اللّه عشر طينات، خمسة من الجنّة وخمسة من الأرض، ففسّر الجنان وفسّر الأرض، ثمَّ قال : ما من نبي ولا ملك من بعده جبله إلّا نفخ فيه من إحدى الروحين، وجعل النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من إحدى الطينتين. قلت لأبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما الجَبْل فقال : الخَلْقُ غيرنا أهل البيت، فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلقنا من العشر طينات ونفخ فينا من الرُّوحين جميعاً فأطيب بها طيباً.
وروى غيره، عن أبي الصامت قال: طين الجنان جنّة عدن وجنة المأوى وجنّة النعيم والفردوس والخُلد. وطين الأرض : مكّة والمدينة والكوفة وبيت المقدس والحائر (1).
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن أبي نهشل قال : حدَّثني محمّد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت ممّا خلقنا، ثمَّ تلا هذه الآية : (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (2). وخلق عدونا من سجين(3) وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه، ثمَّ تلا هذه الآية : (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ) (4).
1 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن سنان، عن ابن مسكان
ص: 454
عن سدير قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني تركت مواليك (1) مختلفين (2) يتبرء بعضهم من بعض قال : فقال : وما أنت وذاك (3)، إنّما كلّف النّاس ثلاثة : معرفة الأئمّة، والتسليم لهم (4) فيما ورد عليهم، والرَّدُّ إليهم فيما اختلفوا فيه.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه الكاهلي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لو أنَّ قوماً عبدوا اللّه وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان، ثمَّ قالوا لشيء صنعه اللّه أو صنعه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ألا صنع خلاف الّذي صنع(5)، أو وجدوا (6) ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين (7)، ثمَّ تلا هذه الآية (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (8) ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عليكم بالتسليم.
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : إنَّ عندنا رجلاً يقال له كُلَيْب، فلا يجيء عنكم شيء إلّا قال: أنا أسلّم، فسميناه كليب تسليم، قال : فترحم عليه، ثمَّ قال : أتدرون ما التسليم ؟ فسكتنا، فقال: هو واللّه الإخبات(9)، قول اللّه عزّ وجلّ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ) (10).
٤ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تبارك وتعالى : ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْله فيها حُسْناً) (11)
ص: 455
قال: الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وألا يكذب علينا.
٥ - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن ه عبد الحميد، عن منصور بن يونس عن بشير الدهان عن كامل التمار قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (1) أتدري من هم؟ قلت أنت أعلم، قال: قد أفلح المؤمنون المسلمون، إنَّ المسلمين هم النجباء (2)، فالمؤمن غريب (3) فطوبى للغرباء.
٦ - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن الخشاب، عن العبّاس بن عامر، عن ربيع المسلي، عن يحيى بن زكريا الأنصاري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : من سرّه أن يستكمل الإيمان كله فليقل : القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني (4).
7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أو بريد(5)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : لقد خاطب اللّه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كتابه قال: قلت: في أي موضع ؟ قال : في قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فيما تعاقدوا عليه لئن أمات اللّه محمّداً ألا يردُّوا هذا الأمر في بني هاشم (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ (عليهم من القتل أو العفو) وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (6).
8 - أحمد بن مهران رحمه اللّه، عن عبد العظيم الحسني، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن عقبة، عن الحكم بن أيمن عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (7) إلى آخر الآية قال : هم المسلّمون لآل محمّد، الّذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه جاؤوا به كما سمعوه.
ص: 456
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نظر إلى النّاس يطوفون حول الكعبة، فقال : هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنّما أمروا أن يطوفوا بها، ثمَّ ينفروا إلينا فَيُعْلِمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم، ثمَّ قرأ هذه الآية (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (1).
2 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن داود بن النعمان عن أبي عبيدة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) - ورأى النّاس بمكّة وما يعملون _ قال فقال : فعال كفعال الجاهليّة، أما واللّه ما أمروا بهذا (2)، وما أمروا إلّا أن يقضوا تَفْتَهُم (3) وليوفوا نذورهم فيمروا بنا فيخبرونا بولايتهم ويَعْرِضُوا علينا نصرتهم.
٣ - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال جميعاً، عن أبي جميلة عن خالد بن عمّار عن سدير قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو داخل وأنا خارج (4) وأخذ بيدي، ثمَّ استقبل البيت فقال : يا سدير: إنّما أمر النّاس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثمَّ يأتونا فَيُعْلِمونا ولا يتهم لنا، وهو قول اللّه : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (5) _ ثمَّ أومأ بيده إلى صدره - إلى ولايتنا. ثمَّ قال : يا سدير : فأريك الصادّين عن دين اللّه (6)، ثمَّ نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حِلَقٌ (7) في المسجد، فقال : هؤلاء الصادون عن دين اللّه بلا هدى من اللّه ولا كتاب مبين، إنَّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال النّاس فلم يجدوا
ص: 457
أحداً يخبرهم عن اللّه تبارك وتعالى وعن رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى يأتونا فنخبرهم عن اللّه تبارك وتعالى وعن رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (1).
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن مسمع كردين البصريّ قال : كنت لا أزيد على أكلة بالليل والنهار، فربّما استأذنت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأجد المائدة قد رفعت لعلّي لا أراها بين يديه (2)، فإذا دخلت دعا بها فأصيب معه من الطعام ولا أتأذى بذلك، وإذا عقبت بالطعام عند غيره لم أقدر على أن أقر ولم أنم من النفخة(3)، فشكوت ذلك إليه وأخبرته بأنّي إذا أكلت عنده لم أتأذَّبه، فقال : يا أبا سيّار إنّک تأكل طعام قوم صالحين، تصافحهم الملائكة على فرشهم قال قلت ويظهرون لكم؟ قال : فمسح يده على بعض صبيانه فقال: هم الطف بصبياننا (4) منا بهم.
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن القاسم، عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال : يا حسين - وضرب بيده إلى مساور (5) في البيت - مساور (6) طال ما اتكت عليها الملائكة وربما التقطنا من زَغَبها (7).
3 - محمّد عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم قال : حدَّثني مالك بن عطية الأحمسي، عن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت على عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاحتبست (8) في الدار ساعة، ثمَّ دخلت البيت وهو (9) يلتقط شيئاً وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في
ص: 458
البيت فقلت جُعِلْتُ فداك : هذا الّذي أراك تلتقطه أي شيء هو؟ فقال: فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا (1)، نجعله سَيْحاً(2) لأولادنا، فقلت: جعلت فداك وإنهم ليأتونكم ؟ فقال : يا أبا حمزة إنّهم ليزاحمونا على تكأتنا (3).
٤ - محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن أسلم، عن بن أسلم عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : ما من ملك يهبطه اللّه في أمر ما يهبطه إلّا بدأ بالإمام، فعرض ذلك عليه، وإن مختلف الملائكة من عند اللّه تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر
١ - بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ، عن يحيى بن مساور، عن سعد الأسكاف قال : أتيت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بعض ما أتيته فجعل يقول : لا تعجل (4) حتّى حميت الشمس عليَّ وجعلت أتتبع الأفياء، فما لبث أن خرج علي قوم كأنّهم الجراد الصفر(5)، عليهم البتوت(6) قد انتهكتهم العبادة، قال: فواللّه لأنساني ما كنت فيه من حسن هيئة القوم، فلما دخلت عليه قال لي : أراني قد شققت عليك، قلت : أجل واللّه لقد أنساني ما كنت فيه قوم مروا بي لم أر قوماً أحسن هيئة منهم في زي رجل واحد كأنَّ ألوانهم الجراد الصفر، قد انتهكتهم العبادة(7) فقال : يا سعد رأيتهم؟ قلت : نعم. قال أولئك إخوانك من الجنّ، قال : فقلت : يأتونك؟ قال : نعم يأتونا يسألونا عن معالم دينهم وحلالهم وحرامهم.
2 - عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن عليّ بن حسّان، عن إبراهيم بن إسماعيل عن ابن جبل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كنا ببابه فخرج علينا قوم أشباه الزط (8). عليهم أزر
ص: 459
وأكسية، فسألنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنهم، فقال : هؤلاء إخوانكم من الجن.
3 - أحمد بن إدريس ؛ ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن ابن فضّال عن بعض أصحابنا، عن سعد الأسكاف قال : أتيت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أريد الإذن عليه، فإذا رحال إبل على الباب مصفوفة، وإذا الأصوات قد ارتفعت ثمَّ خرج قوم معتمين بالعمائم يشبهون الرُّط، قال : فدخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : جعلت فداك أبطأ إذنك علي اليوم ورأيت قوماً خرجوا علي معتمين بالعمائم فأنكرتهم (1) فقال : أوتدري من أولئك يا سعد ؟ قال : قلت: لا، قال : فقال : أولئك إخوانكم من الجنّ يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن إبراهيم بن أبي البلاد عن سدير الصيرفي قال : أوصاني أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بحوائج له بالمدينة فخرجت، فبينا أنا بين فخ الروحاء(2) على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبه (3) قال : فملت إليه وظننت أنّه عطشان فناولته الأداوة (4) فقال لي : لا حاجة لي بها وناولني كتاباً طينه رطب، قال: فلما نظرت إلى الخاتم إذا خاتم أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقلت : متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال : الساعة، وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها، ثمَّ التفت فإذا ليس عندي أحدٌ(5)، قال : ثمَّ قدم أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلقيته، فقلت: جعلت فداك رجل أتاني بكتابك وطينه رطب. فقال : يا سدير إنّ لنا خدماً من الجن فإذا أردنا السرعة بعثناهم.
وفي رواية أخرى قال : إنّ لنا أتباعاً من الجنّ كما أنَّ لنا أتباعاً من الإنس فإذا أردنا أمراً بعثناهم.
5 - عليّ بن محمّد ؛ ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عمّن ذكره، عن محمّد بن
جَحْرَش قال : حدثتني حكيمة بنت موسى (6) قالت : رأيت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقفاً على باب بيت الحطب وهو يناجي ولست أرى أحداً فقلت يا سيدي لمن تناجي؟ فقال : هذا عامر الزهرائي (7) أتاني يسألني ويشكو إلي، فقلت : يا سيدي أحب أن أسمع كلامه فقال لي : : إنّک
ص: 460
إن سمعتِ به حُمِمتِ سنة، فقلت : يا سيدي أحب أن أسمعه، فقال لي : اسمعي، فاستمعت فسمعت شبه الصفير وركبتني الحمّى فحممت سنة.
٦ - محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان، عن إبراهيم بن أيّوب، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنبر، إذ أقبل تعبان من ناحية باب من أبواب المسجد(1)، فهم النّاس أن يقتلوه، فأرسل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن كُفّوا فكفّوا. وأقبل الثعبان ينساب (2) حتّى انتهى إلى المنبر فتطاول فسلّم على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأشار أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه أن يقف حتّى يفرغ من خطبته، ولما فرغ من خطبته أقبل عليه فقال : من أنت؟ فقال : عمرو بن عثمان خليفتك على الجنّ، وإنَّ أبي مات وأوصاني أن آتيك فأستطلع رأيك، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين فما تأمرني به وما ترى؟ فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوصيك بتقوى اللّه وأن تنصرف فتقوم مقام أبيك في الجنّ، فإنّك خليفتي عليهم، قال : فودَّع عمر و أمير المؤمنين وانصرف فهو خليفته على الجنّ، فقلت له : جعلت فداك فيأتيك عمر و وذاك الواجب عليه ؟ قال : نعم.
7 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن محمّد بن أورمة عن أحمد بن النضر عن، عن النعمان بن بشير قال: كنت مزاملاً لجابر بن يزيد الجعفي، فلما أن كنا بالمدينة، دخل على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فودعه وخرج من عنده وهو مسرور، حتّى وردنا الأخي_رجة _ أول منزل نعدل من فيد(3) إلى المدينة - يوم جمعة فصلينا الزوال، فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم (4) معه كتاب، فناوله جابراً فتناوله فقبله ووضعه على عينيه وإذا هو: من محمّد بن عليّ إلى جابر بن يزيد، وعليه (5) طين أسود رطب فقال له : متى عهدك بسيدي ؟ فقال : الساعة. فقال له : قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ فقال: بعد الصلاة، ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتّى أتى على آخره، ثمَّ أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكاً ولا مسروراً حتّى وافي الكوفة، فلما وافينا الكوفة ليلاً بتُ ليلتي، فلما أصبحت أتيته إعظاماً له فوجدته قد خرج علي وفي عنقه
ص: 461
كعابٌ، قد علّقها وقد ركب قصبة وهو يقول: «أجد منصور (1) بن جمهور أميراً غير مأمور» وأبياتاً من نحو هذا، فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل لي شيئاً ولم أقل له وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع علي وعليه الصبيان والناس، وجاء حتّى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون : جُنَّ جابر بن يزيد جُنّ، فواللّه ما مضت الأيام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن أنظر رجلاً يقال له : جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أَصْلَحَكَ اللّه كان رجلاً له علم وفضل وحديث، وحج فجُنَّ، وهو ذا في الرحبة (2) مع الصبيان على القصب يلعب معهم. قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب، فقال الحمد للّه الّذي عافاني من قتله، قال: ولم تمض الأيام حتّى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر.
١ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور، عن فضل الأعور، عن أبي عبيدة الحذاء قال: كنا زمان أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين قبض، نتردد كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي: يا أبا عبيدة مَنْ إمامك ؟ فقلت أئمتي آل محمّد. فقال : هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليّة؟ فقلت : بلى لعمري، ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرزق اللّه المعرفة، فقلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ سالماً قال لي كذا وكذا، قال : فقال : يا أبا عبيدة : إنّه لا يموت مناميت حتّى يخلّف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعا إليه، يا أبا عبيدة إنّه لم يمنع ما أعطي داود أن أعطي سليمان، ثمَّ قال : يا أبا عبيدة : إذا قام قائم آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بيّنة (3).
ص: 462
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبان قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا تذهب الدنيا حتّى يخرج رجل منّي يحكم بحكومة آل داود ولا يسأل بيِّنة، يعطي كلّ نفس حقها.
3 - محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بما تحكمون إذا حكمتم ؟ قال : بحكم اللّه وحكم(1) داود فإذا ورد علينا الشيء الّذي ليس عندنا، تلقانا به روح القدس.
٤ - محمّد بن أحمد، عن محمّد بن خالد عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عمران بن أعين، عن جُعَيد الهمداني، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: سألته بأي حكم تحكمون؟ قال: حكم آل داود، فإن أعيانا (2) شيء تلقانا به روح القدس.
5 - أحمد بن مهران رحمه اللّه، عن محمّد بن عليّ عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما منزلة الأئمّة (3)؟ قال : كمنزلة ذي القرنين وكمنزلة يوشع وكمنزلة آصف صاحب سليمان قال: فيما تحكمون؟ قال: بحكم اللّه وحكم آل داود وحكم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويتلقانا به روح القدس.
١٥٦ - باب أن مستقى (4) العلم من بيت آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب قال : حدَّثنا يحيى بن عبد اللّه أبي الحسن صاحب الدّيلم (5) قال : سمعت جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول - وعنده أناس من أهل الكوفة - : عجباً للناس إنّهم أخذوا علمهم كله عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فعملوا به واهتدوا ويرون أنَّ أهل بيته لم يأخذوا علمه، ونحن أهل بيته وذريته في منازلنا نزل الوحي، ومن عندنا
ص: 463
خرج العلم إليهم، أفيرون أنهم علموا واهتدوا وجَهِلْنا نحن وضَلَلْنا، إنّ هذا لمُحال (1).
2 - علىّ بن محمّد بن عبد اللّه عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حماد، عن صباح المُزَني، عن الحارث بن حصيرة عن الحكم بن عتيبة قال: لقي رجل الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالثعلبية (2) وهو يريد كربلا، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال ل_ه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل الكوفة قال أما واللّه يا أخا أهل الكوفة : لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من دارنا (3) ونزوله بالوحي على جدّي، يا أخا أهل الكوفة : أفمستقى النّاس العلم من عندنا فعَلِموا وجَهِلْنا؟! هذا ما لا يكون.
1 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ليس عند أحد من النّاس حق ولا صواب، ولا أحدٌ من النّاس يقضي بقضاء حق، إلّا ما خرج منا أهل البيت، وإذا تشعبت (4) بهم (5) الأمور كان الخطأ منهم والصواب من علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6).
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن مثنى، عن زرارة قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : س«لوني (7) عما شئتم فلا تسألوني عن شيءٍ إلّا أنبأتكم به» قال : إنّه ليس أحد عنده علم شيء إلّا خرج من عند أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فليذهب النّاس حيث شاؤوا، فواللّه ليس الأمر (8) إلّا من ههنا، وأشار بيده إلى بيته.
ص: 464
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الوشّاء عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي مريم قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لسَلَمَة بن كُهَيْلِ والحَكَم بن عُتَيْبَة (1): شرقا وغربا (2) فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن معلىّ بن عثمان، عن أبي بصير قال : قال لي قال : قال لي (3) : إن الحكم بن عتيبة ممّن قال اللّه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (4) فليشرق الحكم وليغرب، أما واللّه لا يصيب العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل.
5 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن شهادة ولد الزنا تجوز؟ فقال : لا. فقلت : إنّ الحَكَمَ بن عُتيبة يزعم أنّها تجوز. فقال : اللّهمّ لا تغفر ذنبه، ما قال اللّه للحكم (إنه لذكر لك ولقومك) (5) فليذهب الحكم يميناً وشمالاً، فواللّه لا يؤخذ العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ)(6).
٦ - عدَّة من أصحابنا عن الحسين بن الحسن بن يزيد عن بدر (7) عن أبيه قال: حدَّثني سلام أبو علي الخراساني، عن سلام بن سعيد المخزومي قال : بينا أنا جالس عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه عباد بن كثير عابد أهل البصرة، وابن شريح فقيه أهل مكة، وعند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ميمون القداح مولى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فسأله عباد بن كثير فقال : يا أبا عبد اللّه : في كم ثوب كفن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال : في ثلاثة أثواب : ثوبين صُحارتين (8) وثوب حِبَرَة (9)،
ص: 465
وكان في البرد قلة، فكأنما أزور عباد بن كثير من ذلك، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن نخلة مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّما كانت عجوة (1) ونزلت من السماء، فما نبت من أصلها كان عجوة، وما كان من لقاط فهو لون (2)، فلما خرجوا من عنده قال عباد بن كثير لابن شريح : واللّه ما أدري ما هذا المَثَل الّذي ضربه لي أبو عبد اللّه فقال ابن شريح هذا الغلام يخبرك فإنه منهم _ يعني ميمون، فسأله فقال ميمون : أما تعلم ما قال لك؟ قال : لا واللّه، قال : إنّه ضرب لك مَثَل نفسه فأخبرك أنّه ولد من ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلم رسول اللّه عندهم فما جاء من عندهم فهو صواب وما جاء من عند غيرهم فهو لقاط (3).
١٥٨ - باب فيما جاء أن حديثهم (4) صَعْبٌ مُسْتصْعَبٌ
1 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن جابر قال قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إن حديث آل محمّد صعب مستصعب (5) لا يؤمن به إِلَّا مَلَك مُقَرَّبٌ أو نبيٌّ مُرْسَلُ أو عَبْدُ امْتَحَنَ اللّه قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فأقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى اللّه وإلى الرَّسول، وإلى العالم من آل محمّد، وإنما الهالك أن يُحَدُّثَ أحدكم بشيء منه لا يحتمله، فيقول : واللّه ما كان هذا واللّه ما كان هذا، والإنكار (6) هو الكفر.
2 - أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكرت التقية يوماً عند عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : واللّه لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله (7) ولقد آخا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بينهما، فما ظنكم بسائر
ص: 466
الخلق، إنَّ عِلْمَ العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا نبي مرسل، أو مَلَك مقرَّب، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، فقال: وإنّما صار سلمان من العلماء لأنه أمرء منا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء.
3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن البرقي، عن ابن سنان أو غيره (1) رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة، إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ علىّ بني آدم ألست بربكم (2) فمن وفى لنا وفى اللّه له بالجنّة، ومن أبغضنا ولم يؤد إلينا حقنا ففى النار خالداً مخلّداً.
٤ - محمّد بن يحيى وغيره عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابنا قال : كتبت إلى، أبي الحسن صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) جعلت فداك ما معنى قول الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حديثنا لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان فجاء الجواب إنّما معنى قول الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) - أي : لا يحتمله ملك ولا نبي ولا مؤمن - أنَّ الملك لا يحتمله (4) حتّى يخرجه إلى ملك غيره، والنبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبي غيره والمؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معنى قول جدّي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٥ - أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسين عن منصور بن العبّاس، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان عن محمّد بن عبد الخالق وأبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا محمّد : إنَّ عندنا واللّه سرّاً من سر اللّه، وعلماً من علم اللّه، واللّه ما يحتمله ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان واللّه ما كلف اللّه ذلك أحداً غيرنا، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا. وإنَّ عندنا سرّاً من سرّ اللّه وعلماً من علم اللّه، أمرنا اللّه بتبليغه، فبلغنا عن اللّه عزّ وجلّ ما أمرنا بتبليغه، فلم تجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمّالة يحتملونه حتّى خلق اللّه محمّداً لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمّد وآله وذرّيّته (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومن نور خلق اللّه منه وذريته وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمّداً وذريته، فبلغنا عن اللّه ما أمرنا بتبليغه، فقبلوه واحتملوا ذلك [ فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه]، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم
ص: 467
إلى معرفتنا وحديثنا فلولا أنهم خُلِقوا من هذا لما كانوا كذلك، لا واللّه ما احتملوه. ثمَّ قال : إِنَّ اللّه خلق أقواماً لجهنّم والنار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم(1)، واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردُّوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب، فطبع اللّه على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثمَّ أطلق اللّه لسانهم ببعض الحقّ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته، ولولا ذلك ما عُبِدَ اللّه في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمّن أمر اللّه بالكفّ عنه واستروا عمّن أمر اللّه بالستر والكتمان عنه، قال : ثمَّ رفع يده وبكى وقال : اللّهمّ إنَّ هؤلاء لشرذمة قليلون، فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلّط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم، فإنّك إن أفجعتنا بهم لم تُعْبَد أبداً في أرضك (2) وصلى اللّه على محمّد وآله وسلم تسليماً.
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خطب النّاس في مسجد الخَيْف (3) فقال : نصر (4) اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها (5) وحفظها وبلّغها من لم يسمعها، فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلُّ (6) عليهنَّ قلب امرىء مسلم : إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين (7)، واللّزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون إخوة تتكافى دماؤهم (8) ويسعى بذمتهم أدناهم.
ص: 468
ورواه أيضاً حمّاد بن عثمان عن أبان عن ابن أبي يعفور مثله وزاد فيه : وهم يد على من سواهم (1). وذكر في حديثه أنّه خطب في حجّة الوداع بمنى في مسجد الخيف.
2 - محمّد بن الحسن عن بعض أصحابنا عن عليّ بن الحكم عن الحكم بن، مسكين، عن رجل من قريش من أهل مكّة قال : قال سفيان الثوري : اذهب بنا إلى جعفر بن محمّد قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته فقال له سفيان يا أبا عبد اللّه حدَّثنا بحديث خطبة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مسجد الخيف، قال : دعني حتّى أذهب في حاجتي فإنّي قد ركبتُ فإذا جئتُ حدَّثتك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما حدثتني، قال : فنزل، فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتّى أثبته، فدعا به ثمَّ قال : اكتب : بسم الرّحمن الرّحيم خطبة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مسجد الخيف: «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه، يا أيّها النّاس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنَّ قلب امرىء مسلم : إخلاص العمل اللّه والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة تتكافى دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم» فكتبه سفيان ثمَّ عرضه عليه. وركب أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجئت أنا وسفيان، فلما كنا في بعض الطريق قال لي كما أنت (2) حتّى أنظر في هذا الحديث، فقلت له : قد واللّه ألزم أبو عبد اللّه رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً. فقال: وأي شيء ذلك؟ فقلت له : ثلاث لا يغلّ عليهنَّ قلب امرىء مسلم : إخلاص العمل اللّه قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمّة الّذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم ؟ وكل من لا تجوز شهادته عندنا ولا تجوز ؟ الصلاة خلفهم ؟ وقوله : واللزوم لجماعتهم فأيُّ الجماعة ؟ مرجيء (3) يقول : من لم يصلّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة، ونكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل، أو قدري (4) يقول : لا يكون ما شاء اللّه عزّ وجلّ ويكون ما شاء إبليس، أو حروري (5) يتبرأ من عليّ بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر، أو جهمي (6) يقول : إنّما هي معرفة اللّه وحده ليس
ص: 469
الإيمان شيء غيرها ؟!! قال: ويحك وأي شيء يقولون؟ فقلت : يقولون : إنَّ عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه الإمام الّذي يجب علينا نصيحته ولزوم جماعتهم : أهل بيته، قال: فأخذ الكتاب فخرقه (1) ثمَّ قال : لا تخبر بها أحداً.
3 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن حماد بن عيسى، عن حريز عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما نظر اللّه عزّ وجلّ إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى (2).
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من فارق جماعة (3) المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة(4) الإسلام من عنقه.
5 - وبهذا الإسناد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من فارق جماعة المسلمين ونكت صفقة الإمام (5) جاء إلى اللّه عزّ وجلّ أجذم (6).
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، حماد بن عن عثمان عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما حقُّ الإمام على الناس؟ قال حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا (7). قلت : فما حقهم عليه ؟ قال : يقسم بينهم بالسوية (8) ويعدل في
ص: 470
الرعيّة (1)، فإذا كان ذلك في النّاس فلا يبالي (2) من أخذ ههنا وههنا.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله إلّا أنّه قال : هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يعني [من] بين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله.
3 - محمّد بن يحيى العطّار، عن بعض أصحابنا، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة ابن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا تختانوا ولاتكم(3)، ولا تغشوا هداتكم، ولا تجهلوا أئمتكم (4)، ولا تصدّعوا عن حبلكم (5) فتفشلوا وتذهب ريحكم (6) وعلى هذا فليكن تأسيس أموركم والزموا هذه الطريقة، فإنكم لو عاينتم ما عاين من قدمات منكم ممّن خالف ما قد تدعون إليه، لبدرتم (7) وخرجتم ولسمعتم، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريباً ما يطرح الحجاب (8).
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد محمّد، بن عن عبد الرحمن بن حماد وغيره، عن حنان بن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نُعِيَتْ إلى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نفسه وهو صحيح ليس به وجع قال : نزل به الرُّوح الأمين قال: فنادى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الصلاة جامعة وأمر المهاجرين والأنصار بالسلاح واجتمع الناس، فصعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المنبر فنعى إليهم نفسه ثمَّ قال: «أذكر اللّه الوالي من بعدي على أمتي، ألا (9) يرحم على جماعة المسلمين فأجل كبيرهم،
ص: 471
ورحم ضعيفهم، ووفّر عالمهم (1)، ولم يضر بهم فيذلهم، ولم يفقرهم فيكفرهم (2)، ولم يغلق با به دونهم فيأكل قوتهم ضعيفهم، ولم يخبرهم (3) في بعوثهم فيقطع نسل أمتي. ثمَّ قال: [قد] بلغت ونصحت فاشهدوا. وقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا آخر كلام تكلّم به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على منبره.
٥ - محمّد بن عليّ وغيره عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاء إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عسل وتين من همدان وحلوان (4) فأمر العُرفاء (5) أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونه (6) وهو يقسمها للناس قَدَحاً، قَدَحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين مالهم يلعقونها ؟ فقال : إنَّ الإمام أبو اليتامى وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء.
٦ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، وعلي أولى به من بعدي»، فقيل له : ما معنى ذلك ؟ فقال : قول النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من ترك ديناً أو ضياعاً (7) فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته فالرَّجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبيّ وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن بعدهما ألزمهم هذا، فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم، وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلّا من بعد هذا القول من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنهم أمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم.
7 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان،
ص: 472
عن صباح بن سَيَابَة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «أيما مؤمن أو (1) مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد (2) ولا إسراف (3) فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك»، إنَّ اللّه تبارك وتعالى يقول : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية (4) فهو من الغارمين (5)، وله سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لا تَصْلُح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللّه، وحلم يملك به غضبه (6)، وحسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم.
وفي رواية أخرى حتّى يكون للرَّعية كالأب الرحيم.
9 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أسلم، عن رجل من طبرستان يقال له محمّد قال : قال معاوية : ولقيت الطبري (7) محمّداً بعد ذلك فأخبرني قال: سمعت عليّ بن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : المغرم إذا تدين أو استدان في حق، - الوهم (8) من معاوية - أجل سنة، فإن اتّسع (9) وإلا قضى عنه الإمام من بيت المال.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي خالد الكابلي (10)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وجدنا في كتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أَنَّ
ص: 473
الأرض اللّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين»، أنا وأهل بيتى الّذين أورثنا اللّه الأرض ونحن المتقون والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين (1) فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقُّ بها من الّذي تركها، يؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، حتّى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومنعها إلّا ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم.
٢ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد قال : أخبرني أحمد بن محمّد بن عبد اللّه عمّن رواه قال : الدُّنيا وما فيها اللّه تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب (2) على شيء منها فليتق اللّه، وليؤدّ حقَّ اللّه (3) تبارك وتعالى، وليبر (4) إخوانه، فإن لم يفعل ذلك فاللّه ورسوله ونحن برآء منه.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد قال :، رأيت مَسْمَعاً (5) بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تلك السنة مالاً فرده أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقلت له : لِمَ ردَّ عليك أبو عبد اللّه المال الّذي حملته إليه؟ قال : فقال لي : إني قلت له حين حملت إليه المال : إنّي كنت وَلِيتُ (6) البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك، وأن أعرض لها وهي حقك الّذي جعله اللّه تبارك وتعالى في أموالنا، فقال: أوَمَا لَنَا من الأرض وما يخرج اللّه منها إلّا الخمس يا أبا سيّار؟ إنَّ الأرض كلّها لنا فما أخرج اللّه منها من شيء فهو لنا، فقلت له : وأنا أحمل إليك المال كلّه ؟ فقال : يا أبا سيّار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك، وكلُّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتّى يقوم قائمنا فيجيبهم طسق(7) ما كان في
ص: 474
أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم (1) فإِنَّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صَغَرة (2).
قال عمر بن يزيد : فقال لي أبو سيّار ما أرى أحداً من أصحاب الضياع ولا ممّن يلي الأعمال يأكل حلالاً غيري إلّا من طيبوا له ذلك.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن أبي عبد اللّه الرّازي (3)، عن الحسن ابن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : أما على الإمام زكاة ؟ فقال : أحَلْتَ (4) يا أبا محمّد أما علمت أنَّ الدُّنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من اللّه، إنَّ الإمام يا أبا محمّد لا يبيت ليلة أبداً ولله في عنقه حقّ يسأله عنه.
٥ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عبد اللّه بن أحمد، عن عليّ ابن النعمان عن صالح بن حمزة، عن أبان بن مصعب عن يونس بن ظبيان أو (5) المعلى ابن خنيس قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): مالكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثمَّ قال: إنَّ اللّه تبارك وتعالى بعث جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمره أن يخرق (6) بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها سيحان وجيحان (7) وهو نهر بلخ، والخشوع وهو نهر الشاش (8) ومهران وهو نهر الهند، ونيل مصر، ودجلة والفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدوّنا منه شيء إلّا ما غَصَب (9) عليه، وإنَّ ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه _ يعني بين السماء والأرض - ثمَّ تلا هذه الآية: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (المغصوبين عليها) خالصة (لهم) يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (10) بلا غصب.
ص: 475
٦ - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الريان قال : كتبت إلى العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الدنيا إلّا الخمس، فجاء الجواب أنَّ الدُّنيا وما عليها لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد رفعه عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «خلق اللّه آدم وأقطعه الدُّنيا قطيعة، فما كان لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما كان لرسول اللّه فهو للأئمة من آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)».
8 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) كرى(1) برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه : الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام والبحر المطيف بالدُّنيا (2) [للإمام ].
عليّ بن إبراهيم عن السريّ بن الرَّبيع قال (3) : لم يكن ابن أبي عمير يعدل(4) بهشام بن الحكم شيئاً وكان لا يغبُّ (5) إتيانه، ثمَّ انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي (6) كان أحد رجال هشام ووقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة(7) في شيء من الإمامة، قال ابن أبي عمير : الدُّنيا كلّها للإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جهة الملك وأنّه أولى بها من الّذين هي في أيديهم ؛ وقال أبو مالك : [ليس] كذلك أملاك النّاس لهم إلّا ما حكم اللّه به للإمام من الفيء والخمس والمغنم فذلك له، وذلك أيضاً قد بين اللّه للإمام أين يضعه وكيف يصنع به ؛ فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه، فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاما بعد ذلك.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن حماد، عن
ص: 476
حميد وجابر العبدي قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنَّ اللّه جعلني إماماً لخلقه، ففرض عليَّ التقدير (1)نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء النّاس، كي يقتدي (2) الفقير بفقري ولا يطغي الغنى غِناهُ.
2 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن المعلىّ بن
خنيس قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً : جعلت فداك، ذكرت آل فلان (3) وما هم فيه من النعيم فقلت: لو كان هذا إليكم لعشنا معكم (4)، فقال : هيهات (5) يا معلّى، أما واللّه أن لو كان ذاك ما كان إلّا سياسة الليل (6) وسياحة النهار (7) ولبس الخشن وأكل الجشب (8)، فزوي ذلك عنا (9) فهل رأيت ظلامة قط صيّرها اللّه تعالى نعمة إلّا هذه.
3 - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد ؛ وعدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ١ - وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء (10)، وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قد غمّ أهله وأحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علي بعاصم بن زياد فجيء به فلما رآه عبس في وجهه، فقال له : أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى اللّه أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون (11) على اللّه من ذلك، أو ليس اللّه يقول : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) (12). أوليس [الله] يقول: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ (13) لَا يَبْغِيَانِ - إلى قوله - یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) (14). فباللّه لابتذال نعم اللّه
ص: 477
بالفعال أحبُّ إليه من ابتذاله لها بالمقال وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (1). فقال عاصم : يا أمير المؤمنين ؛ فعلى ما اقتصرت في مَطْعَمك على الجُشُوبة، وفي ملبسك على الخُشُونة ؟ فقال : ويحك إنَّ اللّه عزّ وجلّ فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضَعَفَة النّاس، كيلا يتبيغ (2) بالفقير فقره، فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد البرقي، عن - أبيه، عن محمّد بن بن يحيى الخزاز، عن حماد بن عثمان قال : حضرت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له رجل: أصلحك اللّه، ذكرت أنَّ عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد، فقال له : إن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يلبس ذلك في إنَّ زمان لا يُنكَرُ [عليه]، ولو لبس مثل ذلك اليوم شُهَرَ (3) بِهِ، فخيرُ لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) إذا قام لبس ثياب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسار بسيرة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه عن أيّوب بن نوح قال: عطس يوماً وأنا عنده، فقلت : جعلت فداك ما يقال للإمام إذا عطس؟ قال : يقولون : صلى اللّه عليك.
2 - محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد قال : حدَّثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري، عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سأله رجلٌ عن القائم يسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال : لا، ذاك اسم سمّى اللّه به أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لم يسم به أحدٌ قبله، ولا يتسمّى به بعده إلّا كافر، قلت: جعلت فداك كيف يُسلَّم عليه ؟ قال : يقولون : السلام عليك يا بقيّة اللّه، ثمَّ قرأ (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (4).
٣ _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عمر قال :
ص: 478
سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لِمَ سُمِّي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ قال : لأنه يميرهم العلم(1)، أما سمعت في كتاب اللّه (ونمير أهلنا) (2).
وفي رواية أخرى قال: لأن ميرة المؤمنين من عنده، يميرهم العلم.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن أبي الربيع القزاز عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : لِمَ سُمِّي أمير المؤمنين؟ قال: اللّه سمّاه، وهكذا أنزل في كتابه: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (3) وأنَّ محمّداً رسولي وأنَّ علياً أمير المؤمنين.
١٦٤ _ باب فيه نُكَت (4) ونتف (5) من التنزيل في الولاية
1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا، عن حنان بن سدير، عن سالم الحناط قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني عن قول اللّه تبارك وتعالى : («نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (6) قال : هي الولاية لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (7).
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن الحكم بن مسكين، عن إسحاق بن عمّار، عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
ص: 479
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (1) قال : هي ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2).
3 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : ([و] الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) (3) قال : بما جاء به محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان فهو الملبس (4) بالظلم.
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن الحسن بن نعيم الصحاف قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فمنكم مؤمن ومنكم كافر) (5) فقال : عرف اللّه إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها، يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهم ذر.
٥ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد عن ابن محبوب عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (يوفون بالنذر) (6) الّذي أخذ عليهم من ولايتنا.
٦ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) (7) قال : الولاية.
7 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء، عن مثنّى مثنى، عن زرارة، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
ص: 480
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1) قال : هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
8 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (في ولاية عليّ [وولاية] الأئمّة من بعده) فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (2) هكذا نزلت (3).
٩ _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن أحمد بن النضر، عن محمّد بن مروان رفعه إليهم (4) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) (5) في عليّ والأئمّة (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) (6).
10 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن السيّاري(7)، عن عليّ بن عبد اللّه قال : سأله رجل عن قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) (8) قال : من قال بالأئمّة واتبع أمرهم ولم يجز (9) طاعتهم.
11 - الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه رفعه في قوله تعالى : (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) (10) قال : أمير المؤمنين وما وَلَدَ من الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ). 12 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن محمّد بن أورمة ومحمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) (11) قال : أمير المؤمنين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
13 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، اللّه الوشّاء، عن عبد بن سنان قال :
ص: 481
سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (1) قال : هُم الأئمّة.
١٤ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، محمّد بن أورمة، عن أورمة، عن عليّ بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) (2) قال : أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة. (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(3). قال : فلان وفلان (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) (4) أصحابهم وأهل ولايتهم (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (5) أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
١٥ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنى، عن عبد اللّه ابن عجلان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (6) يعني بالمؤمنين : الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، لم يتخذوا الولائج من دونهم.
١٦ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محدّ، عن محمّد بن جمهور، عن صفوان، عن ابن مسكان عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) (7) [قال] :قلت ما السّلم؟ قال : الدخول في أمرنا (8).
17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) (9) قال : يا زرارة أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان(10).
18 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور عن حمّاد بن
ص: 482
عيسى، عن عبد اللّه بن جندب قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (1) قال : إمام إلى إمام.
19 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النعمان، عن سلام، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) (2) قال : إنّما عنى بذلك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ثمَّ يرجع القول من اللّه في النّاس فقال : (فَإِنْ آمَنُوا (يعني النّاس) بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ (يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)) فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ). (3).
20 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنى، عن عبد اللّه ابن عجلان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (4) قال : هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ومن اتبعهم.
21 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ عن ابن أذينة، عن مالك الجهني قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (5) قال : من بلغ أن يكون إماماً من آل محمّد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
22 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) (6). قال : عهدنا إليه في محمّد والأئمّة من بعده، فترك (7) ولم يكن له
ص: 483
عزم أنّهم هكذا، وإنما سمّي أولوا العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده، والمهدي وسيرته (1) وأجمع عزمهم على أنَّ ذلك كذلك والإقرار به (2).
٢٣ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن عبيد اللّه، عن محمّد بن عيسى القميّ، عن محمّد بن سليمان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ)، كلماتٍ في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) من ذرّيّتهم «فنسي»، هكذا واللّه نزلت (3) على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
٢٤ - محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن النضر بن شعيب، عن خالد بن ماد، عن محمّد بن الفضل عن الثمالي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوحى اللّه إلى نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (4) قال : إنّک على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم (5).
2٥ - عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان عن منَخّل عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هكذا : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ (في عليّ) بَغْيًا) (6).
٢٦ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن سنان عن عمّار بن مروان، عن منحل، عن جابر، قال: نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية على محمّد هكذا (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا (في علي) فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (7).
27 _ وبهذا الإسناد، عن محمّد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن منخل، عن أبي
ص: 484
عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نزل جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بهذه الآية هكذا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا (في عليّ) نوراً مبيناً) (1).
28 _ عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي طالب، عن يونس بن بكار، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ (في علي) لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (2).
29 _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن مثنى الحناط عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : في قول اللّه عزّ وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (3) قال : في ولايتنا.
٣٠ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قوله جل وعزَّ : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) (4) قال : ولايتهم. (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (5) قال : ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (6).
٣١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسان، عن محمّد بن عليّ، عن عمار بن مروان عن منحل، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ (محمّد) بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا (من آل محمّد) كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (7).
ص: 485
٣٢ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن عبد اللّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (بولاية علي) مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) (1) يا محمّد من ولاية علي هكذا في الكتاب مخطوطة (2).
٣٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن أحمد بن محمّد، عن ابن هلال، عن أبيه، عن أبي السفاتج عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه جل وعزَّ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (3) فقال : إذا كان يوم القيامة دعي بالنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبأمير المؤمنين وبالأئمّة من ولده (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيُنصبون (4) للنّاس، فإذا رأتهم شيعتهم قالوا : الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه، يعني هدانا اللّه في ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من ولده (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٣٤ _ الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة؛ ومحمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسان، عن عبد اللّه بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (5) قال : النبأ العظيم الولاية. وسألته عن قوله (هنالك الولاية اللّه الحقّ) (6) قال : ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٣٥ - عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا) (7)قال: هي الولاية.
٣٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن إبراهيم الهمداني يرفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)(8) قال : الأنبياء
ص: 486
والأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ).
37 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) (1) قال : قالوا(2) : أو بدل عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)
38 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن القميّ، عن إدريس بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن تفسير هذه الآية ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (3) قال : عنى بها : لم نك من أتباع الأئمّة الّذين قال اللّه تبارك وتعالى فيهم : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (4) أما ترى النّاس يسمون الّذي يلي السابق في الحَلَبَة (5) مصلّي، فذلك الّذي عنى حيث قال: «لم نك من المصلين»: لم نك من أتباع السابقين.
٣٩ - أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن موسى بن محمّد، عن يونس بن يعقوب، عمّن ذكره، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (6) يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان، والطريقة: هي ولاية عليّ بن أبي طالب والأوصياء (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٤٠ _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان عن أبي أيّوب عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) (7) فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ص: 487
استقاموا على الأئمّة واحداً بعد واحد (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (1).
٤١ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) (2) فقال: إنّما أعظكم بولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هي الواحدة التي قال اللّه تبارك وتعالى : (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ).
٤٢ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا (3) لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) (4) قال : نزلت في فلان وفلان وفلان آمنوا بالنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في أول الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية، حين قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَنْ كنتُ مولاه فهذا على مولاه، ثمَّ آمنو بالبيعة لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ كفروا حيث مضى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلم يقروا بالبيعة، ثمَّ ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء.
٤٣ _ وبهذا الإسناد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) (5) فلان وفلان وفلان، ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قلت : قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) (6) قال : نزلت واللّه فيهما وفي أتباعهما وهو قول اللّه عزّ وجلّ الّذي نزل به جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ (في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ))
ص: 488
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) قال : دعوا بني أمية إلى ميثاقهم ألا يصيروا الأمر فينا بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولا يعطونا من الخمس شيئاً، وقالوا إن أعطيناهم إياه لم يحتاجوا إلى شيء، ولم يبالوا أن يكون الأمر فيهم، فقالوا : سنطيعكم في بعض الأمر الّذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ألا نعطيهم منه شيئاً. وقوله (كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ) والّذي نزل اللّه ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان معهم أبو عبيدة (1) وكان كاتبهم، فأنزل اللّه (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ - الآية)(2).
٤٤ _ وبهذا الإسناد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) (3) قال : نزلت فيهم حيث دخلوا الكعبة، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليه فبعداً للقوم الظالمين.
٤٥ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (4). يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) من بعده، من هو في ضلال مبين؟ كذا أنزلت وفي قوله تعالى : (إن تلووا أو تعرضوا) (5) فقال : (إن تلووا الأمر وتعرضوا) (6) عما أمرتم به (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (7) وفي قوله : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا (بتركهم ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)) عَذَابًا شَدِيدًا (في الدُّنيا) وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) (8).
٤٦ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن علي بن منصور عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ (وأهل الولاية) كَفَرْتُمْ) (9).
ص: 489
٤٧ _ عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سليمان عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تعالى : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ (بولاية علي) لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ) (1) ثمَّ قال : هكذا واللّه نزل بها جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
٤٨ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : ﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * (في أمر الولاية) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (2) قال : من افك عن الولاية أفك عن الجنة.
٤٩ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن يونس قال: أخبرني من رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله عزّ وجلّ : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ) (3) يعني بقوله : «فكُ رقبة ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنَّ ذلك فك رقبة.
50 - وبهذا الإسناد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : ([و] بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (4) قال : ولاية أمير المؤمنين.
٥١ - عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا (بولاية علي) قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ﴾ (5).
٥٢ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير، قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى : (هنالك الوَلايةِ اللّه الحقّ﴾ (6). قال : ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٥٣ _ محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن
ص: 490
ابن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله عزّ وجلّ (صِبْغَةَ اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً﴾ (1) قال : صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق.
٥٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال، عن المفضّل ابن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله عزّ وجلّ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا) (2). يعني الولاية، من دخل في الولاية دخل في بيت الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (3). يعني الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وولايتهم، من دخل فيها دخل في بيت (4) النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
٥٥ _ وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (5). قال : بولاية محمّد ؛ وآل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) خيرٌ ممّا يجمع هؤلاء من دنياهم.
٥٦ _ أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن عليّ بن أسباط عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن زيد الشحّام قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) - ونحن في الطريق في ليلة الجمعة - : إقرأ فإنّها ليلة الجمعة قرآناً، فقرآت (إ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ (كان) مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ *إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) (6). فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): نحن واللّه الّذي رحم اللّه، ونحن واللّه الّذي استثنى اللّه لكنّا نغني عنهم.
٥٧ - أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه، عن يحيى بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما نزلت : (وتَعِيها أذن واعية) (7). قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «هي أُذُنُكَ يا علي».
ص: 491
٥٨ - أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّه عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هكذا (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا (آل محمّد حقّهم) قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (آل محمّد حقهم) رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (1)).
٥٩ - وبهذا الإسناد، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية هكذا : (إِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا (آل محمّد حقّهم) لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (2) ثمَّ قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ (في ولاية علي) فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا (بولاية علي) فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (3).
٦٠ - أحمد بن مهران - رحمه اللّه - عن عبد العظيم عن بكار، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال هكذا نزلت هذه الآية : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ (في علي) لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (4).
٦١ - أحمد، عن عبد العظيم، عن ابن أذينة، عن مالك الجهني قال : قلت لابي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (5) قال : من بلغ أن يكون إماماً من آل محمّد ينذر بالقرآن كما ينذر به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
٦٢ - أحمد، عن عبد العظيم عن الحسين بن ميّاح عمّن أخبره قال : قرأ رجل عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «[و] قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (6) فقال : ليس هكذا هي، إنّما هي والمأمونون، فنحن المأمونون (7).
ص: 492
٦٣ - أحمد، عن عبد العظيم، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «هذا صراط علي مستقيم» (1).
٦٤ - أحمد عن عبد العظيم عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا : (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ (بولاية علي) إِلَّا كُفُورًا) (2). قال : ونزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية هكذا (وقل الحقّ من ربكم (في ولاية علي) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا اعتدنا للظالمين (آل محمّد) ناراً ﴾.(3)
٦٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله : (وأنَّ المساجد اللّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً) (4). قال : هم الأوصياء.
٦٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب، عن الأحول عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (5). قال : ذاك (6) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء من بعدهم (7).
٦٧ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن إسماعيل، عن حنان (8)، عن سالم الحناط قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (9). فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آل محمّد. لم يبق فيها غيرهم
ص: 493
٦٨ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد بن جمهور، عن إسماعيل بن سهل، عن _ القاسم بن عروة، عن أبي السفاتج، عن زرارة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (1). قال: هذه نزلت في أمير، المؤمنين وأصحابه الّذين عملوا ما عملوا يرون أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أغبط الأماكن لهم، فيسيء وجوههم ويقال لهم : هذا الّذي كنتم به تدّعون : الّذي انتحلتم اسمه.
٦٩ - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن ابن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (وشاهد ومشهود) (2). قال: النبيّ (3) (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
70 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء، عن أحمد بن عمر الحلال قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (4) قال : المؤذن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
71 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (5) قال : ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذرّ والمقداد بن الأسود وعمّار هُدُوا (6) إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (يعني أمير المؤمنين) وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (7) الأوّل والثاني والثالث.
72 - محمّد بن يحيى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى : (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (8). قال : عنى بالكتاب التوراة والإنجيل. وأثارة من علم فإنّما عنى بذلك علم
ص: 494
أوصياء الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ).
73 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عمّن أخبره، عن عليّ بن جعفر قال سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لمّا رأى (1) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تَيْماً (2) وعَدِيّاً (3) وبني أمية (4) يركبون منبره أفظعه، فأنزل اللّه تبارك وتعالى قرآناً يتأسى به : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى) (5). ثمَّ أوحى إليه يا محمّد إني أمرت فلم أطَعْ، فلا تجزع أنت إذا أمرتَ فلم تُطَع في وصيّك.
٧٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله : (فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (6). فقال : عرف اللّه عزّ وجلّ إيمانهم بموالاتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق وهم ذر في صلب آدم. وسألته عن قوله عزّ وجلّ : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (7). فقال : أما واللّه ما هَلَكَ من كان قبلكم وما هلك من هلك حتّى يقوم قائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا ترك ولايتنا وجحود حقنا، وما خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الدُّنيا حتّى ألزم رقاب هذه الأمّة حقنا، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
٧٥ - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (8) قال : البئر المعطّلة (9) الإمام الصامت والقصر المشيدُ الإمام الناطق. ورواه محمّد بن يحيى، عن العمركي، عن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثله.
٧٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحكم بن بهلول، عن رجل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
ص: 495
عَمَلُكَ) (1) قال : يعني إن أشركت في الولاية غيره (2). (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (3): يعني بل اللّه فاعبد بالطاعة وكن من الشاكرين أن عَضَدْتُكَ (4) بأخيك وابن عمك.
77 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي قال : حدَّثني أبي، عن أحمد بن عيسى قال : حدَّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله عزّ وجلّ : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا) (5). قال : لما نزلت : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (6)، اجتمع نفر من أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، وإن آمنا فإِنَّ هذا ذلَّ حين يسلّط علينا ابن أبي طالب، فقالوا : قد علمنا أنَّ محمّداً صادق فيما يقول ولكنا نتولاه ولا نطيع عليّاً فيما أمرنا، قال: فنزلت هذه الآية (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا)، يعرفون يعني ولاية [عليّ بن أبي طالب] وأكثرهم الكافرون بالولاية.
78 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن محمّد بن النعمان عن سلام قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) (7) قال : هم الأوصياء من مخافة عدوهم.
79 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن بسطام بن مرة، عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن عليّ بن الحسين العبدي، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة أنّه سأل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (8). فقال : الوالدان اللذان أوجب اللّه لهما الشكر، هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم وأمر النّاس بطاعتهما، ثمَّ قال اللّه : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فمصير العباد إلى اللّه والدليل على ذلك (9) الوالدان، ثمَّ
ص: 496
عطف القول على ابن حنتمة (1) وصاحبه (2)، فقال : في الخاص والعام (3) (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) (4) يقول في الوصية وتعدل عمّن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما، ثمَّ عطف القول على الوالدين فقال : (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (5) يقول : عرف النّاس فضلهما وادع إلى سبيلهما وذلك قوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ (6) فقال : إلى اللّه ثمَّ إلينا، فاتقوا اللّه ولا تعصوا الوالدين، فإنَّ رضاهما رضى اللّه وسخطهما سخط اللّه.
٨٠ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن يوسف، عن أبيه، عن عمرو بن حريث قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (7) قال : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أصلها، وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرعها، والأئمّة من ذريتهما أغصانها، وعلم الأئمّة ثمرتها، وشيعتهم المؤمنون ورقها هل فيها فضل (8) ؟ قال : قلت : لا واللّه، قال : واللّه إنَّ المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها، وإنَّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها.
81 - محمّد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبد اللّه بن محمّد اليماني، عن منيعٍ بن الحجاج، عن يونس، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (يعني في الميثاق) أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) (9) قال : الإقرار بالأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصّة، قال: لا ينفع إيمانها لأنها سُلبت (10).
2 - وبهذا الإسناد، عن يونس عن صباح المزني، عن أبي حمزة عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) (11). قال : إذا جحد إمامة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، (فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (12).
ص: 497
83 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الاستطاعة (1) وقول الناس، فقال: وتلا هذه الآية : (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (2). يا أبا عبيدة الناس(3) مختلفون في إصابة القول وكلّهم هالك، قال: قلت قوله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ؟ قال : هُم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله : (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ). يقول : لطاعة الإمام، الرحمة التي يقول : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (4). يقول : علم الإمام ووسع علمه الّذي هو من علمه كلَّ. شيء هم شيعتنا، ثمَّ قال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) (5) يعني ولاية غير الإمام وطاعته، ثمَّ قال : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) (6) يعني النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والوصي والقائم، (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (إذا قام) وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) (7). والمنكر من أنكر فضل الإمام وجحده. (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) (8). أخذ العلم من أهله (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (9) والخبائث قول من خالف ويضع عنهم خالف (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) وهي الذُّنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام (وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (10). والأغلال ما كانوا يقولون ممّا لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام، فلما عرفوا فضل الإمام وضع عنهم إصرهم والإصر الذنب وهي الآصار، ثمَّ نسبهم فقال : [ف] (الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ (يعني بالإمام)، وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (11). يعني الّذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها، والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان والعبادة طاعة النّاس لهم، ثمَّ قال: [و] (أَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (12) ثمَّ جزاهم فقال : (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) (13). والإمام يبشرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم وبالنّجاة في الآخرة، والورود على محمّد - صلى اللّه على محمّد وآله الصادقين - على الحوض.
٨٤ _ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ
ص: 498
كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) (1). فقال : الّذين اتبعوا رضوان اللّه هم الأئمّة، وهم واللّه يا عمّار درجات (2) للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم ويرفع [الله] لهم الدرجات العلى.
٨٥ _ عليّ بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن عمار الأسدي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (3). ولايتنا أهل البيت(4) _ وأهوى بيده إلى صدره _ فمن لم يتولنا لم يرفع اللّه له عملا (5).
٨ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن، سويد، عن القاسم بن سليمان، عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَين من رحمته) (6) قال : الحسن والحسين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) (7) قال : إمام تأتمون به.
87 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الجوهري، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) (8) قال : ما تقول في علي (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (9).
88 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له : جعلت فداك قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (10) فقال : من أكرمه اللّه بولايتنا فقد جاز العقبة ؛ ونحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا، قال : فسكت فقال لي : فهلا أفيدك حرفاً خير لك من الدُّنيا وما فيها؟ قلت : بلى جعلت فداك، قال: قوله (فَكُّ رَقَبَةٍ) (11) ثمَّ قال : النّاس كلهم عبيد النار غيرك وأصحابك، فإنَّ اللّه
ص: 499
فك رقابكم من النار بولايتنا أهل البيت.
89 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه جل وعزّ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) (1) قال : بولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (2) اوف لكم بالجنة.
90 - محمّد بن يحيى عن سَلَمَة بن الخطاب عن الحسن بن عبد الرحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (3) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دعا قريشاً إلى ولايتنا فنفروا وأنكروا، فقال الّذين كفروا من قريش للذين آمنوا الّذين أقروا لأمير المؤمنين ولنا أهل البيت أيُّ الفريقين خير مقاماً وأحسن نديّاً، تعييراً منهم، فقال اللّه ردّاً عليهم : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ - من الأمم السالفة - هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا) (4) قلت : قوله : (مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) (5) قال : كلّهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولا بولايتنا فكانوا ضالين مضلين، فيمدُّ لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتّى يموتوا فيصيّرهم اللّه شرّاً مكاناً وأضعف جنداً، قلت : قوله : (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا) (6)؟ قال : أما قوله : (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) فهو خروج القائم وهو الساعة، فسيعلمون ذلك اليوم وما نزل بهم من اللّه على يدي قائمه، فذلك قوله : (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا (يعني عند القائم) وَأَضْعَفُ جُنْدًا) قلت قوله ويزيد اللّه الّذين اهتدوا هدى؟ قال: يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتباعهم القائم حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه قلت قوله : (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) ؟ قال : إلّا من دان اللّه بولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده فهو العهد عند اللّه قلت : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (7)؟ قال : ولاية أمير المؤمنين هي الود الّذي قال اللّه تعالى، قلت : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ (8)؟ قال : إنّما يسره اللّه على لسانه حين أقام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَماً، فَبَشِّر
ص: 500
به المؤمنين وأنذر به الكافرين، وهم الّذين ذكرهم اللّه في كتابه لداً أي كفاراً، قال : وسألته، عن قول اللّه : (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) (1) قال : لتنذر القوم الّذين أنت فيهم كما أنذر آباؤهم فهم غافلون عن اللّه وعن رسوله وعن وعيده (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ (ممّن لا يقرون بولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة من بعده) فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (2). بإمامة أمير المؤمنين) والأوصياء من بعده، فلما لم يقرُّوا كانت عقوبتهم ما ذكر اللّه (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) (3) في نار جهنّم، ثمَّ قال : (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) (4) عقوبة منه لهم حيث أنكروا ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة من بعده هذا في الدُّنيا، وفي الآخرة في نار جهنّم مقمحون(5)، ثمَّ قال : يا محمّد (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (6) باللّه وبولاية علي ومَن : بعده (7). ثمَّ قال : (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ (يعني أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)) وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ (يا محمّد) بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (8).
91 - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) (9) قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأفواههم، قلت : (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) (10) قال : (واللّه متم الإمامة)، لقوله عزّ وجلّ : (الّذين آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) (11) فالنور هو الإمام. قلت : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) (12) قال : هو الّذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحقّ، قلت: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (13) قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال: يقول اللّه : (واللّه متم
ص: 501
نوره) (1) ولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرَونَ) (2) بولاية عليّ، قلت : هذا تنزيل؟ قال : نعم أما هذا الحرف (3) فتنزيل وأمّا غيره فتأويل.
قلت : (ذلك بأنهم آمنوا ثمَّ كفروا) (4) قال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى سمّى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمّداً وأنزل بذلك قرآناً فقال : يا محمّد (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ (بولاية وصيّك) قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ (بولاية علي) لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (والسبيل هو الوصي) إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا (برسالتك) ثُمَّ كَفَرُوا (5) (بولاية وصيك قطبعَ اللّه) عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) (6) قلت : ما معنى لا يفقهون؟ قال: يقول : لا يعقلون بنبوتك. قلت : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ) (7) ؟ قال : وإذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية عليّ يستغفر لكم النبيّ من ذنوبكم (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) (8) قال اللّه : قال اللّه : (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ (عن ولاية علي) وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ (9) عليه. ثمَّ. عطف القول من اللّه بمعرفته بهم، فقال : (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (10) يقول : الظالمين لوصيك.
قلت : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (11) قال : إنَّ اللّه ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال : قلت قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (12)؟ قال: يعني جبرئيل عن اللّه في ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : قلت : (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ) (13)؟ قال : قالوا : إنَّ محمّداً
ص: 502
كذَّاب على ربّه وما أمره اللّه بهذا في عليّ، فأنزل اللّه بذلك قرآناً فقال : ((إن ولاية علي) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا (محمّد) بَعْضَ الْأَقَاوِيل * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (1) ثمَّ عطف القول فقال : (إنَّ (2) (ولاية علي) لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (للعالمين) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وإنَّ (3) (عليّاً) لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وإنَّ (4) (ولايته) لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ يا (محمّد) بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (5). يقول : اشكر ربّك العظيم الّذي أعطاك هذا الفضل.
قلت : قوله : (لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ) (6) ؟ قال : الهدى الولاية، آمنا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) (7). قلت تنزيل؟ قال: لا تأويل، قلت: قوله : لا أملك لكم ضَرّاً ولا رَشَداً) (8) قال : إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دعا النّاس إلى ولاية عليّ فاجتمعت إليه قريش، فقالوا يا محمّد اعفنا من هذا، فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «هذا إلى اللّه ليس إليَّ»، فاتهموه وخرجوا من عنده فأنزل اللّه (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ (إن عصيته) أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ (9) (في علي)) قلت هذا تنزيل؟ قال: نعم، ثمَّ قال توكيداً (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (في ولاية علي) فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا). قلت : (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) (10) يعني بذلك القائم وأنصاره.
قلت (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (11)؟ قال : يقولون فيك و(وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي (يا محمّد) وَالْمُكَذِّبِينَ (بوصيك) أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا) (12) قلت : إن هذا تنزيل؟ قال : نعم.
قلت: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) (13)؟ قال : يستيقنون أنَّ اللّه ورسوله ووصيه حقٌّ،
ص: 503
قلت: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) (1)؟ قال : ويزدادون بولاية الوصي إيماناً، قلت: (وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) (2) قال : بولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قلت : ما هذا الارتياب؟ قال : يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الّذين ذكر اللّه فقال : ولا يرتابون في الولاية، قلت: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (3)؟ قال : نعم ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قلت : إنّها لإحدى الكبر (4) قال : الولاية، قلت: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (5) ؟ قال : من تقدم إلى ولايتنا أخر عن سقر ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ (6) قال : هم واللّه شيعتنا، قلت : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (7) ؟ قال : إنا لم نتولَّ وصيَّ محمّد والأوصياء من بعده _ ولا يصلّون عليهم - (8)، قلت (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (9) ؟ قال : عن الولاية معرضين :قلت كلا إنّها تذكرة (10)؟ قال : الولاية.
قلت قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (11)؟ قال : يوفون اللّه بالنذر الّذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا قلت (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا) (12) ؟ قال : بولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) تنزيلاً. قلت: هذا تنزيل ؟ قال : نعم ذا(13) تأويل، قلت : (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ) (14)؟ قال : الولاية، قلت: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ) (15)؟ قال: في ولايتنا، قال: ﴿ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (16). ألا ترى أنَّ اللّه يقول : (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (17) قال : إِنَّ اللّه
ص: 504
أعزُّ وأمنع من أن يظلم أو ينسب نفسه إلى ظلم ولكنَّ اللّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته، ثمَّ أنزل بذلك قرآناً على نبيّه فقال: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (1)، قلت: هذا تنزيل؟ قال : نعم.
قلت : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (2) قال : يقول : ويل للمكذبين يا محمّد بما أوحيت إليك من ولاية [عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)]. (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) (3). قال : الأولين الّذين كذَّبوا الرُّسل في طاعة الأوصياء. (كذلك نفعل بالمجرمين ﴾ (4). قال : مَن أجرَم إلى آل محمّد وركب من وصيه ما ركب قلت (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) (5) ؟ قال : نحن واللّه وشيعتنا ليس على ملة إبراهيم غيرنا وسائر النّاس منها براء، قلت : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ...) (6) الآية قال : نحن واللّه المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صواباً، قلت: ما تقولون إذا تكلمتم ؟ قال : نمجّد ربنا ونصلّي على نبيّنا ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا، قلت: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) (7) قال : هم الّذين فجروا في حق الأئمّة واعتدوا عليهم، قلت : ثمَّ يقال : (هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (8) ؟ قال : يعني أمير المؤمنين، قلت : تنزيل؟ قال : نعم.
92 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن الحسين بن عبد الرحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (9) قال : يعني به ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قلت : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (10) ؟ قال : يعني أعمى البصر في الآخرة أعمى القلب في الدُّنيا عن ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : وهو متحيّر في القيامة يقول : (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا) (11) قال : الآيات الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) (فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (12) يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فلم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم، قلت:
ص: 505
(وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) (1)؟ قال : يعنى من أشرك بولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) غيره ولم يؤمن بآيات ربه وترك الأئمّة معاندة فلم يتبع ة فلم يتبع آثارهم ولم يتولهم قلت (اللّه لطيف بعباده يرزق من يشاء) (2)؟ قال : ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)،، : قلت : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) (3)؟ قال : معرفة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأئمّة. ﴿ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) (4) قال : نزيده منها، قال : يستوفي نصيبه من دولتهم (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (5) قال : ليس له في دولة الحقّ مع القائم نصب نصيب.
1 - محمّد بن يعقوب الكلينيّ، عن محمّد بن الحسن ؛ وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن اللّه أخذ ميثاق شيعتنا (6) بالولاية وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذرّ والإقرار له بالربوبية ولمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنبوّة.
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفري (7)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)؛ وعن عقبة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه خلق الخلق، فخلق ما أحبَّ ممّا أحبَّ وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنّة، وخلق ما أبغض ممّا أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار، ثمَّ بعثهم في الظلال (8) : فقلت : وأي شيء الظلال ؟ قال : ألم تر إلى ظلك في الشمس شيء وليس شيء، ثمَّ بعث اللّه فيهم النبيّين يدعونهم إلى الإقرار باللّه وهو قوله : (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه) (9) ثمَّ دعاهم إلى الإقرار بالنبيّين فأقر بعضهم وأنكر بعضهم، ثمَّ دعاهم إلى ولايتنا فأقرّ
ص: 506
بها واللّه من أحبّ (1) وأنكرها من أبغض وهو قوله : (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (2) ثمَّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان التكذيب ثمَّ (3).
٣ - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن سيف، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن محمّد بن عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ولايتنا ولاية اللّه التي لم يبعث نبياً قط إلّا بها.
٤ - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن عبد الحميد،، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من نبي جاء قط إلّا بمعرفة حقنا وتفضيلنا على من سوانا.
٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : واللّه إِنَّ في السماء لسبعين صفّاً من الملائكة، لو اجتمع أهل الأرض كلهم يحصون عدد كلّ صف منهم ما أحصوهم وإنهم ليدينون بولايتنا.
٦ - محمّد، عن، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث اللّه رسولاً إلّا بنبوة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووصيّة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7 _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن جمهور قال: حدَّثنا يونس، عن حماد بن عثمان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ نصب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَماً (4) بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره(5) كان كافراً، ومن جهله(6) كان ضالاً،، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً، ومن جاء بولايته دخل الجنة.
8 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باب فتحه اللّه، فمن دخله كان مؤمناً
ص: 507
ومن خرج منه كان كافراً، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه (1) كان في الطبقة الّذين قال اللّه تبارك وتعالى : لي فيهم المشيئة.
٩ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنَّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر، يوم أخذ الميثاق على الذرّ، بالإقرار له بالربوبية ولمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنبوّة، وعرض اللّه جل وعزَّ على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمته في الطين وهم أظلة (2)، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم وخلق اللّه أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه، وعرّفهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وعرفهم عليّاً، ونحن نعرفهم في لَحْن القَوْل (3).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو مع أصحابه فسلّم عليه ثمَّ قال له : أنا واللّه أحبك وأتولاك، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كذبت، قال بلى واللّه إني أحبك وأتولاك، فكرر ثلاثاً، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كذبت، ما أنت كما قلت إنَّ اللّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمَّ عرض علينا المحبَّ لنا، فواللّه ما رأيت روحك فيمن عرض، فأين كنتَ؟ فسكت الرَّجل عند ذلك ولم يراجعه.
وفي رواية أخرى قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان في النار(4).
2 - محمّد بن يحيى، عن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن عمرو بن
ص: 508
ميمون، عن عمّار بن مروان عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنا لنعرف الرَّجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق (1).
٣ - أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس ابن هشام، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته عن الإمام فوّض (2) اللّه إليه كما فوّض إلى سليمان بن داود؟ فقال : نعم. وذلك أنّ رجلاً سأله عن مسألة فأجابه فيها وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأول، ثمَّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين، ثمَّ قال : (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ (أعط) بِغَيْرِ حِسَابٍ). (3) وهكذا هي في قراءة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : قلت : أصلحك اللّه فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام ؟ قال : سبحان اللّه أما تسمع اللّه يقول : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (4) وهم الأئمّة (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ (5) لا يخرج منها أبداً، ثمَّ قال لي : نعم إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرَّجل عرفه وعرف لونه (6) وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو إن اللّه يقول : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (7) وهم العلماء، فليس يسمع شيئاً من الأمر ينطق به إلّا عرفه، ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالّذي يجيبهم.
ولد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاثنتي عشر (8) ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة الزوال، وروي أيضاً عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة. وحملت به أمه في أيّام
ص: 509
التشريق (1) عند الجمرة الوسطى وكانت في منزل عبد اللّه بن عبد المطلب، وولدته في شعب (2) أبي طالب في دار محمّد بن يوسف (3) في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار؛ وقد أخرجت الخيزران (4) ذلك البيت فصيّرته مسجداً، يصلّي النّاس فيه. وبقي بمكّة بعد مبعثه ثلاثة عشر سنة، ثمَّ هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين، ثمَّ قبض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاثنتي عشر ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين وهو ابن ثلاث وستين سنة، وتوفي أبوه عبد اللّه بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله وهو (5) ابن شهرين، وماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وهو (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ابن أربع سنين ومات عبد المطلب وللنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نحو ثمان سنين وتزوّج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة(6)، فولد له منها قبل مبعثه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) القاسم، ورقيّة وزينب وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وروي أيضاً أنّه لم يولد بعد المبعث إلّا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وأن الطيب والطاهر ولدا قبل مبعثه وماتت خديجة (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الشعب وكان ذلك قبل الهجرة بسنة (7) ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة، فلما فقدهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).شنأ المقام بمكّة (8) ودخله حزن شديد، وشكا ذلك إلى جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأوحى اللّه تعالى إليه : أَخْرُج من القرية الظالم أهلها، فليس لك بمكّة ناصر بعد أبي طالب وأمَرَهُ بالهجرة.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن عبد اللّه بن محمّد بن، أخي حماد الكاتب، عن الحسين بن عبد اللّه قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سيد ولد آدم (9)؟ فقال: كان واللّه سيّد من خلق اللّه (10)، وما برأ اللّه برية خيراً من محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ص: 510
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجال، عن حماد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذكر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما برأ اللّه نسمة خيراً من محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
3 - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد اللّه عن محمّد بن عيسى ؛ ومحمّد بن عبد اللّه عن عليّ بن حديد عن مرازم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال اللّه تبارك وتعالى : يا محمّد : إنّي خلقتك وعليّاً نوراً يعني روحاً بلا بدن (1) قبل (2) أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري فلم تزل تهللني وتمجدني، ثمَّ جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة، فكانت تمجدني وتقدّسني وتهللني، ثمَّ قسمتها ثنتين وقسمت الثنتين (3) ثنتين فصارت أربعة محمّد واحد وعلي واحد والحسن والحسين ثنتان، ثمَّ خلق اللّه فاطمة من نور ابتدأها روحاً بلا بدن، ثمَّ مسحنا بیمینه فأفضى (4) نوره فينا.
٤ _ أحمد عن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أوحى اللّه تعالى إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّي خلقتك ولم تك شيئاً، ونفخت فيك من روحي كرامة منّي أكرمتك بها حين أوجبت لك الطاعة على خلقي جميعاً، فمن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني وأوجبت ذلك في عليّ وفي نسله ممّن اختصصته منهم لنفسي.
٥ - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن أبي الفضل عبد اللّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأجريت اختلاف الشيعة (5)، فقال : يا محمّد : إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثمَّ خلق محمّداً وعلياً وفاطمة، فمكثوا ألف دهر (6)، ثمَّ خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلّا أن يشاء اللّه تبارك وتعالى، ثمَّ قال : يا محمّد هذه الدّيانة التي من تقدَّمها مَرَق (7) ومن تخلف عنها مُحِوّ (8)، ومن :
ص: 511
لزمها لحق (1)، خذها إليك يا محمّد.
٦ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أن بعض قريش قال لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : بأي شيء سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال : إني كنت أوَّل من آمن بربّي، وأول من أجاب حين أخذ اللّه ميثاق النبيّين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) (2)، فكنتُ أنا أول نبي قال بلى، فسبقتهم بالإقرار باللّه.
7 _ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن حماد، عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة ؟ فقال : يا مفضّل كنّا عند ربّنا ليس عنده أحدٌ غيرنا، في ظلّة (3) خضراء، نسبّحه ونقدّسه ونهلله ونمجده، وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا حتّى بدا له في خلق الأشياء، فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم، ثمَّ أنهى علم ذلك إلينا.
8 - سهل بن زياد عن محمّد بن الوليد قال : سمعت يونس بن يعقوب، عن سنان بن طريف، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال : إنا أول بيت نوه اللّه (4) بأسمائنا. إنّه لما خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : أشهد أن لا إله إلّا اللّه - ثلاثاً _ أشهد أنَّ محمّداً رسول اللّه - ثلاثاً - أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً – ثلاثاً -.
9 - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد اللّه الصغير عن محمّد بن إبراهيم الجعفري، عن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه كان إذ لا كان، فخلق الكان (5) والمكان وخلق نور الأنوار(6) الّذي نورت منه الأنوار وأجرى فيه من نوره الّذي نوّرت منه الأنوار وهو النور الّذي خلق منه محمّداً وعليّاً. فلم يزالا نورين اولين، إذ لا شيء كوّن قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في
ص: 512
الأصلاب الطاهرة، حتّى افترقا في أطهر طاهرين (1) في عبد اللّه وأبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
10 - الحسينُ [عن محمّد] بن عبد اللّه، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل، عن جابر [عن ابن يزيد قال : قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا جابر : إنَّ اللّه أوّل ما خلق خلق محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي اللّه قلت : وما الأشباح؟ قال : ظلّ النور، أبدان نورانية بلا ارواح، وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس فيه كان يعبد اللّه، وعترته (2) ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء يعبدون اللّه بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ويصلّون الصلوات ويحجون ويصومون.
11 _ عليّ بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي، عن مالك بن إسماعيل النهدي، عن عبد السلام بن حارث، عن سالم بن أبي حفصة العجلي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان في رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثلاثة (3)، لم تكن في أحد غيره : لم يكن له في (4)، وكان لا يمرُّ في طريق فيمرُّ فيه بعد يومين أو ثلاثة إلّا عُرِفَ أنّه قد مر فيه لطيب عرفه (5) وكان لا يمر بحجر ولا بشجر إلّا سجد له (6).
12 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا عُرِجَ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انتهى به جبرئيل إلى مكان فخلّى عنه (7)، فقال له : يا جبرئيل تخليني على هذه الحالة؟ فقال : امضه (8) فواللّه لقد وطئت مكاناً ما وطئه بشر وما مشى فيه بشر قبلك.
13 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن، محمّد الجوهري، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سأل أبو بصير أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا حاضر فقال : جعلت فداك، كم عُرِجَ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقال : مرتين، فأوقفه جبرئيل موقفاً فقال له : مكانك
ص: 513
يا محمّد، فلقد وقفت موقفاً ما وقفه مَلَك قط ولا نبي، إن ربك يصلي(1). فقال : يا جبرئيل وكيف يصلّي ؟ قال : يقول : سبوح قدوس أنا ربُّ الملائكة والرُّوح، سَبَقَتْ رحمتي غضبي، فقال : اللّهمّ عفوك عفوك، قال : وكان كما قال اللّه (قاب قوسين أو أدنى) (2)، فقال له أبو بصير : جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟ قال : ما بين سيتها (3) إلى رأسها فقال : كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق (4)، ولا أعلمه إلّا وقد قال (5) : زبرجد، فنظر في مثل سَمِّ الإبرة (6) إلى ما شاء اللّه من نور العظمة، فقال اللّه تبارك وتعالى : يا محمّد، قال : لبيك ربي قال : من لأمتك من بعدك؟ قال اللّه أعلم قال عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغ_ر المحجلين (7). قال : ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي بصير : يا أبا محمّد واللّه ما جاءت ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأرض ولكن جاءت من السماء مشافهة (8).
١٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صف لي نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال : كان نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أبيض مشرب حمرة، أدعج العينين (9)، مقرون الحاجبين، شئن الأطراف(10) كأنَّ الذهب أفرغ على براثنه (11)، عظيم مشاشة (12) المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعاً من شدّة استرساله، سُرْبَتُه (13) سائلة من لبته إلى سرته كأنّها وسط الفضّة المصفّاة، وكأنّ عنقه إلى كاهله إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شرب أن يرد الماء، وإذا مشى تكفا (14) كأنَّه ينزل في صَبَب (15)، لم يُرَ مثلُ نبي اللّه قبله ولا
ص: 514
بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
١٥ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: إِنّ اللّه مثل لي أمتي في الطين، وعلّمني أسماءهم كما علم آدم الأسماء كلها، فمرّ بي أصحاب الرايات(1) فاستغفرت لعلي وشيعته، إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة، قيل : يا رسول اللّه وما هي ؟ قال : المغفرة لمن آمن منهم (2). وأن لا يغادر منهم (3) صغيرة ولا كبيرة، ولهم تبدل السيئات حسنات
١٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن سيف، عن أبيه، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خطب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الناس، ثمَّ رفع يده اليمنى قابضاً على كفّه ثمَّ قال : أتدرون أيّها النّاس ما في كفّي ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم، فقال : فيها أسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة، ثمَّ رفع يده الشمال فقال : أيّها النّاس أتدرون ما في كفّي ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم، فقال : أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة، ثمَّ قال : حَكَمَ اللّه وعَدَلَ حكم اللّه وعَدَل فريق في الجنّة وفريق في السعير.
17 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبة له خاصّة يذكر فيها حال النبيّ والأئمّة عليهم السّلام وصفاتهم : فلم يمنع ربَّنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان (4) من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم، أن انتجب لهم أحبّ أنبيائه إليه وأكرمهم عليه محمّد بن عبد اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حومة(5) العزّ مولده، وفي دومة (6) الكرم محتده (7) غير مشوب (8) حسبه ولا ممزوج نسبه، ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشّرت به الأنبياء في كتبها، ونطقت به العلماء بنعتها، وتأملته الحكماء بوصفها، مهذب لا يداني هاشمي لا يوازى أبطحي لا يسامى، شيمته الحياء وطبيعته السخاء، مجبول على أوقار النبوّة وأخلاقها إلى أن انتهت به أسباب مقادير اللّه إلى أوقاتها،
ص: 515
وجرى بأمر اللّه القضاء فيه إلى نهاياتها، أداه محتوم قضاء اللّه إلى غاياتها، تبشر به كلّ أمة من بعدها، ويدفعه كلّ أب إلى أب من ظهر إلى ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح (1)، ولم ينجسه في ولادته نكاح (2)، من لَدُن آدم إلى أبيه عبد اللّه في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلاً حمل وأودع حجر اصطفاه اللّه وارتضاه واجتباه، وآتاه من العلم مفاتيحه، ومن الحكم ينابيعه، ابتعثه رحمة للعباد وربيعاً للبلاد، وأنزل اللّه إليه الكتاب فيه البيان والتبيان قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون، قد بينه للناس ونهجه بعلم قد فصله ودين قد أوضحه، وفرائض قد أوجبها، وحدود حدّها للنّاس وبينها، وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها، فيها دلالة إلى النجاة ومعالم تدعو إلى هداه، فبلغ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما أرسل به، وصَدَعَ بما أُمِر، وأدّى ما حُمّل من أثقال النبوّة، وصبر لربه وجاهد في سبيله ونصح لأمته، ودعاهم إلى النجاة، وحثهم على الذكر، ودلّهم على سبيل الهدى، بمناهج ودواع أسس للعباد أساسها، ومنار رفع لهم أعلامها، كيلا يضلوا من بعده وكان بهم رؤوفاً رحيماً.
18 - محمّد بن يحيى، عن سعد بن يحيى، عن سعد بن عبد اللّه، عن جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن هلال، عن أُمية بن عليّ القيسي قال : حدَّثني دُرُست بن أبي منصور أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) محجوجاً بأبي طالب (3)؟ فقال: لا ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : قلت : فدفع إليه الوصايا على أنّه محجوج به؟ فقال : لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية، قال : فقلت : فما كان حال أبي طالب؟ قال : أقرّ بالنبيّ وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه
١٩ - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد، عن منصور بن العبّاس، عن عليّ بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بات آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأطول ليلة حتّى ظنوا أن لا سماء تظلّهم ولا أرض تقلّهم، لأنّ
ص: 516
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَتَرَ الأقربين والأبعدين في اللّه، فبيناهم كذلك، إذ أتاهم آت لا يروقه ويسمعون كلامه، فقال السّلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته، إنّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة، ونجاة من كلّ هلكة، ودركاً لما فات (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (1). إِنَّ اللّه اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيّه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه وجعلكم تابوت علمه وعصا عزّه (2)، وضرب لكم مثلاً من نوره (3) وعصمكم من الزّلل وآمنكم من الفتن، فتعزُّوا بعزاء اللّه، فإنَّ اللّه لم ينزع منكم رحمته ولن يزيل عنكم نعمته، فأنتم أهل اللّه عزّ وجلّ الّذين بهم تمّت النعمة (4) واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة وأنتم أولياؤه، فمن تولاكم فاز ومن ظلم حقكم زهق مودَّتكم من اللّه واجبةٌ في كتابه على عباده المؤمنين، ثمَّ اللّه على نصركم إذا يشاء قدير، فاصبروا لعواقب الأمور، فإنّها إلى اللّه تصير قد قبلكم اللّه من نبيّه وديعة واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض، فمن أدى أمانته آتاه اللّه صدقه، فأنتم الأمانه المستودعة ولكم المودة الواجبة والطاعة المفروضة، وقد قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد أكمل لكم الدّين وبين لكم سبيل المخرج، فلم يترك لجاهل حجّة، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى اللّه حسابه، واللّه من وراء حوائجكم ؛ وأستودعكم اللّه والسلام عليكم. فسألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّن أتاهم التعزية، فقال: من اللّه تبارك وتعالى.
20 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان عن إسماعيل بن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا رئي في الليلة الظلماء رئي له نور كأنه شقة قمر.
٢١ - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد اللّه عن أبي عبد اللّه الحسين الصغير، عن محمّد بن إبراهيم الجعفري، عن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ ومحمّد (5) بن يحيى، عن سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن
ص: 517
يزيد عن ابن فضّال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا محمّد إنَّ ربّك يقرئك السّلام ويقول : إنّي قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحِجْر كَفَلَك، فالصلب صلب أبيك عبد اللّه بن عبد المطلب، والبطن الّذي حملك فآمنة بنت وهَبَ وأما حِجر كفلك فحجر أبي طالب(1).
وفي رواية ابن فضّال وفاطمة بنت أسد.
22 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمّة واحدة (2)، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك (3).
٢٣ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصم، عن الهيثم بن واقد، عن مقرن، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن عبد المطلب أوّل من قال بالبداء(4)، يبعث يوم القيامة امة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء.
٢٤ - بعض أصحابنا، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن عبد الرحمن بن الحجاج [و] عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر جميعاً، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء وذلك أنّه أوّل من قال بالبداء، قال : وكان عبد المطلب أرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى رعاته في إبل قد ندَّت له(5)، فجمعها فأبطأ عليه فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول : يا ربّ أتُهلك آلك (6) إن تفعل فأمر ما بدا لك». فجاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالإبل وقد وجّه عبد المطلب في كلّ طريق وفي كلّ شعب في طلبه وجعل يصيح : «يا ربّ أتهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدا لك». ولمّا رأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أخذه فقبله وقال : يا بني لا وجهتك بعد هذا في شيء فإني أخاف أن تغتال فتقتل.
٢٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): لما أن وجّه صاحب
ص: 518
الحبشة بالخيل ومعهم الفيل ليهدم البيت مرُّوا بإبل لعبد المطلب فساقوها، فبلغ ذلك عبد المطلب، فأتى صاحب الحبشة فدخل الآذن، فقال: هذا عبد المطلب بن هاشم قال : وما يشاء؟ قال الترجمان جاء في إبل له ساقوها، يسألك ردّها فقال ملك الحبشة لأصحابه : هذا رئيس قوم وزعيمهم جئت إلى بيته الّذي يعبده لأهدمه وهو يسألني إطلاق إبله، أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت ردُّوا عليه إبله، فقال عبد المطلب لترجمانه : ما قال لك الملك؟ فأخبره، فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل ولهذا البيت ربُّ يمنعه، فرُدَّت إليه إبله وانصرف عبد المطلب نحو منزله، فمر بالفيل في منصرفه، فقال للفيل : يا محمود (1) فحرك الفيل رأسه، فقال له : أتدري لم جاؤوا بك؟ فقال الفيل برأسه: لا، فقال عبد المطلب : جاؤوا بك لتهدم بيت ربك أفتراك فاعل ذلك؟ فقال برأسه : لا، فانصرف عبد المطلب إلى منزله، فلما أصبحوا غدوا به (2) لدخول الحرم فأبى وامتنع عليهم، فقال عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك : أُعْلُ الجبل فانظر ترى شيئاً؟، فقال : أرى سواداً من قبل البحر، فقال له : يصيبه (3) بصرك أجمع ؟ فقال له : لا ولأ وشك أن يصيب، فلما أن قرب، قال : هو طير كثير ولا أعرفه (4) يحمل كلّ طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون حصاة الخذف(5)، فقال عبد المطلب : وربّ عبد المطلب ما تريد إلّا القوم، حتّى لما صاروا فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة فوقعت كلّ حصاة على هامة رجل فخرجت من دبره فقتلته، فما انفلت منهم إلّا رجل واحد يخبر الناس، فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته.
٢٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لأحد غيره، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه، فجاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو طفل يدرج حتّى جلس على فخذيه، فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه، فقال له عبد المطلب : دع ابني فإنّ الملك قد أتاه (6).
27 - محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبد اللّه عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن
ص: 519
عليّ بن المعلى عن أخيه محمّد، عن درست بن أبي منصور، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما ولد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مكث أياماً ليس له لبنٌ، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل اللّه فيه لبناً فرضع منه أياماً حتّى وقع (1) أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها.
28 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ مَثَلَ أبي طالب مَثَلُ أصحاب الكهف أسرُّوا الإيمان وأظهروا الشرك فأتاهم اللّه أجرهم مرتين (2).
٢٩ - الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمّد الأزدي، عن إسحاق بن جعفر عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قيل له : إنهم يزعمون أنَّ أبا طالب كان كافراً ؟ فقال : كذبوا كيف يكون كافرا وهو يقول :
ألم تعلموا أنا وجدنا محمّداً***نبياً كموسى خُطّ في أوَّل الكتب (3)
وفي حديث آخر : كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول:
لقد علموا أنَّ ابنا لا مكذب***لدينا ولا يُعبأ (4) بقيل (5) الأباطل (6)
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه(7) ***مال (8) اليتامى عصمة للأرامل
30 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينا النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المسجد الحرام وعليه ثياب له جُدد فألقى المشركون عليه سَلَا (9) ناقة فملؤوا ثيابه بها، فدخله من ذلك ما شاء اللّه، فذهب إلى أبي طالب فقال له : يا عم : كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له وما ذاك يا ابن أخي ؟ فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة
ص: 520
وأخذ السيف وقال لحمزة : خذ السلا ثمَّ توجه إلى القوم والنبيّ معه فأتى قريشاً وهم حول الكعبة، فلما رأوه عرفوا الشرَّ في وجهه، ثمَّ قال لحمزة : أمر السلا على سبالهم (1) ففعل ذلك حتّى أتى على آخرهم ثمَّ التفت أبو طالب إلى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا ابن أخي هذا حَسَبُكَ فينا.
٣١ - عليٌّ،، عن ابن أبي نصر، عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما توفّى أبو طالب نزل جبرئيل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال: يا محمّد أخرج من مكة، فليس لك فيها ناصر، وثارت (2) قريش بالنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فخرج هارباً حتّى جاء إلى جبل بمكّة يقال له الحَجُون فصار إليه.
32 - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه ؛ ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبد اللّه رفعه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ أبا طالب أسلم بحساب الجُمَّل (3) ؟ قال : بكل لسان (4).
33 - محمّد بن يحيى، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن أبيهما، عن عبد اللّه بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أسلم أبو طالب بحساب الجُمَّل وعقد بيده ثلاثاً وستين (5).
٣٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضال، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن عليّ بن الحَزَوِّز الغنوي عن أصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) [ثم] قال : أيّها النّاس : ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم اللّه، فقام إليه أبو أيّوب الأنصاري فقال : بلى يا أمير المؤمنين حدَّثنا فإنك كنت تَشْهَدُ ونَغَيبُ (6)، فقال : إنَّ خير الخلق يوم يجمعهم اللّه سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلّا كافر ولا يجحد به إلّا جاحد. فقام عمار بن ياسر - رحمه اللّه _ فقال : يا أمير المؤمنين سمّهم لنا لنعرفهم، فقال : إن خير الخلق يوم يجمعهم اللّه الرُّسُلُ، وإِنَّ أفضل الرُّسل
ص: 521
محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإنَّ أفضل كلّ أُمة بعد بيها وصي نبيها حتّى يدركه نبي، ألا وإنَّ أفضل الأصياء وصي محمّد عليه وآله السلام، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإنَّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان(1) يطير بهما في الجنة، لم يُنحَلْ (2) أحدٌ من هذه الأمة جناحان غيره، شيء كرَّم اللّه به محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وشرفه، والبسطان الحسن والحسين والمهدي (عَلَيهِم السَّلَامُ)، يجعله اللّه من شاء منا أهل البيت، ثمَّ تلا هذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) (3).
35 _ محمّد بن الحسين، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن عليّ بن النعمان، عن أبي مريم الأنصاري (4)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت له كيف كانت الصلاة على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال : لما غسله أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكفّنه سجاه (5) ثمَّ أدخل عليه عشرة (6) فداروا حوله ثمَّ وقف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وسطهم فقال : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (7)، فيقول القوم كما يقول حتّى صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي(8).
٣٦ - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن سيف، عن أبي المغرا، عن عقبة بن بشير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عليُّ ادفني في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورش عليه من الماء.
37 _ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أتى العبّاس أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا عليُّ إِنَّ النّاس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بقيع المصلى (9) وأن يؤمهم رجلٌ منهم، فخرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى
ص: 522
النّاس فقال : يا أيّها النّاس إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إمام حياً وميتاً، وقال : إنّي أدفن في البقعة التي أقبض فيها، ثمَّ قام على الباب فصلّى عليه، ثمَّ أمر النّاس عشرة عشرة يصلّون عليه ثمَّ يخرجون.
38 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن سيف، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما قبض النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلّت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجاً فوجاً، قال : وقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول في صحته وسلامته : إنّما أنزلت هذه الآية عليَّ في الصلاة عليَّ بعد قبض اللّه لي : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
39 - بعض أصحابنا رفعه، عن محمّد بن سنان عن داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما معنى السلام على رسول اللّه ؟ فقال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى لما خلق نبيّه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتقوا اللّه، ووعدهم أن يسلّم لهم الأرض المباركة (1) والحرم الآمن (2) وأن ينزل لهم البيت المعمور (3)، ويظهر لهم السقف المرفوع (4) ويريحهم من عدوّهم، والأرض التي يبدلها اللّه من السلام ويسلّم ما فيها لهم لا شِيَةَ (5) فيها، قال : لا خصومة فيها لعدوّهم وأن يكون لهم فيها ما يحبّون، وأخذ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على جميع الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك ؛ وإنما السلام عليه تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على اللّه، لعله يعجّله جلَّ وعزَّ ويعجّل السلام لكم بجميع ما فيه.
٤٠ - ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : اللّهمّ صل على محمّد صفيّك وخليلك ونجيك المدبر لأمرك.
ص: 523
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن جعفر بن المثنّى الخطيب(1) قال: كنت بالمدينة وسقف المسجد الّذي يشرف على القبر قد سقط والفَعَلة(2) يصعدون وينزلون ونحن جماعة، فقلت لأصحابنا من منكم له موعد يدخل على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الليلة؟ فقال مهران بن أبي نصر أنا وقال إسماعيل بن عمّار الصيرفي أنا، فقلنا لهما : سلاه لنا عن الصعود لنشرف على قبر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلمّا كان من الغد لقيناهما، فاجتمعنا جميعاً، فقال إسماعيل : قد سألناه لكم عمّا ذكرتم، فقال : ما أحب لأحد منهم أن يعلو فوقه، ولا آمنه أن يرى شيئاً يذهب منه (3) بصره، أو يراه قائماً يصلّي، أو يراه مع بعض أزواجه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ولد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وقُتِل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شهر رمضان لتسع بقين منه، ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، بقي بعد قبض النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثلاثين سنة. وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهو أول هاشمي وَلَدَهُ هاشم مرَّتين (4).
١ - الحسين بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الفارسي، عن أبي حنيفة محمّد بن يحيى عن الوليد بن أبان، عن محمّد بن عبد اللّه بن مسكان عن أبيه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب لتبشره بمولد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال أبو طالب: اصبري سَبْتاً(5) أبشرك بمثله إلّا النبوّة وقال : السبت ثلاثون سنة. وكان بين رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمير
ص: 524
المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاثون سنة
2 - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه عن السياري، عن محمّد بن جمهور، عن بعض، أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين، كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من مكّة إلى المدينة على قدميها وكانت من أبر النّاس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فسمعت رسول اللّه وهو يقول: «إِنَّ النّاس يُحْشَرُون يوم القيامة عراة كما ولدوا»، فقالت : واسوأتاه (1)، فقال لها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «فإنّي أسأل اللّه أن يبعثك كاسية».
وسَمِعَتْهُ يذكر ضَعْطَةَ القبر (2)، فقالت واضعفاه فقال لها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «فإنّي أسأل اللّه أن يكفيك ذلك»، وقالت لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً : إني أريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها : إن فعلت أعتق اللّه بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلمّا مرضت أوصَتْ إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها (3) فجعلت تومي إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إيماء، فقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصيّتها.
فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ببكي، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ما يبكيك؟ فقال : ماتت أمي فاطمة، فقال رسول اللّه : «وأمّي والله». وقام مسرعاً حتّى دخل فنظر إليها وبكى، ثمَّ أمر النساء أن يغسلنها وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا فرغتنَّ فَلا تُحدِثْنَ شيئاً حتّى تُعْلَمْتَني، فلما فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهنَّ أحد قميصيه الّذي يلي جسده وأمرهنَّ أن يكفنّها فيه وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لِمَ فعلته، فلما فرغن من غسلها وكفنها دخل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها، ثمَّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمَّ قام فأخذها على يديه حتّى وضعها في القبر، ثمَّ انكب عليها طويلاً يناجيها ويقول لها : ابنك، ابنك (4) [ابنك] ثمَّ خرج وسوّى عليها، ثمَّ انكب على قبرها فسمعوه يقول : لا إله إلّا اللّه، اللّهمّ إني أستودعها إيّاك، ثمَّ انصرف، فقال له المسلمون إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم فقال : اليوم فقدت بر أبي طالب، إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها وإني ذكرت القيامة وأنَّ النّاس
ص: 525
يُحْشَرون عراةً فقالت واسوأتاه فضمنت لها أن يبعثها اللّه كاسية، وذكرت ضغطة القبر فقالت : واضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها اللّه ذلك، فكفّنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك، وانكببت عليها فلقنتها ما تُسْألُ عنه، فإنّها سُئِلَتْ عن ربها فقالت وسئلت عن رسولها فأجابت، وسئلت عن وليّها وإمامها فارتُج عليها (1)، فقلت : ابنك، ابنك [ابنك].
٣ - بعض أصحابنا عمّن ذكره عن ابن محبوب، عن عمر بن أبان الكلبي، عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لما ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فتح لآمنة(2) بياض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة، فأعلمته ما قالت امنة فقال لها أبو طالب وتتعجبين من هذا إنّک تحبلين وتلدين بوصيه ووزيره.
٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن البرقي (3)، عن أحمد ابن زيد النيسابوري قال : حدَّثني عمر بن إبراهيم الهاشمي، عن عبد الملك بن عمر، عن أسيد بن صفوان صاحب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ارتج (4) الموضع بالبكاء ودهش النّاس كيوم قبض النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجاء رجل باكياً وهو مسرع مسترجع وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوّة حتّى وقف على باب البيت الّذي فيه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
رحمك اللّه يا أبا الحسن، كنت أوَّل القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء، وأحوطهم (5) على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأشبههم به هدياً وخلقاً وسَمْتاً (6) وفعلاً، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك اللّه عن الإسلام وعن رسوله وعن السمسلمين خيراً.
قویت حين ضعُفَ أصحابه، وبرزت حين استكانوا ونهضت حين وهنوا (7)، ولزمت
ص: 526
منهاج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذ هم (1) أصحابه، [و] كنت خليفته حقاً، لم تنازع (2) ولم تضرع (3) برغم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين، وصغر الفاسقين.
فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا (4)، ومضيت بنور اللّه إذ وقفوا، فاتبعوك فَهُدُوا، وكنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم قنوت (5) وأقلهم كلاماً، وأصوبهم نطقاً، وأكبرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، وأشدّهم يقيناً، وأحسنهم عملاً وأعرفهم بالأمور.
كنت واللّه يعسوباً(6) للدين، أوّلاً وآخراً : الأوّل حين تفرَّق الناس، والآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، إذ صاروا عليك عيالاً، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا ورعيت ما أهملوا وشمّرت إذ [ا] جتمعوا وعلوت (7) إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار (8) ما طلبوا ونالوا بك ما لم يحتسبوا.
كنت على الكافرين عذاباً صبا (9) ونهباً، وللمؤمنين عمداً وحصناً، فطرت واللّه بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخرَّ (10).
كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال (11) : أمن النّاس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال : ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر اللّه، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند اللّه كبيراً في الأرض جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز [ولا لأحد فيك مطمع ] ولا لأحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتّى تأخذ له
ص: 527
بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحقّ، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحقّ والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حِلْم وحزم، ورأيك عِلْم وعَزْم فيما فعلت، وقد نهج السبيل (1)، وسهل العسير وأطفئت النيران (2)، واعتدل بك الدين، وقوي بك الإسلام، فظهر أمر اللّه ولو كره الكافرون، وثبت بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيّتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا للّه وإنا إليه راجعون رضينا عن اللّه قضاه، وسلّمنا اللّه أمره، فواللّه لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً.
كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً، وقُنَّة راسياً (3)، وعلى الكافرين غلظة وغيظاً، فألحقك اللّه بنبيه ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتّى انقضى كلامه وبكي، وبكى أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ طلبوه فلم يصادفوه.
٥ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن صفوان الجمّال قال : كنت أنا وعامر وعبد اللّه بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: فقال له عامر : جعلت فداك إنَّ النّاس يزعمون أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دفن بالرحبة(4)؟ قال: لا، قال: فأين دفن؟ قال : إنّه لما مات احتمله الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأتي به ظهر الكوفة قريباً من النجف يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة، فدفنه بين ذكوات بيض(5)، قال : فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع، فتوهمت موضعاً منه، ثمَّ أتيته فأخبرته فقال لي : أصبت رحمك اللّه _ ثلاث مرات -.
٦ - أحمد بن محمّد، عن محمّد ابن أبي عمير، عن القاسم بن عن عبد اللّه بن سنان، قال : أتاني عمر بن يزيد فقال لي : اركب فركبت معه فمضينا حتّى أتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا، ثمَّ مضينا حتّى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر، فقال: أنزلوا هذا قبر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقلنا من أين علمت؟ فقال : أتيته مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيث كان بالحيرة غير مرة وخبرني أنّه قبره.
ص: 528
7 - محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد اللّه بن محمّد عن عبد اللّه بن القاسم، عن عيسى شَلقان (1) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إِنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) له خؤولة في بني مخزم وإن شاباً منهم أتاه فقال : يا خالي إنّ أخي مات وقد حزنت عليه حزناً شديداً، قال: فقال له : تشتهي أن تراه؟ قال : بلى قال فأرني قبره، قال : فخرج ومعه بردة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متزراً بها، فلما انتهى إلى القبر تلملمت (2) شفتاه ثمَّ ركضه (3) برجله فخرج من قبره وهو يقول(4) بلسان الفرس، فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألم تمت وأنت رجلٌ من العرب؟ قال : بلى ولكنا متنا على سنة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا
8 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعليّ بن محد، عن سهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما قبض أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مسجد الكوفة، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ قال : أيّها النّاس : إنّه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأوَّلون ولا يدركه الآخرون، إنّه كان لَصَاحب راية رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل، لا ينثني حتّى يفتح اللّه له واللّه ما ترك بيضاء ولا حمراء إلّا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادماً لأهله. واللّه لقد قُبِضَ في الليلة التي فيها قُبِضَ وصي موسى يوشع بن نون والليلة التي عُرجَ فيها بعيسى ابن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن.
9 - عليّ بن محمّد رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لما غسل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نودوا (5) من جانب البيت : إن أخذتم مقدَّم السرير كُفيتم مؤخَّره، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه (6).
[ ١٠ - عبد اللّه بن جعفر وسعد بن عبد اللّه جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه
عليّ بن مهزیار عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ولدَتْ فاطمة بنت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد مبعث رسول اللّه بخمس سنين
ص: 529
وتوفّيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً (1)].
11 - سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عبد اللّه بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سمعه يقول : لمّا قبض أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران (2) حتّى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم ثمَّ أخذوا في الجَبَّانة، حتّى مروا به إلى الغريّ فدفنوه وسووا قبره (3) فانصرفوا.
وُلِدَتْ فاطمة عليها وعلى بعلها السلام بعد مبعث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بخمس سنين(4) وتوفيت (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً، وبقيت بعد أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خمسة وسبعين يوماً.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) مكثت بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خمسة وسبعين يوماً، وكان دَخَلَها حزن شديدٌ على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها وكان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكتب ذلك.
2 - محمّد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) صدّيقة (5) شهيدة وإنّ بنات الأنبياء لا يطمئن (6).
ص: 530
٣ - أحمد بن مهران - رحمه اللّه - رفعه وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار الشيباني قال : حدَّثني القاسم بن محمّد الرازي قال : حدَّثنا عليّ بن محمّد الهرمزاني، عن أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا قُبضَتْ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) دفنها (1) أمير المؤمنين سراً وعفا (2) على موضع قبرها ثمَّ قام فحول وجهه إلى قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : السلام عليك يا رسول اللّه عنّي والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار اللّه لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول اللّه عن صفيّتك (3) صبري صبري وعفا (4) عن سيدة نساء العالمين تجلّدي (5)، إلّا أنَّ لي في التأسي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري بلى وفي كتاب اللّه [لي] أنعم القبول، إنا للّه وإنا إليه راجعون، قد استُرجِعَتِ الوديعة وأخِذَت الرهينة وأخْلِسَت (6) الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول اللّه، أما حزني فسرمد (7)، وأما ليلي فمسهد (8)، وهم لا يبرح من قلبي أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيّح (9)، وهم مهيّج (10)، سرعان ما فُرّق بيننا وإلى اللّه أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال (11)واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بله سبيلاً، وستقول وَيَحْكُمُ اللّه وهو خير الحاكمين.
سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقيم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين اللّه تدفن ابنتك سرًّا وتُهضم حقها وتُمنَع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يَخْلُق (12) منك الذَّكْرُ، وإلى اللّه يا رسول اللّه
ص: 531
المشتكى، وفيك يا رسول اللّه أحسن العزاء صلّى اللّه عليك، وعليها السلام والرضوان.
٤ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم عن المفضّل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من غسل فاطمة ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين - وكأني استعظمت ذلك من قوله -، فقال : كأنك ضقت بما أخبرتك به؟ قال: فقلت: قد كان ذاك جعلت فداك، قال: فقال لا تضيقنَّ فإنّها صديقة، ولم يكن يغسلها إلّا صديق، أما علمت أنَّ مريم لم يغسّلها إلّا عیسی.
5 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد اللّه بن محمّد الجعفي، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالا : إنَّ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) - لما أن كان من أمرهم (1) ما كان _ أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثمَّ قالت : أما واللّه يا ابن الخطاب، لولا أنّي أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على اللّه ثمَّ أجده سريع الإجابة.
٦ - وبهذا الإسناد، عن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما ولدت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) أوحى اللّه إلى ملك فأنطق به لسان محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسمّاها فاطمة، ثمَّ قال : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثمَّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه لقد فطمها اللّه بالعلم وعن الطمث في الميثاق.
7 - وبهذا الإسناد عن صالح بن عقبة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : يا فاطمة قومي فأخرجي تلك الصحفة (2) فقامت فأخرجت صحفة فيها ثريد (3) وعُراق (4) يفور، فأكل النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين ثلاثة عشر يوماً، ثمَّ إنَّ أم أيمن رأت الحسين معه شيء فقالت له : من أين لك هذا؟ قال : إنا لنأكله منذ أيّام، فأتت أم أيمن فاطمة فقالت : يا فاطمة إذا كان عند أم أيمن شيء فإنما هو لفاطمة وولدها وإذا كان عند شيء فليس لأم أيمن منه شيء؟ فأخرجت لها منه فأكلت منه أيمن ونفذت الصحفة، فقال لها النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أما لولا أنك أطعمتها لأكلت منها أنت وذريتك
ص: 532
إلى أن تقوم الساعة، ثمَّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) والصحفة عندنا يخرج بها قائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زمانه (1).
8 - الحسين بن محمّد من معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : بينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جالس إذ دخل عليه مَلَك له أربعة وعشرون وجهاً فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك : لست بجبرئيل يا محمّد، بعثني اللّه عزّ وجلّ أن أزوِّج النور من النور، قال: من ممن؟ قال : فاطمة من عليّ، قال : فلما ولى الملك إذا بين كتفيه محمّد رسول اللّه، علي وصيه، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟ فقال : من قبل أن يخلق اللّه آدم باثنين وعشرين ألف عام (2).
9 _ عليّ بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر :قال سألت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قبر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقال : دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد (3).
10 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن الخيبري، عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : لولا أنَّ اللّه تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لفاطمة، ما كان لها كفو على ظهر الأرض من آدم ومن دونه(4).
وُلِدَ الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شهر رمضان في سنة بدر، سنة اثنتين بعد الهجرة. وروي أنّه ولد في سنة ثلاث ومضى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شهر صفر في آخره من سنة تسع وأربعين ومضى وهو ابن سبع وأربعين سنة وأشهر وأمه فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
1 - محمّد ب_ بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق عن عليّ بن مهزیار عن الحسين ابن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان عمّن سمع أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لمّا
ص: 533
حضرت الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة بكي، فقيل له : يا ابن رسول اللّه تبكي ومكانك من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي أنت به؟ وقد قال فيك ما قال ؛ وقد حججت عشرين حجّة ماشياً، وقد قاسمت (1) مالك ثلاث مرَّات حتّى النعل بالنعل ؟ فقال : إنّما أبكي لخصلتين : لهول المطَّلع (2) وفراق الأحبة.
2 - سعد بن عبد اللّه ؛ وعبد اللّه بن جعفر عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي [ابن مهزيار]، عن الحسن بن سعيد، عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال، قبض الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن سبع وأربعين سنة في عام خمسين عاش بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أربعين سنة (3).
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن النعمان، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال : إِنَّ جَعدَةَ بنت أشعث بن قيس الكندي سمت(4) الحسن بن عليّ وسمت مولاة له، فأما مولاته فقاءت السم، وأما الحسن فاستمسك (5) في بطنه ثمَّ انتفط (6) به فمات.
٤ _ محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن القاسم النهدي عن إسماعيل بن مهران عن الكناسي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بعض عُمَرِه (7) ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته، فنزلوا في منهل (8) من تلك المناهل تحت نخل يابس قد يبس من العطش، ففرش للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) تحت نخلة وفرش للزبيري بحذاه (9) تحت نخلة أخرى، قال : فقال الزبيري ورفع رأسه: لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه، فقال له الحسن : وإنك لتشتهي الرطب ؟ فقال الزبيري : نعم، قال: فرفع يده إلى السماء فدعا بكلام لم أفهمه، فاخضرت النخلة ثمَّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطباً، فقال الجمال الّذي اكثروا منه : سحر واللّه، قال : فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ويلك ليس بسحر،
ص: 534
ولكن دعوة ابن نبي مستجابة قال فصعدوا إلى النخلة فصر موا (1) ما كان فيه فكفاهم.
٥ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنَّ اللّه مدينتين (2) إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب عليهما سور من حديد وعلى كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع وفيها سبعون ألف ألف لغة، يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما، وما عليهما حجّة غيري وغير الحسين أخي.
٦ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن النعمان، عن صندل، عن أبي أسامة(3)، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى مكّة سنة ماشياً، فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك هذا الورم، فقال : كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسودُ (4) ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكسه(5)، فقال له مولاه بأبي أنت وأمي ما قدمنا منزلاً فيه أحد يبيع هذا الدواء. فقال له : بلى إنّه أمامك دون المنزل، فسارا ميلاً فإذا هو بالأسود، فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمولاه : دونك الرَّجل، فخذ منه الدهن وأعطِهِ الثمن، فقال الأسود يا غلام لمن أردت هذا الدهن؟ فقال للحسن بن عليّ، فقال : انطلق بي إليه، فانطلق فأدخله إليه فقال له : بأبي أنت وأمي لم أعلم أنك تحتاج إلى هذا وَ تَرَى ذلك (6) ولست آخذ له ثمناً، إنّما أنا مولاك ولكن ادع اللّه أن يرزقني ذكراً سوياً بحبكم أهل البيت فإنّي خلّفت أهلي تمخض (7)، فقال: انطلق إلى منزلك فقد وهب اللّه لك ذكراً سويّاً وهو من شيعتنا.
ص: 535
ولد الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في سنة ثلاث وقبض (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شهر المحرم من سنة إحدى وستين من الهجرة وله سبع وخمسون سنة وأشهر، قتله وخمسون سنة وأشهر قتله عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه في خلافة يزيد بن معاوية لعنه اللّه وهو (1) على الكوفة وكان على الخيل التي حاربته وقتلته عمر بن سعد لعنه اللّه بكر بلا يوم الاثنين لعشر خلون من المحرَّم، وأمه فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
1 - سعد وأحمد بن محمّد جميعاً عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عليّ بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قبض الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم عاشورا وهو ابن سبع وخمسين سنة.
2 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان بين الحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) طهر (2)، وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً.
٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن الوشّاء؛ والحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)
قال : لما حملت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : إن فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ستلد غلاماً تقتله أمّتك من بعدك، فلمّا حملت فاطمة بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كرهت حمله وحين وضعته کرهت وضعه، ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لم تُرَ في الدّنيا أُمُّ تلد غلاماً تكرهه ولكنها كرهته لما علمت أنّه سيُقْتَل، قال : وفيه نزلت هذه الآية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ (3) ثَلَاثُونَ شَهْرًا) (4).
٤ - محمّد بن يحيى، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عَمْرو الزيات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال له : يا محمّد إِنَّ اللّه يبشِّرك بمولود يولد من فاطمة، تقتله أمتك من بعدك، فقال : يا جبرئيل وعلى ربّي
ص: 536
السّلام لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي، فعرج ثمَّ هبط (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له مثل ذلك فقال : يا جبرئيل وعلى ربّي السّلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي. فعرج جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى السماء ثمَّ هبط فقال : يا محمّد إن ربك يقرئك السلام ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصيّة، فقال : قد رضيت ثمَّ أرسل إلى فاطمة أنَّ اللّه يبشرني بمولود يولد لك تقتله أمتي من بعدي. فأرسلت إليه لا حاجة لي في مولود [مني]، تقتله أمتك من بعدك، فأرسل إليها أنَّ اللّه قد جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت إليه إني قد رضيت، ف(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي). فلولا أنّه قال : أصلح لي في ذريتي لكانت ذريته كلّهم أئمة. ولم يرضع الحسين من فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ولا من أنثى، كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه في فيه، فيمصُّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث فنبت لحم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من لحم رسول اللّه ودمه ولم يولد لستة أشهر إلّا عيسى ابن مريم (1) (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي رواية أخرى، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): أنَّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزی به ولم يرتضع من انثى.
٥ - عليّ بن محمّد رفعه، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (2). قال : حَسَب فرأى ما يحل بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال: إني سقيم لما يحلُّ بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٦ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن عليّ بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن محمّد بن حمران قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لمّا كان من أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما كان ضجّت (3) الملائكة إلى اللّه بالبكاء وقالت : يُفْعَلُ هذا بالحسين صفيك وابن نبيك؟ قال: فأقام اللّه لهم ظلَّ (4) القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : بهذا أنتقم لهذا.
ص: 537
٧ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن - سيف بن عَميرة، عن عبد الملك بن أعين عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما نزل النصر على الحسين بن عليّ حتّى كان بين السّماء والأرض ثمَّ خُيّر : النصر أو لقاء اللّه، فاختار لقاء اللّه.
8 - الحسين بن محمّد قال : حدَّثني أبو كريب وأبو سعيد الأشجّ قال : حدَّثنا عبد اللّه بن إدريس، عن أبيه إدريس بن عبد اللّه الأودي قال : لما قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد القوم أن يوطئوه الخيل، فقالت فضة (1) لزينب (2): يا سيدتي إنَّ سفينة (3) كسر به في البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد، فقال : يا أبا الحارث (4) أنا مولى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فهمهم بين يديه حتّى وقفه (5) على الطريق والأسد رابض في ناحية، فدعيني أمضي إليه وأعلمه ما هم صانعون غداً، قال : فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث فرفع رأسه ثمَّ قالت أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره، قال فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأقبلت الخيل فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد _ لعنه اللّه - : فتنة لا تثيروها (6) انصرفوا، فانصرفوا.
9 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد عن محمّد بن أحمد، عن الحسن بن عليّ، عن يونس، عن مصقلة الطحان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لما قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقامت امرأته الكلبية (7) عليه مأتماً وبكت وبكين النساء والخدم حتّى جفت دموعهنَّ وذهبت، فبينا هي كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بينن تسيل دموعك؟ قالت إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق، قال: فأمرت بالطعاء والأسوقة فأكلت وشربت وأطعمت وسقت وقالت : إنّما نريد بذلك أن نتقوى على البكاء على
ص: 538
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال : وأهدي إلى الكلبية جؤناً (1) لتستعين بها على مأتم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما رأت الجؤن قالت ما هذه ؟ قالوا : هدية أهداها فلان لتستعيني على مأتم الحسين فقالت : لسنا في عرس، فما نصنع بها؟ ثمَّ أمرت بهنَّ فأخرجن من الدار فلمّا أخرجن من الدار لم يُحسّ لها حس (2) كأنما طرن بين السماء والأرض ولم يَرَ لَهُنَّ (3) بها بعد خروجهنَّ من الدَّار أثر.
ولد عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في سنة ثمان وثلاثين، وقُبِضَ في سنة خمس وتسعين وله سبع وخمسون سنة. وأمه سلامة (4) بنت يزدجرد بن شهریار بن شیرویه بن كسرى أبرويز وكان یزدجرد آخر ملوك الفرس.
١ - الحسين بن الحسن الحسني - رحمه اللّه - وعليّ بن محمّد بن عبد اللّه جميعاً، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه الخزاعي، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما أقدمت بنت يزدجرد على عمر، أشرف لها عذارى المدينة وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر إليها عمر (5) غطت وجهها وقالت : اف بيروج بادا هرمز (6) فقال عمر: أتشتمني هذه؟ وهم أتشتمني هذه؟ وهم (7) بها، فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليس ذلك لك خيرها رجلا من المسلمين واحسبها بفيئه، فخيرها فجاءت حتّى وضعت يدها على رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال لها أمير المؤمنين : ما اسمك؟ فقالت : جهان شاه، فقال لها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بل شهربانويه، ثمَّ قال للحسين : يا أبا عبد اللّه لتلدنَّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). وكان يقال لعليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ابن الخيرتين فخيرة اللّه من العرب هاشم ومن العجم فارس وروي أن أبا الأسود الدئلي قال فيه :
ص: 539
وإِنَّ غلاماً بين كسرى وهاشم***لأكرم من نيطت عليه التمائم (1)
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : كان لعليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ناقة، حج عليها اثنتين وعشرين حجّة، ما قَرَعها (2) قرعة قط، قال : فجاءت بعد موته وما شعرنا بها إلّا وقد جاءني بعض خدمنا أو بعض الموالي فقال : إِنَّ النّاقة قد خرجت فأتت قبر عليّ بن الحسين فانبركت(3) عليه، فدلكت بحرانها (4) القبر وهي ترغو، فقلت: أدركوها أدركوها وجيئوني بها قبل أن يعلموا بها أو يروها قال وما كانت رأت القبر قطُّ.
٣ _ عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن حفص بن البختري، عمّن ذكره عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما مات أبي عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جاءت ناقة له من الرّعي حتّى ضربت بحرانها على القبر وتمرّغت عليه فأمرت بها فردّت إلى مرعاها، وإنَّ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يحج عليها ويعتمر ولم يقرعها قرعة قطُّ.
«ابن بابویه» (5).
٤ _ الحسين بن محمّد بن عامر، عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عمارة عن رجل عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لمّا كان في الليلة التي وعد فيها (6) عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لمحمّد (7) (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بني ابغني وَضوءاً (8) قال : فقمت فجئته بوضوء، قال : لا أبغي هذا فإنَّ فيه شيئاً ميتاً قال : فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فارة ميتة فجئته
ص: 540
بوضوء غيره، فقال : يا بني هذه الليلة التي وعدتها فأوصى بناقته أن يحظر لها حَظَار (1) وأن يقام لها علف فجعلت فيه. قال : فلم تلبث أن خرجت حتّى أتت القبر فضربت بحرانها ورغت وهملت غيناها، فأتي محمّد بن عليّ فقيل له : إنَّ الناقة قد خرجت فأتاها فقال : صه الآن قومي بارك اللّه فيك، فلم تفعل، فقال : وإن كان ليخرج عليها إلى مكّة فيعلّق السوط على الرحل فما يقرعها حتّى يدخل المدينة، قال : وكان عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم حتّى يأتي باباً باباً فيقرعه ثمَّ ينيل من يخرج إليه، فلمّا مات عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقدوا ذاك، فعلموا أن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يفعله.
٥ - محمّد بن أحمد عن عمه عبد اللّه بن الصلت، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول : إنَّ عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما حضرته الوفاة أغمي عليه ثمَّ فتح عينيه وقرأ (2) : إذا وقعت الواقعة، وإنا فتحنا لك، وقال الحمد للّه الّذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنّة حيث نشاء، فنِعْمَ أجر العاملين، ثمَّ قبض من ساعته ولم يقل شيئاً.
٦ - سعد بن عبد اللّه وعبد اللّه بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عليّ بن مهزيار عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قبض عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن سبع وخمسين سنة، في عام خمس وتسعين (3)، عاش بعد الحسين خمساً وثلاثين سنة.
ولد أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة سبع وخمسين وقبضَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة أربع عشرة ومائة وله سبع وخمسون سنة. ودُفِنَ بالبقيع بالمدينة في القبر الّذي دفن فيه أبوه عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). وكانت أمه عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) وعلى ذرّيّتهم الهادية.
1 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد عن عبد اللّه أحمد، عن صالح بن مزيد، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي الصباح، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال كانت أمي قاعدة عند
ص: 541
جدار فتصدع (1) الجدار وسمعنا هدَّة (2) شديدة، فقالت بيدها (3) : لا وحق المصطفى ما أذن اللّه لك في السقوط، فبقي معلّقاً في الجو حتّى جازته فتصدّق أبي عنها بمائة دينار، قال أبو الصباح : وذكر أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جدته أم أبيه يوماً فقال : كانت صديقة، لم تُدْرَك في آل الحسن امرأة مثلها.
محمّد بن الحسن عن عبد اللّه بن أحمد مثله.
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إِنَّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه (4) (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو معتجر بعمامة سوداء. وكان ينادي يا باقر العلم يا باقر العلم فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر (5)، فكان يقول : لا واللّه ما أهجر، ولكني سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إنّك ستدرك رجلاً مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً، فذاك الّذي دعاني إلى ما أقول، قال : فبينا جابر يتردَّد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مرَّ بطريق، في ذاك الطريق كتاب فيه محمّد بن عليّ فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل ثمَّ قال له : أدبر، فأدبر، ثمَّ قال : شمائل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والّذي نفسي بيده يا غلام ما اسمك؟ قال : اسمي محمّد بن عليّ بن الحسين، فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول : بأبي أنت وأمي أبوك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقرئك السّلام ويقول ذلك (6). قال. فرجع محمّد بن عليّ بن الحسين إلى أبيه وهو ذَعِر (7) فأخبره الخبر، فقال له : يا بني وقد فعلها جابر ؟ قال نعم، قال : الزم بيتك يا بني. فكان جابر يأتيه طرفي النهار وكان أهل المدينة يقولون : واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفَي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم يلبث أن مضى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكان محمّد بن عليّ يأتيه
ص: 542
على وجه الكرامة لصحبته لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال : فجلس (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحدثهم عن اللّه تبارك وتعالى، فقال أهل المدينة : ما رأينا أحداً أجرأ من هذا، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال أهل المدينة : ما رأينا أحداً قط أكذب من هذا يحدَّثنا عمّن لم يره، فلما رأى ما يقولون حدَّثهم عن جابر بن عبد اللّه قال فصدقوه وكان جابر بن عبد اللّه يأتيه فيتعلم منه.
٣ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن، عن عليّ بن الحكم، عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : أنتم ورثة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال: نعم، قلت: رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وارث الأنبياء، علم كلّما علموا ؟ قال لي : نعم، قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ قال : نعم بإذن اللّه، ثمَّ قال لي : ادن مني يا أبا محمّد فدنوت منه فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلَّ شيء في البلد (1) ثمَّ قال لي : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصاً؟ قلت : أعود كما كنت، فمسح علي عيني فعدت كما كنت قال: فحدثت (2) ابن أبي عمير بهذا، فقال أشهد أنَّ هذا حقٌّ كما أنَّ النهار حق.
٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عليّ، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كنت عنده يوماً إذ وقع (3) زوج وَرْشان (4) على الحائط وهدلا هديلهما(5)، فرد أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليهما كلامهما ساعة، ثمَّ نهضا، فلما طارا على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة، ثمَّ نهضا فقلت : جعلت فداك ما هذا الطير؟ قال : يا ابن مسلم كلّ شيء خلقه اللّه من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من ابن آدم إن هذا الوَرْشان ظنَّ بامرأته (6) فحلفت له ما فعلت فقالت ترضى بمحمّد بن عليّ فرضياني فأخبرته أنّه لها ظالم فصدّقها.
5 _ الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن صالح بن
ص: 543
حمزة، عن أبيه، عن أبي بكر الحضرمي قال : لما حُمل أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الشام إلى هشام ابن عبد الملك وصار ببابه قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بني أمية : إذا رأيتموني قد وبخت (1) محمّد بن عليّ ثمَّ رأيتموني قد سكتُ فليقبل عليه كلّ رجل منكم فليوبخه. ثمَّ أمر أن يؤذن له، فلما دخل عليه أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال بيده : السلام عليكم فعمهم جميعاً بالسلام ثمَّ جلس، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن، فأقبل يوبخه ويقول فيما يقول له : يا محمّد بن عليّ، لا يزال الرَّجل منكم قد شقّ عصا المسلمين ودعا إلى نفسه وزعم أنّه الإمام سَفَها وقلّة علم ؛ ووبخه بما أراد أن يوبخه، فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتّى انقضى آخرهم، فلما سكت القوم نهض (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائماً ثمَّ قال : أيّها النّاس أين تذهبون وأين يُراد بكم بنا هدى اللّه أولكم وبنا يختم اخركم، فإن يكن لكم مُلْكُ معجّل فإنَّ لنا ملكاً مؤجّلاً وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة يقول اللّه عزّ وجلّ : (والعاقبة للمتقين) (2). فأمرَ به إلى الحبس فلما صار إلى الحبس تكلّم فلم يبق في الحبس رجل إلّا ترشفه (3) وحن إليه، فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا، ثمَّ أخبره بخبره، فأمر به فحُمِلَ على البريد هو وأصحابه ليُرَدُّوا إلى المدينة، وأمر أن لا يخرج لهم الأسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب، فساروا ثلاثاً لا يجدون طعاماً ولا شراباً حتّى انتهوا إلى مَدْيَن (4)، فأغلق باب المدينة دونهم فشكا أصحابه الجوع والعطش قال : فصعد جبلا ليشرف عليهم فقال بأعلى صوته : يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقية اللّه يقول اللّه : (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (5) قال : وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم : يا قوم هذه واللّه دعوة شعيب النبي، واللّه لئن لم تخرجوا إلى هذا الرَّجل بالأسواق (6) لتؤخذَن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني في هذه المرَّة وأطيعوني وكذَّبوني فيما تستأنفون فإنّي لكم ناصح، قال : فبادروا فأخرجوا إلى محمّد بن عليّ وأصحابه بالأسواق، فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث إليه فحمله فلم يُدْرَ (7) ما صنع به.
ص: 544
٦ - سعد بن عبد اللّه والحميري جميعاً عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي ابن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قبض محمّد بن عليّ الباقر وهو ابن سبع وخمسين سنة، في عام أربع عشرة ومائة، عاش بعد عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) تسع عشرة سنة وشهرين.
ولد أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة ثلاث وثمانين، ومضى في شوّال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة، ودفن بالبقيع في القبر الّذي دفن فيه أبوه وجده والحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللّه بن أحمد، عن إبراهيم بن الحسن قال : حدَّثني وهب بن حفص، عن إسحاق بن جرير قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمّد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من ثقات عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال : وكانت أمي ممّن آمنت واتقت وأحسنت واللّه يحب المحسنين، قال: وقالت أمي : قال أبي (1) : يا أم فروة إني لأدعو اللّه لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرَّة، لأنّا نحن فيما ينوبنا (2) من الرزايا (3) نصبر على ما نعلم من الثواب وهم يصبرون على ما لا يعلمون (4)
٢ - بعض أصحابنا، عن ابن جمهور(5)، عن أبيه، عن سليمان بن سماعة، عن عبد اللّه بن القاسم، عن المفضّل بن عمر قال : وجه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد وهو واليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمّد داره، فألقى النار في دار أبي عبد اللّه، فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتخطى النار ويمشي فيها ويقول: أنا
ص: 545
ابن أعراق الثرى (1)، أنا ابن إبراهيم خليل اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
٣ - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد عن البرقي، عن أبيه، عمّن ذكره، عن رفيد مولى يزيد بن عمرو بن هبيرة (2) قال : سخط علي ابن هبيرة وحلف علي ليقتلني، فهربت منه وعدت بأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعلمته خبري، فقال لي : انصرف واقرأه مني السلام وقل له : إني قد أجَرْتُ عليك (3) مولاك رفيداً فلا تهجه (4) بسوء، فقلت له: جعلت فداك شامي خبيث الرأي، فقال : اذهب إليه كما أقول لك، فأقبلت فلما كنت في بعض البوادي استقبلني أعرابي، فقال: أين تذهب إنّي أرى وجه مقتول، ثمَّ قال لي : أخرج يدك، ففعلت فقال : يد مقتول، ثمَّ قال لي : أبرز رجلك فأبرزت رجلي، فقال : رجلٌ مقتول، ثمَّ قال لي : أبرز جسدك؟ ففعلت، فقال : جسد مقتول ثمَّ قال لي : أخرج لسانك، ففعلت، فقال لي : امض، فلا بأس عليك فإنَّ في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك، قال : فجئت حتّى وقفت على باب ابن هبيرة، فاستأذنت فلما دخلت عليه قال : أتتك بخائن رجلاه، يا غلام النطع والسيف ثمَّ أمر بي فكتفت وشُدّ رأسي وقام علي السياف ليضرب عنقي فقلت: أيّها الأمير لم تظفر بي عنوة وإنما جئتك من ذات نفسي، وههنا أمر أذكره لك ثمَّ أنت وشأنك، فقال : قل، فقلت: أخْلني (5) فأمر من حضر فخرجوا، فقلت له : جعفر بن محمّد يقرئك السلام ويقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيداً فلا تهجه بسوء. فقال : اللّه لقد قال لك جعفر [بن محمّد] هذه المقالة وأقرأني السلام؟! فحلفت له فردها عليَّ ثلاثاً، ثمَّ حلّ أكتافي، ثمَّ قال : لا يُقْنِعُني منك حتّى تفعل لي ما فعلت بك، قلت : ما تنطلق يدي بذاك ولا تطيب به نفسي، فقال : واللّه ما يقنعني إلّا ذاك، ففعلت به كما فعل بي وأطلقته فناولني خاتمه وقال: أموري في يدك فدبّر فيها ما شئت (6).
ص: 546
٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن الخيبري، عن یونس بن ظبيان ومفضّل بن عمر وأبي سلمة السرَّاج والحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا : كنا عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها ولو شئت أن أقول(1) بإحدى رجلي أخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت، قال : ثمَّ قال بإحدى رجليه فخطّها في الأرض خطّاً فانفرجت الأرض ثمَّ قال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر ثمَّ قال : انظروا حسناً، فنظرنا فإذا سبائك كثيرة بعضها على بعض يتلألأ، فقال له :بعضنا : جعلت فداك أعطيتم ما أعطيتم وشيعتكم محتاجون؟ قال : فقال (2) : إنَّ اللّه سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة ويدخلهم جناتِ النعيم ويدخل عدونا الجحيم.
5 - الحسين بن محمّد، عن المعلىّ بن محمّد عن بعض أصحابه، عن أبي بصير قال : كان لي جار يتبع السلطان (3) فأصاب مالاً، فأعد قيانا (4) وكان يجمع الجميع إليه ويشرب المسكر ويؤذيني، فشكوته إلى نفسه غير مرّة، فلم ينته فلما أن ألححت عليه فقال لي : يا هذا أنا رجل مبتلى وأنت رجل معافى، فلو عرضتني لصاحبك رجوت أن ينقذني اللّه بك، فوقع ذلك له في قلبي، فلما صرت إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذكرت له حاله فقال لي : إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك فقل له : يقول لك جعفر بن محمّد : دع ما أنت عليه وأضمن لك على اللّه الجنّة، فلمّا رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى، فاحتبسته عندي حتّى خلا منزلي ثمَّ قلت له : يا هذا إنّي ذكرتك لأبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي : إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك فقل له : يقول لك جعفر بن محمّد : دع ما أنت عليه وأضمن لك على اللّه الجنّة، قال : فبكى ثمَّ قال لي : اللّه لقد قال لك أبو عبد اللّه هذا؟ قال: فحلفت له أنّه قد قال لي ما قلت، فقال لي : حسبك (5) ومضى، فلما كان بعد أيّام بعث إليَّ فدعاني وإذا هو خلف داره عريان، فقال لي : يا أبا بصير لا واللّه ما بقي في منزلي شيء إلّا وقد أخرجته وأنا كما ترى، قال : فمضيت إلى إخواننا فجمعت له ما كسوته به ثمَّ لم تأت أيّام يسيرة حتّى بعث إليَّ أنّي عليل فأتني، فجعلت أختلف إليه وأعالجه حتّى نزل به الموت فكنت عنده جالساً وهو يجود بنفسه، فغشي عليه غشية ثمَّ
ص: 547
كتاب الحجّة
أفاق، فقال لي : يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا، ثمَّ قبض - رحمة اللّه عليه _ فلما حججت أتيت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستأذنت عليه فلما دخلت قال لي ابتداءً من داخل البيت وإحدى رجلي في الصحن والأخرى في دهليز :داره يا أبا بصير! قد وفينا لصاحبك.
٦ - أبو علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن جعفر بن محمّد بن الأشعث قال : قال لي : أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به؟ وما كان عندنا منه ذكر ولا معرفة شيء ممّا عند الناس، قال : قلت له : ما ذاك؟ قال : إنَّ أبا جعفر _ يعني أبا الدوانيق (1) _ قال لأبي، محمّد بن الأشعت : يا محمّد ابغ (2) لي رجلاً له عقل يؤدّي عنّي، فقال له أبي : قد أصبته لك هذا فلان ابن مهاجر خالي، قال فأتني به، قال : فأتيته بخالي فقال له أبو جعفر يا ابن مهاجر خذ هذا المال وأتِ المدينة وأتِ عبد اللّه بن الحسن بن الحسن وعدَّة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمّد فقل لهم : إنّي رجل غريب من أهل خراسان، وبها شيعة من شيعتكم وجّهوا إليكم بهذا المال وادفع إلى كلّ واحد منهم على شرط كذا وكذا (3)، فإذا قبضوا المال فقل : إنّي رسول وأحبُّ أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم، فأخذ المال وأتى المدينة فرجع إلى أبي الدَّوانيق ومحمّد بن الأشعث عنده، فقال له أبو الدوانيق ما وراءك قال : أتيت القوم وهذه خطوطهم بقبضهم المال خلا (4) جعفر بن محمّد، فإني أتيته وهو يصلّي في مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فجلست خلفه، وقلت حتّى ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه، فعجل وانصرف، ثمَّ التفت إليَّ فقال : يا هذا اتق اللّه ولا تغر أهل بيت محمّد فإنّهم قريبو العهد بدولة بني مروان وكلّهم محتاج (5)، فقلت : وما ذاك؟ أصلحك اللّه قال : فأدنى رأسه مني وأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك حتّى كأنه كان ثالثنا. قال : فقال له أبو جعفر : يا ابن مهاجر !، اعلم أنّه ليس من أهل بيت نبوَّة إلّا وفيه محدَّث، وإنَّ جعفر بن محمّد محدَّثنا اليوم، وكانت هذه الدَّلالة سبب قولنا بهذه المقالة.
7 - سعد بن عبد اللّه وعبد اللّه بن جعفر جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال : قبض أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن خمس وستين سنة، في عام ثمان وأربعين
ص: 548
ومائة وعاش بعد أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أربعاً وثلاثين سنة.
8 - سعد بن عبد اللّه عن أبي جعفر محمّد بن عمر بن سعيد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي الحسن الأوّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعته يقول : أنا كفنت أبي في ثوبين شَطَويين(1) كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه وفي سامة كانت لعليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وفي برد (2) اشتراه بأربعين ديناراً.
وُلِدَ أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالأبواء(3) سنة ثمان وعشرين ومائة وقال بعضهم: تسع وعشرين ومائة، وقُبِضَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، وقبض (عَلَيهِ السَّلَامُ) ببغداد في حبس السندي بن شاهك. وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوّال سنة تسع وسبعين ومائة وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان، ثمَّ شخص هارون إلى الحج وحمله معه، ثمَّ انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر، ثمَّ أشخصه إلى بغداد، فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفّي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حبسه ودفن ببغداد في مقبرة قريش وامه امّ ولد يقال لها : حميدة (4).
1 - الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلىّ بن محمّد عن عليّ بن السندي القميّ قال : حدَّثنا عيسى بن عبد الرَّحمن، عن أبيه قال: دخل ابن، عن أبيه قال : دخل ابن عُكّاشة بن (محصن) بن محصن (5) الأسدي على أبي جعفر، وكان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائماً عنده فقدَّم إليه عنباً، فقال : حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير، وثلاثة وأربعة يأكله من يظنُّ أنّه لا يشبع، وكله حبتين حبتين فإنّه يستحبُّ. فقال لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): لأيّ شيء لا تزوّج أبا عبد اللّه فقد أدرك التزويج؟ قال وبين يديه صرَّة مختومة، فقال : أما إنّه سيجييء نخاس (6) من أهل بربر فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرَّة جارية. قال : فأتى لذلك ما أتى، فدخلنا يوماً على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ألا أخبركم
ص: 549
عن النحاس الّذي ذكرته لكم قد قدم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية، قال : فأتينا النحاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلّا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى(1)، قلنا: فأخْرِجُهُما حتّى ننظر إليهما فأخرجهما، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة (2) قال : بسبعين ديناراً قلنا أحسن قال : لا أنقص من سبعين ديناراً، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها. وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكّوا وزنوا، فقال النحاس : لا تفكّوا فإنها إن نقصت حبة (3) من سبعين ديناراً لم أبايعكم. فقال الشيخ : ادنوا، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي، جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجعفر قائم عنده، فأَخْبَرْنا أبا جعفر بما كان، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمَّ قال لها : ما اسمُك ؟ قالت : حميدة، فقال حميدة في الدُّنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر أنت أم تيب؟ قالت : بكر. قال : وكيف ولا يقع في أيدي النحاسين شيء إلّا أفسدوه (4)، فقالت: قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرَّجل من المرأة فيسلّط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي، ففعل بي مراراً وفعل الشيخ به مراراً. فقال : يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن عبد اللّه بن أحمد، عن عليّ بن الحسين، عن ابن سنان، عن سابق بن الوليد، عن المعلىّ بن خنيس أن أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: حميدة مصفاة من الأدناس (5) كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتّى أديت إليَّ كرامة من اللّه لي والحجّة من بعدي (6).
٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن أبي قتادة القميّ (7)، عن أبي خالد الزبالي قال : لما أقدِمَ بأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المهديّ القدمة الأولى نزل زُبالة (8) فكنت أحدثه فرآني مغموماً فقال لي : يا أبا خالد مالي أراك
ص: 550
مغموماً، فقلت : وكيف لا أغتم وأنت تُحْمَلُ إلى هذا الطاغية ولا أدري ما يُحدِثُ فيك، فقال: ليس عليَّ بأس إذا كان شهر كذا وكذا ويوم كذا فوافني في أوّل الميل(1)، فما كان لي هم إلّا إحصاء الشهور والأيام حتّى كان ذلك اليوم، فوافيت الميل فما زلت عنده حتّى كادت الشمس أن تغيب ووسوس الشيطان في صدري وتخوفت أن أشك فيما قال، فبينا أنا كذلك إذا نظرت إلى سواد قد أقبل من ناحية العراق، فاستقبلتهم فإذا أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمام القطار على بغلة، فقال : إيه (2) يا أبا خالد، قلت: لبيك يا ابن رسول اللّه، فقال لا تشكنَّ ودَّ الشيطان أنك شككت فقلت : الحمد اللّه الّذي خلّصك منهم. فقال: إنّ لي إليهم عودة لا أتخلّص منهم.
٤ - أحمد بن مهران وعليّ بن إبراهيم جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعُرَيْض (3) فقال له النصراني : أتيتك من بلد بعيد وسفر شاق، وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان وإلى خير العباد وأعلمهم، وأتاني آتٍ في النوم فوصف لي رجلاً بعُلْيا (4) دمشق، فانطلقت حتّى أتيته فكلّمته، فقال : أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني، فقلت: أرشدني إلى من هو أعلم منك فإنّي لا أستعظم السفر ولا تبعد علي الشُّقَّة (5)، ولقد قرأت الإنجيل كله، ومزامير داود وقرأت أربعة أسفار من التوراة، وقرأت ظاهر القرآن حتّى استوعبته كله، فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب والعجم بها. وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم النّاس بها اليوم، وإن كنت تريد علم الإسلام وعلم التوراة وعلم الإنجيل وعلم الزَّبور وكتاب هود، وكلما أنزل على نبي من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك (6) وما أنزل من السماء من خبر (7) فعلمه أحدٌ (8) أو لم يعلم به أحد، فيه تبيان كلّ شيء وشفاء للعالمين، ورَوْحٌ (9) لمن استروح إليه، وبصيرة لمن أراد اللّه به خيراً، وأنسٌ إلى الحقّ فأرشدك إليه، فأته ولو مشياً على رجليك، فإن لم تقدر فَحَبواً على ركبتيك، فإن لم تقدر فزحفاً على إستك (10)، فإن لم تقدر فعلى وجهك، فقلت: لا
ص: 551
بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال، قال : فانطلق من فورك حتّى تأتي يثرب، فقلت: لا أعرف يثرب، قال : فانطلق حتّى تأتي مدينة النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي بُعِثَ في العرب وهو النبيّ العربي الهاشمي، فإذا دخلتها فَسَلْ عن بني غنم بن مالك بن النجار وهو عند باب مسجدها، وأظهر بزَّة (1) النصرانية وحليتها (2) فإنّ واليها يتشدَّد عليهم والخليفة أشد، ثمَّ تسأل عن بني عمرو بن مبذول وهو ببقيع الزبير، ثمَّ تسأل عن موسى بن جعفر وأين منزله وأين هو؟ مسافر أم حاضر، فإن كان مسافراً فالحقه فإنَّ سفره أقرب ممّا ضربت إليه ثمَّ أعلمه أنَّ مطران عليا الغوطة (3) - غوطة دمشق - هو الّذي أرشدني إليك وهو يقرئك السلام كثيراً ويقول لك : إنّي لأكثر مناجات ربي أن يجعل إسلامي على يديك، فقصَّ هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه، ثمَّ قال : إن أذنت لي يا سيدي كفّرت لك (4) وجلست. فقال : آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفّر فجلس ثمَّ ألقى عنه برنسه ثمَّ قال : جعلت فداك تأذن لي في الكلام؟ قال : نعم ما جئت إلّا له، فقال له النصراني : أردد على صاحبي السلام أو (5) ما تردُّ السّلام، فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : على صاحبك أن هداه اللّه، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا (6)، فقال النصراني : إني أسألك - أصلحك اللّه _ قال : سل، قال : أخبرني عن كتاب اللّه تعالى الّذي أنزل على محمّد ونطق به، ثمَّ وصفه بما وصفه به، فقال: (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم) (7) وما تفسيرها في الباطن؟ فقال: أما حتم ف_ه_و محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو في كتاب هود الّذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف(8). وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمّا اللّيلة ففاطمة(9) وأما قوله : و(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم) يقول : يخرج منها (10) خير كثير فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم. فقال الرَّجل صف لي الأوّل والآخر من هؤلاء الرجال فقال : إنَّ الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم، إن لم تغيروا وتحرّفوا
ص: 552
وتكفروا وقديماً ما فعلتم، قال له النصراني : إنّي لا أسترُعَنك ما علمت، ولا أكذبك وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه واللّه لقد أعطاك اللّه من فضله، وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره الساترون ولا يكذب فيه مَن كَذَب، فقولي لك في ذلك الحقّ كما ذكرت، فهو كما ذكرت، فقال له أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعجلك أيضاً خبراً لا يعرفه إلّا قليل ممّن قرأ الكتب، أخبرني ما اسم أمّ مريم وأي يوم نفخت فيه مريم، ولكم من ساعة من النهار، وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولكم من ساعة من النهار؟ فقال النصراني : لا أدري، فقال أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا أُمُّ مريم فاسمها مَرْثا وهي وهيبة بالعربية. وأما اليوم الّذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال، وهو اليوم الّذي هبط فيه الروح الأمين وليس للمسلمين عيد كان أولى منه، عظمه اللّه تبارك وتعالى وعظمه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأمر أن يجعله عيداً فهو يوم الجمعة، وأما اليوم الّذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء، لأربع ساعات ونصف من النهار، والنهر الّذي ولدت عليه مريم عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل تعرفه ؟ قال : لا، قال هو الفرات وعليه شجر النخل والكرم (1) وليس يساوى (2) بالفرات شيء للكروم والنخيل، فأما اليوم الّذي حجبت فيه لسانها(3) ونادى قيدوس (4) ولده وأشياعه فأعانوه وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم، فقالوا لها ما قصَّ اللّه عليك في كتابه (5) وعلينا في كتابه (6)، فهل فهمته (7)؟ قال : نعم وقرأته اليوم الأحدث (8)، قال : إذن لا تقوم من مجلسك حتّى يَهْدِيك اللّه، قال النصراني : ما كان اسم أمي بالسريانية وبالعربية ؟ فقال : كان اسم أُمّك بالسريانية عنقالية، وعُنقورة كان اسم جدتك لأبيك، وأما اسم أمك بالعربية فهوميَّة، وأما اسم أبيك فعبد المسيح وهو عبد اللّه بالعربية وليس للمسيح عبد، قال : صَدَقْتَ وبَرَرْت، فما كان اسم جدّي؟ قال : كان اسم جدّك جبرئيل وهو عبد الرحمن سمّيته في مجلسي هذا قال: أما إنّه كان مسلماً؟ قال أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم وقُتِلَ شهيداً، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة والأجناد من أهل الشام، قال : فما كان اسمي قبل كنيتي ؟ قال : كان اسمك عبد الصليب، قال : فما تسميني ؟ قال أسميك عبد اللّه، قال : فإني
ص: 553
آمنت باللّه العظيم وشهدت أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، فرداً صمداً، ليس كما تصفه النصارى وليس كما تصفه اليهود ولا جنس من أجناس الشرك، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ فأبان به لأهله وعمي المبطلون، وأنه كان رسول اللّه إلى النّاس كافة إلى الأحمر والأسود كلّ فيه مشترك، فأبصر من أبصر واهتدى من اهتدى، وعمي المبطلون وضل عنهم ما كانوا يدَّعون، وأشهد أنَّ وليه نطق بحكمته وأنَّ من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة، وتواز روا(1) على الطاعة اللّه، وفارقوا الباطل وأهله والرّجس وأهله، وهجروا سبيل الضلالة ونصرهم اللّه بالطاعة له، وعصمهم من المعصية، فهم اللّه أولياء وللدين أنصار، يحثون على الخير ويأمرون به آمنت بالصغير منهم والكبير ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر، وآمنت باللّه تبارك وتعالى ربّ العالمين، ثمَّ قطع زُنّاره وقطع صليباً كان في عنقه من ذهب، ثمَّ قال : مُرْني حتّى أضع صَدَقَتي (2) حيث تأمرني. فقال : ههنا أخ لك كان على مثل دينك، وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة وهو في نعمة كنعمتك (3)، فتواسيا وتجاورا، ولست أدع أن أورد عليكما حقكما في الإسلام (4)، فقال : واللّه - أصلحك اللّه - إنّي لغني ولقد تركت ثلاثمائة طروق (5)بين فرس وفرسة وتركت ألف بعير، فحقك فيها أوفر من حقي، فقال له : أنت مولى اللّه ورسوله وأنت في حد نسبك على حالك (6)، فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بني فهر وأصدقها أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) خمسين ديناراً من صدقة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخدمه (7) وبوأه (8) وأقام حتّى أخرج أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (9)، فمات بعد مخرجه بثمان وعشرين ليلة.
5 - عليّ بن إبراهيم وأحمد بن مهران جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر قال : كنت عند أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له : إذا كان غداً فأتِ بهما عند بئر
ص: 554
أم خير، قال: فوافينا من الغد، فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بِخَصَفَة (1) يواري، ثمَّ جلس وجلسوا فبدأت الرَّاهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كلّ ذلك يجيبها، وسألها أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أشياء لم يكن عندها فيه شيء، ثمَّ أسلمت ثمَّ أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في كلّ ما يسأله، فقال الرّاهب : قد كنت قوياً على ديني وما خلفت أحداً من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي في العلم، ولقد سمعت برجل في الهند، إذا شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة ثمَّ يرجع إلى منزله بأرض الهند فسألت عنه بأي أرض هو؟ فقيل لي : إنّه بسبذان (2)، وسألت الّذي أخبرني فقال : هو علم الإسم الّذي ظفر به آصف صاحب سلیمان لما أنى بعرش سبأ، وهو الّذي ذكره اللّه لكم في كتابكم ولنا معشر الأديان في كتبنا، فقال له أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فكم اللّه من اسم لا يُرَدُّ (3).؟ فقال الراهب : الأسماء كثيرة فأما المحتوم منها الّذي لا يرد سائله فسبعة فقال له أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأخبرني عمّا تحفظ منها، قال الراهب لا واللّه الّذي أنزل التوراة على موسى وجعل عيسى عبرة للعالمين، وفتنة لشكر أولى الألباب، وجعل محمّداً بركة ورحمة وجعل عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبرة وبصيرة، وجعل الأوصياء من نسله ونسل محمّد ما أدري، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ولا جئتك ولا سألتك، فقال له أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عُد إلى حديث الهندي، فقال له الرّاهب : سمعت بهذه الأسماء ولا أدري ما بطانتها (4) ولا شرايحها(5)، ولا أدري ما هي ولا كيف هي ولا بدعائها، فانطلقت حتّى قدمت سبذان الهند فسألت عن الرَّجل، فقيل لي : إنّه بنى ديراً في جبل فصار لا يخرج ولا يُرى إلّا في كلّ سنة مرَّتين، وزَعَمَت الهند أنَّ اللّه فجر له عيناً في ديره، وزعمت الهند أنّه يزرع له من غير زرع يلقيه (6) ويحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت إلى بابه فأقمت ثلاثاً، لا أدق الباب ولا أعالج الباب، فلمّا كان اليوم الرابع، فتح اللّه الباب وجاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن، فدفعت الباب فانفتح فتبعتها ودخلتُ فوجدت الرَّجل قائماً ينظر إلى السماء فيبكي، وينظر إلى الأرض فيبكي، وينظر إلى الجبال فيبكي، فقلت : سبحان اللّه ما أقل ضَرْبَك (7) في دهرنا هذا، فقال لي : واللّه ما أنا إلّا حسنة من حسنات رجل خلفته
ص: 555
وراء ظهرك، فقلت له : أخبرت أنَّ عندك اسماً من أسماء اللّه تبلغ به في كلّ يوم وليلة بيت المقدس وترجع إلى بيتك، فقال لي : وهل تعرف بيت المقدس؟ قلت: لا أعرف إلّا بيت المقدس الّذي بالشام؟ قال : ليس بيت المقدس ولكنه البيت المقدس، وهو بيت آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقلت له : أما ما سمعته به إلى يومي هذا فهو بيت المقدس، فقال لي : تلك محاريب الأنبياء، وإنّما كان يقال لها : حظيرة المحاريب، حتّى جاءت الفترة التي كانت بين محمّد وعيسى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقرب البلاء من أهل الشرك، وحلّت النقمات في دور الشياطين(1)، فحولوا وبدلوا، ونقلوا تلك الأسماء، وهو قول اللّه تبارك وتعالى - البطن لآل محمّد والظهر مَثَل – (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (2) فقلت له : إنّي قد ضربت إليك (3) من بلد يعيد، تعرّضت أليك بحاراً وغموماً وهموماً وخوفاً وأصبحت وأمسيت مؤيساً إلّا أكون ظفرت بحاجتي، فقال لي : ما أرى أمك حملت بك إلّا وقد حضرها مَلَك كريم، ولا أعلم أنَّ أباك حين أراد الوقوع بأمك إلّا وقد اغتسل وجاءها على طهر، ولا أزعم إلّا أنّه قد كان درس (4) السِّفْرَ الرّابع من سَحَرهِ ذلك، فختم له بخير إِرْجِعُ من حيث جئتَ، فانطلق حتّى تنزل مدينة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) التي يقال لها : طيبة وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب، ثمَّ اعمد إلى موضع منها يقال له : البقيع، ثمَّ سل عن دار يقال لها : دار مروان، فانزلها وأقم ثلاثاً (5) ثمَّ سل [عن] الشيخ الأسود (6) الّذي يكون على بابها يعمل البواري وهي في بلادهم، اسمها الخصف، فالطف بالشيخ وقل له بعثني إليك نزيلك الّذي كان ينزل في الزاوية في البيت الّذي فيه الخشيبات الأربع، ثمَّ سله عن فلان بن فلان الفلاني وسله أين ناديه، وسله أيّ ساعة يمر فيها فليريكاه أو يصفه لك، فتعرفه بالصفة وسأصفه لك، قلت : فإذا لقيته فأصْنَعُ ماذا؟ قال : سله عما كان وعمّا هو كائن وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي، فقال له أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد نصحك صاحبك الّذي لقيت، فقال الراهب ما اسمه جعلت فداك ؟ قال : هو متمم بن فيروز وهو من أبناء الفرس، وهو ممّن آمن باللّه وحده لا شريك له وعَبَدَه بالإخلاص والإيقان، وفرَّ من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكماً وهذاه لسبيل الرشاد، وجعله من المتقين
ص: 556
وعرّف بينه وبين عباده المخلصين، وما من سنة إلّا وهو يزور فيها مكّة حاجاً، ويعتمر في رأس كلّ شهر مرة، ويجيىء من موضعه من الهند إلى مكة، فضلاً من اللّه وعوناً، وكذلك يجزي اللّه الشاكرين، ثمَّ سأله الرّاهب عن مسائل كثيرة، كلّ ذلك يجيبه فيها. وسأل الراهب عن أشياء، لم يكن عند الراهب فيها شيء، فأخبره بها، ثمَّ إنّ الراهب قال : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء ومن يفسّرها؟ قال : ذاك قائمنا ينزله اللّه عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصدّيقين والرسل والمهتدين، ثمَّ قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي ؟ قال : أخبرك بالأربعة كلّها، أما أولهن فلا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له باقياً، والثانية محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مخلصاً، والثالثة نحن أهل البيت والرابعة شيعتنا منا ونحن من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورسول اللّه من اللّه بسبب فقال له الرّاهب : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه وأن ما جاء به من عند اللّه حقٌّ، وأنّكم صفوة اللّه من خلقه، وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون (1) ولهم عاقبة اللّه والحمد للّه ربّ العالمين، فدعا أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بجبة خز وقميص قوهي (2) وطيلسان وخف وقلنسوة، فأعطاه إياها وصلّى الظهر وقال له : اختتن، فقال : قد اختتنت في سابعي (3).
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن المغيرة قال : مرّ العبد الصالح بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون، وقد ماتت لها بقرة، فدنا منها ثمَّ قال لها : ما يبكيك يا أمة اللّه ؟ قالت : يا عبد اللّه : إن لنا صبياناً يتامى، وكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها (4)، وقد ماتت وبقيت منقطعاً بي وبولدي لا حيلة لنا، فقال : يا أمة اللّه هل لكِ أن أحييها لك فألهمت أن قالت نعم يا عبد اللّه، فتنحى وصلّى ركعتين، ثمَّ رفع يده هنيئة (5) وحرّك شفتيه (6)، ثمَّ قام فصوّت (7) بالبقرة فنخسها نخسة (8) أو
ص: 557
ضربها (1) برجله فاستوت على الأرض قائمة، فلما نظرت المرأة إلى البقرة صاحت وقالت : عيسى ابن مريم (2) وربّ الكعبة، فخالط النّاس وصار بينهم ومضى (عَلَيهِ السَّلَامُ).
7 - أحمد بن مهران - رحمه اللّه - عن محمّد بن عليّ، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق ابن عمار، قال : سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي : وإنه ليعلم متى يموت الرَّجل من شيعته؟! فالتفت إلى شبه المغضب فقال : يا إسحاق قد كان رُشَيْدٌ (3) الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك، ثمَّ قال: يا إسحاق اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، وإنك تموت إلى سنتين، وإخوتك وأهل بيتك لا يلبثون بعدك إلّا (4) يسيراً حتّى تتفرق كلمتهم، ويخون بعضهم بعضاً حتّى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك (5) فقلت : فإنّي أستغفر اللّه بما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق (6) بعد هذا المجلس إلّا يسيراً حتّى مات فما أتى عليهم إلّا قليل حتّى قام بنو عمّار بأموال النّاس فأفلسوا.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر قال : جاءني محمّد بن إسماعيل وقد اعْتَمَرنا عُمرة رجب، ونحن يومئذ بمكّة، فقال : يا عم (7) أنّي أريد بغداد، وقد أحببت أو أودع عمّي أبا الحسن _ يعني موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وأحببت أن تذهب معي إليه فخرجت معه نحو أخي وهو في داره التي بالحوبة (8) وذلك بعد المغرب بقليل، فضربت الباب فأجابني أخي فقال: من هذا؟ فقلت : علي، فقال : هو ذا أخرج _ وكان بطيء الوضوء - فقلت : العَجَلَ (9) قال : وأَعْجَل، فخرج وعليه إزار ممشق (10) قد عقده في عنقه حتّى قعد تحت عتبة الباب فقال عليّ بن جعفر : فانكببت عليه
ص: 558
فقبلت رأسه وقلت : قد جئتك في أمر إن تره صواباً فاللّه وفق له، وإن يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطي، قال : وما هو؟ قلت هذا ابن أخيك يريد أن يودعك ويخرج إلى بغداد، فقال لي: ادعه فدعوته وكان متنحياً، فدنا منه فقبل رأسه وقال : جعلت فداك أوصني فقال : أوصيك أن تتقي اللّه في دمي، فقال مجيباً له : من أرادك بسوء فعل اللّه به (1) وجعل يدعو على من يريده بسوء، ثمَّ عاد فقبل رأسه، فقال : يا عم أوصني فقال : أوصيك أن تتقي اللّه في دمي، فقال : من أرادك بسوء فعل اللّه به وفعل، ثمَّ عاد فقبل رأسه، ثمَّ قال: يا عم أوصني، فقال : أوصيك أن تتقي اللّه في دمي فدعا على من أراده بسوء، ثمَّ تنحى عنه ومضيت معه فقال لي أخي : يا علي مكانك (2) فقمت مكاني فدخل منزله، ثمَّ دعاني فدخلت إليه فتناول صرة فيها مائة دينار فأعطانيها وقال : قل لابن أخيك يستعين بها على سفره. قال علي : فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي. ثمَّ ناولني مائة أخرى وقال : أعطه أيضاً، ثمَّ ناولني صرَّة أخرى وقال : أعطه أيضاً، فقلت : جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الّذي ذكرت فلمَ تُعينُهُ على نفسك؟ فقال: إذا وصلته وقطعني قطع اللّه أجَلَه (3)، ثمَّ تناول مخدَّة أدم (4)، فيها ثلاثة آلاف درهم وَضَح (5) وقال: أعطه هذه أيضاً. قال : فخرجت إليه فأعطيته المائة الأولى ففرح بها فرحاً شديداً ودعا لعمه، ثمَّ أعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتّى ظننت أنّه سيرجع ولا يخرج، ثمَّ أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتّى دخل على هارون (6) فسلّم عليه بالخلافة وقال : ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتّى رأيت عمّي موسى بن جعفر يُسلَّم عليه بالخلافة، فأرسل هارون إليه (7) بمائة ألف درهم فرماه اللّه بالذُّبَحَة (8) فما نظر منها إلى درهم وَلَا مَسَّهُ.
9 - سعد بن عبد اللّه وعبد اللّه بن جعفر جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزیار عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال : قبضَ موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن أربع وخمسين سنة، في عام ثلاث وثمانين ومائة وعاش بعد جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) خمساً وثلاثين سنة.
ص: 559
وُلِدَ أبو الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة ثمان وأربعين ومائة (1)، وقبضَ في صفر من سنة ثلاث ومائتين (2) وهو ابن خمس وخمسين سنة (3). وقد اختلف في تاريخه إلّا أنَّ هذا التاريخ هو أقصد (4) إن شاء اللّه وتوفّي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطوس في قرية يقال لها سناباد من نوقان (5) على دعوة (6)، : ودفن بها. وكان المأمون أشخصه من المدينة إلى مرو على طريق البصرة وفارس، فلما خرج المأمون وشخص إلى بغداد معه، فتوفّى في هذه القرية. وأمّه أم ولد يقال لها : أُمُّ البنين (7).
١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب، عن هشام بن أحمر قال : قال لي أبو الحسن الأوّل: هل علمت أحداً من أهل المغرب (8) قَدِمَ؟ قلت : لا، قال : بلى قد قدم رجل فانطلق بنا، فركب وركبت معه حتّى انتهينا إلى الرَّجل، فإذا رجل من أهل المدينة معه رقيق فقلت له اعرض علينا فعرض علينا سبعَ جَوَار، كلّ ذلك يقول أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حاجة لي فيها، ثمَّ قال : اعرض علينا، فقال : ما عندي إلّا جارية مريضة، فقال له : ما عليك أن تعرضها، فأبى عليه فانصرف، ثمَّ أرسلني من الغد فقال : قل له : كم كان غايتك (9) فيها فإذا قال كذا وكذا، فقل : قد أخذتها فأتيته فقال : ما كنت أريد أن أنقصها من كذا وكذا، فقلت : قد أخذتها. فقال : هي لك، ولكن أخبرني من الرَّجل الّذي كان معك بالأمس؟ فقلت رجل من بني هاشم، قال من أي بني هاشم؟ فقلت: ما عندي أكثر هذا. فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة (10) أنّي اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟ قلت : اشتريتها لنفسي. فقالت : ما يكون ينبغي أن تكون هذه عند مثلك، إن
ص: 560
هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلّا قليلاً حتّى تلد منه غلاماً ما يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله قال فأتيته بها فلم تلبث عنده إلّا قليلا حتّى ولدت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عمّن ذكره، عن صفوان بن يحيى قال : لمّامضى أبو إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وتكلّم أبو الحسن (1) (عَلَيهِ السَّلَامُ) خفنا عليه من ذلك، فقيل له : أنك قد أظهرت أمراً عظيماً وإنا نخاف عليك هذا الطاغية (2)، قال : فقال : ليجهد جهده (3)، فلا سبيل له عليَّ.
٣ - أحمد بن مهران - رحمه اللّه - عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن منصور، عن أخيه قال : دخلت على الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بيت داخل في جوف بيت ليلاً، فرفع يده، فكانت كأن في البيت عشرة مصابيح (4). واستأذن عليه رجل فخلّى يده (5)، ثمَّ أذن له.
٤ - عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور عن إبراهيم بن عبد اللّه، عن أحمد بن عبد اللّه، عن الغفاري (6) قال : كان لرجل من آل أبي رافع مولى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقال له : طَيْسٌ على حقٌّ، فتقاضاني وألح عليَّ وأعانه الناس، فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ توجهت نحو الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يومئذ بالعُريض (7)، فلما قربت من بابه إذا هو قد طلع على حمار وعليه قميص ورداء، فلما نظرت إليه استحييت منه، فلما لحقني وقف ونظر إليَّ فسلمت عليه - وكان شهر رمضان - فقلت : جعلني اللّه فداك، إنَّ مولاك طيس عليَّ حقاً وقد واللّه شَهرني (8) وأنا أظنُّ في نفسي أنّه يأمره بالكف عنّي، وواللّه ما قلت له كم له علي ولا سمّيت له شيئاً، فأمرني بالجلوس إلى رجوعه، فلم أزل حتّى صليت المغرب وأنا صائم، فضاق صدري وأردت أن أنصرف، فإذا هو قد طلع علي وحوله الناس، وقد قعد له السؤال (9) وهو يتصدَّق عليهم، فمضى ودخل بيته، ثمَّ خرج ودعاني فقمت إليه ودخلت معه، فجلس وجلست فجعلت أحدثه
ص: 561
عن ابن المسيب (1) وكان أمير المدينة وكان كثيراً ما أحدثه عنه، فلما فرغت قال : لا أظنك أفطرت بعد؟ فقلت : لا، فدعا لي بطعام، فوُضِعَ بين يدي، وأمر الغلام أن يأكل معي، فأصبت والغلام من الطعام، فلما فرغنا قال لي : ارفع الوسادة وخذ ما تحتها، فرفعتها وإذا دنانير فأخذتها ووضعتها في كمّي، وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتّى يبلغوني منزلي، فقلت: جعلت فداك إنَّ طائف (2) ابن المسيب يدور وأكره أن يلقاني ومعي عبيدك، فقال لي : أصبت أصاب اللّه بك الرّشاد، وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم، فلما قربت من منزلي وآنَسْتُ رددتهم، فصرت إلى منزلي ودعوت بالسراج ونظرت إلى الدنانير وإذا هي ثمانية وأربعون ديناراً، وكان حقٌّ الرَّجل عليَّ ثمانية وعشرين ديناراً، وكان فيها دينار يلوح (3) فأعجبني حسنه فأخذته وقربته من السراج فإذا عليه نقش واضح : حقُّ الرَّجل ثمانية وعشرون ديناراً وما بقي فهو لك؛ ولا واللّه ما عرفت ماله عليّ والحمد للّه ربّ العالمين الّذي أعزّ وليّه.
٥ - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه خرج من المدينة في السنة التي حجّ فيها هارون يريد الحجّ، فانتهى إلى جبل عن يسار الطريق - وأنت ذاهب إلى مكّة - يقال له : فارع (4)، فنظر إليه أبو الحسن ثمَّ قال : باني(5) فارع وهادمه يقطع إربا إرباً(6)، فدم ندر ما معنى ذلك، فلما ولّى (7) وافى هارون ونزل بذلك الموضع، صعد جعفر بن يحيى ذلك الجبل وأمر أن يبنى له ثمَّ (8) مجلس، فلما رجع من مكّة صعد إليه فأمر بهدمه، فلما انصرف (9) إلى العراق قطع إربا إرباً.
٦ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن حمزة بن القاسم عن إبراهيم بن موسى قال : ألححت على أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شيء أطلبه منه، فكان يعدني، فخرج ذات يوم ليستقبل والي المدينة وكنت معه، فجاء إلى قرب قصر فلان، فنزل تحت شجرات ونزلت معه أنا وليس معنا ثالث فقلت: جُعِلتُ فداك هذا العيد قد
ص: 562
أظلنا ولا واللّه ما أملك درهماً فما سواه، فحلَّ بسوطه الأرض حكاً شديداً ثمَّ ضرب بيده فتناول منه سبيكة ذهب، ثمَّ قال : انتفع بها واكتم ما رأيت.
7 _ عليّ بن إبراهيم، عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعاً قال : لما انقضى أمر المخلوع (1)، واستوى الأمر للمأمون كتب إلى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يستقدمه إلى خراسان، فاعتل (2) عليه أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعلل، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتّى علم أنّه لا محيص له (3) وأنه لا يكف عنه، فخرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولأبي جعفر (4) (عَلَيهِ السَّلَامُ) سبع سنين، فكتب إليه المأمون : لا (5) تأخذ على طريق الجبل وقم، وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس حتّى وافي مرو، فعرض عليه المأمون أن يتقلد الأمر والخلافة ؛ فأبى أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : فولاية العهد؟ فقال: على شروط (6) أسألكها، قال المأمون له : سَل ما شئت فكتب الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): أني داخل في ولاية العهد ؛ على أن لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أُولّي ولا أعزل ولا أغير شيئاً ممّا هو قائم وتعفيني من ذلك كله، فأجابه المأمون إلى ذلك كله، قال : فحدَّثني ياسر قال : فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلّي ويخطب، فبعث إليه الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر، فبعث إليه المأمون : إنّما أريد بذلك أن تطمئن قلوب النّاس ويعرفوا فضلك، فلم يزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يراده الكلام في ذلك فالح عليه، فقال : يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحبُّ إليَّ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال المأمون : اخرج كيف شئت، وأمر المأمون القوّاد والنّاس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن.
قال : فحدَّثني ياسر الخادم أنّه قعد النّاس لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الطرقات والسطوح، الرّجال والنساء والصبيان، واجتمع القوّاد والجند على باب أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما طلعت الشمس قام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه وتشمر، ثمَّ قال لجميع مواليه : افعلوا مثل ما فعلت، ثمَّ أخذ بيده عكازاً، ثمَّ خرج ونحن
ص: 563
بين يديه وهو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمّرة، فلما مشى ومشينا بين يديه، رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب قد تهيؤوا ولبسوا السلاح وتزيّنوا بأحسن الزينة، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقف على الباب وقفة، ثمَّ قال: «اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر [ اللّه أكبر على ما هدانا اللّه يكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد اللّه على ما أبلانا» (1) نرفع بها أصواتنا (2) _ قال :ياسر : فتزعزعت (3) مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وسقط القوّاد عن دوابهم، ورموا بخفافهم (4) لما رأوا أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حافياً، وكان يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات، ويكبر ثلاث مرّات. قال ياسر : فتخيل إلينا أنّ السّماء والأرض والجبال تجاوبه وصارت مَرْوُ ضجّة واحدة من البكاء. وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين(5) : يا أمير المؤمنين إن بلغ الرّضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به النّاس والرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخفه فلبسه وركب ورجع.
8 - عليّ بن إبراهيم، عن ياسر قال : لما خرج المأمون من خراسان يريد بغداد، وخرج الفضل ذو الرّياستين وخرجنا مع أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَرَدَ على الفضل بن سهل ذي الرياستين كتابٌ من أخيه الحسن بن سهل ونحن في بعض المنازل أنّي نظرت في تحويل السنة في حساب النجوم فوجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا وكذا يوم الأربعاء حرَّ الحديد وحرَّ النار، وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين والرّضا الحمّام في هذا اليوم وتحتجم فيه وتصب على يديك الدَّم ليزول عنك نحسه فكتب ذو الرّياستين إلى المأمون بذلك وسأله أن يسأل أبا الحسن ذلك، فكتب المأمون إلى أبي الحسن يسأله ذلك، فكتب إليه أبو الحسن : لست بداخل الحمام غداً، ولا أرى لك ولا للفضل أن تدخلا الحمّام غداً، فأعاد عليه الرقعة مرتين، فكتب إليه أبو الحسن يا أمير المؤمنين لست بداخل غداً الحمام، فإني رأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في هذه الليلة في النوم فقال لي: يا عليُّ لا تدخل الحمّام غداً. ولا أرى لك ولا للفضل أن تدخلا الحمام غداً، فكتب إليه المأمون صدقت يا سيدي وصدق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لست بداخل الحمام غداً
ص: 564
والفضل أعلم، قال : فقال ياسر : فلما أمسينا وغابت الشمس قال لنا الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قولوا نعوذ باللّه من شرّ ما ينزل في هذه الليلة، فلم نزل نقول ذلك، فلما صلّى الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) الصبح قال لي : اصعد [على] السطح فاستمع هل تسمع شيئاً؟، فلما صعدت سمعت الضجّة والتحمت (1) وكثرت فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الّذي كان إلى داره من دار أبي الحسن وهو يقول : يا سيدي يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل (2)، فإنّه قد أبى وكان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه واخذ ممّن دخل عليه ثلاث نفر كان أحدهم ابن خاله الفضل ابن ذي القلَمين (3). قال : فاجتمع الجند والقوّاد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا : هذا اغتاله وقتله - يعني المأمون - ولنطلبنَّ بدمه وجاؤوا بالنيران ليحرقوا الباب فقال المأمون لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سيدي ترى أن تخرج إليهم وتفرقهم. قال : فقال ياسر : فركب أبو الحسن وقال لي : اركب فركبتُ فلما خرجنا من باب الدار نظر إلى النّاس وقد تزاحموا، فقال لهم بيده تفرقوا تفرقوا. قال :ياسر فأقبل النّاس واللّه يقع بعضهم على بعض وما أشار إلى أحد إلّا ركض ومر.
9 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن مسافر ؛ وعن الوشّاء، عن مسافر قال : لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع محمّد بن جعفر (4) قال لي أبو الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اذهب إليه وقل له : لا تخرج غداً فإنّك إن خرجت غداً هُزمت وقُتِل أصحابك. فإن سألك من أين علمت هذا فقل : رأيت في المنام (5) قال : فأتيته فقلت له : جعلت فداك لا تخرج : غداً فإنّك إن خرجت هُزمت وقُتل أصحابك. فقال لي : من أين علمت هذا؟ فقلت: رأيت في المنام، فقال : نام العبد (6) ولم يغسل إسته، ثمَّ خرج فانهزم وقتل أصحابه. قال : وحدَّثني مسافر قال : كنت مع أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمنى، فمرَّ يحيى بن خالد فغطي رأسه من الغبار فقال : مساكين لا يدرون ما يحلُّ بهم في هذه السنة ثمَّ قال وأعْجَبُ من هذا هارون وأنا كهاتين - وضم إصبعيه -، قال :مسافر: فواللّه ما عرفت معنى حديثه حتّى دفناه (7) معه
ص: 565
10 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن محمّد القاساني قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مالاً له خطر (1)، فلم أره سُرَّ به. قال : فاغتممت لذلك وقلت في نفسي : قد حملت هذا المال ولم يسر به، فقال : يا غلام الطست والماء، قال : فقعد على كرسي وقال بيده [ وقال] للغلام : صبَّ عليَّ الماء. قال : فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب، ثمَّ التفت إليَّ فقال لي : من كان هكذا [لا] يبالي بالّذي حملته إليه.
11 - سعد بن عبد اللّه ؛ وعبد اللّه بن جعفر جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان قال : قُبض عليّ بن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن تسع وأربعين (2) سنة وأشهر في عام اثنين ومائتين (3) عاش بعد موسى بن جعفر عشرين سنة إلّا شهرين أو ثلاثة.
وُلدَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة وقبضَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً ودُفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ). وقد كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أوَّل هذه السنة التي توفي فيها (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمه أم ولد يقال لها : سبيكة نوبية وقيل أيضاً : إنّ اسمها كان خيزران (4). وروي أنّها كانت من أهل بيت مارية أم إبراهيم ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان عن عليّ بن خالد _ قال محمّد (5) : وكان (6) زيدياً _ قال : كنت بالعسكر (7) فبلغني أنَّ هناك رجل محبوس أتي به من ناحية الشام
ص: 566
مكبولا (1) وقالوا : إنّه تنبّأ (2). قال عليّ بن خالد : فأتيت الباب وداريت البوابين والحجبة حتّى وصلت إليه فإذا رجل له فَهم، فقلت : يا هذا ما قصتك وما أمرك ؟ قال : إنّي كنت رجلاً بالشام أعبد اللّه في الموضع الّذي يقال له : موضع رأس الحسين فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص فقال لي قم بنا، فقمت معه فبينا أنا معه إذ أنا في مسجد الكوفة، فقال لي : تعرف هذا المسجد ؟ فقلت : نعم هذا مسجد الكوفة، قال: فصلّى وصليت معه، فبينا أنا معه إذ أنا في مسجد الرَّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالمدينة، فسلّم على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وسلّمت وصلّى وصليت معه وصلّى على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فبينا أنا معه إذا أنا بمكّة، فلم أزل معه حتّى قضى مناسكه وقضيت مناسكي معه، فبينا أنا معه إذا أنا في الموضع الّذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام ومضى الرَّجل، فلمّا كان العام القابل إذا أنا به فعل فعلته الأولى، فلما فرغنا من مناسكنا وردني إلى الشام وهم بمفارقتي قلت له : سألتك بالحقّ الّذي أقدرك على ما رأيت إلّا أخبرتني من أنت؟، فقال : أنا محمّد بن عليّ بن موسى، قال : فتراقى الخبر (3) حتّى انتهى إلى محمّد بن عبد الملك الزيات (4)، فبعث إليَّ وأخذني وكبّلني في الحديد وحملني إلى العراق، قال : فقلت له : فارفع القصة إلى محمّد عبد الملك، ففعل وذكر في قصته ما كان فوقع في قصته قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكّة وردّك من مكّة إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا.
قال عليّ بن خالد فغمّني ذلك من أمره ورققت له وأمرته بالعزاء والصبر، قال : ثمَّ بكّرت عليه فإذا الجند وصاحب الحرس وصاحب السجن وخلق اللّه (5)، فقلت ما هذا؟ فقالوا : المحمول من الشام الّذي تنبأ افتقد البارحة فلا يُدْرَى أخْسِفَتْ به الأرض أو اختطفه (6) الطير.
٢ - الحسين بن محمّد الأشعريّ قال : حدَّثني شيخ من أصحابنا يقال له : عبد اللّه بن رزين قال : كنت مجاوراً بالمدينة - مدينة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - وكان أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يجيىء في كلّ يوم مع الزوال إلى المسجد، فينزل في الصحن (7) ويصير إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويسلّم عليه ويرجع إلى بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فيخلع نعليه ويقوم فيصلي فوسوس إليَّ الشيطان، فقال: إذا نزل
ص: 567
فاذهب حتّى تأخذ من التراب الّذي يطأ عليه، فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا (1)، فلمّا أن كان وقت الزوال أقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على حمار له، فلم ينزل في الموضع الّذي كان ينزل فيه وجاء حتّى نزل على الصخرة التي على باب المسجد ثمَّ دخل فسلّم على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : ثمَّ رجع إلى المكان الّذي كان يصلّي فيه ففعل هذا أياماً، فقلت: إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الّذي يطأ عليه بقدميه، فلما أن كان من الغد جاء عند الزَّوال فنزل على الصخرة ثمَّ دخل فسلّم على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمَّ جاء إلى الموضع الّذي كان يصلّي فيه فصلّى في نعليه ولم يخلعهما حتّى فعل ذلك أياماً، فقلت في نفسي : لم يتهيأ (2) لي ههنا، ولكن أذهب إلى باب الحمّام فإذا دخل إلى الحمّام أخذت من التراب الّذي يطأ عليه، فسألت عن الحمام الّذي يدخله، فقيل لي : إنّه يدخل حماماً بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرفت اليوم الّذي يدخل فيه الحمّام وصرت إلى باب الحمّام وجلست إلى الطلحي أحدثه وأنا أنتظر مجيئه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال الطلحي : إن أردت دخول الحمام، فقم فادخل فإنّه لا يتهيأ لك ذلك بعد ساعة، قلت ولم؟ قال: لأنَّ ابن الرّضا (3) يريد دخول الحمام قال : قلت : ومن ابن الرّضا؟ قال: رجل من آل محمّد له صلاح وورع قلت له : ولا يجوز أن يدخل معه الحمّام غيره؟ قال نخلي له الحمّام إذا جاء. قال : فبينا أنا كذلك إذ أقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعه غلمان له وبين يديه غلام معه حصير حتّى أدخله المسلخ فبسطه، ووافى فسلّم ودخل الحجرة على حماره ودخل المسلخ ونزل على الحصير، فقلت للطلحي : هذا الّذي وصفته بما وصفت من الصلاح والورع ؟! فقال : يا هذا لا واللّه ما فعل هذا قطَّ إلّا في هذا اليوم، فقلت في نفسي : هذا من عملي أنا جنيته، ثمَّ قلت : أنتظره حتّى يخرج فلعلّي أنال ما أردت إذا خرج، فلما خرج وتلبس دعا بالحمار فأدخل المسلخ وركب من فوق الحصير وخرج (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقلت في نفسي : قد واللّه آذيته ولا أعود [ولا] أروم ما رمت منه أبداً وصح عزمي على ذلك، فلمّا كان وقت الزوال من ذلك اليوم أقبل على حماره حتّى نزل في الموضع الّذي كان ينزل فيه في الصحن فدخل وسلّم على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وجاء إلى الموضع الّذي كان يصلّي فيه في بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وخلع نعليه وقام يصلّي.
3 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال : خرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليّ فنظرت إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتّى قعد وقال يا علي إنّ
ص: 568
اللّه احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوّة، فقال : (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (1) ؛ وقال: (ولما بَلَغَ أَشُدَّهُ) (2). (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (3) فقد يجوز أن يؤتى الحكم صبياً ويجوز أن يُعطاها وهو ابن أربعين سنة.
٤ - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن الرَّيَّان قال : احتال المأمون على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكلّ حيلة (4)، فلم يمكنه فيه شيء، فلما اعتل (5) وأراد أن يبني عليه ابنته (6) دفع إلى مائتي وصيفة من أجمل ما يكون إلى كلّ واحدة منهنَّ جاماً (7) فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا قعد في موضع الأخيار (8). فلم يلتفت إليهنَّ وكان رجل يقال له : مخارق صاحب صوت وعود وضرب طويل اللحية، فدعاه المأمون فقال : يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدُّنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشَهَق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغنّي، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً، ثمَّ رفع إليه رأسه وقال : اتق اللّه يا ذا العثنون(9). قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلى أن مات. قال : فسأله المأمون عن حاله، قال : لما صاح بي أبو جعفر فزعتُ فزعة لا أفيق منها أبداً.
5 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن داود بن القاسم الجعفري قال : دخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعي ثلاث رقاع (10) غير معنونةٍ، واشتبهت عليَّ، فاغتممتُ، فتناول إحداهما وقال : هذه رقعة زياد بن شبيب، ثمَّ تناول الثانية، فقال هذه رقعة فلان فبهتُ أنا فنظر إلى فتبسم، قال : وأعطاني ثلاثمائة دينار وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه، وقال: أما إنّه سيقول لك : دلّني على حريف (11) يشتري لي بها متاعاً، فدلّه عليه، قال : فأتيته بالدنانير فقال
ص: 569
لي : يا أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً، فقلت : نعم.
قال : وكلّمني جمال أن أكلمه له يدخله في بعض أموره، فدخلت عليه لأكلّمه له فوجدته يأكل ومعه جماعة ولم يمكني كلامه، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا أبا هاشم كُل، ووضع بين يديَّ ثمَّ قال - ابتداء منه من غير مسألة - : يا غلام انظر إلى الجمّال الّذي أتانا به أبو هاشم فضمه إليك، قال : ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له : جعلت فداك إني لمولع (1) بأكل الطين، فادع اللّه لي، فسكت ثمَّ قال [لي] بعد [ ثلاثة] أيّام - ابتداءً منه - : يا أبا هاشم قد أذهب اللّه عنك أكل الطين، قال أبو هاشم: فما شيء أبغض إليَّ منه اليوم.
٦ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن حمزة الهاشمي، عن عليّ بن محمّد ؛ أو (2) محمّد بن عليّ الهاشمي قال : دخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) صبيحة عرسه حيث بنى بابنة المأمون، وكنت تناولت من الليل دواء فأوَّلُ من دخل عليه في صبيحته أنا، وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وجهي وقال : أظنك عطشان؟ فقلت أجل، فقال : يا غلام أو (3) جارية اسقنا ماء فقلت في نفسي : الساعة يأتونه بماء يَسُمُّونه (4) به، فاغتممت لذلك، فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثمَّ قال : يا غلام ناولني الماء فتناول الماء، فشرب ثمَّ ناولني فشربت، ثمَّ عطشت أيضاً وكرهت أن أدعو بالماء ففعل ما فعل في الأولى، فلما جاء الغلام ومعه القدح قلت في نفسي مثل ما قلت في الأولى، فتناول القدح، ثمَّ شرب فناولني وتبسّم.
قال محمّد بن حمزة : فقال لي هذا الهاشمى : وأنا أظنّه كما يقولون (5).
7 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال : استأذن على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوم من أهل النواحي (6) من الشيعة، فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (7) وله عشر سنين.
ص: 570
8 - عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن دعبل بن عليّ(1) أنّه دخل على أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمر له بشيء فأخذه ولم يحمد اللّه، قال : فقال له : لم لم تحمد اللّه ؟ قال : ثمَّ دخلت بعد على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمر له بشيء فقلت : الحمد اللّه فقال لي : تأدبت (2).
9 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن محمّد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا محمّد حدث بآل فَرَج حدث، فقلت مات عمر (3)، فقال : الحمد اللّه، حتّى أحصيت له أربعاً وعشرين مرة، فقلت : يا سيدي لو علمت أنَّ هذا يسرك لجئت حافياً أعدو إليك قال يا محمّد أو لا تدري ما قال لعنه اللّه لمحمّد بن عليّ أبي (4) ؟ قال قلت : لا، قال : خاطبه في شيء فقال : أظنك سكران فقال أبي : اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي أمسيت لك صائماً فأذِقْهُ طعم الحَرَب (5) وذُلَّ الأسر، فواللّه إن ذهبت الأيام حتّى حُرب ماله وما كان له، ثمَّ أخذ أسيراً وهو ذا قد مات _ لا رحمه اللّه _ وقد أدال اللّه عزّ وجل منه (6)، وما زال يديل أولياءه على أعدائه (7).
10 - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان، عن أبي هاشم الجعفري قال : صليت مع أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مسجد المسيب، وصلى بنا في موضع القبلة سواء (8)، وذكر أنَّ السِّدرة (9) التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق، فدعا بماء وتهيّا (10) تحت السدرة فعاشت السدرة
ص: 571
وأورقت وحملت من عامها.
11 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن الحجّال (1) وعمرو بن عثمان، عن رجل من أهل المدينة عن المُطْرَفي قال : مضى أبو الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولي عليه أربعة آلاف درهم، فقلت في نفسي : ذهب مالي، فأرسل إليَّ أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا كان غداً فأتني وليكن معك ميزان وأوزان (2)، فدخلت على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي : مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم؟ فقلت : نعم فرفع المصلّى الّذي كان تحته فإذا تحته دنانير فدفعها إليَّ.
12 - سعد بن عبد اللّه والحميري جميعاً عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان قال : قبض محمّد بن عليّ وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوماً (3)، تُوفّي يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجّة (4) سنة عشرين ومائتين، عاش بعد أبيه تسعة عشر سنة إلّا خمساً وعشرين يوماً.
وُلِدَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين. وروي أنّه ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رجب سنة أربع عشرة ومائتين، ومضى لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين. وروي أنّه قبض (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله أحد وأربعون سنة وستة أشهر. وأربعون سنة على المولد الآخر الّذي روي (5)، وكان المتوكل أشخصه مع يحيى بن هرثمة (6) بن أعين من المدينة إلى سرّ من رأى، فتوفّي بها (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودفن في داره. وأمه أم ولد يقال لها : سمانة (7).
1 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء، عن خيران الأسباطي قال:
ص: 572
قدمت على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك (1)؟ قلت : جعلت فداك خلّفته في عافية، أنا من أقرب النّاس عهداً به عهدي به منذ عشرة أيّام، قال : فقال لي : إنَّ أهل المدينة يقولون : إنّه مات، فلما أن قال لي : «الناس» علمت أنّه هو (2)، ثمَّ قال لي : ما فعل جعفر (3)؟ قلت تركته أسوء النّاس حالاً في السجن، قال : فقال : أما إنّه صاحب الأمر (4)، ما فعل ابن الزّيات (5)؟ قلت : جعلت فداك النّاس معه والأمر أمره، قال : فقال : أما إنّه شوم عليه، قال : ثمَّ سكت وقال لي : لا بدَّ أن تجري مقادير اللّه تعالى وأحكامه، يا خيران: مات الواثق وقد قعد المتوكّل جعفر، وقد قُتِلَ ابن الزّيّات، فقلت: متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك (6) بستة أيام.
2 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن يحيى عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : جعلت فداك في كلّ الأمور أرادوا (7) إطفاء نورك والتقصير بك، حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك ؟ فقال : ههنا أنت يا ابن سعيد (8)؟ ثمَّ أومأ بيده وقال : انظر فنظرت، فإذا أنا بروضات آنقات (9) وروضات باسرات (10)، فيهنَّ خيرات عطرات وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء وأنهار تفور، فحار بصري وحسرت (11) عيني، فقال : حيث كنا فهذا لنا عتيد (12)، لسنا في خان الصعاليك.
٣ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن محمّد، عن إسحاق الجلاب قال : اشتريت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) غنماً كثيرة، فدعاني
ص: 573
فأدخلني من اصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعث إلى أبي جعفر (1) وإلى والدته وغيرهما ممّن أمرني، ثمَّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي وكان ذلك التروية (2)، فكتب إليَّ : تقيم غداً عندنا ثمَّ تنصرف. قال : فأقمت يوم فلما كان يوم عرفة أقمت عنده وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلما كان في السحر أتاني فقال : يا إسحاق قم، قال : فقمت ففتحت عيني فإذا أنا على بابي ببغداد قال : فدخلت على والدي وأنا في أصحابي، فقلت لهم عرفت بالعسكر (3) وخرجت ببغداد إلى العيد.
٤ - عليّ بن محمّد، عن إبراهيم بن محمّد الطاهري قال: مرض المتوكل من خُراج (4) خرج به وأشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة(5)، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد مالاً جليلاً من مالها. وقال له الفتح بن خاقان(6): لو بعثت إلى هذا الرَّجل فسألته فإنه لا يخلو أن يكون عند صفة يفرّج بها عنك، فبعث إليه ووصف له علّته فردَّ إليه الرَّسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة (7) فيداف (8) بماء ورد فيوضع عليه، فلما رجع الرَّسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله فقال له الفتح : هو واللّه أعلم بما قال وأحضر الكُسْبَ وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن، ثمَّ انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشرت أمه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها، ثمَّ استقلَّ من علته (9) فسعى إليه (10) البطحائي العلوي بأنّ أموالاً تحمل إليه (11) وسلاحاً، فقال لسعيد الحاجب : اهجم عليه بالليل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح واحمله إليَّ، قال إبراهيم بن محمّد : فقال لي سعيد الحاجب صرت إلى داره بالليل ومعي سلّم فصعدت السطح، فلما نزلت على بعض الدرج
ص: 574
في الظلمة لم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجادة على حصير بين يديه، فلم أشك أنّه كان يصلّي، فقال لي : دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أمّ المتوكل وكيساً مختوماً وقال لي : دونك المصلى، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبس، فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت له : كنت قد نذرت في علتك لما أيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك [إليه] فحملته ورددت السيف والكيسين وقلت له : يا سيدي عزَّ علي(1)، فقال لي : ([و] سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (2).
٥ - الحسين بن محمّد، عن المعلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن محمّد النوفليّ قال : قال لي محمّد بن الفرج : إنَّ أبا الحسن كتب إليه : يا محمّد اجمع أمرك وخذ حِذْرَك (3)، قال : فأنا في جمع أمري [و] ليس أدري ما كتب إليَّ (4)، حتّى ورد علي رسول حملني من مصر مقيداً وضرب على كلّ ما أملك (5)، وكنت في السجن ثمان سنين.. ثمَّ ورد عليّ منه في السجن كتاب فيه : يا محمّد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي (6)، فقرأت الكتاب فقلت : يكتب إليّ بهذا وأنا في السجن إن هذا العجب، فما مكثت أن خُلّي عنّي والحمد للّه.
قال : وكتب إليه محمّد بن الفرج يسأله عن ضياعه، فكتب إليه سوف تردُّ عليك وما يضرك أن لا ترد عليك، فلما شخص محمّد بن الفرج إلى العسكر كتب إليه بردّ ضياعه ومات قبل ذلك، قال : وكتب أحمد بن الخضيب (7) إلى محمّد بن الفرج يسأله الخروج إلى العسكر، فكتب إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشاوره فكتب إليه : أخرج فإنّ فيه فرجك إن شاء اللّه تعالى، فخرج، فلم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات
ص: 575
٦ - الحسين بن محمّد، عن رجل، عن أحمد بن محمّد قال : أخبرني أبو يعقوب قال : رأيته - يعني محمّداً (1) _ قبل موته بالعسكر في عشيّة وقد استقبل أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنظر إليه واعتلَّ من غد، فدخلت إليه عائداً بعد أيّام من علّته وقد ثقل، فأخبرني أنّه بعث إليه بثوب فأخذه وأدرجه ووضعه تحت رأسه قال فكفَن فيه. قال :أحمد قال أبو يعقوب : رأيت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع ابن الخضيب فقال له ابن الخضيب سر جعلت فداك، فقال له : أنت المقدَّم (2). فما لبث إلّا أربعة أيّام حتّى وُضعَ الدَّهَق (3) على ساق ابن الخضيب ثمَّ نُعي، قال (4): وروى (5) عنه حين ألح عليه ابن الخضيب في الدار التي يطلبها منه (6)، بعث إليه لأقعدن بك (7) من اللّه عزّ وجلّ مقعداً لا يبقى لك باقية. فأخذه اللّه عزّ وجلّ في تلك الأيام.
7 - محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابنا قال : أخذت نسخة كتاب المتوكل (8) إلى أبى الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين وهذه نسخته :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أما بعد، فإن أمير المؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، يقدّر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما أصلح اللّه به حالك وحالهم وثبت به عزَّك وعزّهم وأدخل اليمن والأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضاء ربه، وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم. وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد اللّه بن محمّد عمّا كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك، واستخفافه بقدرك، وعندما قَرَفَكَ به (9) ونسبك إليه من الأمر الّذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه، وصدق نيتك في ترك محاولته، وأنك لم تؤهّل نفسك له، وقد ولّى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك، والتقرب إلى اللّه وإلى أمير المؤمنين بذلك،
ص: 576
وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحبُّ إحداث العهد بك والنظر إليك، فإن نشطت لزيارته والمقام قِبَلَه ما رأيت (1) شخصت ومن أحببت من أهل بيتك ومواليك وحشمك (2) على مهلة وطمأنينة، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند مشيعين لك، يرحلون برحيلك ويسيرون بسيرك، والأمر في ذلك إليك حتّى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق وبهم أبر وإليهم أسكن منه إليك إن شاء اللّه تعالى والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته ؛ وكتب إبراهيم بن العبّاس (3) وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم.
8 _ الحسين بن الحسن الحسني قال : حدَّثني أبو الطيب المثنى يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول : وَيْحَكُمْ قد أعياني (4) أمر ابن الرضا(5)، أبى أن يشرب معي (6) أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له : فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى (7) قصاف عزّاف (8) يأكل ويشرب ويتعشق، قال : إبعثوا إليه فجيئوا به حتّى نموّه به على النّاس ونقول ابن الرضا(9)، فكتب إليه واشخص مكرما وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة (10) وبنى له فيها وحول الخمّارين والقيان إليه ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً (11) حتّى يزوره هو فيه، فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف وهو موضع يتلقى فيه القادمون، فسلّم عليه ووفّاه حقه، ثمَّ قال له : إنَّ هذا الرَّجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك (12)، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط، فقال له موسى : فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟
ص: 577
قال : فلا تضع من قدرك ولا تفعل فإنّما أراد هتكك، فأبى عليه فكرر عليه. فلما رأى أنّه لا يجيب قال : أما إنَّ هذا مجلس لا تجمع أنت وهو عليه أبداً، فأقام ثلاث سنين، يبكر كلّ يوم فيقال له : قد تشاغل اليوم فرح فيروح، فيقال : قد سكر فبكر، فيبكر فيقال: شرب دواء، فما زال على هذا ثلاث سنين حتّى قتل المتوكل ولم يجتمع معه عليه.
9 - بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ قال : أخبرني زيد بن عليّ بن الحسن (1) بن زيد قال : مرضت فدخل الطبيب عليَّ ليلا فوصف لي دواء بليل آخذه كذا وكذا يوماً فلم يمكنّي (2)، فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد علي نصر بقارورة فيها ذلك الدَّواء بعينه فقال لي : أبو الحسن يقرئك السّلام ويقول لك خذ هذا الدواء كذا وكذا يوماً فأخذته فشربته فبرئت قال محمّد بن عليّ : قال لي زيد بن عليّ يأبى الطاعن (3) أين الغلاة عن هذا الحديث (4).
وُلِدَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في شهر [ رمضان وفي نسخة أخرى في شهر] ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (5). وقبض (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين سنة، ودفن في داره في البيت الّذي دفن فيه أبوه بسر من رأى وأمه أم ولد يقال لها حديث [ وقيل : سوسن ](6).
١ _ الحسين بن محمّد الأشعريّ ومحمّد بن يحيى وغيرهما قالوا : كان أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان (7) على الضياع والخراج بقم، فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم وكان
ص: 578
شديد النصب (1) فقال: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن ابن عليّ بن محمّد بن الرّضا في هَدْيه (2) وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته، وبني هاشم، وتقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك القوَّاد والوزراء وعامة الناس، فإنّي كنت يوماً قائماً على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا : أبو محمّد ابن الرضا بالباب، فقال بصوت عال : ائذنوا له، فتعجبت ممّا سمعت منهم أنهم جسر وا (3) يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلّا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يُكنّى، فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن حدث السنّ له جلالة وهيبة، فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خُطاً ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقوَّاد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الّذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه وأنا متعجب ممّا أرى منه إذ دخل [عليه] الحاجب فقال : الموفق (4) قد جاء وكان الموفّق إذا دخل على أبي، تقدَّم حجّابه وخاصّة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين (5) إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمّد يحدّثه حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة (6)، فقال حينئذ : إذا شئت (7) جعلني اللّه فداك. قال لحجّابه : خذوا به خلف السماطين حتّى لا يراه هذا _ يعني الموفّق، فقام وقام أبي وعانقه ومضى، فقلت لحجاب أبي وغلمانه : وَيْلَكُم من هذا الّذي كنيتموه على أبي وفعل به أبي هذا الفعل، فقالوا : هذا علوي يقال له الحسن بن عليّ يُعرف بابن الرّضا. فازددت تعجباً ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكّراً في أمره وأمر أبي، وما رأيت فيه، حتّى كان الليل وكانت عادته أن يصلي العتمة (8) ثمَّ يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات (9) وما يرفعه إلى السلطان، فلما صلى وجلس، جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال لي : يا أحمد لك حاجة؟ قلت : نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها؟ فقال : قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت، قلت : يا أبه من الرَّجل
ص: 579
الّذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال : يا بني ذاك إمام الرافضة (1)، ذاك الحسن بن عليّ المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة، ثم قال : يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا وإِنَّ هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً (2)، نبيلاً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال فلم يكن لي همّة بعد ذلك إلّا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت أحداً من بني هاشم والقوَّاد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس إلّا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي، إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إلّا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه، فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريّين : يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر (3) ؟ فقال : ومن جعفر فتسأل عن خبرة ؟ أو يُقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن فاجرماجن شريب للخمور (4) أقل من رأيته من الرّجال وأهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه، ولقد ورد، على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ ما تعجبت منه وما ظننت أنّه يكون وذلك أنّه لما اعتل (5) بعث إلى أبي أنَّ ابن الرّضا قد اعتل، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة، ثمَّرجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلّهم من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير(6)، فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرُّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه (7) وتعاهده صباحاً ومساء، فلمّا كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنّه قد ضعف، فأمر المتطبيين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتّى تُوفّي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فصارت سر من رأى ضجّة واحدة وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده (8)، وجاؤوا بنساء
ص: 580
يَعرفْنَ الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهنَّ. فذكر بعضهنّ أنَّ هناك جارية بها حمل، فجُعِلَتْ في حجرة ووكل بها تحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثمَّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته (1) وعُطّلت الأسواق، وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر النّاس إلى جنازته، فكانت سر من رأى يومئذ شبيهة بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه علىّ بني هاشم من العلوية والعبّاسية والقوَّاد والكتاب والقضاة والمعدّلين وقال : هذا الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرّضامات حتف أنفه (2) على فراشه حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان، ثمَّ غطى وجهه وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الّذي دفن فيه أبوه، فلمّا دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الّذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهّم عليها الحمل لازمين حتّى تبين بطلان الحمل، فلمّا بطل الحمل عنهنَّ قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادَّعت أمه وصيّته وثبت ذلك عند القاضي، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال : اجعل لي مرتبة أخي وأوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار، فزبره (3) ابي، وأسمعه وقال له : يا أحمق، السلطان جرَّد سيفه في الّذين زعموا أنَّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك، فلم يتهيا له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك أو أخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان [أن] يرتبك مراتبهما ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، واستقله(4) أبي عند ذلك واستضعفه، وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له في الدخول عليه حتّى مات أبي، وخرجنا وهو على تلك الحال والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن عليّ.
2 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال : كتب أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز (5) بنحو عشرين يوماً : إلزم بيتك حتّى يحدث الحادث، فلما قتل بُرَيْحَة (6) كتب إليه قد حدث الحادث فما تأمرني ؟
ص: 581
فكتب ليس هذا الحادث [هو] الحادث الآخر فكان من أمر المعتز ما كان.
وعنه قال : كتب إلى رجل آخر يُقتل ابن محمّد بن داود عبد اللّه قبل قتله (1) بعشرة أيّام، فلمّا كان في اليوم العاشر قتل.
3 - عليّ بن محمّد [عن محمّد] بن إبراهيم المعروف بابن الكردي، عن محمّد بن عليّ ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال ضاق بنا الأمر (2) فقال لي أبي : امض بنا حتّى نصير إلى هذا الرَّجل يعني أبا محمّد فإنّه قد وُصف عنه سماحة (3)، فقلت : تعرفه؟ فقال : ما أعرفه ولا رأيته قط، قال : فقصدناه فقال لي [أبي ] وهو في طريقه : ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة در هم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدين ومائة للنفقة، فقلت في نفسي : ليته أمر لي بثلاثمائة درهم مائة أشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة وأخرج إلى الجبل (4)، قال : فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال : يدخل عليّ بن إبراهيم ومحمّد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي : يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت؟ فقال : يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرَّة فقال : هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة ومائتان للدين ومائة للنفقة وأعطاني صرّة فقال : هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل، وصر إلى سوراء(5). فصار (6) إلى سوراء وتزوج بامرأة، فَدَخْلُه اليوم ألف دينار ومع اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف، فقال محمّد بن إبراهيم : فقلت له : ويحك أتريد أمراً أبين من هذا (7) ؟ قال : فقال : هذا أمر قد جرينا عليه (8).
٤ - عليّ بن محمّد، عن أبي علي محمّد بن عليّ بن إبراهيم قال : حدَّثني أحمد بن الحارث القزويني قال: كنت مع أبي بسر من رأى، وكان أبي يتعاطى البيطرة (9) في مربط أبي
ص: 582
محمّد (1). قال : وكان عند المستعين (2) بغل لم ير مثله حسناً وكبراً، وكان يمنع ظهره واللجام والسرج، وقد كان جمع عليه الراضة (3)، فلم يمكن لهم حيلة في ركوبه، قال : فقال له بعض ندمائه : يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن بن الرّضا حتّى يجيى، فإما أن يركبه وإما أن يقتله فتستريح منه، قال : فبعث إلى أبي محمّد، ومضى معه أبي فقال أبي : لما دخل أبو محمّد الدار كنت معه، فنظر أبو محمّد إلى البغل واقفاً في صحن صحن الدار فعدل إليه فوضع بيده على كفله (4)، قال : فنظرت إلى البغل وقد عرق حتّى سال العرق منه، ثمَّ صار (5) إلى المستعين، فسلّم عليه فرحب به وقرب فقال : يا أبا محمّد ألجم (6) هذا البغل، فقال أبو محمّد لأبي : الجمه يا غلام فقال المستعين ألجمه أنت، فوضع طيلسانه ثمَّ قام فألجمه ثمَّ رجع إلى مجلسه وقعد، فقال له : يا أبا محمّد أسْرِجه (7)، فقال لأبي يا غلام، أسرجه، فقال : أسرجه أنت. فقام ثانية فأسرجه ورجع فقال له : ترى أن تركبه ؟ فقال : نعم، فركبه من غير أن يمتنع عليه ثمَّ ركضه في الدّار، ثمَّ حمله على الهملجة (8) فمشى أحسن مشي يكون، ثمَّ رجع ونزل فقال له المستعين : يا أبا محمّد كيف رأيته قال يا أمير المؤمنين : ما رأيت مثله حسناً وفراهة (9)، وما يصلح أن يكون : مثله إلّا لأمير المؤمنين. قال : فقال : يا أبا محمّد فإنَّ أمير المؤمنين قد حملك عليه، فقال أبو محمّد لأبي : يا غلام خذه فأخذه أبي فقاده.
٥ - علي، عن أبي أحمد بن راشد عن أبي هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحاجة، فحلَّ بسوطه الأرض، قال: وأحسبه غطاه بمنديل وأخرج خمسمائة دينار فقال يا أبا هاشم: خذ وأعذرنا (10).
٦ - عليّ بن محمّد، عن أبي عبد اللّه بن صالح، عن أبيه، عن أبي علي المطهر أنّه كتب
ص: 583
إليه (1) سنة القادسية (2) يعلمه انصراف النّاس وأنّه يخاف العطش، فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) امضوا فلا خوف عليكم إن شاء اللّه فمضوا سالمين والحمد للّه ربّ العالمين.
7 - عليّ بن محمّد، عن عليّ بن الحسن بن الفضل اليماني قال : نزل بالجعفري(3) من آل جعفر خلق لا قبل له بهم (4)، فكتب إلى أبي محمّد يشكو ذلك، فكتب إليه تُكفَوْنَ ذلك إن شاء اللّه تعالى، فخرج إليهم في نفر يسير والقوم يزيدون على عشرين ألفاً وهو في أقل من ألف فاستباحهم (5).
8 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل العلوي قال: حبس أبو محمّد عند عليّ بن نارمش وهو أنصب النّاس وأشدهم على آل أبي طالب وقيل له : افعل به وافعل (6). فما أقام عنده عنده إلّا يوماً حتّى وضع خديه له (7)، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً. فخرج من عنده وهو(8) أحسن النّاس بصيرة وأحسنهم فيه قولاً.
9 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن أبي عبد اللّه، عن إسحاق بن محمّد النخعي قال: حدَّثني سفيان بن محمّد الصّبعي قال : كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الوليجة، وهو قول اللّه تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (9). قلت في نفسي _ لا في الكتاب(10)- من تَرَى المؤمنين ههنا؟ فرجع الجواب : الوليجة الّذي يقام دون ولي الأمر(11)، وحدثتك نفسك عن المؤمنين : من هم في هذا الموضع ؟ فهم الأئمّة الّذين يؤمنون على اللّه
ص: 584
فيجيز أمانهم (1).
١٠ - إسحاق (2) قال : حدَّثني أبو هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمّد ضيق الحبس وكتل القيد فكتب إلي أنت تصلّي اليوم الظهر في منزلك. فأخرجت في وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكنت مضيّقاً فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليَّ بمائة دينار وكتب إليَّ : إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنك ترى ما تحبُّ إن شاء اللّه.
11 - إسحاق، عن أحمد بن محمّد بن الأقرع قال : حدَّثني أبو حمزة نصير الخادم، قال : سمعت أبا محمّد غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم : ترك وروم وصقالبة، فتعجبت من ذلك وقلت : هذا وُلد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتّى مضى أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولا رآه أحد فكيف هذا (3) ؟ أحدث نفسي بذلك، فأقبل عليَّ فقال : إنَّ اللّه تبارك وتعالى بين حجّته من سائر خلقه بكلّ شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرقُ (4).
12 - إسحاق، عن الأقرع قال : كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الإمام هل يحتلم ؟ وقلت في نفسي بعدما فصل الكتاب (5) الإحتلام شيطنة (6) وقد أعاذ اللّه تبارك وتعالى أولياءه من ذلك، فورد الجواب : حال الأئمّة في المنام حالهم في اليقظة، لا يغير النوم منهم شيئاً، وقد أعاذ اللّه أولياءه من لَمَّة (7) الشَّيطان كما حدثتك نفسك.
١٣ - إسحاق قال : حدَّثني الحسن بن ظريف قال : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فكتبت أسأله عن القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الّذي يقضي فيه بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع (8) فأغفلت خبر الحُمّى
ص: 585
فجاء الجواب : سألت عن القائم فإذا قام قضى بين النّاس بعلمه كقضاء داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يَسْأل البينة، وكنت أردت أن تسأل لحمّى الربع فأنسيت، فاكتب في ورقة وعلّقه على المحموم فإنّه يبرأ بإذن اللّه إن شاء اللّه : (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (1). فعلقنا عليه ما ذكر أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأفاق.
١٤ - إسحاق قال : حدَّثني إسماعيل بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب قال : قعدت لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ظهر الطريق (2)، فلمّا مرَّ بي، شكوت إليه انحاجة وحلفت له أنّه ليس عندي درهم فما فوقها ولا غداء ولا عشاء. قال : فقال: تحلف باللّه كاذباً، وقد دفنت مأتي دينار؛ وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية أعطه يا غلام ما معك، فأعطاني غلامه مائة دينار، ثمَّ أقبل عليَّ فقال لي : إنّك تُحرَمُها أحوج ما تكون إليها يعني الدنانير التي دفنت وصدق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان كما قال دفنت مأتي دينار وقلت : يكون ظهراً وكهفاً (3) لنا، فاضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه وانغلقت علي أبواب الرزق، فنبشت عنها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها، وهرب، فما قدرت منها على شيء.
١٥ - إسحاق قال : حدَّثني عليّ بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ قال : كان لي فرس وكنت به معجباً، أكثر ذكره في المحال (4)، فدخلت على أبي محمّد يوماً فقال لي : ما فعل فرسك؟ فقلت : هو عندي وهو ذا على بابك وعنه نزلت فقال لي : استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتري ولا تؤخّر ذلك. ودخل علينا داخل وانقطع الكلام فقمت متفكّراً ومضيت إلى منزلي فأخبرت أخي الخبر، فقال: ما أدري ما أقول في هذا وشححت (5) به ونفست (6) علی النّاس ببيعه وأمسينا فأتانا السائس وقد صلّينا العتمة فقال : يا مولاي نَفَقَ (7) فرسك، فاغتممت، وعلمت أنّه عنى هذا بذلك القول. قال : ثمَّ دخلت على أبي محمّد بعد أيّام وأنا أقول في نفسي : ليته أخلف (8) عليَّ دابة إذ كنت اغتممت بقوله، فلما جلست قال : نعم نخلف
ص: 586
دابة عليك يا غلام أعطه برذوني (1) الكميت (2)، هذا خير من فرسك وأوطأ (3) وأطول عمراً.
١٦ - إسحاق قال : حدَّثني محمّد بن الحسن بن شمّون قال : حدَّثني أحمد بن محمّد قال : كتبت إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي (4) : يا سيدي الحمد اللّه الّذي شغله عنا، فقد بلغني أنّه يتهددك ويقول واللّه لأجلينّهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخطه : ذاك أقصر لعمره عدَّ من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرُّ به فكان كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ).
17 - إسحاق قال : حدَّثني محمّد بن الحسن بن شمون قال : كتبت إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله أن يدعو اللّه لي من وجع عيني، وكانت إحدى عيني ذاهبة، والأخرى على شرف (5) ذهاب، فكتب إلي حبس اللّه عليك عينك فأفاقت الصحيحة ووقع في آخر الكتاب أجرك اللّه وأحسن ثوابك، فاغتممت لذلك ولم أعرف في أهلي أحداً مات، فلما كان بعد أيّام جاءتني وفاة ابني طيب فعلمت أن التعزية له.
18 - إسحاق قال : حدَّثني عمر بن أبي مسلم قال : قَدِمَ علينا بسر من رأى رجل من أهل مصر يقال له : سيف بن الليث يتظلم (6) إلى المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها. فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله تسهيل أمرها، فكتب إليه أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابأس عليك، ضيعتك تردُّ عليك فلا تتقدّم إلى السلطان، والْقَ الوكيل الّذي في يده الضيعة وخوّفه بالسلطان الأعظم اللّه ربِّ العالمين فلقيه، فقال له الوكيل الّذي في يده الضيعة : قد كتب إليَّ عند خروجك من مصر، أن أطلبك وأردَّ الضيعة عليك فردّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود، ولم يحتج إلى أن يتقدّم إلى المهتدي، فصارت الضيعة له وفي يده، ولم يكن لها خبر بعد ذلك. قال : وحدَّثني سيف بن الليث هذا قال : خلّفت ابناً لي عليلاً بمصر عند خروجي عنها، وابناً لي آخر أسنُ منه كان وصيّي وقيمي على عيالي وفي ضياعي، فكتبت إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله الدّعاء لابني العليل فكتب إلي قد
ص: 587
عوفي ابنك المعتل ومات الكبير وصيك وقيمك، فاحمد اللّه ولا تجزع فيحبط أجرك، فورد عليَّ الخبر أنَّ ابني قد عوفي من علته ومات الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
١٩ - إسحاق قال : حدَّثني يحيى بن القشيري (1) من قرية تسمى قير قال: كان لأبي محمّد وكيل قد اتخذ معه في الدار حجرة يكون فيها معه خادم أبيض، فأراد الوكيل الخادم على نفسه (2) فأبى إلّا يأتيه بنبيذ، فاحتال له بنبيذ، ثمَّ أدخله عليه وبينه وبين أبي محمّد ثلاثة أبواب مغلقة، قال فحدَّثني الوكيل قال: إنّي لمنتبه إذ أنا بالأبواب تفتح حتّى جاء بنفسه فوقف على باب الحجرة ثمَّ قال : يا هؤلاء اتقوا اللّه، خافوا اللّه، فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم وإخراجي من الدار.
20 - إسحاق قال : أخبرني محمّد بن الربيع الشائي (3) قال : ناظرت رجلاً من الثنوية (4) بالأهواز، ثمَّ قدمت سرّ من رأى وقد علق بقلبي شيء من مقالته، فإنّي لجالس على باب أحمد بن الخضيب، إذ أقبل أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من دار العامّة (5) يوم الموكب (6) فنظر إليَّ وأشار بسباحته (7) أحدٌ أحدٌ فرد، فسقطت مغشياً علي.
٢١ - إسحاق، عن أبي هشام الجعفري قال: دخلت على أبي محمّد يوماً وأنا أريد أن أسأله ما أصوّغ به (8) خاتماً أتبرك به فجلست وأنسيت ما جئت له، فلما ودعت ونهضت رمى إليّ بالخاتم فقال : أردت فضّة فأعطيناك خاتماً، ربحت الفص والكرا(9)، هناك اللّه يا أبا هاشم. فقلت : يا سيدي أشهد أنك وليُّ اللّه وإمامي الّذي أدين اللّه بطاعته، فقال : غفر اللّه لك يا أبا هاشم.
ص: 588
22 - إسحاق قال : حدَّثني محمّد بن القاسم أبو العيناء (1) الهاشمي مولى عبد الصمد ابن عليّ عتاقة (2) قال : كنت أدخل على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعطش وأنا عنده فأجله أن أدعو بالماء فيقول : يا غلام اسقه. وربما حدثت نفسي بالنهوض فأفكر في ذلك فيقول يا غلام دابته (3).
23 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن عبد الغفار قال : دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف ودخل صالح ابن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية (4) على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال لهم صالح : وما أصنع قد وكلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم (5)، فقلت لهما ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، لا يتكلّم (6) ولا يتشاغل (7)، وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا (8) ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين
٢٤ - عليّ بن محمّد، عن الحسن بن الحسين قال : حدَّثني محمّد بن الحسن المكفوف قال : حدَّثني بعض أصحابنا، عن بعض فصادي (9) العسكر من النصارى، أنّ أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إلي يوماً في وقت صلاة الظهر، فقال لي : افصد هذا العرق قال : وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد (10)، فقلت في نفسي : ما رأيت أمراً أعجب من هذا يأمر لي أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثمَّ قال لي : انتظر وكن في الدار، فلما أمسى دعاني وقال لي : سرّح الدّم فسرّحت ثمَّ قال لي أمسك فأمسكت، ثمَّ قال لي : كن في الدار، فلمّا كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي : سرّح الدَّم قال : فتعجبت أكثر من عجبي الأوّل، وكرهت أن أسأله، قال : فسرّحت فخرج دم أبيض كأنه الملح، قال : ثمَّ قال لي :
ص: 589
احبس قال : فحبست قال ثمَّ قال كن في الدار، فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها وخرجت حتّى أتيت ابن بختيشوع النصراني، فقصصت عليه القصة قال : فقال لي : واللّه ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شيء من الطب، ولا قرأته في كتاب، ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي فاخرج إليه قال : فاكتريت زورقاً إلى البصرة وأتيت الأهواز ثمَّ صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر. قال، وقال أنظرني (1) أياماً فأنظرته ثمَّ أتيته متقاضياً(2) قال : فقال لي : إن هذا الّذي تحكيه عن هذا الرَّجل فعله المسيح في دهره مرة.
25 - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا قال : كتب محمّد بن حُجْر إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشكو عبد العزيز بن دلف ويزيد بن عبد اللّه، فكتب إليه أمّا عبد العزيز فقد كفيته (3)، وأما يزيد فإنّ لك وله مقاماً(4) بين يدي اللّه فمات عبد العزيز وقتل يزيد محمّد بن حجر.
٢٦ - عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا قال : سُلّم أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى تحرير(5) فكان يضيق عليه ويؤذيه قال : فقالت له امرأته : ويلك اتق اللّه لا تدري من في منزلك وعَرَّفَتْهُ صلاحه وقالت : إني أخاف عليك منه (6)، فقال لأرمينه بين السباع، ثمَّ فعل ذلك به فرئي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائماً يصلّي وهي (7) حوله.
27 - محمّد بن يحيى، عن بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد فقال: نعم، ثمَّ قال : يا أحمد إنَّ الخطّ سيختلف عليك من بين القلم الغليظ إلى القلم الدَّقيق فلا تشكّنَّ ثمَّ دعا بالدَّواة فكتب، وجعل يستمدّ (8) إلى مجرى الدَّواة فقلت في نفسي وهو يكتب : أستوهبه القلم الّذي كتب به، فلما فرغ من الكتابة أقبل يحدَّثني وهو يمسح القلم بمنديل الدّواة ساعة، ثمَّ قال: هاك يا أحمد فناولنيه، فقلت : جعلت فداك إني مغتم لشيء يصيبني في نفسي، وقد أردت أن أسأل أباك فلم يقض لي ذلك، فقال : وما هو يا أحمد ؟ فقلت : يا سيدي روي لنا عن آبائك أنَّ نوم الأنبياء على
ص: 590
أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم المنافقين على شمائلهم، ونوم الشياطين على وجوههم، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذلك هو فقلت : يا سيدي فإنّي أجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها، فسكت ساعة ثمَّ قال : يا أحمد أدن مني فدنوت منه فقال: أدخل يدك تحت ثيابك فأدخلتها، فأخرج يده من تحت ثيابه وأدخلها تحت ثيابي، فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر، وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرات، فقال أحمد : فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وما يأخذني نوم عليها أصلاً.
ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين(1).
1 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد قال : خرج
عن أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين قُتِلَ الزُبيري (2) : هذا جزاء من افترى على اللّه في أوليائه، زعم أنّه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة اللّه. وولد له ولد سماه «م ح م د» سنة ست وخمسين ومائتين.
2 - عليّ بن محمّد قال: حدَّثني محمّد والحسن ابنا عليّ بن إبراهيم(3) في سنة تسع وسبعين ومائتين قالا : حدَّثنا محمّد بن عليّ بن عبد الرَّحمن العبدي - من عبد قيس -، عن ضوء بن عليّ العجلي عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال : أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعاني من غير أن أستأذن، فلما دخلت وسلّمت قال لي : يا أبا فلان كيف حالك؟ ثمَّ قال لي : أقعد يا فلان ثمَّ سألني عن جماعة من رجال ونساء من أهلي، ثمَّ قال لي : ما الّذي أقدمك ؟ قلت : رغبة في خدمتك قال : فقال : فالزم الدّار. قال : فكنت في الدّار مع الخدم، ثمَّ
ص: 591
صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرّجال فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرّجال، فسمعت حركة في البيت فناداني : مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل، فخرجت علي جاريةٌ معها شيء مغطى، ثمَّ ناداني ادخل فدخلت، ونادى الجارية فرجعت فقال لها : اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرَّته أخضر ليس بأسود، فقال : هذا صاحبكم، ثمَّ أمرها، فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1)، فقال ضوء بن عليّ : فقلت للفارسي : كم كنت تقدّر له من السنين؟ قال: سنتين قال العبدي : فقلت لضوء : كم تقدّر له أنت؟ قال : أربع عشرة سنة، قال أبو علي وأبو عبد اللّه (2) : ونحن نقدر له إحدى وعشرين سنة.
٣ _ عليّ بن محمّد وعن غير واحد من أصحابنا القمين، عن محمّد بن محمّد العامري، عن أبي سعيد غانم الهندي قال : كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة وأصحاب لي يقعدون على كراسي عن يمين الملك، أربعون رجلاً كلّهم يقرأ الكتب الأربعة : التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، نقضي بين النّاس ونفقههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم وحرامهم، يفزع النّاس إلينا الملك فمن دونه فتجارينا ذكر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقلنا : هذا النبيّ المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره، ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره، واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم، فخرجت ومعي مال جليل، فسرت اثني عشر شهراً حتّى قربت من كابل، فعرض لي قوم من الترك فقطعوا عليَّ وأخذوا مالي وجُرحت جراحات شديدة ودفعت إلى مدينة كابل، فأنفذني (3) ملكها لما وقف على خبري (4) إلى مدينة بلخ وعليها إذ ذاك داود بن العبّاس بن أبي [أ] سود فبلغه خبري وأنّي خرجت مرتاداً(5) من الهند، وتعلمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام، فأرسل إلي داود بن العبّاس فأحضرني مجلسه وجمع علي الفقهاء فناظروني فأعلمتهم أنّي خرجت من بلدي أطلب هذا النبيّ الّذي وجدته في الكتب، فقال لي : من هو وما اسمه؟ فقلت : محمّد، فقال : هو نبيّنا الّذي تطلب، فسألتهم عن شرائعه، فأعلموني، فقلت لهم : أنا أعلم أنَّ محمّداً نبي، ولا أعلمه هذا الّذي تصفون أم لا،
ص: 592
فأعلمونى موضعه لأقصده فأسائله عن علامات عندي ودلالات، فإن كان صاحبي الّذي طلبت آمنت به، فقالوا : قد مضى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقلت : فمن وصيه وخليفته فقالوا : أبو بكر، قلت: فسموه لي فإنَّ هذه كنيته؟ قالوا : عبد اللّه بن عثمان ونسبوه إلى قريش، قلت: فانسبوا لي محمّداً نبيكم فنسبوه لي، فقلت : ليس هذا صاحبي الّذي طلبت صاحبي الّذي أطلبه خليفته أخوه في الدّين وابن عمه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده، ليس لهذا النبيّ ذرّيّة على الأرض غير ولد هذا الرَّجل الّذي هو خليفته، قال : فوثبوا بي وقالوا أيّها الأمير: إنّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم فقلت لهم : يا قوم أنا رجل معي دين متمسك به لا أفارقه حتّى أرى ما هو أقوى منه، إنّي وجدت صفة هذا الرَّجل في الكتب التي أنزلها اللّه على أنبيائه، وإنما خرجت من بلاد الهند ومن العزّ الّذي كنت فيه طلباً له، فلما فحصت عن أمر صاحبكم الّذي ذكرتم لم يكن النبيّ الموصوف في الكتب، فكفّوا عنّي، وبعث العامل إلى رجل يقال له : الحسين بن اشكيب فدعاه فقال له ناظر هذا الرَّجل الهندي فقال له الحسين أصلحك اللّه، عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له : ناظره كما أقول لك، واخلُ به وألطف له. فقال لي الحسين بن أشكيب بعدما فاوضته : إِنَّ صاحبك الّذي تطلبه هو النبيّ الّذي وصفه هؤلاء وليس الأمر في خليفته كما قالوا هذا النبيّ محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، ووصيه عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب، وهو زوج فاطمة بنت محمّد وأبو الحسن والحسين سبطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال غانم أبو سعيد فقلت اللّه أكبر هذا الّذي طلبت. فانصرفت إلى داود بن العبّاس فقلت له : أيّها الأمير، وجدت ما طلبت وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنَّ محمّداً رسول اللّه، قال : فبرني ووصلني، وقال للحسين تفقده، قال : فمضيت إليه حتّى آنست به وفقهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض. قال : فقلت له : إنا نقرأ في كتبنا أن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاتم النبيّين لا نبي بعده، وأنَّ الأمر من بعده إلى وصيه ووارثه وخليفته من بعده، ثمَّ إلى الوصي بعد الوصي، لا يزال أمر اللّه جارياً في أعقابهم حتّى تنقضي الدُّنيا، فمن وصي وصيّ محمّد ؟ قال : الحسن ثمَّ الحسين ابنا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمَّ ساق الأمر في الوصية حتّى انتهى إلى صاحب الزمان (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ أعلمني ما حدث (1)، فلم يكن لي همة إلّا طلب الناحية (2).
فوافى (3) قم، وقعد مع أصحابنا في سنة أربع وستين ومائتين وخرج معهم حتّى وافي
ص: 593
بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صَحِبَه على المذهب (1)، قال(2): فحدَّثني غانم قال : وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه، فهجرته وخرجت حتّى سرت إلى العبّاسية (3) أتهيأ للصلاة وأصلي، وإنّي لواقف متفكّر فيما قصدت لطلبه، إذا أنا بآت قد أتاني فقال : أنت فلان؟ - اسمه بالهند (4) - فقلت : نعم. فقال : أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل يتخلل بي الطرق حتّى أتى داراً وبستاناً فإذا أنا به (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالس، فقال : مرحباً يا فلان - بكلام الهند _ كيف حالك؟ وكيف خلّفت فلاناً وفلاناً؟ حتّى عد الأربعين كلّهم فسألني عنهم واحداً واحداً، ثمَّ أخبرني بما تجارينا (5) كلّ ذلك بكلام الهند ثمَّ قال : أردت أن تحجّ مع أهل قم؟ قلت : نعم يا سيدي. فقال : لا تحجَّ معهم وانصرف سنتك هذه وحجَّ في قابل (6)، ثمَّ ألقى إليَّ صرَّة كانت بين يديه، فقال لي : اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان سمّاه، ولا تطلعه على شيء وانصرف إلينا إلى البلد (7)، ثمَّ وافانا بعض الفيوج (8) فأعلمونا أنَّ أصحابنا انصرفوا من العقبة(9)، ومضى نحو خراسان، فلما كان في قابل حجّ وأرسل إلينا بهدية من طَرَف خراسان فأقام بها مدَّة، ثمَّ مات رحمه اللّه.
٤ - عليّ بن محمّد، عن سعد بن عبد اللّه قال : إنَّ الحسن بن النضر وأبا صدام وجماعة تكلّموا بعد مضي أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما في أيدي الوكلاء (10)، وأرادوا الفحص (11)، فجاء الحسن بن النضر إلى أبي الصدام فقال : إني أريد الحج، فقال له أبو صدام : أخره هذه السنة، فقال له الحسن [ابن النضر ] : إنّي أفزع في المنام ولا بدَّ من الخروج، وأوصى إلى أحمد بن يعلىّ بن حماد وأوصى للناحية (12) بمال وأمره أن لا يخرج شيئاً إلّا من يده إلى يده بعد ظهوره.
ص: 594
قال : فقال الحسن : لما وافيت بغداد اكتريت داراً فنزلتها فجاءني بعض الوكلاء بثياب ودناتير وخلّفها عندي، فقلت له ما هذا؟ قال هو ما ترى، ثمَّ جاءني آخر بمثلها وآخر حتّى كبسوا (1) الدار، ثمَّ جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه فتعجبت وبقيت متفكراً، فوردت علي رقعة الرَّجل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك، فرحلت وحملت ما معي وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلاً (2) فاجتزت عليه وسلّمني اللّه منه فوافيت العسكر ونزلت، فوردت عليَّ رقعة أن أحمل ما معك فعبيته (3) في صنان (4) الحمالين، فلما بلغت الدهليز إذا فيه أسود (5) قائم فقال : أنت الحسن بن النضر ؟ قلت : نعم، قال : ادخل، فدخلت الدار ودخلت بيتاً وفرّغت صنان الحمالين، وإذا في زاوية البيت خبز كثير، فأعطى كلّ واحد من الحمّالين،رغيفين، وأخرجوا وإذا بيت عليه ستر فنودیت :منه يا حسن بن النضر أحمد اللّه على ما مَنَّ به عليك (6) ولا تشكّنَّ فودَّ الشيطان أنك شككت وأخرج إلى ثوبين وقال: خذها فستحتاج إليهما فأخذتهما وخرجت قال سعد: فانصرف (7) الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكفن في الثوبين.
٥ - عليّ بن محدُّ عن محمّد بن حمويه السويداوي، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار قال : شككت عند مضي أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، واجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيّعاً، فَوَعك وعكاً (8) شديداً، فقال : يا بني ردَّني، فهو الموت وقال لي : اتق اللّه في هذا المال وأوصى إليَّ فمات، فقلت في نفسي : لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري داراً على الشط، ولا أخبر أحداً بشيء، وإن وضح لي شيء کوضوحه [في] أيّام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنفذته وإلا قصفت به (9). فقدمت العراق واكثريت داراً على الشط وبقيت فيه أياماً فإذا أنا برقعة مع رسول فيها : يا محمّد معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا، حتّى قص علي جميع ما معي ممّا لم أحط به علماً، فسلّمته إلى الرسول، وبقيت أياماً لا
ص: 595
يرفع لي رأس واغتممت، فخرج إليَّ قد أقمناك مكان أبيك(1) فاحمد اللّه.
6 - محمّد بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه النسائي قال : أوصلت (2) أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقُبلت ورُدَّ عليَّ السوار، فأمرت بكسره، فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس أو صفر فأخرجته وأنفذت الذهب فقُبل.
7 - عليّ بن محمّد، عن الفضل الخزاز المدائني مولى خديجة بنت محمّد أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) قال : إن قوماً من أهل المدينة من الطالبيين كانوا يقولون بالحق(4)، وكانت الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم، فلما مضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجع قوم منهم عن القول بالولد (5)، فوردت الوظائف على من ثبت منهم على القول بالولد وقطع عن الباقين، فلا يذكرون في الذاكرين والحمد للّه رب العالمين.
8 - عليّ بن محمّد قال : أوصل رجل من أهل السواد (6) مالاً فَرُدَّ عليه وقيل له : أَخْرِجْ حق ولد عمك منه وهو أربعمائة درهم. وكان الرَّجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة قد حبسها عليهم (7)، فنظر فإذا الّذي لولد عمه من ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي فَقُبِل.
9 - القاسم بن العلاء قال : ولد لي العلاء قال : ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب (8) وأسأل الدُّعاء فلا يكتب إليَّ لهم بشيء، فماتوا كلّهم، فلما ولد لي الحسن ابني، كتبت أسأل الدعاء فأجبت(9) : يبقى والحمد لله.
10 - عليّ بن محمّد، عن أبي عبد اللّه بن صالح قال : [كنت] خرجت سنة من السنين
ص: 596
ببغداد(1) فاستأذنت(2) في الخروج، فلم يؤذن لي، فأقمت اثنين وعشرين يوماً وقد خرجت القافلة إلى النهروان (3)، فأذن في الخروج لي يوم الأربعاء وقيل لي : أخرج فيه، فخرجت وأنا آيس من القافلة أن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلّا أن أعْلَفْتُ جمالي شيئاً حتّى رحلت القافلة فرحلتُ وقد دعا لي فرحلتُ. وقد دعا لي (4) بالسلامة فلم ألق سوءاً والحمد للّه.
11 - علي، عن النضر بن صباح البجلي، عن محمّد بن يوسف الشاشي (5) قال : خرج بي ناصور (6) على مقعدي فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالاً فقالوا : لا نعرف له دواء، فكتبت رقعة أسأل الدُّعاء، فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليّ : الْبَسَكَ اللّه العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة، قال : فما أتت علي جمعة حتّى عوفيت وصار (7) مثل راحتي، فدعوت طبيباً من أصحابنا وأريته إياه، :فقال ما عرفنا لهذا دواءً.
12 - علي، عن عليّ بن الحسين اليماني، قال : كنت ببغداد فتهيأت قافلة لليمانيين فأردت الخروج معها، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج (8) : لا تخرج معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة وأقم بالكوفة قال : وأقمت وخرجت القافلة فخرَجَتْ عليهم حنظلة(9) فاجتاحتهم (10). وكتبت أستأذن في ركوب الماء (11)، فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنّة في البحر فما سلم منها مركب خرج عليها قوم من الهند يقال لهم البوارح (12) فقطعوا عليها (13)، قال : وزرت العسكر فأتيت الدرب (14) مع المغيب ولم أكلّم
ص: 597
أحداً ولم أتعرف إلى أحد، وأنا أصلي في المسجد بعد فراغي من الزيارة، إذا بخادم قد جاءني فقال لي: قم، فقلت له : إذن إلى أين؟ فقال لي : إلى المنزل، قلت : ومن أنا لعلك أرسلت إلى غيري، فقال : لا ما أُرسلت إلّا إليك، أنت عليّ بن الحسين رسول جعفر بن إبراهيم، فمرَّ بي حتّى أنزلني في بيت الحسين بن أحمد ثمَّ ساره (1)، فلم أدر ما قال له. حتّى أتاني جميع ما أحتاج إليه وجلست عنده ثلاثة أيّام واستأذنته في الزيارة من داخل (2) فأذن لي فزرت ليلا (3).
١٣ - الحسن بن الفضل بن زيد اليماني قال : كتب أبي بخطه كتاباً (4) فورد جوابه. ثمَّ كتبت بخطي فورد جوابه، ثمَّ كتب بخط رجل من فقهاء أصحابنا، فلم يرد جوابه، فنظرنا فكانت العلّة أَنَّ الرَّجل تحوّل قرمطيّاً (5)، قال الحسن بن الفضل فزرت العراق ووردت طوس، وعزمت أن لا أخرج إلّا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي ولو احتجت أن أقيم بها حتّى أَتَصَدَّق (6) قال : وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحج قال : فجئت يوماً إلى محمّد بن أحمد أتقاضاه (7) فقال لي : صر إلى مسجد كذا وكذا وإنه يلقاك رجل، قال : فصرت إليه فدخل عليَّ رجل فلما نظر إليَّ ضحك وقال : لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالماً، قال: فاطمأننت وسكن قلبي، وأقول ذا مصداق ذلك (8) والحمد لله، قال : ثمَّ وردت العسكر فخرجت إليَّ صرَّة فيها دنيانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي : جزائي عند القوم هذا واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ولم يشر الّذي قبضها مني عليَّ بشيء ولم يتكلّم فيها بحرف، ثمَّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي : كفرت بردّي على مولاي. وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من ذلك وأنفذتها، وقمت أتمسح (9). فأنا في ذلك أفكر في نفسي وأقول إن ردَّت عليَّ الدنانير لم أحلل صرارها (10) ولم
ص: 598
أحدث فيها حتّى أحملها إلى أبي، فإنّه أعلم مني ليعمل فيها بما شاء، فخرج إلي الرسول الّذي حمل إلى الصرَّة، أسأت إذ لم تُعْلِم الرَّجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا، وربما سألونا ذلك يتبركون به، وخرج إلي أخطأت في ردّك برنا فإذا استغفرت اللّه، فاللّه يغفر لك، فأما إذا كانت عزيمتك وعقد نيّتك ألا تحدث فيها حدثاً ولا تنفقها في طريقك، فقد صرفناها عنك، فأما الثوب فلا بدَّ منه لتحرم فيه، قال : وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في الثالث وامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الّذي طويت مفسراً والحمد للّه، قال: وكنت وافقت جعفر بن إبراهيم النيسابوري بنيسابور على أن أركب معه وأزامله، فلما وافيت بغداد بدا لي فاستقلته (1) وذهبت أطلب عديلاً (2)، فلقيني ابن الوجنا بعد أن كنت صرت إليه، وسألته أن يكتري لي فوجدته كارهاً، فقال لي : أنا في طلبك وقد قيل لي : إنّه (3) يصحبك فأحسن معاشرته واطلب له عديلاً واكتر له.
١٤ - عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد قال : شككت في أمر حاجز (4) فجمعت شيئاً ثمَّ صرت إلى العسكر، فخرج إليَّ : ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، رُدَّ ما معك إلى حاجز بن يزيد.
١٥ - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن صالح قال : لما مات أبي وصار الأمر لي (5)، كان لأبي على النّاس سفاتج (6) من مال الغريم، فكتبت إليه أعلمه فكتب طالبهم واستقض عليهم، فقضاني النّاس إلّا رجل واحد كانت عليه سُفْتَجة بأربعمائة دينار فجئت إليه أطالبه فَمَاطَلني (7) واستخفَّ بي ابنه وسفه عليَّ، فشكوت إلى أبيه فقال : وكان ماذا (8) ؟ فقبضت على لحيته وأخذت برجله وسحبته إلى وسط الدار، وركلته ركلاً كثيراً، فخرج ابنه يستغيث بأهل بغداد ويقول : قمّي رافضي قد قتل والدي فاجتمع علي منهم الخلق فركبت دابتي وقلت:
ص: 599
أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همدان من أهل السنّة، وهذا ينسبني إلى أهل قيم والرفض، ليذهب بحقي ومالي، قال : فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا على حانوته حتّى سكنتهم، وطلب إليّ صاحب السفتجة، وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي حتّى أخرجتهم عنه.
١٦ - علي، عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن الحسن والعلاء بن زرق اللّه، عن بدر غلام أحمد بن الحسن قال : وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبهم جملة إلى أن مات يزيد بن عبد اللّه فأوصى في علّته أن يدفع الشهري السَّمند(1) وسيفه ومنطقته (2) إلى مولاه(3)، فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلى إذ كوتكين (4) نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحداً، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق : وجه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة.
17 - عليٌّ، عمّن حدَّثه قال : ولدَ لي ولد فكتبت أستأذن في طهره (5) يوم السابع فورد لا تفعل فمات يوم السابع أو (6) الثامن، ثمَّ كتبت بموته :فورد ستخلف غيره وغيره تسميه أحمد ومن بعد أحمد جعفراً، فجاء كما قال قال : وتهيأت للحج وودَّعت النّاس وكنت على الخروج فورد: نحن لذلك كارهون والأمر إليك، قال : فضاق صدري واغتممت، وكتبت : أنا مقيم على السمع والطاعة غير أنّي مغتم بتخلّفي عن الحج، فوقع : لا يضيقنَّ صدرك فإنك ستحج من قابل إن شاء اللّه، قال : ولما كان من قابل كتبتُ أستأذن، فورد الإذن، فكتبت أني عادلت (7) محمّد بن العبّاس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد الأسدي (8) نِعْمَ العديلُ، فإن قدم فلا تختر عليه (9)، فقدم الأسدي وعادلته.
18 - الحسن بن عليّ العلوي قال : أَوْدَعَ المجروح مرداس بن عليّ(10) مالاً للناحية،
ص: 600
وكان عند مرداس مال لتميم بن حنظلة، فورد على مرداس : أنفذ(1) مال تميم مع ما أودعك الشيرازي (2).
19 _ عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى العريضي أبي محمّد قال: لما مضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكّة للناحية، فاختلف عليه فقال بعض الناس: إنَّ أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مضى من غير خلف والخلف جعفر(3). وقال بعضهم: مضى أبو محمّد عن خلف، فبعث رجلاً يكنى بأبي طالب فورد العسكر ومعه كتاب (4)، فصار إلى جعفر وسأله عن برهان فقال لا يتهيّاً في هذا الوقت فصار إلى الباب (5) وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا فخرج إليه : آجرك اللّه في صاحبك، فقد مات وأوصى بالمال الّذي كان معه، إلى ثقة ليعمل فيه بما يحبُّ وأجيب عن كتابه.
20 - عليّ بن بن محمّد قال : حمل رجل من أهل آبة (6) شيئاً يوصله ونسي سيفاً (7) بابة، فأنفذ ما كان معه فكتب إليه : ما خبر السيف الّذي نسيته.
21 - الحسنُ بن خفيف عن أبيه قال: بعث بخدم إلى مدينة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومعهم خادمان (8)، وكتب إليَّ خفيف أن يخرج معهم فخرج معهم، فلما وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكراً، فما خرجوا من الكوفة حتّى ورد كتاب من العسكر بردّ الخادم الّذي شرب المسكر وعزل عن الخدمة.
22 _ عليّ بن محمّد، عن [أحمد بن] أبي عليّ بن غياث، عن أحمد بن الحسن قال: أوصى يزيد بن عبد اللّه بدابة وسيف ومال وأنفذ ثمن الدابة وغير ذلك ولم يبعث السيف فورد: كان مع ما بعثتهم سيف فلم يصل. - أو كما قال (9) -.
23 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن شاذان النيسابوري قال: اجتمع عندي
ص: 601
خمسمائة درهم تنقص عشرين درهماً فأنفْتُ (1) أن أبعث بخمسمائة تنقص عشرين درهماً، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثتها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً.
٢٤ _ الحسين بن محمّد الأشعريّ قال : كان يرد كتاب أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الإجراء(2) على الجنيد قاتل فارس(3) وأبي الحسن وآخر، فلما مضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورد استيناف من الصاحب لإجراء أبي الحسن وصاحبه ولم يرد في أمر الجنيد بشيء قال: فاغتممت لذلك، فورد نعي(4) الجنيد بعد ذلك.
٢٥ _ عليّ بن محمّد، عن محمّد بن صالح قال : كانت لي جاريةٌ كنت معجباً بها، فكتبت أستأمر في استيلادها :فورد استولدها، ويفعل اللّه ما يشاء، فوطئتها فحبلت ثمَّ أسقطت فماتت.
٢٦ - عليّ بن محمّد قال : كان ابن العجمي جعل ثلثه(5) للناحية، وكتب بذلك(6)، وقد كان قبل إخراجه الثلث دفع مالاً لابنه أبي المقدام، لم يطلع عليه أحد، فكتب إليه : فأين المال الّذي عزلته لأبي المقدام (7)؟.
27 _ عليّ بن محمّد، عن أبي عقيل عيسى بن نصر قال : كتب عليّ بن زياد الصيمري يسأل كفناً، فكتب إليه : إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين، فمات في سنة ثمانين، وبعث أليه بالكفن قبل موته بأيام.
28 - عليّ بن محمّد، عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني قال : كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار فضقت بها ذرعاً، ثمَّ قلت في نفسي لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، ولم أنطق بها، فكتب (8) إلى محمّد بن جعفر اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا عليه
ص: 602
29 - عليّ بن محمّد قال: باع جعفر (1) فيمن باع صبية جعفرية (2) كانت في الدار يربونها، فبعث بعض العلويين وأعلم المشتري خبرها فقال المشتري : قد طابت نفسي بردّها، وأن لا أرز (3) من ثمنها شيئاً، فخذها، فذهب العلوي فأعلم أهل الناحية (4) الخبر فبعثوا إلى المشتري بأحد وأربعين ديناراً وأمروه بدفعها إلى صاحبها (5).
٣٠ _ الحسين بن الحسن العلوي قال : كان رجل من ندماء روز حسني (6) وآخر معه فقال له : هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء وسَمُّوا (7) جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيد اللّه بن سليمان الوزير فهم الوزير بالقبض عليهم فقال السلطان : اطلبوا أين هذا الرَّجل فإنّ هذا أمر غليظ، فقال عبيد اللّه بن سليمان : نقبض على الوكلاء، فقال السلطان : لا ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال (8)، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه، قال : فخرج (9) بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال : معي مال أريد أن أوصله، فقال له محمّد :غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمّد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدَّم إليهم (10).
31 - عليّ بن محمّد قال : خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير(11)، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير (12) الباقطائي (13) فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين (14) وقل لهم : لا يزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يُتَفَقَد كلّ من زار فيُقْبَضَ [عليه].
ص: 603
1 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي عن أبي هاشم داود بن القاسم، الجعفري، عن أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعه الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو متكىء على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين فردَّ عليه السلام فجلس ثمَّ قال : يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنَّ (1) علمت أنَّ القوم (2) ركبوا من أمرك (3) ما قُضي عليهم (4) وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم. وإن تكن الأخرى (5) علمت أنك وهم شرع (6) سواء. فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلني عما بدا لك، قال : أخبرني عن الرَّجل إذا نام أين تذهب روحه : وعن الرَّجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرَّجل كيف يشبه وَلَدُه الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سلني عما بدا لك، قال : أخبرني عن الرَّجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن أشهد أن لا إله إلّا اللّه ولم أزل أشهد بها وأشهد أنَّ محمّداً رسول اللّه ولم أزل أشهد بذلك وأشهد أنك وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والقائم بحجته - وأشار إلى أمير المؤمنين _ ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيّه والقائم بحجته - وأشار إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (7) - وأشهد أنَّ الحسين بن عليّ وصي أخيه والقائم بحجته بعده وأشهد على عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده وأشهد على محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد بأنه القائم بأمر محمّد، وأشهد على موسى إنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليّ بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن موسى، وأشهد على عليّ بن محمّد بأنه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد على الحسن بن عليّ بأنه القائم بأمر عليّ بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنى ولا يسمى حتّى يظهر أمره فيملاها عدلاً كما ملئت جوراً والسّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته. ثمَّ قام فمضى. فقال أمير المؤمنين يا أبا محمّد اتبعه فانظر أين يقصد، فخرج الحسن بن
ص: 604
عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ما كان إلّا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض اللّه، فرجعت إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعلمته، فقال : يا أبا محمّد أتعرفه؟ قلت : اللّه ورسوله وأمير المؤمنين اعلم، قال : هو الخضر (1) (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2 - وحدَّثني محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبي هاشم مثله (2) سواء. قال محمّد بن يحيى : فقلت لمحمّد بن الحسن : يا أبا جعفر : وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد اللّه (3) قال : فقال : لقد حدَّثني قبل الحيرة (4) بعشر سنين.
3 - محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن جعفر، عن الحسن بن ظريف وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري إنَّ لي إليك حاجة فمتى يخفُ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها، فقال له جابر أيُّ الأوقات أحببته. فخلابه في بعض الأيام فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أمي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما أخبرتك به أمي أنّه في ذلك اللوح مكتوب؟ فقال جابر: أشهد باللّه أني دخلت على أمك فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فهنيتها بولادة الحسين، ورأيت في يديها لوحاً أخضر، ظننت أنّه من زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها : بأبي وأمي يا بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما هذا اللوح ؟ فقالت : هذا لوح أهداه اللّه إلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيه اسم أبي واسم بَعْلي (5) واسم ابنَيَّ (6)، واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني(7)
ص: 605
بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقرأته واستنسخته، فقال له أبي : فهل لك يا جابر أن تعرضه عَلَيَّ. قال : نعم، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق(1)، فقال : يا جابر: أنظر في كتابك لأقرأ [أنا] عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً. فقال جابر: فأشهد باللّه أني رأيته في اللوح مكتوباً :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم، لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه(2) ودلیله (3) نزل به الرُّوح الأمين من عند ربّ العالمين، عظم يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا قاصم الجبارين ومُديل المظلومين وديان الدين، إنِّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذَّبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فإيَّاي فاعبد وعلي فتوكل، إني لم أبعث نبياً فأكمِلَتْ أيامه وانقضت مدته إلّا جعلت له وصيّاً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين فجعلت حسناً معدن علمي، بعد انقضاء مدة أبيه. وجعلت حسينا خازن (4) وحبي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه وحجّتي البالغة عنده بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين (5)، وابنه شبه جده المحمود محمّد الباقر عِلْمي، والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الرّادَّ عليه كالرّاد علي حق القول مني لا، مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت (6) بعده (موسى) (7) فتنة عمياء حِنْدِس (8) لأنَّ خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يُسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد
ص: 606
جحد نعمتي (1)، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليَّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في عليّ (2) ولتي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت (3) مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح (4) إلى جنب شرّ خلفي (5)، حق القول منّي لأسرته بمحمّد ابنه (6) وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلّا جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي (7) ولتي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي، على وحيي أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن (8) وأكمل ذلك بابنه م ح م د (9) رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، فيذل أوليائي في زمانه وتتهادى (10) رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويُحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرَّنّة (11) في نسائهم أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء جندِس، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (12).
قال عبد الرحمن بن سالم : قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك، إلّا هذا الحديث لكفاك، فصُنه إلّا عن أهله.
٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس ؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي
ص: 607
عمير، عن عمر بن أذينة ؛ وعليّ بن محمّد، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن : أذينة، عن [أبان] بن عياش عن سليم بن قيس قال : سمعت عبد اللّه بن جعفر الطيار يقول : كنا عند معاوية، أنا والحسن والحسين وعبد اللّه بن عباس وعمر بن أم سلمة، وأسامة بن زيد فجرى بيني وبين معاوية كلامٌ فقلت لمعاوية : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمَّ أخي عليّ بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد علي فالحسن بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثمَّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا عليُّ (1)، ثمَّ ابنه محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين(2)، ثمَّ تكمّله اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين، قال عبد اللّه بن جعفر: واستَشْهَدْتُ الحسن والحسين، وعبد اللّه بن عباس، وعمر بن أمّ سلمة، وأسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية، قال سليم : وقد سمعت ذلك من سلمان وأبي ذرّ والمقداد، وذكروا أنهم سمعوا ذلك من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
٥ - عدَّةٌمن أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن حنان بن السراج (3)، عن داود بن سليمان الكسائي، عن أبي الطفيل(4) قال : شهدت جنازة أبي بكر يوم مات، وشهدت عمر حين بويع وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالس ناحية، فأقبل غلام يهودي جميل [الوجه ] بهيء، عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون(5) حتّى قام على رأس عمر فقال : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم؟ قال: فطأطأ عمر رأسه، فقال : إيّاك أعني، وأعاد عليه القول، فقال له عمر : لم ذاك؟ قال : إني جئتك مرتاداً (6) لنفسي، شاكاً في ديني، فقال : دونك هذا الشّاب، قال : ومَن هذا الشّاب؟ قال : هذا عليّ بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهذا أبو الحسن والحسين ابني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهذا زوج فاطمة
ص: 608
بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). فأقبل اليهودي على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أكذاك أنت؟ قال: نعم، قال: إني اريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة، قال : فتبسّم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من غير تبسم (1) وقال : يا هاروني ما منعك أن تقول سبعاً؟ قال : أسألك عن ثلاث فإن أجبتني سألت عمّا بعدَهُنَّ، وإن لم تعلمهنَّ علمت أنّه ليس فيكم عالم، قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّي أسألك بالإله الّذي تعبده، لئن أنا أجبتك في كلّ ما تريد لتدعن دينك ولتدخلن في ديني ؟ قال : ما جئت إلّا لذاك، قال : فَسَل. قال : أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي ؟ وأوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي ؟ وأوّل شيء اهتز على وجه الأرض أي شيء هو؟ فأجابه (2) أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقال له : أخبرني عن الثلاث الآخر، أخبرني عن محمّد كم له من إمام عدل؟ وفي أي جنّة يكون؟ ومن ساكنه معه في جنّته ؟ فقال : يا هاروني إنّ لمحمّد اثني عشر إمام عدل، لا يضرهم خذلان من خَذَلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنهم في الدّين أرسب من الجبال (3) الرواسي في الأرض ومسكن محمّد في جنته معه أولئك الاثني عشر الإمام العدل، فقال: صدقت واللّه الّذي لا إله إلّا هو إني لأجدها في كتب أبي هارون، كتبه بيده وإملاء موسى عمّي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : فأخبرني عن الواحدة، أخبرني عن وصي محمّد كم يعيش من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟ قال : يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة، لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً، ثمَّ يُضرب ضربة ههنا _ يعني على قرنه - فتخضب هذه من هذا. قال: فصاح الهاروني وقطع كسْتيجَهُ (4) و يقول : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنك وصيّه، ينبغي أن تفوق ولا تفاق (5) وأن تُعظم ولا تستضعف، قال : ثمَّ مضى به علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله فعلمه معالم الدين.
٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري عن عمر [و] بن ثابت، عن أبي حمزة قال : سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّ
ص: 609
اللّه خلق محمّداً وأحد عشر من ولده من نور عظمته (1)، فأقامهم أشباحاً (2) في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبحون اللّه ويقدسونه وهم الأئمّة من ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
7 - محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد الخشّاب، عن ابن سماعة(3)، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الاثنا عشر الإمام من آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) كلّهم محدث من ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ومن ولد علي، ورسول اللّه وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هما الوالدان. فقال عليّ بن راشد (4) وكان أخا عليّ بن الحسين لأمه وأنكر ذلك (5) فصرر (6) أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : أما إنَّ ابن أُمّك كان أحدهم.
8 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد اللّه ومحمّد بن الحسين، عن إبراهيم، عن أبي يحيى المدائني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال : كنت حاضراً لما هلك أبو بكر واستخلف عمر أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب، وتزعم يهود المدينة أنّه أعلم أهل زمانه حتّى رُفع إلى عمر فقال له : يا عمر : إني جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عمّا أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمّد بالكتاب والسنة ما أريد أن أسأل عنه، قال : فقال له عمر : إني لست هناك (7)، لكني أرشدك إلى من هو وجميع أعلم أمتنا بالكتاب والسنّة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاك - فأومأ إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) -، فقال له اليهودي يا عمر إن كان هذا كما تقول فما لك ولبيعة النّاس وإنما ذاك أعلمكم ! فَزَبَرَه عمر (8). ثمَّ إِنَّ اليهودي قام إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : أنت كما ذكر عمر ؟ فقال : وما قال عمر؟ فأخبره، قال (9) : فإن كنت كما قال سألتك عن أشياء أريد أن أعلم هل يعلمه أحدٌ منكم فأعلم أنّکم في دعواكم خيرُ الأمم وأعلمُها صادقين، ومع ذلك أدخل في دينكم الإسلام، فقال أمير
ص: 610
المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم أنا كما ذكر لك عمر، سل عما بدا لك أخبرك به إن شاء اللّه.
قال : أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة فقال له علي : يا يهودي ولم لم تقل : أخبرني عن سبع، فقال له اليهودي : إنّك إن أخبرتني بالثلاث سألتك عن البقية وإلا كففت، فإن أنت أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الأرض وأفضلهم وأولى النّاس بالناس، فقال له : سل عما بدا لك يا يهودي قال : أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟ وأول شجرة غرست على وجه الأرض؟ وأول عين نبعت على وجه الأرض؟ فأخبره أمير المؤمنين (1) (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمَّ قال له اليهودي : أخبرني عن هذه الأمة كم لها من إمام هدى؟ وأخبرني عن نبيكم محمّد أين منزله في الجنة؟ وأخبرني من معه، في الجنة؟ فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها، وهم مني (2)، وأما منزل نبيّنا في الجنّة ففي أفضلها وأشرفها جنّة عدن وأما من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم وأُمُّ أُمّهم وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد.
9 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال دخلت على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددتُ اثني عشر آخرهم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثلاثة منهم (3) محمّد وثلاثة منهم عليٌّ.
10 - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ اللّه أرسل محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصيّاً، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلُّ وصي جرت به سنة(4)، والأوصياء الّذين من بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على سنة أوصياء عيسى، وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على سنة المسيح (5).
11 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن أبي عبد اللّه
ص: 611
ومحمّد بن الحسن عن سهل بن زياد جميعاً عن الحسن بن العبّاس بن الجريش، عن أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لابن عباس : إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال ابن عباس : مَن هم؟ قال : أنا وأحَدَ عَشَرَ من صُلْبي أئمة محدّثون (1).
١٢ - وبهذا الإسناد قال (2) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأصحابه : آمنوا بليلة القدر إنّها تكون لعليّ بن أبي طالب ولولده الأحد عشر من بعدي.
13 - وبهذا الإسناد (3)أنَّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لأبي بكر يوماً : (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) واشهد [أنَّ] محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رسول اللّه مات شهيداً (4) واللّه ليأتينك، فأيقن إذا جاءك فإنَّ الشيطان غير متخيّل (5) به، فأخذ علي بيد أبي بكر فأراه النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال له (6) : يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلّا النبوّة، وتب إلى اللّه ممّا في يدك، فإنّه لا حق لك فيه، قال ثمَّ ذهب فلم يُر.
١٤ - أبو علي الأشعريّ عن الحسن بن عبيد اللّه، عن الحسن بن موسى عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عليّ بن سماعة، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدَّث من ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وولد عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هما الوالدان.
1٥ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن عليّ، تاسعُهم قائمُهم.
١٦ - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد عن الوشّاء، عن أبان، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نحن اثنا عشر إماماً منهم حسن وحسين ثمَّ الأئمّة من ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 612
17 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّي واثني عشر (1) من ولدي وأنت يا علي رزُ الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد اللّه الأرض أن تسيخ (2) بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم يُنظَروا (3).
18 - وبهذا الإسناد، عن أبي سعيد رفعه عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من ولدي اثنا عشر نقيباً (4)، نجباء، محدّثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحقّ يملأها عدلاً كما مُلِئَتْ جَوراً.
19 - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شَمُّون، عن عبد اللّه بن عبد الرَّحمن الأصم، عن كَرَّام (5) قال : حلفت فيما بيني وبين نفسي ألا أكل طعاماً بنهار (6) أبداً حتّى يقوم قائم آل محمّد، فدخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: فقلت له : رجل من شيعتكم جعل اللّه عليه ألا يأكل طعاماً بنهار أبداً حتّى يقوم قائم آل محمّد ؟ قال : فصم إذاً يا كرّام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ولا إذا كنت مسافراً ولا مريضاً فإنَّ الحسين (7) (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما قتل عجّت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة، فقالوا: يا ربنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتّى نَجُدَّهم (8) عن جديد الأرض (9) بما استحلوا حرمتك، وقتلوا صفوتك، فأوحى اللّه إليهم يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا، ثمَّ كشف حجاباً من الحجب فإذا خلفه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واثنا عشر وصيّاً له (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ بيد فلان القائم من بينهم، فقال: يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي بهذا أنتصر [لهذا] - قالها ثلاث مرات..
ص: 613
20 - محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي طالب، عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال : كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منزله (1) بمكّة فقال محمّد بن عمران : سمعت أبا عبد بن عمران : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : نحن اثنا عشر محدثاً. فقال له أبو بصير : سمعت من أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ فحلفه مرة أو (2) مرتين أنّه سمعه؟ فقال أبو بصير: لكنّي سمعته من أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
1 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه تعالى أوحى إلى عمران أنّي واهب لك ذكراً سوياً (3)، مباركاً، يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللّه، وجاعله رسولاً إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته حنة (4) بذلك وهي أم مريم، فلمّا حملت كان حملها بها عند نفسها (5)، غلام فلما وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أُنثى وليس الذكر كالأنثى، أي لا تكون البنت رسولاً يقول اللّه عزّ وجلّ : واللّه أعلم بما وضعت، فلما وهب اللّه تعالى لمريم عيسى، كان هو الّذي بشر به عمران ووعده إياه، فإذا قلنا في الرَّجل منا شيئاً (6) وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك.
2 - محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا قلنا في رجل قولاً، فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك، فإنَّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء (7).
ص: 614
3 - الحسين بن محمّد عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قد يُقَوَّم الرَّجل (1) بعدل أو بجور وينسب إليه ولم یکن قام به فيكون ذلك ابنه أو ابن ابنه من بعده، فهو هو (2).
١ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم، عن زيد - أبي الحسن، عن الحكم بن أبي نعيم قال : أتيت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو بالمدينة، فقلت له : عليَّ نذر (3) بين الركن والمقام (4) إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنك قائم آل محمّد أم لا، فلم يجبني بشيء، فأقمت ثلاثين يوماً، ثمَّ استقبلني في طريق فقال: يا حكم وإنك لههنا بعد، فقلت : نعم إني أخبرتك بما جعلت اللّه علي، فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء؟ فقال : بكر عليَّ غدوة المنزل، فغدوت عليه فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سل عن حاجتك، فقلت: إنّي جعلت اللّه علي نذراً وصياماً وصدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنك قائم آل محمّد أم لا، فإن كنت أنت رابَطْتُكَ (5) وإن لم تكن أنت، سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقال يا حكم كلّنا قائم بأمر اللّه، قلت : فأنت المهدي ؟ قال : كلنا نهدي إلى اللّه، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال : كلّنا صاحب السيف ووارث السيف (6)، قلت: فأنت الّذي تقتل أعداء اللّه ويعزُّ بك أولياء اللّه ويظهر بك دين اللّه ؟ فقال : يا حكم كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين [سنة]؟ وإنَّ صاحب هذا الأمر أقرب عهداً باللبن مني (7) وأخفٌ على ظهر الدابة.
ص: 615
2 - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلىّ بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سُئِلَ عن القائم فقال : كلنا قائم بأمر اللّه، واحد بعد واحد حتّى يجيىء صاحب السيف فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الّذي كان (1).
3 _ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شَمّون، عن عبد اللّه ابن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن القاسم البطل، عن عبد اللّه بن سنان قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (2). قال : إمامهم الّذي بين أظهرهم وهو قائم أهل. زمانه.
1 - الحسين بن محمّد بن عامر بإسناده رفعه قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي النّاس فهو كافر (3)، إنّما النّاس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال اللّه عزّ وجلّ: (خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهَّرُهُم وتُزَكّيهم بُها) (4).
2 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن عيسى بن سليمان النحاس، عن المفضّل بن عمر عن الخيبري ويونس بن ظبيان قالا : سمعنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : ما من شيء أحبُّ إلى اللّه من إخراج الدراهم إلى الإمام، وأنَّ اللّه ليجعل له الدّرهم في الجنّة مثل جبل أحد (5)، ثمَّ قال : إنَّ اللّه تعالى يقول في كتابه : (مَنْ ذا الّذي يُقْرِضُ اللّه قَرضَاً حَسَنَاً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أضعَافَاً كَثِيرَة).(6). قال : هو واللّه في صلة الإمام خاصّة.
ص: 616
3 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حماد بن أبي طلحة، عن معاذ صاحب الأكسية (1) قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: إن اللّه لم يسأل خلقه ما في أيديهم قرضاً من حاجة به إلى ذلك وما كان اللّه من حق فإنّما هو لوليه (2).
٤ - أحمد بن حمد، عن عليّ بن الحكم عن أبي المغرا، عن إسحاق بن عمار، عن، أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ (3). قال : نزلت في صلة الإمام.
٥ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن ميّاح، عن أبيه قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) یا میاح درهم يوصل به الإمام أعظم وزناً من أحد.
٦ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من وجوه البر.
7 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إنّي لأخذ من أحدكم الدّرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أريد بذلك إلّا أن تطهروا (4).
إنَّ (5) اللّه تبارك وتعالى جعل الدنيا كلها بأسرها لخليفته حيث يقول للملائكة : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (6). فكانت الدنيا بأسرها لآدم وصارت بعده لأبرار ولده وخلفائه، فما غلب عليه أعداؤهم ثمَّ رجع إليهم بحرب أو غلبة سمّي فيئاً، وهو أن يفيء(7) إليهم بغلبة وحرب، وكان حكمه فيه ما قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
ص: 617
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (1) فهو للّه وللرسول ولقرابة الرّسول، فهذا هو الفيء الراجع، وإنّما يكون الراجع ما كان في يد غيرهم، فأخذ فأخذ منهم بالسيف، وأما ما رجع إليهم من غير أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو الأنفال هو اللّه وللرّسول خاصّة، ليس لأحد فيه الشركة وإنّما جُعل الشركة في شيء قوتل عليه، فجعل لمن قاتل من الغنائم أربعة أسهم وللرسول سهم والّذي للرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقسمه على ستة أسهم : ثلاثة له وثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل. وأما الأنفال فليس هذه سبيلها، كان للرّسول (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصّة، وكانت فَدَك (2) لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاصّة، لأنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فتحها وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لم يكن معهما أحد، فزال عنها اسم الفيء ولزمها اسم الأنفال، وكذلك الأجام (3) والمعادن والبحار والمفاوز، هي للإمام خاصّة، فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس وللإمام خمس، والّذي للإمام يجري مجرى الخمس (4)، ومن عمل فيها بغير إذن الإمام (5) فالإمام يأخذه كله، ليس لأحد فيه شيء، وكذلك من عمر شيئاً أو أجرى قناة أو عمل في أرض خراب بغير إذن صاحب الأرض فليس له ذلك فإنّ شاء أخذها منه كلّها وإن شاء تركها في يده.
1 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: نحن واللّه عنى الّذين اللّه بذي القربي، الّذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) (6) منا خاصّة (7)، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة (8)، أكرم اللّه نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أو ساخ ما في أيدي النّاس.
2 - الحسين بن محمّد، عن معلىّ بن محمّد، عن عن أبان، الوشّاء، أبان، عن عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
ص: 618
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى). قال هم قرابة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والخمس اللّه وللرسول ولنا.
3 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الأنفال ما لم يوجف (1) عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم (2)، وكلُّ أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.
٤ - عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الخمس من خمسة أشياء من الغنائم (3) والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة (4) يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس، فيجعل لمن جعله اللّه تعالى له، ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه (5) وولي ذلك، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم للّه وسهم لرسول اللّه وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل.
فسهم اللّه وسهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وراثةً، فله ثلاثة أسهم : سهمان وراثةً(6) وسهم مقسوم له من اللّه (7) وله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته (8)، فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة (9) ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي (10) وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي (11) أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به وأنما صار عليه أن يمونهم (12) لأنَّ له ما فضل عنهم.
ص: 619
وإنما جعل اللّه هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين النّاس وأبناء سبيلهم، عوضاً لهم من صدقات الناس، تنزيهاً من اللّه لهم لقرابتهم برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكرامة من اللّه لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض(1)، وهؤلاء الّذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذين ذكرهم اللّه فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (2). وهم بنو عبد المطلب أنفسهم (3)، الذَّكر منهم والأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم. وقد تحلّ صدقات النّاس لمواليهم (4) وهم والناس سواء، ومن كانت أُمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنَّ الصدقات تحلُّ له، وليس له من الخمس شيء لأنَّ اللّه تعالى يقول : (ادعوهم لآبائهم) (5). وللإمام صفو المال، أن يأخذ من هذه الأموال صفوها : الجارية الفارهة (6) والدابة الفارهة (7) والثوب والمتاع بما يحبُّ أو يشتهي فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس، وله أن يسدَّ بذلك المال جميع ما ينوبه (8) من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم وغير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله، وقسم الباقي على من ولي ذلك، وإن لم يبق بعد سد النوائب شيء، فلا شيء لهم وليس لمن قاتل شيء من الأرضين (9)، ولا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر (10).
وليس للأعراب من القسمة شيء وإن قاتلوا مع الوالي، لأنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنّه إن دهم (11) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من عدوّه دَهْمٌ أن يستنفرهم (12)، فيقاتل بهم، وليس لهم في الغنيمة نصيب، وسنته جارية فيهم وفي غيرهم،
ص: 620
والأرضون التي أخذت عنوة (1) بخيل ورجال فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحقّ (2)، النصف [أ] والثلث [أ] والثلثين، وعلى قدر ما يكون لهم صلاحاً ولا يضرهم، فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً (3)، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والتواضح (4) فأخذه الوالي، فوجهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السبيل ثمانية أسهم، يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يسغنون به في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير، فإن فضل من ذلك شيء رُدّ إلى الوالي، وإن نقص من ذلك شيء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتّى يستغنوا ويؤخذ بعد ما بقي من العشر، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الّذين هم عمال الأرض وأكَرَتُها (5)، فيدفع إليهم أنصباؤهم على ما صالحهم عليه، ويؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه، وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدّين في وجوه الجهاد وغير ذلك، ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليلٌ ولا كثير.
وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها وكلُّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والأجام وكلُّ أرض ميتة لا ربّ (6) لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كله مردود (7)، وهو وارث من لا وارث له، يحول من لا حيلة له.
وقال : إنّ اللّه لم يترك شيئاً من صنوف الأموال إلّا وقد قسمه، وأعطى كلّ ذي حق حقه، الخاصّة والعامّة والفقراء والمساكين، وكلُّ صنف من صنوف الناس، فقال : لو عُدل في النّاس لاستغنوا، ثمَّ قال : إنّ العدل أحلى من العسل، ولا يعدل إلّا من يحسن العدل.
قال : وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقسم صدقات البوادي في البوادي، وصدقات أهل الحضر
ص: 621
في أهل الحضر، ولا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتّى يعطي أهل كلّ سهم ثمناً، ولكن يقسمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم كلّ صنف منهم يقدر لسنته، ليس في ذلك شيء موقوتُ (1) ولا مسمّى (2) ولا مؤلف (3)، إنّما يضع ذلك على قدر ما يرى وما يحضره حتّى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم، وإن فضل من ذلك فضل عرضوا المال جملة إلى غيرهم (4). والأنفال على الوالي (5)، وكلّ أرض فتحت في أيّام النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى آخر الأبد، وما كان افتتاحاً (6) بدعوة أهل الجور وأهل العدل لأنَّ ذمّة رسول اللّه في الأولين والآخرين ذمّة واحدة، لأنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «المسلمون إخوة تتكافيء دماء وهم ويسعى بذمتهم أدناهم».
وليس في مال الخمس (7) زكاة، لأنَّ فقراء النّاس جعل أرزاقهم في أموال النّاس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحدٌ. وجعل للفقراء قرابة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نصف الخمس فأغناهم. عن صدقات النّاس وصدقات النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وولي الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس، ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلّا وقد استغنى فلا فقير، ولذلك لم يكن على مال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والوالي زكاة، لأنه لم يبق فقير محتاج، ولكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه ولهم من تلك الوجوه كما عليهم.
٥ - عليّ بن محمّد بن عبد اللّه عن بعض أصحابنا أظنه (8) السياري، عن عليّ بن أسباط قال : لما ورد أبو الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المهدي (9) رآه يرد المظالم (10) فقال : يا أمير المؤمنين : ما بال مظلمتنا لا تردُّ؟ فقال له : وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال : إن اللّه تبارك وتعالى لما فتح على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فَدَك وما والاها (11)، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل اللّه على
ص: 622
نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) (1) فلم يدر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مَنْ هُمْ، فراجع في ذلك. جبرئيل وراجع جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ربّه، فأوحى اللّه إليه أن أدفع فدك إلى فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فدعاها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال لها : يا فاطمة : إن اللّه أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت : قد قبلت يا رسول اللّه من اللّه ومنك.
فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها : ائتني بأسود أو أحمر (2) يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرُّض، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمّد ؟ قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال : أرينيه فأبَتْ فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثمَّ تفل فيه ومحاه وخرقه (3)، فقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب؟ فضعي الحبال (4) في رقابنا. فقال له المهدي : يا أبا الحسن حدها لي، فقال : حدٌ منها جبل أحد وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر (5)، وحد منها دومة الجُنْدُل (6)، فقال له كلّ هذا؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين هذا كله إنَّ هذا كله ممّا لم، يوجف على أهله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بخيل ولا ركاب، فقال كثير، وأنْظُرُ فيه
٦ - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : الأنفال هو النَّقْل (7) وفي سورة الأنفال جذع الأنف(8).
7 _ أحمد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سُئِلَ عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى). فقيل له : فما كان اللّه فلمن هو ؟ فقال : لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما كان لرسول اللّه فهو للإمام. فقيل له : أفرأيت إن
ص: 623
كان صنف من الأصناف (1) أكثر وصنف أقلّ، ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام أرأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كيف يصنع ؟ أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام.
8 - عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّه سُئل عن معادن الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر، فقال عليها الخمس.
9 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة قال : الإمام يجري(2) ويُنفّل (3) ويعطي ما شاء قبل أن تقع السهام (4)، وقد قاتل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقوم (5) لم يجعل لهم في الفيء نصيباً، وإن شاء قسم ذلك بينهم.
10 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد الصمد بن بشير، عن حكيم مؤذن [أ] بن عيسى (6) قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى). فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمرفقيه على ركبتيه (7) ثمَّ أشار بيده، ثمَّ قال : هي واللّه الإفادة يوماً بيوم (8) إلّا أن أبي جعل شيعته في حلّ لِيَزَّكُوا (9).
11 _ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عثمان، عن سماعة قال: سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الخمس فقال : في كلّ ما أفاد النّاس من قليل أو كثير.
12 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيد قال : كتبت (10): جعلت
ص: 624
لك الفداء تعلّمني ما الفائدة وما حدها رأيك - أبقاك اللّه تعالى - أن تمنَّ علي ببيان ذلك، لكيلا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم فكتب الفائدة ممّا يفيد إليك (1) في تجارة من ربحها وحَرْث بعد الغرام (2) أو جائزة (3).
13 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر قال : كتبت إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الخمس اخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب : بعد المؤونة (4).
١٤ - أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه فإنَّ لنا خمسه، ولا يحلّ (5) لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقنا.
١٥ - أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان عن يونس بن يعقوب، عن عبد العزيز ابن نافع قال : طلبنا الإذن على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأرسلنا إليه فأرسل إلينا : ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرّجل : أحب أن تستأذن بالمسألة فقال : نعم، فقال له : جعلت فداك إنَّ أبي كان ممّن سباه بنو أمية وقد علمت أنَّ بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا، ولم يكن لهم ممّا في أيديهم قليل ولا كثير، وإنما ذلك لكم، فإذا ذكرت [رد] الّذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد علي عقلي ما أنا فيه. فقال له : أنت في حلّ ممّا كان من ذلك وكلُّ من كان في مثل حالك (6) من ورائي فهو في حلّ من ذلك، قال : فقمنا وخرجنا فسبقنا مُعتِّب (7) إلى النفر القعود الّذين ينتظرون إذن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال لهم : قد ظفر عبد العزيز بن نافع بشيء ما ظفر بمثله أحد قط قد قيل له : وما ذاك؟ ففسره لهم، فقام اثنان فدخلا على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال أحدهما : جعلت فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية، وقد علمت أن بني امية لم يكن لهم من ذلك قليل ولا كثير، وأنا أحب أن تجعلني من ذلك في حلّ، فقال: وذاك
ص: 625
إلينا (1)؟ وما ذاك إلينا (2)، ما لنا أن نحل ولا أن نحرم، فخرج الرَّجلان وغضب أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم يدخل عليه أحدٌ في تلك الليلة إلّا بدأه أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ألا تعجبون من فلان يجيئني فيستحلّني ممّا صنعت بنو أمية، كأنه يرى أنَّ ذلك لنا !؟ ولم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل ولا كثير إلّا الأوَّلين فإنهما غنيا بحاجتهما (3).
١٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ضُريس الكناسي قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): من أين دخل على النّاس الزنا (4) ؟ قلت: لا أدري جعلت فداك، قال : من قبل خمسنا أهل البيت إلّا شيعتنا الأطيبين، فإنّه محلل لهم لميلادهم(5).
17 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، عن أبي الصباح قال : قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نحن قوم فرض اللّه طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال.
18 - عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن القاسم ابن محمّد، عن رفاعة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الرَّجل يموت، لا وارث له ولا مولى قال هو من أهل هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) (6).
19 - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الكنز كم فيه ؟ قال الخمس ؛ وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس، وكذلك الرصاص والصفر والحديد وكلّما كان من المعادن يؤخذ (7) منها ما يؤخذ من الذهب والفضّة.
20 - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن صباح الأزرق، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنَّ أشدَّ ما فيه النّاس يوم القيامة أن يقوم صاحب
ص: 626
الخمس فيقول : يا ربّ خمسي (1) ؛ وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكو ولادتهم (2).
21 - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن عليّ، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال : إذا بلغ ثمنه ديناراً فقيه الخمس (3).
٢٢ _ محمّد بن الحسين وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال : كتبت إليه : يا سيدي رجل دُفِعَ إليه مال يحج به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ ؟ فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس عليه الخمس (4).
23 - سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحسين بن عبد ربه قال : سرح الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي هل علي فيما سرحت إلى خمس ؟ فكتب إليه : لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس (5).
2٤ - سهل، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (6) : أقرأني عليّ بن مهزيار كتاب أبيك (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المؤونة وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرَّجل وعياله. فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد مؤونته ومؤونة عياله و [بعد] خراج السلطان.
2٥ - سهل، عن أحمد بن المثنى قال : حدَّثني محمّد بن زيد الطبري قال : كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله الإذن في الخمس فكتب إليه :
ص: 627
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، إنَّ اللّه واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الضيق الهم، لا يحلُّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه. وإنَّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي اللّه بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام.
٢٦ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن زيد قال : قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس فقال : ما أمحل هذا (1) تمحضونا بالمودة (2) بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله اللّه لنا وجعلنا له، وهو الخمس، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحدٍ منكم في حلّ.
٢٧ _ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم، فقال يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلّ، فإنّي أنفقتها، فقال له: أنت في حلّ، فلما خرج صالح، قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحدهم يثب على أموال حق آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثمَّ يجيء فيقول : اجعلني في حلّ أتراه ظنَّ أنّي أقول : لا أفعل (3)، واللّه ليسألنهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً.
28 _ علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي قال : سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): عليه الخمس.
كمل الجزء الثاني من كتاب الحجّة [من كتاب الكافي] ويتلوه كتاب الإيمان والكفر. والحمد للّه ربّ العالمين والسّلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
ص: 628
مقدمة الكتاب...3
سيرة الكلينيّ ...7
خطبة الكتاب... 41
كتاب العقل والجهل... 51
كتاب فضل العلم... 75
باب فَرْض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه.... 77
باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء... 79
باب أصناف النّاس... 81
باب ثواب العالم والمتعلّم... 82
باب صفة العلماء... 86
باب حق العالم... 86
باب فَقْدُ العلماء... 88
بات مجالسة العلماء وصحبتهم... 89
باب سؤال العالم وتذاكره باب بذل العلم... 90
باب النهي عن القول بغير علم... 91
باب من عمل بغير علم... 93
باب استعمال العلم... 94
باب المستأكل بعلمه والمباهي به... 96
باب لزوم الحجّة على العالم وتشديد الأمر عليه...97
ص: 629
باب النوادر...98
باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب...103
باب التقليد... 106
باب البدع والرأي والمقائيس...107
باب الردّ إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج النّاس إليه إلّا وقد جاء فيه كتاب أو سنة...113
باب اختلاف الحديث...116
باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب...123
كتاب التوحيد...127
باب حدوث العالم وإثبات المحدث... 129
باب إطلاق القول بأنه شيء...137
باب أنّه لا يُعْرَفُ إلّا به...140
باب أدنى المعرفة... 141
باب المعبود...142
باب الكون والمكان... 143
باب النسبة...146
باب النهي عن الكلام في الكيفية... 147
باب في إبطال الرؤية...149
باب النهي عن الصفة بغير ما ووصف به نفسه تعالى...153
باب النهي عن الجسم والصورة...157
باب صفات الذات...159
باب آخر وهو من الباب الأول... 160
باب الإرادة أنّها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل...161
باب حدوث الأسماء... 164
باب معاني الأسماء واشتقاقها...166
باب آخر وهو من الباب الأوّل إلّا أن فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء اللّه وأسماء المخلوقين... 170
ص: 630
باب تأويل الصمد...174
باب الحركة والانتقال... 175
باب العرش والكرسي... 179
باب الروح...183
باب جوامع التوحيد...184
باب النوادر...191
باب البداء... 194
باب في أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة... 200
باب المشيئة والإرادة باب الابتلاء والاختبار...202
باب السعادة والشقاء... 203
باب الخير والشر... 204
باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين...205
باب الاستطاعة...211
باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة...212
باب اختلاف الحجّة على عباده... 214
باب حجج اللّه على خلقه... 214
باب الهداية أنّها من اللّه عزّ وجلّ... 215
كتاب الحجّة... 219
باب الاضطرار إلى الحجّة... 221
باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة... 228
باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدث... 230
باب أنّ الحجّة لا تقوم اللّه على خلقه إلّا بإمام.... 231
باب أن الأرض لا تخلو من حجّة... 232
باب أنّه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان لكان أحدهما الحجّة...234
باب معرفة الإمام والرد إليه...235
ص: 631
باب فرض طاعة الأئمّة... 240
باب في أن الأئمّة شهداء اللّه عزّ وجلّ على خلقه... 245
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) هم الهداة...247
باب أن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ولاة أمر اللّه وخَزَنَةُ علمه...247
باب أن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) خلفاء اللّه عزّ وجلّ في أرضه وأبوابه التي منها يؤنى...249
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) نور اللّه عزّ وجلّ...249
باب أنَّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) هم أركان الأرض...252
باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته...255
باب أن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ولاة الأمر وهم النّاس المحسودون الّذين ذكرهم اللّه عزّ وجلّ...262
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) العلامات التي ذكرها اللّه عزّ وجلّ في كتابه...263
باب أنَّ الآيات التي ذكرها اللّه عزّ وجلّ في كتابه هم الأئمّة...264
باب ما فرض اللّه عزّ وجلّ ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الكون مع الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...265
باب أنَّ أهل الذكر الّذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...267
باب أنَّ من وصفه اللّه تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...269
باب أنَّ الراسخين في العلم هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ...269
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم...270
باب في أنّ من اصطفاه اللّه من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...271
باب أنّ الأئمّة في كتاب اللّه إمامان : إمام يدعو إلى اللّه وإمام يدعو إلى النار...272
ص: 632
باب أنّ القرآن يهدي للإمام... 273
باب أنّ النعمة التى ذكرها اللّه عزّ وجلّ في كتابه هي الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...273
باب أنّ المتوسّمين الّذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه هم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) والسبيل فيهم مقيم...274
باب عرض الأعمال على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...276
باب أنّ الطريقة التي حثّ على الاستقامة عليها هي ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...277
باب أنّ الأئمّة معدن العلم وشجرة النبوّة ومختلف الملائكة...277
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم...278
باب أنّ الأئمّة ورثوا علم النبيّ وجميع الأنبياء والأوصياء الّذين من قبلهم...280
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند اللّه عزّ وجلّ وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها...283
باب أنّه لم يجمع القرآن كله إلّا الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وأنهم يعلمون علمه كلّه... 284
باب ما أعطي الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) من اسم اللّه الأعظم...286
باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 287
باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومتاعه...288
باب أن مثل سلاح رسول اللّه مثل التابوت في بني إسرائيل...293
باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...294
باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها...298
باب فى أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يزدادون في ليلة الجمعة... 308
باب لولا أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يزدادون لنفد ما عندهم...309
باب أن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 310
ص: 633
باب نادر فيه ذكر الغيب... 311
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إذا شاؤوا أن يعلموا علموا...313
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلّا باختيار منهم...313
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء صلوات اللّه عليهم... 316
باب أن اللّه عزّ وجلّ لم يعلم نبيّه علماً إلّا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنه كان شريكه في العلم...318
باب جهات علوم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...319
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) لو سُتِرَ عليهم لأخبروا كلّ امرىء بما له وعليه...320
باب التفويض إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإلى الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) في أمر الدّين...320
باب في أن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بمن يشبهون ممّن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوّة...324
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) محدّثون مفهمون ...325
باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...327
باب الرّوح التي يسدد اللّه بها الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)... 328
باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الّذي كان قبله عليهم جميعاً السلام...330
باب في أنّ الأئمّة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في العلم والشجاعة والطاعة سواء...331
باب أن الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعرف الإمام الّذي يكون من بعده وأن قول اللّه تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فيهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزلت...331
باب أنّ الإمامة عهد من اللّه عزّ وجلّ معهود من واحد إلى واحد...333
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلّا بعهد من اللّه عزّ وجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه...335
ص: 634
باب الأمور التي توجب حجّة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)...339
باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عمّ ولا غيرهما من القرابات...341
باب ما نصّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة واحداً فواحداً...342
باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...347
باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 353
باب الإشارة والنصّ على الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 356
باب الإشارة والنصّ على عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...360
باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)...361
باب الإشارة والنصّ على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليهما...362
باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)...364
باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 368
باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 377
باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ)...381
باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)...383
باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار (عَلَيهِ السَّلَامُ)...386
باب في تسمية من رآه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...388
باب في النهي عن الاسم...391
باب نادر في حال الغَيْبَة...392
باب في الغيبة...395
باب ما يفصل به بین دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة...403
باب كراهية التوقيت... 429
باب التمحيص والامتحان...431
باب أنّه من عرف إمامه لم يضره تقدَّم هذا الأمر أو تأخر...432
ص: 635
باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمّة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل...434
باب في من دان اللّه عزّ وجلّ بغير إمام من اللّه جل جلاله...437
باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى وهو من الباب الأول...438
باب في من عرف الحقّ من أهل البيت ومن أنكر... 440
باب ما يجب على النّاس عند مضي الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)...441
باب في أنَّ الإمام متى يعلم أنَّ الأمر قد صار إليه... 443
باب حالات الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) في السن...446
باب أنَّ الإمام لا يغسله إلّا إمام من الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...448
باب مواليد الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...449
باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)...453
باب التسليم وفضل المسلّمين...454
باب أنّ الواجب على النّاس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم ويُعلمونهم ولايتهم ومودتهم له...457
باب أنَّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار (عَلَيهِ السَّلَامُ)...458
باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في امورهم...459
باب في الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة (عَلَيهِ السَّلَامُ)...462
باب أنَّ مستقى العلم من بيت آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)...463
باب أنّه ليس شيء من الحقّ في يد النّاس إلّا ما خرج من عند الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وأنّ كلّ شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل...464
باب فيما جاء أن حديثهم صَعْب مُسْتَصْعَب...466
باب ما أمر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللّزوم
ص: 636
لجماعتهم ومَنْ هُم...468
باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 470
باب أنّ الأرض كلّها للإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)...473
باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر الأمر... 476
باب نادر...478
باب فيه نُكَت وتتف من التنزيل في الولاية... 469
باب فيه تتف وجوامع من الرواية في الولاية.... 506
باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم...508
أبواب التاريخ
باب مولد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووفاته...509
باب النهي عن الإشراف على قبر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...524
باب مولد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه...524
باب مولد الزهراء فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...531
باب مولد الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما...533
باب مولد الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...536
باب مولد عليّ بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...539
باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...541
باب مولد أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)...545
باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)...549
باب مولد أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)...5560
باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ)...566
باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)...572
باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...578
باب مولد الصاحب (عَلَيهِ السَّلَامُ)...591
باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 604
ص: 637
باب في أنّه إذا قيل في الرَّجل شيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فإنّه هو الّذي قيل فيه...614
باب أنّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) كلّهم قائمون بأمر اللّه هادون إليه...615
باب صلة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)...616
باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب...617
ص: 638