موسوعة
الشهيص الثادي
الجزء السابع عشر
مَسَالِكُ الافهام
إلى تنقيح شرائع الإسلام /1
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
مركز إحياء التراث الإسلامي
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء السابع عشر (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 1)
الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
الإعداد والتحقيق :مركز إحياء التراث الإسلامي
الطباعة: مطبعة نگارش
الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م
الكمية: 1000 نسخة
العنوان: 143 : التسلسل: 260
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42
التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534
ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156
وب سایت www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir
شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.
موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية 1434ق. = 2013م.
30 ج.
978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)
(V). ISBN 978-600-5570-92-2
فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا
کتابنامه.
مندرجات: ج . 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام .-
1. اسلام - مجموعه ها 2. محقق حلى، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تغير 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقق حلى جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مائل الحلال والحرام. شرح الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب .عنوان
8 م BP4/6/92
297/08
محرر الرقمي : محسن حقاني فر
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء السابع عشر
مسالك الأفهام
إلى تنقيح
شرائع الإسلام / 1
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
مركز إحياء التراث الإسلامي
ص: 3
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء السابع عشر (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 1)
الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
الإعداد والتحقيق :مركز إحياء التراث الإسلامي
الطباعة: مطبعة نگارش
الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م
الكمية: 1000 نسخة
العنوان: 143 : التسلسل: 260
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42
التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534
ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156
وب سایت www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir
شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.
موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية 1434ق. = 2013م.
30 ج.
978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)
(V). ISBN 978-600-5570-92-2
فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا
کتابنامه.
مندرجات: ج . 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام .-
1. اسلام - مجموعه ها 2. محقق حلى، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تغير 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقق حلى جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مائل الحلال والحرام. شرح الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب .عنوان
8 م BP4/6/92
297/08
ص: 4
دلیل
موسوعة الشهيد الثاني
المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره
الجزء الأوّل = (1) منية المريد
الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل / 1 : 2. كشف الريبة : 3 التنبيهات العلية؛ 4. مسكن الفؤاد؛ . البداية
6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.
الجزء الثالث - (7 - 30) الرسائل 2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميت؛9 . العدالة؛ 10. ماء البئر؛ 11. تيقن الطهارة والحدث والشك في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13 . النيّة؛ 14 . صلاة الجمعة 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار؛ 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة 19. نيّات الحج والعمرة؛ 20. مناسك الحج والعمرة 21. طلاق الغائب 22. ميراث الزوجة؛ 23. الحبوة 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25. أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي 29. أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.
الجزء الرابع= - (31 - 43) الرسائل /3 : 31 .تفسير آية البسملة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية :
33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34. وصيّةً نافعةٌ ؛ 35 .شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37. مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38 .ترجمة الشهيد بقلمه الشريف.39. حاشية خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43. الفوائد.
ص: 5
الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد
الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية
الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان
الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية
الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية
الجزء الرابع عشر = (51 و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع
الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)
الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان
الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام
الجزء التاسع والعشرون = الفهارس
ص: 6
مقدمة التحقيق...15
الفصل الأوّل: شرائع الإسلام ...19
الفصل الثانى: مسالك الأفهام...30
الخاتمة :عملنا في الكتاب ...48
نماذج من مصوّرات النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ...56
خطبة الكتاب ...3
القسم الأول في العبادات
كتاب الطهارة
تعريف الطهارة وأقسامها ...7
الركن الأول في المياه ...11
الطرف الأوّل في الماء المطلق ...11
منزوحات البئر...14
الطرف الثاني في المضاف ...21
الطرف الثالث في الأسآر ...23
ص: 7
الركن الثاني في الطهارة المائية...25
الفصل الأوّل في الأحداث الموجبة للوضوء...25
الفصل الثاني في أحكام الخلوة...27
الأول في كيفية التخلّي ...27
الثاني في الاستنجاء...27
الثالث في سنن الخلوة...30
الفصل الثالث في كيفية الوضوء ...32
الفرض الأوّل: النيّة ...32
الفرض الثاني: غسل الوجه ...34
الفرض الثالث: غسل اليدين ...36
الفرض الرابع مسح الرأس...37
الفرض الخامس مسح الرجلين...38
سنن الوضوء ...42
الفصل الرابع في أحكام الوضوء ...44
وأمّا الغسل ...48
الفصل الأوّل في الجنابة...48
الفصل الثاني في الحيض ...56
الفصل الثالث في الاستحاضة...67
أحكام المستحاضة ...74
الفصل الرابع في النفاس ...76
الفصل الخامس في أحكام الأموات ...79
الأوّل في الاحتضار...79
الثاني في التغسيل ...81
ص: 8
الثالث: تكفينه ...90
الرابع في مواراته في الأرض (التشييع والتدفين)...98
فروض الدفن وسننه ...101
الخامس في اللواحق ...106
الأغسال المسنونة ...108
الركن الثالث فى الطهارة الترابية ...112
الطرف الأوّل فيما يصح معه التيمم...112
الأوّل: عدم الماء...112
الثاني: عدم الوصلة إلى الماء...113
الثالث: الخوف ...114
الطرف الثاني فيما يجوز التيمم به ...115
الطرف الثالث في كيفية التيمم ...117
الطرف الرابع في أحكام التيمم، وهي عشرة ...118
الركن الرابع في النجاسات وأحكامها ...123
القول في النجاسات...123
القول في أحكام النجاسات ...127
القول في الآنية (أحكام الأواني)...135
کتاب الصلاه
الركن الأول في المقدّمات ...139
المقدمة الأولى في أعداد الصلاة ...139
المقدّمة الثانية في المواقيت ...141
أحكام المواقيت ...148
ص: 9
المقدّمة الثالثة في القبلة...154
الأوّل: القبلة....155
الثاني في المستقبل ...159
الثالث ما يستقبل له...163
الرابع في أحكام الخلل ( في القبلة) ...164
المقدمة الرابعة في لباس المصلّي ...166
المقدمة الخامسة في مكان المصلّي ...175
المقدّمة السادسة فيما لا يجوز السجود عليه ...182
المقدّمة السابعة في الأذان والإقامة ...186
الأوّل فيما يؤذن له ويقام ...186
الثاني في المؤدِّن...190
الثالث في كيفية الأذان...192
الرابع في أحكام الأذان...195
الركن الثاني في أفعال الصلاة ...201
واجبات الصلاة ...201
الأوّل: النية ...201
الثاني: تكبيرة الإحرام...204
الثالث: القيام...206
الرابع: القراءة ...210
الخامس: الركوع...219
السادس: السجود...224
السابع: التشهد ...230
الثامن: التسليم ...230
ص: 10
المسنون في الصلاة ...232
خاتمة: قواطع الصلاة ...233
الركن الثالث في بقية الصلوات ...241
الفصل الأوّل في صلاة الجمعة...241
النظر الأوّل في الشرائط ...241
النظر الثاني فيمن تجب عليه ...249
آداب الجمعة...254
الفصل الثاني في صلاة العيدين ...258
الفصل الثالث في صلاة الكسوف (صلاة الآيات )...264
الفصل الرابع في الصلاة على الأموات ...269
الأوّل: مَنْ يصلّى عليه...269
الثاني في المصلّي...270
الثالث في كيفية الصلاة...272
الفصل الخامس في الصلوات المرغبات ...280
الركن الرابع في التوابع ...292
الفصل الأوّل في الخلل الواقع في الصلاة ...292
من أخل بشيء من واجبات الصلاة عامداً...292
من أخل بشيء من واجبات الصلاة سهواً...294
أحكام الشك في الصلاة...301
خاتمة في سجدتي السهو ...308
الفصل الثاني في قضاء الصلوات ...309
الفصل الثالث في صلاة الجماعة ...314
الطرف الأوّل: الجماعة مستحبة في الفرائض كلّها ...314
ص: 11
الطرف الثاني: ما يعتبر في الإمام...323
الطرف الثالث في أحكام الجماعة ...329
خاتمة يتعلّق بالمساجد ...336
الفصل الرابع في صلاة الخوف والمطاردة ...344
الفصل الخامس في صلاة المسافر ...351
الشرط الأوّل: اعتبار المسافة ...351
الشرط الثاني: قصد المسافة ...353
الشرط الثالث: أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه...354
الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغاً ...356
الشرط الخامس أن لا يكون سفره أكثر من حضره ...357
الشرط السادس: تواري الجدران وخفاء الأذان ...358
القصر عزيمة إلّا في مواطن...360
في اللواحق...363
كتاب الزكاة
تعريف الزكاة ...367
القسم الأوّل في زكاة المال...367
النظر الأول في من تجب عليه ...367
النظر الثاني في بيان ما تجب فيه، وما تستحبّ ...376
القول في زكاة الأنعام ...378
في الشرائط...378
الشرط الأوّل: اعتبار النُصُب...378
الشرط الثاني: السوم ...382
فهرس الموضوعات 135
ص: 12
الشرط الثالث: الحول...383
الشرط الرابع: أن لا تكون عوامل...387
في الفريضة، وبيانها على مقاصد...387
في اللواحق...393
القول في زكاة الذهب والفضة...398
أحكام زكاة الذهب والفضّة...401
القول في زكاة الغلات ...406
النظر الأوّل في الجنس ...406
النظر الثاني في الشروط...407
اللواحق ...410
القول في مال التجارة...416
الشرط الأوّل: النصاب...417
الشرط الثاني: أن يطلب برأس المال أو زيادة...418
الشرط الثالث: الحول...418
مسائل في أحكام زكاة مال التجارة...419
النظر الثالث فيمن تصرف إليه، ووقت التسليم، والنية ...427
القول فيمن تصرف إليه ...427
القول في وقت التسليم ...454
القول في النيّة ...458
القسم الثاني في زكاة الفطرة ...464
الركن الأوّل فيمن تجب عليه ...464
الركن الثاني في جنسها وقدرها ...472
الركن الثالث في وقتها...473
ص: 13
الركن الرابع في مصرفها ...475
كتاب الخمس
الفصل الأول فيما يجب فيه ...478
الأوّل: غنائم دار الحرب... 478
الثانى المعادن ...478
الثالث: الكنوز ...480
الرابع: كلّ ما يخرج من البحر بالغوص ...483
الخامس ما يفضل عن مؤونة السنة ...484
السادس: إذا اشترى الذمّي أرضاً من مسلم ...486
السابع: الحلال إذا اختلط بالحرام ...487
الفصل الثاني في قسمته ...491
الأوّل في الأنفال ...495
الثاني في كيفية التصرف في مستحقه ...496
كتاب الصوم
النظر الأوّل في أركان الصوم...499
الركن الأوّل: النية في الصوم...499
الركن الثاني: ما يمسك عنه الصائم...509
ما يترتب على إفطار الصوم الواجب ...516
ما يكره للصائم...534
الركن الثالث في الزمان الذي يصح فيه الصوم. ..536
الركن الرابع: مَنْ يصح منه الصوم...536
ص: 14
الصوم في السفر ...541
صوم المريض ...543
النظر الثاني في أقسام الصوم ...546
القول في صوم شهر رمضان ...546
علائم شهر رمضان ...546
شروط وجوب الصوم ...554
الأوّل: ما باعتباره يجب الصوم ...554
الثاني: ما باعتباره يجب القضاء ...555
الثالث: أحكام قضاء صوم شهر رمضان ...556
القول في صوم الكفّارات...567
الصوم المندوب ...572
الصوم المكروه ...577
الصوم المحرّم. ...579
النظر الثالث في اللواحق...582
كتاب الاعتكاف
تعريف الاعتكاف ...589
شرائط الاعتكاف...590
الأوّل: النيّة ...590
الثاني :الصوم ...591
الثالث: العدد ...592
الرابع: المكان ...597
الخامس: إذن مَنْ له ولاية...598
ص: 15
السادس: استدامة اللبث في المسجد...600
أقسام الاعتكاف (واجب و مندوب)...606
أحكام الاعتكاف ...608
ما يحرم على المعتكف...608
ما يفسد الاعتكاف ...612
ص: 16
وفيه فصلان وخاتمة
- الفصل الأول: شرائع الإسلام
- الفصل الثاني: مسالك الأفهام
- الخاتمة : عملنا في الكتاب
ص: 17
ص: 18
شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام من أجلّ كتب الفقه وأعظمها عند الشيعة، ومن أهم المصادر المعتبرة في فقه الإمامية وأشهر مصنّفات الإمام المحقق المدقق نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي، الملقب بالمحقق الحلي والمحقق الأوّل، والمشهور بالمحقق على الإطلاق (أعلى الله مقامه الشريف) (1).
قال الشيخ مفلح الصيمري البحراني - من أعلام القرن التاسع وأحد شراح شرائع الإسلام -عند تعريفه في خطبة كتابه غاية المرام في شرح شرائع الإسلام:
كتاب شرائع الإسلام ... تصنيف الإمام الأكرم والفقيه الأعظم، عين الأعيان ونادرة الزمان، قدوة المتقدمين وأفضل العلماء الراسخين، نجم الملة والحق والدين أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلّي (قدس الله نفسه الزكيّة وأفاض على تربته المراحم الربانية) قد ضمنه جميع أُصول الأحكام المشتهرة عن الأئمة الكرام، مع إضافة الفروع اللطيفة
ص: 19
والتحقيقات الشريفة، بلفظ رائق حسن محرّر يفوق على الجمان إذا تشطر، فرغب فيه لتهذيبه الراغب، واشتدّ عليه لفصاحته حرص الطالب، حتّى عَمُرت به المدارس، ونصبت على تدريسه المجالس(1) .
وهكذا عرّفه السيّد محمّد الموسوي العاملي صاحب مدارك الأحكام:
إن كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام من مصنفات الإمام المحقق والتحرير المدقق، أفضل المتقدمين والمتأخرين، نجم الملة والدين (سقى الله ضريحه مياه الرضوان، ورفع قدره في فراديس الجنان من أشرف الكتب الفقهية وأحسن المصنفات الفرعية؛ لما فيه من التنبيهات الجليلة الجلية، والتلويحات الدقيقة الخفية(2).
وقال الشيخ محمد حسن النجفي في خطبته على جواهر الكلام :
إني قد رأيت كتاب الشرائع من مصنّفات الإمام المحقق المدقق، نجم الملة والدين (أسكنه الله في أعلى عليين) قرآناً في الأحكام الشرعية، وفرقاناً في العلوم الفقهية،فائقاً من تقدمه إحاطة وجزالة وإتقاناً، وأنموذجاً لمن تأخر عنه ولساناً (3).
وقال العلّامة التستري في قاموس الرجال:
هو [أي المحقق أوّل من جعل الكتب الفقهية بترتيب المتأخرين، فجمع في شرائعه لب ما في نهاية الشيخ الذي كان مضامين (الأخبار) وما في مبسوطه وخلافه (اللذين كانا على حذو كتب العامة في جمع الفروع) وقبله كان بعضهم يكتب كالنهاية كسرائر الحلّي، وبعضهم كالمبسوط والخلاف كمهذب القاضي ، وله تحقيقات أنيقة(4).
ص: 20
وقال العلّامة الطهراني:
شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للشيخ أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الشهير بالمحقق الحلي المتوفى في سنة (676ه_) ... من أحسن المتون الفقهية ترتيباً وأجمعها للفروع، وقد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلّفه إلى الآن، ولا يزال من الكتب الدراسية في عواصم العلم الشيعية، وقد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون العديدة، فجعلوا أبحاثهم وتدريساتهم فيه، وشروحهم وحواشيهم عليه ... بل إنّ معظم الموسوعات الفقهية الضخمة التي أُلفت من بعد عصر المحقق شروح له(1) .
وقال المحدّث القمي في الفوائد الرضوية:
ولما كان كتابه الشرائع ممّا يتلقى بحسن التلقي والقبول أقبل عليه معشر الأفاضل والفحول، وأكبّ على درسه ومطالعته أولو المعقول والمنقول، فصار محط رحال تحريرات العلماء ومهبط أنوار أفكار الفقهاء، فكتبوا عليه شروحاً وتعليقات كثيرة(2) .
وقيل في وصفه:
لابن سعيد في كتابك معجز*** فضائل لم يشهر بهنّ فضائل
غرائب ألفاظ وحسن مقاصد ***متى شاء منشيها احتذى وهو قائل
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه*** لآت بما لم تستطعه الأوائل
وقيل أيضاً:
يا طالب العلم إن حاولت كثرته*** فاقصد شرائع نجم الدين واقتصر
فإنّ في ذلك ألفاظاً محرّرة ***تغنيك عن كل مبسوط ومختصر
***
ص: 21
صنف المحقق هذا الكتاب كما جاء في مقدمته - إجابة لطلب بعض الأصحاب، حيث قال في المقدمة:
وبعد؛ فإنّ رعاية الإيمان توجب قضاء حق الإخوان والرغبة في الثواب تبعث على مقابلة السؤال بالجواب ومن الأصحاب مَنْ عرفت الإيمان من شأنه واستبنت الصلاح على صفحات وجهه ونفحات لسانه؛ سألني أن أُملي عليه مختصراً في الأحكام، متضمناً رؤوس مسائل الحلال والحرام، يكون كالمفتي الذي يصدر عنه أو الكنز الذي ينفق منه فابتدأت مستعيناً بالله....
قال الشهيد الثاني في حاشية الشرائع:«وهذا الصاحب هو محمد بن محمود الزاهد، على ما وجدته بخط شيخنا الشهيد (رحمه الله)»(1) .
وفي حاشية نسخ الشرائع المطبوعة على الحجر: «هذا الصاحب هو محمد بن محمود الزاهد الحلبي (رحمه الله )كذا وجدته بخط شيخنا الشهيد. ع ل».
وفي النسخة المرقمة 702 من مخطوطات جامعة طهران كتب مابين السطرين ذيل سألني: «هو محمد بن محمود الزاهد» ثمّ عقبه في الهامش: «وقيل السائل عليّ بن... الحلّي أو الحلبي (رحمهما الله)».
ولم نعثر على ترجمته في كتب التاريخ والتراجم.
***
أجزاء الشرائع وأبوابه
دوّن المحقق شرائع الإسلام في جزءين، يبتدئ الجزء الأول بكتاب الطهارة وينتهي إلى الوصايا، والجزء الثاني يبتدئ بالنكاح وينتهي بكتاب الديات، وقسم الفقه إلى أقسام أربعة: العبادات العقود الإيقاعات والأحكام؛ وجعل تحت كلّ قسم مجموعة من الكتب والأبواب الفقهية.
ص: 22
قال الشهيد الثاني في حاشية الشرائع:
قوله: «وهو مبني على أقسام أربعة» هي عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام.
ووجه حصره في الأربعة، أن المبحوث عنه فيه إما أن يكون غايته الآخرة أو الدنيا والأوّل العبادات، والثاني إما أن لا يتوقف حكمه على صيغة أو يتوقف، والأوّل الأحكام، والثانى إما أن يكتفى فيها بواحدٍ أو يعتبر اثنان ولو حكماً، والأول الإيقاعات والثاني العقود(1).
وقال في روض الجنان في وجه تقدم الأقسام والأبواب:
فبدأ بالعبادات أولاً؛ إذ الأحكام الأخروية أهم من الدنيوية؛ لأنها المقصودة بالذات من خلق المكلّفين، وأتبعها بالعقود؛ لتوقف نظام النوع وقوامه على معرفتها، ثمّ بالإيقاعات؛ لأنّها بالنسبة إلى العقود كالفروع، فإنّ الطلاق وتوابعه فرع النكاح والعتق وتوابعه فرع الملك الحاصل بالابتياع ونحوه... وأخرت الأحكام؛ لأنها خارجة عن حقيقة مستحق التقدم كالفرائض والجنايات، أو لازمة للعقود والإيقاعات معاً كالقضاء والشهادات واللازم متأخر عن الملزوم طبعاً ...(2).
إلى آخر ما قال في وجه تقدم الأبواب.
وقال الشهيد الأوّل نحوه في القواعد والفوائد(3).
وفي ذكرى الشيعة جعل الأقطاب مكان الأقسام وقال:
وأما الأقطاب فأربعة أوّلها العبادات، وهو فعل وشبهه مشروط بالقربة، وللجهاد
ونحوه ،غايتان، فمن حيث الامتثال للثواب عبادة، ومن حيث الإعزاز وكف الضرار لا يشترط فيه التقرّب، وما اشتمل عليه باقى الأقطاب من مسمّى العبادة من هذا القبيل .
ص: 23
وأما الكفارات والنذور، فمن قبيل العبادات، ودخولها في غيرها تغليباً أو تبعاً للأسباب. وثانيها: العقود، وهو صيغة مشروطة باثنين - ولو تقديراً لترتب أثر شرعي.
وثالثها: الإيقاعات، وهو صيغة يترتب أثرها بواحد.
ويطلق على هاتين المعاملات.
ورابعها السياسات - وتُسمّى الأحكام بمعنى أخص - وهو ما لا يتوقف على قربة ولا صيغة غالباً .
وتقريب الحصر : أن الحكم إما أن يشترط فيه القربة أو لا، والأول العبادات، والثاني إما ذو صيغة أو لا، والثاني السياسات والأوّل إما وحدانية أو لا، والأول الإيقاعات والثاني العقود(1).
وقال المرحوم محمّد عليّ البقال في مقدمة الطبعة المحققة:
إنّ هذا الكتاب يمتاز بالمنهجية الفذة فيما يمتاز به... وهذه الميزة تبرز أكثر ما تبرز في جانبين من الكتاب.
الجانب الأول في تبويب الكتاب: فهو في كتابه هذا من جهة يقسم الفقه إلى أقسام أربعة: العبادات؛ والعقود والإيقاعات ..والأحكام...
ثم ذكر وجه الحصر عن هامش الطبعات الحجرية على نحو ما نقلناه عن الشهيدين ثمّ قال :
الجانب الثاني في ترتيب الأحكام ثم إنه بعد هذا كله التزم بقاعدة معينة في ترتيب الأحكام حيث ابتدأ بالواجب في كل قسم فأتبعه بالندب وبعده بالمكروه وأخيراً بالمحرم
إلى أن قال:
وقد صرّح بهذه القاعدة في كتابه المعتبر في شرح المختصر وهو في صدد بيان سبب
ص: 24
تأخيره لحكم الجنب والحائض اللذين يحضران الميت - وهو مكروه - حيث قال: إنما أخرنا هذا الحكم وهو مقدّم في الترتيب لما وضعنا عليه قاعدة الكتاب من البداءة في كل قسم بالواجب واتباعه بالندب وتأخّر المكروه فاقتضى ذلك تأخير الحكم.
ترتيب أبواب الكتاب
أما العبادات، فهي عشرة كتب: 1. كتاب الطهارة؛ 2. كتاب الصلاة؛ 3. كتاب الزكاة؛ 4. كتاب الخمس 5. كتاب الصوم؛ 6. كتاب الاعتكاف؛ 7. كتاب الحج ؛ 8. كتاب العمرة؛ 9. كتاب الجهاد؛ 10. كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثمّ إنّه (رحمه الله) في المختصر النافع ألحق «العمرة» بكتاب الحج؛ و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بكتاب الجهاد.
وأما العقود، فهي تسعة عشر كتاباً: 1. كتاب التجارة؛ 2. كتاب الرهن؛ 3. كتاب المفلس؛ 4. كتاب الحجر
5. كتاب الضمان؛ 6. كتاب الصلح ؛ 7. كتاب الشركة؛ 8. كتاب المضاربة ؛ 9. كتاب المزارعة والمساقاة :
10 . كتاب الوديعة ؛ 11 . كتاب العارية : 12 كتاب الإجارة؛ 13. كتاب الوكالة؛ 14. كتاب الوقوف والصدقات؛ 15 . كتاب السكنى والحبس؛ 16. كتاب الهبات؛ 17 كتاب السبق والرماية .18 كتاب الوصايا؛ 19 كتاب النكاح.
وفي المختصر النافع ألحق كتاب المفلّس» بالضمان وجعل «الوديعة والعارية» في كتاب واحد والوقوف والصدقات والهبات جامعاً للوقف والصدقة والسكنى والهبة.
وأما الإيقاعات، فهي أحد عشر كتاباً .. كتاب الطلاق؛ 2. كتاب الخلع والمباراة؛ 3. كتاب الظهار 4. كتاب الإيلاء 5. كتاب اللعان؛ 6. كتاب العتق؛ 7. كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد؛ 8 .كتاب الإقرار ؛ 9.كتاب الجعالة؛ 10 كتاب الأيمان؛ 11. کتاب النذر. ولم يتعرّض في المختصر النافع لأحكام الجعالة.
وأمّا الأحكام، فهي اثنا عشر كتاباً :1. كتاب الصيد والذباحة؛ 2. كتاب الأطعمة
ص: 25
والأشربة 3. كتاب الغصب؛ 4. كتاب الشفعة 5. كتاب إحياء الموات؛ 6. كتاب اللقطة 7. كتاب الفرائض
8. كتاب القضاء 9. كتاب الشهادات 10. كتاب الحدود والتعزيرات؛ 11. كتاب القصاص؛ 12 . كتاب الديات.
فبلغ جميع أبواب الفقه في كتاب الشرائع خمسين كتاباً، وفي المختصر النافع أربعاً وأربعين كتاباً.
والمشهور أنّ عدد مسائله اثنا عشر ألف مسألة، وقيل: عدد مسائل هذا الكتاب خمسة عشر ألف مسألة، وقيل: ثلاثة عشر ألف مسألة(1) . والله العالم.
تاریخ تأليف شرائع الإسلام
لم يذكر المحقق تأريخ تأليفه لشرائع الإسلام، ولا غيره ممن تعرّض لترجمة المحقق وعد مؤلّفاته وآثاره، ولكن توجد منه نسخ قديمة نفيسة بخطّ بعض تلاميذ المصنف، وكتب المصنّف بخطه الشريف الإنهاء عليها، أو الإجازة لبعض تلاميذه مؤرّخة.
منها: نسخة رآها العلّامة الشيخ آقابزرك الطهراني عند شيخه العلّامة ميرزا حسين النوري (قدس سره)، بخط الشيخ محمد بن إسماعيل الهرقلي(2)، وفرغ من كتابة الجزء الأول يوم الخميس 15 شهر رمضان سنة 670، وكتب المصنّف بخطه الشريف الإنهاء في أولها وآخرها مع الإجازة لكاتب النسخة في سنة 671(3).
ومنها :نسخة في مكتبة المرحوم آية الله السيد شهاب الدين المرعشي (رحمه الله)، تحمل رقم 13946 بخط محمّد بن أبي البلد، فرغ من كتابتها سنة 670، وكتب المصنف بخطه الشريف الإنهاء في آخر الجزء الأول.
وكما أشرنا سابقاً اختصر المحقق نفسه كتاب شرائع الإسلام وسماه المختصر النافع،
ص: 26
وقد شرحه تلميذه الشيخ عز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي، وفرغ من شرحه في شعبان سنة 672(1).
ومما ذكرنا ظهر أنّ تأليف كتاب الشرائع كان قبل سنة 670 بسنين، بل يمكن أن يقال: إن تأليفه تمّ في أوائل العقد السادس من عمر المؤلّف، حيث إنّه كتب بعد هذا الكتاب المختصر النافع، ثم شرع في تأليف كتاب المعتبر ولم يمهله الأجل لإتمامه، مضافاً إلى أنّ مثل هذه التأليفات الموسوعية تحتاج إلى زمن طويلة.
توضيح لمصطلحات المحقق في الشرائع
للمحقق في هذا الكتاب والمختصر النافع اصطلاحات ورموز وضحها بعض شارحي الكتابين نوردها هنا :
قال الفاضل السيوري في التنقيح الرائع:
الخامسة: اصطلح المصنف في كتابه على عبارات نذكر تفسيرها: ف_«الأشهر»، أي في الرواية؛ و «الأظهر» في الفتوى و «الأشبه» أي ممّا دلّ عليه أصول المذهب من العمومات والإطلاقات في الأدلة و«الأصح» أي ما لا يحتمل عنده غير المذكور؛ و«الأحوط» بمعنى أن العمل به يتيقن معه البراءة و«الأكثر» أي القائل به أكثر؛ و«الأنسب» يرادف الأشبه؛ و«الأولى» وهو ترجيح أحد القولين أو الاحتمالين على الآخر بوجه ما و
«التردّد» ما تعارض فيه الدليلان من غير حصول مرجّح و «على قول» أي لم يجد عليه دليلاً و قول مشهور» أي بين الفقهاء ولم يجد له دليلاً (2).
وقال الفاضل الآبي في كشف الرموز:
قد قرر المصنف (أدام الله ظلّه) أنّ كلّ ما في كتابه من قوله «الأشهر» يعني به الروايات
ص: 27
المختلفة، و«الأظهر» في فتاوى الأصحاب، و«الأشبه» ما تدلّ عليه أُصول المذهب من العمومات والإطلاقات، أو دلالة عقل أو تمسك بالأصل؛ وفي معناه «الأنسب»، و «الأصح» من الأقوال مما لا يحتمل عند المصنف، ويستعمل «الأحوط» بمعنى المندوب والأولوية(1) .
الشروح والحواشي على شرائع الإسلام
لقد أصبح هذا الكتاب ومختصره شغل الفقهاء درساً ودراسةً، وكل من أراد الكتابة في الفقه الاستدلالي يكتب شرحاً أو حاشية على أحدهما، ويمكن أن يقال: إن الشرائع تصدّر المقام في الكتب الفقهية من حيث كثرة ما له من الشروح والحواشي، وهي مستمرة حتى الآن، والأهم من ذلك كله أنه شرح بمستوياتٍ متعدّدة وعلى أنحاء مختلفة من مزج وتهميش وتعليق، حتّى أنّ بعض العلماء صنف شرحاً لتردّداته ورموزه خاصة، مثل غاية المرام للشيخ مفلح بن حسن الصيمري، وإيضاح تردّدات الشرائع لنجم الدین جعفر بن الزهدري الحلّي من أعلام القرن الثامن الهجري.
ومثل الشهيد الثاني كتب عليه حاشية في مجلدين ، وشرحاً مفصلاً في سبعة مجلدات.
وأوّل من شرحه بعد أن اختصره هو المحقق نفسه، وقد أسماه المعتبر في شرح المختصر.
قال في مقدمة المعتبر في بيان سبب تأليف المعتبر:
أحببت أن أكتب دستوراً يجمع أُصول المسائل وأوائل الدلائل، أذكر فيه خلاف الأعيان من فقهائنا، ومعتمد الفضلاء من علمائنا، وألحق بكل مسألة من الفروع ما يمكن إثباته بالحجة، وسياقته إلى المحجة، فقطعت الحوادث عن ذلك القصد، ومنعت الكوارب ورود ذلك الورد، حتى اتفق لنا اختصار كتاب الشرائع بالمختصر النافع، فدق كثير من
ص: 28
معانيه لشدّة اختصاره، واشتبهت مقاصده لبعد أغواره، فحركني ذلك لشرح مشتمل علی تحریر مسائله و تقریر دلائله (1).
وحيث إنّ ذكر الشروح والحواشي على الشرائع ورد في كتب عديدة ارتأينا عدم إيرادها، ونحيل القراء الكرام إلى كتاب الذريعة للعلّامة الطهراني (التعليقات في الجزء الرابع والحواشي في الجزء السادس والشروح في الجزء الثالث عشر) وكتاب أحوال وآثار محقق حلّي لآية الله الحاج الشيخ رضا الأستاذي (حفظه الله).
ترجماته
ثم ،إن كتاب شرائع الإسلام من الكتب القليلة التي ترجمت إلى لغات عدّة، حيث تُرجم إلى الفارسيّة عدة ترجمات وطبع في إيران والهند؛ وقسم منه ترجم إلى الروسية وطبع في سان بطرسبورغ في مجلدين سنتي 1862 و 1867؛ وترجم إلى الفرنسية، ترجمه آ. كرى، وطبع في باريس سنة 1871م؛ وترجمت ترجمته بالفارسية باسم جامع رضوي إلى لغة الأردو باسم جامع جعفري وطبع في الهند(2).
ص: 29
كتاب مسالك الأفهام واحد من الآثار الفقهية القيمة والمهمة للشهيد الثاني (رحمه الله) بل هو أهم وأجلّ مؤلفاته، وهو شرح لكتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي (أعلى الله مقامه).
قال في سبب تأليفه:
فهذه نكت مختصرة وفوائد محبّرة وضعتها على كتاب شرائع الإسلام بالتماس جماعة من المحصلين الأعلام، تقيّد مطلقها، وتفتح ،مغلقها، وتبين مجملها، وتسهل معضلها، المشتغل بالكتاب عن أسفار كبار، وتطلعه على دقائق تذعن لها قلوب الأخيار، مجرّدة غالباً عن دليل أو تعليل، مقتصرة على قصير من طويل. سماه الشهيد في مقدمته ب_: مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، وصرّح به أيضاً في آخر الجزء الثالث والرابع والسادس. وأيضاً في إجازته للشيخ تاج الدين بن هلال الجزائري، قال: «وأجزته جميع ما جرى به قلمي..ومن أهمها كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام»(1).
***
ولا ريب أن كتاب المسالك هو شرح لكتاب شرائع الإسلام، ولكن ليس شرحاً مزجيّاً مثل جواهر الكلام، بل هو شرح بالقول على سبيل الحاشية مثل غاية المراد في شرح نكت الإرشاد. والتعبير عنه بالتعليق في كلام المصنف تسامح في التعبير.
ص: 30
قال العلامة الطهراني:
مسالك الأفهام... شرح بالقول على سبيل الحاشية في العبادات. ثم بسط البحث في المعاملات (1).
وقال تلميذه ابن العودي في عداد مؤلفات أستاذه الشهيد الثاني:
ومنها: شرح الشرائع الذي تفجرت منه ينابيع الفقه، وأخذ بمجامع العلم، سلك فيه أوّلاً مسلك الاختصار ... ثم أخذ في الإطناب حتى صار بحراً يسلك فيه سفن أولي الألباب، فكمل سبع مجلدات ضخمة، مَنْ أحرزه فقد أحرز تمام الفقه مما حواه واستغنى بمطالعته عن غيره من كلّ كتاب سواه (2).
وقال السيد محمد الموسوي العاملي في مقدّمة مدارك الأحكام بعد تعريفه لشرائع الإسلام :
كذلك شرحه للمولى الأعظم والإمام المعظم قدوة العلماء الراسخين وأفضل المتأخرين، جدّي العلّامة الشهيد الثاني (قدس الله نفسه الزكية، وأفاض على تربته المراحم الربانية) كتاب جليل الشأن، رفيع المكان لم ير مثله في كتب الأولين، ولم تسمح بما يدانيه أفكار المتأخرين؛ ولذلك تداولته الفضلاء في جميع الأمصار
واشتهر بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار(3).
وقال مير محمد صالح الحسيني الخاتون آبادي في حدائق المقربين بالفارسية ما ترجمته :
مسالك الأفهام من مصنفات الشهيد الثاني وهو يشتمل على جميع أبواب الفقه، وقد نقح فيه جميع المسائل الواردة في الشرائع ورجحها، وأورد الآراء الخلافية لعلماء الشيعة حول كلّ مسألة من المسائل مع إيراد الأدلّة، وتقوية المذهب الذي يرى متانته
ص: 31
وتفنيد ما تقوله المذاهب الأخرى وأدلتها، ويذكر الفروع الكثيرة التي وجدها في الكتب الأخرى أو التي خطرت على ذهنه، والحقيقة أنه إذا لم يكن شخصاً مؤيداً من عند الله لا يمكنه تأليف مثل هذا الكتاب، فكل من تأمل فيه وتدبّر أدرك يقيناً أن أكثر مضامينه هي من الإلهامات الربانية، وليست من ثمار فضل المؤلّف وتبحره في العلم ... (1).
وقال الخوانساري في روضات الجنات:
وأما كتاب مسالك الأفهام الذي كتبه في شرح شرائع الإسلام، فهو أيضاً من الكتب المعتبرة المعروفة المتطايرة على أيدي المتفقهين إلى هذا الزمان ... إلا أن الأمر في مجلّده الأوّل كما أشير إليه من قبل، وقد تعرّض لتدارك مافات عنه صاحب المدارك (2).
وقد نظم المحقق الشيخ حسن ولد المصنف في وصفه:
لولا كتاب مسالك الأفهام*** ما بان نهج شرائع الإسلام
كلا ولا كشف الحجاب مؤلّف***عن مشكلات غوامض الأحكام
قد زيّنته حقائق ودقائق*** خضعت لهن نواصب الأفهام
وحَوَت صحائفه نفیس فرائد*** قد نظمت بنهاية الإحكام
تزهو بهنّ كمثل أحسن روضة*** أزهارها خرجت من الأكمام
فجزى مؤلّفه الرحيم بجوده*** خير الجزاء وحباه بالإكرام(3)
تاریخ تأليف مسالك الأفهام
جاء في بعض الكتب ومنها روضات الجنات ، ج 3، ص 378: «يقال: إنه صنف ذلك الكتاب ... في مدة تسعة أشهر». وفي الذريعة ، ج 20، ص 378 : «وحكي عن الشيخ عليّ النباطي عن والده أن مدة تصنيفه تسعة أشهر». وبما أن هذا الأمر من الأمور
ص: 32
المهمة، فلا يعتمد في مثلها على «يقال» و«حكي»، وقد كتب المصنف نفسه تاريخ الفراغ في آخر الأجزاء السبعة للكتاب، فإنّه موجود في أكثر نسخها المخطوطة المتوفّرة عندنا .
قال في إتمام القسم الأوّل من كتاب الشرائع، والذي يطابق آخر الجزء الأول من المسالك:
تم القسم الأوّل من كتاب شرائع الإسلام وهو قسم العبادات، وبه تم الجزء الأول من هذا التعليق على يد مصنفه ... وفرغ منه يوم الأربعاء لثلاثة مضت من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وتسعمائة من الهجرة النبوية ....
وقال في إتمام قسم العقود :
تم قسم العقود بحمد الله تعالى ومنه وحسن توفيقه... فرغ من تأليف هذا الشرح ضحى يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وتسعمائة ...
وقال في إتمام قسم الإيقاعات :
تم قسم الإيقاعات وبتمامه تمّ ما وفقه الله تعالى ويسّره من شرحه بحمد الله ومنه، واتفق الفراغ من تسويده على يد مصنفه... ضحى يوم الجمعة غرة شهر رمضان المعظم عام ثلاثة وستين وتسعمائة ...
وقال في آخر المجلد الثاني:
تمّ المجلد الثاني من هذا التعليق على يد مصنفه ...في أوقات مختلفة وأحوال متفرّقة، مشوّشة للقوى والأفكار، مانعة من الخلدة والاصطبار ... آخرها مفتتح شهر ربيع الأول. المفتتح لأوّل الربيع سنة ست وخمسين وتسعمائة ...
وقال في آخر المجلد الثالث:
تم الجزء الثالث من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، واتفق الفراغ منه مع تراكم صروف الحدثان المكدّرة للأفكار والأذهان، يوم الأحد عشرين شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وتسعمائة ..
ص: 33
وقال في آخر الجزء الرابع:
تم الجزء الرابع من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، وفرغ من تسويده مصنّفه ... أواخر شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وتسعمائة حامداً مصلّياً مسلماً.
وقال في آخر الجزء الخامس:
تم قسم الإيقاعات... واتفق الفراغ من تسويده.... ضحى يوم الجمعة غرة شهر رمضان المعظم عام ثلاثة وستين وتسعمائة.
وقال في آخر الجزء السادس:
تم كتاب الفرائض وبتمامه تمّ المجلد السادس من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام... فرغ منه يوم الإثنين عند أذان العصر مفتتح شهر ذي الحجة الحرام
عام ثلاثة وستين وتسعمائة.
وقال في آخر الجزء السابع:
فرغ من تعليقه مصنّفه ... منتصف نهار الإثنين ثامن شهر ربيع الآخر عام أربع وستين وتسعمائة ، تقبل الله تعالى عمله وغفر زلّته، حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً.
والحاصل أنّ تأليف المسالك قد استغرق الفترة الممتدة على الأقل من قبل سنة 951 حتى 964 - أي في طول أربع عشرة سنة - حيث إنّ المصنف أنهى الجزء الأول منه في يوم الأربعاء لثلاثة مضت من شهر رمضان سنة 951، والجزء الثاني في مفتتح شهر ربيع الأول سنة 956، والجزء الثالث في ربيع الأول سنة 963، والجزء الرابع في أواخر شهر جمادى الآخرة سنة 963 ، والجزء الخامس ضحى يوم الجمعة غرّة شهر رمضان المعظم سنة 963، والجزء السادس في مفتتح شهر ذي الحجة سنة 963، والجزء السابع في ثامن شهر ربيع الآخر سنة 964.
ص: 34
ظروف تأليف الكتاب
كتب الشهيد كتاب المسالك أولاً في ستة أجزاء، ثمّ لما كمل الشرح ورأى ضخامة الجزءين الأخيرين، جزاه ثانياً سبعة أجزاء.
قال تلميذه محمود بن محمد بن علي بن حمزة اللاهجاني - وهو من الملازمين له في أواخر عمره - في آخر الجزء الثالث:
اعلم أن الشارح الشهيد (قدس الله روحه ونوّر ضريحه ونفعنا به في الآخرة كما نفعنا الأولى) كان قد جزاً أوّلاً هذا الشرح ستة أجزاء وجعل خاتمة هذا الجزء وهو الجزء الثالث - عند قول المصنف: ويلحق بالنكاح النظر في أمور»، ثمّ لمّاكمل الشرح ورأى أن الجزءين الأخيرين، سيما الجزء الأخير منه ضخم جداً أجزأه ثانياً سبعة أجزاء، بأن اقتطع من الأربعة الأجزاء الأواخر من كلّ جزء قطعة، فانقطع الجزء الثالث هنا عند قول المصنف... القسم الثاني في النكاح المنقطع» وألحق هذا الكلام وهو قوله «تم المجلد الثالث» إلى آخره هنا.
هذا. وكتب الشهيد في آخر الجزء الثاني:
تمّ المجلد الثاني من هذا التعليق على يد مصنّفه...في أوقات مختلفة وأحوال متفرّقة، مشوّشة للقوى والأفكار، مانعة من الخلدة والاصطبار، موجبة للمسامحة عند العثار آخرها مفتتح شهر ربيع الأول المفتتح لأوّل الربيع سنة ست وخمسين وتسعمائة، حامداً لله تعالى في الشدة والرخاء.... في السراء والضراء..
وكتب في آخر الجزء الثالث:
واتفق الفراغ منه مع تراكم صروف الحدثان، المكدّرة للأفكار والأذهان، الموجبة لمزيد السهو والنسيان، ومن اطلع منها على عشر العشير أقام عذري ما عساه أن يقف فيه على خلل أو سهو أو تقصير - يوم الأحد، عشرين شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وتسعمائة.
ص: 35
وقال تلميذه محمود بن محمد اللاهجاني:
هذا آخر كلامه (قدس سره). والحمد لله الذي وفقنا للفراغ من نسخه وجعل لنا أُسوة حسنة بمصنّفه، حيث صنّف الجزء الثالث وما بعده إلى آخر الشرح زمان اختفائه من الطغاة البغاة لما قصدوه ودخلوا بيته ونهبوه، وكان (قدس سره) هارباً من شرهم من جبل إلى جبل وقرية إلى أخرى، وهذا الذي يعنيه بقوله: «تراكم صروف الحدثان» إلى آخره، وأنا نسخته في زمان اختفائي، فإنّهم لما حبسوا الشارح (رحمه الله) وكنت ساعياً في خلاصه فحبسوني، وأخذوه إلى الروم، وكان مدة حبسى اثنين وأربعين يوماً، ثمّ أُطلقت يوم العشرين من جمادى الأولى - وكان يوم الجمعة وي--وم النيروز - س-ن-ة خمس وستين وتسعمائة، وكنت متظاهراً بمكة وحواليها إلى أن جاء خبر قتل الشارح الشهيد المبرور السعيد في ذي القعدة من السنة المذكورة، فقصدوني ثانياً فانهزمت منهم واختفيت. وبعد الفراغ من الحج والعمرة على الخفية اشتغلت بكتابة الشرح وسافرت في أواخر شهر صفر من مكة المشرفة إلى الطيبة، ووفق الله تعالى لإكمال هذا المجلد غدوة يوم الأحد لأربع ليال خلون من شهر جمادى الأولى سنة ست وستين وتسعمائة، أحوج الخلق إلى عفو ربه الغني محمود بن محمد بن علي بن حمزة اللاهجاني، إلى آخره (1).
فيظهر مما كتبه الشهيد في آخر الجزء الثاني أنّ الشهيد كان متخفياً في سنة 956، كما قال ابن العودي: «وكان في منزلي بجزين متخفياً من الأعداء ليلة الاثنين حادي عشر شهر صفر 956». وقال أيضاً - مشيراً إلى سنة 955 - : «وهذا التاريخ كان خاتمة أوقات الأمان والسلامة من الحدثان، ثم نزل ما نزل ...»(2).
كما يظهر مماكتبه الشهيد وتلميذه اللاهجاني في آخر الجزء الثالث أنه قد تخفى مرّةً ثانية منذ سنة 963 إلى زمان اعتقاله حيث كان خائفاً يترقب في حين كان مشغولاً بتأليف الكتاب.
ص: 36
حاشية الشهيد على شرائع الإسلام
كتب الشهيد أوّلاً حاشية على كتاب شرائع الإسلام، ذكرها في إجازته للشيخ تاج الدين بن هلال الجزائري، قال - بعد ذكره ل- مسالك الأفهام : «ومنها حواشي الكتاب المذكور، مجلدان»(1).
وذكرها أيضاً تلميذه ابن العودي في عداد مصنفاته، وقال: «ومنها حاشية مختصرة على الشرائع، خرج منها قطعة صالحة».
قال حفيد الشهيد الشيخ علي في الدر المنثور معلقاً على كلام ابن العودي:
حاشية الشرائع مجلّدان، باقي عندنا مجلّد بخطه، والآخر ذهب مع ما ذهب، وذكر في بعض إجازاته أنّها مجلدان(2).
والموجود من هذه الحاشية الآن هو المجلد الأول ويشتمل تعليقاته على قسم العبادات والعقود، إلا كتابي الوصايا والنكاح. وأما المجلد الثاني والذي يشتمل الحواشي على الجزء الثاني من كتاب شرائع الإسلام فقد فُقد ولم يصل إلينا.
قال (رحمه الله) في خطبته:
فهذه تعليقة مختصرة وقيود محبّرة على كتاب شرائع الإسلام، تنظم ما اعتمد عليه في فتواه، وتقيّد ما أطلقه وتبيّن ما أجمله ....
وقد حققت وطبعت هذه الحاشية في مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية في سنة 1380ش؛ وهي تشمل حواشيه على كتاب الطهارة إلى كتاب السبق والرماية.
هذا، ولم نعثر على تاريخ تأليفه لهذه الحاشية ، والظاهر أنه ألفها قبل تأليفه لمسالك الأفهام. ومن الثابت أنّ المصنف (رحمه الله )قد انتهى من تأليف الجزء الأوّل من
ص: 37
المسالك في يوم الأربعاء الثالث من شهر رمضان سنة إحدى وتسعمائة، فيكون تأليفه للحاشية قبل هذا التاريخ.
وأما الفارق بين الحاشية والشرح فيرجع إلى طبيعة الحاشية وكونها مختصرة، خالية عن الاستدلال وعرض الآراء الفقهيّة ونقدها وحكاية الأقوال إلا في موارد نادرة. وأما في الشرح فعلى خلاف ذلك، ولو أنه سلك في قسم العبادات من الشرح أيضاً مسلك الاختصار، فإنا نجد تشابهاً كبيراً بين الحاشية والمسالك في قسم العبادات، بل يمكن أن يقال: إن بينهما عموم وخصوص من وجه إلى آخر العبادات. وفي الحقيقة إن الشرح تحرير جديد منقح للحاشية .
وقد كتب في الحاشية على مقدّمة الشرائع خمس حواشٍ، لم يتعرّض لها في مسالك الأفهام.
قال في التعليق على قول المحقق في الشرائع ومن الأصحاب من عرفت الإيمان من شأنه» هذا الصاحب هو محمّد بن محمود الزاهد على ما وجدته بخط شيخنا الشهيد (رحمه الله).
وقال في التعليق على قوله: «وهو مبني على أقسام أربعة»:
هي عبادات، وعقود، وإيقاعات، وأحكام.
ووجه حصره في الأربعة: أن المبحوث عنه فيه إما أن يكون غايته الآخرة أو الدنيا، والأوّل العبادات، والثاني إمّا أن لا يتوقف حكمه على صيغة، أو يتوقف، والأوّل الأحكام، والثاني إما أن يكتفى فيها بواحدٍ أو يعتبر اثنان ولو حكماً والأول الإيقاعات. والثاني العقود.
واعلم أن كثيراً من أبواب هذه الأقسام يدخل في غيره كالقضاء والشهادات والنذور وشبهها والعتق فإنّها من أقسام العبادات والمكاتبة من أقسام العقود، وباقي العقود قد يقصد بها القربة فيكون منها، والخلع والمباراة من أقسام الإيقاع، وهما بالعقود أليق، وما
ص: 38
يكتفى فيه بالقبول الفعلي من العقود هي بباب الإيقاع أليق؛ ومن ثم اختلفت أنظارهم في الترتيب.
قوله: «ونبدأ منها بالأهم فالأهم».
الأهم منها قد يكون باعتبار فضيلته في ذاته كالصلاة، فإنّها أشرف من باقي العبادات؛ فلذا قدّمها عليها .
وقد يكون باعتبار غيره كالطهارة، فإنّها باعتبار كونها شرطاً للصلاة قدمها عليها؛ لأنّ الشرط متقدم على المشروط.
وقد يكون باعتبار عموم الحاجة إليه كالصوم، فإنّه لوجوبه كلّ عام قدّمه على الحج الذي لا يتكرّر على المكلّف إلا بسببٍ عَرَضي.
وقد يكون لكثرة شرائطه وعسر وجود اجتماعها كالجهاد المشروط غالباً بإذن الإمام. وقدّم الزكاة على الصوم مع مشاركتها له في علّة التقديم، لاقترانها بالصلاة في الآيات الشريفة(1) .
القيمة الفقهية لمسالك الأفهام
أشرنا في الفصل الأوّل إلى أنه كتب على شرائع الإسلام شروح وحواش كثيرة بمستويات متعدّدة وعلى أنحاء مختلفة من عصر المحقق حتى الآن، ومن تتبع الموسوعات الفقهية الضخمة يرى أن كثيراً منها شرح له أو لمختصره ؛ ومن أهم الشروح وأقدمها كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام.
وقد كتب قبل شرح الشهيد وحاشيته شرحان وحاشيتان على كتاب الشرائع:
1. الحاشية عليه، للشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي، المعاصر للمحقق الكركي.
2. الحاشية عليه، للمحقق الكركي الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العا لی(م 940).
ص: 39
3. إيضاح تردّدات الشرائع، للشيخ نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلّي من أعلام القرن الثامن. وهو شرح لبعض مصطلحات الشرائع مثل قوله «فيه تردّد» أو «على الأشبه» أو «على الأصح» وغيرها.
4. غاية المرام في شرح شرائع الإسلام للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري تلميذ أبي العباس أحمد بن فهد الحلّي (م 841).
قال فيه بعد مدح الشرائع: «قد اشتمل على تردّدات ومسائل خلافيات فأحببت أن أعمل له شرحاً كاشفاً لتردّداته مبيناً لمبهمه ومشكلاته».
وأما مسالك الأفهام فهو أول شرح مفصل كامل يتضمن شرح جميع أبواب كتاب الشرائع، وله خصائص وميزات نشير هنا إلى بعضها:
أ. إنّ هذا الكتاب شرح كامل للموارد المبهمة والمشكلة من أول شرائع الإسلام إلى آخره، سلك أوّلاً في قسم العبادات مسلك الاختصار، ثمّ أخذ بالشرح والتفصيل إلى آخره فكمل سبع مجلدات ضخمة.
ب .بذل الشهيد الثاني كسلفه الشهيد الأوّل - غاية جهده في بيان المسائل الخلافية بين فقهاء الشيعة، ونقح جميع المسائل الواردة في الشرائع ورجحها، وأورد فروعاً كثيرة مما وجده في الكتب الأخرى أو التي خطرت على ذهنه، وقلّما يشير إلى فتاوى فقهاء المذاهب الأُخرى بقوله «قيل» وما شابهه.
ج. يرى البعض أن الشهيد الأوّل والمحقق الثاني كانت تحت يدهما آثار وكتب ورسائل لقدماء الأصحاب وقد فقدت بعد هذه الكتب والرسائل ولم تصل إلينا ولكنا نرى أن الشهيد الثاني قد ينقل عن هذه الكتب والرسائل بلفظ عبارتها التي لم ينقلها أحد قبله حتى الشهيد الأوّل والمحقق الكركي، ومنها كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي لابن جنيد الإسكافي .
د. أشكل الشهيد الثاني في هذا الكتاب على ترتيب بعض المباحث والمسائل التي
ص: 40
ذكرها المحقق في أحد الأبواب وأشار إلى أنّ الأنسب ذكرها في موضع آخر. كما اعترض على بعض العبارات مثل قوله معلقاً على كلام الشرائع في حقيقة النية في الصلاة : «ولا يخفى ما في عبارة المصنّف من الحزازة والقصور عن تأدية المعنى المراد»(1) .
هذا. والكتاب مشتمل على أبحاث نافعة وفوائد مهمة قيّمة من المباحث التفسيرية والأدبية والكلامية والرجالية التي لا يمكن الإحاطة بها إلا مع توفّر قوّة علمية وزمان واسع، دونهما خرط القتاد.
مصطلحات الشهيد في مسالك الأفهام
تحتوي نسخة من الجزء الأول من المسالك المحفوظة برقم 29 في مكتبة عتبة عبدالعظيم الحسني في الري على سؤال وجواب عن مصطلحات الشهيد في المسالك ، وهي كما يلي:
سُئِل الشيخ العالم الفاضل الكامل فهامة زمانه والفائق على أقرانه، خاتمة المجتهدين وكهف الله في العالمين، ومنار الحلم والحق المبين، أعني بذلك المصنف (أدام الله العليّ علوّه وحرسه في الدنيا من الأذى وجعله في الآخرة ملاذاً )عن ضابط مصطلحه في فتاواه والفرق بينها وبين مصطلحات مصنّف الشرائع (طيب مضجعه).
فأجاب أدام الله توفيقه وسهّل إلى كل خير طريقنا وطريقه:
كلّ ما دلّ على ترجيح أحد الطرفين فهو فتوى كالجيد والقوي والأقوى والأصح: لكن الجيد يذكر حيث يكون التوضيح عليلاً والجانب المخالف قوّيّاً (متوجهاً).
والقوي يشتمل على زيادة ترجيح والأقوى أزيد من القوي، وحيث يكون الجانب المخالف ضعيفاً نعبر بالأصح.
ص: 41
وأما الأشهر والمشهور ففيه إشارة إلى أنّ الأكثر على تلك الفتوى، ولكن دليلها غير ناهض .
والأولى والأحوط يدلّ على قوة دليل الجانب المخالف وجواز العمل به وإن كان الأولى خلافه.
قال (أدام الله أيامه) : وأما ما اصطلح عليه المحقق (قدس سره) في الشرائع ومختصره ، فقد نقل عنه أنه يريد بقوله « على الأظهر» في فتاوى الأصحاب ، و «الأشهر » في الروايات، و«الأصح » ما لا احتمال فيه عنده بخلاف ما أفتى به و«الأشبه» ما ناسب أصولنا من الحكم و الترديد » ما احتمل أمرين أو الأمور على السواء ؛ و«على قول» أو «به قول مشهور » إذا لم يجد عليه دليلاً يصلح للحكم.
وهذه النسخة نفيسة جداً، نسخها تلميذ الشهيد حسين بن مسلم بن حسین بن محمد بن شقير العاملي الشامي في سنة 959؛ كتب في أوّل النسخة:
الجزء الأوّل من مسالك الأفهام ... تصنيف المولى الجليل الآخذ بالحجة والدليل ،الكامل العالم العامل الواثق بحبل الله المتين، زين الملة والحق والدنيا والدين زين الله الأرض بدوام وجوده وأسكنه في الآخرة جنة خلوده، إنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وآله.
وكتب في آخره:
فرغ من نسخها العبد المفتقر إلى كرم الله ورحمته حسين بن مسلم بن حسين بن محمّد، الشهير بابن شقير العاملي الشامي، وذلك آخر نهار يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر ريبع الأول سنة تسع وخمسين وتسعمائة، جعله الله له ستراً من النار ...(1).
ص: 42
الكتب التي تأثر بها مسالك الأفهام
كانت في مكتبة الشهيد الثاني جملة كثيرة من كتب القدماء تبلغ أكثر من ألفي كتاب، قال الحر العاملي
(رحمه الله) في أمل الآمل:
وأخبرني من أثق به أنه خلّف ألفي كتاب منها مائتا كتاب كانت بخطه من مؤلفاته وغيرها (1).
وكثرتها تدلّ على كثرة ولعه بجمع الكتب واستنساخها وحفظها، وكثرة نقله في مؤلّفاته ومصنفاته تدلّ على أنّه كانت تحت يده مصادر كثيرة من كتب الحديث والتفسير واللغة والأدب وأصول الفقه. وسوف يتضح - إن شاء الله - هذا الموضوع عند الرجوع إلى مصادر تحقيق هذه الموسوعة في الجزء التاسع والعشرين.
وأما في كتابه مسالك الأفهام، فينقل كثيراً عن الشيخين الطوسي والمفيد، والعلامة الحلّي، وابن إدريس الحلّي، والشهيد الأول، وابن الجنيد وابن أبي عقيل، والصدوق، والسيد المرتضى، والقاضي ابن البرّاج، وأبي الصلاح الحلبي، وفخر المحققين، وابن حمزة، وسلار الديلمي، والشيخ علي الكركي.
والكتب التي كانت استفادته منها أكثر، هي المبسوط والخلاف والنهاية للشيخ الطوسي، والتذكرة والمختلف والقواعد والتحرير للعلّامة، وشرح الإرشاد والذكرى والدروس للشهيد الأول.
هذا مضافاً إلى أنه تأثر بآثار الشهيد الأوّل والمحقق الكركي أكثر من غيرهما؛ حيث إنّه کتب خمسة من مؤلّفاته شرحاً على رسائل الشهيد الأول، وقد أشار إلى حاشية الشهيد على القواعد المعروفة بالحاشية النجارية بقوله الشهيد في بعض تحقيقاته».
وكان بين آثاره و آثار المحقق الكركي تشابه تام لا يخفى على الممارس بآثار هذين
ص: 43
العلمين، فإنّه تأثر في المسالك بكتاب حاشية الشرائع للكركي وكذلك بكتابه جامع المقاصد ، وإن لم يصرح باسمه أو باسم الكتاب، ولكنّه حيثما عبّر ب_«بعض الأصحاب» أو «أُجيب» فمراده المحقق الكركي في جامع المقاصد ، حتى أنه ينقل عبارة كاملة من جامع المقاصد دون إشارة إليه.
الكتب التي تأثرت بمسالك الأفهام
حيث إن كتاب مسالك الأفهام يعد واحداً من أهم الموسوعات الفقهية وأوّل شرح تفصيلي لكتاب شرائع الإسلام، يمكن أن يقال: إنّه لم يؤلّف بعده كتاب أو رسالة فقهية إلا وقد استفاد منه بشكل مباشر. وكثرة نسخه الخطّيّة والمطبوعة المتعدّدة تكشف لنا أنّ هذا الكتاب كان متداولاً بين أيدي الفقهاء والطلاب والمدرّسين. ولذلك لم نستقرأ هذه الآثار، فإنّ كلّ من تأخر عن الشهيد استفاد من هذا الكتاب بلا ريب ولا شكّ.
مدارك الأحكام استدراك لمسالك الأفهام
أشرنا مراراً سابقاً أنّ الشهيد في قسم العبادات من الشرح سلك مسلك الاختصار على سبيل الحاشية، ولذلك تصدّى السيد محمد الموسوي العاملي (946 - 1009) سبط الشهيد لتدارك ما أهمله وأجمله فألف كتابه مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام.
قال في مقدمته في سبب تأليف المدارك بعد تعريفه لشرائع الإسلام:
كذلك شرحه [مسالك الأفهام ]... كتاب جليل الشأن، رفيع المكان، لم يُرَ مثله في كتب الأولين، ولم تسمح بما يدانيه أفكار المتأخرين، ولذلك تداولته الفضلاء في جميع الأمصار، واشتهر بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار. غير أنه (قدس سره الشریف)سلك في أوائله مسلك الاختصار، فبقيت رموز تلك المحال مستورة على حالها، ومخفیات كنوزها لم يظفر ناظر بمحالها، فالتمس مني بعض إخواني في الدين أن أفصل ما أجمله وأستوفي ما أهمله ...
ص: 44
وكان غاية مقصودي في هذا التعليق إنّما هو تحرير المسائل الشرعية، واستخراجها من أدلّتها التفصيلية، معرضاً عن تطويل المقال بما يرد على العبارات من القيل والقال(1) .
والجدير بالذكر أنّ كتاب المدارك يشتمل على شرح قسم العبادات من شرائع الإسلام حيث يبتدئ من كتاب الطهارة وينتهي بكتاب الحج وفرغ من تأليفه يوم الخميس الخامس والعشرون من ذي الحجة سنة 998 .
الحواشي والشروح على المسالك
تناول الفقهاء المحققون هذا الكتاب بالشرح والتعليق، ويبدو أنه كان من الكتب الدراسية، وكان متداولاً في أيدي الفقهاء والمدرّسين والطلاب، نذكر بعضها:
1. الحاشية عليه، لمؤلّف أصله الشيخ زين الدين الشهيد، ولم يدوّن هذه الحواشي، بل متفرّق على حواشي النسخ الخطّيّة.
2. الحاشية عليه للميرزا إبراهيم الحسيني القزويني (م1149).
3. الحاشية عليه، للأستاذ الوحيد البهبهاني (م1204).
4. الحاشية عليه، للمولى حيدر علي بن المدقق الميرزا محمد بن الحسن الشيرواني.
5. الحاشية عليه للشيخ صالح بن الشيخ محمد مهدي آل گدا عليّ بيك الحائري (م 1298).
6. الحاشية عليه للسيد عبدالله الجزائري التستري (م1173).
7. الحاشية عليه، للمدقق الشيرواني الميرزا محمد بن الحسن (م 1098).
8. الحاشية عليه للميرزا محمد التنكابني، ذكرها في قصصه.
وقد ذكر العلّامة الطهراني هذه الحواشي الثمان في الذريعة ، ج 6 ص 198 - 199.
9. الحاشية عليه للعلامة المولى محمّد باقر المجلسي (م 1110)، كتبها تلميذه محمد
ص: 45
جعفر بن محمد حسين الشيرواني على حاشية نسخة من المسالك (1).
10. الحاشية عليه للشيخ محمد جعفر بن محمد حسين الشيرواني، كتبه على نسخة من المسالك (2).
11. الحاشية عليه، لمحمّد تقي بن محمد جعفر بن محمد حسين الشيرواني(3).
12. الحاشية عليه، لرضي الدين العاملي (1103 - 1168)(4).
13. الحاشية عليه، لمحمد حيدر العاملي المكي (1071 - 1139) ذكره في الذريعة، ج 6 ، ص 198
14. الحاشية عليه للشيخ موسى الفلاحي (1239) - (1289). نسب إليه في معارف الرجال، ج 3، ص 44 .
15. الحاشية عليه للشيخ زين العابدين المازندراني (1228 - 1309). نسب إليه في أعيان الشيعة، ج 7، ص 168.
ومن الشروح
16. معارج الأحكام في شرح مسالك الأفهام، للسيد حسين بن الأمير إبراهيم بن الأمير معصوم القزويني
(م1208). ذكره الطهراني وعرفه تفصيلاً في الذريعة ، ج 21 ، ص 178 - 180.
17. طاب العائل في شرح بعض عبائر مسالك الأفهام، للسيد إبراهيم بن محمد تقي بن سيد حسين بن دلدار علي النقوي النصير آبادی (1259 - 1307) ذكره السيد الأمين في أعيان الشيعة، ج 2، ص 205؛ وذكره العلّامة الطهراني في الذريعة ، ج 15 ، ص 198 باسم «ظاب العائل» وهو خطاً.
ص: 46
تنبيه
ما ذكرناه في هذه المقدمة إنّما هو غيض من فيض ممّا يمكن أن يقال عن هذا الكتاب المهمّ وعن ظروف تأليفه وما كان له من التأثير الواسع في الأوساط العلمية على مر السنين، وقد أغنانا عن الإسهاب ماكتبه المحقق الفاضل الشيخ رضا المختاري عن حياة الشهيد الثاني وآثاره، وجعل كمدخل لهذه الموسوعة
(موسوعة الشهيد الثاني) فمن رام المزيد فليراجع ذلك المجلد، ففيه ما يروم إن شاء الله تعالى.
ص: 47
1 . عملنا في شرائع الإسلام
إن كتاب شرائع الإسلام -كما تقدّم في الفصل الأوّل من هذه المقدمة - طبع طبعات متعددة حجرية وحروفية، ذكر المرحوم خان بابا مشار سبع عشرة طبعة حجرية له في إيران، في طهران وتبريز أولها سنة 1267 وآخرها سنة 1377 بالأوفسيت من منشورات المكتبة الإسلامية.
وطبع أيضاً في كلكتا بالهند سنة 1255 - إلى سنة 1272 مكرراً؛ وطبع حروفياً في لندن، وفي بيروت باهتمام المرحوم محمد جواد مغنية، ثمّ طبع في بيروت وإيران مكرّراً (1). وهذه الطبعات لا يعتمد عليها، سواء الطبعات الحجرية منها أو الحروفية؛ لأنها مليئة بالأخطاء وبالكثير من النواقص.
ورغم وجود المئات من النسخ الخطيّة لهذا الكتاب في العديد من المكتبات وعدم إمكان استقرائها جميعاً في هذه المقدمة ووجود بعض النسخ النفيسة المشتملة على إنهاء المؤلّف، ومنها:
1. النسخة التي رآها الشيخ آقابزرك الطهراني عند شيخه العلّامة الميرزا حسين النوري، قال:
وهو بخط الشيخ محمد بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن علي الهرقلي.....
وقد فرغ من كتابة الجزء الأول يوم الخميس 15 شهر رمضان سنة 670ه-.
ص: 48
ثم قرأها على المصنّف بتمامها، فكتب المصنّف بخطه الشريف الإنهاء في أوّله-ا مع الإجازة لكاتب النسخة ... يوم الأربعاء المصادف لعيد الغدير سنة 671ه-. وفي آخر النسخة إنهاء آخر بخطه في الحائر الشريف في سنة 671ه_. إلى آخره (1).
2. المخطوطة المرقمة 702 في مكتبة جامعة طهران، فرغ الناسخ من كتابتها سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وقرأها على المصنف الحسن بن عليّ بن رشید الدین محمد بن حسن، وكتب المصنّف بخطه الإنهاء في آخر كلا الجزئين والإجازة له في أولها بتاريخ سنتي 674 و 675، وتشتمل أوراقها المختلفة على علامات البلاغ بخط المصنف. وهي نسخة نفيسة كاملة تشتمل على تمام أقسام الكتاب.
3. المخطوطة المرقمة 13946 في مكتبة المرحوم آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، بخطّ محمّد بن أبي البلد، وقد فرغ من كتابة الجزء الأول يوم الخميس خامس شوّال سنة سبعين وستمائة، عليها إنهاء المؤلّف بخطه الشريف، وعلى حواشيها عبارة بلغت قراءة أيده الله» بخط المصنف.
إلا أننا نلاحظ عدم الاستفادة منها في أفضل طبعات الكتاب حتى الآن، وهي الطبعة المحققة الصادرة عن مؤسسة المعارف الإسلامية سنة 1415 ه_ بتصحيح وتحقيق المرحوم محمد عليّ البقال، والمعاد طبعها بالأوفسيت طبعات متكرّرة في إيران وبيروت بتفاوت في ترقيم الصفحات، والتي روعي فيها الأسلوب الصحيح في تحقيق النصوص وقواعد الكتابة و علائم الترقيم، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، بسبب ما ذكرناه لعدم مقابلتها مع المخطوطات التي أشرنا إليها واكتفاء المحقق بالرجوع إلى نسختين، إحداهما مؤرّخة بتأريخين، أولهما سنة 728 وثانيهما سنة 731. ومع ذلك حذفت من أوّلها وآخرها أوراق
كثيرة. والنسخة الثانية مؤرّخة سنة 1020.
وقد اعتمدنا في تحقيقنا على مخطوطتين:
الأولى: المخطوطة المرقمة 702 في مكتبة جامعة طهران من مجموعة النسخ المهداة
ص: 49
من السيد المشكاة، وهي نسخة نفيسة قيّمة، فرغ الناسخ من كتابتها سنة ثلاث وسبعين وستمائة، عليها إنهاءات المصنّف بخطه في سنة 674 و 675، وفي أوّلها إجازة كتبها بخطه الشريف للشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن رشيد الدين محمد بن سعيد سنة 675. وكُتب في ذيل الإجازة سنة وفات المؤلّف. ورمزنا إليها ب_ «أ» (1).
الثانية: المخطوطة المرقمة 703 من نفس المكتبة بخط فخر الدين أشرف الحسيني الأسترآبادي، فرغ من نسخها سنة 929ه_. وفي آخر الجزء الأول إنهاء بخط المحقق الكركي، تاريخها خامس عشرين جمادى الآخرة من شهور سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. ورمزنا إليها ب_«ع»(2) .
عملنا في مسالك الأفهام
طبع كتاب مسالك الأفهام في مجلدين بالقطع الكبير بالطبعة الحجرية أو بالأوفسيت منه مكرّراً من سنة 1267 إلى سنة 1313 في طهران و تبريز، ذكر المرحوم خان بابا مشار عشر طبعات منها (3).
وطبع أربع مجلدات منه حروفياً سنتي 1404 و 1414 في بيروت بتصحيح الشيخ حسن محمد آل القبيسي العاملي، وتحتوي المجلدات الأربع على كتاب الطهارة إلى كتاب الرهن، وفي آخر المجلد الرابع إعلان عن قرب طباعة الجزء الخامس.
وهذه الطبعة ليس لها قيمة خاصة، حيث إنها لم تأت بشيء جديد يميزها عن الطبعات الحجرية سوى تنضيد الحروف. أما الطبعات الحجرية فلا يعتمد عليها؛ لأنها كثيرة الأخطاء والأسقاط.
هذا. وقد طبع الكتاب محققاً في إيران لأوّل مرّة من قبل مؤسسة المعارف الإسلامية بقم المقدسة في ستة عشر مجلداً خُصص أحدها بالفهارس العامة، وصدر المجلد الأول سنة
ص: 50
(1414 ق / 1371ش) والمجلد الخامس عشر سنة (1419ق /1377ق).
وتتميز هذه الطبعة بمقابلتها وعرضها على اثنتي عشرة مخطوطة وتخريج مصادر الكتاب من الأحاديث والأقوال واللغات المشكلة، وطبع متن شرائع الإسلام في أعلى الصفحات، يضاف إلى ذلك جودة الحروف وإخراج الكتاب بأحسن هيئة ممكنة.
وطبع بعد ذلك بالأوفسيت على الطبعة الأولى مرتين في سنتي 1419ق/1377ش و 1425ش /1383ق.
ولكننا قمنا إلى تحقيق مسالك الأفهام من جديد لأسباب:
أ: مراعاة وحدة السياق والأسلوب في تحقيق موسوعة الشهيد الثاني، حيث إن لنا في تحقيقاتنا للتراث أسلوباً خاصاً يمتاز من جهات متعدّدة منها اختيار المخطوطات المعتمدة في التحقيق، والتتبع التام في مصادر الكتاب وتوزيع النص على أصوله المعروفة ووضع علائم الترقيم، وضبط النصّ ورعاية قواعد الإملاء في الكتابة الحديثة.
ب : وجود بعض الأخطاء التحقيقية والمطبعية في الطبعة المذكورة ممّا لا يمكن الإغماض عنه، وعدم توزيع النص بما يناسب تفكيك الفروع الفقهية، وعدم رعاية قواعد الإملاء وضبط النصّ بالحركات وخلوه حتى من علامات الهمزة والتشديد.
ج : والأهم من كلّ ذلك اعتماد محققي هذه الطبعة على نسخ أكثرها متأخرة يرجع تأريخ كتابتها إلى القرن الحادي عشر مع أنّ النسخ الموجودة من الكتاب يتجاوز عددها عن 750 نسخة في إيران، ومائتي نسخة في مكتبات خارج إيران وفيها نسخ بخط تلاميذ الشهيد، مقروءة ومصححة على أصل الشهيد، مضافاً إلى عثورنا على قسم مهم من نسخة الأصل بخط الشهيد (قدس سره).
هذا. والإنصاف أنّ إنجاز هذه الطبعة في هذه الفترة الزمنية الخاصة يعد من الأعمال الحسنة في تحقيق وإحياء التراث العلمي في الحوزة العلمية، وقد تحقق بفضل التوفيق الإلهي وتحمّل المشاق الكبيرة من قبل جميع المشاركين في هذه الطبعة، جزاهم الله جميعاً خير الجزاء.
ص: 51
النسخ المعتمدة في التحقيق
وقد اعتمدنا في تحقيقنا هذا على ست عشرة نسخة؛ نأتي في ما يلي على التعريف بها حسب قيمتها واعتبارها
1. مخطوطة مكتبة المرحوم آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي المرقمة 12470 ، وهي مسوّدة خط المصنف الشهيد (قدس سره)، باستثناء (27) ورقة من أولها كانت بخط حفيد الشهيد الشيخ عليّ بن محمّد عليها حواشي الشهيد بخطه. وتحتوي على الجزء السابع يبتدئ من كتاب القضاء والشهادات إلى الديات. وقد أشرنا إليها في الهامش ب_ «الأصل».
2. مخطوطة مكتبة الروضة الرضوية المقدسة في مشهد، المرقمة 21974، بخط تلميذ الشهيد محمود بن محمد بن علي بن حمزة اللاهجاني وتشتمل على الجزء الثالث من الكتاب، أي من كتاب الوقوف والصدقات إلى قوله: «القسم الثالث في النكاح المنقطع من كتاب النكاح، واتفق الفراغ من نسخها يوم الأحد مقارن أذان العصر لثلاث ليال بقين من شهر ربيع الثاني سنة ست وستين وتسعمائة، بالبلدة الطيبة ... مدينة النبي . ورمزنا إليهاب_ (ه_).
3. مخطوطة مكتبة جامعة الرياض في السعودية، تحمل الرقم 440 تشتمل على الجزء السابع، ، قيل: هي بخط الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد تلميذ الشهيد (والد الشيخ البهائي)، فرغ من نسخها في العاشر من ذي الحجة سنة 983 بمكة المشرفة. ورمزنا إليها ب_«ض».
.4 مخطوطة العتبة العباسية في كربلاء المرقمة 235 نسخها شمس الدین الحسین بن أحمد بن خاتون تلميذ الشهيد سنة 982 من نسخة الأصل، وبلغ قبالاً بحسب الجهد والطاقة في يوم الثالث من جمادى الأولى سنة 983. وتشتمل على كتاب الخلع والمباراة إلى كتاب الفرائض، ورمزنا إليها ب- «خ».
ص: 52
5 و 6. المخطوطتان المرقمتان 5019 و 5020 في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي كلاهما بخط واحد تشتملان على دورة كاملة للكتاب، حيث تضم النسخة 5020 أربع مجلدات من كتاب الطهارة إلى آخر الطلاق والنسخة 5019 الأجزاء الخامس والسادس والسابع من كتاب الخلع والمباراة إلى آخر الديات. ورمزنا إليها ب_«م».
7. مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، المرقمة 14297، بخط الشيخ محمد بن الشيخ حسين بن علي اللحساوي الأوالي العاملي، استنسخت على نسخة محمود بن محمد اللاهجاني، وتشتمل على الجزء الثالث من كتاب الوقوف والصدقات إلى القسم الثالث في النكاح المنقطع. ورمزنا إليها ب_«ي».
8 - 13 مخطوطات مكتبة المرحوم آية الله السيّد محمّد رضا الگلپایگانی، تحمل أرقام 756 - 761، تشتمل على ستة أجزاء، عدا الجزء السابع، قوبلت على نسخة أصل المصنف أو نسخ معتمدة أخرى، على هوامشها حواشي الشهيد برمز (منه) وحواشي العلّامة محمّد باقر المجلسي والشيخ محمد جعفر بن محمد حسين من تلاميذ المجلسي، وهو الذي قابل النسخة على النسخ المعتمدة وكتب الحواشي عليها، وأضاف إلى كلّ جزء في أ أوله فهرستاً موضوعياً حسب المسائل الواردة فيها. وهي النسخة التي عرفت في الطبعة المحققة بالرقم 8 . ورمزنا إليها ب-«و».
14. مخطوطة مكتبة الروضة الرضوية في مشهد المرقمة 9953، نسخت عام 976 وتشتمل على كتاب الطهارة إلى الوكالة.
15. مخطوطة مكتبة الروضة الرضوية المقدّسة في مشهد المرقمة 13887، استنسخت من نسخة استنسخت سنة 969 تشتمل على المجلد الأول والثاني.
16 - مخطوطة مكتبة كلية الإلهيات في مشهد، تحمل رقم 710، بخط يوسف بن محمّد بن زين الدين الحسيني الشامي العاملي (حفيد الشهيد) في سنة 964، عن نسخة الأصل، وتحتوي على كتاب العتق إلى اللقطة.
ص: 53
مقابلة النسخ وتقويم النص
اعتمدنا في التحقيق على المخطوطات التي مرّ وصفها. ولا بد من الإشارة إلى أنّ أسلوب عملنا في التحقيق هو مقابلة النسخ على المطبوعة وضبط اختلافات النسخ أوّلاً، ثم إثبات ما هو الراجح في المتن والإشارة إلى المرجوح في الهامش. وتحاشينا ذكر جميع اختلافات النسخ التي لا فائدة فيها سوى تشتيت ذهن القارئ.
وفي الاختلاف بين نسخ الشرائع ونسخة الشهيد في الشرح ، كان الترجيح لنسخ الشرائع، والتنبيه عليها في الهامش. وفي موارد الترديد رجعنا إلى سائر شروح الشرائع مثل جواهر الكلام.
خرجنا حواشي الشهيد من هوامش النسخ الخطية وأثبتناها في الهامش برمز (منه). مع الإشارة إلى النسخ. وكان أكثر اعتمادنا على نسختي «و، خ، ض» عدا القسم الموجود من نسخة الأصل بخط المصنف حيث كان هو الأصل، وأشرنا إليه بعبارة «في حاشية الأصل بخطه».
تخريج الأحاديث والأقوال والآراء
كان أسلوبنا في هذه المرحلة مشابهاً لما في موسوعة الشهيد الأوّل والأجزاء المتقدمة من هذه الموسوعة وسائر مؤلّفات الشهيد الثاني، كما وأرجعنا ما عبّر عنه ب_«مر، سبق، ذكرناه، يأتي، سيأتي» وما شابه ذلك إلى مواضعه الأصلية، وفي الإرجاع إلى سائر الأجزاء أشرنا إلى اسم الكتاب والجزء الذي وقع فيه.
مسك الختام
وفي الختام نحمد الله سبحانه وتعالى حمداً كثيراً على توفيقه إيانا لإنهاء تحقيق هذه الموسوعة الشريفة وخصوصاً هذا السفر القيم كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، بعد عمل متواصل دام أكثر من خمس سنوات.
ص: 54
ونرى من الواجب علينا أن نتقدم بخالص الشكر والثناء إلى كل من ساهم بمساعدتنا على إكمال هذا العمل، ونخص بالذكر منهم:
الفاضل الباحث علي أكبر زماني نجاد لمساعدته في التعرف على مخطوطات الكتاب ومشاركته في تهيئة واستخراج مطالب هذه المقدمة.
المحققون الفضلاء والسادة الأعزاء: محمد الباقري، عبّاس محمدي، غلامرضا نقي جلال آبادي، علي الأسدي، ولي الله قرباني، محمد حسين حكمت، محسن النوروزي؛ المشاركتهم في تقويم النص والمراجعة النهائية.
الإخوة الأعزاء المحققون: السيد حسين بني هاشمي، غلامرضا نقي جلال آبادي إسماعيل إسماعيلي، إسماعيل بيك المندلاوي، محمود هيئتي، مجيد شرفخاني، أحمد عالمي فرد، السيد رضا هدايتي، غلام حسین دهقان، عباس آقاكثيري، لمشاركتهم في مقابلة النسخ وتخريج الأحاديث والأقوال ومراجعة المصادر.
الأخ رمضان عليّ القرباني لتصدّيه أمور الطباعة على الحاسوب والإخراج الفنّي.
هذا. والذين ساعدونا أكثر من غيرهم: فضيلة الشيخ المحقق محمد الباقري، والفاضل الباحث عبّاس محمدي لتصديهما المراجعة العلمية وإرشاداتهما القيمة، وفضيلة السيد حسين بني هاشمي لمساعدته في المراجعة النهائية للمصادر، وفضيلة الشيخ محسن النوروزي حيث جعل هذا العمل تحت يده وشارك في جميع مراحل العمل حتى مسك الختام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي وفقنا لهذا، ونسأله تعالى أن يتقبل منا هذا القليل، ويغفر لنا ما فرط منا في أعمالنا، إنه جواد كريم.
مركز إحياء التراث الإسلامي
بهمن بهمن 1392ه_ . ش
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
قم المقدسة، ربيع الثاني 23/1435
علي أوسط الناطقي
ص: 55

.1 صورة الورقة الأولى «أ» من نسخة شرائع الإسلام «الف»
ص: 56

2. صورة الورقة الأولى «ب» من نسخة شرائع الإسلام «الف»
ص: 57

3.صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الأوّل من نسخة شرائع الإسلام «الف»
ص: 58

4. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة شرائع الإسلام «الف»
ص: 59

5. صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الأوّل من نسخة شرائع الإسلام «ع»
ص: 60

.6 صورة صفحة من نسخة الأصل بخط المصنف (طاب ثراه)
ص: 61

7. صورة صفحة من نسخة الأصل بخط المصنف ( طاب ثراه)
ص: 62

8 .صورة الصفحة الأخيرة من المجلد الثالث من نسخة «ه»
ص: 63

9. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ه»
ص: 64

10. صورة الصفحة الأولى من نسخة «خ»
ص: 65

11. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «خ»
ص: 66

12 . صورة الصفحة الأولى من نسخة «م»، الرقم 5020
ص: 67

13. صورة الصفحة الأخيرة من المجلد الثالث من نسخة «م»، الرقم 5020
ص: 68

14. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «م»، الرقم 5020
ص: 69

15. صورة الصفحة الأولى من نسخة «م»، الرقم 5019
ص: 70

16. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «م»، الرقم 5019
ص: 71

17. صورة الصفحة الأولى من نسخة «ى»
ص: 72

18. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ى»
ص: 73

19. صورة الصفحة الأولى من نسخة «ع»
ص: 74

20. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ع»
ص: 75

21. صورة الصفحة الأولى من نسخة «ض»
ص: 76

22. صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ض»
ص: 77

23 .صورة الصفحة الأولى من نسخة «و»
ص: 78

24. صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الأول من نسخة «و»
ص: 79

25 .صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من نسخة «و»
ص: 80

26. صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الثالث من نسخة «و»
ص: 81

27. صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الرابع، من نسخة «و»
ص: 82

28. صورة الصفحة الأخيرة من الجزء الخامس من نسخة «و»
ص: 83

29. صورة الصفحة الأخيرة من الجزء السادس من نسخة «و»
ص: 84
مسالك الأفهام
إلى تنقيح شرائع الإسلام / 1
ص: 1
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهمّ إنّي أحمدك حمداً يقل في انتشاره حمد كل حامد، و يضمحل باشتهاره جحد كلّ جاحدٍ ، ويفلّ بغراره حسد کلّ حاسد و یحلّ باعتباره عقد كلّ كائد، و أشهد أن لا إله إلّا الله شهادةً أعتد بها لدفع الشدائد وأسترد بها شارد النِعم الأوابد وأصلّي على سيدنا محمد الهادي إلى أمتن العقائد وأحسن القواعد ، الداعي إلى أنجح المقاصد و أرجح الفوائد، وعلى آله الغر الأماجد المقدمين على الأقارب والأباعد المؤيدين في المصادر والموارد، صلاة تسمع كل غائب وشاهد، وتقمع كلّ شيطان مارد.
أما بعد: فإنّ رعاية الإيمان توجب قضاء حق الإخوان، والرغبة في الثواب تبعث على مقابلة السؤال بالجواب، ومن الأصحاب من عرفت الإيمان من شأنه فاستبنتُ الصلاح على صفحات وجهه و نفحات لسانه، سألني أن أُملي عليه
.........
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أوضح مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، وشرح صدور من اختارهم من الأنام بإيضاح مسائل الحلال والحرام، ورفع درجات العلماء الأعلام حتى أوطأهم أجنحة ملائكته الكرام، وأجزل إمدادهم حتى رجّح مدادهم على دماء الشهداء يوم
ص: 3
مختصراً فى الأحكام، متضمناً رؤوس مسائل الحلال والحرام، يكون كالمفتي الذي يصدر عنه، أو الكنز الذي ينفق منه.
فابتدأت مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه، فليس القوّة إلا به، ولا المرجع إلّا إليه، وهو مبنيّ على أقسام أربعة:
.........
القيام، والصلاة على نبيه الذي أحكم قواعد الأحكام نهاية الإحكام محمد المرسل للإرشاد والتذكرة، والتبصرة والهداية إلى دار السلام وعلى آله مصابيح الظلام ووسيلة القاصدين إلى مدارك شريف كلّ مقام.
وبعد؛ فهذه نكت مختصرة وفوائد محبّرة، وضعتها على كتاب شرائع الإسلام، بالتماس جماعة من المحصلين الأعلام، تقيّد مطلقها، وتفتح مغلقها، وتبين مجملها، وتسهل معضلها، تغنى المشتغل بالكتاب عن أسفار كبار، وتطلعه على دقائق تذعن لها قلوب الأخيار، مجرّدة غالباً عن دليل أو تعليل، مقتصرة على قصير من طويل، والله يهدي السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وسمّيته مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام.
ص: 4
وهي عشرة كتب، ونبدأ بالأهم منها فالأهم:
1 - كتاب الطهارة
2 - كتاب الصلاة
3 - كتاب الزكاة
4 - كتاب الخمس
5 - كتاب الصوم
6 - كتاب الاعتكاف
7 - كتاب الحج
8 - كتاب العمرة
9 - كتاب الجهاد
10 - كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ص: 5
ص: 6
*الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمّم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، وكلّ واحد منها ينقسم إلى واجب وندب.
........
قوله - بعد الخطبة -: «الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة».
هذا تعريف (1)للطهارة بالمعنى الشرعي، وأشار بقوله «اسم» إلى أن التعريف لفظي لا حقيقي. وخرج بالثلاثة ما يتحقق معه الطهارة اللغوية، كإزالة النجاسة وشبهها، وبقوله «له تأثير» وضوء الحائض للكون في مصلاها ذاكرةً؛ فإنّه لا تُسمّى طهارة، كما ورد به الخبر(2).
وأراد ب_«التأثير» ولو بالصلاحية بالقوة القريبة، فيدخل فيها الوضوء المجدد ونحوه، والتأثير يشمل الناقص والتام، فيدخل فيه وضوء الحائض وغسلها؛ لأنّ كلّ واحد منهما له تأثير ناقص في الاستباحة.
وقيد الإباحة بالصلاة مع أنّ الطهارة قد تبيح غيرها من العبادات؛ لعموم البلوى بها وأنها الفرد الأكمل، ولأنّ ماهيتها تتوقف على الطهارة - واجبة كانت أو مندوبة بالاتفاق، بخلاف غيرها من العبادات لتخلّف بعض القيود فيها.
ص: 7
فالواجب من الوضوء ما كان لصلاة واجبة أو طواف واجب * أو لمس كتابة القرآن إن وجب، والمندوب ما عداه.
والواجب من الغسل ما كان لأحد الأمور الثلاثة .* أو لدخول المساجد، أو القراءة العزائم إن وجبا * وقد يجب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب،
.......
هذا إن جعلنا صلاة الجنازة مجازية شرعية كما اختاره جمع(1)، وإلا لم يتم التعليل.
قوله: «أو لمس كتابة القرآن إن وجب».
الضابط في الوضوء الواجب ما كانت غايته واجبةً ، ولمّا كانت الصلاة والطواف واجبين بأصل الشرع جعل الوجوب معهما وصفاً، ولما لم يجب المس بأصل الشرع جعله شرطاً. ووجوب المس يكون بنذر وشبهه، أو لإصلاح غلط لا يتم إلا به، فإنّ إصلاحه واجب على الكفاية صوناً للمعجز.
قوله: «أو لدخول المساجد».
اللبث في غير المسجدين، وفيهما يكفي في الاشتراط مجرّد الدخول، فإطلاق العبارة غير جيّد.
ووجوب الغسل لدخول المساجد ثابت في جميع الأحداث الموجبة له، عدا مس الميت، فإنّه لا يمنع دخول المسجد قبل الغسل.
قوله: «وقد يجب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب».
أشار ب_ «قد» - الدالة على التقليل في هذا المحلّ - إلى أنّ تأخير المكلّف الغسل إلى هذا القدر الموجب لمطابقة الزمان للغسل نادر ومقتضاه أنه لو قدّمه زيادةً على ذلك لا يكون واجباً للصوم فإن كانت الذمة بريئةً مع ذلك من غايةٍ أخرى للغسل نوى الندب؛ لوجوب غسل الجنابة لغيره عند المصنّف(2)وأكثر الأصحاب.
ص: 8
*ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة، والمندوب ما عداه.
والواجب من التيمم ما كان لصلاة واجبة عند تضيّق وقتها، *وللمجنب في أحد المسجدين ليخرج به، *والمندوب ما عداه . وقد تجب الطهارة بالنذر وشبهه.
............
قوله: «ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة».
التقييد بالغمس يدخل حالتيها العليا والوسطى ويخرج القليلة، فيجب الغسل للصوم متى حصل الغمس قبل صلاة الفجر، ويتوقف عليه صحة الصوم، ولو كان بعد الصلاة لم يجب إلا مع الكثرة، فيتوقف صوم اليوم على غسل الظهرين وإن لم تستمر الكثرة إلى وقتها.
وقيل: يعتبر حصولها وقت الصلاة (1).
قوله: «وللمجنب في أحد المسجدين ليخرج به». قيد الحكم بكون الحدث في أحد المسجدين تبعاً للنص(2). ويلحق به من أجنب خارجهما ودخل عامداً أو ساهياً، ويجب عليه تحرّى أقرب الطرق تخفيفاً للكون.
وهو مبني على الغالب من تعذر الغسل داخلهما على وجه لا يقتضي تنجيس المسجد، فلو أمكن(3)قدم على التيمم على الأقوى.
قوله: «والمندوب ما عداه».
ليس على إطلاقه، بل يجب التيمم أيضاً للطواف الواجب ومس كتابة القرآن إن وجب ،ولدخول المساجد مع اللبث في غير المسجدين، وغير ذلك، فلا بد من ذكر ما يدلّ عليه لئلا يدخل في المندوب، والضابط أنه يجب لما يجب له الطهارتان مع تعذرهما.
قوله: «وقد تجب الطهارة بالنذر وشبهه».
ويشترط في صحة نذرها أو نذر أحد أفرادها مشروعيتها على الوجه الذي تقع به
ص: 9
وهذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان :
.......
منذورة، فالوضوء ينعقد نذره دائماً، والغسل مع وجود أحد أسبابه الموجبة أو المستحبّة، فيتوقع مع الإطلاق.
ويبطل النذر مع تعيين الزمان وخلوه عن أحدها، والتيمم مع تعذر مبدله. ويتخيّر مع إطلاق نذر الطهارة بين الوضوء والغسل، فإن تعذرا تعيّن التيمم
ص: 10
وفيه أطراف:
*وهو كل ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة، وكله طاهر • مزيل للحدث والخبث وباعتبار وقوع النجاسة فيه ينقسم إلى جار ومحقون، وماء بئر.
*أما الجاري فلا ينجس إلا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه.
...........
قوله: «وهو كلّ ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة».
المراد باستحقاقه(1) عرفاً، وجواز تقييد بعض أفراده كماء البحر ونحوه - لا يخرجه عن الاستحقاق؛ لأنّ القيد غير متعيّن، فلو طلب حقه - وهو الإطلاق - صح إطلاق اسم الماء عليه بغير قيد.
قوله:« مزيل للحدث والخبث».
المراد بالحدث الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه عند حصول أحد الأسباب المخصوصة المتوقف رفعه على النية، والخبث هو النجاسة.
والفرق بينهما - بأن الأوّل ما افتقر إلى النية، والثاني ما لا يفتقر، أو أن الأوّل ما لا يُدرك بالحس، والثاني ما يُدرك به- غير تام.
قوله: «أما الجاري».
المراد بالجاري النابع غير البئر، سواء جرى أم لا، وإطلاق الجريان عليه مطلقاً تغليب أو حقيقة عرفيّة.
ص: 11
ويطهر بكثرة الماء الطاهر عليه متدافعاً حتى يزول تغيّره.
* ويلحق بحكمه ماء الحمّام إذا كان له مادة.
ولو مازجه طاهر فغيّره أو تغير من قبل نفسه لم يخرج عن كونه مطهراً ما دام إطلاق الاسم باقياً عليه.
* وأمّا المحقون فما كان منه دون الكُرّ فإنّه ينجس بملاقاة النجاسة، ويطهر بإلقاء كُرّ عليه فما زاد دفعةً، ولا يطهر بإتمامه كُرّاً، على الأظهر. وما كان منه كُرّاً فصاعداً لا ينجس . إلا أن تغيّر النجاسة أحد أوصافه.
..........
والأصح اشتراط كُريّته، سواء دام نبعه أم لا، وهو اختيار العلامة (1).
ثم إن عرضت له النجاسة وسطوحه مستوية فطاهر، وإلا لم ينجس الأعلى مطلقاً، ولا الأسفل إن كان المجموع كُرّاً إلا أن تستوعب النجاسة عمود الماء، فيشترط في عدم انفعال الأسفل كُرّيته.
قوله: «ويلحق به ماء الحمّام إذا كان له مادّة».
المراد بماء الحمام ما في حياضه الصغار مما لا يبلغ الكُرّ.
ونكر المصنف المادة للتنبيه على عدم اشتراط كُريّتها، وبه صرّح في المعتبر(2). والأجود اشتراط الكُرّيّة، وهو قول الأكثر ، وعلى هذا يتساوى الحمام وغيره.
قوله: «وأما المحقون».
المراد به ما ليس بنابع وإن جرى على وجه الأرض، وإطلاق المحقون عليه تغليب كتغليب الجاري على النابع.
قوله: «إلّا أن تغيّر النجاسة أحد أوصافه».
ص: 12
* ويطهر بإلقاء كُرّ عليه فكرّ حتى يزول التغيّر ، ولا يطهر بزوال التغير من نفسه، ولا بتصفيق الرياح، ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل عنه التغيّر .
والكُرّ ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأظهر . أو ما كان كلّ واحدٍ من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفاً.
ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأوانى على الأظهر. . وأما ماء البئر فإنّه ينجس بتغيّره بالنجاسة إجماعاً.
........
المراد بها الثلاثة المشهورة، أعني اللون والطعم والرائحة، لا مطلق الأوصاف، كالحرارة، والبرودة، وغيرهما.
ويخرج بتغيّر النجاسة له ما لو كان التغيّر بالمتنجس كالدبس مثلاً، فإنّ انفعال طعم الماء به لا ينجسه ما لم يستند التغيّر إلى النجاسة والمعتبر في التغير الحسّي لا التقديري.
قوله « ويطهر بإلقاء كُرّ عليه فكُرّ».
المشهور أنّه يعتبر في إلقاء الكُرّكونه دفعةً واحدة عرفية بحيث يكون ذلك في زمان قصير ولو زال تغيّره بما دون الكُرّ ثم ألقى عليه كُرّاً كفى.
ولو بقي منه كُر فصاعداً خالٍ عن التغيّر طهر المتغير منه بتموجه أيضاً.
وكذا يطهر بوقوع ماء الغيث عليه متقاطراً.
قوله: «أو ما كان كلّ واحدٍ من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفاً».
هذا مع تساوي أبعاده، ومع اختلافها يعتبر بلوغ الحاصل من ضرب بعضها في بعض الحاصل من ضرب المتساوية كذلك، وهو اثنان وأربعون شبراً وسبعة أثمان شيراً من أشبار مستوي الخلقة، وهو الغالب في الناس.
قوله: «وأما ماء البئر».
عرف الشهيد (رحمه الله) البئر بأنه(1) «مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالباً .
ص: 13
وهل ينجس بالملاقاة؟ فيه تردّد، والأظهر التنجيس.
وطريق تطهيره بنزح جميعه * إن وقع فيها مسكر أو فقاع أو مني أو أحد الدماء الثلاثة على قول مشهورٍ.*أو مات فيها بعير.
فإن تعذر استيعاب مائها .* تراوح عليها أربعة كلّ اثنين دفعةً يوماً إلى الليل.
.........
ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً»(1).
والمرجع في العرف إلى ما كان في زمانه (صلی الله علیه وآله وسلم)أو زمن أحد الأئمة(عليهم السلام)، فما حكم عليه حينئذ بأنّه بئر استمر حكمه، وما لم يُعلم حاله في ذلك الزمان يرجع فيه إلى العرف الآن، فيلحقه الحكم تبعاً للاسم دون غيره وإن شاكله في النبع، ولا بعد في ذلك بعد ورود النص(2).
قوله: «إن وقع فيها مسكر».
المراد به المائع بالأصالة، فيدخل الخمر وإن عرض له الجمود، ويخرج الحشيشة ونحوها مما أصله الجمود وإن عرض له الميعان ولا فرق في المسكر بين قليله وكثيره.
قوله: «أو مات فيها بعير».
هو من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر والأنثى والكبير والصغير.
وكذا ينزح الجميع لموت الثور، وهو ذكر البقر.
قوله: «تراوح عليها أربعة كلّ اثنين دفعةً يوماً إلى الليل».
هو تفاعل من الراحة ؛ لأنّ كلّ اثنين منهما يريحان الآخرين، وليكن أحدهما فوق البئر يمتح (3)بالدلو والآخر فيها يمليها، ولا يجزئ القويّان وإن قاما بعمل الأربعة؛ للنص (4). ويجزئ الأزيد والحكم مختص بالرجال، فلا يجزئ النساء، ولا الخناثي، ولا الصبيان.
ص: 14
* وبنزح كُرّ إن مات فيها دابة أو حمار أو بقرة.
* وبنزح سبعين إن مات فيها إنسان.
وبنزح خمسين إن وقعت فيها . عذرة فذابت والمروي أربعون أو خمسون ،
............
واليوم من طلوع الفجر إلى الغروب، ويجب إدخال جزئين من الليل أولاً وآخراً، ولا فرق بين الطويل والقصير، ولا يجزئ الليل ولا الملفّق وإن زاد عن الطويل. ويجوز لهم الصلاة جماعةً، لا جميعاً بدونها. ويجب تقديم التأهب للنزح بتحصيل الآلة ونحوها قبل الفجر.
قوله: «وبنزح كُرّ إن مات فيها دابة أو حمار أو بقرة».
الأولى اختصاص الحكم بالبغل والحمار، وإلحاق الدابة والبقرة بما لا نص فيه، وهو خيرة المصنّف في المعتبر (1)؛ لأنّ ما عداهما خالٍ عن النصّ، ومطلق المماثلة غير كافٍ في الحكم؛ فإنّ البقرة مثل الثور وليست بحكمه.
قوله: «وبنزح سبعين إن مات فيها إنسان».
لا فرق فيه بين الصغير والكبير، والذكر والأنثى. وكذا لو وقع ميتاً.
ويشترط كونه نجساً بنجاسة الموت، فلو كان طاهراً كمن كمل غسله لم يجب النزح.
والحكم مختص بالمسلم ووقوع الكافر يلحق بما لا نص فيه، سواء مات فيه أم لا، أما لو وقع ميتاً فكالمسلم.
قوله «عذرة فذابت».
هي فضلة الإنسان ولا فرق بين فضلة المسلم والكافر، والمراد بالذوبان تفرّق الأجزاء وشيوعها في الماء.
وإنما حكم فيها بالخمسين مع ترديد الرواية (2)؛ لأنّ الأكثر طريق اليقين.
ص: 15
أو كثير الدم *كذبح الشاة، والمروي من ثلاثين إلى أربعين.
وبنزح أربعين* إن مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير أو سنور أو كلب و شبهه ،* ولبول الرجل.
* وبنزح عشر للعذرة الجامدة، وقليل الدم كدم الطير، والرعاف اليسير، والمروي دلاء يسيرة.
* وبنزح سبع لموت الطير،* والفأرة إذا تفسخت أو انتفخت، * ولبول الصبي الذي لم يبلغ ،
..........
قوله: «كذبح الشاة».
المرجع في كثرة الدم وقلته إلى نفسه عرفاً، لا بالنسبة إلى البئر بحسب الغزارة والنزارة.
قوله: «إن مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير أو سنور أو كلب وشبهه».
المراد بشبه الكلب الغزال وما في حجمه، ولا فرق في السنور بين أهليه ووحشيه، ولا في الكلب والخنزير بين البري والبحري.
قوله: «ولبول الرجل».
لا فرق بين بول المسلم والكافر، ولا يلحق به بول المرأة، بل هو ممّا لا نص فيه.
والأجود في بول الخنثى وجوب أكثر الأمرين من الأربعين، وموجب ما لا نص فيه.
قوله: «وبنزح عشر للعذرة الجامدة».
المراد بها غير الذائبة.
قوله: «وبنزح سبع لموت الطير»
هو الحمامة والنعامة وما بينهما.
قوله: «والفأرة إذا تفسخت أو انتفخت».
المراد بتفسخها تقطّع أجزائها وتفرّقها. وإلحاق الانتفاخ به هو المشهور، ولا نص فيه.
قوله: «ولبول الصبي الذي لم يبلغ».
ص: 16
* ولاغتسال الجنب، ولوقوع الكلب وخروجه حيّاً.
وبنزح خمس لذرق الدجاج الجلال، وبنزح ثلاث *لموت الحيّة والفأرة.
وبنزح دلو * لموت العصفور وشبهه ،
...............
وهو الذكر الذي زاد سنّه على الحولين إلى أن يبلغ، وليس ذكر الصبي كافياً عن عن التقييد بكونه لم يبلغ؛ للاختلاف في حدّه في جانب الكِبَر، ولا يلحق به الصبية؛ لعدم النص.
قوله: « ولاغتسال الجنب».
التعبير بالاغتسال يدخل الارتماس وغيره، ويخرج مجرّد نزوله في الماء.
وعلة النزح نجاسة الماء، ولا بعد فيه بعد ورود النص(1) ، وانفعال البئر بما لا ينفعل به غيره.
ثمّ إن كان الغسل بارتماسة واحدة طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث وإن كان مرتباً صح غسل الجزء المقارن للنيّة من الرأس.
وفي توقف نجاسة الماء على إكمال الغسل احتمال وجيه.
ولا يخفى أنه يشترط خلوّ بدنه من نجاسة عينيّة كالمني وغيره، وإلا وجب لها مقدّرها إن كان.
قوله: «لموت الحيّة».
علله المصنف في المعتبر - مع الخبر(2)- بأن لها نفساً سائلةً فيكون ميتتها نجسةً(3) .
قوله:«لموت العصفور وشبهه».
يدخل في «شبهه» كلّ ما دون الحمامة في الحجم. ولا فرق فيه بين مأكول اللحم وغيره، ولا يلحق به الطير في حال صغره، خلافاً لبعض الأصحاب فيهما (4).
ص: 17
*ولبول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام.
* وفي ماء المطر وفيه البول والعذرة وخرء الكلاب ثلاثون دلواً.
*والدلو التي ينزح بها ما جرت العادة باستعمالها.
............
قوله: «ولبول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام».
المراد به الرضيع في الحولين، والمراد بالاغتذاء الغالب أو المساوي للبن، فلا يضرّ القليل، والمراد ب_«الطعام» نحو الخبز والفاكهة، أما السكر ونحوه فليس بطعام، ولا يلحق به الرضيعة.
قوله: «وفي ماء المطر وفيه البول والعذرة وخرء الكلاب». مستند ذلك رواية كردويه الديلمي(1) . ولا يقدح في ذلك كون بعضها يوجب أكثر من ثلاثين منفرداً؛ لجواز استناد التخفيف إلى مصاحبة ماء المطر.
ومَنْ نظر إلى ما ينفعل عنه البئر وما يطهر به واشتمالها على جمع المتباينات -كالهر والخنزير - وتفريق المتماثلات كالكلب والكافر والثور والبقرة - يزول عنه استبعاد اختلاف حكم هذه النجاسات منفردةً عن ماء المطر ومصاحبة له.
ولا فرق في ذلك بين كون أعيان النجاسات المذكورة موجودة في الماء أم لا: لإطلاق النص.
وحكم بعض ما ذكر حكم الجميع إن كان يوجب منفرداً عن الماء هذا المقدر، أو ما زاد.
ولو كان يوجب أقلّ كبول الصبي والرضيع والعذرة الجامدة - فالأحوط أنه كذلك.
والظاهر أنّ الاقتصار على مقدّرها منفردة عن الماء كافٍ بطريق أولى.
قوله: «والدلو التي ينزح بها ما جرت العادة باستعمالها».
في تلك البئر، ولو تعدّدت فالأغلب، ومع التساوي يتخيّر، والأفضل اختيار الأكبر.
فإن لم يكن لتلك البئر دلو معتادة، رجع إلى المعتاد في بلده، ومع التعدّد فكما مرّ.
ولو لم يكن في بلده دلو، اعتبر أقرب البلدان إليه فالأقرب.
ص: 18
فروع ثلاثة:
الأوّل: حكم صغير الحيوان في النزح حكم كبيره.
الثاني: اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح، *وفي تضاعفه مع التماثل تردّد، أحوطه التضعيف، *إلا أن يكون بعضاً من جملةٍ لها مقدر ، فلا يزيد حكم أبعاضها عن جملتها.
الثالث: إذا لم يقدر للنجاسة منزوح نزح جميع مائها، فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح، * وإذا تغيّر أحد أوصاف مائها بالنجاسة قيل: ينزح حتى يزول التغير، وقيل : ينزح جميع مائها، فإن تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال، وهو الأولى.
* ويستحبّ أن يكون بين البئر والبالوعة خمس أذرع إذا كانت الأرض صُلبةً،
............
قوله: «وفي تضاعفه مع التماثل تردّد».
الأقوى التضعيف مطلقاً.
قوله: «إلّا أن يكون بعضاً من جملةٍ لها مقدَّر فلا يزيد حكم أبعاضها عن جملتها».
هذا إذا لم يحصل من اجتماعها ما يوجب انتقال الحكم ، كما لو وقع قليل دم ثم شيء آخر منه ، بحيث يطلق على الجميع اسم الكثير ، فإنّ الواجب حينئذٍ منزوح الدم الكثير ، أمّا البول فلا يوجب تعدد وقوعه زيادةً على أصله مع اتحاد الصنف مطلقاً.
قوله: «وإذا تغيّر أحد أوصاف مائها بالنجاسة قيل: ينزح حتى يزول التغير» إلى آخره.
الأصح أن النجاسة المغيرة إن كانت منصوصة وجب نزح أكثر الأمرين من المقدر وما به
يزول التغيّر، وإن كانت غير منصوصةٍ وجب نزح الجميع، ومع التعذر التراوح .
قوله: «ويستحبّ أن يكون بين البئر والبالوعة خمس أذرع - إلى قوله - ماء البالوعة إليها».
المراد بالبالوعة ما يرمى فيها ماء النزح أو غيره من النجاسات المائعة، والاكتفاء في
ص: 19
أو كانت البئر فوق البالوعة، وإن لم يكن كذلك فسبع، ولا يُحكم بنجاسة البئر إلا أن يعلم وصول ماء البالوعة إليها.
*وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقاً، ولا في الأكل والشرب إلا عند الضرورة.
ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما ،* وإن لم يجد غير مائهما تيمم.
.............
التباعد بخمس مشروط بأحد الأمرين: صلابة الأرض، أو فوقية قرار البئر على قرار البالوعة، ويدخل فيما عدا ذلك - ممّا يدخل في السبع - تساوي القرارين مع رخاوة الأرض، فالصُوَر ستُ، يتباعد فيها بخمس في أربع، وبسبع في صورتين، وفي حكم الفوقية المحسوسة الفوقية بالجهة، وهي جهة الشمال؛ لما ورد من أنّ مجاري العيون مع مهبّ الشمال(1) ، فلو كان أحدهما في جهة الشمال فهو أعلى، وإن تساوى القراران فالصُوَر حينئذٍ أربع وعشرون يظهر حكمها بالتأمل.
قوله: «وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقاً».
أي اختياراً واضطراراً بقرينة التقييد في الأكل، والمراد بعدم الجواز التحريم مع اعتقاد المشروعية، أو مع الاعتداد به في الصلاة ونحوها، أو بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدث مجازا.
قوله « ولو لم يجد غير مائهما تيمم».
ولا يشترط في صحته إراقتهما قبله، بل ربما حرمت عند الحاجة إليه، وهذا بخلاف ما لو اشتبه المطلق بالمضاف فإنّه تجب الطهارة بهما معاً، ولو فرض انقلاب أحدهما تطهر بالآخر وتيمم.
ص: 20
وهو كلّ ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجاً يسلبه إطلاق الاسم، وهو طاهر * لكن لا يزيل حدثاً إجماعاً، ولا خبثاً على الأظهر، ويجوز استعماله فيما عدا ذلك، ومتى لاقته النجاسة نجس قليله وكثيره، ولم يجز استعماله في أكل ولا شرب.
ولو مزج طاهره بالمطلق اعتُبر في رفع الحدث به إطلاق الاسم.
* وتكره الطهارة بماءٍ أُسخن بالشمس في الآنية، • وماء أُسخن بالنار في غسل الأموات.
...........
قوله: «لكن لا يزيل حدثاً إجماعاً ولا خبثاً على الأظهر». قوي .
قوله:« وتكره الطهارة بماءٍ أسخن بالشمس في الآنية».
لورود النهي عنه عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وعلل بأنه يورث البرص(1). وكما يكره الطهارة به يكره استعماله في غيرها من إزالة النجاسة والأكل والشرب ولا يشترط القصد إلى التسخين، ولا بقاء السخونة.
ولا فرق في الآنية بين المنطبعة وغيرها، وإن كانت المنطبعة أقوى فعلاً في الماء، ولا بين البلاد الحارة وغيرها ، ولا فرق بين القليل من الماء والكثير ؛ للإطلاق في ذلك كله.
قوله: «وماء أسخن بالنار في غسل الأموات».
لنهي الباقر(عليه السلام) عنه(2). وعُلّل - مع ذلك - بأنّ فيه أجزاء نارية، وتفوّلاً بالحميم، وإرخاء
ص: 21
* والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس ، سواء تغيّر بالنجاسة أو لم يتغيّر ،* عدا ماء الاستنجاء فإنّه طاهر ما لم يتغيّر بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج، والمستعمل في الوضوء طاهر ومطهر، وما استعمل في الحدث الأكبر طاهر، وهل يرفع به الحدث ثانياً ؟ فيه تردّد ، والأحوط المنع.
.................
لبدن الميت، وإعداداً له لخروج شيء من النجاسات .
ومحل الكراهة عند عدم الضرورة. أما معها كخوف الغاسل على نفسه من البرد فلا، وكذا لا يكره استعماله في غير غسل الأموات.
قوله: «والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس».
المراد به الماء القليل المنفصل عن محلّ النجاسة قبل الحكم بطهره.
قوله: «عدا ماء الاستنجاء فإنّه طاهر ما لم يتغيّر بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج».
المراد بالخروج ما يعم الحقيقة كالدم المستصحب للخارج، والمحل كالخارج الملقى على الأرض.
ويشترط في طهارته أيضاً أن لا ينفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متميزة؛ لأنها كالنجاسة الخارجة ينجس الماء بعد مفارقة المحلّ.
واشترط الشهيد عدم زيادة وزن الماء(1) ، وهو أحوط.
ولا فرق في ذلك بين المخرجين، ولا بين المتعدّي وغيره، إلا أن يتفاحش بحيث يخرج عن مسمّى الاستنجاء. ولو تنجست اليد فإن كان بسبب جعلها آلةً للغسل فلا أثر لها، وإلا فهي كالنجاسة الخارجة.
ص: 22
وهي كلّها طاهرة، عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر، وفي المسوخ تردّد، والطهارة أظهر،* ومَنْ عدا الخوارج والغُلاة من أصناف المسلمين طاهر الجسد والسؤر.
ويكره سؤر الجلال، وسؤر ما أكل الجيف إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة ،
............
قوله :«فى الأسآر».
جمع سؤر وهو لغةً: ما يبقى بعد الشرب(1)، وشرعاً: ماء قليل باشره جسم حيوان.
قوله: «ومَنْ عدا الخوارج والغُلاة».
المراد بالخوارج أهل النهروان ومن دان بمقالتهم، ويجمعهم بغض علي (عليه السلام)، وبالغُلاة من اعتقد إلهيّة على(عليه السلام)أو أحد الأئمة(عليهم السلام)، وقد تطلق على مَنْ قال بإلهيّة أحدٍ من الناس، فيدخل فيهم مَنْ ببلاد الشام من التيامنة (2)، والدروز(3)، ومَنْ قال بمقالتهم.
وجعل الغُلاة من فرق المسلمين تجوز؛ لانسلاخهم منه جملةً، ومباينتهم له اسماً ومعنىً.
ووجه الإطلاق اعتبار الأصل المنتقل عنه أو تسترهم بظاهره.
ويلحق بالفريقين في النجاسة النواصب، وهم المعلنون بعداوة أهل البيت (عليهم السلام)أو أحدهم صريحاً أو لزوماً، ولو جعلهم بدل الخوارج كان أولى؛ لدخول الخوارج فيهم وفي حكمهم المجسمة بالحقيقة.
ص: 23
* والحائض التي لا تُؤمن، وسؤر البغال والحمير والفأرة والحية،* وما مات فيه الوزغ والعقرب.
وينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة، دون ما لا نفس له.
* وما لا يدرك بالطرف من الدم لا ينجس الماء، وقيل: ينجسه، وهو الأحوط.
................
قوله: «والحائض التي لا تؤمن».
أى لا تتحفّظ من النجاسات ولا تبالي بها.
وألحق الشهيد بها كلّ متهم بعدم التحفّظ منها (1).
قوله: «وما مات فيه الوزغ».
بفتح الواو والزاي جمع وزغة - بالتحريك أيضاً - دابة من أصنافها سام أبرص ،وفي الصحاح : سام أبرص من كبار الوزغ (2).
قوله: «وما لا يدرك بالطرف من الدم لا ينجس الماء».
المراد بعدم إدراك الطرف له بعد وصوله إلى الماء لقلته، والوصف بالقلة حقيقي لا مجازي، بمعنى أنه لا يكاد يُدرك كما قيل(3).
والمستند صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) ، قال: سألته عن رجل استخط فصار الدم قِطَعاً وأصاب إناءه، هل يصح الوضوء منه ؟ فقال: «إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيناً فلا يتوضاً منه»(4).
ويُحمل على الشكّ في إصابة الماء مع تيقن إصابة الإناء، كما هو ظاهر الرواية، ويكون التعبير بالاستبانة وعدمها بمعنى تحقق وصول الدم الماء وعدمه.
ص: 24
وهي وضوء وغسل.
وفي الوضوء فصول :
* وهي ستة: خروج البول والغائط والريح* من الموضع المعتاد ،*ولو خرج الغائط ممّا دون المعدة نقض في قول، والأشبه أنّه لا ينقض.
ولو اتفق المخرج فى غير الموضع المعتاد نقض وكذا لو خرج الحدث من جُرح ثم صار معتاداً.
.............
قوله: «وهي ستة».
المراد بها ما يوجب الوضوء خاصة؛ إذ لو أراد موجبات الوضوء في الجملة لزادت عن ذلك.
قوله: «من الموضع المعتاد».
المراد به المخرج الطبيعي للأحداث، ولا يشترط في إيجاب الحدث للوضوء فيه الاعتياد، بمعنى كونه سبباً للوجوب بأوّل مرة، فلا يضر تخلّف الحكم لفقد شرط، كالصغر.
قوله: «ولو خرج الغائط ممّا دون المعدة».
المراد به مع عدم انسداد المعتاد ؛ إذ مع انسداده ينقض الخارج من غيره وإن كان فوق المعدة، كما سيأتي(1).
والمراد بما دون المعدة ما تحتها، وهو ما تحت السرة، وترجيحه عدم النقض يريد به
ص: 25
* والنوم الغالب على الحاستين، وفي معناه كل ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر* والاستحاضة القليلة.
*ولا ينقض الطهارة مذي ولا ودي، ولا دم ولو خرج من السبيلين، عدا الدماء الثلاثة، ولا قيء، ولا نخامة، ولا تقليم ظفر، ولا حلق شعر، ولا مس ذكرٍ ولا قبل ولا دبرٍ، ولا لمس امرأة، ولا أكل ما مسته النار، ولا ما يخرج من السبيلين . إلا أن يخالطه شيء من النواقض.
................
مع عدم الاعتياد وإن كان ظاهره أعم؛ لما سيأتي (1)من حكمه بنقض ما خرج من الجرح معتاداً، وذكر الجرح على سبيل المثال.
ويتحقق الاعتياد بالخروج منه مرتين، فينقض في الثالثة.
قوله: «والنوم الغالب على الحاستين».
المراد بهما حاسّتا السمع والبصر ، وإنما خصهما من بين الحواس - مع اشتراط زوال الجميع لأنهما- أقوى الحواس، فزوالهما يستلزم زوالها، والمراد بالغلبة المستهلكة لا مطلق الغلبة.
قوله « والاستحاضة القليلة».
التقييد بالقلة لإخراج ما فوقها، فإنّه وإن أوجب الوضوء بوجه إلّا أنّه يوجب الغسل في الجملة، والبحث مقصور على موجب الوضوء خاصةً.
قوله: «ولا ينقض الطهارة مذي ولا ودي».
المذي: ماء رقيق لزج يخرج عقيب الشهوة ، والودي بالمهملة - ماء أبيض غليظ يخرج عقيب البول ، وبالمعجمة : ماء يخرج عقيب الإنزال ، والثلاثة طاهرة غير ناقضة.
قوله: «إلّا أن يخالطه شيء من النواقض».
هذا الاستثناء منقطع؛ لأنّ ما خالطه شيء من النواقض إنما يستند النقض فيه إلى الناقض، لا إلى المستصحب، فإطلاق النقض عليه باعتبار ما خرج معه لا باعتباره.
ص: 26
وهي ثلاثة
ويجب فيه * ستر العورة. * ويستحب ستر البدن.
ويحرم * استقبال القبلة واستدبارها ويستوي في ذلك الصحاري والأبنية، ويجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك.
ويجب غسل موضع البول بالماء * ولا يجزئ غيره مع القدرة.
...........
قوله :«ستر العورة».
عن ناظر بشري محترم، ليخرج عنه غير مَنْ ذُكر، كالدابة والطفل غير المميز والزوجة ومملوكة الرجل غير المزوجة والمعتدة.
قوله :«ويستحب ستر البدن».
المراد بالستر هنا إخفاء الشخص عن الناظر المذكور ببناء وحفيرة، ونحوهما ، لا مطلق الستر .
قوله: «استقبال القبلة واستدبارها».
يتحقق الاستقبال هنا على حدّ ما يعتبر في الصلاة؛ لاشتراكهما في المعنى، وكذا الحكم في الاستدبار، فلا يكفى تحويل العورة خاصةً عن الجهتين مع استقبال البدن أو استدباره، ولو لم يمكن إلّا أحدهما فالاستدبار ،أولى، كما أنّ الاستقبال أولى من الناظر لو انحصر الحال فيهما.
قوله: «ولا يجزئ غيره مع القدرة».
يُفهم منه إجزاء غير الماء مع العجز عنه، والإجزاء هنا فرع الوجوب، فيدلّ ذلك على وجوب إزالة عين النجاسة عند تعذر الماء بما أمكن من تراب وحجر وغيرهما، تخفيفاً للنجاسة بحسب الإمكان، وليس المراد بالإجزاء في هذه الصورة الحكم بطهارة المحل بذلك
ص: 27
*وأقل ما يجزئ مثلا ما على المخرج، وغسل مخرج الغائط بالماء حتى يزول العين والأثر، ولا اعتباربالرائحة.
*وإذا تعدى المخرج لم يجزئ إلا الماء. وإذا لم يتعد كان مخيراً * بين الماء والأحجار، والماء أفضل، والجمع أكمل ، ولا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار.
ويجب إمرار كلّ حجرٍ على موضع النجاسة، ويكفي على موضع النجاسة، ويكفي معه * إزالة العين دون الأثر، وإذا لم ينق بالثلاثة فلا بد من الزيادة حتّى ينقى، ولو نقي بدونها أكملها وجوباً، ولا يكفي استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات.
.............
بل الحكم بإباحة العبادة المشروطة بإزالة النجاسة ما دام الماء متعذراً. ومثله إجزاء التيمم عن الطهارة المائية عند تعذرها. ولا خصوصية في ذلك للاستنجاء من البول، بل هو آت في جميع النجاسات، فلو أخلّ المكلف بتخفيف النجاسة على الوجه المذكور لم تصح صلاته وغيرها ممّا يتوقف على إزالة النجاسة، كما لا يباح المتوقف على رفع الحدث إذا أخل ببدل الرافع له فيكون لرفع الخبث بدل اضطراري كرفع الحدث، وهو من خواص هذا الكتاب.
قوله: «وأقلّ ما يجزئ مثلا ما على المخرج».
هذا هو المشهور، ووردت به الرواية(1) ، وقد اختلف في معناه، والأولى أن يراد به الكناية عن وجوب الغسل من البول مرّتين فيعتبر حينئذٍ الفصل بين الغسلتين لتتحقق التثنية.
قوله: «وإذا تعدى المخرج».
المراد بالمخرج حواشي الدبُر، فكلّ ما جاوزها متعد وإن لم يبلغ الألية.
قوله: «بين الماء والأحجار».
وفي حكم الأحجار الخزف ، والخرق ، والخشب ونحوها مما يزيل النجاسة عدا ما يستثنى .
قوله: «إزالة العين دون الأثر».
ص: 28
* ولا يستعمل الحجر المستعمل، ولا الأعيان النجسة، ولا العظم، ولا الروث ،ولا المطعوم، ولا صقيل يزلق عن النجاسة * ولو استعمل ذلك لم يظهر.
...........
قيل: هو اللون؛ لأنه عرض لا يقوم بنفسه، فلا بد له من محل جوهري يقوم به (1).
وهو فاسد؛ لأنّ اللون معفو عنه وإن غسل المحلّ بالماء، ولأنه ينتقض بالرائحة، فإنّها أيضاً عرض.
وقيل: هو الأجزاء اللطيفة العالقة بالمحل، التي لا تزول إلا بالماء (2).
وهو أنسب، وإن كان تحققها لا يخلو عن عسر.
قوله « ولا يستعمل الحجر المستعمل ».
اعلم أنّ المحكوم عليه بعدم استعمال المستعمل إمّا مُستَعْمِلُه ببناء الصيغة الأُولى للمعلوم، أو ما هو أعم ببنائها للمجهول، فإن كان الأوّل وجب تقييده بكونه في الحدث الذي استعمله فيه؛ بناءً على مذهبه من عدم إجزاء الواحد ذي الجهات وما في حكمه كالواحد المتكرّر بعد غسله، فيحتاج إلى تقييد الكلمتين، وإن كان الثاني فالأمر في مستعمل الحجر قد ظهر، وفي غيره يقيد بكون الحجر نجساً، وإلا لم يمنع من استعماله وإن كان قد استعمله غيره؛ لصدق التعدّد مع تعدّد المستعمل، وإن اتحدت الأداة بمعنى أنه لو استنجى جماعة بثلاثة أحجار صح وإن كان كلّ واحد يمسح بجهةٍ من الحجر غير جهة الآخر، أو بها بعد تطهيرها، أو مع عدم نجاستها كالمكمل للثلاثة بعد أن زالت العين قبل استعماله، ومن ذلك يظهر أن إطلاق العبارة غير جيّد.
قوله: «ولو استعمل ذلك لم يطهر».
هذا في الأوّل وهو النجس، والأخير وهو الصقيل واضح، ومثله الرخو والمتفتت بالاعتماد عليه، والخشن الذي لا يمكن الاعتماد عليه على وجه يقلع النجاسة.
ص: 29
* وهي مندوبات ومكروهات.
فالمندوبات * تغطية الرأس، والتسمية، وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول والاستبراء، والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراغ، وتقديم اليمني عند الخروج والدعاء بعده.
والمكروهات الجلوس * في الشوارع والمشارع ،
...........
وأما الثلاثة الوسطى فالأصح أنها تطهر وإن أثم الفاعل؛ لعدم المنافاة بين الإثم وحصول الطهارة، كما في الماء والحجر المغصوبين.
قوله: «وهي مندوبات ومكروهات».
إدخال المكروهات في أقسام سنن الخلوة بمعنى استحباب تركها ، وإلا فالمكروه مناف للسُنّة.
قوله: «تغطية الرأس».
إن كان مكشوفاً؛ للتأسي(1)، وحذراً من وصول الرائحة إلى الدماغ.
وروي استحباب التقنّع أيضاً(2).
ويمكن أن يريد بتغطية الرأس ذلك أيضاً.
قوله: «في الشوارع والمشارع».
الشوارع: جمع شارع، وهو الطريق الأعظم، قاله الجوهري(3) ، والمراد هنا الطريق مطلقاً. والمشارع جمع مشرعة وهي موارد المياه (4)؛ كشطوط الأنهار ورؤوس الآبار؛ لما فيه من أذى الواردين.
ص: 30
* وتحت الأشجار المثمرة، ومواطن النزال، * ومواضع اللعن، * واستقبال الشمس والقمر بفرجه، أو الريح بالبول، والبول في الأرض * الصلبة،
............
قوله: «و تحت الأشجار المثمرة».
أي التي من شأنها الثمر وإن لم يكن الثمر حاصلاً بالفعل، أو تبقى النجاسة إلى أوانه؛ للعموم (1)، ولعدم اشتراط بقاء المعنى المشتق منه في صدق الاشتقاق.
ولا يخفى أن الكراهة مشروطة بعدم استلزام التصرف في مال الغير، كالشجرة المملوكة له، أو ما في حكمها، فلو كانت الأرض للغير لم تصح وكذا لو كانت الشجرة للغير وخيف إفساد شيء منها بسببه.
قوله:« ومواضع اللعن».
عن زين العابدين (عليه السلام): هي «أبواب الدور»(2) .
قوله: «واستقبال الشمس والقمر بفرجه».
في التقييد بالفرج هنا إشارة إلى أنّ الكراهة مختصة بمواجهة جرمهما بالعورة من غير حائل ، فلو كان هناك حائل - ولو ثوباً - زالت الكراهة وإن استقبل الجهة.
قوله: «الصلبة».
هي بضم الصاد وسكون اللام؛ لئلا تردّه عليه، وفي الحديث: «من فقه الرجل أن يرتاد موضعاً لبوله»(3)، وكان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) يعمد إلى مكان فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول(4) .
ص: 31
* وفي ثقوب الحيوان، وفى الماء واقفاً وجارياً، والأكل والشرب والسواك . والاستنجاء باليمين، وباليسار *وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه، والكلام إلا بذكر الله تعالى، أو آية الكرسي* أو حاجة يضرّ فوتها.
وفروضه خمسة :
* وهي إرادة تفعل بالقلب.
وكيفيتها أن ينوى الوجوب أو الندب، والقربة.
وهل تجب نية رفع الحدث، أو استباحة شيءٍ مما يشترط فيه الطهارة؟
.............
قوله: «وفى ثقوب الحيوان».
وهي جحرتها بكسر الجيم وفتح الحاء(1) ؛ لنهي النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عنه خوفاً من الأذى(2).
قوله « وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه».
وكذا اسم نبيّ أو إمام مقصود بالكتابة، وهذا مع عدم إصابته بالنجاسة، وإلا حرم.
قوله: «أو حاجة يضر فوتها».
والمراد أنّها لا تحصل إلا بالكلام، فلو اندفعت الحاجة بالتصفيق ونحوه لم تزل كراهة الكلام، ويلحق بذلك أيضاً رد السلام وحمد الله عند العطاس من جملة الذكر، وكذا حكاية الأذان في غير الحيعلات .
قوله: «وهى إرادة تفعل بالقلب».
احترز بفعل القلب عن إرادة الله تعالى أو أراد به بيان الماهية ك_ ﴿طبِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾(3) : إذ إرادة العبادة لا تفعل إلا به.
ص: 32
*الأظهر أنّه لا تجب.
*ولا تعتبر النية في طهارة الثياب ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث.
ولو ضمّ إلى نيّة التقرب إرادة التبرّد أو غير ذلك * كانت طهارته مجزئة.
* ووقت النيّة عند غَسْل الكفّين، وتتضيّق عند غسل الوجه . وتجب استدامة حكمها إلى الفراغ.
...............
قوله :«الأظهر أنّه لا تجب».
الأحوط نية أحد الأمرين مع ما ذكره
قوله:«ولا تعتبر النية فى طهارة الثياب ولا غير ذلك».
بمعنى زوال النجاسة بدونها، لكن يتوقف عليها حصول الثواب.
قوله: «كانت طهارته مجزئة».
الأصح البطلان بذلك، ويدخل في ذلك إرادة التنظيف أو التسخّن بالماء الحار وغيرهما.
قوله: «ووقت النية عند غَسْل الكفّين».
المراد به المستحبّ للوضوء، وهو ما كان من حدث النوم أو البول أو الغائط أو نحوها، لا من الريح ونحوه.
واحترز بالمستحب له عن الواجب، كإزالة النجاسة، أو المستحب لا له كعقيب الطعام.
واشترط جماعة (1)فيه كون الوضوء من ماءٍ قليل في إناء منقول واسع الرأس يغترف منه، فلا تقع النية عنده بدون ذلك، وهو أحوط. ويجوز فعلها عند المضمضة والاستنشاق، مقارنةً لدخول الماء الفم أو الأنف، ومتى قدّم النية عند أحدها لم يحتج الباقي من السنن المتقدمة إلى نيّةٍ، بل السابق عليها إن كان، وإن أخرها إلى غسل الوجه فلا بد للمتقدم من نية.
قوله « وتجب استدامة حكمها إلى الفراغ».
المراد باستدامة حكمها أن لا ينوي نيّة تنافي النيّة الأولى أو تنافي بعض مميزاتها،
ص: 33
تفريع: إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء، كفى وضوء واحد بنية التقرّب، ولا يفتقر إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه، وكذا لو كان عليه أغسال.
* وقيل: إذا نوى غسل الجنابة أجزاً عن غيره، ولو نوى غيره لم يجزئ عنه، وليس بشيء.
وهو ما بين منابت الشعر في * مقدم الرأس إلى طرف الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً.
........
فهي إذن أمر عدمي.
وقيل: هي البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها كلّما لَحظها(1) ، وهو أحوط غير أنّ العمل على الأوّل.
قوله: «وقيل : إذا نوى غسل الجنابة أجزاً عن غيره، ولو نوى غيره لم يجزئ عنه ، وليس بشيء».
الأصح تداخل أسباب الغسل وإجزاء غسل واحد عنها مطلقاً، ثم إن كان مع أحد الأسباب الجنابة لم يجب مع الغسل وضوء، وإلا وجب الوضوء.
قوله: «مقدم الرأس».
هو - بضم الميم وفتح القاف ثم الدال المشدّدة المفتوحة - نقيض المؤخّر(2)، بتشديد الخاء المفتوحة والذقن - بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف - مجمع اللحيين(3) - بفتح اللام - وهما العظمان اللذان تنبت فيهما الأسنان السفلى، واحدهما لخي، بفتح اللام أيضاً. والإبهام - بكسر الهمزة - الإصبع الغليظة المتطرفة، والجمع الأباهيم(4).
ويستفاد من تحديد الوجه بمنابت شعر الرأس وجوب غسل مواضع التحذيف - بالذال
ص: 34
* وما خرج عن ذلك فليس من الوجه، ولا عبرة بالأنزع ولا بالأغم، * ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه، بل يرجع كلّ منهم إلى مستوي الخلقة، فيغسل ما يغسله .
ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن، ولو غسل منكوساً لم يجزئ على الأظهر، ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ،* ولا تخليلها ، بل يغسل الظاهر،
...............
المعجمة - وهي ما بين الصدغ والنزعة من منابت الشعر الخفيف الذي لا يدخل في شعر الرأس عرفاً ، سُمّيت بذلك لحذف النساء والمترفين الشعر عنها (1). أما الصدغ - بضم الصاد. ويقال بالسين أيضاً - وهو ما حاذى العذار فوقه بين العين والأذن(2)، والنزعتان - بالتحريك -وهما البياض المكتنف للناصية من الجانبين(3) فلا يجب غسلهما ، كما لا يجب غسل الناصية.
قوله: «وما خرج عن ذلك فليس من الوجه».
فلا يجب غسله أصالة، لكن يجب غسل جزءٍ من جميع حدود الوجه من باب المقدمة.
قوله: «ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار».
العذار ما حاذى الأذن(4)، يتصل أسفله بالعارض وأعلاه بالصدغ، وبينه وبين الأذن بياض. والعارض ما انحط عن محاذاة الأذن من الشعر أو منابته (5).
ويظهر من العبارة وجوب غسل العذار، وهو حسن كما يجب غسل العارض بغير خلافٍ، أما البياض الذي بينه وبين الأذن فلا يجب غسله قطعاً.
قوله :«ولا تخليلها، بل يغسل الظاهر».
يستفاد من إطلاق العبارة عدم الفرق بين اللحية الخفيفة والكثيفة، فلا يجب تخليلها
ص: 35
ولو نبت للمرأة لحية لم يجب تخليلها ، وكفى إفاضة الماء على ظاهرها.
والواجب غسل الذراعين * والمرفقين، والابتداء من المرفق، ولو غسل منكوساً لم يجزئ ، وتجب البدأة باليمين، ومَنْ قُطع بعض يده غسل ما بقى من المرفق، فإن قُطعت من المرفق سقط فرض غسلها.
ولو كان له ذراعان* دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت وجب غسل
............
مطلقاً، وهو أصح القولين(1). والمراد بالخفيف من الشعر ما ترى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، والكثيف يقابله. والمراد بالتخليل المحكوم بعدم وجوبه غسل منابت الشعر وما لا يقع عليه البصر من البشرة، أما المرئي منها خلال الشعر الخفيف فيجب غسله؛ لعدم انتقال اسم الوجه عنه، وقد يعلم ذلك من قوله: «بل يغسل الظاهر» فإنّ المراد به الظاهر من البشرة، وما ذكر داخل فيه، ويقلّ الاختلاف بذلك بين القولين بوجوب تخليل الشعر الخفيف وعدمه.
ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل.
قوله «والمرفقين». يدل بظاهره على أن المرفقين يجب غسلهما أصالة، لا من باب المقدمة؛ لعدم تعرضه لما يجب غسله منها، والأمر فيه كذلك، ولا ينافيه قوله بعد: «ولو قُطعت من المرفق سقط فرض غسلها»؛ لأنّ المراد بالمرفق رأس العظمين المتداخلين لا المفصل، والمراد بقطعها من المرفق قطع جميع المرفق، ويتحقق بقطع رأس العضد، وعدم وجوب غسل الباقي حينئذ ظاهر، أما لو قطعت من المفصل وجب غسل رأس العضد؛ بناءً على وجوب غسل المرفق أصالةً، وعلى القول بأنّ وجوبه من باب المقدمة يسقط غسله.
قوله :«دون المرفق».
الضابط أنّ كلّ ما دون المرفق أو فيه من الزوائد يجب غسله سواء تميّز أم لا، وما كان
ص: 36
الجميع، ولو كان فوق المرفق لم يجب غسله، ولو كان له يد زائدة وجب غسلها.
الفرض الرابع :مسح الرأس والواجب منه ما يُسمّى به ماسحاً.
والمندوب* مقدار ثلاث أصابع عرضاً، ويختص المسح بمقدم الرأس ويجب أن يكون بنداوة الوضوء، ولا يجوز استئناف ماءٍ جديد له، ولو جفّ ما على يده . أخذ من لحيته وأشفار عينيه، فإن لم تبق نداوة استأنف.
..............
فوقه لا يجب غسله مطلقاً إلا اليد فإنّها تغسل مطلقاً مع عدم تميزها عن الأصلية، ومعه يغسل الأصلية لا غير.
ومقتضى إطلاق العبارة وجوب غسلها وإن تميّزت ، وهو مذهب جماعة من الأصحاب (1).
وتعلم الزائدة بقصرها، وضعف قوتها، ونقص أصابعها، ونحو ذلك.
قوله «مقدار ثلاث أصابع عرضاً».
حال من الأصابع (أو بنزع الخافض ) (2)، والمراد مرور الماسح على الرأس بهذا المقدار وإن كان بإصبع لاكون آلة المسح ثلاثة أصابع مع مرورها أقل من مقدار ثلاث أصابع. و معنى استحباب مسح هذا المقدار كونه أفضل الفردين الواجبين إن أوقعه دفعةً وإن كان ذلك نادراً، ولو كان على التدريج - كما هو الغالب - فالظاهر أن الزائد عن المسمّى موصوف بالاستحباب .
قوله: «أخذ من لحيته وأشفار عينيه».
ولا يشترط في جواز الأخذ من هذه المواضع جفاف اليد، بل يجوز مطلقاً؛ لأنها من بلل الوضوء .
ولا يختص الأخذ بهذه المواضع، بل يجوز من جميع محال الوضوء وجميع شعر الوجه ،و تخصيص الشعر لكونه مظنّة الرطوبة.
ص: 37
والأفضل مسح الرأس مقبلاً، ويكره مدبراً على الأشبه، ولو غسل موضع المسح لم يجزئ .* ويجوز المسح على الشعر المختصّ بالمقدم وعلى البشرة ولو جمع عليه شعراً من غيره ومسح لم يجزئ، وكذلك لو مسح على العمامة أو غيرها مما يستر موضع المسح.
ويجب مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهُما قبنا القدمين. ويجوز منكوساً ، . وليس بين الرجلين ترتيب، وإذا قطع بعض موضع المسح مسح على ما بقي ولو قطع من الكعب سقط المسح على القدم.
*ويجب المسح على بشرة القدم، ولا يجوز على حائلٍ من خُفّ أو غيره ،
..........
قوله: «ويجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم».
المراد به النابت عليه بحيث لا يخرج بمده عن حدّ المقدَّم، فلو زاد اختص الجواز بغير المقدار الزائد.
قوله:« وليس بين الرجلين ترتيب».
بل الأصح وجوب تقديم اليمنى، فلا يجزئ العكس ولا المعية.
قوله: «ويجب المسح على بشرة القدم».
يُعلم من قوله «بشرة القدم » مع قوله في الرأس «مسح الشعر أو البشرة »عدم إجزاء المسح على الشعر المختص بالقدم إذا قطع الخط الذي يحصل به مسمّى المسح، وهذا هو الحق، والفارق النص(1).
ولا يشترط في خط المسح المتصل الاستقامة، فلو حصل مع المسح على الشعر اتصال ولو بالاعوجاج كفى.
ص: 38
* إلا للتقيّة أو الضرورة، وإذا زال السبب أعاد الطهارة على قول، وقيل: لا تجب إلا لحدث، والأوّل أحوط.
مسائل ثمان :
الأولى: الترتيب واجب فى الوضوء، الوجه قبل اليمنى واليسرى بعدها، ومسح الرأس ثالثاً، والرجلين أخيراً، فلو خالف أعاد الوضوء - *عمداً كان أو نسياناً - إن كان قد جف الوضوء، وإن كان البلل باقياً، أعاد على ما يحصل معه الترتيب.
الثانية: الموالاة واجبة، وهي أن يغسل كلّ عضو* قبل أن يجف ما تقدّمه وقيل: بل هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.
.........
قوله: «إلا للتقيّة».
فيجوز المسح على الخُفّ لا على غيره؛ لعدم فرض التقية فيه.
ويشترط في جواز المسح عليه عدم تأدي التقية بغسل الرجلين، وإلا قدم على المسح عليه؛ لأنّ الغسل أقرب إلى الواجب.
ولو عدل إلى مسح بشرة الرجلين في موضع التقيّة بأحدهما بطل الوضوء ؛ للنهي المفسد للعبادة.
قوله: «عمداً كان أو نسياناً».
وجاهل الحكم عامد وإن استند إلى شبهةٍ ؛ لتقصيره في التعلّم، وعلى العامد مع البطلان الإثم.
قوله «قبل أن يجفّ ما تقدمه».
المعتبر في الجفاف الحسّي لا التقديري، فلا فرق في الهواء بين كونه مفرط الرطوبة أو الحرارة، ولا يقدران معتدلين والمعتبر جفاف جميع ما تقدّم.
ص: 39
الثالثة: الفرض في الغسلات مرّة واحدة والثانية سنة، * والثالثة بدعة، *وليس في المسح تكرار.
الرابعة: يجزئ في الغسل* ما يُسمّى به غاسلاً (1)وإن كان مثل الدهن ومَنْ في يده خاتم أو سير* فعليه إيصال الماء إلى ما تحته، وإن كان واسعاً استحب له تحريكه.
الخامسة: * مَنْ كان على بعض أعضاء طهارته جبائر، فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتى يصل البشرة وجب، وإلّا أجزأه المسح عليها، سواء كان
...........
قوله: «والثالثة بدعة».
تتحقق بإكمال غسل العضو مرتين بحيث لا يبقى منه شيء وإن قل، ولا يبطل بها الوضوء وإن كانت محرّمةً مع إمكان المسح ببلل إحدى الغسلتين الأوليين.
قوله: «ولا تكرار في المسح».
أي مشروعاً بحيث يكون جزءاً من العبادة، فلو فعله غير معتقد رجحانه فلا إثم وإن كان مكروهاً، ولو اعتقد مشروعيته أثم، وقيل: هو محرم (2)، وعلى كلّ حالٍ فلا يؤثر في صحة الوضوء؛ لخروجه عنه.
قوله: «ما يُسمّى به غاسلاً».
أقل ما يحصل به مسماه أن يجري جزء من الماء على جزئين من البشرة ولو بمعاون ،والتشبيه بالدهن مبالغة في الإجزاء بالجريان القليل على جهة المجاز لا الحقيقة.
قوله: «فعليه إيصال الماء إلى ما تحته».
لا يكفى مجرّد الإيصال، بل لا بد معه من تحقق مسمّى الغسل، وهو الجريان المذكور.
قوله: «مَنْ كان على بعض أعضاء طهارته جبائر فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتى يصل إلى البشرة وجب».
ص: 40
ما تحتها طاهراً أو نجساً، وإذا زال العذر استأنف الطهارة، على تردّد فيه.
السادسة:* و لا يجوز أن يتولّى وضوءه غيره مع الاختيار، ويجوز مع الاضطرار.
..............
إنما يتمّ ذلك إذا كانت في محلّ الغسل، وإلا لم يكف إيصال الماء إلى ما تحتها؛ لوجوب إلصاق الماسح بالممسوح، وكذا لا يكفي وصول الماء إلى ما تحتها مطلقاً مع نجاسة باطنها، بل لا بد مع ذلك من جريانه تحتها على وجه التطهير والغسل المعتبر في الوضوء، بل حكمها أنها إن كانت في محلّ الغسل وأمكن إدخال الماء تحتها على وجه الغسل، وكان ما تحتها طاهراً، تخيّر بين نزعها وغسل العضو تحتها، وإن كان نجساً اشترط مع ذلك إمكان تطهيره وإن لم يمكن نزعها وجب إيصال الماء إلى البشرة على وجه الغسل إن أمكن، وإلا مسح على ظاهرها إن كان طاهراً، أو على شيءٍ طاهر موضوع عليها إن لم يمكن، وإن كانت في محلّ المسح وجب نزعها مع الإمكان مطلقاً، ومع تعذره يمسح عليها كما تقدم، والواجب في الأمرين ما كان يجب قبله من استيعاب المحل أو الاكتفاء بالمسمّى.
ولا فرق في إجزاء المسح عليها بين أن يمكن إجراء الماء عليها أو لا؛ لعدم التعبد بغسلها مع تعذر وصول الماء إلى أصلها، ولا بين أن يستوعب الجبيرة عضواً كاملاً أو لا.
ولو لم يكن على الكسر أو الجرح لصوق، فإن أمكن غسله أو مسحه إذا كان في موضع المسح وجب كالجبيرة، وإلا غسل ما حوله، والأحوط مسحه إن أمكن أو وضع شيء عليه والمسح فوقه.
قوله: «لا يجوز أن يتولّى وضوءه غيره مع الاختيار، ويجوز مع الاضطرار».
تتحقق التولية بمباشرة الغير غسل العضو ولو بصب الماء عليه، لا بصبه في اليد ليغسل به، فإنه استعانة.
ونسب التحريم إلى المتولي - مع أنّ إسناده إلى المتوضئ أظهر - لمساعدته له على المحرم، ولأنه الفرد الأخفى.
ومع الاضطرار يجوز التولية، بل يجب تحصيل المعين ولو بأجرة مقدورةٍ.
ويتولّى المكلّف النية؛ إذ لا عجز عنها مع بقاء التكليف، ولو نويا معاً كان أفضل.
ص: 41
السابعة: لا يجوز للمحدث * مس كتابة القرآن، ويجوز له أن يمس ما عدا الكتابة.
الثامنة: مَنْ به السلس، قيل: * يتوضأ لكل صلاة.
*وقيل: مَنْ به البَطَن إذا تجدّد حدثه في الصلاة يتطهر ويبني.
هي* وضع الإناء على اليمين والاغتراف بها،* والتسمية ،
وينوي المتولّي ما يطابق فعله، وهو «أُوضَى». ولو أمكن تقديم ما يغمس المعذور فيه العضو لم يجز التولية.
ولا يشترط العجز عن الكل، بل يجوز أن يتبعض.
قوله: «مس كتابة «القرآن».
لا يختص المسّ بباطن الكفّ، بل يحرم بجميع البدن.
ومن القرآن الهمزة ، قيل : وكذا المد والتشديد(1) ؛ لأنها حروف أو قائمة مقامها ، وهو أحوط .
قوله: «يتوضأ لكلّ صلاة».
ويجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعده، ويعفى عن الحدث الواقع قبلها وفيها .
هذا إذا لم تكن له فترة تسع الطهارة والصلاة، وإلا وجب تحرّيها.
قوله :«وقيل : مَنْ به البَطَن» إلى آخره.
البطن - بالتحريك - داء البطن(2)، بحيث يعتريه الحدث من ريح أو غائط على وجه لا يمكنه دفعه ، والمشهور أن حكمه حكم السلس.
قوله: «وضع الإناء على اليمين والاعتراف بها».
هذا إذا كان الإناء واسع الرأس بحيث يغترف منه، وإلا وضع على اليسار ليصب منه في اليمين للغسل بها، أو للإدارة إلى اليسار.
قوله: «والتسمية».
ص: 42
والدعاء، * وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم أو البول مرّةً، ومن الغائط مرّتين،* والمضمضة والاستنشاق، والدعاء عندهما وعند غسل الوجه واليدين، وعند مسح الرأس والرجلين وأن يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما،* والمرأة بالعكس، وأن يكون الوضوء * بمُدِّ.
*ويكره أن يستعين في طهارته
........
وهي بسم الله وبالله ،اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين لا التسمية المعهودة، ولو كان فعلها مجزئاً أيضاً.
قوله :«وغسل اليدين ».
من الزندين.
قوله: «والمضمضة والاستنشاق».
كلّ واحدٍ بثلاث غرفات ومع إعواز الماء فلكلّ واحدٍ غرفة.
قوله: «والمرأة بالعكس».
ويتخيّر الخنثى في الوظيفتين.
قوله: «بمد».
لقوله : «الوضوء بمُةٍ، والغسل بصاع، وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك، فأولئك على خلاف سنتي، والثابت على سُنّتي معي في حظيرة القدس»(1)، ويتأدى بالمد سنن الوضوء وفروضه، والظاهر أن ماء الاستنجاء منه.
قوله: «ويكره أن يستعين في طهارته».
تتحقق الاستعانة بصب الماء في اليد ليغسل به المتوضئ. والظاهر أنه يصدق بطلب إحضار الماء ليتوضأ به؛ للتعليل في الخبر بالاشتراك في العبادة(2)، وكذا القول في إسخانه
ص: 43
* وأن يمسح بلل الوضوء عن أعضائه.
مَنْ تيقن الحدث وشكّ في الطهارة . أو تيقنهما وشك في المتأخر تطهر ،
....
ونحوه، كلّ ذلك بعد العزم على الوضوء، أمّا لو استعان لاله ثمّ عرضت إرادة الوضوء فلا بأس. والمراد بالاستعانة هنا حصول الإعانة، وإن كان الأغلب في باب الاستفعال كونه طلب الفعل،ومن هذا الباب﴿ اَسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾(1).
قوله: «وأن يمسح بلل الوضوء عن أعضائه».
التعبير بالمسح يشمل حصوله بمنديل وغيره؛ للتعليل بأنّ فيه إزالة أثر العبادة، وهو يقتضي تعميم الكراهة بغير المنديل، بل يشمل تجفيفه بالنار ونحوها. والنص(2)أخص من ذلك كلّه.
قوله: «أو تيقنهما وشك في المتأخر تطهر».
هذا مع جهله بحاله قبلهما أو علمه بكونه محدثاً مع علمه بتعقب الحدث للطهارة، والطهارة للحدث، وهو المعبر عنه بتيقنهما متحدين متعاقبين، وإطلاق الشك هنا باعتبار أصله قبل التروّي أو متطهراً مع اعتياده التجديد أو احتماله. أما لو لم يعلم التعاقب ولا احتمل التجديد، بل كان إنّما يتطهر حيث يتطهر طهارة رافعة للحدث، فإنّه يأخذ بضدّ ما علمه من حاله قبلهما إن كان محدثاً؛ لتيقنه وقوع الطهارة على الوجه المعتبر مع كونه محدثاً قبلهما وشكه في تأثير الحدث فيها (3)؛ لاحتمال تعقبه للحدث السابق، فلا يرفع يقين الطهارة احتمال لحوق (4)الحدث؛ إذ الفرض عدم التعاقب، ويستصحب حاله لو علم أنه كان متطهّراً:
ص: 44
وكذا لو تيقن ترك عضو أتى به وبما بعده، وإن جف البلل استأنف، وإن شك في شيءٍ من أفعال الطهارة*وهو على حاله أتى بما شك فيه ثمّ بما بعده، ولو تيقن الطهارة وشكّ في الحدث أو في شيءٍ من أفعال الوضوء * بعد انصرافه لم يُعد.
ومَنْ ترك غسل موضع النجو أو البول وصلّى أعاد الصلاة *عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً.
*ومَنْ جدّد وضوءه بنية الندب ثمّ صلّى وذكر أنّه أخل بعضو من إحدى
......
لتيقنه انتقاض الطهارة بالحدث وزواله بالطهارة؛ لعدم احتمال سبقها عليه؛ إذ لا يتم إلا مع التجديد، والتقدير عدمه. والأجود وجوب الوضوء مطلقاً ما لم يتيقن حصول الوضوء، كما في مسألة الاتحاد والتعاقب مع سبق الطهارة.
قوله: «وهو على حاله أتى بما شكّ فيه».
أي (1)حاله التي هو عليها، وهي كونه متشاغلاً بالطهارة لم يفرغ منها.
قوله: «بعد انصرافه».
أي انصرافه عن أفعال الوضوء وإن لم ينتقل عن محله.
قوله: «عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً».
المراد بالجاهل هنا جاهل الحكم؛ لأنه بحكم العامد، لا جاهل الأصل ولا الأعم منهما؛ لعدم صحة الحكم بإعادته مطلقاً، بل إمّا في الوقت خاصةً، أو لا إعادة عليه مطلقاً، كما سيأتي من مذهب المصنّف(2)، وإطلاقه إما لظهور المراد؛ لعدم القائل بإعادة جاهل الأصل مطلقاً، أو لاستبعاد فرض خروج الحدث المبحوث عنه من غير شعور به.
قوله: «ولو جدّد وضوءه بنية الندب».
احترز بتقييد التجديد بنية الندب عمّا لو نذر التجديد، فإنّه يرفع الحدث حينئذ عند
ص: 45
الطهارتين * فإن اقتصرنا على نيّة القربة فالطهارة والصلاة صحيحتان * وإن أو جبنا نية الاستباحة أعادهما * ولو صلّى بكلّ واحدة منهما صلاة أعاد الأولى بناءً على الأوّل،* ولو أحدث عقيب طهارة منهما ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عدداً، وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته،
...........
المصنّف؛ لاشتراطه نية الوجوب لا الاستباحة بخلاف ما لو فعله مندوباً، فإنّه لا يرفع عند المصنف.
قوله: «فإن اقتصرنا على نيّة القربة فالطهارة والصلاة صحيحتان».
لصحة طهارةٍ منهما قطعاً، وهي رافعة على ذلك القول.
قوله: «وإن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما».
لاحتمال كون الإخلال من الطهارة الأولى فلا يرفع الثانية؛ لعدم نية الاستباحة فيها، وكذا لو اشترطنا نية الوجوب لا غير ، كما ذهب إليه المصنّف في هذا الكتاب (1)، وكان ينبغي له التفريع على مذهبه أيضاً.
قوله: «ولو صلّى بكلّ واحدة منهما صلاة أعاد الأولى بناءً على الأول».
لاحتمال كون الخلل من الطهارة الأولى فتفسد الصلاة الأولى دون الثانية؛ لتعقبها لطهارة صحيحة منهما، وعلى الثاني يعيد الصلاتين معاً، وكذا على مذهبه.
قوله: «ولو أحدث عقيب طهارةٍ منهما ولم يعلمها بعينها، أعاد الصلاتين إن اختلفتا عدداً، وإلا فصلاة واحدة» إلى آخره.
هذا تفريع على الأوّل، كما في نظائره، وعلى القولين الأخيرين يعيد الجميع، كما في الإخلال.
والفرق بين الإخلال والحدث: أن الإخلال إنما يُبطل الطهارة التي حصل الإخلال فيها فتسلم الأُخرى، والحدث يُبطل ما قبله من الطهارات، فلو وقع بعد الثانية أبطلهما معاً.
ص: 46
* وكذا لو صلّى بطهارة ثمّ أحدث وجدد طهارةٌ ثمّ صلّى أُخرى وذكر أنه أخلّ بواجب من إحدى الطهارتين.
ولو صلّى الخمس بخمس طهارات وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات ،*أعاد ثلاث فرائض ثلاثاً واثنتين وأربعاً .* وقيل: يعيد خمساً، والأوّل أشبه.
.......
قوله: « وكذا لو صلّى بطهارة ثمّ أحدث وجدد طهارة» إلى آخره.
المراد بالتجديد هنا معناه اللغوي، وهو فعل الطهارة مرّةً ثانية، لا الشرعي الذي هو إعادة الطهارة قبل الحكم بفساد الأولى؛ إذ الفرض تخلل الحدث بين الطهارتين.
والحكم هنا بإعادة الصلاتين مع الاختلاف والاكتفاء بواحدة مطلقة مع الاتفاق ثابت على جميع الأقوال ؛ لكون الطهارتين مبيحتين.
قوله: «أعاد ثلاث فرائض».
لأن المرجع إلى فساد واحدة من الخمس لا يعلمها بعينها فيكتفي برباعية مطلقة إطلاقاً ثلاثياً، وصبح ومغرب، ويتخيّر في تقديم أيها شاء. ويتخيّر في الرباعية بين الجهر والإخفات، ويردّد فيها بين الأداء والقضاء إن وقعت في وقت العشاء.
قوله: «وقيل: يعيد خمساً والأول أشبه».
قوی .
ص: 47
ففيه الواجب والمندوب.
فالواجب ستة أغسال: غسل الجنابة والحيض، والاستحاضة التي تثقب الكُرْسُف، والنفاس، ومسّ الأموات من الناس قبل تغسيلهم وبعد بردهم، وغسل الأموات.
وبيان ذلك في خمسة فصول:
والنظر فى السبب والحكم والغسل .
أما سبب الجنابة فأمران:
الإنزال إذا علم أنّ الخارج مني، فإن حصل ما يشتبه . وكان دافقاً تقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل، ولو كان مريضاً كفت الشهوة وفتور الجسد في وجوبه ،
........
قوله: «وكان دافقاً تقارنه الشهوة وفتور الجسد ».
ظاهر العبارة توقف الحكم بكون الخارج منيّاً على اجتماع الأوصاف الثلاثة، وليس ذلك شرطاً، بل إنّما ذكرها جميعاً لتلازمها غالباً، فلو اتفق انفكاك بعضها عن بعض كفى أحدها، كما في المريض، فإنّ قوّته لما كانت ضعيفةً لم يخرج منه المني بدفق، فاكتفى فيه بالوصفين، وربما كان بدنه فاتراً قبل الخروج فتكفي الشهوة وحدها، وقد عبر به بعض الأصحاب (1)، والحاصل أن أحدها كافٍ متى اتفق.
ص: 48
*ولو تجرّد عن الشهوة والدفق مع اشتباهه لم يجب، وإن وجد على جسده أو ثوبه منيّاً * وجب الغسل إذا لم يشركه في الثوب غيره.
.........
والمراد بالدفق خروجه بدفع وانصباب وبفتور الجسد انكسار الشهوة بعد خروجه.
قوله: «ولو تجرّد عن الشهوة والدفق مع اشتباهه لم يجب».
قد يُفهم منه أن بعض الخواص الثلاثة غير كاف في الحكم بكونه منيّاً، فإن المتخلف عما ذكر هنا هو فتور الجسد، وإنّما كان كذلك لبغد انفكاك الخاصّتين الأخريين معاً عن هذه، ومن ثُمَّ قال « مع اشتباهه» فإنّ التقييد بالاشتباه يدلّ على أنه يمكن كون الخارج منياً مع تخلّفهما أيضاً.
قوله: «وجب الغسل إذا لم يشركه في الثوب غيره».
يتحقق الاشتراك بأن يلبساه دفعةً أو يناما عليه، لا بالتناوب، بل يُحكم به لذي النوبة ما لم يعلم انتفاؤه عنه فينتفي عنهما.
وإنما يحكم به للمختص بالثوب إذا أمكن كونه منه كالبالغ أو ممكن البلوغ، وحده اثنا عشر [سنة] فصاعداً كما ذكره العلامة في المنتهى(1) ، وإلا انتفى عنه أيضاً، ولا يُحكم به من الآخر.
ومتى ثبت كونه من أحدٍ حكم عليه بالجنابة من آخر أوقات إمكانها، وهو آخر نومة ونحوها : لأصالة عدم التقدم، فيعيد كل صلاة وعبادة مشروطة بالغسل لا يحتمل سبقها.
وقيل: يعيد كلّ ما لم يعلم سبقها(2)، وهو أحوط.
ويتحقق كونه منيّاً على الثوب والبدن ،بالرائحة فإنّ المني يشبه رائحة الطلع والعجين رطباً، وبياض البيض جافاً. ومع تحقق الاشتراك يقطع بجنب، فلا يكمل بالمشتركين عدد
ص: 49
والجماع، فإن جامع امرأةٌ في قبلها والتقى الختانان وجب الغسل وإن كانت الموطوءة ميتةً، وإن جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأصح *ولو وَطِئ غلاماً فأوقبه ولم يُنزل، قال المرتضى (رحمه الله): يجب الغسل؛ معوّلاً على الإجماع المركب، ولم يثبت.
......
الجمعة؛ لبطلان صلاة واحدٍ في نفس الأمر قطعاً.
ولو انتم أحدهما بالآخر بطلت صلاة المأموم لا غير؛ للقطع بحدثه أو حدث إمامه.
ويجوز لهما دخول المساجد وقراءة العزائم دفعة.
قوله: «ولو وطئ غلاماً فأوقبه ولم يُنزل، قال المرتضى (رحمه الله): يجب الغسل ؛معولاً على الإجماع المركب، ولم يثبت».
المراد بالإيقاب إدخال الحشفة في الدُّبُر، وضابطه ما أوجب الغسل.
والمراد بالإجماع المركب ما تركب من قولين بحيث يلزم من مخالفتهما معاً مخالفة الإجماع بأن ينحصر قول من يعتبر قوله في الإجماع فيهما، وهو المعبر عنه في الأصول بإحداث قول ثالث.
وحاصله هنا أن المرتضى (رضي الله عنه) ادعى أنّ كلّ مَنْ قال بوجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة قال بوجوبه في دبر الغلام(1) ، ومَنْ نفاه في الأوّل نفاه في الثاني، فالقول بوجوبه في إيقاب المرأة دون الغلام إحداث قول ثالث يقتضي رفع ما أجمعوا عليه، لكن لما قام الدليل على وجوبه بإيقاب المرأة لزم القول به فى الغلام.
ورده المصنف هنا بأنّ ما ادعاه (2) لم يثبت وفي المعتبر : لم أتحقق إلى الآن ما ادعاه. فالأولى التمسك فيه بالأصل(3).
ص: 50
* ولا يجب الغسل بوطء البهيمة إذا لم يُنزل.
تفريع : الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه، لكن لا يصح منه في حال كفره ،* فإذا أسلم وجب وصح منه ، ولو اغتسل ثم ارتد ثم عاد لم يبطل غسله .
.........
ويجاب بأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة فكيف بمثل السيد، فلا يقدح فيه عدم تحققه، وإنّما يتحقق القدح بظهور عدم صحته، ولم يتحقق.
قوله: «ولا يجب الغسل بوطء البهيمة إذا لم يُنزل».
ستنده عدم النصّ عليه، وأصالة البراءة. والأصح الوجوب؛ لفحوى إنكار عليّ (عليه السلام)على الأنصار إيجاب الحدّ دون الغسل(1) .
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): « ما أوجب الحد أوجب الغسل »(2). ولفظة «ما» وإن كانت م صيغ العموم إلا أنّها مخصوصة بما لا إجماع على عدم إيجابه الغسل من الحدود، أو يراد ما أوجب الحد من الوطء.
قوله: «فإذا أسلم وجب».
قيل : قوله «وجب» مستدرك ؛ لسبق ذكره وقت الحكم بكفره، فلا فائدة في إعادته بعد إسلامه(3) .
ويجاب بأن إعادته لدفع توهم سقوطه بالإسلام بناءً على كونه يَجُبُّ ما قبله(4). فلا يكفي التعبير بالصحة خاصةً؛ لأنّها أعم من الوجوب، والعام لا يدلّ على الخاص.
وإنما لم يسقط عنه بالإسلام مع سقوط غيره من العبادات؛ لأن الأسباب من باب خطاب
ص: 51
وأما الحكم، فيحرم عليه قراءة كلّ واحدة من العزائم، وقراءة بعضها حتى البسملة إذا نوى بها إحداها، ومسّ كتابة القرآن *أو شيء عليه اسم الله سبحانه،* والجلوس في المساجد * ووضع شيءٍ فيها، والجواز في المسجد الحرام أو مسجد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) خاصةً. ولو أجنب فيهما لم يقطعهما إلا بالتيمم.
.....
الوضع التي يشترك فيها الكبير والصغير، والمسلم والكافر، وهي صالحة للتأثير بعد الكمال وإن تخلّف أثرها عنها لفقد شرط كالصغر، أو وجود مانع.
ويمكن أن يقال: على هذا يُحكم عند الإسلام بسقوط وجوب الغسل عنه إن كان الإسلام في غير وقت عبادة مشروطة به؛ لأن الوجوب من باب خطاب الشرع، ثمّ إذا دخل وقتها أو كان حاصلا وقت الإسلام حكم عليه بوجوب الغسل إعمالاً للسبب المتقدم، كما لو أجنب الصبي بالجماع فإنّه يجب عليه الغسل بعد البلوغ في وقت العبادة.
قوله: «أو شيء عليه اسم الله سبحانه».
أو اسم نبي أو إمام مقصود بالكتابة؛ لمناسبة التعظيم.
ويشمل قوله «شيء» الدراهم وغيرها. وقد ورد في الدراهم رخصة بجوازه عن الباقر والصادق(عليهم السلام) (1).
قوله: «والجلوس في المساجد».
المراد به اللبث فيها سواء كان بجلوس أم غيره، وخص الجلوس؛ لأنه بعض أفراده. والتعميم أولى.
واحترز به عن الجواز فيها من باب إلى آخر، فإنّه مكروه لا غير.
قوله:« ووضع شيءٍ فيها».
لا فرق في تحريم الوضع بين استلزامه اللبث وعدمه، بل لو وضع فيها شيئاً من
ص: 52
ويكره له الأكل والشرب . *وتخفّ الكراهية بالمضمضة والاستنشاق . *وقراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، وأشدّ من ذلك قراءة سبعين، وما زاد أغلظ كراهية، ومس المصحف والنوم حتى يغتسل أو يتوضأ* والخضاب.
وأمّا الغسل فواجباته خمس النية ، واستدامة حكمها إلى آخر الغسل وغسل البشرة بما يُسمّى غسلاً،*وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به،
...
خارج المسجد حرم لإطلاق النصّ (1).
قوله: «وتخفّ الكراهية بالمضمضة والاستنشاق »
مقتضاه عدم زوال الكراهية معهما، والمشهور زوالها والأفضل غسل اليدين معهما. وأكمل من الجميع الوضوء معهما؛ للنصّ (2)، ولعلّ إطلاق الخفّة بسبب ذلك بناءً على كراهة ترك المستحب.
قوله: «وقراءة ما زاد على سبع آيات».
لا يشترط التوالي، بل المكروه وقوع ما زاد عن السبع في جميع أوقات جنابته، ويصدق العدد بواحدةٍ مكرّرة كذلك.
قوله: «والخضاب».
بحناء وغيره للنص(3) .
قوله:« وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به».
في العبارة تجوّز ؛ لأنّ المقصود تخليل ما لا يصل الماء إلى البشرة إلا به لا إلى الشيء المخلّل. ويمكن عود ضمير «إليه» إلى البدن المدلول عليه بالبشرة. وكيف كان فالالتباس حاصل.
ص: 53
* والترتيب، يبدأ بالرأس، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ الأيسر،* ويسقط الترتيب بارتماسة واحدة.
وسنن الغسل: تقديم النية عند غسل اليدين، وتتضيّق عند غسل الرأس، وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء استظهاراً * والبول أمام الغسل، والاستبراء. وكيفيته : أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثاً وينتره ثلاثاً،
.....
قوله: «والترتيب، يبدأ بالرأس».
المراد به هنا ما يعمّ الوجه والرقبة وما فوقها وإطلاقه على الجميع بالاشتراك اللفظي أو تبعاً على طريق المجاز.
والواجب الترتيب بين الأعضاء الثلاثة، لا فيها، فيجوز غسل أسفل العضو قبل أعلاه. ولو كان في الأذن أو غيرها من الأعضاء ثقب وجب إدخال الماء إليه على وجه الغسل، وكذا القول في الوضوء كما لو ثقبت اليد.
ويجب إدخال جزء من جميع حدود العضو حيث لا مفصل محسوس بينه وبين الآخر من باب المقدّمة، وغسل كلّ أليةٍ مع جانبها، ويدخل في ذلك غسل الدبر، وكذا قبل المرأة. أما الذكر فالأولى غسله مع الجانبين.
قوله: «ويسقط الترتيب بارتماسة واحدة».
المراد بالارتماس دخوله تحت الماء دفعة واحدة عرفية بحيث يشمل الماء البشرة في زمان قليل، وفي حكمه الوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين بحيث يحصل به الوصف والنية فيه مقارنة لجزء من البدن ويتبعه الباقي منه بغير مهلةٍ.
قوله: «والبول أمام الغسل».
للرجل المنزل، فلا يستحبّ للمرأة، ولا لمن وجب عليه الغسل بغيبوبة الحشفة من غير إنزال : لأنّ الغرض بالبول هنا تنظيف المحلّ من المني ، ولا يكون ذلك إلا في المنزل.
ص: 54
* وغسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، والمضمضة والاستنشاق، والغسل بصاع.
مسائل ثلاث:
الأولى: * إذا رأى المغتسل بللاً بعد الغسل، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يُعد ،والا كان عليه الإعادة.
الثانية: * إذا غسل بعض أعضائه ثمّ أحدث قيل يعيد الغسل من راس ،وقيل يقتصر على إتمام الغسل، وقيل: يتمه ويتوضأ للصلاة، وهو الأشبه .
..........
قوله: «وغسل اليدين ثلاثاً».
من الزندين كالوضوء، وقيل: من المرفقين(1) ، وهو أولى.
قوله: «إذا رأى المغتسل بللاً بعد الغسل فإن كان بال أو استبرأ لم يُعد إلى آخره. المراد بالبلل المشتبه بحيث لا يعلم كونه بولاً أو منيّاً أو غيرهما، وإنّما أطلقه لأنّ ما لا اشتباه فيه له اسم خاص، كالبول وغيره.
والمراد بالاستبراء هنا الموجب لعدم الإعادة ما وقع مع عدم إمكان البول؛ إذ لا حكم له مع إمكانه، ومعنى عدم الإعادة مع البول خاصةً عدم إعادة الغسل - وهو محلّ البحث - لكن يجب عليه الوضوء إن لم يكن استبرأ بعده، فالصُوَر حينئذٍ خمس ثلاث منها لا يعيد فيها الغسل، وهي البول والاستبراء، أو البول لا غير، لكن يجب عليه الوضوء، أو الاستبراء مع عدم إمكانه واثنتان يعيد فيهما الغسل، وهما: عدم البول والاستبراء، أو الاستبراء مع إمكان البول. والحاصل أنّ البول مزيل لأثر المنى، وكذا الاستبراء مع تعذره، والاستبراء مزيل لأثر البول، وعليه تترتب الأحكام الخمسة.
قوله: «إذا غسل بعض أعضائه ثمّ أحدث» إلى آخره.
ما اختاره المصنّف(2)هو الأقوى. والخلاف المذكور في غسل الجنابة، أما غيره فيكفي
ص: 55
الثالثة: لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان، ويكره أن يستعين فيه.
وهو يشتمل على بيانه، وما يتعلّق به.
أما الأول: فالحيض هو *الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدة، ولقليله حد، وفي الأغلب يكون أسوداً غليظاً حارّاً * يخرج بحرقة.
.........
إتمامه والوضوء معه بغير إشكال(1).
قوله: «الدم الذي له تعلّق بانقضاء العدّة» إلى آخره.
الدم في التعريف بمنزلة الجنس يشمل الدماء الثلاثة وغيرها، وبوصفه بتعلقه بانقضاء العدة يخرج سائر الدماء حتى الاستحاضة، ويبقى دم النفاس، فإنّ له تعلقاً بانقضائها في الحامل من زنى، فإنّ النفاس يحتسب بحيضة. وقوله: «ولقليله حد» تتمة التعريف، وبه يخرج النفاس.
واعلم أن الوصف بالصلة وما بعدها خاصة مركبة من القيدين لا فصل، لأنها ليست ذاتيات له، وإنما هي أحكام عارضة له بعد تحققه وامتيازه، وجعلها مميزة هنا لزيادة الإيضاح من الفقيه للمتفقه، فالتعريف حينئذ بالرسم.
قوله: «يخرج بحرقة».
ص: 56
*وقد يشتبه بدم العذرة، فيعتبر بالقطنة، فإن خرجت مطوّقةً فهو لعذرة.
* وكلّ ما تراه الصبية قبل بلوغها تسعاً فليس بحيض.
.....
هي بضم الحاء اسم للاحتراق بالنار ، والمراد هنا اللذع (1)الحاصل للمخرج بسبب دفعه وحرارته.
قوله :«وقد يشتبه بدم العُذرة».
بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة، وهي البكارة(2) بفتح الباء.
وطريق معرفة التطوّق وعدمه أن تضع قطنةً بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثم تصبر هنيئةً ثم تخرج القطنة إخراجاً رفيقاً.
وفي حديث خلف بن حماد عن أبي الحسن الثاني(عليه السلام) في حديث طويل: «إنّ هذا الحكم سر من أسرار الله فلا تذيعوه، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال».(3)
قوله: «وكلّ ما تراه الصبية قبل بلوغها تسعاً فليس بحيض».
المراد ببلوغ التسع إكمالها، وقد وقع مصرحاً في حديث عن الصادق(عليه السلام) حين سئل عن حدها، فقال: «إذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها»(4).
والمعتبر في السنين القمرية؛ لأنّها المتعارف شرعاً.
وفي المسألة إشكال، وهو أنّ المصنّف(5) وغيره(6)ذكروا أنّ الحيض للمرأة دليل على بلوغها وإن لم يجامعه السنّ، فكيف يجتمع ذلك مع حكمهم هنا بأنّ الدم الذي قبل التسع ليس بحيض؟! وما الذي يبقى من الدم المحكوم بكونه حيضاً بدون تحقق البلوغ بالسن؟
ص: 57
*وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.
وأقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة، وكذا أقلّ الطهر.
* وهل يشترط التوالى فى الثلاثة أم يكفى كونها في جملة عشرة ؟ الأظهر الأول. وما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضاً،* وتيأس المرأة ببلوغ ستين، وقيل: في غير القرشيّة والنبطية ببلوغ خمسين سنة.
.....
ويمكن حله بحمل ما هنا على مَنْ علم سنّها ، فإنّه لا يُحكم بكون الدم السابق على إكمال التسع بالحيض، وحمل ما سيأتي على مَنْ جهل سنّها مع خروج الدم الجامع لأوصاف الحيض(1)، فإنّه يُحكم بسبق البلوغ بناء على الغالب من تأخره عن التسع بز من كثير.
قوله: «وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن».
هذا هو المشهور، والرواية به مضطربة مرسلة (2)، وعلى القول بها فهي مفروضة في المشتبه بالقرحة لا مطلقاً.
قوله: «وهل يشترط التوالي في الثلاثة» إلى آخره.
المشهور اشتراط التوالي فيها، والمراد به أن ترى الدم في كلّ يوم منها. وقيل: لا بدّ مع ذلك من استمراره بحيث ترى الدم كلّما وضعت الكرسف وصبرت هنيئة(3)، وهو أحوط.
قوله: «وتيأس المرأة ببلوغ ستين، وقيل: في غير القرشية والنبطية ببلوغ خمسين». هذا هو المشهور، ومستنده بالنسبة إلى القرشيّة وعدمها صحيحة ابن أبي عمير عن الصادق(عليه السلام): «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش»(4).
ص: 58
وكلّ دم رأته المرأة دون الثلاثة فليس بحيض، مبتدئة كانت أو ذات عادة، وما تراه من الثلاثة إلى العشرة * ممّا يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض تجانس أو اختلف.
..........
وأمّا النبطية فألحقها بها المفيد (رحمه الله ) (1)وتبعه جماعة (2)، ولم يوجد بها خبر مسند، ومن ثُمَّ ذهب المصنف في المعتبر إلى التفصيل في القرشية وغيرها لا غير(3) .
والمراد بالقرشيّة من انتسبت بأبيها إلى القبيلة المتولّدة من النضر بن كنانة أحد أجداد النبي ، وبعض هذه القبيلة بنو هاشم، وأما غيرهم فإن علم انتسابه إليها فظاهر، وإلا فالأصل يقتضي عدم الإلحاق.
والنبطية المنسوبة إلى النبط، وهُمْ - على ما ذكره في الصحاح وغيره - قوم يسكنون البطائح بين العراقين، قال: وفي كلام أيوب بن القرّيَّة أهل عمان عرب استنبطوا وأهل بحرين نبط استعربوا (4).
قوله: «ممّا (5)يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض».
المراد بالإمكان هنا معناه العام، وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم، فيدخل فيه ما تحقق كونه حيضاً لاجتماع شرائطه وارتفاع موانعه كرؤية ما زاد على الثلاثة في زمن العادة الزائدة عنها بصفة دم الحيض وانقطاعه عليها - وما احتمله كرؤيته بعد انقطاعه على العادة ومضى أقل الطهر متقدماً على العادة، فإنّه يُحكم بكونه حيضاً لإمكانه.
ويتحقق عدم الإمكان بقصور السنّ عن تسع، وزيادته على الخمسين والستين، وبسبق حيض محقق لم يتخلّل بينهما أقلّ الطهر، أو نفاس كذلك، وكونها حاملاً على مذهب المصنف، وغير ذلك.
ص: 59
*وتصير المرأة ذات عادةٍ بأن ترى الدم ،دفعةً، ثمّ ينقطع على أقلّ الطهر فصاعداً، ثمّ تراه ثانياً بمثل تلك العدة، ولا عبرة باختلاف لون الدم.
.......
قوله: وتصير المرأة ذات عادة بأن ترى الدم دفعةً ثمّ ينقطع على أقل الطهر» إلى آخره.
العادة مأخوذة من المعاودة، وهي هنا رؤية الدم مرّةً بعد أخرى يتفق فيهما وقت حصول الدم كأوّل كلّ شهرٍ هلالي مثلاً، وعدده كالسبعة، أو أحدهما خاصة.
فالعادة بحسب ذلك ثلاثة أقسام:
الأوّل: أن يتفق وقتاً وعدداً، كما لو رأت أوّل الشهر سبعة وانقطع إلى أن دخل(1)الثاني فرأت أوّله سبعة، فقد تكرّر هنا وقته وهو أوّل كلّ شهر، وعدده، وهو السبعة، وهذه أقوى الثلاثة ،وأنفعها ، فإذا رأت أوّل الثالث تحيّضت برؤيته، ولو تجاوز العشرة رجعت إلى ما استقر لها من العدد، فجعلته حيضاً والباقي استحاضة.
ولو رأت هذه الدم الثالث في آخر الثاني تحيضت بالعدد أيضاً مع التجاوز، لكنها تكون متقدمة على العادة، وسيأتي حكمها(2).
وقد عُلم من ذلك أنه لا يشترط في تحقق العادة استقرار عدد الطهر.
الثاني: أن يتفق عدداً لا غير، كما لو رأت السبعة الأولى من الشهر ثم رأت سبعة أُخرى في الشهر بعد مضي أقلّ الطهر ، فقد استقرت العادة بالعدد المذكور، لكنها بحسب الوقت كالمضطربة، فإذا رأت الدم الثالث بعد مضي أقلّ الطهر فصاعداً وتجاوز العشرة رجعت إلى السبعة، ويكون حكمها في العبادة إلى مضيّ ثلاثة من أوّله كالمضطربة.
وهذان القسمان داخلان في تعريف المصنّف.
الثالث: أن يتفق وقتاً لا غير، كما لو رأت سبعة من أول الشهر ثمّ ثمانية من أوّل الآخر، وهذه تتحيّض برؤيته بعد ذلك في وقته، لكن هل يُحكم لها بتكرّر أقل العددين أو تكون مضطربة في العدد مطلقاً؟ الظاهر الثاني؛ لعدم صدق الاستواء والاستقامة.
ص: 60
مسائل خمس:
الأولى:*ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعاً،* وفي المبتدئة تردّد، الأظهر أنّها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.
الثانية: لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع ورأت قبل العاشر كان الكلّ حيضاً. ولو تجاوز العشرة رجعت إلى التفصيل الذي نذكره، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثمّ رأته، كان الأوّل حيضاً منفرداً*والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً.
الثالثة: * إذا انقطع لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقيّةً اغتسلت، وإن كانت متلطَّخةً صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضي عشرة ،
......
قوله:« ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعاً».
هذا إنّما يتمّ في القسم الأوّل من أقسام العادة بالنسبة إلى ما يدخل في تعريف المصنف، وفي القسم الثالث بشرط أن تراه فيهما في أيام العادة، كما لا يخفى، أما القسم الوسط وما تراه متقدماً عنها فهو كرؤية المبتدئة والمضطربة، ولو رأته متأخراً، احتمل كونه كذلك استظهاراً وللاختلاف، وإلحاقه برؤيته في العادة؛ لأنّ تأخره يزيده انبعاثاً.
قوله: «وفي المبتدئة تردّد».
لا ريب أن الاحتياط للعبادة أولى، لكن لو ظنّت الحيض جاز لها ترك العبادة قبل مضيها، وكذا ما تقدم من أقسام المعتادة التي يقع فيها التردّد.
قوله: «والثاني يمكن أن يكون حيضاً».
فيحكم بكونه حيضاً؛ لما تقدّم من أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض(1).
قوله: «لو انقطع لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة فإن خرجت نقيّةً اغتسلت».
الاستبراء طلب براءة الرحم من الدم. وكيفيته على ما ورد في بعض الأخبار عن
ص: 61
* وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين من عادتها، فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم * وإن تجاوز كان ما أتت به مجزئاً.
الرابعة :إذا طهرت، جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية.
الخامسة * إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة وجب عليها القضاء، وإن كان قبل ذلك لم يجب، وإن طهرت قبل آخر الوقت
.....
الصادق (عليه السلام)حين سئل كيف تعرف الطامت طهرها؟ قال: «تعتمد برجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى، فإن كان مثل رأس الذباب خرج على الكرسف»(1).
والاستبراء واجب عليها كما صرّح به في غير هذا الكتاب(2)، وفي التعبير ب_
«عليها» هنا إشارة إليه.
قوله: «وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين».
ولها الصبر إلى تمام العشرة مع استمرار الدم، وهذا الصبر على طريق الاستحباب، فلو اغتسلت آخر العادة صح.
ويُفهم من تخصيص الحكم بذات العادة عدم استظهار المبتدئة والمضطربة بالصبركذلك، وهو أحوط.
قوله: «وإن تجاوز كان ما أتت به مجزئاً».
لظهور كونها طاهراً في وقته، وكذا في أيام الاستظهار بالصبر، فتقضي صومه وصلاته، أما الصوم فظاهر؛ لوجوب قضائه على التقديرين، وأما الصلاة فلتبيّن كونها طاهراً.
وقيل: لا تقضيها لأمرها بالترك، فلا يستتبع القضاء(3) ، وهو ضعيف.
قوله : «إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة».
المعتبر في وجوب الصلاة في أوّل الوقت مضيّ مقدار الصلاة تامة الأفعال ومقدار ما يفعل
ص: 62
بمقدار الطهارة وأداء ركعةٍ وجب عليها الأداء، ومع الإخلال القضاء.
وأما ما يتعلق به فأشياء:
الأوّل: يحرم عليها كلّ ما يشترط فيه الطهارة، كالصلاة والطواف ومش كتابة القرآن، ويكره حمل المصحف ولمس هامشه ولو تطهرت لم يرتفع حدثها.
الثاني: * لا يصح منها الصوم.
الثالث: * لا يجوز لها الجلوس في المسجد، ويكره الجواز فيه.
.............
فيه الشرائط المفقودة طاهرة، فإن كانت متطهرةً قبل الوقت واتصلت بعده لم يعتبر مضيّ مقدارها.
ولو كانت لابسةً ثوباً نجساً أو غيره مما لا تصح فيه الصلاة فلا بد من مضي مقدار ما يتمكن فيه من لبس ما تصح فيه الصلاة.
وكذا القول في آخر الوقت إلا أنه يكفي بعد ذلك إدراك ركعة من الصلاة؛ لعموم «مَنْ أدرك من الوقت ركعةً فقد أدرك الصلاة »(1).
قوله: «لا يصح منها الصوم».
إنما غير أُسلوب العبارة وحكم في الصلاة بالتحريم وفي الصوم بعدم الصحة للتنبيه على اختلاف هذه الغايات بالنسبة إلى الحائض، فإنّ غاية تحريم الصلاة الطهارة، وكذا ما أشبهها من الطواف ومسّ كتابة القرآن ودخول المساجد وقراءة العزائم، وغاية تحريم الطلاق انقطاع الدم وإن لم تغتسل.
واختلف في غاية تحريم الصوم، فقيل: غايته الأولى، وقيل: الثانية(2) ، فلذا غاير بينهما.
قوله: «لا يجوز لها الجلوس في المسجد، ويكره الجواز فيه».
المراد به غير المسجدين، وقد تقدّم أنّ المراد اللبث(3)وإن كانت واقفة أو ماشية، وكراهة الجواز مشروطة بأمن التلويث.
ص: 63
الرابع: لا يجوز لها قراءة شيءٍ من العزائم . ويكره لها ما عدا ذلك، وتسجد لو تلت السجدة * وكذا إن استمعت على الأظهر.
الخامس* يحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر، ويجوز له الاستمتاع بما عدا القُبُل ، فإن وطِئَ عامداً عالماً*وجبت عليه الكفّارة ، وقيل : لا تجب ، والأوّل أحوط.
......
قوله: «ويكره لها ما عدا ذلك».
مقتضاه كراهة السبع المستثناة للجنب، وهو حسن؛ لانتفاء النص المقتضي للتخصيص.
قوله: « وكذا إن استمعت على الأظهر».
المراد بالاستماع الإصغاء إلى القارئ، وهو جائز لها وإن أوجب السجود، وكذا تسجد لو سمعت من غير إصغاء؛ لعموم النصّ(1) .
قوله: «ويحرم [على زوجها] (2)وطؤها».
تحريم وطء الحائض قبلاً ثابت بإجماع المسلمين فمستحلّه كافر، فإن كان قد ولد على الفطرة فهو مرتد عنها، وإن كان إسلامه عن كفرٍ فارتداده عن ملةٍ، كل ذلك إذا لم يدع شبهة محتملة في حقه، كقرب عهده من الإسلام ونشوئه في بادية بعيدة عن العلم بالشرائع، ولو كان غير مستحلّ عُزّر بما يراه الحاكم مع علمه بالتحريم والحيض، ويُقبل منها لو أخبرت به.
قوله: «وجبت عليه الكفّارة».
ولا يجب على المرأة وإن غرّت بل تُعزّر كالرجل.
ص: 64
والكفّارة * في أوّله دينار، وفي وسطه ،نصف وفي آخره ربع.
*ولو تكرّر منه الوطء في وقتٍ لا تختلف فيه الكفّارة لم تتكرر، وقيل: بل تتكرّر، والأوّل أقوى، وإن اختلف تكرّرت.
السادس: لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولاً بها وزوجها حاضر معها.
.......
قوله: «في أوّله دينار» إلى آخره.
المراد بالدينار هنا المثقال من الذهب الخالص المضروب، وقد كانت قيمته في صدر الإسلام عشرة دراهم ولا اعتبار بقيمته الآن، بل يجب ذلك بالغاً ما بلغ.
وقيل: يجزئ الاقتصار على ما قيمته ذلك(1). وعلى كلّ حالٍ فلا تجزئ القيمة، ولا التبر وهو غير المضروب منه.
والمراد بأوّل الحيض ووسطه وآخره أجزاء مدته الثلاثة، ويختلف ذلك باختلاف العادة، فالثاني وسط لذات الثلاثة وأوّل لذات الستة، وهكذا.
قوله: «ولو تكرّر منه الوطء في وقتٍ لا تختلف فيه الكفارة لم تتكرر ، وقيل : بل تتكرّر».
بل الأصح تكرّرها بتكرّر الوطء مطلقاً؛ لأصالة عدم تداخل المسببات عند اختلاف الأسباب.
ويصدق تكرّر الوطء بالإدخال بعد النزع وإن كان في وقت واحد، ويتحقق الإدخال بما
يوجب الغسل؛ لأنه مناط الوطء شرعاً.
ومثله القول في تكرّر الإفطار في رمضان مطلقاً.
قوله: «وزوجها حاضر معها».
أو في حكم الحاضر، وهو الغائب دون المدة المسوّغة للطلاق، كما أنّ الحاضر الذي لا يمكنه العلم بحالها -كالمحبوس - في حكم الغائب.
ص: 65
السابع: إذا طهرت وجب عليها الغسل، وكيفيته مثل غسل الجنابة، لكن لا بدّ معه من الوضوء قبله أو بعده ، وقضاء الصوم دون الصلاة.
الثامن: * يستحبّ أن تتوضأ في وقت كلّ صلاة، وتجلس في مصلاها بمقدار زمان صلاتها ،ذاكرة لله تعالى، ويكره لها الخضاب .
....
قوله: «وقضاء الصوم دون الصلاة».
المستند النص(1)، وفي بعض الأخبار تصريح بعدم التعليل وأن ذلك مما يدل على بطلان القياس(2) .
وروى الحسن بن راشد عن الصادق (عليه السلام)حين سأله عن الوجه في ذلك، فقال: «إنّ أوّل مَنْ قاس إبليس»(3) ، فلا معنى لتمحل الفرق بعد ذلك.
قوله: «يستحب أن تتوضأ».
وتنوي بهذا الوضوء القربة لا غير، ولو أضافت إليها غاية الكون والذكر صح.
والأخبار خالية من تعيين المكان، وفي بعضها: «جلست في موضع طاهر»(4). ولتكن مستقبلة القبلة في حال الذكر والوجه في ذلك - مع النص(5)- استصحاب التمرين على العبادة، فإن الخير عادة.
ص: 66
وهو يشتمل على أقسامها، وأحكامها.
أما الأول: قدم الاستحاضة *في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور، وقد يتفق بمثل هذا الوصف حيضاً؛ إذ الصفرة والكذرة *في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر.
وكل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام ولم يكن دم قرح ولا جُرح فهو استحاضة، وكذا ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة، أو يزيد عن أكثر أيام النفاس . *أو يكون مع الحمل على الأظهر، أو مع اليأس.
.........
قوله: «في الأغلب».
التقييد بالأغلبية لإدخال ما يوجد بغير هذه الصفة بعد العادة متجاوزاً للعشرة ونحوه في الاستحاضة، ولإخراج ما يوجد بهذه الصفة في أيام العادة وشبهها ممّا يُحكم بكونه حيضاً وإن لم يكن بصفته، كما نبه عليه بقوله « إذ الصفرة والكدرة» إلى آخره.
والمراد بخروجه بفتور خروجه بتثاقل، وهو يقابل خروج دم الحيض بحرقة.
قوله: «في أيام الحيض حيض».
المراد بأيّام الحيض ما يُحكم على الدم الواقع فيها بأنه حيض، سواء كانت أيام العادة أم غيرها، فيدخل المبتدئة، ومَنْ تعقب عادتها دم بعد أقل الطهر، وضابطه ما أمكن كونه حيضاً، وربما فُسّرت بأيام العادة.
قوله: «أو يكون مع الحمل على الأظهر».
الأصح أنّ الحيض يمكن مجامعته للحمل؛ لضعف الرواية(1) الدالة على امتناعه.
ص: 67
وإذا تجاوز الدم عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها، * فهي إما مبتدئة، وإما ذات عادة مستقرة، أو مضطربة.
فالمبتدئة * ترجع إلى اعتبار الدم فما شابه دم الحيض فهو حيض، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة، بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن
............
قوله: «فهي إما مبتدئة».
هي بكسر الدال اسم فاعل، وهي التي ابتدأت الحيض، ويجوز فتحها لتصير اسم مفعول، بمعنى التي ابتدأ بها الحيض، والمراد بها هنا مَنْ لم تستقر لها عادة وإن تكرّر لها الحيض.
والمراد بذات العادة المستقرّة أحد الأقسام المتقدّمة، وبالمضطربة ذات العادة المنسية بأحد الوجوه الآتية. ويظهر من المصنّف في المعتبر أنّ المبتدئة هي التي رأت الدم أوّل مرّةٍ، والمضطربة مَنْ لم تستقرّ لها عادة(1) والمشهور الأوّل.
وتظهر الفائدة في عدم رجوع المضطربة - بالمعنى الذي يفسّر به إلى عادة نسائها ، فمن لم تستقر لها عادة- كذات الدور الثاني - ترجع إلى نسائها على الأوّل ، دون الثاني.
قوله: «ترجع إلى اعتبار الدم».
هذا هو المعنى المسمى بالتمييز، وهو مصدر قولك «ميزت الشيء، أميزه تمييزاً» إذا أفرزته وعزلته والمراد هنا أن يوجد الدم المتجاوز العشرة على نوعين أو أنواع بعضها أقوى من بعض واشتبه بدم الحيض، فتجعله المرأة حيضاً والباقي استحاضة بالشرطين المذكورين في العبارة.
وتعتبر المشابهة بثلاث: اللون، فالأسود أشبه من الأحمر ، والأحمر أشبه من الأشقر. والأشقر أشبه من الأصفر والأصفر أشبه من الأكدر ، والرائحة، فذو الرائحة الكريهة أشبه به ممّا لا رائحة له ، وممّا نقص فيها عنه ، والقوام، فالثخين أشبه به من الرقيق.
ص: 68
ثلاثة ولا يزيد عن عشرة، فإن كان لوناً واحداً * ولم يحصل فيه شريطتا التمييز رجعت *إلى عادة نسائها إن اتفقن*وقيل : أو عادة ذوات أسنانها من بلدها.
.........
ولا يشترط في الإلحاق به اجتماع الثلاث، بل إن اجتمعت في واحدٍ فهو أشبه من ذي الاثنتين، كما أنّ ذا الاثنتين أشبه من ذي الواحدة.
ولو استوى العدد وإن كان مختلفاً فلا تمييز.
قوله: «ولم يحصل فيه شريطتا التمييز».
هما عدم نقصان المشابه عن ثلاثة وعدم زيادته عن عشرة؛ لأن جعله حيضاً يوجب ذلك. ويشترط أيضاً كون الضعيف لا ينقص عن أقلّ الطهر ويضاف إليه أيّام النقاء إن اتفق؛ لأن جعل القوي حيضاً يوجب جعل الضعيف طهراً.
قوله :«إلى عادة نسائها». المراد بهنّ أقاربها من الطرفين أو من أحدهما كالاخت والعمة والخالة وبناتهن، ولا فرق بين الأحياء منهنّ والأموات ولا بين المساويات لها في السن والبلد والمخالفات
للعموم (1).
وتتخير في وضع القدر حيث شاءت من أيام الدم، وإن كان جعله في أولها أولى.
قوله: «وقيل: أو عادة ذوات أسنانها».
المراد به مع فقد الأقارب، أو اختلافهنّ على أحد القولين، والمراد بأسنانها المساويات لها في السنّ عرفاً، وإن اتفق اختلاف يسير لا ينافيه، هذا إذا كُن من أهل بلدها.
وهذا هو المشهور بين الأصحاب ولا نص عليه ظاهراً، ومن ثمَّ أسنده هنا إلى قائله وأنكره في المعتبر مطالباً بالدليل، وفارقاً بينهن وبين الأهل بمشاكلة الأهل لها في الطباع والجنسيّة والأصل، بخلاف الأقران(2)، والعمل على المشهور.
ص: 69
* فإن كُن مختلفات* جعلت حيضها في كلّ شهر سبعة أيام، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر مخيّرةً فيهما، وقيل: عشرة، وقيل: ثلاثة والأوّل أظهر.
وذات العادة تجعل عادتها حيضاً وما سواه استحاضة .* فإن اجتمع لها مع العادة تمييز، قيل: تعمل على العادة ، وقيل : على التمييز ، وقيل : بالتخيير ، والأول أظهر.
وهاهنا مسائل:
الأولى: إذا كانت عادتها مستقرةً عدداً ووقتاً * فرأت ذلك العدد متقدماً على ذلك الوقت أو متأخراً عنه تحيّضت بالعدد وألغت الوقت؛ لأنّ العادة تتقدّم وتتأخّر، سواء رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن.
........
قوله: «فإن كُنّ مختلفات».
الضمير يعود إلى النساء باعتبار مذهبه أو إليهن وإلى الأسنان على القول الآخر. والأجود رجوعها مع الاختلاف إلى الأكثر إن اتفق.
قوله: «تحيضت (1)في كلّ شهر سبعة».
ولها أن تتحيّض بستةٍ كذلك، والتخيير إليها في الروايات(2)، وإن كان الأفضل أخذ ما يوافق مزاجها، فتأخذ ذات المزاج الحار السبعة، والمتوسط العشرة والثلاثة، والبارد الستة. ولها وضع ما أخذت حيث شاءت من أيام الدم وإن كره الزوج كما تقدم، ومتى أخذت رواية استمرت عليها.
قوله: «فإن اجتمع لها مع العادة تمييز» إلى آخره.
المراد اجتماعهما على وجه لا يمكن الجمع بينهما، فلو أمكن- كما لو تخلّل بينهما من الدم الضعيف أقل الطهر فصاعداً - حُكم بالحيض فيهما معاً؛ لإمكانه.
والمشهور أن الترجيح مع التعارض للعادة مطلقاً.
قوله: «فرأت ذلك العدد متقدماً على ذلك الوقت» إلى آخره.
ص: 70
الثانية: لو رأت الدم قبل العادة وفي العادة، فإن لم يتجاوز العشرة فالكل حيض، وإن تجاوز جعلت العادة حيضاً وكان ما تقدّمها استحاضة، وكذا لو رأت في وقت العادة ،وبعدها، ولو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها، فإن لم تتجاوز العشرة فالجميع حيض، وإن زاد على العشرة فالحيض وقت العادة والطرفان استحاضة.
الثالثة: لو كانت عادتها في كلّ شهر مرّةً واحدة عدداً معيناً، فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة كان ذلك حيضاً، ولو جاء في كلّ مرّةٍ أزيد من العادة لكان حيضاً إذا لم يتجاوز العشرة، فإن تجاوز تحيّضت بقدر عادتها وكان الباقي استحاضة.
*والمضطربة العادة ترجع إلى التمييز فتعمل عليه،* ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام على الأظهر، فإن فقدت التمييز فهنا مسائل ثلاث:
.........
لكن الأولى لها في صورة التقدم العبادة إلى أقرب الأمرين: مضيّ ثلاثة أيام، أو وصول العادة، وقد تقدّم الكلام في ذلك(1).
قوله «والمضطربة العادة ترجع إلى التمييز».
تطلق المضطربة على ناسية وقت الحيض وعدده وناسية أحدهما خاصة، ويتحقق رجوعها إلى التمييز في ناسيتهما وناسية الوقت، أما ذاكرة الوقت وناسية العدد فإنّما ترجع إلى التمييز مع عدم معارضته لما يمكن فرضه حيضاً في الوقت الذي علمته، كما لو ذكرت أوّله في وقت معين ووجدت فيه تمييزاً، أما لو وجدت التمييز مخالفاً له على وجه لا يمكن الجمع بينهما، فيشكل الرجوع إلى التمييز عند مَنْ قدّم العادة عليه كالمصنّف؛ لأنّ تحيضها في الوقت المذكور كتحيض ذات العادة فيها.
قوله: «ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام »إلى آخره.
ضمير «هذه» يعود على المضطربة، وهي شاملة لأقسامها الثلاثة، ولا يتم اشتراط
ص: 71
الأولى: لو ذكرت العدد ونسيت الوقت، * قيل: تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة،* وتغتسل للحيض في كلّ وقتٍ يُحتمل انقطاع الدم فيه . *وتقضي صوم عادتها.
..........
صبرها بالعبادة ثلاثة فى الجميع، فإنّ بعض أفراد ذاكرة الوقت - وهو ذاكرة أوله - تترك العبادة برؤية الدم قطعاً، وما ذكره من الصبر في غير هذا الفرد هو الأحوط، ولو ظنّت الحيض جاز لها البناء عليه ابتداء.
قوله: «قيل: تعمل في الزمان كلّه ما تعمله المستحاضة».
هذا قول الشيخ (رحمه الله)(1)، وهو أحوط غير أنّ الأصح جواز اقتصارها على العدد،و تخصيصه بما شاءت من الوقت.
قوله: «وتغتسل للحيض في كلّ وقتٍ يُحتمل انقطاع الدم فيه».
ذاكرة العدد إن حفظت قدر الدور وابتدائه- كما لو قالت: حيضي سبعة في كلّ شهر هلالي - فقدر العدد من أوّله لا يحتمل الانقطاع، بل يحتمل الحيض والطهر، وبعده يحتمل الحيض والطهر والانقطاع فتغتسل هنا قبل كلّ صلاةٍ إلى آخر الشهر إن لم يُتيقن سلامة ،بعضه كالعشرة الأخيرة من الشهر مثلاً، وإن لم تعرف قدر الدور وابتدائه - كما لو قالت: حيضي سبعة لكن لا أعلم في كم أضللتها - فاحتمال الانقطاع قائم في كل وقت، فتغتسل في جميع الأوقات كذلك.
وإطلاق الاغتسال في كل وقتٍ مجاز، فإنّ الواجب الغسل في بعضه، وهو لكلّ صلاة وعبادة مشروطة به، لا مطلقاً.
قوله « وتقضي صوم عادتها».
وهو العدد الذي حفظته إن علمت عدم الكسر، وإلا لزمها الزيادة في القضاء عنه بيوم.
ص: 72
الثانية: ذكرت الوقت ونسيت العدد . *فإن ذكرت أوّل حيضها أكملته ثلاثةً، وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة .* وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة، وتغتسل للحيض في كلّ زمانٍ تفرض فيه الانقطاع . *وتقضي صوم عشرة أيام احتياطاً،
........
قوله: «فإن ذكرت أوّل حيضها أكملته ثلاثة »إلى آخره.
لتيقن كونها حيضاً، ويبقى الزائد عنها إلى تمام العشرة مشكوكاً فيه بين الحيض والطهر، فعلى القول الأول تحتاط فيه بالجمع بين التكاليف الثلاثة، وعلى المختار ترجع إلى الروايات كناسية الوقت والعدد، غير أنّها تخصصها بما يطابق الوقت قبله أو بعده.
واختار المصنف في المعتبر للمضطربة غير ذاكرة العدد الاقتصار على ثلاثة والتعبد باقي الشهر أخذاً بالمتيقن (1).
قوله: «وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة» إلى آخره.
وهو سبعة بعد الثلاثة في الأوّل، وسبعة قبلها في الثاني، فتجمع فيهما بين تكليفي الحائض والمستحاضة، وتغتسل للحيض في الأوّل لكلّ صلاة؛ لاحتمال انقطاعه قبلها بغير فصل، فيجب عليها كل يوم خمسة أغسال، وفي السبعة المتقدمة تقتصر على أغسال المستحاضة؛ لعدم إمكان انقطاع الحيض قبل الوقت.
ولو علمت وسط الحيض وهو ما بين الطرفين، فإن ذكرت يوماً واحداً حفته بيومين حيضاً متيقناً ، وإن ذكرت يومين حفتهما بآخرين، وهكذا.
ولو ذكرت وقتاً في الجملة، فهو الحيض المتيقن فعلى الاحتياط تكمل ما علمته عشرةً تجمع فيها كما تقدم، وعلى المختار تكمله إحدى الروايات - إن قصر عنها - قبله أو بعده أو بالتفريق حسب ما يتصوّر، وإن تساوى أحدها ، أو زاد اقتصرت عليه.
قوله:« وتقضى صوم عشرة أيام احتياطاً».
هذا إذا علمت عدم الكسر ، وإلا قضت أحد عشر لاحتمال التلفيق، فيفسد اليومان.
ص: 73
* ما لم يقصر الوقت الذي عرفته.
الثالثة: * نسيتهما جميعاً، فهذه تتحيّض في كلّ شهر سبعة أيام أو ستة، أو عشرة من شهرٍ وثلاثة من آخر ما دام الاشتباه باقياً.
وأما أحكامها فنقول: دم الاستحاضة * إمّا أن لا يثقب الكرسف، أو يثقبه ولا يسيل، أو يسيل. وفي الأوّل* يلزمها تغيير القطنة وتجديد الوضوء عند كل صلاة،
.........
قوله: «ما لم يقصر الوقت الذي عرفته».
كما لو تيقنت أنّ حيضها يكون في كلّ شهر في التسعة الأولى منه لا غير، فإنّه لا يجب عليها الاحتياط في العاشر أو في الثمانية، فلا احتياط في التاسع، وهكذا؛ لقطعها بعدم الزيادة على ما علمته من الوقت، وإنما الشك في استيعابه بالاحتياط.
قوله «نسيتهما جميعاً، فهذه تتحيّض» إلى آخره .
هذه هي المشهورة بين الفقهاء بالمحيّرة - بفتح الياء وكسرها - والمتحيّرة - بالكسر - وذلك لتحيّرها وتحيّر الفقيه في حكمها.
وما تقدم من القول بالاحتياط(1)آتٍ هنا في جميع الأوقات، ورجوعها إلى الروايات هو المعروف في المذهب، وتعمل فيما زاد عليها من أوقات الدم ما تعمله المستحاضة.
قوله: «إمّا أن لا يثقب الكرسف».
المراد بثقب الدم الكرسف غمسه له ظاهراً وباطناً، فمتى بقي منه شيء من خارج وإن قلّ فالاستحاضة قليلة، وبالسيلان خروجه من القطنة إلى غيرها بنفسه عند عدم المانع.
قوله: «يلزمها تغيير القطنة وتجديد الوضوء ».
وكذا يلزمها غسل ما ظهر من الفرج - وهو ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين - إن أصابه الدم.
ص: 74
* ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد.
وفي الثاني يلزمها مع ذلك تغيير الخرقة،* والغسل لصلاة الغداة.
وفى الثالث يلزمها مع ذلك غُسلان، غسل للظهر والعصر* تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما .* فإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر ،
........
ولا فرق في الصلاة بين النافلة والفريضة.
قوله: «ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد».
رد بذلك على المفيد (رحمه الله) حيث اكتفى بوضوءٍ واحد للظهرين، ووضوء للعشاءين كالغسل (1).
وهو كالتكرار لقوله وتجديد الوضوء عند كل صلاة وكأنّ إعادته لزيادة التنبيه على الوجوب، أو لدفع توهّم أنّ لزوم الوضوء لكل صلاة أعمّ من جواز الصلاة بدون الوضوء، فإنّ مطلق اللزوم لا يقتضي الشرطية، واشتهار إرادة الشرط في الطهارات الواجبة لا يدفع أصل الاحتمال .
قوله: «والغسل الصلاة الغداة».
بعد طلوع الفجر إن لم تكن صائمةً، وإلا قدّمته على الفجر بمقدار فعله يقيناً أو ظنّاً إن كان الغمس سابقاً على ذلك، وكذا تقدّمه مريدة التهجد ليلاً بالصلاة وتجتزئ به للفجر.
قوله: «تجمع بينهما». الأفضل كون الجمع في وقت الفضيلة، بأن تؤخّر الأُولى إلى آخر وقت فضيلتها وتُقدّم الثانية في أوّل وقت فضيلتها، ويجب عليها المبادرة إلى الثانية بحسب الإمكان، فلو أخلّت بها أعادت الغسل.
قوله: «وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر».
بمعنى استباحتها ما يتوقف على الطهارة من الصلاة والصوم والطواف وغيرها، وإنّما
ص: 75
وإن أخلت بذلك لم تصح صلاتها ،* وإن أخلّت بالأغسال لم يصح صومها.
النفاس* دم الولادة، وليس لقليله حد، * فجاز أن يكون لحظة واحدة، ولو ولدت
لم تكن طاهراً بل بحكمه؛ لأنّ حدثها مستمر، فلا تكون طاهراً حقيقة بل بحكم الطاهر في استباحة ما تستبيحه .
قوله: «وإن أخلّت بالأغسال لم يصح صومها».
المراد بها الأغسال النهارية، أو مطلقاً بالنسبة إلى الصوم المستقبل، أما الماضي فلا يتوقف على غسل العشاء ين؛ لسبق الحكم بصحته قبل الحكم بوجوبه.
ويُعلم من ذلك عدم توقف الصوم على الوضوء، وهو ظاهر ؛ إذ لا أثر للحدث الأصغر في الصوم.
وربما تخیّل اشتراطه به بناءً على كون الوضوء والغسل معاً علة تامة في رفع الحدث الأكبر.
قوله «دم الولادة».
المراد بدم الولادة الدم الخارج مع خروج جزء ممّا يُعد آدمياً أو مبدأ نشوء آدمي وإن كان مضغةً مع اليقين، أو بعده إلى تمام عشرة أيام.
قوله: «فجاز أن يكون لحظة».
تقدير القلة باللحظة لا ينافي الحكم بعدم تحديد جانب القلة؛ لعدم انضباط زمانها، والحد المنفيّ في جانب القلة هو المنضبط شرعاً على وجه مخصوص، واللحظة إنما ذكرت مبالغة في القلّة، كقوله(عليه السلام): «تصدقوا ولو بتمرة، ولو بشق تمرة»(1) فإن ذلك ليس لتقدير الصدقة المندوبة؛ إذ لا تقدير لها شرعاً، وإنما هي مبالغة في قبول الكثير والقليل.
ص: 76
ولم تردماً لم يكن لها نفاس* ولو رأت قبل الولادة كان طهراً.
*وأكثر النفاس عشرة أيام على الأظهر.
*ولو كانت حاملاً باثنين وتراخت ولادة أحدهما، كان ابتداء نفاسها من الأوّل وعدد أيامها من وضع الأخير.
ولو لم تردماً * ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاساً،
.........
قوله: «ولو رأت قبل الولادة كان طهراً».
بناء على عدم حيض الحامل، أو على اتصاله بالولادة، أو انفصاله بدون عشرة أيام، أو على عدم جمعه لشرائط الحيض.
وعلى القول بإمكان حيض الحبلى يمكن كون المتقدّم حيضاً مع اجتماع شرائطه وتخلّل أقل الطهر بينه وبين النفاس.
قوله: «وأكثر النفاس عشرة أيام».
مع انقطاعه عليها، ولو تجاوزها رجعت ذات العادة المستقيمة في الحيض إليها، وغيرها إلى العشرة، وحكمها في الاستظهار مع رؤيته بعد العادة كالحائض.
قوله: «ولو كانت حاملاً باثنين - إلى قوله كان ابتداء نفاسها من الأوّل وعدد أيامها من وضع الأخير».
هذا مبني على الغالب من عدم تراخى ولادة أحدهما عن الآخر بأكثر من عشرة أيام، فلو اتفق ذلك كان الزائد طهراً.
والتحقيق أنّ لكلّ واحد نفاساً مستقلاً، فإن وضعت الثاني لدون عشرة أمكن اتصال النفاسين، ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض استحاضة بين النفاسين حكم به، بل يمكن فرض حيض أيضاً وإن بَعد.
قوله: «ثم رأت فى العاشر كان ذلك نفاساً».
أي كان العاشر لا غير نفاساً، وهذا مع انقطاعه على العاشر، أو كانت عادتها في الحيض عشرة أيام، أو مبتدئة أو مضطربة، وإلا فلا نفاس لها .
ص: 77
*ولو رأت عقيب الولادة ثمّ طهرت ثمّ رأت العاشر أو قبله كان الدمان وما بينهما نفاساً.
* ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض، وكذا ما يكره لها * ولا يصح طلاقها، وغسلها كغسل الحائض سواء.
.........
قوله: «ولو رأت عقيب الولادة ثمّ طهرت» إلى آخره.
هذا أيضاً مع انقطاعه على العاشر، أو كانت عادتها عشرة، أو مبتدئة، أو مضطربة، وإلا فنفاسها الأوّل لا غير ، إلا أن يصادف الدم الثاني جزءاً من العادة، فجميع العادة نفاس.
ويجب عليها عند انقطاع الدم الأوّل الاستبراء بالقطنة، ثمّ الاغتسال مع النقاء -كما تقدّم في الحيض (1)- وإن تبيّن بطلان ما فعلت مع عوده على الوجه المذكور.
قوله « ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض» إلى آخره.
عدل المصنّف (رحمه الله) عن قول الأصحاب: «إنّ حكم النفساء حكم الحائض إلى ما ذكر؛ لعدم صحة إطلاق ما ذكروه؛ لمخالفة النفاس للحيض في أُمور كثيرة، كالأقل والأكثر على وجه، وانقضاء العدة بالحيض دون النفاس غالباً، ورجوع الحائض إلى عادتها في الحيض وعدم رجوع النفساء إلى عادتها فيه، ورجوع الحائض إلى أهلها (2)وأقرانها على وجه دون النفساء، وعدم اشتراط أقلّ الطهر بين النفاسين كما في التوأمين، بخلاف الحيض، وغير ذلك، وأما ما ذكره المصنّف من مساواتها لها في المحرّمات والمكروهات فجارٍ على إطلاقه.
قوله: «ولا يصح طلاقها».
على الوجه المتقدم في الحيض(3)لا مطلقاً، فلو كان غائباً أو في حكمه بالشرط المعتبر فيها صح .
ص: 78
وهي خمسة:
ويجب فيه توجيه الميت إلى القبلة، بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة * وهو فرض كفاية، وقيل: هو مستحب
ويستحب * تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة(عليهم السلام) ، وكلمات الفرج ،*ونقله إلى مصلاه ،
قوله: «وهو فرض كفاية».
على جميع المكلّفين، فيجب على مَنْ علم باحتضاره ذلك، ويستوي فيه القرابة وغيره، ومَنْ حضره وغيره ممّن علم بحاله.
ولا فرق في الميت بين الصغير والكبير، وغيرهما من أصناف المسلمين. والأولى بقاء الاستقبال به على الحالة الأولى إلى أن يُنقل للغسل، ويسقط الاستقبال مع اشتباه القبلة.
قوله «تلقينه الشهادتين».
المراد بالتلقين التفهيم، يقال: «غلام لقن» أي سريع الفهم.
وليكرّر له ذلك حتى ينقطع منه الكلام كما ورد في الأخبار(1) ، وليتابع المريض بلسانه وقلبه إن أمكن، وإلا عقد بذلك قلبه.
قوله: «ونقله إلى مصلاه».
وهو الموضع الذي أعده في بيته للصلاة، أو الذي كان يكثر الصلاة فيه أو عليه.
ص: 79
*ويكون عنده مصباح إن مات ليلاً *ومَنْ يقرأ القرآن، وإذا مات غمضت عيناه، وأطبق فوه ، ومُدّت يداه إلى جنبيه ، وغُطّي بثوبٍ ،*و يُعجل تجهيزه إلا أن يكون
........
هذا إن تعسّر عليه الموت واشتدّ به النزع لا مطلقاً، وإن كانت العبارة محتملة.
قوله: «ويكون عنده مصباح إن مات ليلاً».
ذكره الشيخان(1) ، وعلله في التهذيب : بأنه لما قبض الباقر أمر أبو عبدالله (عليه السلام) بالإسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله(عليه السلام) ، وأمر أبو الحسن موسى (عليه السلام)بمثل ذلك في بيت أبي عبدالله(عليه السلام) حتى خرج به إلى العراق(2)، فيدخل في ذلك المدعى وإن كان مغايراً له بوجه، فإنّ الخبر يشمل موته بالليل والنهار، ويقتضي دوام الإسراج والمدعى خلاف ذلك.
قوله: «و[مَنْ يقرأ القرآن»
للتيمن به والاستدفاع عنه، وقد ورد في الخبر: «أنّ الصافات لم تقرأ عند مكروب من موتٍ قط إلا عجل الله راحته»(3) ، وعن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): «اقرأوا عند موتاكم يس»(4).
قال في الذكرى : ويستحب قراءة القرآن بعد خروج روحه، كما يستحبّ قبله استدفاعاً عنه (5)
قوله: «ويُعجل تجهيزه».
فإنّه من كرامة الميت، كما ورد في الخبر(6).
وقد ورد استحباب إيذان إخوان الميت بموته(7)وإن كانوا في قرى حوله، كما فعل
ص: 80
حاله مشتبهة ،* فيستبراً بعلامات الموت ، أو يصبر عليه ثلاثة أيام.
* ويكره أن يطرح على بطنه حديد، وأن يحضره جنب أو حائض.
وهو فرض على الكفاية، وكذا تكفينه ودفنه والصلاة عليه * وأولى الناس به أولاهم بميراثه.
........
الصحابة في إيذان قرى بالمدينة(1) . وينبغي مراعاة الجمع بين السنتين، فيؤذن من المؤمنين والقرى مَنْ لا ينافي حضوره التعجيل عرفاً.
قوله: «فيستبراً بعلامات الموت».
مثل انخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلده، وانخلاع كفّه من ذراعه واسترخاء قدميه، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة.
قوله: «ويكره أن يطرح على بطنه حديد».
ذكره جماعة من الأصحاب (2)، قال في التهذيب : سمعناه مذاكرة(3). وكذا يكره طرح غير الحديد: خلافاً لابن الجنيد(4) .
قوله :«وأولى الناس به أولاهم بميراثه».
لا منافاة بين الأولوية ووجوبه على الكفاية، فإن توقف فعل غير الوليّ على إذنه لا ينافي أصل الوجوب عليه، والمراد بالأولوية المذكورة أنّ الوراث أولى من غيرهم، ويترتبون في الولاية بترتيبهم في الإرث، وأما تفصيل(5)الوراث في أنفسهم فسيأتي(6).
ص: 81
*وإذا كان الأولياء رجالاً ونساءً فالرجال أولى،* والزوج أولى بالمرأة من كلّ أحدٍ في أحكامه كلّها. ويجوز أن يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم، وكذا تغسل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم. * ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب إذا لم تكن مسلمة، وكذا المرأة، ولا يغسل الرجل من ليست له بمحرم * إلا ولها دون ثلاث سنين، وكذا المرأة، ويغسلها مجرّدةً.
وكلّ مظهر للشهادتين - وإن لم يكن معتقداً للحق - يجوز تغسيله ،
......
قوله: «وإذا كان الأولياء رجالاً ونساءً فالرجال أولى».
فيباشرون الميت أو يأذنون إن كان الميت مماثلاً في الذكورة، وإلا ففائدة الأولوية توقف الفعل على إذنهم وإن لم يمكنهم المباشرة. ومهما امتنع الوليّ أو غاب سقط اعتبار إذنه فيستأذن الحاكم إن أمكن، وإلا لم يتوقف على إذن.
قوله: «والزوج أولى بالمرأة من كلّ أحدٍ».
فرق في الزوجة بين الحُرّة والأمة، ولا بين المدخول بها وغيرها، ولا بين الدائمة وغيرها، والمطلقة رجعيّة زوجة بخلاف البائن.
والمشهور أن تغسيل كلّ من الزوجين صاحبه من وراء الثياب .
قوله: «ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب».
المراد بالمحرم مَنْ يحرم نكاحه مؤيداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فأُخت الزوجة وبنت غير المدخول بها ليستا من المحارم.
قوله: «إلا ولها دون ثلاث سنين».
......
1 . في حاشية «و»: «فرعان: الأول: حكم أم الولد حكم الزوجة. قال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لأنها عتقت بموته. لنا أنّ بعض؟ على الملك باقية، وهو وجوب التكفين والمؤونة والعدة، ويؤيد ذلك ما رواه إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ علي بن الحسين(عليهم السلام) أوصى أن يغسله أم ولده إذا مات فغسلته ولا يمنع العتق من ذلك؛ لأن جواز الاطلاع في زمان الخياة قد يستصحب بعد الوفاة، كما قال في الزوجة: «تغسل الزوج وإن انقطعت العصمة».
الفرع الثاني: إذا لم يكن المملوكة أم ولد فالأقرب أنّها لا يغسله؛ لأن ملكيته انتقل عنه إلى غيره فيحرم عليها النظر إليه (منه رحمه الله)».
ص: 82
*عدا الخوارج والغُلاة.
*والشهيد الذي قتل بين يدي الإمام ومات في المعركة لا يغسل ولا يكفن، ويصلّى عليه. * وكذا مَنْ وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله ثمّ لا يغسل بعد ذلك.
.........
الظاهر أنّ منتهى التحديد الموت، ويظهر من بعضهم أنّ غايته التغسيل(1) .
وكما يجوز تغسيلها مجرّدةً لا يجب ستر العورة؛ لانتفاء الشهوة في جانبها غالباً، وكذا العكس بطريق أولى.
وظاهر المعتبر اختصاص الجواز بالصبي لا غير(2) ، فلو قدم هنا حكمه كان أولى.
قوله: «عدا الخوارج والغُلاة».
وكذا النواصب والمجسّمة وكلّ مَنْ أنكر ما عُلم ثبوته من الدين ضرورة وإن كان على ظاهر الإيمان؛ لأنه مرتد ، فهو بحكم الكافر، فلا بد من الاحتراز عنه.
قوله: «والشهيد الذي قتل بين يدي الإمام».
لا يشترط في الشهادة المسقطة للغسل حضور الإمام المعركة كما يقتضيه ظاهر العبارة، بل يكفى أمره به، ويشترط فيه الإسلام أو حكمه.
واحترز بقتله عما لو مات في المعركة حتف أنفه، فإنّه ليس بشهيد في هذه الأحكام، وكذا لو أصيب بالمعركة ثمّ نُقل منها وبه رمق ثمّ مات.
ولو كان الجهاد سائغاً في حال الغيبة أو الحضور مع عدم الأمر منه، أو من نائبه الخاص- كما لو دهم على المسلمين مَنْ يخاف منه على الإسلام فاضطروا إلى جهاده بدون الإمام أو نائبه - فإنّ المقتول حينئذ لا يُعدّ شهيداً بالنسبة إلى الأحكام وإن شارك الشهيد في الفضيلة، وكذا المقتول دون ماله أو أهله.
قوله: «وكذا مَنْ وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا يُغسل بعد ذلك».
الغسل المأمور به هنا هو غسل الأموات وإن كان حيّاً، فيجب مزج الماء بالخليطين.
ص: 83
* وإذا وجد بعض الميت، فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غُسل وكُفّن وصلي عليه ودفن. وإن لم يكن وكان فيه عظم غسّل ولُفّ في خرقةٍ ودُفن،* وكذا السقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعداً.
*وإن لم يكن فيه عظم اقتصر على لفه في خرقةٍ ودفنه * وكذا السقط إذا لم تلجه الروح.
وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء دفن بغير غسل، ولا تقربه الكافرة، وكذا المرأة وروي أنهم يغسلون وجهها ويديها.
........
وكذا يؤمر بالتحنيط والتكفين، وإنما لا يغسل بعد ذلك مع قتله بالسبب الذي اغتسل له، فلو سبق موته قتله، أو قتل بسبب آخر غُسل.
قوله: «وإذا وُجد بعض الميت، فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غُسل وكُفّن».
بالخليطين، ويُكفّن بثلاث لفائف، ويجب تحنيط ما فيه من مواضعه لا غير، وحكم القلب حكمه، وكذا عظام الميت بأجمعها، دون الرأس وأبعاضها؛ لعدم النص.
قوله: «وكذا السقط إذا كان له أربعة أشهر».
أي حكمه حكم ما فيه الصدر، فيجب تغسيله ثلاثاً وتكفينه وتحنيطه ، لكن لا تشرع الصلاة عليه ؛ لأنّ شرطها كون المولود حيّاً ، ففي العبارة التباس في الحكم والعطف.
قوله: «وإن لم يكن فيه عظم لفّ في خرقةٍ »(1) إلى آخره.
لا فرق في القطعة بقسميها بين المبانة من الميت والحي على أشهر القولين.
وقطع المصنف في المعتبر بدفن المبانة من الحي بغير غسل وإن كان فيها عظم(2).
والأوّل أولى.
قوله: «وكذا السقط إذا لم تلجه الروح».
ص: 84
* وتجب إزالة النجاسة عن بدنه أوّلاً ، ثم يغسل* بماء السدر يبدأ برأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر، وأقل ما يلقى فى الماء من السدر ما يقع عليه الاسم :وقيل مقدار سبع ورقات* وبعده بماء الكافور على الصفة المذكورة ، * وبالماء القراح أخيراً ،
.....
المراد به مَنْ قصر سنّه عن أربعة أشهر، كما صرح به الأصحاب.
قوله:« وتجب إزالة النجاسة عن بدنه أوّلاً».
المراد بها النجاسة الخبثيّة العرضية؛ إذ النجاسة المستندة إلى الموت لا تزول بدون الغسل.
قوله: «بماء السدر».
المراد به الماء المطروح فيه شيء من السدر وإن قل بحيث يصدق مسماه، ولا يخرج الماء بمزجه عن الإطلاق، ولا بدّ من تحقق الممازجة، فلا يكفي مطلق الوضع، ولا فرق بين الورق الأخضر واليابس، فيمرس بالماء ما لم يطحن.
قوله: «وبعده بماء الكافور على الصفة».
وهي كون الغسل مرتباً كما ذكر، وكون الموضوع من الكافور ما يصدق عليه الاسم، ولا يخرج الماء بكثرته عن الإطلاق.
قوله: «وبالماء القراح أخيراً».
القراح - بفتح القاف - لغةٌ : هو الماء الذي لا يشوبه شيء (1)، والمراد به هنا الخالي من السدر والكافور لا من كلّ شيءٍ، بل يعتبر فيه مع خلوّه عنهما إطلاق اسم الماء عليه. وقد روي عن الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد يغسل بماء وسدر ثمّ بماء »(2)وكافور ثمّ بماء ، علق الأمر في الغسلة الثالثة على الماء المطلق، وهو صادق مع ممازجة ما لا يخرجه
ص: 85
* كما يغسل من الجنابة.
* وفي وضوء الميت تردّد، والأشبه أنّه لا يجب.
* ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة إلا عند الضرورة.
.........
عن اسمه من التراب وغيره، وإطلاق اسم القراح عليه باعتبار قسيميه حيث يعتبر فيهما المزج دونه.
ووجه اختياره على المطلق: دفع توهم خروج الماء في قسيميه عن الإطلاق بمزجه بالسدر والكافور ؛ بناءً على أنّ قسيم الشيء خارج عنه ومغاير له.
وربما توهّم بعضهم من اسم القراح عدم جواز تغسيل الميت بالماء المشوب بالطين -كماء السيل ونحوه -اعتباراً بمفهومه الأصلي.
وهو مندفع بما قلناه، وبأنه يطهر باقي النجاسات، ويزيل الأحداث التي هي أقوى حدثية وخبثيّة من الميت، فيجزئ فيه بطريق أولى.
قوله: «كما يغتسل من الجنابة».
فيجب في كلّ غسل مراعاة الترتيب بين الأعضاء لا فيها، والنية لكل غسل، ولا تجزئ نية واحدة لها، ويسقط الترتيب بغمسه في الكثير ، وعلى ما بيّناه من وجوب نيات ثلاث يحصل التغاير بين الأغسال الثلاثة، وعلى القول بإجزاء نيّة واحدة لا بد من تمييز الغسلات بوضع الخليط مرتباً ليتحقق العدد والترتيب.
قوله: «وفي وضوء الميت تردّد».
المشهور استحبابه، ومحله قبل الشروع في الغسل الأوّل وبعد مقدّمات الغسل الآتية. ولا مضمضة فيه ولا استنشاق.
قوله: «ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة إلا عند الضرورة. فيجب منها ما أمكن مقدّماً للأوّل فالأول، ويسقط المتأخر، فلو وجد ماء غسلة واحدة
مع وجود الخليط قدّم السدر، فإن وجد لاثنتين فالكافور.
ص: 86
* ولو عُدمَ الكافور والسدر غسل بالماء. وقيل: لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها، وفيه تردّد.
ولو خِيف من تغسيله تناثر ،جلده كالمحترق والمجدور ،* يُيَمَّم بالتراب كما يتمم العاجز.
......
وفي الذكرى قدّم القراح في الواحدة وثنّى بالسدر في الثانية، واحتمل تقديم الكافور(1) . وعلى القولين فيجب أن يُيمم عن الفائت خلافاً للذكرى(2).
قوله: «ولو فقد السدر والكافور(3) غسل بالماء ، وقيل : لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها».
أراد بتغسيله بالماء مرّةً واحدة، كما يستفاد من حكايته التعدد قولاً، والعمل على القول المذكور؛ لأنّ الواجب تغسيله بالماء والخليط، فلا يسقط أحدهما بفوات الآخر. كما لا تسقط إحدى الغسلات بفوات الأخرى، فيغسل ثلاثاً بالقراح، ولا بد من تمييز كلّ غسلةٍ عن غيرها بالنية، فيقصد تغسيله بالقراح في موضع ماء السدر، وكذا في ماء الكافور.
قوله: «ييمَّم بالتراب كما ييمم العاجز».
المراد به العاجز بكل وجه، بحيث لا يقدر على مسح جبهته بيديه وإحداهما بالأخرى ولو بالاستعانة، فإنّه ييم بيد المعين.
وعلى كل حال فالتمييز بينهما حاصل بالنية، فإنّ المتولي لها في الحي الميمم لا المعين، بخلاف الميت.
ويجب أن ييتم عن كل غسلةٍ تيمّماً بنية وضربتين، وليغسل الماسح يده بعد كلّ مسح على بدن الميت إن أمكن.
ص: 87
وسنن الغسل: * أن يوضع على ساجةٍ * مستقبل القبلة، وأن يغسل تحت الظلال، وأن تجعل للماء حفيرة، ويكره إرساله فى الكنيف * ولا بأس بالبالوعة ،*وأن يفتق قميصه وينزع من تحته .* وتستر عورته، وتُليّن أصابعه برفق.
ويغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل* ويغسل فرجه بالسدر والحرض،
.........
قوله: «أن يوضع على ساجةٍ».
هي لوح من خشب مخصوص، والمراد هنا مطلق الخشب، فإنّ الغرض حفظ جسده عن التلطخ والمحافظة على التنظيف. وليكن ذلك على مرتفع لئلا يعود إليه الماء، ومكان الرجلين منحدراً.
قوله: «مستقبل القبلة».
بل يجب الاستقبال كالاحتضار.
قوله: «ولا بأس بالبالوعة».
المراد بها بالوعة الماء، كالمطر ونحوه ، لا بالوعة البول فإنّها كنيف.
قوله: «وأن يفتق قميصه».
المراد به هنا شقه وإخراجه من تحته برفق حذراً من تلطخه بالنجاسة فإنّه مظنتها، وليكن ذلك بإذن الوارث البالغ الرشيد.
قوله:«وتستر عورته».
إنما يستحب ستر العورة مع وثوق الغاسل من نفسه بعدم النظر، أو كونه غير مبصر، أو کونه زوجاً أو زوجةً على القول بجواز غسل أحدهما الآخر مجرّداً، أو كون الميت طفلاً له دون ثلاث سنين، فإنّ الستر في جميع ذلك مستحب استظهاراً، وحذراً من الغلط والسهو، وخروجاً من الخلاف في بعضها، وفي غير ذلك يجب الستر.
قوله :« ويغسل فرجه بالسدر والحرض».
بأن يمزجهما معاً في الماء، ويغسل به فرجيه قبل الغسل بالسدر.
ص: 88
* وتغسل يداه، ويبدأ بشق رأسه الأيمن، ويغسل كلّ عضو منه ثلاث مرات في كلّ غسلة، ويمسح بطنه *في الغسلتين الأوليين، إلا أن يكون الميت امرأة حاملاً، وأن يكون الغاسل منه على الجانب الأيمن* ويغسل الغاسل يديه مع كلّ غسلةٍ ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ.
ويكره أن يجعل الميت بين رجليه، وأن يقعده، وأن يقص أظفاره * وأن يرجل شعره،* وأن يغسل مخالفاً ، فإن اضطرّ غَسَلَه غُسل أهل الخلاف.
..........
والحرض - بضم الحاء المهملة وإسكان الراء أو ضتها - الأشنان بضمّ الهمزة، سُمّي بهلأنه يهلك الوسخ.
قوله: «وتغسل يداه».
أي يدي الميت ثلاثاً إلى نصف الذراع قبل كلّ غسلة.
قوله: «في الغسلتين الأوليين».
وليكن قبلهما، ولا يستحبّ في الثالثة.
قوله: «ويغسل الغاسل يديه مع كلّ غسلة».
إلى المرفقين.
قوله «وأن يرجّل شعره».
أي يسرحه، فإن فعل وانفصل منه شيء وجب وضعه معه عه في في الكفن .
قوله: «وأن يغسل مخالفاً».
مع إمكان تغسيل غيره، وإلا تعين عليه من غير كراهة.
وظاهر أمره بتغسيله غُسل أهل الخلاف تعيّن ذلك، فلا يجوز تغسيله غسل أهل الحق ،وذلك يتمّ مع علم الغاسل بكيفية غسلهم، وإلا جاز تغسيله بغيره.
ولا يخفى أنّ المراد بالمخالف كونه من غير الفرق المحكوم بكفرها، كالنواصب ونحوهم.
ص: 89
ويجب أن يُكفّن في ثلاثة أقطاع: * مئزر وقميص وإزار، ويجزئ عند الضرورة ،قطعة *ولا يجوز التكفين بالحرير.
......
قوله :« مئزر وقميص وإزار».
المئزر - بكسر الميم ثمّ الهمزة الساكنة - ثوب - ساتر لوسط الإنسان.
ويشترط فيه أن يستر ما بين السرة والركبة، ويجوز زيادته إلى القدم بإذن الوارث، أو وصيّة الميّت النافذة ويستحب كونه بحيث يستر ما بين صدره وقدمه. ويشترط في القميص وصوله إلى نصف الساق؛ لأنه المتعارف ويجوز إلى القدم كما تقدم.
والإزار - بكسر الهمزة - ثوب شامل لجميع البدن ويستحب زيادته عن ذلك طولاً بحيث يمكن شده من قبل رأسه ورجليه، وعرضاً بحيث يجعل أحد جانبيه على الآخر.
ويراعى في جنسها التوسط بحسب اللائق بحال الميت، فلا يجب الاقتصار على الأدون وإن ماكس الورثة، حملاً لإطلاق اللفظ على المتعارف.
قوله: «ولا يجوز التكفين بالحرير».
لا فرق في ذلك بين الصغير والكبير، والذكر والأنثى.
والمراد به المحض فيجوز التكفين بما امتزج به بحيث لا يستهلكه الحرير، كما تجوز الصلاة فيه.
ويعتبر فيه أيضاً كونه ممّا يصح فيه الصلاة، فلا يجوز كونه من شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه . ولو كان ذلك ممّا يؤكل لحمه ، فالمشهور الجواز أمّا الجلد فلا يجوز التكفين فيه مطلقاً اختياراً.
ص: 90
ويجب أن يمسح مساجده بما تيسر من الكافور،* إلا أن يكون الميت مُحرِماً فلا يقربه،* وأقل الفضل في مقدار درهم، وأفضل منه أربعة دراهم، وأكمله ثلاثة عشر درهماً وثلثاً، وعند الضرورة يُدفن بغير كافور، ولا يجوز تطييبه * بغير الكافور والذريرة.
.......
قوله: «إلّا أن يكون الميت مُحْرماً فلا يقربه».
لأنه طيب، وكذا لا يوضع في ماء غُسله وكذا يحرم تطييبه بغيره من أنواع الطيب. وقد ورد: أنه يحشر يوم القيامة ملبياً»(1)، ولا يمنع من المخيط، ولا يكشف رأسه ولا ظاهر قدميه وإن اعتبر
ذلك في المُحْرم ، ولو أفسد حجّه فكالصحيح لوجوب الإتمام. ولا يلحق به المعتدة والمعتكف.
قوله: «وأقلّ الفضل في مقدار درهم».
المراد به كافور الحنوط ، والسياق دال عليه. وأمّا كافور الغسل فلا تقدير للفضل فيه.
ومستند أفضلية الثلاثة عشر وثلث ما روي من أن جبرئيل(عليه السلام) نزل على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بأربعين درهماً من كافور الجنّة، فقسمه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بينه وبين علي وفاطمة (عليهم السلام)أثلاثاً(2).
قوله: «بغير الكافور والذريرة».
اختلفت عبارات الأصحاب في الذريرة اختلافاً كثيراً، أضبطه ما ذكره المصنف في المعتبر والعلّامة في التذكرة : أنه الطيب المسحوق(3) .
وقال الشيخ: هي فتات قصب الطيب، وهو قصب يجاء به من الهند كأنّه قصب النشاب(4) ؛ ويعرفبالقُمَّحة بضم القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة، أو بفتح القاف و تخفيف الميم كواحدة القمح. وقيل فيها غير ذلك.
ص: 91
وسنن هذا القسم أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه أو يتوضأ وضوء الصلاة.
وأن يُزاد للرجل * حِبَرة عبريَّة غير مطرّزة بالذهب،* وخرقة لفخذيه يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفاً في عرض شبر تقريباً، فيشد طرفاها على حقويه، ويلفّ بما استرسل منها فخذاه لفاً شديداً بعد أن يجعل بين ألييه شيء من القطن،
.........
قوله: «حبرة عبرية».
هي - بكسر الحاء المهملة وفتح الباء - ثوب يمني والعبرية - بكسر العين - منسوبة إلى بلد باليمن أو جانب وادٍ، وفي بعض الأخبار أفضلية الحمراء (1).
ولو تعذر بعض الأوصاف كفت الحبرة المجرّدة.
وفي حكم التطريز بالذهب تطريزها بالحرير.
قوله: «وخرقة لفخذيه يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفاً في عرض شبر تقريباً».
إنما كان تحديد العرض بالشبر تقريباً؛ لتحديده في بعض الأخبار بشبر(2)، وفي بعضها بشير ونصف(3)، فيُحمل اختلافهما على إرادة التقريب وأنّ الأقل مجزئ والأكثر أكمل. وينبغي أن لا ينقص عن شبر وإن كانت العبارة تدل بإطلاقها على الجواز.
وكيفية شدّها أن يربط أحد طرفيها على وسطه إما بشق رأسها أو بأن يجعل فيه خيط ونحوه لشدّها، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه ويضمّ بها عورته ضمّاً شديداً. ويخرجها من الجانب الآخر ويدخلها تحت الشداد الذي على وسطه، ثمّ يلفّ حقويه وفخذيه بما بقي منها لفاً شديداً، فإذا انتهت أدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهى عنده منها.
ص: 92
وإن خشي خروج شيءٍ فلا بأس أن يحشى في دُبُره، * وعمامة يعمّم بها محنّكاً يُلفُ رأسه بها لفاً، ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره.
* وتزاد المرأة على كفن الرجل * لفافة لثدييها * ونمطاً، ويوضع لها بدلاً من العمامة قناع.
.....
قوله: «وعمامة يعمّم بها محنّكاً».
لا تقدير لها شرعاً، فيعتبر في طولها ما يؤدي هذه الهيئة، وفي عرضها ما يطلق معه عليها اسم العمامة.
قوله:« وتزاد المرأة على كفن الرجل».
مقتضى الزيادة أنّها تكفّن بجميع ما سبق من أكفان الرجل وتزيد عنه بما ذكر، وهو كذلك، غير أنّ العمامة خارجة من البين إما لأنّها لا تدخل في مسمّى الكفن كما ذكره بعض الأصحاب(1) وورد في بعض الأخبار(2)، ومن ثم فرعوا عليه أن سارقها لا يُقطع؛ بناءً على أن القبر حرز للكفن، وهي ليست منه - وإما لخروجها بقوله «ويوضع لها بدلاً عن العمامة قناع» فإنه في قوة الاستثناء مما تقدم، والتقييد لما أطلق منه.
قوله: «لفافة لثدييها».
لا تقدير لهذه اللقافة طولاً ولا عرضاً، بل ما يتأدى به الغرض المطلوب منها.
قوله: «ونَمَطاً».
هو لغةً: ضرب من البسط، والجمع أنماط قاله الجوهري(3). وزاد بعض أهل اللغة: أنّ له خملاً رقيقاً(4). ومحله فوق الجميع، ومع عدمه يجعل بدله لفافة أخرى كما يجعل بدل الحبرة، فيكون للمرأة ثلاث لفائف.
ص: 93
وأن يكون الكفن قطناً، وتنثر على الحبرة واللقافة والقميص ذريرة، وتكون الحبرة فوق اللقافة والقميص باطنها .*ويكتب على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين اسمه وأنّه يشهد الشهادتين، وإن ذكر الأئمة (عليهم السلام)وعددهم إلى آخرهم كان حسناً، ويكون ذلك بتربة الحسين(عليه السلام) ،* فإن لم توجد فبالإصبع، وإن فُقدت الحبرة تجعل بدلها لفافة أخرى.
وأن يخاط الكفن بخيوط منه، ولا يُبلّ بالريق، * ويجعل معه جريدتان من سعف
........
قوله: «ويكتب على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين اسمه».
اختلف كلام الأصحاب في تقدير ما يُكتب عليه من أقطاع الكفن، فاقتصر المصنف (رحمه الله) على الأربع، وزاد بعضهم(1) العمامة ، وآخرون(2)جنس اللقافة، وأضاف الشهيد (رحمه الله) إلى ذلك المئزر(3)، والكل جائز ، بل لو كتب على جميع أقطاعه فلا بأس؛ لثبوت أصل الشرعية، وليس في زيادتها إلّا زيادة الخير إن شاء الله.
قوله: «فإن لم توجد فبالإصبع».
بل يقدّم على الكتابة بالإصبع الكتابة بالماء والطين الأبيض، ولتكن الكتابة مؤثرةً مع الإمكان.
قوله :«ويجعل معه جريدتان».
واحدتهما جريدة، وهي العود الذي يجرّد عنه الخوص، وقبل التجريد يُسمّى سعفاً.
وعلى استحباب الجريدتين إجماعنا وقد ورد به أخبار من طرق العامة(4) ، مع إنكارهم لهما.
ص: 94
النخل، فإن لم يوجد فمن السدر، فإن لم يوجد * فمن الخلاف، وإلا فمن شجر رطب، ويجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده، والأُخرى
......
والأصل في شرعيتهما - مع ذلك - أنّ آدم(عليه السلام) لما هبط من الجنة خلق الله تعالى من فضل طينته النخلة، فكان يأنس بها في حياته وأوصى بنيه بأن يشقوا منها جريداً بنصفين ويضعوه معه في أكفانه، وفعله الأنبياء بعده إلى أن درس في الجاهلية، فأحياه نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم)(1) .
وفي صحاح العامة حديث القبرين المعذبين، وأنه (صلی الله علیه وآله وسلم)أخذ جريدة فشقها بنصفين وغرز في كل قبر واحدةً، وقال: «يخفّف عنهما العذاب ما لم ييبسا» (2).
وقال المرتضى (رحمه الله) :
تعجب العامة منهما كتعجب الملاحدة من الطواف والرمي وتقبيل الحجر إلى غير ذلك من الأحكام المجهولة العلل(3).
قوله :«فمن الخلاف».
هو بكسر الخاء وتخفيف اللام، فإن فقد فمن الرمان، ومع فقده ينتقل إلى الشجر الرطب. والمشهور كون طول كلّ واحدة قدر عظم ذراع الميت ولو زادت إلى ذراع أو نقصت إلى أربع أصابع، فلا بأس.
ومقتضى الخبر شقها، ولو لم تشق فلا بأس.
واستحبّ الأصحاب جعلها في قطن محافظة على الرطوبة.
ولو تعذر وضعها معه على الوجه المعتبر للتقيّة وغيرها، وُضعت حيث يمكن من القبر.
ولا فرق في الميت بين الصغير والكبير إقامة للشعار.
ص: 95
من جانب اليسار بين القميص والإزار،*وأن يسحق الكافور بيده، ويجعل ما يفضل عن مساجده* على صدره، وأن يطوى جانب اللقافة الأيسر على الأيمن، والأيمن على الأيسر.
* ويكره تكفينه بالكتان * وأن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام .* أو يكتب عليها بالسواد، وأن يجعل في سمعه وبصره شيء من الكافور.
........
قوله: «وأن يسحق الكافور بيده».
قيل: صوناً له من الضياع (1)، قال المصنف في المعتبر بعد أن أسنده إلى الشيخين(2): لم أتحقق مستنده(3).
قوله «علی صدره ».
لأنّه من مساجد سجدة الشكر.
قوله:« ويكره تكفينه بالكتان».
هو بفتح الكاف. قال الصادق (عليه السلام): «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، والقطن لأُمة محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)»(4).
قوله: «وأن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام».
احترز بالمبتدأة عمّا لو كُفّن في قميصه، فإنّه لا يُقطع كمه، بل يقطع منه الأزرار خاصة.
قوله: «أو يكتب عليها بالسواد.»
وكذا بغيره من الألوان غير الأبيض.
ص: 96
مسائل ثلاث :
الأولى: إذا خرج من الميت نجاسة بعد تكفينه، فإن لاقت جسده غسلت بالماء، وإن لاقت كفنه فكذلك * إلا أن يكون بعد طرحه في القبر فإنّها تُقرض، ومنهم مَنْ أوجب قرضها مطلقاً، والأوّل أولى.
الثانية:* كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال، لكن لا يلزمه زيادة على
.........
قوله: «إلا أن يكون بعد طرحه في القبر فإنّها تُقرض».
هذا مع عدم تفاحش النجاسة - بحيث يؤدي القرض إلى إفساد الكفن وهتك الميت - ومعه قال في الذكرى:
فالظاهر وجوب الغسل مطلقاً استبقاء للكفن؛ لامتناع إتلافه على هذا الوجه، ومع التعذر يسقط؛ للحرج(1). انتهى.
ومتى قُرضت وأمكن جمع جوانب الكفن بالخياطة وجب، وإلا مد أحد الثوبين على الآخر ليستر المقطوع إن أمكن.
قوله: «كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال».
لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها، ولا بين المطيعة والناشز، ولا بين الحُرّة والأمة، والمطلقة رجعيّةً زوجة بخلاف البائن، والتعليل بوجوب الإنفاق لم يثبت، ويجب عليه أيضاً مؤونة التجهيز من الحنوط وغيره.
هذا كله مع يساره، بأن يملك الكفن زيادةً عن قوت يوم وليلة له ولعياله وما يستثنى في الدين، ولو أعسر عن البعض سقط خاصة، ولو أوصت به سقط عنه مع نفوذ الوصية.
ولو ماتا معاً لم يجب عليه كفنها، بخلاف ما لو مات بعدها.
نعم لو لم يخلّف من المال إلا كفناً واحداً أو قيمته اختص به.
ص: 97
الواجب، ويؤخذ*كفن الرجل من أصل تركته مقدّماً على الديون والوصايا، فإن لم يكن له كفن * دفن عرياناً، ولا يجب على المسلمين بذل الكفن بل يستحب وكذا ما يحتاج إليه الميّت من كافور وسدرٍ وغيره.
الثالثة: إذا سقط من الميت شيء من شعره أو جسمه * وجب أن يُطرح معه في كفنه.
وله مقدمات مسنونة كلّها: أن يمشى المشيّع وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها، * وأن تُربَّع الجنازة، ويبدأ بمقدّمها الأيمن، ثمّ يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر،
.......
ولا يلحق واجب النفقة بالزوجة، ويلحق بها المملوك وإن كان مدبَّراً، أو أُمّ ولد، أو مكاتباً مشروطاً، أو مطلقاً لم يتحرّر منه شيء، ولو تحرّر بعضه فبالنسبة.
ولو كان مال الزوج أو المولى مرهوناً سقط.
قوله: «كفن الرجل من أصل تركته».
المراد به الكفن الواجب، وكذا مؤونة التجهيز من سدر وكافور وغيرهما.
قوله:«دفن عارياً(1)».
ولو كان للمسلمين بيت مال أُخذ منه وجوباً، وكذا باقي المؤن، ويجوز تحصيله من الزكاة أو من الخمس مع استحقاقه لهما.
قوله: «وجب أن يطرح معه في كفنه».
وليكن بعد غسله إن لم يكن غسل معه، ويقبل التطهير كأصله.
قوله: «وأن تربّع الجنازة».
هو حملها من جوانبها الأربعة بأربعة رجال، وأفضله التناوب، فيحمل كل واحد من
ص: 98
ويعلم المؤمنون بموت المؤمن .* وأن يقول المشاهد للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم .
.........
الجوانب الأربع ليشتركوا في الأجر. وقد روي عن الباقر(عليه السلام) : «مَنْ حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له ذنوب أربعين كبيرة» (1).
وأفضل هيئات التربيع ما ذكره المصنف، وهو البدأة بمقدّم السرير الأيمن، ثم يمر عليه من خلفه إلى الآخر حتى يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى، رواه العلاء بن سيابة عن الصادق(عليه السلام)(2). وفي الخلاف يبدأ بالجانب الأيسر من السرير فيحمله بكتفه الأيمن، ثمّ يمرّ عليه إلى الجانب الرابع(3). والمشهور الأول، والكلّ تربيع.
قوله: «وأن يقول المشاهد للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم السواد الشخص ، ومن الناس عامتهم (4). وكلُّ منهما محتمل هنا ، فعلى الأوّل يراد به الجنس والمخترم - بالخاء المعجمة والراء المهملة - الهالك (5). والمعنى: الحمد لله الذي لم يجعلني من الهالكين.
ولا منافاة بين هذا وبين ما روي عنه(صلی الله علیه وآله وسلم)أن: «مَنْ أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومَنْ كره لقاء الله كره الله لقاءه»(6)، من حيث إن الحمد لا يكون إلا على المحبوب المستلزم لحبّ البقاء الموجب لكراهة اللقاء ؛ لأنّ المراد بحبّ اللقاء وكراهته عند حضور الموت ومعاينة المحتضر ما يحبّ، كما روي أنه قيل له (صلی الله علیه وآله وسلم)عقيب قوله ذلك: إنا لنكره الموت، فقال: «ليس ذلك. ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس أحبّ إليه مما
ص: 99
وأن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل إلى القبر ممّا يلي رجليه، والمرأة ممّا يلي القبلة، * وأن ينقله في ثلاث دفعات، وأن يرسله إلى القبر سابقاً برأسه، والمرأة عرضاً، وأن ينزل مَنْ يتناوله حافياً، ويكشف رأسه، ويحلّ أزراره ،
.......
أمامه، فأحب لقاء الله، وأحبّ الله لقاءه»(1) عكس الكافر. وكيف يكون حبّ البقاء مكروهاً إذا كان موجباً لزيادة الثواب وعظيم القرب والزلفى وبقية عمر المؤمن لا ثمن لها، كما ورد عنه(صلی الله علیه وآله وسلم) (2)، مع أن في الحمد على ما هو الواقع رضى بقضاء الله تعالى كيف كان، وتفويض إليه بحسب الإمكان.
قوله: «وأن ينقله في ثلاث دفعات».
ظاهره أنّ النقل ثلاثاً بعد وصوله إلى القبر، فيقتضي أن يكون إنزاله إليه في ثلاث دفعات، و به صرّح في القواعد (3). والذي ذكره جماعة من الأصحاب - منهم المصنف في المعتبر(4)- : أنه يوضع قريباً من القبر، وينقل إليه في دفعتين، وينزل في الثالثة.
وروي عن الصادق (عليه السلام):« يوضع دون القبر هنيئة ثمّ واره»(5).
وروي أيضاً: «ضعه دون القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أُهبته ثمّ ضعه في لحده»(6).
ولم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرّة (7)، وتبعه في المعتبر - بعد ما ذكر ما عليه الأصحاب - اقتصاراً على ما دلّ عليه الخبر (8).
ص: 100
* ويكره أن يتولّى ذلك الأقارب، * إلا في المرأة، ويستحبّ أن يدعو عند إنزاله القبر.
وفي الدفن فروض وسنن:
فالفروض: * أن يُوارى في الأرض مع القدرة،
..........
قوله: «ويكره أن يتولّى ذلك الأقارب».
لا فرق في ذلك بين الولد والوالد وإن كان نزول الولد أخفّ كراهية.
قوله: «إلا في(1) المرأة».
فإنّه لا يكره نزول الرحم معها، بل يستحبّ؛ لأنها عورة.
وروى السكوني عن الصادق ، عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «مضت السنة من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلَّا مَنْ كان يراها في حياتها»(2).
ولا يجب ذلك؛ للأصل، وضعف الخبر بالسكوني.
والزوج أولى بذلك من المحرم، كما في غيره من الأحكام، ولو تعذر الرحم فامرأة صالحة، ثمّ أجنبي صالح، وإن كان شيخاً فهو أولى قاله في التذكرة (3).
قوله «مواراته (4)في الأرض مع القدرة».
فلا يجزئ جعله في تابوت من صخر وغيره وإن كان مغطى، وكذا لا يجزئ البناء عليه على وجه الأرض، وإن حصل الغرض المطلوب من الدفن، وهو حراسة بدنه عن السباع وكتم رائحته عن الظهور. واحترز ب_ «القدرة عمّا لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو تحجرها أو كثرة الثلج ونحو ذلك، فإنه يجزئ دفنه في أحد الأمور السابقة وغيرها بحسب الإمكان، وتجب مراعاة
ص: 101
* وراكب البحر يلقى فيه، إما مثقلاً أو مستوراً في وعاء كالخابية أو شبهها، مع تعذر الوصول إلى البرّ، وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، إلا أن يكون امرأة غير مسلمة حاملاً من مسلم،* فيستدبر بها.
والسنن: أن يحفر القبر قدر القامة، أو إلى الترقوة، * ويجعل له لحد ممّا يلى القبلة ،
...........
تحصيل الغرض من الدفن بجمع الوصفين إن أمكن، وإلا سقط.
قوله: «وراكب البحر يلقى فيه».
المراد بالبحر ما يعم الأنهار العظيمة كالنيل وشبهه، ويشترط في الساتر كونه ثقيلاً بحيث ينزل في عمق الماء لتحصل مناسبة الدفن، فلا يكفي نحو الصندوق من الخشب الذي يبقى على وجه الماء.
ويجب الاستقبال به حين إلقائه على حدّ ما يعتبر في الدفن المعهود.
والمراد بتعذر البرّ ما يشق معه الوصول إليه عادةً قبل فساد الميت.
قوله «فيستدبر بها».
إنما يستدبر بها ليصير الولد مستقبلاً؛ لما قيل: إن وجه الولد إلى ظهر أُمّه (1)، والمقصود بالذات إنّما هو دفنه .
قوله: «ويجعل له لحد ممّا يلي القبلة».
المراد باللحد أن يحفر في حائط القبر الذي يلي القبلة بعد الوصول إلى منتهى القبر مكاناً مستطيلاً بحيث يمكن وضع الميت فيه على الوجه المعتبر، ويستحب توسيعه بقدر ما يمكن الجلوس فيه.
هذا كله في الأرض الصلبة ، أما في الرخوة فالشق أفضل خوفاً من انهدامه ، والمراد بالشق أن يحفر في قعر القبر شقاً يشبه النهر يوضع الميت فيه ويسقف عليه بشيء.
ص: 102
ويحلّ عقد الأكفان من قِبَل رأسه ورجليه *ويجعل معه ورجليه . ويجعل معه شيء من تربة الحسين ، ويلقنه، ويدعو له *ثمّ يشرج اللبن ويخرج من قِبَل رِجلي القبر، * ويهيل الحاضرون التراب بظهور الأكف قائلين : إنا لله وإنا إليه راجعون ، * ويرفع القبر مقدار أربع أصابع، ويربع ويصب عليه الماء من قبل رأسه ثم يدور
......
ولو عمل له شبه الشق من بناء تأدت به الفضيلة، خصوصاً مع رخاوة الأرض عن احتمال التسقيف. واجتزأ المصنّف به في المعتبر مطلقاً (1).
قوله: « ويجعل معه شيء من تربة الحسين» .
تحت خده، أو في وجهه، أو تلقائه، أو في كفنه. ذكر كلَّ واحدٍ منها بعض الأصحاب(2). والكلّ حسن .
قوله: «ثمّ يشرج اللبن».
هو تنضيده وتسويته ولو بالطين بحيث لا يدخل إليه التراب.
قوله « ويهيل الحاضرون التراب بظهور الأكفّ.
وليكن باليدين جميعاً، وأقله ثلاث حثيات ؛ لفعل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ذلك(3). وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : «مَنْ حثا على ميّتٍ وقال: إيماناً بك وتصديقاً بنبيك، هذا ما وعد الله ورسوله، أعطاء الله بكل ذرة حسنةً»(4).
قوله: «ويرفع [القبر] مقدار أربع أصابع».
مفرّجات، ولا بأس برفعه شبراً، ويكره الزائد.
ص: 103
عليه، فإن فضل من الماء شيء ألقاه على وسط القبر، وتوضع اليد على القبر ويترحم على الميت . ويلقنه الولي بعد انصراف الناس بأرفع صوته.
* والتعزية مستحبة، وهي جائزة قبل الدفن ،وبعده، ويكفى أن يراه صاحبها.
* ويكره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة، وأن يهيل ذو الرحم على رحمه * وتجصيص القبور،
........
قوله: «ويلقنه الولي».
أو مَنْ يأمره، وليكن مستقبل القبلة أو الميت، قريباً من الرأس.
قوله :«والتعزية مستحبة».
هي تفعلة من العزاء، وهو الصبر، يقال: عزّيته فتعزّى، أي صبّرته فتصبر. والمراد بها التسلية عن المصاب والتصبير عن الحزن والاكتئاب بتذكير المُعزّى أنّ الأمر مستند إلى عدل الله وحكمته، وما وعد الله على المصاب من أنواع الثواب، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عزى مصاباً فله مثل أجره»(1) .
قوله:« ويكره فرش القبر بالساج».
وكذا بغيره من أنواع الفرش التى لا تُعدّ أموالاً عرفاً، وإلا حرم؛ لأنّه إتلاف مال(2) غير مأذون فيه، ومن الضرورة المبيحة للفرش نداوة الأرض.
قوله :«وتجصيص القبور».
لا فرق بين فعل ذلك ابتداء أو بعد حين من دفنه، كما صرح به المصنف في المعتبر(3).
وذهب الشيخ إلى اختصاص الكراهة بفعل ذلك بعد الاندراس لا في الابتداء ؛؛
ص: 104
*و تجديدها، * ودفن ميتين في قبر واحد * وأن يُنقل الميت من بلد إلى آخر إلا إلى أحد المشاهد، وأن يستند إلى القبر أو يمشى عليه.
..........
لما روي من أمر الكاظم بقبر ابنة له(1)، واختاره بعض الأصحاب؛ لما فيه من حفظ القبر الموجب لتعاهد زيارته(2).
ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل الجواز من غير كراهة على قبور أهل الشرف والفضل الذين تتوجه القلوب إلى زيارتهم، وتتوفّر الدواعي على صلتهم والتبرك بهم، كما دلّ عليه الخبر(3).
قوله: «وتجديدها».
بالجيم، بعد اندراسها، أما رمه (4)من غير اندراس فلا بأس به.
والمراد بالاندراس انمحاء أثره عن وجه الأرض أو إشرافه عليه، لا اندراس عظامه، فإنّ تجديد القبر حينئذٍ في الأرض المسئلة محرَّم؛ لسقوط حقه من المكان، واستلزامه منع الغير من الدفن، وقد نقل الصدوق عن عليّ : «مَنْ جدّد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج من الإسلام»(5)
وروي بالحاء المهملة وهو تسنيمها، وبالخاء المعجمة، وهو الشق(6)، والمراد شق القبر ليدفن فيه آخر.
قوله: «ودفن ميتين في قبر».
إذا دفنا ابتداء، أو كان مُعدّاً لدفن جماعة ابتداء كالأزج(7)، وإلا حرم.
قوله: «وأن يُنقل الميت من بلد إلى آخر إلا إلى أحد المشاهد».
ص: 105
وهي مسائل أربع:
الأولى . لا يجوز نبش القبور، ولا نقل الموتى بعد دفنهم،
..........
وألحق بها في الذكرى مقبرة فيها قوم صالحون أو شهداء ؛ لتناله بركتهم(1) .
وهذا في غير الشهيد، وأما هو فيُدفن حيث قتل.
وإنما يكره النقل قبل الدفن، أما بعده فيحرم إلى غير المشاهد إجماعاً، وإليها على المشهور.
قوله: «لا يجوز نبش القبور».
استثني من ذلك مواضع:
الأوّل: إذا صار الميت رميماً، ويختلف ذلك باختلاف التُرَب والأهوية، ومع الشكّ يرجع فيه إلى أهل الخبرة.
ولا فرق حينئذ بين نبشه لدفن غيره، أو لغيره، ولا بين الأرض المسئلة وغيرها.
نعم، يحرم تصويره بعد ذلك بصورة المقابر في الأرض المسئلة؛ لاستلزامه منع الغير من الانتفاع به في الدفن.
الثاني: إذا دُفن في أرض مغصوبة ولو بكونها مشتركة بغير إذن الشريك، فإنّ للمالك قلعه وإن أدى إلى هتك الميت.
الثالث: لو كُفّن في مغصوب جاز نبشه لأخذ المغصوب، ولا يجب على مالكه أخذ القيمة وإن استحب.
الرابع: لو وقع في القبر ما له قيمة عادةً جاز النبش لأخذه.
الخامس: نبشه للشهادة على عينه للأمور المترتبة على موته من اعتداد زوجته، وقسمة تركته، وحلول دَيْنه المؤجل.
هذا إذا كان النبش محصلاً للعين، فلو علم تغيّر صورته بحيث لا يُعلم حرم.
ص: 106
* ولا شق الثوب على غير الأب والأخ.
الثانية: الشهيد يُدفن بثيابه . ويُنزع عنه الخُفّان والفرو، أصابهما الدم أو لم يصبهما، على الأظهر. ولا فرق بين أن يُقتل بحديد أو بغيره.
الثالثة: حكم الصبي والمجنون إذا قتل شهيداً حكم البالغ العاقل.
الرابعة: • إذا مات ولد الحامل قطع وأُخرج،
.........
وفي جواز نبشه لتدارك الاستقبال به أو الغسل، أو الكفن، أو الصلاة عليه، أو نزع الحرير عنه وبيع الأرض التي دفن فيها وجهان، وعدمه أولى في غير الأخير، والتحريم فيه أقوى.
قوله: «ولا شق الثوب على غير الأب والأخ».
ظاهره عدم الفرق بين المرأة والرجل في ذلك؛ خلافاً للعلّامة في النهاية، فإنّه جوّز لها الشق على جميع الأقارب (1).
قوله: «ويُنزع عنه الخفّان والفرو».
وكذا سائر الجلود؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قتلى أحد(2) ، ولعدم دخولها في مسمّى الثياب.
وذهب بعض الأصحاب إلى دفنها معه مع إصابة الدم لها (3)؛ استناداً إلى رواية(4) ، يمنع ضعفها من العمل بها. ومن الثياب العمامة والقلنسوة والسراويل على المشهور.
قوله: «إذا مات ولد الحامل قُطَع وأخرج».
هذا إذا تعذر إخراجه بدون القطع، وإلا حرم. وتجب مراعاة الأرفق فالأرفق في إخراجه كالعلاج ونحوه.
ويشترط العلم بموت الولد فلو شك وجب الصبر. ويتولى ذلك النساء أو الزوج، ثمّ محارم الرجال، ثمّ الأجانب، ويباح هنا ما يباح للطبيب.
ص: 107
*وإن ماتت هي شق جوفها وانتزع وخيط الموضع.
وأما الأغسال المسنونة
فالمشهور منها* ثمانية وعشرون غسلاً : ستة عشر للوقت، وهي غسل يوم الجمعة، ووقته ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس، وكلما قرب من الزوال كان أفضل، ويجوز تعجيله يوم الخميس* لمن خاف عوز الماء،
.............
قوله: «وإن ماتت هي شُقّ جوفها».
وليكن ذلك من الجانب الأيسر، نسبه في التذكرة إلى علمائنا (1)، والأخبار خالية عنه.
ولا يشترط في ذلك كون الولد بحيث يعيش عادةً. ويتولاه النساء، أو الزوج مرتباً كما سبق.
قوله: «ثمانية وعشرون غسلاً».
أي التي اقتضى الحال ذكرها هنا، وإلا فقد ذكر الشهيد (رحمه الله) في النفلية أنّها خمسون(2) .
قوله: «لمن خاف عوز الماء».
لا يختص استحباب التقديم بخوف عوز الماء يوم الجمعة، بل يسوغ مع خوف فواته مطلقاً، وإنّما خص عوز الماء بالذكر؛ لورود النصّ به في أصل المشروعية، وهو أمر الكاظم امرأتيه بالبادية في طريق بغداد معللاً بقلة الماء يوم الجمعة (3).
ولينو التقديم ليتميز عن الأداء والقضاء.
ص: 108
* وقضاؤه يوم السبت.
وستة في شهر رمضان أوّل ليلةٍ منه وليلة النصف، * وسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين
وليلة الفطر، ويومي العيدين وعرفة وليلة النصف من رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان، ويوم الغدير، ويوم المباهلة.
وسبعة للفعل، وهي غسل الإحرام، وغسل زيارة النبي والأئمة ، وغسل المفرط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر* وغسل التوبة، سواء كان عن فسق أو كفر،
......
قوله وقضاؤه يوم السبت.
مقتضاه أنه لا يقضى بعد زوال الجمعة إلى دخول السبت والأصح شرعية قضائه بفوات وقت الأداء إلى آخر السبت، ولينو فيه الأداء في وقته، والقضاء بعده، ولو ترك ذلك لم يضر.
قوله: «وسبع عشرة» إلى آخره.
روى محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهم السلام): الغسل ليلة سبع عشرة، وهي ليلة التقى الجمعان، وتسع عشرة فيها يكتب وفد السنة، وليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي أُصيب فيها أوصياء الأنبياء، وفيها رفع عیسی بن مریم و قبض موسى(عليهم السلام) ، وثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر» (1).
قوله :«وغسل التوبة، سواء كان عن فسق أو كفر».
التوبة إنما تكون عن ذنب، والذنب قد يوجب الفسق أو الكفر، وقد لا يوجبهما، كالصغيرة التي لا يصرّ عليها، ومقتضى العبارة عدم الاستحباب للتوبة عن ذنب لا يوجب فسقاً، والنصّ (2) يشمله، وإنّما وقعت العبارة هكذا لينبه على خلاف بعض العامة
ص: 109
* وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.
وخمسة للمكان، وهي غسل دخول الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة ،والمدينة، ومسجد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم).
مسائل أربع :
الأولى :* ما يستحب للفعل والمكان يقدم عليهما، وما يستحب للزمان يكون بعد دخوله.
..........
حيث أوجب غسل التوبة عن كفر(1) ، ولو قال «عن كفر أو غيره» حصل المراد.
قوله: «وصلاة الحاجة».
المراد بها الصلاة المخصوصة التي ورد النص باستحباب الغسل قبلها، لا مطلق صلاة الحاجة؛ لورود النص فيها بأنواع منها ما يستحبّ له الغسل(2)، ومنها ما لم يرد فيه.
وكذا القول في صلاة الاستخارة.
قوله: «ما يستحبّ للفعل والمكان يقدم عليهما».
يستثنى من ذلك غسل التوبة لوجوب المبادرة بها، والسعي إلى رؤية المصلوب، فإنّ الرؤية مع السعي سبب الاستحباب، فيتأخر عنهما الغسل .
وأما غسل المفرّط في صلاة الكسوف فإنه متوسط بين جزئي السبب وهما التفريط والقضاء ، فلا يصدق عليه أنه متأخر عن الفعل ، فاستثناؤه أيضاً غير جيد، بل هو بالمقدم أشبه.
ص: 110
الثانية* إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفى نية القربة ما لم ينو السبب.
وقيل: إذا انضم إليها غسل واجب كفاه نيّته والأوّل أولى.
الثالثة والرابعة: قال بعض فقهائنا بوجوب غسل مَنْ سعى إلى مصلوب * ليراه عامداً بعد ثلاثة أيام، وكذلك غسل المولود والأظهر الاستحباب .
.........
قوله: «إذا اجتمعت أغسال مندوبة» إلى آخره.
الأصح تداخلها مطلقاً، وخصوصاً مع انضمام الواجب إليها؛ لرواية زرارة.(1)
قوله: «ليراه عامداً بعد ثلاثة أيام».
ليس مجرد السعي ليراه كافياً في الوجوب أو الاستحباب كما يقتضيه إطلاق العبارة، بل السعي مع الرؤية، والمشهور استحباب الغسل، ولا فرق بين مصلوب الشرع وغيره.
ص: 111
والنظر في أطراف أربعة:
[ الطرف ] الأوّل فيما يصح معه التيمم
وهو ضروب:
، ويجب عنده الطلب، فيضرب * غلوة سهمين في كلّ جهةٍ من الجهات الأربع إن كانت الأرض سهلةً ، وغلوة سهم إن كانت حزنةً ،
.....
قوله: «غلوة سهمين في كلّ جهةٍ من الجهات الأربع» إلى آخره.
الغلوة مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة.
والسهلة - بسكون الهاء وكسرها - الخالية من الأحجار والأشجار والعلو والهبوط وغيرها مما يمنع نفوذ البصر واطلاعه على ظاهر الأرض.
والحزنة - بسكون الزاي المعجمة - خلاف السهلة.
وتجب مراعاة هذا القدر من كل جانب، بحيث يستوعب الأرض التي حوله، وهو المراد من الجهات الأربع.
ولو اختلفت الأرض بالسهولة والحزونة يوزّع الحكم بحسبها. ولو علم عدم الماء في بعض الجهات سقط الطلب فيه، أو مطلقاً فلا طلب.
وتجوز الاستنابة فيه، بل قد تجب ولو بأجرة، ويشترط عدالة النائب إن كانت الاستنابة اختيارية، وإلا فبحسب الإمكان، ويحتسب لهما.
ويجب طلب التراب لو فقده حيث يجب التيمم.
ص: 112
*ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ، وصح تيمّمه وصلاته على الأظهر.
*ولا فرق بين عدم الماء أصلاً ووجود ماء لا يكفيه لطهارته.
، فمن عُدِمَ الثمن فهو كمن عُدِم الماء، وكذا إن وجده* بثمن يضر به في الحال، وإن لم يكن مضراً به في الحال لزمه شراؤه . ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد، وكذا القول في الآلة.
.....
قوله: «ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ، وصح تيمّمه وصلاته». المراد ضيق الوقت عن تحصيل الماء والطهارة به والصلاة ولو ركعةً، فلو أمكنه تحصيل الماء وإدراك ذلك، لم تصح صلاته.
وهذا إذا لم يجد الماء بعد ذلك في محلّ وجوب الطلب كالغلوات أو مع أصحابه الباذلين، أو في رحله، وإلا وجب القضاء؛ للرواية، وإن كان عدم القضاء لولاها متوجهاً مع عدم إمكان تحصيل الماء حين التيمم.
قوله: «ولا فرق بين عدم الماء أصلاً ووجود ماءٍ يكفيه لطهارته».
رد بذلك على بعض العامة حيث حَكَمَ بتبعيض الطهارة المائية والتيمم في الأعضاء المتخلفة (1).
قوله: «بثمن يَضرُّ به في الحال».
يمكن أن يريد بالحال ما يقابل المآل فلا يجوز ترك الشراء خوفاً من الضرر المتوقع؛ لعدم العلم بالبقاء إلى وقته ولإمكان حصول مال فيه على تقدير البقاء، ولانتفاء الضرر حينئذ.
والأولى أن يريد به حال المكلّف، فيكون اللام عوضاً عن المضاف إليه ليعم الاستقبال بحيث لا يرجو حصول مال فيه عادة.
قوله: «ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد».
مقتضاه عدم الفرق الفرق بين المجحف وغيره، فيجب الشراء بما أمكن، وهو كذلك؛ لوجوب
ص: 113
ولا فرق في جواز التيمم بين* أن يخاف لصاً أو سبعاً،* أو يخاف ضياع ،مال، وكذا لو خشي المرض الشديد * أو الشين باستعماله الماء جاز له التيمم، وكذا لو كان معه ماء للشرب ،
.........
تحصیل شرط الواجب المطلق من غير تقييد، ولأمر الرضا بشراء ماء الوضوء بألف درهم (1).
قوله: «أن يخاف لصاً أو سبعاً».
وكذا لو خاف من وقوع الفاحشة، سواء في ذلك الذكر والأنثى، وكذا الخوف على العرض وإن لم يخف على البضع.
ولو تجرّد الخوف عن سبب موجب له بل مجرد الجبن فكذلك؛ للاشتراك في الضرر، بل ربما أدى الجبن إلى ذهاب العقل الذي هو أقوى من كثير مما يسوغ التيمم لأجله، أما الوهم الذي لا ينشأ عنه ضرر فلا.
قوله: «وكذا لو خاف ضياع المال(2) ».
بسبب السعي وإن لم يكن من اللصّ أو السبع، ويمكن أن يريد بالخوف من اللص والسبع في الأوّل على النفس وفي الثاني على المال، وكلاهما مسوّغ للتيمم. ولا فرق بين كثير المال وقليله.
والفارق بينه وبين الأمر ببذل المال الكثير لشراء الماء النص (3). لا كون الحاصل في مقابلة المال في الأول هو الثواب لبذله في عبادة اختياراً، وفي الثاني العوض، وهو منقطع؛ لأن تارك المال للصّ وغيره طلباً للماء داخل في موجب الثواب أيضاً.
قوله: «أو «الشَيْن».
هو ما يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة الناشئة من استعمال الماء في البرد
ص: 114
*وخاف العطش إن استعمله.
وهو كلّ ما يقع عليه اسم الأرض، ولا يجوز التيمم بالمعادن،* ولا بالرماد، ولا بالنبات المنسحق كالأشنان والدقيق. ويجوز التيمم * بأرض النورة والجص * وتراب القبر * وبالتراب المستعمل في التيمم.
..........
الشديد، وربما بلغت تشقق الجلد وخروج الدم. وينبغي تقييده بكونه فاحشاً ؛ لقلة ضرر ما سواه، وتحمّله عادة.
والمرجع فيه وفي باقي المرض إلى ما يجده من نفسه، أو إلى إخبار عارف ثقةٍ، أو مَنْ يظنّ صدقه وإن كان فاسقاً أو كافراً لا يتهمه على دينه ولا يشترط التعدد.
قوله: «وخاف العطش إن استعمله».
في الحال أو في زمان لا يحصل فيه الماء عادةً، والمراد عطشه أو عطش غيره من النفوس المحترمة التي لا يهدر ،إتلافها إنسانيةً كانت أم حيوانية، له أم لغيره وإن كان معداً للذبح إذا لم يرد ذبحه في الحال.
قوله: «ولا بالرماد».
سواء كان رماد الشجر أم التراب.
قوله: «بأرض النورة والجص».
قبل الإحراق، لا بعده؛ لالتحاقهما حينئذ بالمعدن .
قوله :« وتراب القبر».
وهو الملاصق للميت؛ لأصالة عدم مخالطته شيئاً من النجاسة. نعم، لو علم ذلك كما لو كان الميت نجساً لم يجز. ولا يضر اختلاطه بالعظم واللحم الطاهرين بالغسل مع استهلاكهما.
قوله :« وبالتراب المستعمل».
المراد به التراب الممسوح به، أو المتساقط عن محلّ الضرب بنفسه، أو بالنفض
ص: 115
ولا يصح التيمم بالتراب المغصوب ولا بالنجس، ولا بالوحل مع وجود التراب.
وإذا مزج التراب بشيءٍ من المعادن* فإن استهلكه التراب جاز، وإلا لم يجز.* ويكره بالسبخة والرمل.
ويستحبّ أن يكون من * رُبى الأرض وعواليها، ومع فقد التراب يتيمم* بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته *ومع فقد ذلك يتيمّم بالوَحَل.
.......
لا المضروب عليه إجماعاً، فإنه كالماء المغترف منه.
قوله: «فإن استهلكه التراب».
حد الاستهلاك أن لا يتميّز الخليط، ويصدق على الممتزج اسم التراب الصرف.
قوله ؛«ويكره بالسبخة».
بسكون الباء وكسرها: الأرض المالحة النشاشة بشرط أن لا يعلوها الملح، وإلا لم يجز حتى يزيله. وربما فُسّرت بالأرض التي لا تنبت، وليس بجيد.
قوله: «رُبَى الأرض».
بضم الراء، جمع ربوة، وهو ما علا من الأرض، وعطف العوالي عليها تفسير وتأكيد. قوله: «بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته».
التمثيل بالثلاثة لكونها مظنّةً للغبار لا لبيان الانحصار، فلو كان معه بساط ونحوه ممّا يجمع الغبار تيمم به.
ويجب تحرّي أكثرها غباراً مع الاجتماع واستخراج الغبار بحيث يعلو وجهها، إلا أن يتلاشى بالضرب فيقتصر على الضرب عليه. ولو فرض عدم الغبار على المذكورات أصلاً لم يجز التيمّم عليها.
ويشترط كون الغبار من جنس ما يصح التيمم به كغبار التراب.
قوله: «ومع فقد ذلك يتيمّم بالوَحَل».
إذا لم يمكن تجفيفه ثمّ الضرب عليه، وإلا قدم على غبار المذكورات، ويشترط كون أصل الوحل ممّا يصح التيمم عليه.
ص: 116
الطرف الثالث في كيفية التيمم
ولا يصح التيمم قبل دخول الوقت، ويصح مع تضيقه، وهل يصح مع سعته ؟ فيه تردّد، * الأحوط المنع.
والواجب في التيمم : النية، واستدامة حكمها، والترتيب، يضع يديه على الأرض*ثمّ يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه، ثمّ يمسح* ظاهر الكفّين، وقيل باستيعاب مسح الوجه والذراعين والأول أظهر.
وتجزئه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفّيه، ولا بد فيما هو بدل من الغسل من ضربتين . وقيل : في الكلّ ضربتان ، وقيل : ضربة واحدة ، والتفصيل أظهر.
..........
قوله: «الأحوط المنع».
المشهور المنع مطلقاً، بل ادّعى عليه الشيخ والمرتضى الإجماع(1) .
والمعتبر في الضيق الظنّ، فلو تبيّن السعة لم تجب الإعادة.
قوله: «ثمّ يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه».
المراد به قصاص شعر مستوي الخلقة، فغيره يحال عليه. والمراد بطرف الأنف الأعلى.
ويجب مسح الجبينين، وينبغي مسح الحاجبين ولا بد من مسح جزء من غير محلّ الفرض من باب المقدمة، وكذا في اليدين.
قوله: «ظاهر «الكفّين».
حدهما الزند - بفتح الزاي - وهو موصل طرف الذراع في الكفّ.
ص: 117
وإن قطعت كفّاه سقط مسحهما واقتصر على الجبهة، ولو قطع بعضهما مسح على ما بقي.
ويجب استيعاب مواضع المسح في التيمم، فلو أبقى منها شيئاً لم يصح.
ويستحب نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض.
*ولو تيمّم وعلى جسده نجاسة صح تيمّمه، كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة، لكن يراعى في التيمم ضيق الوقت.
الأول: مَنْ صلّى بتيممه لا يعيد، سواء كان في حضر أو سفر، وقيل: فيمن تعمّد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلّي ثم يعيد، * وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك، وكذا مَنْ كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها، والأظهر عدم الإعادة.
.........
قوله: «ولو تيمّم وعلى بدنه (1)نجاسة صح تيمّمه».
لا منافاة بين جواز التيمم قبل إزالة النجاسة وبين مراعاة ضيق الوقت في جوازه؛ لأنّ المراد بتضيقه عدم زيادته على الصلاة وشرائطها المفقودة التي من جملتها التيمم وإزالة النجاسة، فلا فرق بين تقديم التيمم على الإزالة وتأخيره.
وقيل: لا يجوز التيمم حتى يزيل النجاسة بناءً على الضيق (2). والعمل على ما ذكر.
قوله « وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج ».
التقييد بمنعه عن الخروج للاحتراز عمّا لو كان المانع من الخروج خوف فوت الجمعة،
ص: 118
الثاني: يجب عليه طلب الماء، فإن أخلّ بالطلب وصلّى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر وأعاد الصلاة.
الثالث: مَنْ عُدم الماء وما يُتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس، قيل: يصلّي ويعيد، وقيل: يؤخّر الصلاة حتى يرتفع العذر فإن خرج الوقت قضى، وقيل: يسقط الفرض أداء وقضاء، وهو الأشبه.
الرابع: إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة * وإن وجده وهو في الصلاة ، قيل : يرجع ما لم يركع ، وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب، وهو الأظهر.
الخامس المتيمم * يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء.
.........
مع إمكان الخروج لسهولة الزحام وضيق الوقت، فإنّه لا يجوز التيمم، بل يخرج ويصلّي الظهر بالطهارة المائية إن فاتته الجمعة.
قوله: «وإن وجده وهو في الصلاة قيل: يرجع إلى قوله - وهو الأظهر».
هذا هو المشهور، ولا يجوز له العدول إلى النفل؛ لأنّه في معنى الإبطال المنهي عنه (1)خصوصاً مع ضيق الوقت.
ولو اتفق عدم الماء قبل الفراغ من الصلاة، فالأصح عدم وجوب إعادته لعبادة أُخرى ما لم يحدث؛ إذ لا يستقيم الجمع بين إكمالها ونقض التيمم بمجرد وجود الماء، ولا فرق في ذلك بين الفرض والنفل.
قوله: «يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء».
خالف في ذلك بعض الأصحاب، فمنع من استباحة اللبث في المساجد به للجنب (2)؛
ص: 119
السادس: إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم فإن كان ملكاً لأحدهم اختص به وإن كان ملكاً لهم جميعاً أو لا مالك له أو مع مالك يسمح ببذله . فالأفضل تخصيص الجنب به، وقيل: بل يخص به الميت ،وفي ذلك تردّد.
.........
لعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا جُنُبا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ ﴾ (1)ويلزمه أيضاً تحريم الطواف له به؛ لاستلزامه اللبث في المسجد.
ويرده قوله (عليه السلام): يكفيك الصعيد عشر سنين »(2)من غير تقييد بعبادة معيّنة، فلولا إرادة العموم لزم الإجمال بالخطاب الموجب للإغراء، وقول الصادق(عليه السلام): «إن الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً »(3)وغيرهما ، ولأنّ إباحة الصلاة المشترطة بارتفاع الأصغر والأكبر يستلزم إباحة غيرها بطريق أولى.
قوله: «فالأفضل تخصيص الجنب».
ولو كان الماء مبذولاً للأحوج بنذر وشبهه تعين صرفه للجنب، فلو دفع إلى غيره لم يجز.
ولو أمكن الجمع بأن يتوضأ المحدث ويجمع الماء، ثمّ يغتسل الجنب الخالي بدنه عن نجاسة، ثم يجمع ماءه ويغسل به الميّت جاز، وقد يجب الجمع.
ولو لم يكف الماء إلا للمحدث خاصةً فهو أولى لعدم تبعض الطهارة.
ولو لم يكن جنب فالميت أولى.
ولو جامعهم ماسُّ ميّتٍ لم يتغيّر الحكم؛ لأنّ حدثه ضعيف بالنسبة إلى حدث الجنب.
وفي تقديم ذات الدم على الجنب لو جامعته :نظر من عدم النصّ، وضعف حدثها. وقطع في الذكرى بتقديمه (4). وكذا الإشكال لو جامعت الميت.
ص: 120
السابع: الجنب إذا تيمّم بدلاً من الغسل ثمّ أحدث أعاد التيمم بدلاً من الغسل، سواء كان حدثه أصغر أو أكبر.
الثامن:* إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيمّمه، ولو فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديد التيمم، ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت ما لم يحدث أو يجد الماء.
التاسع: * مَنْ كان بعض أعضائه مريضاً لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه جاز له التيمم، ولا يتبعض الطهارة.
..........
ومزيل الخبث عن الميت أولى، وكذا مزيل الطيب للإحرام أولى من الجميع، والعطشان أولى مطلقاً.
قوله: «إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيمّمه».
في ظاهر الحال، ويراعى في استقرار النقض مضيّ زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة المائيّة، فلو تلف الماء أو منع من استعماله قبل أن يمضي زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة، تبين عدم التكليف باستعماله فيكشف ذلك عن بقاء التيمم؛ لاشتراط نقضه بتمكنه من المبدل ولم يتحقق.
قوله: «مَنْ كان بعض أعضائه مريضاً لا يقدر على غسله بالماء» إلى آخره.
معنى التبعض المنفى : أن يغسل بعض الأعضاء للوضوء ويمسح البعض للتيمم.
ورد بذلك على بعض العامة القائلين بذلك (1).
واعلم أنّهم ذكروا في باب الجبيرة أنّها لو عمّت عضواً كاملاً مسح عليه ولا ينتقل إلى التيمم. والجمع بينه وبين ما هنا بتعذر مسح العضو المريض هنا ولو على الجبيرة، كما دلّ عليه قوله «ولا مسحه» وإن كان اللفظ محتملاً معنى آخر ، وهو تعذر مسح العضو المريض إذا كان ممسوحاً في الوضوء، كمقدم الرأس وظاهر القدمين.
ص: 121
العاشر : * يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنية الندب، ولا يجوز له الدخول به في غير ذلك من أنواع الصلاة.
........
وقرّروا هناك أيضاً أنه لو لم يكن بالكسر أو الجرح جبيرة أو لصوق يغسل ما حوله إذا تضرر بالماء ولا ينتقل إلى التيمم ، والجمع بينه وبين ما هنا بحمل ما تقدم على أن الكسر والجرح لم يستوعب عضواً كاملاً، بخلافه هنا ؛ بدليل قولهم هناك «غسل ما حوله».
قوله: «يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء» إلى آخره.
قيده في المعتبر بما إذا فاجأته الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة المائية (1). والمشهور عدم اشتراط ذلك، بل ادّعى عليه الشيخ الإجماع(2)، ولصحتها من دون الطهارة، وللرواية(3).
ولا ينوي في هذا التيمم البدليّة.
ص: 122
وهي عشرة أنواع:
الأول والثاني: البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه * إذا كان للحيوان نفس سائلة، سواء كان جنسه حراماً كالأسد، أو عَرَضَ له التحريم * كالجلال، وفي رجيع ما لا نفس له [سائلة] وبوله تردّد، وكذا فى ذرق الدجاج غير الجلال والأظهر الطهارة.
الثالث: المني، وهو نجس من كلّ حيوان حلّ أكله أو حرم، وفي مني ما لا نفس له تردّد، والطهارة أشبه.
الرابع :الميتة، ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة.
وكلّ ما ينجس بالموت. فما قطع من جسده نجس، حيّاً كان أو ميتاً.
....
قوله: «إذا كان للحيوان نفس سائلة».
المراد بالنفس هذا الدم الذي يجتمع في العروق ويخرج إذا قطع شيء منها بسيلان وقوةٍ، ويقابله ما لا نفس له، وهو الذي يخرج دمه ترشّحاً كدم السمك.
قوله: «کالجلال».
هو الحيوان الذي اغتذى عذرة الإنسان محضاً حتى نبت عليها لحمه واشتد عظمه، والمرجع في ذلك إلى العرف وفي حكمه موطوء الإنسان.
ص: 123
*وما كان منه لا تحلّه الحياة كالعظم والشعر فهو طاهر، إلا أن تكون عينه نجسةً كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر.
ويجب الغُسْل على مَنْ مسّ ميّتاً من الناس . قبل تطهيره وبعد برده ، *وكذا إن مس قطعة منه فيها عظم، وغسل اليد على مَنْ مس ما لا عظم فيه>
.....
قوله: «وما كان منه لا تحلّه الحياة».
جملته عشرة أشياء: العظم ومنه السنّ، والظفر، والظلف، والقرن، والحافر، والشعر، والوبر والصوف، والريش، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى وألحق بها الإنفحة - بكسر الهمزة وفتح الفاء مخفّفة - وهي كرش السخلة قبل أن تأكل.
قوله «قبل تطهيره».
هذا إن توقف تطهيره على الغسل، فلو كان طاهراً بدونه كالشهيد والمعصوم لم يجب بمسَه غُسل، وكذا مَنْ قدّم غُسله في حال الحياة ليُقتل مع قتله بالسبب الذي اغتسل له.
ويندرج في قبليّة التطهير مَنْ لم يكمل غسله وإن كمل غسل عضو فمس ذلك العضو على الأصح، ومَنْ نقصت أغساله الثلاثة - ولو في بعض الأوصاف كالخليط - وإن تيمم عن بعضها، ومَنْ غسله كافر، أو سبق موته قتله، أو قتل بغير السبب الذي اغتسل له.
واحترز ببعدية البرد عمّا لو مسه قبله بعد الموت، فإنّه لا يوجب الغسل، بل غسل العضو اللامس لا غير.
قوله « وكذا لو (1)مش قطعةً منه فيها عظم».
لا فرق في القطعة بين كونها مبانةً بين كونها مبانة من حي أو ميت، وفي حكمها العظم المجرد من لم يطهر ولو بحسب الظاهر ، فلو مس عظماً من مقبرة المسلمين فلا غسل، بخلاف مقبرة الكفّار، ولو جهلت تبعت الدار كذا قرره الشهيد (رحمه الله) (2)، وهو أحوط.
ص: 124
* أو مسّ ميّتاً له نفس سائلة من غير الناس.
الخامس: الدماء، ولا ينجس منها إلا ما كان من حيوان له عرق، لا ما يكون رشحاً كدم السمك وشبهه.
السادس والسابع: الكلب والخنزير وهما نجسان عيناً ولُعاباً. * ولو نزا كلب على حيوان فأولده روعي في إلحاقه بأحكامه إطلاق الاسم.
وما عداهما من الحيوان فليس بنجس.
وفي الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردّد، الأظهر الطهارة.
الثامن: * المسكرات، وفي تنجيسها خلاف، والأظهر النجاسة.
.........
قوله: «أو مس ميتاً له نفس سائلة».
لا فرق في وجوب غسل العضو اللامس لميتة ما له نفس بين كونه برطوبة أو لا ؛ لإطلاق النصّ (1)، ومن ثَمَّ أطلق(2)المصنّف وتبعه العلّامة (3). والأقوى اختصاصه بحالة الرطوبة.
قوله: «ولو نزاکلب على حيوان فأولده روعي في إلحاقه بأحكامه إطلاق الاسم».
هذا إذا كان الحيوان مخالفاً للكلب في الحكم، وحينئذ فيراعى في تبعيته لأحدهما أو لغيرهما إطلاق الاسم، فإن لم يصدق عليه اسم شيءٍ منهما ولا من غيرهما، فالأقوى فيه الطهارة والتحريم، ولو اتفقا في الحكم تبعهما فيه وإن باينهما.
قوله «المسكرات».
المراد بها المائعة بالأصالة، فالخمر المجمّد ،نجس، كما أنّ الحشيشة ليست نجسةً (4)، وإن عرض لها الذوبان.
ص: 125
* وفي حكمها العصير إذا غلى واشتدّ.
التاسع: * الفقاع.
العاشر: الكافر، وضابطه مَنْ خرج عن الإسلام، أو من انتحله وجحد ما يُعلم من الدين ضرورة كالخوارج والغُلاة. وفى عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ خلاف، والأظهر الطهارة.
وما عدا ذلك فليس بنجس من نفسه، وإنما تعرض له النجاسة.
ويكره بول البغال والحمير والدواب.
.........
والقول بنجاسة المسكرات هو المذهب، بل ادعى عليه المرتضى (رحمه الله ) الإجماع (1).
قوله: «وفي حكمها العصير إذا غلى واشتدّ».
المراد به العصير العنبي، وبغليانه أن يصير أعلاه أسفله بنفسه أو بغيره، وباشتداده أن يحصل له ثخانة، وهي مسبّبة عن مجرّد الغليان عند الشهيد (رحمه الله) (2).
والذي صرّح به المصنّف(رحمه الله) في المعتبر أنه يحرم بالغليان ولا ينجس إلا مع الاشتداد(3)، فأحدهما ينفك عن الآخر، وهذا هو الظاهر.
والقول بنجاسة العصير هو المشهور بين المتأخرين، ومستنده غير معلوم، بل النص إنّما دلّ على التحريم(4). وفي البيان: لم أقف على نص يقتضي تنجيسه(5) .
قوله: «الفقاع».
بضم الفاء، والأصل فيه أن يتخذ من ماء الشعير كما ذكره المرتضى في الانتصار(6)، لكن
ص: 126
القول في أحكام النجاسات
تجب إزالة النجاسة عن الثياب والبدن للصلاة والطواف * ودخول المساجد، * وعن الأواني لاستعمالها * وعفي في الثوب والبدن عمّا يشق التحرز عنه من دم القروح والجروح التي لا ترقأ وإن كثر،
........
لما كان النهى عنه معلّقاً على التسمية(1)ثبت له ذلك، سواء أُعمِل منه أم من غيره، فما يوجد في أسواق أهل الخلاف ممّا يُسمّى فقاعاً يُحكم بتحريمه تبعاً للاسم، إلا أن يُعلم انتفاؤه قطعاً.
قوله: «ودخول المساجد».
جعل دخول المساجد غايةً لإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، وعطفه على الصلاة يقتضى عدم الفرق بين استلزام ذلك تلوثها وعدمه، وتخصيص الدخول لمناسبة الثوب والبدن، وإلا فتنجيس المسجد حرام وإن لم يستلزم الدخول، كما لو ألقى النجاسة فيه من خارج.
والأصح أنّ التحريم مختص بخوف تلويث المسجد أو شيء من فرشه أو آلاته، لا مطلقاً، وتجب إزالتها عنها وإن لم يكن من فعله، وهو فرض كفاية.
ويلحق بالمساجد الضرائح المقدّسة والمصاحف وآلاتها الخاصة بها كالجلد فتجب إزالة النجاسة عنها، كما يحرم تلويثها بها.
قوله:« وعن الأواني لاستعمالها».
هذا إذا كان الاستعمال يوجب تعدي النجاسة، كما لو استعملت بمائع وكان مشروطاً بالطهارة، كالأكل والشرب اختياراً.
قوله: «وعفي في الثوب والبدن عمّا يشق التحرز منه - إلى قوله - التي لا ترقأ».
المراد برقوئه سكونه وانقطاعه ومقتضاه أنه لو انقطع لم يعف عنه وإن لم يبرأ الجرح والقرح، خصوصاً إذا كان بمقدار زمان الصلاة.
ص: 127
*وعمّا دون الدرهم البغلي سعةٌ من الدم المسفوح الذي ليس من أحد الدماء الثلاثة، • وما زاد عن ذلك تجب إزالته إن كان مجتمعاً ، * وإن كان متفرّقاً، قيل:
هو عفو، وقيل: تجب إزالته، وقيل: لا تجب إلا أن يتفاحش والأوّل أظهر.
....
والرواية (1)تدلّ على خلاف ذلك، وأن الرخصة باقية إلى أن يبرأ، سواء لزم من الإزالة مشقة أم لا.
قوله: «وعمّا دون الدرهم البغلي سعةٌ من الدم المسفوح الذي ليس أحد الدماء الثلاثة».
البغلي - بإسكان الغين وتخفيف اللام أو بفتحها مع تشديد اللام - يقرب سعته من أخمص الراحة، وهو ما انخفض من باطن الكفّ، وقدر بعقد الإبهام، وبعقد السبابة.
والمراد بالمسفوح الخارج من البدن.
واستثني منه الدماء الثلاثة لغلظة نجاستها، وأُلحق بها دم نجس العين ودم الميتة.
قوله: «وما زاد عن ذلك تجب إزالته».
يدخل فيما زاد قدر الدرهم، وفي العفو عنه قول(2)، والمشهور العدم.
قوله: «وإن كان متفرّقاً، قيل: هو عفو، وقيل: تجب إزالته، وقيل: لا تجب إلا أن يتفاحش، والأوّل أظهر».
الأصح أنّه يقدّر مجتمعاً، فإن كان لا يبلغ قدر الدرهم عفي عنه، عنه، وإلا فلا.
ولا فرق في ذلك بين المتفرّق على الثوب الواحد ، أو الثياب ، أو على البدن ، أو على الجميع.
ولو أصاب وجهى الثوب، فإن كان بالتفشى فواحد وإلا تعدّد.
ولو أصابه مائع طاهر فالأصح بقاء العفو.
ص: 128
* وتجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفرداً وإن كان فيه نجاسة لم يُعف عنها في غيره.
* وتعصر الثياب من النجاسات كلّها، إلا من بول الرضيع فإنّه يكفي صبّ الماء عليه.
*وإذا عُلِمَ موضع النجاسة غُسل، وإن جهل غُسل كلّ موضع يحصل فيه الاشتباه.
.....
قوله: «وتجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفرداً» إلى آخره.
المراد به ما لا يمكن إيقاع الصلاة فيه اختياراً، لا كلّ صلاة، فمتى أمكن صلاة الرجل فيه لم يعف عنه نجساً وإن لم يمكن فيه صلاة المرأة.
ولا فرق في ذلك بين المتنجس بنجاسة مغلظة وغيرها.
ولا يعفى عنه لو كان نفسه نجاسة، كجلد الميتة.
وكذا لا فرق بين كونه من الملابس وغيرها، ولا في الملابس بين كونها في محالها أو في غيرها ؛ لعموم الخبر فى كل ما على الإنسان أو معه(1) .
قوله: «وتعصر الثياب من النجاسات كلّها، إلا من بول الرضيع» إلى آخره.
إذا غُسلت بغير الكثير، وإلا لم يفتقر إلى عصر.
والمراد بالرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن في الحولين بحيث يساوي اللبن.
والمراد بصب الماء عليه استيعاب الماء للمحلّ النجس مع عدم الانفصال.
ولا يلحق به الصبية؛ للأمر بغسله (2).
قوله: «وإذا علم موضع النجاسة غُسل، وإن جهل غُسل كلّ موضع يحصل فيه الاشتباه».
لتوقف اليقين بالطهارة عليه، هذا إذا كان محصوراً، وإلا سقط الغسل؛ للحرج.
ص: 129
* ويُغسل الثوب والبدن من البول مرّتين.
وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان رطباً غسل موضع الملاقاة واجباً، وإن كان يابساً رشه بالماء استحباباً، وفي البدن يغسل رطباً، وقيل: يمسح يابساً، ولم يثبت.
وإذا أخل المصلّي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه، فإن لم يعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة . وقيل : يعيد فى الوقت والأوّل أظهر.
.......
قوله :« ويُغسل الثوب والبدن من البول مرتين».
إنما خصهما لاشتراط طهارتهما في صحة الصلاة، وإلا فغيرهما مما تنفصل عنه الغسالة وليس بإناءٍ كذلك. وإنما خص البول للنصّ عليه(1) .
قيل: وغيره كذلك بطريق أولى؛ لمفهوم الموافقة (2). وليس بواضح، فإنّ البول أغلظ من بعض النجاسات كالدم، ومن ثُمَّ عفي عن قليله ولم يُعف عن البول مطلقاً، وغاية ما فيه أن يساويه، وهو قياس لا نقول به ولا ريب أن إلحاق باقي النجاسات بالبول أحوط.
ثمّ إن انفصلت الغسالة عنه بنفسها كالحجر غير ذي المسام والبدن الخالي عن الشعر الذي يمسك الماء لم يفتقر إلى عصر، وإن لم ينفصل بدونه كالثوب افتقر التطهير إليه، وإن لم ينفصل بهما كالعجين والمائعات لم تطهر بالقليل، وفي طهرها بالكثير مع امتزاجها به وجه ضعيف.
قوله :«وقيل: يعيد في الوقت».
هذا هو الأجود؛ جمعاً بين الأخبار(3)، وجاهل حكم النجاسة عامد، والناسي كالعامد في غير الإثم.
ص: 130
ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة . فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتم، وإن تعذر إلا بما يُبطلها استأنف.
* والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته كل يوم مرّةً، وإن جعلت تلك الغسلة آخر النهار أمام صلاة الظهر كان حسناً.
وإذا كان مع المصلّى ثوبان وأحدهما نجس ولا يعلمه بعينه،*صلّى الصلاة الواحدة في كلّ واحدٍ منهما منفرداً على الأظهر، وفي الثياب الكثيرة كذلك،
........
قوله: «فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتم».
بناء على عدم الإعادة في الوقت وإلا استأنف مطلقاً مع سعة الوقت بحيث يدرك منها ركعة فيه، وإلا استمر.
هذا إذا علم سبق النجاسة على الصلاة، ولو احتمل وجودها حين الرؤية نزعها مع الإمكان كما ذكر.
قوله: «والمربية للصبيّ إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته كل يوم مرّةً».
لا فرق هنا بين الصبي والصبية؛ لأنّ مورد الرواية المولود(1)، وهو شامل لهما. ويلحق به الولد المتعدد، وبالمربية المربي.
واحترز بالثوب الواحد عن المتعدّد، فإنّه يجب الغسل حينئذ بحسب الإمكان، كما يجب غسل البدن. هذا إذا لم يحتج إلى لُبْسها دفعةً، وإلا فكالمتحد.
والرخصة مقصورة على نجاسته ببول الولد قيل: أو بغائطه(2) ، لا بغيرهما من النجاسات وإن كانت من الولد اقتصاراً بالرخصة على مورد النص.
قوله: «صلى الصلاة الواحدة في كلّ واحدٍ منهما منفرداً على الأظهر».
خالف في ذلك ابن إدريس، فمَنَع من الصلاة فيهما وحتم الصلاة عارياً، لاشتراط الجزم
ص: 131
* إلا أن يضيق الوقت فيصلي عرياناً.
* ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلّي عرياناً إذا لم يكن هناك غيره، لم يمكنه صلّى فيه وأعاد، وقيل: لا يعيد، وهو الأشبه.
........
في النية، وهو غير حاصل في كلّ واحدٍ على انفراده(1).
وأجيب(2) بأنّ الجزم حاصل بهما ؛ لأنّ يقين البراءة لما توقف على صلاتين ليحصل الستر الواجب، فكلُّ منهما واجبة وإن كان ذلك من باب المقدمة، وهو كافٍ حيث لا يوجد أتم منه، فلو أمكن الستر بثوب طاهر غيرهما تعيّن.
ولو تعدّدت الصلاة فيهما وجب مراعاة الترتيب، فيصلي الظهر في أحد الثوبين ثم ينزعه ويصلّي في الآخر، ثمّ يصلّي العصر ولو في الثاني، ثمّ يصليها في الآخر.
ولو تعدّدت الثياب النجسة واشتبهت وجب تكرير الصلاة بحيث يزيد على عدد النجس بواحدٍ لتيقن الصلاة في ثوب طاهر.
قوله: «إلّا أن يضيق الوقت فيصلي عرياناً».
بل الأصح تعين الصلاة في أحدها؛ لإمكان كونه الطاهر، وغايته فقد وصفٍ في الساتر، وهو أولى من فوات الساتر نفسه.
هذا إذا لم يتسع الوقت إلا لواحدٍ، وإلا وجبت الصلاة في الممكن.
قوله: «ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلّي عرياناً إذا لم يكن هناك غيره».
هذا هو المشهور، والأصح التخيير بين الصلاة فيه وعارياً، والصلاة فيه أفضل لرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام)(3) .
ص: 132
* والشمس إذا جففت البول وغيره من النجاسات عن الأرض والبواري والحصر طهر موضعه.
*وكذا كلّ ما لا يمكن نقله كالنباتات والأبنية.
* وتطهر النارُ ما أحالته . والتراب باطنَ الخُفّ وأسفل القدم والنعل .
..........
قوله: «والشمس إذا جفّفت البول وغيره من النجاسات »إلى آخره.
المراد بغير البول من النجاسات ما شابه البول في عدم الجرمية، كالماء النجس، والدم الذي قد أزيل جرمه، وإلا لم تطهر بتجفيفه مع بقاء جرمه.
ويشترط كون التجفيف بإشراق الشمس على النجاسة، فلا يكفي جفافها بالحرارة أو بالهواء المشارك لها. نعم، لو شارك الإشراق لم يضر؛ لعدم الانفكاك عنه.
ومتى أشرقت الشمس على النجس مع رطوبة المحلّ طهر الظاهر والباطن إذا جف الجميع بها مع اتصال النجاسة واتحاد الاسم كالأرض التي دخلت فيها النجاسة، دون الحائط إذا كانت النجاسة فيهما غير خارقةٍ له، وأشرقت على أحدهما خاصة، ودون وجهي الأرض والحائط إذا أشرقت على أحدهما وإن كانا متصلين.
قوله: «وكذا كلّ ما لا يمكن نقله».
المراد عدم الإمكان عادة لا مطلق الإمكان، وهو ضابط الطهارة وعدمها، سواء قطعت النباتات أم لا.
قوله: «وتطهر النار ما أحالته».
رماداً أو دخاناً، لا فحماً وأجراً وخزفاً.
قوله: «والتراب باطن الخُفّ وأسفل القدم والنعل».
المراد بالباطن والأسفل ما تسترهما الأرض حالة الاعتماد، فلا يطهر حافاتهما به.
وفي حكم التراب الحجر والرمل وغيرهما من أصناف الأرض، ولو عبر بها كان أولى.
ص: 133
*وماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه، ولا حال جريانه من ميزاب وشبهه، إلا أن تغيّره النجاسة.
* والماء الذي تغسل به النجاسة نجس، سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية،
...........
ولا يشترط المشي، بل المعتبر زوال النجاسة عنهما ولو بالمسح. ويشترط طهارة الأرض وجفافها.
والقبقاب من أصناف النعل، وخشبة الأقطع ملحقة بالرجل أو النعل، ولا يلحق به أسفل العصا ورأس الرمح وما شاكل ذلك.
قوله: «وماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه، ولا حال جريانه من ميزاب» إلى آخره.
أشار بذلك إلى الردّ على الشيخ( رحمه الله)، حيث شرط في عدم تنجسه بالنجاسة جريانه من ميزاب (1).
وكما لا ينجس ماء الغيث بغيره مع عدم تغيّره كذا يُطهّره كالكثير، لكن يشترط في تطهيره الماء(2)النجس صدق اسمه، فلا يعتد بنحو القطرات اليسيرة، وفي تطهيره للأرض النجسة ونحوها استيعابه للمحلّ، كما يشترط ذلك في الكثير.
قوله: «والماء الذي تغسل به النجاسة ،نجس، سواء كان من [ الغسلة] الأُولى أو الثانية».
رد بذلك على(3) الشيخ (رحمه الله ) حيث حكم بطهارة ماء الغسلة الثانية (4)، فيما يفتقر إلى الغسل مرّتين، بناءً على أنّ ماء كلّ غسلةٍ كمغسولها بعدها.
وبقوله «سواء كان ملوّثاً بالنجاسة أو لم يكن ردّ على المرتضى (رحمه الله) حيث حكم بطهارة جميع ماء الغسالة مع عدم تغيّرها بالنجاسة (5).
ص: 134
وسواء كان متلوّثاً بالنجاسة أو لم يكن، وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نَقِيّ. . وكذا القول في الإناء على الأظهر.
* وقيل : في الذنوب إذا ألقي على نجاسةٍ على الأرض تظهر الأرض مع قائه على طهارته.
القول في الآنية
ولا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضة، ولا استعمالها في غير ذلك، ويكره المفضض.
........
وفي المسألة أقوال أُخر(1).
وحُكمُ المصنّف بنجاسة الماء المذكور لا يُعلم منه حكم ما أصابه من أنّه هل يغسل كما يغسل المحلّ الأوّل قبل هذه الغسلة أو قبل الغسل بأسره؟ والذي اختاره جماعة من المتأخرين الأول(2)، وعليه العمل.
قوله: «وكذا القول في الإناء على الأظهر».
الخلاف راجع إلى أصل المسألة، لا إلى الإناء؛ إذ لا خصوصية له في الخلاف قطعاً.
قوله: «وقيل في الذنوب إذا ألقي على نجاسة على الأرض إلى آخره.
الذنوب - بفتح الذال المعجمة - الدلو الملأى.
ومستند القول قصة الأعرابي الذي بال في المسجد بحضرة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، فأمر بإلقائه (3).
والمشهور عدم الطهارة به إلا أن يكون كُرّاً، وحملت الرواية على ذلك، وعلى إزالة الرائحة، وعلى إعداده للإزالة بالشمس.
ص: 135
*وقيل: يجب اجتناب موضع الفضّة.
*وفي جواز اتخاذها لغير الاستعمال تردّد، والأظهر المنع.
* ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها *وأوانى المشركين طاهرة حتى يُعلم نجاستها.
..........
قوله: «وقيل: يجب اجتناب موضع الفضة».
نسبه إلى القول؛ لعدم حكمه به، وقد صرّح في المعتبر باستحبابه (1).
والأصح الوجوب.
والمراد بالاجتناب عزل الفم عن موضع الفضة في الأكل والشرب؛ لقوله(عليه السلام) : «واعزل فاك عن موضع الفضة»(2)، والأمر للوجوب .
قوله: «وفي جواز اتخاذها لغير الاستعمال تردّد، والأظهر المنع».
هذا هو المشهور، ولا فرق في ذلك بين اتخاذها للقنية، أو لتزيين المجالس، أو لغيرهما قوله: «ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من باقي(3)المعادن».
كالفيروزج والياقوت والزبرجد؛ للأصل، وخفاء نفاسة ذلك على أكثر الناس، فلا يلزم منه ما يلزم من النقدين من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء.
قوله: «وأواني المشركين طاهرة حتى يُعلم نجاستها».
وكذا سائر ما بأيديهم مما لا يشترط فيه ولا في أصله التذكية؛ لقول الصادق(عليه السلام): «كلّ شيءٍ طاهر حتى تعلم أنه قذر »(4) . وليس العلم مقصوراً على الإدراك بالحواس، بل ما حصل به العلم من طرقه الموجبة له كالخبر المحفوف بالقرائن وغيره.
ص: 136
*ولا يجوز استعمال شيءٍ من الجلود إلا ما كان طاهراً في حال الحياة ذكيّاً.
*ويستحبّ اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يُدبغ بعد ذكاته.
ويستعمل من أوانى الخمر ما كان مقيّراً أو مدهوناً بعد غسله، ويكره ما كان خشباً أو قرعاً أو خزفاً غير مدهون.
*ويُغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً، أولاهن بالتراب على الأصح،
.........
قوله: «ولا يجوز استعمال شيءٍ من الجلود، إلا ما كان طاهراً في حال الحياة ذكيّاً».
هذا إذا قبل الذكاة بأن كان له نفس، فلو لم يكن له نفس فهو طاهر، ولا ينجس بالموت فيجوز استعمال جلده كالسمك.
قوله: «ويستحبّ اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يُدبغ بعد ذكاته».
خروجاً من خلاف القائل بتوقف استعماله على الدبغ(1) .
قوله: «ويُغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً أُولاهن بالتراب على الأصح».
ولوغ الكلب لغةً : شربه ممّا في الإناء بطرف لسانه (2)، ويلحق به لطعه بطريق أولى ، دون مباشرته بسائر أعضائه ووقوع لعابه في الإناء ، بل هي كسائر النجاسات على المشهور.
ويشترط طهارة التراب، لا مزجه بالماء، بل لو خرج به عن مسمّى التراب لم يكف. ولو فقد التراب، قيل: أجزاً مشابهه، كالأشنان(3)، والأولى بقاؤه على النجاسة كما لو عدم الماء. ولو خيف فساد المحل باستعمال التراب فكالمفقود.
ولو تكرّر الولوغ قبل التطهير تداخل، وفي الأثناء يستأنف.
ويكفي في تطهير الإناء في القليل أن يصبّ فيه الماء، ثمّ يحرّك حتى يستوعب ما نجس منه، ثمّ يفرغ حتى يستوفي العدد. ولو غسله في الكثير، كفت المرّة بالماء بعد التعفير.
ص: 137
*ومن الخمر والجُرَذ ثلاثاً بالماء ، والسبع أفضل، ومن غير ذلك مرة واحدة، والثلاث أحوط.
.....
ونته ب_ «الأصح» على خلاف المفيد؛ حيث جعل التعفير وسطاً(1)، وعلى ابن الجنيد؛ حيث أوجب غسله سبعاً (2)، وعلى ابن إدريس؛ حيث أوجب مزج التراب بالماء(3).
قوله: «ومن الخمر والجرذ ثلاثاً».
الجُرَدْ - بضم الجيم وفتح الراء - كبير الفأر، ولا فرق هنا بين أنواع الفأر.
والأحوط الغسل منها سبعاً، وموضع الخلاف نجاستها المستندة إلى الموت، أما غيره فكباقي النجاسات.
ويجب أيضاً الغسل من ولوغ الخنزير سبعاً.
ص: 138
والعلم بها يستدعي بيان أربعة أركان :
وهي سبع :
والمفروض منها تسعة :
صلاة اليوم والليلة، والجمعة والعيدين* والكسوف والزلزلة والآيات ،والطواف والأموات وما يلتزمه الإنسان بنذر وشبهه، وما عدا ذلك مسنون .
......
كتاب الصلاة
قوله: «والكسوف والزلزلة والآيات».
في جعل الكسوف والزلزلة قسيمين للآيات إشكال؛ لأنّ الآيات تشملهما فیکونان قسمين لا قسيمين فإنّ قسم الشيء داخل فيه، وقسيمه خارج عنه مندرج معه تحت شيءٍ آخر، فالأصوب جعل الأقسام سبعة، كما صنع الشهيد (رحمه الله) (1).
ص: 139
وصلاة اليوم والليلة خمس وهي سبع عشرة ركعة في الحضر الصبح ركعتان والمغرب ثلاثاً، وكلّ واحدةٍ من البواقي أربع.
*ويسقط من كل رباعيّة في السفر ركعتان.
ونوافلها في الحضر * أربع وثلاثون ركعة على الأشهر أمام الظهر ثمان، وقبل
.......
وفي إدخال صلاة الأموات فيها إشعار باختيار وقوع الصلاة عليها بطريق الحقيقة، وفيه بحث .
والمراد بشبه النذر العهد واليمين والتحمّل عن الغير ولو باستئجار.
وأما الاحتياط والقضاء فالأولى كونهما من أقسامه مع احتمال دخولهما في اليومية و دخول القضاء لا غير.
قوله: «ويسقط من كلّ رباعية في السفر ركعتان».
وكذا في الخوف.
قوله: «أربع وثلاثون ركعة على الأشهر».
أي في الروايات (1)، وروي في غير المشهور أنها ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة(2)، وتسع وعشرون بإسقاط الوتيرة، وستّ من نافلة العصر، وركعتين من نافلة المغرب، وزيادة ركعتين للظهر بعدها، وركعتين للعشاء قبلها (3)، وروي سبع وعشرون بإسقاط ركعتي العشاء الكائنة قبلها (4).
و اختلاف الأخبار منزل على الاختلاف في المؤكد، لا في أصل الاستحباب.
ص: 140
العصر مثلها، وبعد المغرب أربع *وعقيب العشاء ركعتان من جلوس تُعدّان بركعة، وإحدى عشرة صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر، وركعتان للفجر.
وتسقط في السفر نوافل الظهر والعصر *والوتيرة على الأظهر، والنوافل كلّها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما * إلا الوتر وصلاة الأعرابي.
وسنذكر تفصيل باقى الصلوات في مواضعها إن شاء الله تعالى.
والنظر في مقاديرها وأحكامها.
أما الأول : فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر.
...........
قوله: «وعقيب العشاء ركعتان من جلوس تُعدّان بركعة».
من قيام، ويجوز فعلهما من قيام؛ لخبر سليمان بن خالد عن الصادق (1). ويصلّيان ركعتين أيضاً، وعدهما حينئذ بركعة باعتبار كون ثوابهما ثواب ركعة من قيام في غيرهما، أو لأنهما بدل من ركعتين من جلوس؛ إذ هو الأصل فيهما، والركعتان من جلوس معدودتان بواحدة من قيام.
ومحلّهما بعد التعقيب وبعد كل صلاة يريد فعلها بعد العشاء.
وفي تقديمهما على نافلة شهر رمضان، أو تأخيرهما عنها وجهان.
قوله: «والوتيرة على الأظهر».
هذا هو المشهور، بل ادعى عليه ابن إدريس الإجماع (2). وفي حكم السفر الخوف.
قوله: «إلّا الوتر وصلاة الأعرابي».
صلاة الأعرابي عشر ركعات كالصبح والظهرين كيفية وترتيباً، ووقتها يوم الجمعة عند
ص: 141
* ويختص الظهر من أوّله بمقدار أدائها، وكذلك العصر من آخره،* وما بينهما من الوقت مشترك، وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، ويختص من أوله بمقدار ثلاث ركعات، ثمّ يشاركها العشاء حتى ينتصف الليل.
ويختص العشاء من آخر الوقت * بمقدار أربع، وما بين طلوع الفجر الثاني
......
ارتفاع النهار، ولم يثبت لها طريق في أخبارنا، إلا أن أحاديث السنن يتسامح فيها.
قوله: «ويختص الظهر من أوّله بمقدار أدائها».
المعتبر في أدائها بحالة المصلّي في ذلك الوقت باعتبار كونه قويّاً وضعيفاً، بطيئاً وسريعاً، حاضراً ومسافراً، إلى غير ذلك من الأحوال ككونه عند دخول الوقت محدثاً عارياً أو متطهراً مستتراً ، فالمعتبر من الوقت المختصّ بالفريضة الأولى مضى مقدار أدائها للمصلّي المعيّن مع أداء شرائطها المفقودة، حتى لو فرض كونه في حال شدة الخوف وقد دخل عليه الوقت جامعاً للشرائط فوقت الاختصاص بالنسبة إليه مقدار صلاة ركعتين عوض كلّ ركعة تسبيحات أربع، مع ما يضاف إليها.
ووقت تلافي ما يجب تلافيه من الأجزاء المنسية من وقت الاختصاص.
وفي كون وقت الاحتياط وسجود السهو من وقت الاختصاص نظر.
قوله: «وما بينهما من الوقت مشترك».
معنى الاشتراك إمكان وقوع كلّ واحدة منهما في الوقت المشترك على وجه وإن كانت الأولى قبل الثانية مع العلم. وتظهر فائدة الاشتراك مع الظن والنسيان، كما سيأتي(1).
قوله: «بمقدار أربع».
على تقدير كونه حاضراً، ولو كان مسافراً فمقدار اثنتين كما مر ولو قال: «بمقدار أدائها» كما صنع في غيرها (2)كان أولى.
ص: 142
* المستطير في الأفق - إلى طلوع الشمس وقت للصبح.
* ويُعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه* أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة والغروب باستتار القرص،
.......
قوله: «المستطير فى الأفق».
أي المنتشر الذي لا يزال في زيادة، والمراد بالأفق هنا دائرة عظيمة موهومة تفصل بين الظاهر والخفيّ من الفلك، وقطباها سمت الرأس والرجل، وانتشار الفجر فيه مجاز تسمية لما قاربه باسمه ؛ إذ الانتشار فوقه لا فيه.
قوله: «ويُعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه».
بناءً على ما هو الواقع في بلاد المصنف، بدليل قوله بَعْدُ: «أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن أو مبني على الغالب في الربع المسكون، ولو أريد تعميم الفائدة زيد «أو حدوثه بعد عدمه كما صنع غيره (1)، ويجمع العلامتين ظهور الظلّ في جانب المشرق عند إخراج خطّ نصف النهار.
واعلم أن حدوث الظلّ بعد عدمه يتفق في بلدٍ يساوي عرضه الميل الأعظم أو ينقص عنه، لا في أطول أيام السنة في مكة وصنعاء، كما قيل(2)، فتأمل.
قوله: «أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة».
أي قبلة أهل العراق، سواء في ذلك الركن العراقي وغيره، لكن لا يُعلم الزوال بهذه العلامة إلا بعد مضي زمانٍ طويل من أول الوقت، فإنّ قبلة العراق تميل عن خط الجنوب نحو المغرب، كما سيأتي(3). وأضبط من ذلك أن يستقبل نقطة الجنوب بإخراج خط نصف النهار، فيكون ميل الشمس حينئذ إلى الحاجب الأيمن علامة الزوال.
ص: 143
*وقيل: بذهاب الحمرة من المشرق، وهو الأشهر.
وقال آخرون ما بين الزوال حتّى يصير ظلّ كلّ شيءٍ مثله وقت للظهر، وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير الظل مثليه،* والمماثلة بين الفيء الزائد والظلّ الأوّل، وقيل: بل مثل الشخص.
..........
قوله:« وقيل بذهاب الحمرة المشرقية (1)».
يتحقق ذهابها بتجاوزها جانب المشرق، وحدّه قمّة الرأس، وهو دائرة نصف النهار.
وهذا هو علامة سقوط القرص في الأفق الحقيقي، كما أنّ طلوعها فيه يكون قبل بروزها إلى العين بيسير، وقد نبه على ذلك في الأخبار، قال الباقر(عليه السلام) : «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها»(2). ومثله عن الصادق(عليه السلام) (3).
قوله: «والمماثلة بين الفيء الزائد والظل الأوّل، وقيل: بل مثل الشخص».
المراد بالفيء ما يحدث من ظل الشخص بعد الزوال، وبالظلّ ما حدث منه قبله والمراد بالظل الأوّل: الباقي منه عند الزوال، فإنّ البلد متى زاد عرضها عن ميل الشمس أو كانت الشمس في البروج الجنوبية يبقى للشخص عند الزوال ظلّ شمالي، فإذا زالت الشمس أخذ في الزيادة.
واعتبار المماثلة بين الفيء الزائد والباقي من الظل مع مخالفته للمنصوص مستبعد جداً، فإنّ ذلك يوجب اختلاف الوقت على وجه لا يكاد ينضبط إلا نادراً؛ لاختلافه بالزيادة والنقصان كلّ يوم، وقد يتفق عدمه أصلاً، فلا تتحقق المماثلة، فما حكاه المصنف قولاً هو الأجود.
والمراد بمماثلة الفيء للشخص زيادة على الظلّ الأوّل الذي زالت عليه الشمس وكذا القول في المثلين والأقدام.
ص: 144
* وقيل: أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر.
*هذا للمختار، وما زاد على ذلك حتى تغرب وقت لذوي الأعذار. وكذا من غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة للمغرب والعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر، وقيل: إلى طلوع الفجر.
وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة للمختار في الصبح وما زاد على ذلك حتّى تطلع الشمس للمعذور.
* وعندي أنّ ذلك كلّه للفضيلة.
ووقت النوافل اليومية ؛للظهر من حين الزوال إلى أن يبلغ زيادة الفيء قدمين.
...........
قوله: «وقيل: أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر».
المراد بالقدم هنا سبع الشخص والمراد أنّ الزيادة متى صارت بقدر أربعة أسباع الشخص خرج وقت الاختيار للظهر، ومتى صار بقدر الشخص وسبعه خرج وقت العصر.
قوله: «هذا للمختار، وما زاد على ذلك حتى تغرب وقت لذوي الأعذار».
كالمريض والمسافر وذي الحاجة التي يضر فوتها، ومقتضى هذا القول أن الصلاة بعد الوقت المذكور للمختار تصير قضاء، وهو ضعيف.
قوله: «وعندي أن ذلك كله للفضيلة».
أشار بذلك إلى جميع ما تقدم من قوله وقال آخرون إلى آخره، وهذا هو المشهور.
واعلم أنّ حاصل التفصيل بالفضيلة وغيرها أنّ الظهر لا تؤخّر عن المثل اختياراً، والعصر لا تؤخّر عن المثلين ولا يضر جمعهما قبل فوات المثل إجماعاً. نعم، الأفضل تأخير العصر إلى مضي المثل.
وأمّا المغرب فلا تؤخّر عن ذهاب الشفق، كما لا تقدّم العشاء عليه، ولا يجمع بينهما في وقت واحد، كما أمكن ذلك في الظهرين، فتأمل.
ص: 145
وللعصر أربعة أقدام . وقيل: ما دام وقت الاختيار باقياً، وقيل: يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة، والأوّل أشهر *فإن خرج وقد تلبس من النافلة ولو بركعة، زاحم بها الفريضة مخفّفة، وإن لم يكن صلّى شيئاً بدأ بالفريضة * ولا يجوز تقديمها على الزوال إلا يوم الجمعة، ويزاد في نافلتها أربع ركعات اثنتان منها للزوال.
..........
قوله: «وقيل: ما دام وقت الاختيار باقياً».
المراد بوقت الاختيار ما مرّ من المثل للظهر أو الأربعة أقدام، والمثلين للعصر أو الثمان.
وظاهر الأصحاب أنّ هذا الوقت بأجمعه للنافلة، فيبقى أداءً فيه، ولا تزاحم الفريضة شيئاً منه. ويحتمل استثناء قدر الفريضة من آخره إيثاراً لفضيلة الواجب، وخروجاً من خلاف المانع من تأخيرها عنه اختياراً، ولأن الخطب في النافلة أسهل.
قوله: «فإن خرج وقد تلبّس من النافلة ولو بركعة زاحم بها الفريضة مخففة».
تتحقق الركعة بإكمال سجودها وإن لم يرفع رأسه منه، والمراد بتخفيفها الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها، كقراءة الحمد وحدها، وتسبيحة واحدة للركوع والسجود.
ولو تأدى التخفيف بالصلاة جالساً، ففي إيثاره على القيام نظر من إطلاق الأمر بالتخفيف(1) ، وعدم النظر إلى كمال الفضيلة وزيادة الأفعال فضلاً عن الهيئة، ومن الحمل على المعهود، وكون الجلوس اختياراً على خلاف الأصل.
قوله: «ولا يجوز تقديمها على الزوال إلا يوم الجمعة، ويزاد في نافلتها أربع ركعات».
فتصير نافلة الجمعة عشرين، والأفضل تفريقها سُداس: ستُ عند انبساط الشمس، وهو انتشارها على وجه الأرض وكمال ظهورها وست عند ارتفاعها، وستّ عند قيامها قبل الزوال، وركعتان ،بعده، ودونه تأخير الست الأولى وجعلها بين الفريضتين، ويجوز تقديمها بأسرها على الزوال وتأخيرها عنه مقدّمةً على الفريضتين أو مؤخرةً عنهما أو متوسطة أو بالتفريق، وينوي في الجميع نوافل يوم الجمعة.
ص: 146
ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار أداء الفريضة، فإن بلغ ذلك * ولم يكن صلّى النافلة أجمع، بدأ بالفريضة.
وركعتان من جلوس بعد العشاء، ويمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة، وينبغي أن يجعلهما خاتمة نوافله.
وصلاة الليل بعد انتصافه، وكلّما قربت من الفجر كان أفضل* ولا يجوز تقديمها على الانتصاف، إلا لمسافرٍ يصدّه جده، أو شاب تمنعه رطوبة رأسه، وقضاؤها أفضل.
وآخر وقتها طلوع الفجر، فإن طلع* ولم يكن تلبس منها بأربع بدأ بركعتي
......
ولا تختص زيادة الأربع بما إذا صُلّيت الجمعة - بناءً على أن الساقط حينئذ ركعتان فيستحبّ الإتيان ببدلهما والنافلة ضعف الفريضة - لإطلاق الأصحاب والأخبار(1) .
قوله: «ولم يكن صلّى النافلة أجمع بدأ بالفريضة».
هذا إذا كان الخروج قبل الشروع بأن لا يكون قد صلّى منها شيئاً، أو صلى ركعتين ولم يشرع في الأخيرتين، أما لو خرج في أثناء ركعتين أتتهما - سواء في ذلك الأوليان والأخيرتان - للنهي عن إبطال العمل(2).
قوله: «ولا يجوز تقديمها على الانتصاف إلا لمسافر - إلى قوله - تمنعه رطوبة رأسه».
ومثلهما خائف البرد والجنابة ومريدها حيث يشق الغسل، وغيرهم من ذوي الأعذار. والمراد بنافلة الليل هنا الإحدى عشر، ويقصد في نيته التعجيل، ولو نوى الأداء صح، وأوّل وقته بعد صلاة العشاء.
قوله: «ولم يكن تلبس منها بأربع».
يتحقق الأربع بإكمال السجدة الأخيرة من الرابعة.
ص: 147
الفجر قبل الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقيّة، فيشتغل بالفريضة.* وإن كان تلبّس بأربع تمّمها مخفّفةً ولو طلع الفجر.
ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر الأول، * ويجوز أن يصلّيهما قبل ذلك، والأفضل إعادتهما بعده، ويمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة، ثمّ تصير الفريضة أولى.
ويجوز أن يقضي الفرائض الخمس في كلّ وقت ما لم يتضيّق وقت الحاضرة، وكذا يصلّى بقية الصلوات المفروضات.
* ويصلّي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة، وكذا قضاؤها.
وأما أحكامها ففيه مسائل:
الأولى: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض - * وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة، وجب عليه قضاؤها، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك، على الأظهر.
...........
قوله: «وإن كان تلبس بأربع تممها مخففة».
بالحمد وحدها مقتصراً على الأقل فى الأذكار ولا فرق في الإتمام بين أن يكون التأخير لضرورةٍ وغيرها، ومن جملتها الشفع والوتر، كما مرّ.
قوله :«ويجوز أن يصليهما قبل ذلك».
بعد صلاة الليل، ويُسمّيان لذلك بالدساستين؛ لدسهما في صلاة الليل.
قوله: «ويصلّي النوافل ما لم يدخل وقت فريضةٍ».
بناءً على عدم جواز النافلة لمن عليه فريضة، والأصح الجواز ما لم يضر بالفريضة.
ويستثنى ممّا حكم به المصنّف النافلة الراتبة قبل الفريضة كنافلة الظهرين.
قوله: «وقد مضى من الوقت ] مقدار الطهارة وأداء الفريضة وجب عليه قضاؤها».
هذا مبني على الغالب من وجود باقي الشرائط غير الطهارة كالستر وتحصيل القبلة وغيرهما، وإلافالشرط إدراك قدر الصلاة وشرائطها المفقودة بعد دخول الوقت فلو لم يكن
ص: 148
ولو زال المانع * فإن أدرك الطهارة وركعةً من الفريضة لزمه أداؤها * ويكون مؤدياً على الأظهر، ولو أهمل قضى ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل
.......
مستتراً بما يصح معه الصلاة فلابد من مضى قدر ما يستتر به مضافاً إلى ما ذكر، كما أنّه لو كان متطهراً لم يعتبر مضي مقدار الطهارة.
والمعتبر في أداء الفريضة فعل أخفّ صلاةٍ يمكن الاجتزاء بها في تأدية الواجب في ذلك الوقت، فلو كان في مواضع التخيير بين القصر والإتمام كفى في الوجوب مضي مقدار الصلاة قصراً، فلو طوّل زيادةً على ذلك فَعَرَضَ المانع من الإكمال وجب القضاء.
وحكم وسط الوقت حكم أوّله، وكان عليه أن يذكره لتصير الأقسام ثلاثة.
قوله: «فإن أدرك الطهارة وركعةً من الفريضة لزمه أداؤها».
الحكم هنا كما تقدم من أنّ المعتبر قدر ركعة بعد فعل الشرائط المفقودة، سواء في ذلك الطهارة وغيرها. ويشترط في استدامة الوجوب خلوّ ما يسع باقي الصلاة من المانع، فلو عرض الجنون - مثلاً - بعد مضى مقدار ركعة من آخر الوقت بحيث لا يمكن إكمالها قبله لم يجب القضاء، كما في عروضه في أوّل الوقت؛ لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها، وبهذا يحصل الفرق بين أوّل الوقت وآخره.
قوله: «ويكون مؤدياً للجميع(1) على الأظهر».
العموم قوله : «مَنْ أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الجميع»(2). ولا شكّ أنّ مُدرِك الجميع مؤد، فكذا ما هو بحكمه.
وقيل: يكون قاضياً للجميع(3). أما ما زاد عن الركعة الأولى فظاهر؛ لوقوعه في غير الوقت، وأما الركعة الأولى فلوقوعها في آخر الوقت، وهو وقت الركعة الأخيرة، فقد وقعت في غير وقتها أيضاً.
ص: 149
إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير* وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمته الفريضتان.
الثانية: * الصبي المتطوّع بوظيفة الوقت إذا بلغ بما لا يُبطل الطهارة والوقت باقٍ استأنف على الأشبه، وإن بقي من الوقت دون الركعة بني على نافلته، ولا يجدد نية الفرض.
الثالثة: إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز له التعويل على الظن فإن فقد العلم اجتهد، فإن غلب على ظنه دخول الوقت صلّى، فإن انكشف فساد الظنّ
.....
وقيل: بالتوزيع إعطاء لما وقع في الوقت وبعده حكمه(1) .
والخبر حجّة عليهما.
قوله: «ولو أدرك(2) خمس ركعات قبل الغروب لزمه الفريضتان».
ومثله ما لو أدرك قدرها قبل الانتصاف، لا إذا أدرك قدر أربع، وإن كان يبقى للعشاء منها ركعة؛ لاختصاص العشاء من آخره بقدرها.
قوله: «الصبي المتطوع بوظيفة الوقت -إلى قوله -استأنف».
بناءً على أن عبادته تمرينية لا شرعية، فلا توصف بالصحة والفساد، ولا فرق في ذلك بين الطهارة والصلاة فلا بد من إدراك قدر الطهارة وركعة، وإلا بنى على نافلته استحباباً. ولا يرد خروجه عن أهلية التمرين بالبلوغ، فيشكل إكمالها؛ لانتفاء التمريني والشرعي ؛ لأنه بالنسبة إلى هذا الوقت في حكم الصبي، وللنهي عن قطع العمل(3)الذي أقله استحباب المضى عليه.
قوله: «فإن فقد العلم اجتهد».
في تحصيل الوقت بالأمارات المفيدة له ولو ظنّاً، كالأوراد لذي الصنعة والدرس وغيرهما.
ص: 150
قبل دخول الوقت استأنف، وإن كان الوقت دخل وهو متلبّس-* ولو قبل التسليم - لم يُعد على الأظهر ، ولو صلّى قبل الوقت عامداً أو جاهلاً أو ناسياً كانت صلاته باطلة.
الرابعة: الفرائض اليومية مرتبة في القضاء، فلو دخل في فريضةٍ فذكر أنّ عليه سابقة،* عدل بنيته ما دام العدول ممكناً،
..........
ولا فرق في ذلك بين الأعمى والممنوع من العلم بحبس أو غيم أو غيرهما.
ويجوز لمن تعذر عليه العلم الرجوع إلى العدل العارف المخبر عن علم، وإلى المؤذن العدل، ولا يجوز مع إمكان العلم على المشهور.
قوله: «ولو قبل التسليم لم يُعد على الأظهر».
خالف في ذلك جماعة من الأصحاب (1)؛ حيث شرطوا في صحة الصلاة مع الاجتهاد وقوع جميعها في الوقت.
والمشهور ما اختاره المصنف. ويجب تقييده بالقول بوجوب التسليم، وإلا فلا بدّ من تقييده بدخول الوقت قبل كمال التشهد.
قوله: «عدل بنيته ما دام العدول ممكناً».
يتحقق الإمكان بعدم الركوع لركعة زائدة على عدد المعدول إليها، فلو كانت المتقدمة صبحاً عدل إليها ما لم يركع في الثالثة، أو مغرباً ما لم يركع في الرابعة، ولو كانتا متساويتين عدداً فالعدول ممكن ما لم تتم الصلاة.
ومعنى العدول أن ينوي بقلبه أنّ هذه الصلاة بمجموعها - ما مضى منها وما بقي - هي السابقة المعينة، مؤداة أو مقضيّة، إلى آخر ما يعتبر في النية.
واحترز ب_«اليومية» عن غيرها من الصلوات الواجبة حاضرة كانت أم فائتة أم بالتفريق، كالعيد والآيات والجنازة، فإنّها لا يترتب بعضها على بعض بالأصالة، وكذا لا ترتيب بينها وبين اليومية على المشهور.
ص: 151
* وإلا استأنف المرتبة.
الخامسة : * تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها، * وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، ولا بأس بما له سبب، كصلاة الزيارات والحاجة والنوافل المرتبة.
..........
قوله: «وإلا استأنف المرتبة».
أي السابقة بعد إكمال ما هو فيها إن لم يكن أكملها، ويغتفر الترتيب للنسيان.
وفي تسمية السابقة مرتبة تجوّز.
قوله: «وتكره النوافل المبتدأة».
المراد بالمبتدأة ما يخترعه الإنسان من النوافل التي لا سبب لها متقدّماً ولا مقارناً لهذه الأوقات.
و معنى كراهة العبادة في هذه المواضع ونظائرها كونها خلاف الأولى، فينقص ثوابها عن فعلها في غير هذه الأوقات لا الكراهة المتعارفة.
واعلم أن الكراهة عند الطلوع تمتد إلى أن ترتفع وتذهب الحمرة ويستولي شعاعها.
والمراد بغروبها ميلها إلى الغروب وهو اصفرارها، وتمتد الكراهة إلى ذهاب الحمرة المشرقية.
والمراد بقيامها انتهاء ارتفاعها ووصولها إلى دائرة نصف النهار المعلوم بانتهاء نقصان الظلّ. وهذه الثلاثة تعلّق النهي فيها بالوقت (1).
قوله: «وبعد صلاة الصبح و(2)العصر».
تمتد الكراهة بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، وبعد العصر إلى الغروب، فتتصل الكراهة من الفعل إلى الوقت.
ص: 152
السادسة: ما يفوت من النوافل ليلاً يستحب تعجيله ولو في النهار، وما يفوت نهاراً يستحب تعجيله ولو ليلاً، ولا ينتظر بها النهار.
السابعة: الأفضل في كلّ صلاةٍ أن يؤتى بها في أوّل وقتها، إلّا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات، فإن تأخيرهما إلى المزدلفة أولى* ولو صار إلى ربع الليل والعشاء الأفضل تأخيرها * حتى يسقط الشفق الأحمر.
والمتنفّل يؤخّر الظهر والعصر* حتى يأتي بنافلتهما، * والمستحاضة تؤخّر الظهر والمغرب.
الثامنة: لو ظنّ أنّه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر* فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته،
........
قوله: «ولو صار إلى ربع الليل».
بل يستحبّ التأخير ولو صار ثلث الليل؛ لصحيحة محمد بن مسلم: «لا تصل المغرب حتى تأتي جَمْعاً وإن ذهب ثلث الليل»(1). وجَمْع - بفتح الجيم وإسكان الميم - وهو المشعر .
قوله: «حتى يسقط الشفق».
وكذا يستحب تأخير العصر حتى يصير ظلّ كلّ شيءٍ مثله.
قوله: «حتى يأتى بنافلتهما».
وكذا يؤخر الصبح حتى يأتي بنافلتها إن لم يكن قدمها على الفجر.
قوله: «والمستحاضة تؤخّر الظهر والمغرب».
إلى آخر وقت فضيلتهما، وتُقدّم العصر والعشاء في أوّل وقت فضيلتهما، فيحصل الجمع بين الصلاتين في وقت الفضيلة بغسل واحد، وذلك حيث يجب عليها الغسل لهما.
قوله: «فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته».
لا فرق في جواز العدول بين وقوع الثانية في الوقت المختص بالأولى أو في المشترك، ومن ثَمَّ أطلق هنا، وفصل بعد ذلك.
ص: 153
وإن لم يذكر حتى فرغ* فإن كان صلى في أول وقت الظهر أعاد بعد أن يصلّى الظهر على الأشبه ، وإن كان في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها ، أجزأته وأتى بالظهر.
والنظر في القبلة والمستقبل، وما يجب له وأحكام الخلل.
......
قوله: «فإن كان صلى في أوّل وقت الظهر أعاد» إلى آخره.
إنّما قيّد بالظهر؛ لأنّ العشاء لا يأتي فيها ذلك لدخول المشترك وهو فيها، نعم، لو فرض سهوه عن بعض الأفعال التي لا تتلافى - بحيث يساوي ركعة فما زاد - أمكن وقوعها في المختص ومساواتها للظهر، ولو فرض تطويله العصر عن المعتاد بالأذكار المندوبة والطمأنينة الزائدة عن الواجب أمكن صحتها وإن وقعت في أول الوقت.
واعلم أن فرض وقوع العصر في أوّل وقت الظهر مع ظنّه أنه صلّى الظهر مستبعد؛ لأنّ ظنّ الصلاة يقتضي مضيّ زمان بعد الظهر.
ويمكن فرض ذلك فيما لو كان مستند تحصيل الوقت الظن لغيم ونحوه، فإنه يمكن فرض خلاف ما ظنّه ، ولو فرض أنه صلى العصر ناسياً في المختص بالظهر كان الفرض سهلاً.
ونبه ب_ «الأشبه» على خلاف ابن بابويه القائل باشتراك الصلاتين في الوقت بأجمعه(1) ، وخلاف بعض الأصحاب؛ حيث شرط في الصحة وقوع مجموع الثانية في المشترك (2).
ص: 154
* هي الكعبة لمن كان في المسجد، والمسجد لمن كان في الحرم، والحرم لمن خرج عنه على الأظهر .* وجهة الكعبة هي القبلة لا البَنِيّة،
..........
قوله: «وهي الكعبة لمن كان في المسجد» إلى آخره.
هذا قول أكثر الأصحاب، ومستنده أخبار ضعيفة السند أو مرسلة (1). والذي اختاره المتأخرون أنّ القبلة هي عين الكعبة لمن أمكنه مشاهدتها ولو بمشقة يمكن تحمّلها عادةً، كمن في بيوت مكة أو ب_ «الأبطح» وما قاربه مع عدم المانع، ومع البغد أو تعذر المشاهدة أو مشقتها بحيث لا تتحمل كمن كان مريضاً في بيوت مكة أو محبوساً فالقبلة هي جهة الكعبة. والمراد بالجهة القدر الذي يجوز على كلّ جزءٍ منه كون الكعبة فيه، ويقطع بعدم خروجها عنه لأمارة يجوز التعويل عليها شرعاً.
واحترز بالقيد الأخير عن فاقد الأمارات بحيث يكون فرضه الصلاة إلى أربع جهات فإنّه يجوز على كلّ جزءٍ من الجهات الأربع كون الكعبة فيه ويقطع بعدم خروجها عنه لكن لا لأمارة شرعيّة، وكذا ظان(2) الكعبة في جهتين أو ما زاد.
وهذه الجهة المذكورة تختلف سعةً وضيقاً بحسب البعد عن الكعبة والقرب إليها، فإنّ الجرم الصغير كلما ازداد الشخص بُعْداً عنه اتسعت جهة محاذاته، ومن عنه اتسعت جهة محاذاته، ومن ثُمَّ يشترك أهل الجهة الواحدة كالشام والعراق في سمت واحد ولا بد في تحقيق ذلك من ضرب من الاجتهاد، فإنّ العلامات المنصوبة لأهل الجهات كلّها مستفادة من الهيئة إلا بعض علامات العراق، كما ذكره الأصحاب وغيرهم.
قوله: «وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية».
المراد أنّ القبلة تمتدّ محاذية للكعبة علوّاً وسفلاً من عنان السماء إلى تخوم الأرض
ص: 155
فلو زالت البنية صلّى إلى جهتها، كما يصلّي مَنْ هو أعلى موقفاً منها.
وإن صلى في جوفها استقبل أي جدرانها شاء *على كراهية في الفريضة، ولو صلّى على سطحها أبرز بين يديه منه ما يصلّي إليه، * وقيل: يستلقي على ظهره ويصلّي إلى البيت المعمور والأوّل أصح، ولا يحتاج أن ينصب بين يديه شيئاً. وكذا لو صلّى إلى بابها وهو مفتوح.
*ولو استطال صفّ المأمومين في المسجد حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض.
ولا عبرة بالبنية، فلو صلّى على مرتفع منها كجبل أبي قبيس أو في سرداب استقبل هذا المقدارالمساوي لجرم الكعبة، وكذا القول فيما لو زالت البنية والعياذ بالله.
قوله: «على كراهية في الفريضة». إنما كرهت الصلاة في جوف الكعبة - مع أنّ المعتبر في الصلاة إليها الصلاة إلى جزء من أجزائها وهو حاصل - للخروج من خلاف القائل بالمنع استناداً إلى أن الصلاة فيها ليست إليها (1)، والمأمور به الصلاة إليها، وقد عرفت أنّ المراد بالصلاة إليها الصلاة إلى جزء من
أجزائها.
وعُلّلت الكراهية أيضاً بجواز الجماعة فيها ، فربما أدّى إلى كثرة المستدبرين ، وهي علة نادرة.
قوله: «وقيل: يستلقي على ظهره ويصلّي» إلى آخره.
القائل بذلك الشيخ (رحمه الله) في الخلاف وفرضه الإيماء للركوع والسجود كالمريض المستلقي(2)، وهو ضعيف.
قوله: «ولو استطال صفّ المأمومين - إلى قوله - بطلت صلاة ذلك البعض».
ص: 156
وأهل كل إقليم يتوجهون إلى سمت الركن الذي على جهتهم، *فأهل العراق إلى العراقي، وهو الذي فيه الحجر، وأهل الشام إلى الشامي، والمغرب إلى المغربي، واليمن إلى اليماني * وأهل العراق ومَنْ والاهم يجعلون الفجر على المنكب الأيسر، والمغرب على الأيمن،
..............
لوجوب استقبال العين للقريب بخلاف البعيد فإنّ الجهة متسعة، كما مرّ.
قوله: «فأهل العراق إلى العراقي».
هذا على سبيل التقريب وإلا فأهل العراق إنّما يستقبلون الباب وما قاربه والشام يستقبلون ما بين الميزاب والركن، ومع ذلك فالمعتبر عند المصنف في البعيد استقبال الحرم وعند آخرين الجهة، وهى أوسع من ذلك.
قوله: «وأهل العراق ومَن والاهم يجعلون الفجر على المنكب الأيسر».
المراد بمن والاهم مَنْ كان في جهتهم بحيث يقاربهم في طول بلدهم، وهم أهل خراسان ومَنْ ناسبهم كما ذكره جماعة من الأصحاب (1)، وإن كان التحرير التام يقتضي احتياجهم إلى زيادة انحراف يسير نحو المغرب. وينبغي أن يراد بالفجر والمغرب ما يعم الاعتداليين ليمكن موافقته لباقي العلامات بحمل العموم على بعض الأفراد الخاصة، فإنّ جعل مغرب الاعتدال أو مشرقه كذلك يوجب استقبال نقطة الجنوب واستدبار نقطة الشمال، وذلك لا يطابق جعل الجدي طالعاً خلف المنكب الأيمن، بل يوجب كونه بين الكتفين.
وتحرير المحلّ أن العلامات الثلاث لقبلة العراق ليست على وتيرة واحدة ، فإنّ الأولى إن أخذت عامة أمكن مطابقتها لنقطة الجنوب وما مال عنها إلى المشرق والمغرب؛ لاختلاف مطالع الفجر، وهذا غير مرادٍ قطعاً، وإن حملت على الاعتداليين وافقت الثالثة؛ لأنّ الشمس عند الزوال تكون على دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتي الجنوب والشمال فتكون حينئذٍ المستقبل نقطة الجنوب بين العينين، فإذا زالت مالت إلى طرف الحاجب الأيمن.
ص: 157
*والجدي محاذي خلف المنكب الأيمن، وعين الشمس عند زوالها على الحاجب الأيمن.
..........
وأما جعل الجدي محاذي المنكب الأيمن فإنه يقتضي انحرافاً بيناً نحو المغرب، كما يقتضي جعله خلف المنكب الأيسر الانحراف نحو المشرق، وذلك لأن الجدي حال طلوعه وهو غاية ارتفاعه - يكون على دائرة نصف النهار، كما أنّ كلّ كوكب يكون عليها عند غاية ارتفاعه، وهي متصلة بنقطتي الجنوب والشمال، كما مرّ، فيكون جعل الجدي بين الكتفين باليقين موجباً لاستقبال نقطة الجنوب، وجعله على أحد المنكبين موجباً للتشريق أو التغريب، كما لا يخفى.
والتحقيق في هذا المقام المستند إلى مقدمات أُخر أن أطراف العراق الغربية كالموصل وما والاها قبلتهم نقطة الجنوب تقريباً، وعلامتهم جعل المشرق والمغرب على اليمين واليسار كما ذكر، وأوساط العراق - كبغداد والمشهدين - يميلون إلى الغرب قليلاً، وعلامتهم جعل «الجدي» طالعاً خلف المنكب الأيمن، وأطرافه الشرقية كالبصرة وما والاها يحتاج فيها إلى زيادة انحراف نحو المغرب، فالعلامات المذكورة كلّها صحيحة في الجملة، ويحتاج تحقيقها إلى ضرب من النظر.
قوله: «والجدي محاذي المنكب الأيمن».
«الجدي» مكبّراً، وربما صُغر ليتميّز عن «البرج»، وهو نجم مضيء يدور مع «الفرقدين» حول قطب العالم الشمالي، والمراد بالقطب نقطة مخصوصة يقابلها مثلها من الجنوب انخفاضها في الأرض بمقدار ارتفاع الشمالية عنها، وأقرب الكواكب إليها نجم خفي لا يكاد يدركه إلا حديد البصر يدور حولها كل يوم وليلةٍ دورة لطيفة لا يكاد يُدرك، ويطلق على هذا النجم «القطب» مجازاً؛ لمجاورته القطب الحقيقي، وهو علامة لقبلة العراقي إذا جعله المصلّي خلف منكبه الأيمن، ويخلفه الجدي في العلامة إذا كان في غاية الارتفاع أو الانخفاض.
وإنّما اشترط ذلك لكونه في تلك الحال على دائرة نصف النهار وهي مارة بالقطبين
ص: 158
*ويستحب لهم التياسر إلى يسار المصلي منهم قليلاً.
ويجب الاستقبال في الصلاة * مع العلم بجهة القبلة، فإن جهلها عوّل على الأمارات المفيدة للظنّ، وإذا اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده،
............
وبنقطة الجنوب والشمال، فإذا كان القطب مسامتاً لعضو من المصلّي كان الجدي مسامتاً له؛ لكونهما على دائرة واحدة بخلاف ما لو كان منحرفاً نحو المشرق والمغرب.
قوله: «ويستحب لهم التياسر إلى يسار المصلّي منهم قليلاً».
بناءً على أن توجههم إلى الحرم، وأنصاب الحرم مختلفة عن يمين الكعبة وشمالها، فإنّه -كما ورد في الخبر(1) - ثمانية أميال عن يسارها وأربعة عن يمينها، فأُمروا بالتياسر ليتوسطوا الحرم، والجهة محصلة على التقديرين، فإنّ التياسر منها إليها. ومستند الحكم أخبار ضعيفة (2)، ومبني على قول لا عمل عليه، فالقول بالاستحباب ضعيف.
قوله: «مع العلم بجهة القبلة، فإن جهلها عوّل على الأمارات المفيدة للظنّ».
ليس المراد بالأمارات هنا ما هو مذكور في كتب الفقه لتحصيل الجهة كالجدي ونحوه، فإنّ تلك مفيدة للعلم بالجهة إذا حرّرت على وجهها، بل المراد بالأمارات المفيدة للظنّ الرياح الأربع ومنازل القمر ونحوهما ممّا لا ينضبط غالباً، فإنّهم جوزوا التعويل عليها عند تعذر غيرها من الأمارات المفيدة للعلم بالجهة كالكواكب.
أما الرياح فإنّما تكون علامة عند تحققها، ولا تكاد تتفق لغير الماهر في معرفة طبائعها ومثار أفعالها إلا مع العلم بالجهات الأربع، ومعه يستغنى عن الاستدلال بها.
وأما القمر فإنّه يكون ليلة سبع من الشهر في قبلة العراقي أو قريباً منها عند الغروب، وليلة الرابع عشر منه نصف الليل، وليلة الحادي والعشرين عند الفجر، إلّا أنّ ذلك كله
ص: 159
*قيل: يعمل على اجتهاده، ويقوى عندي أنه إن كان ذلك الخبر أوثق في نفسه عوّل عليه.
ولو لم يكن له طريق إلى الاجتهاد * فأخبره كافر، قيل: لا يعمل بخبره، ويقوى عندى أنه إن أفاده الظنّ عمل به.
* ويعوّل على قبلة البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط .
............
تقريبي لا يستمرّ على وجه واحد؛ لاختلاف حركات القمر، فلذلك اشترط التعويل عليها بفقد العلامات الثابتة كالجدي.
قوله: «قيل: يعمل على اجتهاده، ويقوى عندي» إلى آخره.
المراد بالمجتهد هنا العارف بأدلّة القبلة المذكورة في كتب الفقه وغيرها.
ووجه القوة: رجحان خبر الغير في نفسه، فيكون المصير إليه أولى من الطرف المرجوح. ويضعف بأنّ الرجوع إلى الغير تقليد لا يجوز المصير إليه مع إمكان الاجتهاد.
نعم، لو كان المخبر عدلين عن علم اتجه تقديمهما على اجتهاده.
قوله: «فأخبره كافر قيل: لا يعمل بخبره، ويقوى عندي» إلى آخره.
بل الأصح وجوب الصلاة إلى أربع (1)؛ لفقد شرط التقليد، ووجوب التثبت عند خبر الفاسق فضلاً عن الكافر.
قوله: «ويعوّل على قبلة البلد إذا لم يعلم أنّها بُنيت على الخطأ».
قبلة البلد تشمل المنصوبة في المساجد والقبور والطرق وغيرها، ولا فرق بين البلد الكبير والصغير، واللام فيه للعهد الذهني وهي بلد المسلمين، فلو وجد محراباً في بلدٍ لا يعلم أهله لم يجز التعويل عليه، كما لا يجوز التعويل على القبور المجهولة والمحاريب المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين عليها، ونحو القبر والقبرين للمسلمين.
ويتخيّر المصلّي مع وجود قبلة البلد بين تقليده والاجتهاد، فإن اجتهد فأداه اجتهاده إلى
ص: 160
*ومَنْ ليس متمكناً من الاجتهاد كالأعمى يعوّل على غيره.
*ومَنْ فقد العلم والظن فإن كان الوقت واسعاً صلّى الصلاة إلى أربع جهات لكلّ جهةٍ مرّةً، وإن ضاق عن ذلك صلّى من الجهات ما يحتمله الوقت ،
......
خطأ القبلة في التيامن والتياسر وجب المصير إليه؛ لإمكان الغلط اليسير على الخلق الكثير، كما وقع في كثيرٍ، وإن أداه إلى المخالفة في جهةٍ كاملة لم يجز المصير إليه.
هذا كله في غير محراب صلّى فيه ،معصوم، كمسجد النبي، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة وإن كان ناصبه غير أمير المؤمنين ؛ لأنّ صلاته فيه كافية، فلا اجتهاد في هذه المساجد ونظائرها؛ لعدم جواز الخطأ على المعصوم.
قوله: «و مَنْ ليس متمكناً من الاجتهاد كالأعمى يعوّل على غيره».
مقتضى الإطلاق: عدم الفرق بين مَنْ كان عالماً بالأمارات لکنه ممنوع منها لعارض، كغيم ونحوه، أو جاهلاً بها مع عدم القدرة على التعلّم كالعامي عند ضيق الوقت، أو لا يقدر عليه أصلاً، كالأعمى، فيجوز التقليد للجميع مع تعذر الاجتهاد.
والحكم في الأعمى جيد في محلّه، وفي غيره خلاف والذي ذهب إليه الأكثر وجوب صلاة الأول إلى أربع جهات.
والمشهور في الجاهل غير القادر على التعلّم جواز التقليد، كما ذكر.
وحيث ساغ التقليد وجب تقليد العدل العارف بأدلّة القبلة المخبر عن يقين أو اجتهاد، سواء كان المخبر رجلاً أو امرأةً، حُرّاً أم عبداً، فإنّ ذلك من باب الإخبار لا الشهادة.
ولو أمكن تحصيل القبلة بمحراب ونحوه، قدم على التقليد، وكذا لو قدر على المخبر بكون الجدي منه على الموضع المعتبر، قدّم على التقليد في أصل القبلة.
قوله : «ومَنْ فقد العلم والظنّ - إلى قوله - أي جهة شاء».
يدخل في ذلك الأعمى إذا لم يجد مَنْ يسوغ له تقليده.
والمراد بالصلاة الواحدة فريضة واحدة، فلو اجتمع فرضان في وقت كالظهرين لم يجز الشروع في الثانية حتّى يصلي الأولى إلى أربع، ليحصل يقين البراءة من الأولى
ص: 161
فإن ضاق إلا عن صلاةٍ واحدة صلاها إلى أي جهةٍ شاء.
والمسافر يجب عليه استقبال القبلة، ولا يجوز له أن يصلّى شيئاً من الفرائض * على الراحلة إلا عند الضرورة ويستقبل القبلة وإن لم يتمكن استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته وينحرف إلى القبلة كلّما انحرفت الدابة، فإن لم يتمكّن استقبل بتكبيرة الإحرام ، ولو لم يتمكن من ذلك أجزأته الصلاة وإن لم يكن مستقبلاً . * وكذا المضطر إلى الصلاة ماشياً مع ضيق الوقت.
.......
عند الشروع في الثانية، كالصلاة في الثوبين أحدهما نجس مشتبه، فتصير الصلاة إلى الأربع جهات بمنزلة فعلها مرّةً عند اتضاح القبلة.
ويجب في الأربع كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر، بحيث يحدث عنهما زوايا قائمة؛ لأنه المفهوم منها، مع احتمال الاجتزاء بما هو أوسع من ذلك.
ويطرد الصلاة إلى أربع في جميع الصلوات حتى الجنازة، وكذا تغسيل الميت، دون احتضاره ودفنه، وكذا الذبح والتخلّي.
قوله: «على الراحلة إلا عند الضرورة».
كما في صلاة المطاردة، أو المرض المانع من النزول، أو الخوف، وغيرها من الأعذار.
ويجب تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب عند تعذرها، ومراعاة باقي الشرائط والأركان بحسب الإمكان.
والانحراف بالدابة عن القبلة في حقه بمنزلة الانحراف عنها لغيره، فيبطل مع التعمد، أو مطلقاً مع الاستدبار- كما سيأتي تفصيله - لا إن كان لجماحها وإن طال الانحراف، مع تعذر استقباله ولو بالركوب مقلوباً. ولو تعارض الركوب والمشي قدم أكثر هما استيفاء للشرائط والأركان، فإن تساويا رجّح المشي.
قوله: «وكذا المضطر إلى الصلاة ماشياً».
ويجب عليه الاقتصار على ما يتأدى به الحاجة، كما يجب ذلك في الراكب، والتحرز عن ملاقاة النجاسة غير المعفو عنها لثوبه أو بدنه بحسب الإمكان.
ص: 162
ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود في فرائض الصلاة * هل تجوز له الفريضة على الراحلة اختياراً ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه.
ويجب الاستقبال في فرائض الصلوات مع الإمكان، وعند الذبح وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه.
*وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها، ويجوز أن يصلّي على الراحلة سفراً وحضراً، وإلى غير القبلة على كراهية متأكدة في الحضر.
ويسقط فرض الاستقبال في كلّ موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة.
............
قوله: «هل تجوز له الفريضة على الراحلة اختياراً ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه».
هذا هو الأجود؛ لصحيحة عبد الرحمن عن الصادق (عليه السلام): «لا يصلّى على الدابة الفريضة إلّا مريض»(1).
ولا فرق بين المعقولة والمطلقة.
وفي حكمها السفينة المتحرّكة مع التمكن من مكان مستقر في غيرها. ولو اضطر إلى الصلاة فيها، فكالدابة في وجوب مراعاة الاستقبال، واستيفاء الأفعال بحسب الإمكان.
قوله: «وأمّا النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها».
ظاهره جواز فعلها إلى غير القبلة اختياراً مطلقاً، والأصح أنه مقصور على الماشي والراكب لا غير، ولا فرق فيهما بين الحاضر والمسافر، ويومئان للركوع والسجود برأسهما. ثم بالعين مع عدم إمكان ما هو أتم منه.
ص: 163
وهي مسائل:
الأولى: الأعمى يرجع إلى غيره لقصوره عن الاجتهاد * فإن عوّل على رأيه - مع وجود المبصر - الأمارة وجدها، وإلا فعليه الإعادة.
الثانية: إذا صلّى إلى جهة إمّا لغلبة الظنّ أو لضيق الوقت ثم تبيّن خطؤه، * فإن كان منحرفاً يسيراً فالصلاة ماضية، وإلا أعاد في الوقت، وقيل: إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت، والأوّل أظهر.
...........
قوله: «فإن عوّل على رأيه لأمارة وجدها [صح] وإلا فعليه الإعادة».
لا فرق في وجوب إعادته بين كون الصلاة واقعةً إلى القبلة وإلى غيرها؛ لدخوله فيها دخولاً منهياً عنه. والمراد بالأمارة تعويله على ما ظنّه محراب مسجد أو على شيءٍ نصبه له المبصر فتبين خلافه.
قوله: «فإن كان منحرفاً يسيراً فالصلاة ماضية، وإلّا أعاد في الوقت، وقيل: إن بان أنه استدبر أعاد» إلى آخره.
المراد بالاستدبار ما قابل جهة القبلة، بمعنى أنّ كلّ خطّ يمكن فرض أحد طرفيه جهةً لها فالطرف الآخر استدبار، ولو فُرض وقوع خط مستقيم على هذا الخط بحيث يحدث عنهما أربع زوايا قائمة فالخط الثاني خط اليمين واليسار، فلو فرض خط آخر على الخطّ الأوّل بحيث يحدث عنهما زوايا منفرجة وحادة، فما كان منه بين خط اليمين واليسار وخطّ القبلة فهو الانحراف المغتفر وما كان منه بين خط الاستدبار وخط اليمين واليسار فهو بحكم اليمين واليسار لا الاستدبار، وإنما كان كذلك؛ لأنّ الخبر الدال على إعادة المستدبر مطلقاً عبّر فيه بلفظ «دُبُر القبلة»(1)، وهو لا يتحقق إلا بما ذكر.
ص: 164
* فأما إن تبين الخلل وهو في الصلاة فإنه يستأنف على كل حال، إلا أن يكون منحرفاً يسيراً فإنّه يستقيم ولا إعادة.
الثالثة: * إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أُخرى، فإن تجدد عنده شك استأنف الاجتهاد، وإلا بنى على الأوّل .
.............
وما اختاره المصنّف من الإعادة في الوقت خاصةً مطلقاً هو الأجود؛ لضعف الرواية (1)الدالة على التفصيل.
قوله: «فأما إن تبين الخلل وهو في الصلاة فإنّه يستأنف على كلّ حالٍ».
لوجوب الإعادة في الوقت أو مطلقاً.
وينبغي أن يقيد ذلك بكون الاستئناف يوجب إدراك ركعةٍ فصاعداً، وإلّا استقام مستمراً ؛لاستلزام القطع القضاء، والمفروض عدم وجوبه.
قوله: «إذا اجتهد لصلاةٍ ثم دخل وقت أُخرى، فإن تجدد عنده شكٍّ استأنف».
رد بذلك على الشيخ (رحمه الله) حيث أوجب تجديده مطلقاً ما لم يعلم بقاء الأمارات(2).
والقولان آتيان في طلب المتيمم الماء عند حضور صلاة أُخرى، وفي المجتهد إذا سئل عن مسألة اجتهد فيها.
واعلم أنّ موضع الخلاف هنا تجديد الاجتهاد لصلاة أخرى، سواء كان وقت الثانية قد دخل وقت الاجتهاد للأولى كالظهرين، أم لا، فالعبارة عنه بقوله «ثم دخل وقت أُخرى» أخص من المدعى، فلو قال: «لا يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة» كما صنع غيره -(3)كان أشمل والأمر سهل.
ص: 165
وفيه مسائل :
الأولى: لا تجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه، سواء دبغ أو لم يدبغ، وما لا يؤكل لحمه - وهو طاهر في حياته ممّا يقع عليه الذكاة إذا ذكي كان طاهراً، ولا يستعمل في الصلاة،( وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأظهر على كراهية)(1).
الثانية: الصوف والشعر والوبر والريش ممّا يؤكل لحمه طاهر، سواء جُز من حي أو مذكى أو ميت، وتجوز الصلاة فيه، ولو قلع من الميت غُسل منه موضع الاتصال. وكذا كلّ ما لا تحلّه الحياة من الميت إذا كان طاهراً في حال الحياة، وما كان نجساً في حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر ،*ولا تصح الصلاة في شيءٍ من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكى ،
........
قوله: «ولا تصح الصلاة في شيء من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه».
سياق البحث عن اللباس يقتضي كون المنع من ذلك مخصوصاً بكونه لباساً، فلو كان غيره كالشعرات الملقاة على الثوب لم يمنع الصلاة فيه، وربما قيل بالمنع مطلقاً.
وعلى كلّ حالٍ فيستثنى من ذلك شعر الإنسان؛ لجواز الصلاة فيه متصلاً فكذا منفصلاً، ولعموم البلوى به ولحكم الكاظم بجواز الصلاة فيه(2).
والظاهر عدم الفرق بين شعر المصلّي وغيره؛ لإطلاق الخبر.
ص: 166
* إلا الخز الخالص، وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان أصحهما المنع.
الثالثة: * تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنّه لا يأكل اللحم، وقيل: لا تجوز ،والأوّل أظهر، وفي الثعالب والأرانب روايتان، أصحهما المنع.
قوله: «إلّا الخز الخالص».
الخز: دابة ذات أربع تصاد من الماء، إذا فارقته ماتت كالسمك، وذكاتها إخراجها من الماء حيّةً.
وقد أجمع الأصحاب على جواز الصلاة في وبرها الخالص من الامتزاج بوبر الأرانب والثعالب وغيرهما ممّا لا تصح الصلاة فيه، لا مطلق الخلوص.
وفي جوازها في جلدها وجهان أصحهما الجواز ؛ لقول الرضا (عليه السلام): «إذا حل وبره حل جلده»(1).
وفائدة ذكاتها المتقدمة تظهر في الجلد لا في الوبر، للإجماع على جواز الصلاة فيه مطلقاً.
قوله: «تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنّه لا يأكل اللحم».
التعليل بكونه لا يأكل اللحم موجود في الخبر عن الكاظم (عليه السلام)(2)، وكأن المراد أنه ليس بسبع يأكل اللحم فيمتنع الصلاة في جلده.
ويشترط في جواز الصلاة فيه تذكيته؛ لأنه ذو نفس، والدباغ غير مطهر عندنا.
قال في الذكرى:
وقد اشتهر بين التجار والمسافرين أنه غير مذكى، ولا عبرة بذلك حملاً لتصرّف المسلمين على ما هو الأغلب(3). انتهى.
(ولأنّه شهادة على غير محصور فلا تُسمع)(4).
ص: 167
الرابعة:* لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال، ولا الصلاة فيه إلا في الحرب وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه، ويجوز للنساء مطلقاً.
وفيما لا تتم الصلاة فيه منفرداً كالتكة والقلنسوة تردّد، والأظهر الكراهية.
ويجوز الركوب عليه *وافتراشه على الأصح *وتجوز الصلاة في ثوب مكفوف به، وإذا مزج بشيءٍ ممّا تجوز فيه الصلاة حتى خرج عن كونه محضاً جاز لبسه والصلاة فيه، سواء كان أكثر من الحرير أو أقلّ منه.
..........
قوله: «لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال».
احترز بالمحض عن الممتزج بغيره مما تجوز الصلاة فيه بحيث لا يطلق عليه لذلك اسم الحرير، فإن لبسه والصلاة فيه جائزان، وإن كان الخليط عشراً - كما صرح به المصنف في المعتبر(1) - ما لم يضمحل الخليط بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم؛ لقلة الخليط، لا اقتراحاً مع وجود ما يعتبر من الخليط.
ولا يتحقق المزج بخياطته بغيره، ولا بجعل بطانته منه وظهارته من غيره أو بالعكس، أو يجعلهما معاً من غيره وحشوهما به، فإن ذلك كله ملحق بالمحض.
واحترز بالرجل عن الصبي والمرأة، أما الخنثى فكالرجل هنا.
والقزّ نوع من الحرير وإن غايره في الاسم.
قوله: «وافتراشه على الأصح».
وفي حكم الافتراش التدتر به؛ إذ لا يُعدّ ذلك لُبْساً، وكذا التوسد عليه.
قوله: «وتجوز الصلاة في ثوبِ مكفوف به».
بأن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق(2).
وكذا يجوز اللبنة منه، وهي الجيب؛ لما روي أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كان له جبّة كسروانية لها لبنة
ص: 168
الخامسة * الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه، ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أو له جازت الصلاة مع تحقق الغصبيّة،* ولو أذن مطلقاً جاز لغير الغاصب على الظاهر.
السادسة * لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك، وتجوز فيما له ساق كالجورب والخُفّ، وتستحبّ في النعل العربية.
......
ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج (1)، وقدر نهاية عرض ذلك بأربع أصابع مضمومة من مستوي الخلقة.
قوله: «الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه».
مع ستر العورة به، ومثله ما لو قام فوقه أو سجد عليه، أما لو لم يكن ساتراً، أو كان المغصوب غير ثوب كالخاتم، فالأولى أنه كذلك.
واختار المصنّف في المعتبر الصحة؛ لتعلّق النهي بأمر خارج عن الصلاة وعن شرطها(2).
قوله: «ولو أذن مطلقاً جاز لغير الغاصب على الظاهر».
أراد بالمطلق هنا ما يشمل العام ك_ «أذنتُ لكلّ مَنْ يصلّي فيه». وإنما لم يدخل الغاصب في الإطلاق والعموم؛ لظاهر الحال المستفاد من العادة بين أغلب الناس من الحقد على الغاصب وحب مؤاخذته وميل النفس عن مسامحته في مثل ذلك، فيكون هذا الظاهر بمنزلة المخصّص المنفصل للعموم ، وقد تقرّر في الأصول جواز التخصيص بمنفصل عقلي .
قوله: «لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك».
وهو - بضم الشين وكسر الميم - نعل مخصوص. والمراد بالساق ما يغطي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئاً من الساق وإن قل.
وتحريم الصلاة في ذلك هو المشهور بين الأصحاب، واستندوا في ذلك إلى فعل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)
ص: 169
السابعة: كلّ ما عدا ما ذكرناه تصح الصلاة فيه بشرط * أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه، وأن يكون طاهراً، وقد بينا حكم الثوب النجس.
ويجوز للرجل أن يصلّي في ثوب واحد * ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين : درع ،وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين وظاهر القدمين ،
...........
والصحابة والتابعين والأئمة الصالحين، فإنّهم لم يصلّوا في هذا النوع ولا نقله عنهم ناقل؛ إذ لو وقع لنقل مع عموم البلوى به.
ولا يخفى عليك ضعف هذا المستند، فإنّه شهادة على النفي غير المحصور فلا تُسمع ومَن الذي أحاط علماً بأنهم كانوا لا يصلون فيما هو كذلك؟ ولو سلم لم يكن دليلا على عدم الجواز؛ لجواز كونه غير معتاد لهم، ولو تم ذلك لزم تحريم الصلاة في كلّ صنفٍ لم يصل فيه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة ، فالقول بالجواز أوضح. نعم، يكره؛ خروجاً من خلاف الجماعة.
قوله: «أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه».
يتحقق ذلك بملك العين أو المنفعة، كالمستأجر والمستحق منفعته بوصيّةٍ ونحوها وكذا يتحقق الإذن بالتصريح في لبسه في الصلاة أو في اللبس مطلقاً، ولا يكفي شاهد الحال هنا كما في المكان اقتصاراً بما خالف الأصل - وهو التصرّف في مال الغير بغير إذنه - على محل الوفاق.
قوله: «ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين: درع وخمار».
«الدرع» لغةً هو القميص(1)، و«الخمار» ما تغطي به رأسها، وما يوجد في كلام بعض الأصحاب من الجمع بين الدرع والقميص(2)المقتضي للمغايرة ففيه تجوّز.
وفي حكم الثوبين المذكورين الثوب الواحد الذي يحصل به الغرض من ستر الرأس
ص: 170
* على تردد في القدمين.
ويجوز أن يصلّى الرجل عرياناً * إذا ستر قبلَهُ ودُبُرَه على كراهية، * وإذا لم يجد ثوباً، سترهما بما وجده ولو بورق الشجر ، ومع عدم ما يستر به يصلّي عرياناً
...........
والرقبة والبدن، عدا ما استثني، وقصر الجواز على الثوبين في العبارة مبني على الغالب.
قوله: «على تردّد في القدمين».
المشهور استثناء القدمين وحدهما مفصل الساق، والظاهر عدم الفرق بين ظاهرهما وباطنهما.
والأولى ستر العقب. وأوجبه بعض الأصحاب؛ لعدم دخوله في مسمّى القدم.
وحد اليدين مفصل الزند ولا فرق أيضاً بين ظاهرهما وباطنهما.
ويجب ستر شيءٍ من الوجه واليد والقدم من باب المقدّمة؛ لعدم المفصل المحسوس.
قوله: «إذا ستر قُبُلَه ودُبُرَه».
المراد بالقُبُل القضيب والبيضتان دون العانة، وبالدبر نفس المخرج دون الأليين - بفتح الهمزة والياءين بغير تاء - تثنية الألية بالفتح أيضاً، ودون الفخذ فإنّها ليست من العورة على المشهور.
قوله: «وإذا لم يجد ثوباً سترهما بما وجده ولو بورق الشجر».
مفهوم الشرط توقف الاجتزاء بالورق على فقد الثوب، وهو كذلك.
وفي حكم الورق الحشيش الذي يمكن شدّه على العورة ولو بغيره.
ولو تعذر جميع ذلك استتر بالطين الساتر للون والحجم، فإن تعذر فبالوحل الساتر للون خاصةً، ثمّ بالماء الكدر إن تمكن من استيفاء الأفعال فيه، ولو لم يتمكن ووجد حفيرةً يتمكن فيها منه قدمها عليه، وكذا لو تمكن فيهما على الظاهر وأولى من الحفيرة الفسطاط الضيق الذي لا يمكن لبسه. أمّا الحُبّ - بالمهملة، وهو الخابية - والتابوت فقريبان من الحفيرة.
ص: 171
* قائماً إن كان يأمن أن يراه أحد، وإن لم يأمن صلّى جالساً، وفي الحالين يومئ عن الركوع والسجود.
* والأمة والصبية تصليان بغير خمار، فإن أُعتقت الأمة في أثناء الصلاة وجب عليها ستر ،رأسها * فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت، وكذا الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يُبطلها.
الثامنة: * تكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة والخُفّ، وفي ثوب واحد رقيق للرجال، فإن حكى ما تحته لم يجز.
..........
قوله: «قائماً إن كان يأمن أن يراه أحد إلى قوله - وفي الحالين يومئ»(1).
الإيماء هنا بالرأس لهما قائماً في الأوّل وجالساً في الثاني، ويجب الانحناء بحسب الممكن بحيث لا تبدو العورة، ووضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين في السجود على المعهود مع الإمكان، ورفع شيءٍ يسجد عليه بجبهته، كما في المريض.
قوله: «والأمة».
المراد بها المحضة، فلو انعتق بعضها فكالحرّة، والمدبَّرة وأُمّ الولد والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد شيئاً كالأمة المحضة.
قوله: «فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت».
هذا مع اتساع الوقت بحيث تدرك ركعة، وإلا استمرت؛ لتعذر الشرط حينئذ.
أمّا الصبية فالأصح أنّها تستأنف مطلقاً، إلا أن يقصر الباقي من الوقت عن قدر الطهارة وركعةٍ فتستمر. وكلام المصنّف مبني على أن أفعالها شرعيّة.
قوله: «تكره الصلاة في الثياب السود».
وكذا المصبوغة بغير السواد من الألوان، والعمامة والخُفّ مستثنيان من الأسود لا غير
ص: 172
ويكره أن يأتزر فوق القميص ،* وأن يشتمل الصمّاء ،* أو يصلّي في عمامةٍ لا حنك لها. ويكره اللثام للرجل، والنقاب للمرأة، وإن منع القراءة حرم.
وتكره الصلاة * في قباء مشدود إلا في الحرب،
........
وفي حكمهما الكساء - بالمد - وهو ثوب من صوف، ومنه العباءة، قاله الجوهري(1) ، فهذه الثلاثة خارجة من الكراهة لا بمعنى استحباب كونها سوداء.
قوله: «وأن يشتمل الصمّاء».
المشهور في تفسيره ما ذكره الشيخ (رحمه الله)، وهو أن يلتحف بالإزار فيدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد(2) .
قوله: «وأن يصلى في عمامة لا حنك لها».
المراد به إدارة جزء من العمامة تحت الحنك، ولا يتأدّى السُنّة بإدارة غيرها وإن حصل منه حفظ العمامة، وقوفاً مع النص(3)، ولعدم العلم بالتعليل.
قوله: «في قباء مشدود».
ذكر ذلك الشيخان(4) ، وأكثر الأصحاب، ومستنده على الخصوص غير معلوم. قال في التهذيب : ذكره علي بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة، ولم أجد به خبراً مسنداً (5).
وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : « لا يصلّي أحدكم وهو محزم»(6) ، ويمكن دلالته عليه وعلى ما هو أعم منه كشدّ الوسط.
ص: 173
* وأن يؤم بغير رداء، وأن يصحب شيئاً من الحديد بارزاً ، * وفي ثوب يُتهم صاحبه ، وأن تصلّى المرأة في*خلخال له صوت.
وتكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل، أو خاتم فيه صورة.
..........
قوله: «وأن يؤم بغير رداء».
وهو ثوب أو ما يقوم مقامه يجعل على المنكبين ثم يرفع ما على الجانب الأيسر على المنكب الأيمن، ويكره سدله، وهو إرسال طرفيه من الجانبين.
والرداء مستحب للإمام وغيره، ولكن تركه مكروه له خاصة، ولغيره خلاف الأولى. فتأمّل.
قوله: «وفي ثوبِ يُتهم صاحبه».
بالتساهل في النجاسة، أو بالمحرمات في الملابس.
قوله:« خلخال له صوت »
لا فرق في ذلك بين كونها سميعة وصمّاء؛ لإطلاق الخبر(1) .
وربما عُلّل باشتغال المرأة به المنافي للخشوع، فيتعدى إلى كل مصوّت بحيث يشغل السرّ (2).
قوله: «فيها تماثيل أو خاتم فيه صورة».
المراد بالتماثيل والصُوَر ما يعمّ مثال الحيوان وغيره، كما أطلقه الأصحاب. وخص ابن إدريس الكراهة بتماثيل الحيوان وصُوَرها(3) ، لا غيرها من الأشجار.
والمشهور الأول.
ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
ص: 174
الصلاة في الأماكن كلها جائزة بشرط أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه، والإذن قد يكون بعوض كالأجرة وشبهها، وبالإباحة، وهي* إما صريحة، كقوله: صلِّ فيه، أو بالفحوى كإذنه في الكون فيه* أو بشاهد الحال، كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره.
والمكان المغصوب لا تصح الصلاة فيه للغاصب، ولا لغيره ممن علم الغصب، وإن صلّى عامداً عالماً كانت صلاته باطلة، وإن كان ناسياً أو جاهلاً بالغصبيّة صحت صلاته، ولو كان جاهلاً بتحريم المغصوب لم يُعذر،
.............
قوله: «إمّا صريحة، كقوله: صلِّ فيه، أو بالفحوى، كالإذن في الكون فيه».
في جعل الإذن في الكون من باب دلالة الفحوى نظر، بل الأولى إلحاقها بالصريحة أو الضمنية؛ لأنّ الصلاة داخلة في ضمن الكون فيه. والمناسب مثالاً للفحوى «إدخال الضيف منزله كما صنع الشهيد
(رحمه الله) (1).
قوله: «أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك أمارة تشهد أنّ المالك لا يكره ».
ويوجد ذلك في الصحاري الخالية من أمارات الضرر ونهي المالك، وفي الأماكن المأذون في غشيانها ولو على وجه ،مخصوص كالحمامات والأرحية والخانات وإن لم يعلم مالكها، والعمدة في ذلك على القرائن فلو فُرض انتفاؤها في بعض الأشخاص على بعض الوجوه في هذه المواضع انتفت الإباحة، ولا يقدح في الجواز كون الصحراء لمولى عليه، فإنّ الولي يقوم في الإذن المشهود عليها بالقرائن مقامه، ولا بد من ولي ولو أنه الإمام.
ص: 175
* وإذا ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحت صلاته، ولو صلّى ولم يتشاغل بالخروج لم تصح.
ولو حصل في ملك غيره بإذنه ثمّ أمره بالخروج وجب عليه، فإن صلى والحال هذه كانت باطلةً، ويصلّي وهو خارج إن كان الوقت ضيقاً.
*ولا يجوز أن يصلّى وإلى جانبه امرأة تصلّى أو أمامه، سواء صلّت بصلاته أو كانت منفردةً، وسواء كانت مَحْرَماً أو أجنبيّةً، وقيل: ذلك مكروه، وهو الأشبه،
........
قوله: « وإذا ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج» إلى آخره.
في الحكمين إجمال وقصور عن تفصيل الحال.
وصُوَر المسألة: أنّ مَنْ دخل أرض غيره فلا يخلو إما أن يكون بصريح الإذن في الصلاة أو فى الكون أو بالفحوى أو بشاهد الحال، أو بغير إذن، كمَنْ دخل المغصوب جاهلاً بالغصب ثم علم، وعلى التقادير الخمسة فلا يخلو إما أن يكون الرجوع في الإذن أو النهي أو العلم بالغصب قبل الشروع في الصلاة أو بعده مع سعة الوقت أو ضيقه، ومضروب الأربعة في الخمسة عشرون.
والأجود في حكمها أنه مع الإذن في الصلاة ثم الرجوع بعد التلبس لا التفات إليه، بل يستمر على الصلاة حتى يفرغ، سواء كان الوقت واسعاً أم ضيقاً، وإن كان بغير الصريح في الصلاة أو كان الرجوع قبل التلبس وجب الخروج على الفور مطلقاً، ثمّ إن كان الوقت واسعاً أخر الصلاة إلى أن يخرج أو قطعها، وإن كان ضيقاً تشاغل بالخروج والصلاة جامعاً بين الحقين، مومئاً للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في الخروج عن المعهود، مستقبلاً ما أمكن، قاصداً أقرب الطرق، تخلّصاً من حق الآدمي المضيق بحسب الإمكان.
قوله: «ولا يجوز أن يصلي وإلى جانبه امرأة تصلّي - إلى قوله - وقيل : ذلك مكروه . وهو الأشبه».
الحكم بالتحريم أو الكراهة ليس مقصوراً على الرجل، بل هو شامل لكلّ من الرجل والمرأة.
ص: 176
ويزول التحريم أو الكراهية* إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع.
* ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذياً لقدمه سقط المنع ، *ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلّى الرجل أولاً.
............
ويشترط صحة كلّ من الصلاتين لولا الاجتماع المذكور، فلا تؤثر الفاسدة في صحة الأخرى، والإطلاق منزل على الصحيحة وإن لم يخبر بصحتها . نعم ، لو أخبر بفسادها قبل.
ثم إن تحرما دفعةً اشتركا في الحكم، وإن تعاقبا فالأجود اختصاصه بالمتأخرة.
كافي قوله: «إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع».
المعتبر في الحائل كونه جسماً، كالحائط والستر، فلا يعتد بنحو الظلمة، مع احتماله، وفقد البصر منهما بمنزلة الظلمة لا من أحدهما خاصة، ولا بتغميض الصحيح عينيه.
واعلم أنّ الذراع مؤنث سماعي، فكان الأجود ترك إلحاق التاء ب_«عشرة». وفي رواية عمار إلحاق التاء (1) ، فكأن المصنف تبع الرواية.
قوله: «ولو كانت وراءه بقدر ما يحصل موضع سجودها محاذياً لقدمه».
المعتبر في تأخرها كون جزئها المتقدم في جميع الأحوال متأخراً عن جزئه المتأخر، بحيث لو فُرض بينهما خط موهوم من اليمين إلى اليسار كانت وراءه والرجل أمامه فلا تكفي محاذاة موضع سجودها قدمه، كما هو ظاهر العبارة.
وهذا البحث كلّه في حال الاختيار، فلاكراهة ولا تحريم مع الاضطرار وضيق الوقت.
قوله: «ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلّى الرجل أولاً».
هذا إذا كانا في موضع مباح أو وقف عام كالمساجد، أما لو كان المكان ملك المرأة لم يجب عليها التأخر لتسلطها على ملكها.
ص: 177
ولا بأس أن يصلّي في الموضع النجس* إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه ولا إلى بدنه وكان موضع الجبهة طاهراً.
........
ويمكن القول باستحبابه.
ولو كان مشتركاً بينها وبينه في العين أو المنفعة، ففي أولويته نظر.
هذا كله مع سعة الوقت، أما مع ضيقه فيصليان جميعاً ، كما مر ، مع احتمال عموم المنع.
قوله: «إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه »إلى آخره.
رد بذلك على المرتضى حيث اشترط طهارة جميع مكان المصلي(1)، وعلى أبي الصلاح حيث اشترط طهارة مساقط الأعضاء السبعة(2).
والمراد بالثوب ما يستقل المصلّي بحمله ويستند بثقله(3)، فلو كانت النجاسة في طرف ثوب طويل كطرف العمامة الملقاة على الأرض لم يضرّ وإن كان ذلك الطرف يتحرك بحركته.
وينبغي تقييد النجاسة المتعدية إلى ثوب المصلي وبدنه بكونها غير معفو عنها، فلو تعدى ما يعفى عنه كدون الدرهم - أو إلى ما لا تتم الصلاة فيه لم يتجه الفساد؛ للعفو عنه ابتداء، فكذا في الأثناء.
وربما نقل بعض الأصحاب الإجماع على عدم العفو عن ذلك هنا(4)، وإن عفي عنه لو كان على المصلي. وهو غير واضح، والإجماع ممنوع.
والمراد بطهارة موضع الجبهة القدر المعتبر في السجود منها ، فلا يقدح نجاسة ما زاد على ذلك منها، فلو قال بدل «موضع الجبهة»: مسجدها، لكان أوضح.
ص: 178
* وتكره الصلاة فى الحمام وبيوت الغائط * ومبارك الإبل، ومساكن النمل ،ومجرى المياه * والأرض السبخة والثلج* وبين المقابر إلا أن يكون حائل ولو عنزة، أو بينه وبينها عشر أذرع،
.......
قوله: «وتكره الصلاة في الحمام».
الظاهر أنّ الكراهة مختصة ببيتٍ يغتسل فيه، فلا تكره في المسلخ ولا على السطح قصراً للكراهة على موضع اليقين، وهو موضع الاشتقاق. ولا يخفى أنّ المراد مع كونه طاهراً، فلو كان نجساً على الوجه المتقدّم لم تصح والتعليل بكونه مأوى الشياطين، أو موضع كشف العورة، أو محلّ النجاسة غير معلوم.
قوله :«ومبارك الإبل».
مباركها يشمل مقامها ليلاً، ومعاطنها حول الماء لتشرب عَلَلا بعد نهل، أي ثانياً بعد أوّل كما ذكره أهل اللغة (1)، فهو أولى من التعبير بمعاطن الإبل؛ لأنه أخص، وليس المانع عندنا فضلاتها؛ لأنها طاهرة، بل النص(2). وعلّل فيه بأنها جن من جنّ خُلقت، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها (3).
قوله: «والأرض السبخة والثلج».
لعدم كمال تمكّن المسجد، ويشترط في الجواز حصول أصل التمكن ومثلهما الرمل المنهال .
قوله: «وبين المقابر إلا أن يكون حائل ولو عنزة أو كان بينه وبينها عشر أذرع».
لا فرق في الكراهة بين الصلاة بينها وإليها، ولا بين القبر والقبرين وما زاد وإن لم تصدق البينية في الواحد.
ص: 179
*وبيوت النيران، * وبيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها، * وجواد الطرق، وبيوت المجوس، ولا بأس بالبيع والكنائس.
* ويكره أن تكون بين يديه نار مضرمة على الأظهر، أو تصاوير.
.........
واستثنى بعض الأصحاب من ذلك قبر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والإمام(1) ، فقد وردت رواية بجواز النافلة إليه(2)، وفي الفريضة احتمال.
والعنزة - محركةً - رُميح بين العصا والرمح في رأسها زُجٌ(3).
والبُعْد بعشر أذرع معتبر في جميع الجوانب، فلا يكفي كون القبر خلف المصلي من دون البغد.
قوله:« وبيوت النيران».
المراد بها ما أُعدّت لإضرامها فيها عادةً وإن لم تكن موضع عبادتها. ولا فرق بين كون النار موجودةً وقت الصلاة وعدمه. والظاهر عدم كراهة الصلاة على سطحها.
قوله:« وبيوت الخمور»
وكذا غيرها من المسكرات والظاهر أنّ الفقاع كذلك.
قوله: «وجواد الطرق».
دون ظواهرها؛ للخبر(4)، ولا فرق في الكراهة بين كون الطريق مشغولة بالمارة وعدمه، ولا بين كثيرة الاستطراق وقليلته. ولو فرض تعطل المارة بصلاته فسدت؛ للنهي(5) الراجع إلى شرط الصلاة فيقتضي الفساد، ولأنه كغصب المكان؛ لأن الطريق موضوعة للسلوك، فجواز الصلاة فيها مشروط بعدم منافاتها ما وُضعت له.
قوله: «ويكره أن يكون بين يديه نار مضرمة على الأظهر».
ص: 180
وكما تكره الفريضة في جوف الكعبة تكره على سطحها.
وتكره في مرابط الخيل والحمير والبغال ولا بأس بمرابض الغنم* وفي بيتٍ فيه مجوسي ، ولا بأس باليهودي والنصراني.
وتكره وبين يديه * مصحف مفتوح *أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها.
..........
رد بذلك على أبي الصلاح، حيث حرّم الصلاة إليها وتردّد في الفساد، وكذا في كثير من هذه المواضع (1). ولا فرق في النار بين القليلة والكثيرة حتى المجمرة والمصباح.
والمراد بالمضرمة الموقدة، فلا تكره الصلاة إلى نحو الجمرة الواحدة.
والخبر دالّ على مطلق النار(2)، فيكره مواجهة ما يطلق عليه اسمها.
قوله:« وفي بيتٍ فيه مجوسي».
ظاهرهم عدم الفرق بين كون البيت للمجوسي وغيره، والخبر(3) مطلق كذلك. وخصه بعضهم ببيته (4)
قوله «مصحف مفتوح».
حرمه أبو الصلاح(5)، والمشهور الكراهة.
ويتعدّى إلى كلّ مكتوب ومنقوش إلى القبلة؛ لاشتراك الجميع في المعنى، وهو التشاغل به عن العبادة ولا فرق بين القارئ وغيره ممّن يبصر . ولا تكره لفاقده.
قوله: «أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها».
أو يُغوط، وفي تعديته إلى ما ينز بالماء النجس ونحوه نظر.
ص: 181
* وقيل: تكره إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح.
لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ، كالجلود والصوف والشعر والوبر ، ولا على ما هو من الأرض * إذا كان معدناً ، كالملح والعقيق والذهب والفضة والقير، إلا عند الضرورة، ولا على ما ينبت من الأرض* إذا كان مأكولاً بالعادة كالخبز والفواكه.
..........
قوله: «وقيل: تكره إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح».
إنما نسبه إلى قائله؛ لعدم ظفره بمستنده، والمشهور الكراهة.
وإطلاق الباب يقتضي عدم الفرق بين ما يفتح إلى داخل البيت أو الدار أو إلى خارج.
والمواجه بفتح الجيم وكسرها.
قوله: «إذا كان معدناً، كالملح والعقيق والذهب والفضة».
أمّا العقيق ونحوه من المعادن التي لا يتوقف إخراجها على العلاج فعدم جواز السجود عليها ظاهر؛ لخروجها عن اسم الأرض، وأما ما يفتقر إلى العلاج كالذهب والفضة فبعد تصفيته لا يجوز السجود عليه، وأما قبله فإن صدق على ترابه اسم الأرض جاز السجود عليه، وإلا فلا.
قوله: «إذا كان مأكولاً بالعادة».
المراد بالمأكول والملبوس هنا ما صدق عليه اسمهما عرفاً؛ لكون الغالب استعمالهما لذلك ولو في بعض الأحيان، فلا يقدح النادر كأكل المخمصة، والعقاقير المتخذة للدواء من نباتٍ لا يغلب أكله، ولا يشترط عموم الاعتياد لهما في جميع البلاد، فإنّ ذلك قل أن يتفق، بل لو غلب في قطر عمّ التحريم.
ص: 182
*وفي القطن والكتان ،روايتان أشهرهما المنع.
*ولا يجوز السجود على الوَحَل، فإن اضطرّ أوماً،* ويجوز السجود على القرطاس .
.........
والمعتبر في المأكول والملبوس الانتفاع به بالفعل أو القوة القريبة منه، فلو توقف الأكل على طبخ ونحوه، واللبس على غزل ونسج وخياطةٍ وغيرها، لم يؤثر في كونه مأكولاً أو ملبوساً. والضابط نوع المأكول والملبوس.
ولو كان للشيء حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى، كقشر اللوز، لم يجز السجود عليه حالة صلاحيته للأكل، وجاز في الأخرى؛ إذ ربما صار في تلك الحالة من جملة الخشب الذي لا يعقل كونه من نوع المأكول.
قوله: «وفى القطن والكتان روايتان أشهرهما المنع».
لا فرق في المنع من السجود على القطن والكتان بين كونه محيوكاً أو مغزولاً أو غيرهما من الحالات.
قوله: «ولا يجوز السجود على الوحل».
المراد بالوَحَل التراب الممتزج بالماء بحيث يخرج بذلك عن مسمّى الأرض، فيجوز السجود على الأرض الرطبة التي تتمكن منها الجبهة، ولم يخرج بالرطوبة عن مسمّى الأرض.
والمراد بالاضطرار إلى السجود على الوحل، لا إلى مطلق الممنوع منه كالملبوس وغيره، فإنه حينئذ يسجد عليه.
ويجب في الإيماء بالسجود مراعاة الانخفاض له حسب مقدوره، فيجلس له ويقرب جبهته إلى الوَحَل بحيث لا يمسه إن تمكن، وإلا أتى بالمقدور . ولو وضع الجبهة على الوَحَل جاز أيضاً، بل هو نوع من الإيماء، وكذا القول في الماء.
قوله: «ويجوز السجود على القرطاس».
اعلم أن جواز السجود على القرطاس خارج من الأصل ثابت بدليل خاص، وهي رواية
ص: 183
*ويكره إذا كان فيه كتابة.
........
صفوان الجمال وداود بن فرقد (1)عن الصادق والكاظم (عليهم السلام).(2) وإنما كان الأصل عدم جواز السجود عليه؛ لأنه مركب من جزئين لا يجوز السجود عليهما، وهما النورة وما خالطها من القطن أو الكتان أو الحرير أو القنّب وكلّ واحدٍ من هذه الأجزاء لا يجوز السجود عليها في حالة الانفراد فكذا في حالة الاجتماع؛ إذ لم يحدث لها ما يوجب إلحاقها بالأرض أو نباتها الذي يجوز السجود عليه.
وقيده بعض الأصحاب بكونه متخذاً من القنّب؛ لعدم اعتياد لبسه، ورجحه في الذكرى(3). مع أنّه مَنَع من السجود على القنّب محتجاً باعتياد لبسه في بعض البلاد(4)، ومع ذلك فهو مخالف لإطلاق النصّ من غير ثمرة، فإنّ ما فيه من أجزاء النورة المنبثة فيه - بحيث لا يصدق من غيرها ما يحصل معه مسمّى السجود متميزاً كافٍ في المنع.
نعم على القول بجواز السجود على القطن والكتان قبل غزلهما - لو اتخذ منهما في تلك الحالة - فلا إشكال في الجواز، ومثله القنّب.
وبالجملة، فالقول بجواز السجود عليه في الجملة لازم للنصّ والإجماع، وقصر الجواز على ما اتخذ من غير الملبوس هو الأحوط؛ وقوفاً في الرخصة على موضع اليقين.
قوله :«ويكره إذا كان فيه كتابة».
مع كون المصلّي مبصراً ولا مانع له منه، وإلا لم يكره. ويشترط في الجواز وقوع الجبهة من القرطاس الخالي عن الكتابة على ما يتحقق معه السجود؛ لأن الحبر جسم حائل بين الجبهة والقرطاس، ومثله ما صبغ من الأجسام بحيث لا يكون الصبغ عرَضاً محضاً، كلون الحِنّاء، فلو كان كذلك لم يمنع.
ص: 184
ولا يسجد على شيءٍ من بدنه، فإن مَنَعه الحَرُّ عن السجود على الأرض سجد على ثوبه،* فإن لم يمكن فعلى كفّه.
والذي ذكرناه إنّما يعتبر في موضع الجبهة لا في بقية المساجد.
ويُراعى فيه* أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه، وأن يكون خالياً من النجاسة.
*وإذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه، وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شيءٍ منه. ويجوز في المواضع المتسعة، دفعاً للمشقة.
........
قوله: «فإن لم يمكن فعلى كفّه».
وليكن السجود على ظهره ليحصل الجمع بين المسجدين فلو عكس بطل.
قوله: «أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه».
ما تقدّم في المكان من اعتبار الإذن بأقسامه(1)، والاكتفاء بشاهد الحال آتٍ هنا؛ لأنّ ما يسجد عليه جزء من المكان المتقدم؛ إذ المكان في الشرع ما يشغله المصلي من الحيز، أو يستقلّ عليه بواسطةٍ أو وسائط.
قوله : « وإذا كانت النجاسة في موضع محصور - إلى قوله - في المواضع المتسعة».
المرجع في المحصور وعدمه إلى العرف، فما عُدّ منه محصوراً كالثنتين والثلاثة كان المشتبه منه بحكم النجس في وجوب الاجتناب، حيث يشترط فيه الطهارة، كالسجود عليه والصلاة فيه لو كان ثوباً، ومصاحبته فيها لو كان مثله لا يعفى عنه نجساً، وأكله وشربه لو كان مما يصلح لأحدهما.
وفي تنجيس الملاقي له رطباً وجهان من كونه بحكم النجس، ومن الشك في النجاسة مع يقين الطهارة. واختار العلّامة في المنتهى التنجيس (2)، ولا ريب أنّه أحوط. نعم، لو استوعب ملاقاة جميع الأفراد قطع بالنجاسة، وما لا يُعدّ محصوراً في العادة كالصحراء أو
ص: 185
والنظر في أربعة أشياء:
وهما مستحبّان في الصلوات الخمس المفروضة، أداءً وقضاء، للمنفرد والجامع للرجل والمرأة * لكن يشترط أن تسرّ به.
*وقيل: هما شرط في الجماعة، والأوّل أظهر.
* ويتأكدان فيما يجهر فيه، وأشدّهما في الغداة والمغرب.
.........
ألف ثوب مثلاً، بمعنى تعسّر حصره وعده عرفاً لكثرة آحاده، لا يجب اجتنابه؛ لما في اجتناب ذلك من المشقة والحرج.
قوله: «لكن يشترط أن تسرّ به».
إنما يشترط إسرارها حيث يستلزم الجهر سماع الأجنبي، أما مع عدمه فتتخيّر بين السرّ والجهر وإن كان السرّ أفضل.
وحيث كان أذانها سائغاً اعتدّ به النساء والمحارم مع سماعهم له.
والخنثى كالمرأة في ذلك، وكالرجل في عدم جواز تأذين المرأة لها.
قوله: «وقيل: هما شرط في الجماعة».
القائل بذلك جماعة من أصحابنا منهم الشيخان وابن البرّاج (1).
وفسّره الشيخ بأنهما شرط في حصول فضيلتها، لا في انعقاد أصل الصلاة (2).
قوله: «ويتأكدان فيما يجهر فيه، وأشدّهما في الغداة والمغرب».
ص: 186
ولا يؤذن لشيءٍ من النوافل، ولا لشيءٍ من الفرائض عدا الخمس، * بل يقول المؤذن «الصلاة» ثلاثاً. * وقاضى الصلوات الخمس يؤذن لكلّ واحدةٍ ويقيم، ولو أذن للأُولى من ورده ثمّ أقام للبواقي كان دونه في الفضل.
.........
أوجبهما بعض الأصحاب (1)في الغداة والمغرب؛ لرواية(2)ظاهرها الوجوب، إلّا أنّ حملها على الاستحباب المؤكِّد طريق الجمع بينها وبين ما هو أصح منها مما هو صريح في الندب (3).
قوله: «بل يقول المؤذن «الصلاة» ثلاثاً».
يجوز نصب «الصلاة» الأولى والثانية على حذف العامل وهو «احضروا »وشبهه ،ورفعهما على حذف المبتدأ أو الخبر، والثالثة ساكنة ليس إلا.
قوله: «وقاضي الصلوات الخمس يؤذن لكلّ واحدةٍ ويقيم» إلى آخره.
هذا الحكم مخصوص بالقضاء عند الأصحاب؛ لقوله : «مَنْ فاتته فريضة فليقضها كما فاتته »(4)، وقد كان من حكمها استحباب تقديم الأذان.
وفي دلالة الحديث نظر، فلو جمع بين صلاتين أداءً لم يستحبّ الأذان للثانية؛ للأخبار الصحيحة الدالة على إيقاع الثانية بإقامة لا غير(5)، ولا منافاة بين الأداء والقضاء بعد ورود النص، وحمل الأذان الساقط في الأداء على أذان الإعلام ويبقى أذان الذكر غير واضح؛ فإنّ الأصل في الأذان الإعلام، والذكر لا يتم في جميع فصوله، فإنّ الحيعلات لا ذكر فيها، ولأنّ الكلام في اعتباره أذاناً لا ذكراً مطلقاً.
ص: 187
* ويصلّي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة، والعصر بإقامة، وكذا في الظهر والعصر بعرفة.
ولو صلّى الإمام جماعةً وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهيةٍ ما دامت الأولى لم تتفرّق، فإن تفرّقت صفوفهم أذن الآخرون وأقاموا ،
.........
قوله: «ويصلّي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة »إلى آخره.
الضابط أنه متى استحبّ الجمع فالأذان بين الفريضتين ساقط، بل يؤذن في الابتداء ويقيم لها ثم يقيم للثانية، لكن إن كان الجمع في وقت الأولى فالأذان المتقدم لها، وإن كان الجمع في وقت الثانية نوى به للثانية وإن كان متقدماً على الأُولى ثم أقام للأُولى ثم للثانية. وكذا القول فيما لو أبيح الجمع، وحيث استحب الجمع فالأذان لغير صاحبة الوقت بدعة.
قوله: «ولو صلّى الإمام جماعةً وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية ما دامت الأولى لم تتفرّق» إلى آخره.
لا فرق في المصلّي الثاني بعد تمام الجماعة بين كونه يصلّي جماعةً أو منفرداً، ومن ثُمَّ أطلق المصنّف وقد ورد الخبر بهما معاً(1) ، ولا بين كون الصلاة في مسجد وغيره كما يقتضيه إطلاق العبارة، لكنّ النصّ هنا إنّما ورد في المسجد، وجماعة من الأصحاب(2)عدّوا الحكم إلى غيره : لعدم تعقل الفرق.
نعم يشترط عدم تعدّد المحلّ، فلو صلّى جماعة في مسجدٍ ثمّ جاء آخرون إلى مسجدٍ قريب منه استحب لهم الأذان والإقامة.
ويشترط كون الأولى جماعة ، فلا يبنى على أذان المنفرد إذا لم يسمعه.
وكذا يشترط اتحاد الصلاة إن تغاير الوقت كالظهر والمغرب، لا إن اتحد كالظهرين.
ويتحقق عدم التفرّق ببقاء واحدٍ من الجماعة معقب.
ص: 188
* وإذا أذن المنفرد ثمّ أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة.
......
ولا يشترط في سقوطهما عن الثاني علمه بوقوعهما من الجماعة، بل يكفي في السقوط عدم علمه بتركهما، أو بوقوعهما على غير وجههما، بناءً على الظاهر، نعم، لو علم ذلك لم يسقطا. ويتعدّى إلى الثالث والرابع فصاعداً، والشرط واحد، وهو عدم تفرق الأولى.
قوله: «وإذا أذن المنفرد ثمّ أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة».
هذا هو المشهور، ومستنده رواية عمار عن أبي عبد الله له في الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي، رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعةٌ ، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: «لا، ولكن يؤذن ويقيم»(1). وشهرة الرواية وعمل الأصحاب بها يجبر ضعفها(2).
واستشكل المصنّف الحكم في المعتبر وحكم بعدم الإعادة؛ محتجاً بأن المصلي يعتد بأذان غيره وإن كان منفرداً - كما سيأتي(3) - فكيف لا يعتد بأذان نفسه (4).
وأجيب(5) بأنّ الاجتزاء بأذان الغير لكونه صادف نية السامع الجماعة، فكأنه أذن للجماعة، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد، وبأنّ الغير أذن للجماعة أو لم يؤذن ليصلّي وحده، بخلاف صورة الفرض .
ويمكن الجواب بجعل المراد بالمنفرد في صورة الفرض المنفرد بأذانه بأن يقصد بأذانه لنفسه خاصة، ويظهر ذلك من قوله في الرواية: «يؤذن ويقيم ليصلّي وحده فإنّه جعل علّة الأذان الصلاة وحده، فإذا أراد الجماعة لم يكف ذلك الأذان المخصوص عن الجميع، بخلاف أذان الغير فإنّه إما مؤذن البلد أو الجماعة وإن كان لا يصلّي معهم، فمرادهم بالمنفرد
ص: 189
ويعتبر فيه * الإسلام والذكورة، ولا يشترط البلوغ، بل يكفي كونه مميزاً .
ويستحبّ أن يكون عدلاً صيتاً مبصراً بصيراً بالأوقات متطهراً قائماً على مرتفع.
ولو أذنت المرأة للنساء جاز.
*ولو صلّى منفرداً ولم يؤذن ساهياً رجع إلى الأذان، مستقبلاً صلاته ما لم يركع، وفيه رواية أُخرى.
......
هنا - في قولهم: يجتزئ بأذان الغير وإن كان منفرداً - المنفرد بصلاته لا بأذانه ، جمعاً بين الكلامين.
وعلى كلّ حالٍ فما ذهب إليه في المعتبر متجه؛ لضعف الرواية - التي هي مستند الحكم - عن تخصيص ما دلّ بإطلاقه على الاجتزاء بمطلق الأذان من الأخبار الصحيحة (1).
قوله «الإسلام».
لا منافاة بين الحكم بالكفر وحكاية الشهادتين، فإنّ شرط الإسلام مع التلفظ بهما اعتقاد معناهما، والحكاية أعم من ذلك؛ لإمكان صدورهما من عابتٍ ومستهزئ وغافل ومؤوّل بعدم عموم النبوة، وجاهل بمعنى اللفظ كالأعجمي. وعلى تقدير خلوّه من الموانع والحكم بالإسلام به فهو لاغ؛ لوقوع ما سبق من فصوله على الحكم بالإسلام في الكفر.
قوله: «ولو صلّى منفرداً ولم يؤذن ساهياً رجع إلى الأذان».
لا فرق في ذلك بين المنفرد والإمام ؛ لإطلاق النص(2)والأصحاب، فتقييده بالمنفرد هنا ليس بالوجه.
ص: 190
*ويعطى الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد مَنْ يتطوّع به.
.......
وكما يرجع ناسي الأذان يرجع ناسيهما بطريق أولى، دون ناسي الإقامة لا غير -على المشهور - اقتصاراً في إبطال الصلاة على موضع الوفاق.
قوله :«ويعطى الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد مَنْ يتطوّع به».
أكثر الأصحاب على تحريم أخذ الأجرة على الأذان، سواء أخذت من بيت المال أم من غيره ؛ لقول عليّ (عليه السلام): « آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال : يا علي إذا صليت فصلِّ صلاة أضعف مَنْ خلفك ، ولا تتخذن مؤذناً يأخذ على أذانه أجراً»(1).
نعم يجوز أن يرزق من بيت المال من سهم المصالح، لا من الصدقات ولا من الأخماس ؛لأنّ ذلك مختص بفريق خاص .
والفرق بين الأجرة والرزق أنّ الأجرة يجب كونها مقدرة مضبوطة مجعولة في عقد إجارة، والرزق لا يتقدر بقدرٍ، بل يرجع فيه إلى رأي الإمام(عليه السلام)و نظره.
ونُقل عن المرتضى القول بكراهة الأُجرة (2)، لا تحريمها؛ تسوية بينها وبين الرزق في المعنى، فقول المصنّف ويعطى الأجرة» إمّا أن يريد بها الرزق مجازاً، أو مبني على مذهب المرتضى (رضي الله عنه). واعلم أنه لو وُجد متطوع لكن طالب الرزق يشتمل على مرجّحات في أحكام الأذان ووظائفه، جاز رزقه أيضاً تحصيلاً للمصلحة، ولو اقتضت المصلحة الزيادة على مؤذن جاز رزق الزائد.
واستقرب الشهيد في الذكرى اشتراط عدالة المرزوق (3).
ص: 191
ولا يؤذن إلا بعد دخول الوقت . وقد رخص تقديمه على الصبح، لكن يستحبّ إعادته بعد طلوعه.
*والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلاً: التكبير أربع، والشهادة بالتوحيد ،
..........
قوله: «وقد رخص تقديمه على الصبح».
تأسياً بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، فإنه كان له مؤذنان أحدهما يؤذن ليلاً والآخر بعد الفجر، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال»(1).
وليتأهب الناس للصلاة والصوم.
ولا حد لهذا التقديم، بل ما قارب الفجر، وينبغي أن يجعل ضابطاً في ذلك ليعتمد عليه الناس.
وينبغي مغايرة المتقدّم للمتأخر لتتم الفائدة، وليس بشرط.
ولا فرق بين شهر رمضان وغيره عندنا .
قوله: «والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلاً».
أشار بالأشهر إلى ما روي شاذاً من تربيع التكبير في آخر الأذان كأوله، وتربيعه أوّل الإقامة وآخرها وتثنية التهليل في آخرها(2)، وما روي أن الإقامة مرة مرة إلا التكبير الأخير فإنه مرتان.(3)
ونقل الشيخ أنّ من أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها: «قد قامت الصلاة» مرتين(4).
ص: 192
ثم بالرسالة * ثمّ يقول «حيّ على الصلاة»، ثم «حيّ على الفلاح»، ثم «حيّ على خير العمل»، والتكبير بعده، ثمّ التهليل، كلّ فصل مرتان.
والإقامة فصولها مثنى مثنى، ويُزاد فيها« قد قامت الصلاة » مرّتين، ويسقط من التهليل في آخرها مرة واحدة.
*والترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة.
ويستحبّ فيهما سبعة أشياء: * أن يكون مستقبل القبلة * وأن يقف على أواخر
......
وقال ابن الجنيد: إذا أفرد الإقامة عن الأذان ثنّى «لا إله إلا الله وإن أتى بها معه فواحدة (1).
وعمل الطائفة على المشهور.
قوله: «ثمّ يقول: حي على الصلاة» إلى آخره.
معنى حيَّ: هلُمَّ وأقبل، يُعَدّى لغةً ب_ «على» و «إلى» وهنا تختص «على» فإنّه سُنّة متبعة.
قوله: «والترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة».
المراد بالترتيب بينهما وبين فصولهما وفائدة الاشتراط عدم اعتبارهما بدونه، فلا يعتدّ بهما في الجماعة، ولا يكتفي به أهل البلد، ويأثم إن اعتقدهما أذاناً وإقامة.
قوله: «أن يكون مستقبل القبلة».
في جميع الفصول، فيكره الالتفات يميناً وشمالاً، سواء في ذلك الحيعلات وغيرها.
وأوجب المرتضى الاستقبال في الإقامة (2).
قوله: «وأن يقف على أواخر الفصول».
المراد بالوقف ترك الإعراب والروم (3)والإشمام والتضعيف؛ لقول الصادق(عليه السلام) : «الأذان
ص: 193
الفصول، ويتأنى في الأذان *ويَحْدِر في الإقامة*وأن لا يتكلّم في خلالهما، * ويفصل بينهما بركعتين أو سجدة، إلا *في المغرب فإنّ الأولى أن يفصل بخطوة أو سكتة، وأن يرفع الصوت به إذا كان ذكراً، *وكلّ ذلك يتأكد في الإقامة.
.....
والإقامة مجزومان»(1)، وفي خبر: «موقوفان»(2).
ولو أعرب ترك الفضل واعتد به.
قوله: «ويحدِر في الإقامة».
المراد بالحدر الإسراع مع تخفيف الوقف مراعياً لترك الإعراب.
قوله: «وأن لا يتكلم في خلالهما».
بما لا يتعلّق بمصلحة الصلاة، ومع الكلام يعيد الإقامة دون الأذان إلّا أن يخرج به عن الموالاة.
قوله: «ويفصل بينهما بركعتين أو سجدة».
أو جلسةٍ أو سكتةٍ أو تسبيحة، وعن الصادق (عليه السلام): «يجزئه الحمد الله»(3) وعنه (عليه السلام): «مَن جلس بين الأذان والإقامة في المغرب كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله»(4).
قوله: «في المغرب ... بخطوة أو سكتة».
أو تسبيحةٍ ، قال الشهيد (رحمه الله) : ولم أجد بالخطوة حديثاً مع ذكر أكثر الأصحاب لها (5).
قوله: «وكلّ ذلك يتأكد في الإقامة».
يستثنى من ذلك رفع الصوت، فإنّ السُنّة في الإقامة جعلها دون الأذان. ويمكن
ص: 194
* ويكره الترجيع في الأذان إلا أن يُريد الإشعار، * وكذا يكره قول الصلاة خير من النوم.
وفيه مسائل :
الأولى:* مَنْ نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له استئنافه، ويجوز له البناء، وكذا إن أغمى عليه.
.......
أن يحصل التأكد فيها برفع الصوت في الجملة، بمعنى أن إظهارها أكد من إظهاره وإن كان رفع الصوت به أقوى.
قوله: «ويكره الترجيع إلا أن يريد الإشعار».
الترجيع تكرار الشهادتين دفعتين، كما يفعله بعض العامة في الصبح، وإنما يكره مع عدم اعتقاد توظيفه، وإلا كان بدعةً حراماً .
قوله: «وكذا يكره قول الصلاة خير من النوم».
بل الأصح التحريم؛ لأنّ الأذان والإقامة سُنّتان متلقيتان من الشرع كسائر العبادات ،فالزيادة فيهما تشريع ،محرَّم، كما يحرم زيادة محمّد وآله خير البرية وإن كانوا (عليهم السلام)خير البرية.
وما ورد في شذوذ أخبارنا من استحباب الصلاة خير من النوم» (1)محمول على التقية. قوله: «مَنْ نام خلال الأذان والإقامة استحب له استئنافه، ويجوز البناء». مع عدم الإخلال بالموالاة، وكذا الحكم لو سكت طويلاً أو تكلّم خلاله بكلام أجنبي محللاً أو محرماً.
ص: 195
الثانية: إذا أذن ثم ارتد *جاز أن يعتد به ويقيم غيره، * ولو أرتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول.
الثالثة: * يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه.
.......
قوله: «جاز أن يعتد به».
يجوز أن يبنى الفعل للمعلوم، ويعود ضميره إلى المرتد بتقدير رجوعه إلى الإسلام أو إلى المصلى، وللمجهول، وهو أولى.
وإنما جاز الاعتداد به لاجتماع شرائط الصحة فيه حال فعله، قيل: ولأنّ الردّة لا تُبطل العبادات السابقة (1). وفيه بحث كلامي.
قوله: «ولو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف».
مع طول الزمان بحيث يخل بالموالاة، وإلا فالأجود عدم الاستئناف؛ لعدم إبطال الردّة ما مضى من الأذان، كما لا يُبطله كلّه.
قوله: «يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه».
المراد بالحكاية أن يقول السامع كما يقول المؤذن فصلاً فصلاً حتى الحيعلات، وروي أنّه يقول بدلها: لا حول ولا قوة إلا بالله» (2)، ويتعيّن ذلك في الصلاة إن أراد حكايته، فلو حيعل حينئذ بطلت لأنه ليس بذكر ولا دعاء.
وإنّما يستحبّ حكاية الأذان المشروع، فلا يحكى أذان المجنون والكافر والمرأة إذا سمعها الأجنبي، ولا الأذان الثاني يوم الجمعة ونظائره، بخلاف ما أُخذ عليه أجراً؛ لأنّ المحرم أخذ الأُجرة لا الأذان.
وليقطع سامع الأذان كلامه وإن كان قارئاً للقرآن .
وظاهر النصوص أنّ المستحب حكاية الأذان، فلا يستحبّ حكاية الإقامة؛ لعدم الدليل.
ص: 196
الرابعة: * إذا قال المؤذن: «قد قامت الصلاة»، كره الكلام كراهية مغلظة، إلا ما يتعلّق بتدبير المصلين.
الخامسة: يكره للمؤذن أن يلتفت يميناً وشمالاً، لكن يلزم سمت القبلة في أذانه.
السادسة • إذا تشاح الناس في الأذان قدّم الأعلم، ومع التساوي يُقرع بينهم.
.........
قوله: «إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة، كره الكلام - إلى قوله - بتدبير المصلين».
هذا هو المشهور ، وحرّمه جماعة من الأصحاب(1) ؛ لقول الصادق(عليه السلام) : «إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام»(2). وحمل على الكراهة المغلّظة ؛ جمعاً بين الأخبار(3).
والمراد بمصلحة الصلاة(4) ؛ تقديم الإمام وتسوية الصفّ وطلب الساتر والمسجد والرداء ونحو ذلك.
قوله: «إذا تشاح الناس في الأذان قُدم الأعلم، ومع التساوي يُقرع».
المراد بالأعلم هنا الأعلم بأحكام الأذان التى من جملتها الأوقات لا مطلق العلم .
وإنّما يُقدَّم الأعلم على غيره مع تساويهما عدالة أو فسقاً، فلو اختلفا قدّم العدل.
وكذا يقدم المبصر على المكفوف، والأشدّ محافظة على الأذان في الوقت، ثم الأندى صوتاً، ثم مَنْ يرتضيه الجيران، ثمّ القرعة.
ويتحقق التعارض لأخذ الرزق من بيت المال وإلّا أذنوا جميعاً - كما سيأتي - من غير ترجیح.
ص: 197
السابعة: إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعاً ،* والأفضل إذا كان الوقت متسعاً أن يؤذن واحد بعد واحد.
الثامنة: * إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزئ به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذن منفرداً.
...........
قوله: «والأفضل إذا كان الوقت متسعاً أن يؤذن واحداً بعد واحد».
ليس المراد باتّساع الوقت هنا المتعارف، فإنّ تأخير الصلاة عن أول وقتها المؤكد في الفضيلة لأمر غير موظف مستبعد جداً، فإنّ تحصيل فضيلة الأذان لكلّ واحدٍ يحصل بالاجتماع، بل المراد به - كما فسره بعض الأصحاب(1) - عدم اجتماع تمام المطلوب في الجماعة، كانتظار الإمام والمأمومين الذين يعتاد حضورهم، فإنّ كثرة الجماعة مطلوبة شرعاً، أو تحصيل ساتر، أو طهارة حدثية أو خبثية، ونحو ذلك.
وينبغي تقييد ذلك كله بعدم فوات وقت الفضيلة، فإنّ تحصيل الصلاة فيه أهم من تعدد الأذان.
ومَنَع بعض الأصحاب من الزيادة على مؤذنين مطلقاً (2).
قوله: «إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزى به إلى آخره.
المراد به المنفرد بصلاته لا بأذانه، بمعنى أنه مؤذن لجماعة أو للبلد، فلو أذن لنفسه لا غير لم يعتد به، وكذا القول في الإقامة.
وينبغي ترك السامع الكلام بعدها ليعتد بها، فإنّ الكلام بعدها يُبطلها، وقد روي عن الباقر أنه قال: «مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك»(3).
وهل يستحبّ للسامع تكرار الأذان والإقامة هنا؟ الظاهر ذلك؛ لأنه لا يقصر عن تعدّد
ص: 198
التاسعة:*مَنْ أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى، والأفضل أن يعيد الإقامة.
العاشرة: مَنْ أحدث في الصلاة تطهر وأعادها، *ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلّم.
الحادية عشرة: * مَنْ صلى خلف إمام لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام.
..........
المؤذنين مع اتساع الوقت، لكن يستثنى منه المؤذن والمقيم للجماعة، فقد حكم الأصحاب هنا بعدم استحباب التكرار معه.
قوله: «مَنْ أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى، والأفضل أن يعيد الإقامة».
لعدم اشتراط الطهارة فيهما ابتداءً فكذا استدامة، وإنما كان الأفضل إعادة الإقامة لتأكد استحباب الطهارة فيها ، بل قيل باشتراطها فيها (1).
قوله: «ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلّم».
كما يستحب إعادة الإقامة بالحدث في أثنائها، كذا يستحبّ إعادتها بالحدث في أثناء الصلاة أيضاً، فإنّ أفضليّة الطهارة فيها أو اشتراطها آتيان فيها وبعدها، وإنّما أطلق عدم إعادتها هنا بناءً على الاعتداد بها في الجملة، وللأفضلية حكم آخر.
قوله: «مَنْ صلى خلف مَنْ لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام».
يُعلم منه عدم الاعتداد بأذان المخالف، إما لتركه بعض الفصول، أو لغير ذلك.
وما سيأتي من استحباب التلفظ بما تركه قد يُفهم من إطلاقه وسياقه جواز الاجتزاء به إن أتى بما ترك، وطريق الجمع إما بجعل ذلك استحباباً برأسه؛ إذ لا منافاة بین استحباب التلفظ بالمتروك إقامة لشعار الحق وتوطين النفس عليه وبين إعادة الأذان أو بحمل الثاني على غير المخالف، كناسي فصل أو تاركه(2)أو الجهر به تقيّة؛ إذ تتأدى الوظيفة بكلّ منهما وإن كان الجمع(3) أفضل.
ص: 199
* فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين، وعلى قوله: «قد قامت الصلاة»، وإن أخل بشيءٍ من فصول الأذان استحب للمأموم التلفّظ به .
........
قوله: «فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين وقد قامت الصلاة».
المستند رواية معاذ بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقى على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله، وليدخل في الصلاة»(1).
وعبارة المصنّف قاصرة عن تأدية هذا المعنى ترتيباً وفصولاً، فإنّها توهم تقديم التكبير على قد قامت الصلاة وعدم التهليل والاعتذار عن الأوّل: أنّ الواو لا تقتضي الترتيب(2) يزيل الفساد، لكن لا يوجب تحصيل المطلوب.
ويُفهم من هذه الرواية عدم الاعتداد بأذان المخالف، مضافاً إلى ما تقدم.
ص: 200
وهي واجبة ،ومسنونة، فالواجبات ثمانية:
*وهي ركن في الصلاة،
........
قوله: «وهي ركن في الصلاة».
اختلف كلام المصنف (رحمه الله) في تحقيق النية، فقطع هنا بكونها ركناً في الصلاة، وفي المعتبر بكونها شرطاً(1) ، وفى النافع بأنّها متردّدة بين الركن والشرط وأنّها بالشرط أشبه (2).
ولكل وجه وجيه، غير أن وجه الشرط واضح، والتردّد مع أرجحية مشابهة الشرط أوضح.
وممّا يكشف عن ركنيتها اشتراط الطهارة والستر والاستقبال وغيرها مما يشترط في الصلاة فيها، ومقارنتها للتكبير أو بسطها عليه، ولا شيء من الشروط كذلك، وعن الشرطية وجود خواص الشرط فيها، وهي توقف تأثير الفعل أو صحته عليه، ومساوقته له إلى الفراغ منه ولو حكماً، وأنّ أوّل الصلاة التكبير، واستلزام دخولها افتقارها إلى نيّة أخرى، ومغايرتها للعمل، كما دلّ عليه الحديث(3) ، إلى غير ذلك، وتردّدها بينهما مستفاد من وجههما.
ص: 201
*لو أخلّ بها عامداً أو ناسياً لم تنعقد صلاته.
* وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن ، والقصد بها إلى أمور أربعة :الوجوب أو الندب، والقربة، والتعيين، وكونها أداءً أو قضاء، ولا عبرة باللفظ.
.........
وعلى كل تقدير فالإجماع واقع على توقف الصلاة عليها، وبطلانها بتركها عمداً وسهواً. فالخلاف نادر الفائدة
قوله: «ولو أخل بها عامداً أو ناسياً لم تنعقد صلاته».(1)
قوله: «وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة».
اعلم أنّ النية أمر واحد بسيط، وهو القصد إلى فعل الصلاة المخصوصة، والأمور المعتبرة فيها - التي يجمعها اسم المميز - إنّما هي مميزات المقصود وهو المنوي، لا أجزاء للنيّة، والقربة غاية الفعل المتعبد به فهى خارجة عنها أيضاً.
ثم لما كانت النية عزماً وإرادة متعلقة بمقصود معيّن اعتبر في تحققها إحضار المقصود بالبال أولاً بجميع مشخّصاته، كالصلاة مثلاً، وكونها ظهراً واجبةً مؤداة، أو مقابلاتها، أو بالتفريق، ثمّ يقصد إيقاع هذا المعلوم على وجه التقرب إلى الله تعالى، فلفظة «أُصلّي» - مثلاً - هي النية، وهي وإن كانت متقدّمةً لفظاً فهي متأخرة معنى؛ لأنّ الاستحضار القلبي للفعل يصيّر المتقدم من اللفظ والمتأخر في مرتبة واحدة.
وقد أفصح عن هذا المعنى أجود إفصاح الشهيدُ (رحمه الله) بقوله في دروسه - وقريب منه في ذكراه (2) -:
لما كان القصد مشروطاً بعلم المقصود وجب إحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة من التعيين ، والأداء والقضاء ، والوجوب، ثمّ القصد إلى هذا المعلوم لوجوبه قربة إلى الله تعالى(3).
ص: 202
* ووقتها عند أوّل جزءٍ من التكبير . ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة ،وهو أن لا ينقض النيّة الأولى.
* ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر، وكذا لو نوى أن يفعل ما ينا فيها، فإن فعله بطلت *وكذا لو نوى بشيءٍ من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة.
.........
ولا يخفى ما في عبارة المصنف من الحزازة والقصور عن تأدية المعنى المراد، ومع ذلك فإنّ صفة الصلاة هى كونها ظهراً واجبةً مؤدّاةً إلى غير ذلك، فالجمع بين استحضار الصفة والقصد إلى الأمور الأربعة غير واضح، وإن أراد بصفة الصلاة أمراً آخر، كاستحضار أفعالها وأركانها - كما نُقل عن بعض الأصحاب (1)- فذلك غير جيد أيضاً؛ لأن الاستحضار المذكور ليس هو حقيقة النية، وإنما هو تشخيص المنوي، ومع ذلك ففي وجوبه بُعد؛ لما فيه من الحرج والمشقة، بل لا يكاد يقدر عليه إلا آحاد.
قوله: «ووقتها عند أول جزء من التكبير».
بل الأولى استحضارها إلى آخر التكبير مع الإمكان.
قوله: «ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر».
بل الأصح البطلان لمنافاة الاستدامة الحكميّة، ولأنّ إرادتي الضدين متضادتان، وكذا القول فيما لو نوى فعل المنافي وإن لم يكن في الحال.
قوله « وكذا لو نوى بشيءٍ من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة»(2).
ص: 203
*ويجوز نقل النيّة في موارد كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها، وكنقل الفريضة الحاضرة إلى سابقة عليها مع سعة الوقت.
وهي ركن ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخلّ بها نسياناً.
وصورتها أن يقول: «الله أكبر»، ولا تنعقد بمعناها، ولو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته، فإن لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجم لزمه التعلّم. ولا يتشاغل بالصلاة مع سعة ،الوقت فإن ضاق أحرم بترجمتها، والأخرس ينطق بها على قدر الإمكان* فإن عجز عن النطق أصلاً عقد قلبه بمعناها مع الإشارة.
والترتيب فيها واجب، ولو عكس لم تنعقد الصلاة.
والمصلّى بالخيار فى التكبيرات السبع، أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح ،
.......
قوله: «ويجوز نقل النية في موارد».
اعلم أنّ كلّاً من الصلاة المنقول منها وإليها إما أن تكون واجبة أو مندوبة، مؤداة أو ،مقضيّة، فالصُوَر ست عشرة حاصلة من ضرب أربعةٍ في أربعةٍ، منها النقل من النفل إلى الفرض لا يجوز مطلقاً، وبالعكس يجوز فيمن نسي الأذان والإقامة، وفيمن خشي فوت الإمام وشبهه، ومن الفرض إلى الفرض فيمن نوى حاضرةً فذكر فائتة ونحو ذلك.
قوله: «فإن عجز عن النطق أصلاً عقد قلبه بمعناها مع الإشارة».
ليس المراد بمعناها الموضوع لها لغةً ؛ لأنّ تصوّر ذلك غير واجب على غير الأخرس، بل يكفي قصده كونه تكبير ا لله وثناء عليه في الجملة، والمراد الإشارة بالإصبع، ويجب مع ذلك تحريك اللسان؛ لوجوبه مع القدرة على النطق، فلا يسقط الميسور بالمعسور، وفي حكم الأخرس من تعذر عليه النطق لمانع، ولو عجز عن البعض أتى بالممكن وعوض عن الفائت.
ص: 204
* ولو كبر ونوى الافتتاح ثمّ كبّر ونوى الافتتاح بطلت صلاته، وإن كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيراً.
* ويجب أن يكبر قائماً، فلو كبر قاعداً مع القدرة أو هو آخذ في القيام لم تنعقد صلاته .
والمسنون فيها : * أن يأتى بلفظ الجلالة من غير مةٍ بين حروفها،
..........
قوله: «ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ونوى الافتتاح» إلى آخره.
إنما قيد التكبير بنية الافتتاح ليصير ركناً، فإنّ التكبير ذكر الله لا يضر في الصلاة إلا على تقدير كونه ركناً، وإنما يتميز بالنية، ويكفي في البطلان الإتيان بصورة الركن مع نيته، فلا يشترط مقارنة النية للثاني، وإنّما يبطل بالثاني مع عدم نية الخروج من الصلاة قبله، وإلا صحت به مع استصحاب النيّة، ولا بدّ من تقييد الصحة بالتكبير الثالث بمقارنة النية له. والضابط أنه مع عدم نية الخروج ينعقد في كل وتر، ويبطل في الشفع؛ لاشتمال الشفع على زيادة الركن وورود الوتر على صلاة باطلة، ومع نية الخروج ينعقد بما بعدها.
قوله: «ويجب أن يكبّر قائماً، فلو كبّر - إلى قوله - لم تنعقد صلاته».
كما يشترط القيام وغيره من الشروط في التكبير كذا يشترط في النية، فإذا كبر قاعداً أو وهو آخذ في القيام وقعت النية أيضاً على تلك الحالة، فعدم الانعقاد مستند إلى كلّ منهما. ولا يضر ذلك؛ لأنّ علل الشرع معرفات لا علل حقيقية، فلا يضر اجتماعها.
وإنما خص التكبير بالذكر للردّ على الشيخ (رحمه الله) حيث جوز الإتيان ببعض التكبير منحنياً (1)، ولم يُعلم مأخذه .
قوله: «أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها».
المراد به مد الألف الذي بين اللام والهاء زيادة على القدر الطبيعي منه، فإنّ له مدّاً طبيعيّاً. و ، والزيادة عليه مكروهة، أمّا مد همزة الجلالة بحيث تصير بصورة الاستفهام فإنّه مبطل وإن لم يقصد الاستفهام، على أصح الوجهين.
ص: 205
*وبلفظ «أكبر» على وزن «أفعل وأن يُسمع الإمامُ مَنْ خلفه تلفّظه بها، * وأن يرفع المصلّي يديه بها إلى أُذنيه.
*وهو ركن مع القدرة فمَنْ أخلّ به عمداً أو سهواً بطلت صلاته ،
........
قوله: «وبلفظ «أكبر» على وزن أفعل».
مفهومه جواز الخروج به عن الوزن، وهو حقٌّ إن لم يصل مد الباء إلى وزن «أكبار» جمع «كبر» وإلا بطل وإن لم يقصده، كما مرّ.
وقطع المصنّف في المعتبر بالصحة مع عدم القصد (1).
قوله: «وأن يرفع المصلي يديه بها إلى أُذنيه».
وليكونا مبسوطتين مضمومتي الأصابع مفرّقتي الإبهامين، ويستقبل بباطن كفّيه القبلة، ويبتدئ التكبير في ابتداء الرفع وينتهي عند انتهائه.
قوله «القيام».
إنّما أخره ه عن النية والتكبير ليتمحض جزءاً من الصلاة، ويتحقق وجوبه؛ لأنّه قبلهما شرط محض ويجوز تركه بعد الشروع فيه إلا لعارض، ومَنْ قدمه نظر إلى اشتراطهما به ،والشرط مقدّم على المشروط، وربما أخره بعضهم عن القراءة، وما هنا أجود.
قوله: «وهو ركن مع القدرة».
اعلم أن القيام ليس مجموعه من حيث هو مجموع ركناً، فإن ناسى القراءة وأبعاضها صلاته صحيحة مع فوات بعض القيام المستلزم لفوات المجموع من حيث هو كذلك، ولا كلّ جزء من أجزائه لعين ما ذكر بل الركن من القيام هو القدر المتصل منه بالركوع، سواء اتفقت فيه القراءة أم لا، ولا يتحقق زيادته ونقصانه إلا بزيادة الركوع ونقصانه.
ولا يضر استناد البطلان إليهما؛ لأنّ علل الشرع معرّفات.
ص: 206
*وإذا أمكنه القيام مستقلاً وجب،* وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام *وروي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته، وإلا صلّى قاعداً.
..........
ولو اتفق زيادته على مسمّاه، كالقيام في حال القراءة، كان الركن منه أمراً كلياً يتأدّى بكلّ واحدٍ من جزئياته، والباقي موصوف بالوجوب لا غير، فإنّ ناسي القراءة وأبعاضها لا تبطل صلاته؛ إذ ليس مُخلّاً بركنيّة القيام.
قوله: «وإذا أمكنه القيام مستقلاً وجب».
المراد بالاستقلال هنا الإقلال، لا طلبه كما هو الغالب في باب الاستفعال. والمراد بالإقلال أن يكون غير مستند إلى شيءٍ بحيث لو أزيل السناد سقط.
قوله: «وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام».
ولو توقف تحصيل ما يعتمد عليه على عوض وجب بذله وإن كثر مع الإمكان، ولا فرق فيه بين كونه آدمياً أو غيره.
قوله: «وروي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة».
هي رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى ، قال : سألته عن الرجل هل له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علّةٍ؟ قال: «لا بأس»(1).
وعمل بظاهرها أبو الصلاح فعد الاعتماد على ما يجاور المصلي من الأبنية مكروهاً (2). والرواية محمولة على استناد ليس معه اعتماد؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على وجوب القيام مستقلاً(3).
ص: 207
* وقيل: حدُّ ذلك أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته، والأوّل أظهر. والقاعد إذا تمكن من القيام إلى الركوع وجب * وإلّا ركع جالساً،
..........
قوله: «وقيل: حدّ ذلك أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته».
أي حد العجز المجوّز للصلاة جالساً أن لا يقدر على المشي بمقدار صلاته.
والمستند ما رواه سليمان المروزي عن الفقيه : «المريض إنما يصلّي قاعداً إذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته»(1).
وحملت على مَنْ يتمكن من القيام إذا قدر على المشي؛ للتلازم بينهما غالباً، فالمعتبر حينئذ العجز عن القيام لا عن المشي.
والأولى تنزيل الرواية على أن الجلوس إنّما يجوز مع تعذر القيام ولو لم يكن مستقراً، كمَنْ يقدر على المشي ولا يقدر على الاستقرار، فيقدم الصلاة ماشياً عليها جالساً، فإن ذلك هو ظاهر الرواية، وأيضاً فإنّ القيام ماشياً يفوت معه وصف من أوصاف القيام وهو الاستقرار، والجلوس يفوت معه أصل القيام،وفوات الوصف أولى من فوات الأصل بالكلّيّة، وهو اختيار الفاضل (رحمه الله)(2) .
واختار الشهيد (رحمه الله) ترجيح الجلوس؛ لأنّ الاستقرار ركن في القيام (3). وقد عرفت ما فيه.
قوله: «وإلا ركع جالساً».
ويجب فيه مراعاة النسبة بين انتصاب القائم وركوعه فينحنى الجالس كذلك بحيث يجعل المائل من بدنه عند القعود بقدر المائل منه عند الركوع قائماً، وأكمله أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده، وأقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض ويرفع فخذيه وفاقاً للشهيد
(رحمه الله) في الدروس (4)
ص: 208
*وإذا عجز عن القعود صلّى مضطجعاً، فإن عجز صلّى مستلقياً،* والأخيران يومئان لركوعهما وسجودهما. ومَنْ عجز عن حالةٍ في أثناء الصلاة *انتقل إلى ما دونها مستمراً، كالقائم يعجز فيقعد، أو القاعد يعجز فيضطجع، أو المضطجع يعجز فيستلقي، وكذا بالعكس، ومَنْ لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه، فإن لم يقدر أوماً.
والمسنون في هذا الفصل شيئان :* أن يتربع المصلي قاعداً في حال قراءته ويثني رجليه في حال ركوعه، وقيل: يتورّك في حال تشهده.
.........
قوله: «وإذا عجز عن القعود صلّى مضطجعاً».
على جانبه الأيمن كالملحود فيستقبل بوجهه القبلة، فإن تعذر الأيمن فعلى الأيسر.
قوله « والأخيران يومئان لركوعهما وسجودهما».
بالرأس إن أمكن، وإلا فبالعينين. ولو أمكن رفع ما يسجد عليه ليصير بصورة الساجد وجب، فإن تعذر وضع على جبهته ما يصح السجود عليه، وكذا يجب تمكين باقي المساجد مع الإمكان.
قوله: «انتقل إلى ما دونها مستمراً».
على صلاته من غير استئناف وإن كان الوقت واسعاً.
ويمكن أن يريد بالاستمرار على الأفعال التي يمكن وقوعها في حالة الانتقال، كالقراءة. فلا يترك القراءة في حالة الانتقال إلى الأدنى لانتقاله إلى ما هو أدنى، وهو أصح القولين بخلاف مَنْ وجد خَفّاً في حالة دنيا فإنّه ينتقل منها إلى العليا تاركاً للقراءة.
قوله: «أن يتربع المصلي قاعداً في حال قراءته - إلى قوله - يتورّك في حال تشهده».
المراد بالتربع هنا أن ينصب فخذيه وساقيه وبثني الرجلين أن يفترشهما تحته ويجلس على صدورهما بغير إقعاء، وبالتورّك أن يجلس على وركه الأيسر ويخرج قدميه من تحته، كما سيأتي في التشهد (1).
ص: 209
وهي واجبة. وتتعيّن الحمد في كلّ ثنائية، وفي الأوليين من كلّ رباعيةٍ وثلاثية، وتجب قراءتها أجمع، ولا تصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرفٍ واحدٍ منها عمداً *حتى التشديد *وكذا إعرابها، والبسملة آية منها تجب قراءتها معها، ولا يجزي للمصلّى ترجمتها، ويجب ترتيب كلماتها وآيها على الوجه المنقول، فلو خالف عمداً أعاد * وإن كان ناسياً استأنف القراءة ما لم يركع، وإن ركع مضى في صلاته ولو ذكر.
...........
قوله: «حتى التشديد».
إنما عطف التشديد على الحرف ب_ «حتى» للتنبيه على أنه حرف، بل هو أبلغ منه، فإنّه مشتمل على حرف مدغم وإدغام، وكلاهما واجب في القراءة حتى لو فك الإدغام الصغير بطلت القراءة وإن أتى بالحرف.
وفي حكم التشديد المد المتصل، أما المنفصل فإنّه مستحب، وكذا أوصاف القراءة من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق والغنّة ،وغيرها، كما نبه عليه الشهيد (رحمه الله) في بعض مصنفاته (1).
قوله: «وكذا إعرابها».
المراد بالإعراب عند الإطلاق الرفع والنصب والجر والجزم، وفي حكمها صفات البناء وهي الضم والفتح والكسر والسكون، وكأن المصنف أطلق الإعراب على ما يشملهما تغليباً أو توسّعاً.
ولا فرق في البطلان بتغيّر الإعراب والبناء بين كونه مغيّراً للمعنى أو لا.
قوله: «وإن كان ناسياً استأنف القراءة ما لم يركع».
ص: 210
ومَنْ لا يُحسنها يجب عليه التعلّم * فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسر منها، وإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها ،* أو سبّح الله وهلله وكبّره بقدر القراءة، ثمّ يجب عليه التعلّم، والأخرس يحرّك لسانه بالقراءة * ويعقد بها قلبه.
والمصلّي في كلّ ثالثة ورابعة بالخيار إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبح، والأفضل للإمام القراءة.
.......
إنّما يستأنف القراءة إذا لم يتحصل منها ما يمكن البناء عليه، أو أمكن مع الإخلال بالموالاة، أما لو انتفى الأمران - كما لو قرأ آخر الحمد ثم قرأ أولها ثم ذكر - بنى على ما قرأه آخراً ويستأنف ما قبله لحصول الترتيب والموالاة.
قوله: «فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسر منها، فإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها».
إنما يقرأ ما تيسر منها مع تسميته قرآناً كالآية ونحوها، وإلا لم يعتد به، ويجب أن يعوّض عن الفائت من غيرها مع الإمكان، ويجب كونه بقدر الباقي منها فزائداً في الحروف لا في الآيات، ومراعاة الترتيب بين ما علمه وبين البدل، فإن علم الأوّل أخر البدل، أو الآخر قدمه، أو الطرفين وسطه. ولو لم يعلم شيئاً من غيرها كرّر ما علمه منها.
قوله: «أو سبح الله وهلله وكبره بقدر القراءة».
ويجب فيه ما يجزئ في الأخيرتين، وفاقاً للذكرى(1)، ويكرّره بقدر الفاتحة، وينبغي أن ينوي به البدلية عن القراءة، وكذا ما تقدّم من الأبدال، ولو تعذر جميع ذلك وجب القيام بقدر الفاتحة، ولو أمكن الائتمام وجب مقدماً على البدل، كما أنه لو أمكنه قراءة الفاتحة من المصحف قدم عليه، ولو أمكن من غيرها قدم على الذكر، ولا تكفى القراءة منه مع إمكان الحفظ.
قوله :« ويعقد بها قلبه».
أي بالقراءة بأن ينوي بقلبه وبحركة لسانه كونهما بدلاً منها. وكذا تجب الإشارة بالإصبع، ومثله القول فى باقى الأذكار .
ص: 211
وقراءة سورةٍ كاملةٍ بعد الحمد في الأوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعلّم للمختار، وقيل: لا يجب، والأوّل أحوط، * ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد.
* ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئاً من سُوَر العزائم، * ولا ما يفوت الوقت بقراءته، ولا أن يُقرن بين سورتين، *وقيل يكره، وهو الأشبه.
.......
وما يوجد في عبارات الأصحاب من عقد قلبه بمعناها منزل على ما ذكرناه؛ لعدم وجوب فهم المعنى على الصحيح فضلاً عن الأخرس.
قوله: «ولو قدّم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد».
مع عدم التعمّد، وإلا بطلت الصلاة، والجاهل عامد.
وإعادة السورة بعد الحمد يحتمل كونها مع إعادة الحمد كما ذكره جماعة (1).
والأجود الاكتفاء بالحمد؛ لأنّ وقوعها بعد السورة لا يُبطلها، فلا وجه لإعادتها، بل تعاد السورة لا غير.
قوله: «ولا يجوز أن يقرأ فى الفرائض شيئاً من سُوَر العزائم».
فتبطل الصلاة بمجرد الشروع فيها مع العمد، والناسي يرجع إلى غيرها متى ذكر وإن تجاوز النصف، ولو لم يذكر حتى قرأ السجدة أوماً لها ثم قضاها بعد الصلاة. واحترز بالفريضة عن النافلة ، فيجوز قراءة أحدها فيها، ويسجد لها إذا تلاها ، كما سيأتي(2).
قوله: «ولا ما يفوت الوقت بقراءته».
فيبطل مع العلم بمجرّد الشروع وإن لم يخرج الوقت، نعم، لو ظنّ السعة فتبين الضيق بعد الشروع عدل وإن تجاوز النصف.
قوله :« وقيل يكره».
هذا إذا لم يعتقد المشروعية، وإلا حرم قطعاً.
ص: 212
ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح، وفي أُوليي المغرب والعشاء، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء.
*وأقلّ الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع، والإخفات أن يُسمِعَ نفسَه إن كان يسمع * وليس على النساء جهر.
والمسنون في هذا القسم * الجهر بالبسملة في موضع الإخفات في أوّل
..........
ويتحقق القرآن بقراءة أزيد من سورة وإن لم يُكمل الثانية، بل بتكرار السورة الواحدة أو بعضها، ومثله تكرار الحمد.
قوله: «وأقلّ الجهر أن يسمعه الصحيح القريب».
لا بد مع ذلك من اشتمال الصوت على جهرية وإظهار ليتحقق الفرق بينه وبين السرّ عرفاً، بحيث لا يجتمعان في مادةٍ؛ إذ هُما - كما ذكره جماعة من الأصحاب (1)- حقيقتان متضادتان، والحوالة فيهما على العرف.
قوله :« وليس على النساء جهر».
أي لا يجب عليهنّ ذلك عيناً، بل يتخيّرن بين الجهر والإخفات في مواضع الجهر ما لم يسمعهنّ
الأجنبي، وإلا تعين الإخفات، والأولى للخنثى الجهر وتحرّي موضع لا يسمعها الأجنبي فيه.
وهذا كله في القراءة، أما غيرها من الأذكار فيستحب الجهر به للإمام والإسرار للمأموم. ويتخير المنفرد في غير القنوت، ويجهر به مطلقاً.
قوله: «الجهر بالبسملة في موضع الإخفات».
لا فرق في ذلك بين الأوليين والأخيرتين؛ لإطلاق النص(2)، فتخصيص ابن إدريس الاستحباب بالأوليين(3) ضعيف، كما ضعف قول ابن البراج بوجوب الجهر بها في الإخفاتية مطلقاً (4).
ص: 213
الحمد و أوّل السورة * وترتيل القراءة، والوقوف على مواضعه وقراءة سورةٍ بعد الحمد في النوافل، وأن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسور القصار، ك_ «القدر» و«الجحد»، وفي العشاء ب_ «الأعلى» و«الطارق» وما شاكلهما، وفي الصبح ب_ «المدثر» و «المزمّل» وما ماثلهما، وفى غداة الاثنين والخميس ب_«هل أتى» وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة ب_«الجمعة» و «الأعلى»، وفي صبحها بها وب «قل هو الله أحد»، وفي الظهرين بها وب_«المنافقين»، ومنهم مَنْ يرى وجوب السورتين في الظهرين، وليس بمعتمد.
......
واعلم أنّ الجهر والإخفات كيفينان للقراءة الواجبة بحيث لا يمكن تأديتها إلا بهما، وكيفية الواجب لا تكون إلا واجبةً وإن كان تعدّدها يلحقها بالواجب المخيّر، فمعنى استحباب الجهر بها حينئذٍ أنّه أفضل الفردين الواجبين على التخيير، فلا منافاة بين استحبابه عيناً ووجوبه تخييراً؛ لعدم اتحاد الموضوع.
قوله :« وترتيل القراءة».
للترتيل تفسيرات :
أحدها : ما ذكره المصنف في المعتبر أنه تبيين الحروف من غير مبالغة ، ونقله عن الشيخ أيضاً(1).
والمراد به الزيادة على الواجب الذي يتحقق به النطق بالحروف من مخارجها ليتم الاستحباب
الثاني: أنه بيان الحروف وإظهارها ولا يمدّها بحيث يشبه الغناء، وهو تفسير الفاضل في النهاية ، قال: ولو أدرج ولم يرتل وأتى بالحروف بكمالها صحت صلاته(2).
وهو قريب من الأوّل، وهُما معاً موافقان لكلام أهل اللغة، قال في الصحاح: الترتيل في
ص: 214
وفي نوافل النهار بالسُوَر القصار ويُسرّ بها، وفي الليل بالطوال ويجهر بها، ومع ضيق الوقت يخفّف.
*وأن يقرأ «قل يا أيها الكافرون» في المواضع السبعة، ولو بدأ فيها بسورة «التوحيد» جاز.
* ويقرأ في أوليي صلاة الليل «قل هو الله أحد» ثلاثين مرة، وفي البواقي بطوال السُوّر.
ويُسمع الإمام مَنْ خلفه القراءة ما لم يبلغ العلوّ وكذا الشهادتين استحباباً.
........
القراءة الترسل فيها والتبيين بغير بَغي(1).
الثالث: أنه حفظ الوقوف وأداء الحروف ذكره في الذكرى(2)، وهو المنقول عن ابن عبّاس وعلى ، إلا أنه قال:« وبيان الحروف »(3)والأوّلان أنسب بعبارة الكتاب ؛للاستغناء بالتفسير الثالث عن قوله: «والوقوف على مواضعه».
قوله: «وأن يقرأ «قل يا أيها الكافرون» في المواضع السبعة».
هي أوّل ركعتى الزوال، وأوّل نوافل المغرب، وأوّل نوافل الليل، وأول ركعتي الفجر، وأول صلاة الصبح إذا أصبح بها، أي لم يصلها حتى انتشر الصبح وطلعت الحمرة، وأول سنة الإحرام وأوّل ركعتي الطواف، ويقرأ في ثواني هذه السبعة بالتوحيد (4)، وروي العكس(5) فلذا قال: ولو بدأ بالتوحيد جاز.
قوله: «ويقرأ في أوليي صلاة الليل «قل هو الله أحد»، ثلاثين مرّة».
قد تقدم استحباب أن يقرأ فيها ب_«الجحد»؛ لأنّها أحد السبعة، وطريق الجمع إما أن يكون
ص: 215
وإذا مر المصلّي بآية رحمةٍ سألها، وبآية نقمة استعاذ منها.
مسائل سبع :
الأولى: * لا يجوز قول «آمين» آخر الحمد، وقيل: هو مكروه.
الثانية الموالاة في القراءة شرط في صحتها * فلو قرأ خلالها من غيرها
........
قراءة كلّ واحدةٍ من السورتين سُنّة فيتخيّر المصلي، أو بالجمع بينهما؛ لجواز القران في النافلة، أو بحمل أوليي صلاة الليل على الركعتين المتقدمتين على الثماني، كما ورد في بعض الأخبار(1).
وعلى ما روي من كون الجحد في الركعة الثانية لا إشكال، فإن قراءة التوحيد في الأولى ثلاثين مرّة محصلة لقراءة التوحيد فيها في الجملة.
قوله: «لا يجوز قول «آمین» آخر الحمد».
هذا هو المشهور، بل كاد يكون إجماعاً، ومستنده النص عن أئمة الهدى(عليهم السلام)(2) ، وعُدّل مع ذلك بأنه ليس بقرآن ولا دعاء، وإنّما هو اسم للدعاء، أعني «اللهم استجب» والاسم غير المسمّى، فلو قال بدله : اللهم استجب لم يضر.
ولا فرق في البطلان به بين وقوعه آخر الحمد أو غيره من حالات الصلاة، كالقنوت، كلّ ذلك مع عدم التقيّة، وإلا لم يضر، بل ربما وجب.
قوله: «فلو قرأ خلالها غيرها استأنف القراءة».
هذا مع النسيان، ومع العمد تبطل الصلاة وتتحقق الغيرية بقراءة ما لا محلّ لقراءته في تلك الحال وإن كان من السورة.
ولا يخفى أنّ ذلك في غير الدعاء بالمباح، وسؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما، ورد السلام، وتسميت العاطس، والحمد عند العطسة، ونحو ذلك مما هو مستثنى.
ص: 216
استأنف القراءة، * وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت. وفي قول: يعيد الصلاة * أمّا لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع، أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته.
الثالثة: * روى أصحابنا أنّ «الضحى» و «ألم نشرح سورة واحدة، وكذا «الفيل» و «لإيلاف»، فلا يجوز إفراد أحدهما من صاحبتها في كلّ ركعة، ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر.
......
قوله: «وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت».
هذا إذا خرج بالسكوت عن كونه قارئاً ولم يخرج عن كونه مصلّيّاً، وإلا لم يُعد القراءة في الأوّل وأعاد الصلاة في الثاني، ولا فرق هنا بين السكوت عمداً ونسياناً.
قوله: «أما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته».
إنّما يمضي في صلاته مع السكوت لا بنية القطع للصلاة أو للقراءة مع عدم طوله بحيث يخرج عن كونه قارئاً أو مصلّياً، وإلّا أعاد القراءة في الأوّل والصلاة في الثاني.
والمراد بنية القطع في المسألة الأخيرة قطع القراءة، لا قطع الصلاة، وإلا بطلت الصلاة بناءً على بطلانها بنية فعل المنافي.
ولا بد من تقييد قطع القراءة بأن لا ينوي عدم العود إليها، وإلا كان كنية قطع الصلاة.
قوله: «روى أصحابنا أنّ «الضحى» و«ألم نشرح» سورة واحدة».
ليس في الأخبار تصريح بكونهما سورةً واحدة، وإنما فيها قراءتهما معاً في الركعة الواحدة (1)، وهي أعم من كونهما سورةً واحدة.
ورواية المفضّل - قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم نشرح وسورة الفيل ولإيلاف »(2)- صريحة في كونهما سورتين.
ص: 217
الرابعة :* إذا خافَتَ فى موضع الجهر أو عكس جاهلاً أو ناسياً لم يُعد.
الخامسة : يجزئه عوضاً عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة صورتها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاثاً * وقيل: يجزئه عشر، وفي رواية: تسع، وفي أُخرى: أربع، والعمل بالأوّل أحوط.
السادسة : مَنْ قرأ سورةً من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود، وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع ، ثم ينهض ويقرأ ما تخلّف منها ويركع ، وإن كان السجود في آخرها يستحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة.
السابعة: * المعوذتان من القرآن، ويجوز أن يقرأ بهما في الصلاة فرضها ونقلها.
..........
فإنّ الاستثناء حقيقة في المتصل، وعلى هذا يضعف القول بترك البسملة بينهما، وعلى تقدير وحدتهما فلا تنافيها البسملة بينهما؛ لوجودها في أثناء غيرهما، وكما تجب البسملة بينهما
تجب رعاية الترتيب على الوجه المتواتر.
قوله: «إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلاً أو ناسياً لم يُعد».
لا فرق في ذلك بين علمه بالمخالفة قبل الركوع وبعده على أصح القولين.
قوله: «وقيل: يجزئه عشر، وفي رواية: تسع».
العشر بإسقاط التكبير من الأوليين وإثباته في الأخيرة، والتسع بإسقاطه من الجميع، كما وقع مصرحاً في رواية حريز (1)، والكل مجزئ ما عدا التسع بسقوط التكبير فيه، ولو اختار الزائد على الأربع جاز له نيّة الوجوب بالجميع، واستحباب ما زاد على الأربع، ومع الإطلاق يُحمل الوجوب على الأربع لا غير.
قوله: «المعوذتان من القرآن».
هما -بكسر الواو -اسم فاعل سُمّيتا بذلك؛ لأن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يعوّذ بهما الحسنين (عليهم السلام)(2).
ص: 218
وهو واجب في كلّ ركعةٍ مرّةً، إلا في الكسوف والآيات، وهو ركن في الصلاة وتبطل بالإخلال به عمداً وسهواً على تفصيل سيأتي.
والواجب فيه خمسة أشياء:
الأوّل: * أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، وإن كانت يداه في الطول بحةٍ تبلغ ركبتيه من غير انحناء انحنى كما ينحني مستوي الخلقة،
......
وخالف في كونهما من القرآن شذوذ من العامة (1)، وروي أيضاً عن ابن مسعود؛ لأنهما إنما نزلتا لتعويذهما(عليهم السلام)(2) .
ولا منافاة بين ذلك وبين كونهما من القرآن فإنّ القرآن صالح للتعوّذ به لشرفه وبركته.
قوله: «أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه».
التقييد بالانحناء يخرج به ما لو انخنس بحيث أمكنه وضع كفّيه، فإنّ ذلك غير كافٍ، وكذا لو أمكنه ذلك بمشاركة الانحناء للانخناس بحيث لولا الانخناس لما أمكن بلوغ اليدين الركبتين.
والمعتبر إمكان وصول اليدين معاً، فلا تكفى إحداهما اختياراً. نعم، لو تعذرت إحداهما لعارض في أحد الشقين كفت الأخرى.
والأفضل بلوغ قدر ما يتمكن به من تمكين الراحتين والكفّين بالركبتين.
والظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع، وفي حديث زرارة - المعتبر -: «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزاك ذلك، وأحبُّ إلى أن تمكن كفيك»(3).
ص: 219
وإذا لم يتمكن من الانحناء لعارض أتى بما يتمكن منه، * فإن عجز أصلاً اقتصر على الإيماء، * ولو كان كالراكع خلقةً أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقاً.
الثاني: الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة * ولو كان مريضاً لا يتمكن سقطت عنه، كما لو كان العذر في أصل الركوع.
...........
قوله: «وإذا لم يتمكن من الانحناء لعارض أتى بما يمكن منه».
اللام في الانحناء للعهد الذكري، وهو البالغ تمام ما يعتبر في الركوع، فلا يرد أن مَنْ لم يتمكن من الانحناء كيف يمكنه شيء منه.
قوله: «فإن عجز أصلاً اقتصر على الإيماء».
أراد بقوله «أصلاً» أنّ الإيماء مشروط بالعجز عن جميع الحالات المتصوّرة استقلالاً واعتماداً ولو بعوض مقدور، والإيماء بالرأس كما في نظائره - مع الإمكان، وإلا فبالعينين. قوله: «ولو كان كالراكع خلقة أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقاً».
بين القيام والركوع؛ لأنّ المعهود من صاحب الشرع الفرق بينهما. وقال الشيخ والمصنف في المعتبر: إن الفرق مستحب ؛ لأن ذلك حد الركوع فلا يلزم الزيادة عليه (1).
ولو أمكن نقص الانحناء حال القراءة باعتماد ونحوه تعيّن، لا لأجل الركوع، لكن يجزئ ذلك الانحناء للركوع لتحقق الفرق.
واعلم أنّ الانحناء لو بلغ أقصى المراتب بحيث يؤدي الزيادة عليه إلى الخروج عن حد الراكع فإن الزيادة تسقط هنا وإن أثبتناها ثُمَّ، فإنّ تحصيل حالة الركوع الاختيارية الواجبة مع الإمكان إجماعاً أولى من تحصيل الفرق الذي لا قطع بوجوبه.
قوله: «ولو كان مريضاً لا يتمكن سقطت عنه».
ويجب عليه الانحناء إلى حده ليأتي بالذكر حالته، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.
ص: 220
الثالث: رفع الرأس منه، فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه إلا مع العذر، ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب.
الرابع: الطمأنينة في الانتصاب، وهو أن يعتدل قائماً ويسكن ولو يسيراً.
الخامس: * التسبيح فيه، وقيل: يكفي الذكر ولو كان تكبيراً أو تهليلاً، وفيه تردّد. وأقلّ ما يجزئ المختار تسبيحة تامة *وهي «سبحان ربي العظيم وبحمده» او يقول: «سبحان الله ثلاثا، وفى الضرورة واحدة صغرى.
وهل يجب التكبير للركوع ؟ فيه تردّد، والأظهر الندب.
والمسنون في هذا القسم أن يكبر للركوع قائماً، رافعاً يديه بالتكبير محاذياً
.......
قوله: «التسبيح فيه، وقيل: يجزئ (1)الذكر».
المراد به المتضمّن للثناء على الله تعالى، وهذا القول هو الأجود؛ للأحاديث الصحيحة (2) الدالّة عليه، وما تضمّن منها أذكاراً مخصوصة(3) لا ينافيه؛ لأنّها بعض أفراده، ولا دلالة فيها على انحصاره فيما ذكر.
قوله: «وهي سبحان ربي العظيم وبحمده». معنى سبحان ربي تنزيهاً له عن النقائص وصفات المخلوقين، ونصبه على المصدر بفعل محذوف، تقديره: سبحت الله سبحاناً، أي نزهته تنزيهاً.
وقيل: التسبيح هو المصدر، و «سبحان» واقع موقعه، يقال: سبحت الله تسبيحاً وسبحاناً ، فهو عَلَم المصدر، ولا يُستعمل غالباً إلا مضافاً، كقولنا «سبحان الله» وهو مضاف إلى المفعول به، أي سبحت الله؛ لأنه المسبح المنزه(4) ؛
ص: 221
أذنيه، ويُرسلهما ثم يركع.
وأن يضع يديه على ركبتيه مفرّجات الأصابع، ولو كان بإحداهما عذر وضع الأخرى، ويرد ركبتيه إلى خلفه ويسوي ظهره ويمد عنقه موازياً لظهره.
وأن يدعو أمام التسبيح، وأن يسبّح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً * فما زاد.
وان يرفع الإمام صوته بالذكر فيه ،*وان يقول بعد انتصابه سمع الله لمن حمده ،
.....
ومتعلق الجار في «وبحمده» محذوف أيضاً، أي وبحمده أُنزهه.
وقيل: معناه والحمد لربي(1)، كما قيل في قوله تعالى: ﴿مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾، أَي والنعمة لربك.
والعظيم في صفته تعالى مَنْ يقصر كلّ شيءٍ سواه عنه، أو مَنْ حصلت له جميع صفات الكمال، أو مَنْ انتفت عنه صفات النقص.
قوله: «فما زاد». قال المصنف في المعتبر : الوجه استحباب ما لا يحصل معه السأم، إلا أن يكون إماماً
(2)وهو حسن .
ولو انحصر المأمومون وعلم منهم حب الإطالة استحب له التكرار.
وعلى كلّ حالٍ فلا ينبغي أن ينقص المصلّي عن الثلاث ما لم يعرض له ما يقتضي النقص. وقد روي عن أبان بن تغلب أنه عد على الصادق (عليه السلام)في الركوع والسجود ستين تسبيحة (3).
والواجب مع الإطلاق هو الأولى، ولو نوى غيرها جاز.
قوله: «وأن يقول بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده».
لا فرق في ذلك بين الإمام وغيره عندنا. ولو قال المأموم عند تسميع الإمام: «ربنا لك
ص: 222
ويدعو بعده. * ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه.
.....
الحمد كان جائزاً أيضاً - وإن أنكره المصنف في المعتبر(1) - فقد ورد في خبر محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام)(2) .
وكذا لو قال: ولك الحمد، فقد ورد في بعض الأخبار(3) .
والواو هنا مقحمة، وعُدّي «سَمِعَ» باللام مع أنه متعد بنفسه كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَيْحَةَ ﴾(4):- لأنه ضمن معنى استحباب، فعدّي بما تعدّى به كما ضمن السمع في قوله تعالى:﴿ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلا الأَعْلى﴾(5) معنى الإصغاء، أي لا يصفون، فعدي ب_ «إلى» ومعنى التضمين أن يُشرَب لفظ معنى لفظ آخر فيعطى حكمه، وفائدته أن تؤدّي كلمة مؤدّى كلمتين.
وهذه الكلمة - وهي سمع الله، إلى آخره - محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء، ولم نقف لأحدٍ من الأصحاب على تعيين لأحد المعنيين، وفي بعض الأخبار تصريح بكونها دعاء(6).
قوله: «ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه».
بل تكونان بارزتين أو في كُمّيه، قاله الأصحاب.
وأكثر عباراتهم مطلقة ليس فيها تقييد الكراهة بما إذا لم يكن تحتهما ثوب آخر.
وروى عمّار عن الصادق(عليه السلام) في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه؟ قال: «إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس»(7).
ص: 223
وهو واجب * في كلّ ركعة سجدتان، وهما ركن في الصلاة تبطل بالإخلال بهما من كلّ ركعة عمداً وسهواً، ولا تبطل بالإخلال بواحدةٍ سهواً.
........
قوله: «في كلّ ركعةٍ سجدتان، وهما ركن في الصلاة».
اعلم أن الحكم بكون الركن في السجود مجموع السجدتين مع إطلاق القول بأن زيادة الركن ونقصانه مبطلان للصلاة وإن كان سهواً لا يستقيم؛ لأنّ الماهية المركبة تفوت بفوات جزء من أجزائها، وذلك يستلزم فوات الركن بترك السجدة الواحدة. وقد أطبق الأصحاب - عدا ابن أبي عقيل(1) - على عدم بطلان الصلاة بفواتها سهواً، واللازم من ذلك إما عدم كون الركن مجموع السجدتين، أو كون نقصان الركن سهواً قد يغتفر.
وأجاب الشهيد (رحمه الله) عن ذلك:
بأنّ انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقاً، وإلا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلاً ولم يقل به أحد، بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية .
-قال: - ولعل الركن مسمّى السجود، ولا يتحقق الإخلال به إلا بترك السجدتين معاً (2).
ورُدَّ بأن الركن على تقدير أن يكون هو المجموع يجب أن يكون الإخلال به مبطلاً، وبأن وضع ما عدا الجبهة لا دخل له في نفس السجود، كالذكر والطمأنينة، وبأن جعل الركن هو مسمّى السجود يستلزم الإبطال بزيادة السجدة الواحدة سهواً ولا قائل به.
والحق أنّ الركن لا يصح فيه إطلاق القول بكون زيادته ونقصانه سهواً مطلقاً مبطلاً، فقد تخلف ذلك في مواضع مشهورة فليكن هذا منها، بل الحكم في كثير منها أضعف مستنداً من هذه، وحينئذ فيمكن جعل الركن مجموع السجدتين - كما أطلقه الأصحاب - ولا يبطل
ص: 224
و واجبات السجود ستة:
الأوّل: السجود على سبعة أعظم* الجبهة والكفان، والركبتان، وإبهاما الرجلين.
الثاني :وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه * فلو سجد على كَوْر العمامة لم يجزئ.
.....
بنقصان الواحدة سهواً وإن استلزم فوات الماهية المركبة، كيف! وقد ادعى في الذكرى الإجماع على عدم بطلان الصلاة بنقصانها(1) ، أو نلتزم بكون الركن مسمّى السجود، ولا يبطل بزيادة الواحدة سهواً، فيكون أحدهما مستثنى، كنظائره.
وكيف كان، فالحكم لا شبهة فيه، وإنّما الكلام في إطلاق الركن عليهما أو على أحدهما.
قوله: «الجبهة والكفّان والركبتان وإبهاما الرجلين».
الواجب في كلّ واحدٍ منها مسمّاه حتى الجبهة، ويستحب الاستيعاب، وحد الجبهة قصاص الشعر من مستوي الخلقة والحاجب، ويتعيّن الإبهامان، فلا يجزئ غيرهما من الأصابع مع الإمكان، وبدونه يجزئ غيرهما من الأصابع من غير ترجيح.
ويجب الاعتماد عليها بإلقاء الثقل وإن لم تكن مستويةٌ فيه، ولا يجب الجمع بين الأصابع والكفّ، بل يجزئ المسمّى من كلّ منهما، نعم، لا يجزئ رؤوس الأصابع؛ لأنّها حد الباطن.
قوله: «فلو سجد على كور العمامة».
كور العمامة - بفتح الكاف - دورها والمانع من ذلك عندنا كونه من غير جنس ما يصح السجود عليه، لا كونه محمولاً ، فلو كان مما يصح السجود عليه كالليف صح.
ص: 225
الثالث: أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع الجبهة موقفه * إلا أن يكون علوّاً يسيراً بمقدار لَبِنَةٍ لا أزيد، فإن عرض ما يمنع عن ذلك، اقتصر على ما يتمكن منه، وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب، وإن عجز عن ذلك كله أوماً إيماء.
الرابع:* الذكر فيه، وقيل: يختص بالتسبيح، كما قلناه في الركوع
الخامس:* الطمأنينة، إلا مع الضرورة المانعة.
السادس: رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئناً، وفي وجوب التكبير للأخذ فيه والرفع منه تردّد، والأظهر الاستحباب .
.......
قوله: «إلّا أن يكون علوّاً يسيراً بمقدار لَبِنَةٍ لا أزيد».
اللبنة بفتح اللام وكسر الباء، أو بكسر اللام وسكون الباء، والمراد بها المعتادة في بلد صاحب الشرع، وأن تكون موضوعةً على أكبر سطوحها، وقُدرت بأربع أصابع تقريباً.
وأكثر الأصحاب ذكروا العلوّ لا غير، وألحق الشهيد (رحمه الله )به الانخفاض(1)، فلا يجوز زيادته عليها، وهو حسن .
واعتبر (رحمه الله) ذلك في بقية المساجد أيضاً(2).
ولا فرق في ذلك بين الأرض المنحدرة وغيرها.
قوله: «الذكر فيه، وقيل: يختص بالتسبيح، كما قلناه في الركوع».
الحكم فيهما واحد، ويُفهم من هذه العبارة ترجيح المصنّف القول بإجزاء الذكر المطلق عكس ما سبق.
قوله: «الطمأنينة فيه (3) إلا مع الضرورة المانعة».
ص: 226
ويستحب فيه أن يكبر للسجود قائماً، ثمّ يهوي للسجود سابقاً بيديه إلى الأرض، وأن يكون موضع سجوده مساوياً لموقفه أو أخفض* وأن يرغم بأنفه، ويدعو ويزيد على التسبيحة الواحدة ما تيسر، ويدعو بين السجدتين، وأن يقعد متورّكاً، وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئناً، ويدعو عند القيام، ويعتمد
على يديه سابقاً برفع ركبتيه.
* ويكره الإقعاء بين السجدتين.
.....
فتسقط الطمأنينة، ويبقى وجوب الذكر بحسب الإمكان.
قوله: «وأن يرغم بأنفه».
الإرغام بالأنف هو السجود عليه مع الأعضاء السبعة، مأخوذ من الرغام - بفتح الراء - وهو التراب أي يلصق أنفه به.
وتتأدى السُنّة بوضعه على ما يصح السجود عليه وإن لم يكن تراباً ، وإن كان التراب أفضل، وقد روي عن عليّ(عليه السلام): لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين»(1).
ويُحمل على نفي الإجزاء الكامل.
ويجزئ إصابة الأنف للمسجد بأي جزء كان منه . واعتبر المرتضى إصابة الطرف الأعلى منه (2).
قوله: «ويكره الإقعاء بين السجدتين».
هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه، قاله المصنف في المعتبر، ونَقَل عن بعض أهل اللغة أنّه الجلوس على ألييه ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب، قال: والمعتمد الأوّل(3) .
ص: 227
مسائل ثلاث :
الأولى: مَنْ به ما يمنع وضع الجبهة على الأرض، كالدُمَّل إذا لم يستغرق الجبهة، * يحتفر حفيرةً ليقع السليم من جبهته على الأرض، فإن تعذر سجد على أحد الجبينين، فإن كان هناك مانع سجد على ذقنه. الثانية: سجدات القرآن خمس عشرة : أربع واجبة، وهي في سجدة «لقمان»، و «حم السجدة» و «النجم» و «إقرأ باسم ربك»، وإحدى عشرة مسنونة، وهي في «الأعراف» و «الرعد» و «النحل» و «بني إسرائيل» و «مريم» و «الحج» في ،موضعین و «الفرقان» و «النمل» و «ص» و «إذا السماء انشقت».
والسجود واجب في العزائم الأربع للقارئ والمستمع، * ويستحب للسامع على الأظهر، وفي البواقي يستحبّ على كلّ حالٍ.
.........
قوله: «يحتفر حفيرة».
احتفار الحفيرة مورد النص(1) ، والواجب في ذلك وقوع السليم على ما يصح السجود عليه، سواء وضع المريض في حفيرة أم آلة مجوفة أم غيرهما، ولا ترتيب بين الجبينين لكن يستحب تقديم الأيمن؛ خروجاً من خلاف ابن بابويه بتعيين تقديمه (2)، والمراد بالذقن مجمع اللحيين، وشعر اللحية ليس منه، فيجب كشفه مع الإمكان ليلاصق جزء من الذقن ما يصح السجود عليه، ليتحقق به مسمّى السجود، ولو تعذر جميع ذلك أومأ، ولو زال الألم بعد إكمال الذكر أجزأ، وقبله يستدرك.
قوله: «ويستحب للسامع على الأظهر».
بل الأصح وجوبه عليه كالمستمع، وادعى عليه بعض الأصحاب الإجماع(3) .
ص: 228
وليس في شيءٍ من السجدات تكبير ولا تشهد ولا تسليم ولا يشترط فيها الطهارة * ولا استقبال القبلة على الأظهر، ولو نسيها أتى بها فيما بَعْدُ.
الثالثة: سجدتا الشكر مستحبّتان عند تجدّد النعم، ودفع النقم، وعقيب الصلوات * ويستحب بينهما التعفير.
........
والمراد بالمستمع المنصت للاستماع، وبالسامع مَنْ يتفق له السماع من غير إنصات.
ومحلّ السجود عند الفراغ من الآية المتضمنة للسجود، ويتكرّر بتكرر السبب وإن لم يتخلل السجود.
قوله: «ولا استقبال القبلة على الأظهر».
هذا هو الأصح ، وكذا لا يشترط خلوّ البدن والثوب عن النجاسة التي لا يعفى عنها في الصلاة. وهل يشترط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، والسجود على الأعضاء السبعة ومساواة مسجده لموقفه أو ما في حكمها؟ وجهان، ولا ريب أن اعتباره أحوط.
ونيته مقارنة للسجود، ولو نوى في حال استدامته فالظاهر الإجزاء.
ويجب على الفور، فلو أخل به عمداً أثم وبقيت أداء، كما اختاره المصنّف في المعتبر(1).
قوله «ويستحب بينهما التعفير».
التعفير تفعيل من العفر - بفتح العين المهملة والفاء - وهو التراب والمراد به وضع الجبينين على التراب بين السجدتين، وكذا الخدين، والظاهر أن وضعهما على ما عليه كافٍ في أصل السُنّة (2)وإن كان التراب(3)هو الأفضل.
وبالتعفير يتحقق تعدّد سجود الشكر، فإنّ عوده إليه بعد التعفير سجود ثان، وقد ورد في أخبارنا أنّ ذلك من علامات المؤمن(4).
ص: 229
وهو واجب في كلّ ثنائيّة مرّةً، وفي الثلاثية والرباعيّة مرّتين، لو أخلّ بهما أو بأحدهما عامداً بطلت صلاته.
والواجب في كلّ واحدٍ منهما خمسة أشياء: الجلوس بقدر التشهد، والشهادتان، والصلاة على النبي وعلى آله(عليهم السلام) .
وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثمّ يأتي بالصلاة على النبي وآله.
ومَنْ لم يُحسن التشهد* وجب عليه الإتيان بما يُحسن منه مع ضيق الوقت، ثمّ يجب عليه تعلم ما لا يُحسن منه.
ومسنون هذا القسم: أن يجلس متورّكاً ، وصفته أن يجلس على وَركه الأيسر ويخرج رجليه جميعاً، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر. وأن يقول ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء.
*وهو واجب على الأصح؛ ولا يخرج من الصلاة إلا به.
.........
قوله: «وجب عليه الإتيان بما يُحسن منه مع ضيق الوقت».
ولو أمكنه الترجمة عن الباقي وجب، وكذا لو لم يُحسن شيئاً وأمكنه الترجمة، فإن عجز عنها حمد الله بقدره .
قوله: «وهو واجب على الأصح».
هذا هو الأحوط. ولا يقدح اعتقاده في صحة الصلاة على تقدير الاستحباب؛ لخروجه عنها.
ص: 230
*وله عبارتان، إحداهما أن يقول: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، والأُخرى أن يقول:
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وبكلّ منهما يخرج من الصلاة، وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبّاً.
ومسنون هذا القسم: *أن يسلّم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه *والإمام بصفحة وجهه، وكذا المأموم، ثمّ إن كان على يساره غيره أوماً بتسليمةٍ أخرى إلى يساره بصفحة وجهه أيضاً.
.......
قوله: «وله عبارتان» إلى آخره.
أما الثانية فمُخرجة بالإجماع، وأما الأولى فعليها دلالة من الأخبار (1)، إلا أن القول بوجوبها حادث، فينبغي الاقتصار على موضع اليقين، وهو «السلام عليكم» إلى آخره. ويقدّم «السلام علينا» مع التسليم المستحب.
قوله: «أن يسلّم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة، ويومئ بمؤخر عينيه».
مؤخر العين - بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء، مثال مؤمن - طرفها الذي يلى الصدغ، نقيض مُقدمها، وهو الطرف الذي يلي الأنف.
واستحباب الإيماء بذلك هو المشهور ، ولا شاهد له غيره.
قوله: «والإمام بصفحة وجهه، وكذا المأموم، ثمّ إن كان على يساره غيره».
أي إنسان وإن لم يكن مصلياً.
وجعل ابنا بابويه الحائط كافياً في التسليمين للمأموم(2). ومثل هذا لا يؤخذ بالرأي ،فالظاهر وقوفهما على شاهده .
ص: 231
فخمسة :
الأوّل: التوجّه بستة تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح، بأن يكبر ثلاثاً ثمّ يدعو، ثم يكبر اثنتين ويدعو ، ثم يكبر اثنتين ويتوجه، وهو مخيّر في السبع شاء أوقع معه نية الصلاة، فيكون ابتداء الصلاة عندها.
الثاني: القنوت وهو في كلّ ثانيةٍ قبل الركوع وبعد القراءة، ويستحب أن يدعو فيه بالأذكار المروية، وإلا فبما شاء، وأقله ثلاثة تسبيحات.
*وفي الجمعة قنوتان، في الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع، * ولو نسيه قضاه بعد الركوع .
....
قال في الذكرى:ولا بأس باتباعهما؛ لأنهما جليلان لا يقولان إلا عن ثَبْت(1)
وينبغي أن يكون الإيماء بالصفحة بعد التلفّظ ب_ «السلام عليكم» إلى القبلة، جمعاً بین وظيفتي الإيماء والاستقبال بأفعال الصلاة على تقدير كونه منها.
ويستحبّ أن يقصد المنفرد بتسليمه الأنبياء والأئمة والملائكة والحفظة لذكر بعضهم في التسليم المندوب وحضور بعض، والإمام ذلك مع إضافة المأمومين أيضاً، والمأموم بالأولى الرد على الإمام، وبالثانية ما قصد الإمام(2)، ولو أضاف الجميع إلى ذلك مسلمي الإنس والجن جاز، ولو ذهل عن هذا القصد فلا بأس.
قوله: «وفي الجمعة قنوتان».
وكذا في الوتر قبل الركوع وبعده.
قوله: «ولو نسيه قضاه بعد الركوع».
فإن فات قضاء بعد التسليم جالساً مستقبلاً، فإن لم يذكر حتى انصرف قضاء في الطريق مستقبلاً.
ص: 232
الثالث: شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده، وفي حال القنوت إلى باطن كفّيه، وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه، وفي حال السجود إلى طرف أنفه، وفي حال التشهد إلى حجره.
الرابع: شغل اليدين، بأن يكونا في حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه، وفي حال القنوت تلقاء وجهه، وفي حال الركوع على ركبتيه، وفي حال السجود بحذاء أذنيه، وفي التشهد على فخذيه.
الخامس: التعقيب وأفضله تسبيح الزهراء ، ثم بما روي من الأدعية، وإلا فيما تيسر.
قسمان :
أحدهما: يُبطلها عمداً وسهواً، وهو كلّ ما يُبطل الطهارة، سواء دخل تحت الاختيار أو خرج، كالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء، والجنابة والحيض وما شابههما من موجبات الغسل. وقيل: لو أحدث ما يوجب الوضوء سهواً تطهر وبنى، وليس بمعتمد.
والثاني: لا يُبطلها إلا عمداً، وهو • وضع اليمين على الشمال، وفيه تردّد.
..........
قوله: «وضع اليمين على الشمال».
لا فرق في ذلك بين وضعهما فوق السرة أو تحتها، ولا بين وضع الكفّ على الكفّ أو على الذراع أو الذراع على مثله، والظاهر أنّ وضع اليسار على اليمين كذلك؛ لشمول اسم التكفير له، ولا فرق في الإبطال بين أن يفعله معتقداً للاستحباب أم لا، ويستثنى من ذلك فعله للتقيّة، فإنّه جائز، وربما وجب ولو عدل عنه معها فالظاهر عدم بطلان الصلاة لخروجه عنها، بخلاف ما لو عدل إلى المسح عن الغسل في محلّها.
ص: 233
* والالتفات إلى ما وراءه، * والكلام بحرفين فصاعداً *والقهقهة * وأن يفعل فعلاً كثيراً ليس من الصلاة ،
............
قوله: «والالتفات إلى ما وراءه».
إذا كان بكلّه، ولو كان بوجهه بحيث يصير الوجه إلى حد الاستدبار فالأولى أنه كذلك وإن كان الفرض بعيداً، أما البصر فلا اعتبار به .
قوله: «والكلام بحرفين فصاعداً».
التقييد بحرفين فصاعداً بناء على الغالب من أن الكلام لا يكون إلا كذلك، وإلا فالضابط في ذلك الكلام وإن تأدّى بحرف واحدٍ، كالأمر من الفعل الثلاثي المعتل الطرفين، مثل «ع. ق، د، ش»، أمر من «وعى» و «وقی» و «ودی» و «وشی».
وفي حكمه الحرف بعده مدة ناشئة من إشباع حركته ضماً أو كسراً أو فتحاً، فإنّ إشباع أحد هذه الحركات يلحقها بالواو والياء والألف.
قوله: «والقهقهة».
المراد بها هنا الضحك المشتمل على الصوت فلا يُبطل التبسم وإن كان مكروهاً ولا فرق في القهقهة بين القليلة والكثيرة؛ لإطلاق النص (1)والفتوى ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعه كمقابلة ملاعب ونحوه، أبطلت وإن انتفى الإثم.
قوله: «وأن يفعل فعلاً كثيراً ليس من الصلاة».
المرجع في الكثرة إلى العرف، فما يُعدّ قليلاً عرفاً كخلع النعل ولبس الثوب الخفيف ونزعه والخطوتين وأشباه ذلك - لا يقدح في صحتها، ولا عبرة فيه بالتعدد، فقد يبلغ الكثرة مع اتحاده كالوثبة الكبيرة، وقد يتعدّد ولا يبلغها كحركة الأصابع ونحوها.
وهل يشترط التوالي، فلا يقدح المتفرّق وإن كان يبلغ الكثرة لو اجتمع ؟ نظر، والظاهر
ص: 234
* والبكاء لشيء من أمور الدنيا * والأكل والشرب على قول، إلا في صلاة الوتر لمن أصابه العطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة، لكن لا يستدبر القبلة،
..........
الاشتراط؛ لاقتضاء العرف ذلك، ولما روي أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يحمل أُمامة بنت أبي العاص في الصلاة ويضعها كلّما سجد(1) .
وتقييد إبطال الفعل الكثير للصلاة بالعمد يقتضي عدم إبطاله مع النسيان، ويشكل مع انمحاء صورة الصلاة به، فيقوى حينئذ البطلان
قوله: «والبكاء لشيءٍ من أُمور الدنيا».
كذکر میت و ذهاب مال و احترز به عن البكاء للآخرة، كذكر الجنة والنار، فإنّه من أفضل الأعمال، بل يستحب التباكي، وهو تكلّف البكاء لمن لا يقدر عليه.
وهل يشترط في إبطال البكاء لأمور الدنيا اشتماله على صوتٍ أم يكفي خروج الدمع ؟ نظر، من الشكّ في كون البكاء في النصوص مقصوراً أو ممدوداً، فإن كان مقصوراً فالمراد به خروج الدموع لا غير، وإن كان ممدوداً فالمراد به الصوت الذي يكون مع البكاء كما نص عليه أهل اللغة(2). ولو اشتمل البكاء للآخرة على حرفين فصاعداً غير قرآن ولا دعاء أبطل، ك_«آه» من خوف النار.
قوله: «والأكل والشرب على قول».
إنما نسب الإيطال بهما إلى القول لتوقفه فيه؛ لعدم الوقوف على نص أو ظاهر يقتضيه، فيكون من الأفعال الخارجة عن الصلاة فيعتبر في إبطالها به الكثرة، ومال إليه في المعتبر(3) ، واختاره الشهيد (رحمه الله) في الذكرى(4) ؛ وجماعة (5)، وهو حسن.
ص: 235
*وفي عقص الشعر للرجل تردّد، والأشبه الكراهة.
*ويكره الالتفات يميناً وشمالاً، * والتثاؤب والتمطي، والعبث، ونفخ موضع السجود * والتنخّم، وأن يبصق، أو يفرقع أصابعه،
..........
واستثنى من ذلك الشرب في الوتر لمريد الصوم وهو عطشان، ويخشى فجأة الفجر قبل الفراغ ممّا يريده من الدعاء فيه، ولم يستلزم الاستدبار ولا الفعل الكثير غير الشرب، ولا حمل نجاسةٍ لا يعفى عنها ولا غيرها من المنافيات، ولا فرق في الوتر والصوم بين الواجبين والمندوبين للإطلاق(1).
قوله: «وفي عقص الشعر للرجل تردّد، والأشبه الكراهة».
عقص الشعر هو جمعه في وسط الرأس وشدّه ، والقول بالكراهة هو الأجود، وتقييد التحريم بمنعه شيئاً من واجبات الصلاة خروج عن المسألة.
قوله: «ويكره الالتفات يميناً وشمالاً».
بالوجه ليتم الإطلاق، فلو كان بالبدن أبطل مع العمد. وقيل: يُبطل الصلاة الالتفات وإن كان بالوجه(2)؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): لا صلاة لملتفت»(3)، وهو ضعيف.
قوله: «والتثاؤب والتمطى» .
روى الحلبي عن الصادق(عليه السلام) في التمطي والتثاؤب في الصلاة: «[هو] من الشيطان»(4).
قال في الصحاح : التمطي: التبختر ومد اليدين في المشي، وأصله التمدد(5).
قوله: «والتنخم والبصاق»(6).
بشرط أن لا يظهر منه حرفان، وإلا بطلت الصلاة، وقد روي أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يأخذ
ص: 236
* أو يتأوّه أو يئن بحرفٍ واحد ،*أو يدافع البول أو الغائط أو الريح.
وإن كان خُفّه ضيّقاً استحب له نزعه لصلاته.
.........
النخامة بثوبه (1)، والبصاق - بضم الباء - البزاق بالضم أيضاً.
قوله: «أو يتأوّه بحرفٍ، أو يئن به».
التأوّه قول «أَوَّة» عند الشكاية والتوجع والمراد هنا النطق بذلك على وجه لا يظهر منه حرفان، والأنين مثله على ما ذكره أهل اللغة (2)، وقد يخص الأنين بالمريض.
قوله: «أو يدافع البول أو الغائط أو الريح».
الاستلزامه سلب الخشوع، ولقول النبي : لا صلاة لحاقن»(3). وقوله : «لا تصل وأنت تجد شيئاً منئالأخبثين» (4). ومثله مدافعة النوم، وقد ورد أنه المراد بالسكر في قوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَوَةَ وَأَنتُمْ سُكَرَى ﴾(5).
هذا إذا عرضت المدافعة قبل الصلاة والوقت متسع، أما لو عرضت في أثناء الصلاة لم يكره الإتمام، وكذا مع ضيق الوقت، بل يجب الاشتغال بها ويحرم قطعها، نعم لو عجز عن المدافعة أو خشى ضرراً جاز.
قال في البيان:
ولا يجبره - يعني هذا المكروه - فضيلة الائتمام أو شرف البقعة، وفي نفي الكراهة باحتياجه إلى التيمم نظر(6) .
ص: 237
مسائل أربع:
الأولى: إذا عطس الرجل في الصلاة، يستحب له أن يحمد الله ،* وكذا إن عطس غيره يستحب له تسميته.
الثانية: * إذا سُلّم عليه يجوز أن يردّ مثل قوله : سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم على رواية.
.....
قوله: «وكذا إن عطس غيره يستحب له أن يسمّته (1)».
في الصحاح:
تسميت العاطس أن تقول له: يرحمك الله بالسين والشين جميعاً. قال ثعلب: الاختيار بالسين؛ لأنّه مأخوذ من السَمْتِ، وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبيد: الشين أعلى في كلامهم وأكثر(2).
والظاهر وجوب ردّ العاطس على المسمت، وليكن بلفظ الدعاء، أو السلام المشروع فيها، أو مثل قوله مع قصد الدعاء به، لا بقصد مجرد الرد.
وكما يستحب للعاطس الحمد عنده والصلاة على النبي وآله يستحبّ لسامعه أيضاً.
قوله: «إذا سُلّم عليه جاز أن يردّ مثل قوله: سلام عليكم - إلى قوله - على رواية».
المراد بالجواز هنا معناه الأعم، فلا ينافي الوجوب، وإنما عبّر به؛ لأن المقصود بيان المشروعية عندنا، خلافاً للجمهور، ويبقى الوجوب معلوماً من خارج، ولأنّ كلّ مَنْ قال بالجواز قال بالوجوب، ومَنْ لا فلا، فإرادة الجواز بالمعنى الخاص إحداث قول ثالتٍ مخالف لما أجمع عليه .
وإنما يتعين الرد بقوله «سلام عليكم» إذا قال المسلم ذلك، ولو قال «سلام عليك» للواحد، جاز الرد بمثله وبالمعهود، ولو سلّم بغير ذلك كما لو عكس، أو عرف السلام ،
ص: 238
الثالثة: يجوز أن يدعو بكل دعاء يتضمن تسبيحاً أو تحميداً، أو طلب شيءٍ مباح من أمور الدنيا والآخرة، قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً *ولا يجوز أن يطلب شيئاً محرماً، ولو فعل بطلت صلاته.
الرابعة: * يجوز للمصلّي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فرار غريم أو تردي طفل أو ما شابه ذلك، ولا يجوز قطع الصلاة اختياراً.
.....
أو غير ذلك، لم يتعين الردّ بلفظ السلام.
وهل يجوز إجابته ؟ قيل : لا ، إلا أن يقصد الدعاء ويكون مستحقاً (1).
والأجود الردّ عليه بالدعاء أو بالسلام المعهود؛ لكونه تحيّة عرفاً كتحية الصباح والمساء.
ويجب على المجيب إسماعه تحقيقاً أو تقديراً، ولا يكفي الإشارة عن الردّ عندنا.
ولو ردّ غيره، اكتفي به إن كان مكلّفاً، ولو ردّ بعد قيام غيره بالوظيفة لم يضر.
ولا فرق في المسلّم بين الكبير والصغير إذا كان مميزاً.
ولو ترك الرد في موضع الوجوب، ففى بطلان الصلاة وعدمه أوجه، أجودها العدم.
ولا يكره السلام على المصلّي عندنا.
ويجب ردّ تحية الصباح والمساء بلفظ الدعاء أو السلام أو مثله مع قصد الدعاء به، لا مجرد الرد.
قوله: «ولا يجوز أن يطلب شيئاً محرّماً، ولو فعل بطلت صلاته».
وجهل التحريم أو كون المحرم مبطلاً للصلاة ليس عذراً، وكذا الكلام في جميع منافيات الصلاة لا يُخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة.
قوله: «يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال» إلى آخره.
المراد بالجواز هاهنا معناه الأعم المشترك بين ما عدا الحرام، وقد استعمل المشترك هنا
ص: 239
....
في معانيه إما حقيقة أو مجازاً على الخلاف، فإنّ قطعها لحفظ الصبي المتردي إذا ك--ان محترماً واجب وكذا حفظ المال المضرّ فوته بحاله، وقطعها لإحراز المال اليسير الذي لا يضر فوته مباح، ولإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته كالحبة والحبتين من الحنطة مكروه، وهذه الأقسام الثلاثة داخلة في العبارة من جهة الإطلاق، وقد يستحب قطعها لأُمورٍ تقدم بعضها، كناسي الأذان والإقامة، فقطع الصلاة منقسم إلى الأحكام الخمسة.
ص: 240
وفيه فصول:
والنظر في الجمعة، ومَنْ تجب عليه، وآدابها.
الجمعة ركعتان كالصبح يسقط معهما الظهر ، ويستحبّ فيهما الجهر، وتجب بزوال الشمس* ويخرج وقتها إذا صار ظلّ كلّ شيءٍ مثله، *ولو خرج الوقت وهو فيها أتم جمعةً، إماماً كان أو مأموماً، وتفوت الجمعة
......
قوله: «ويخرج وقتها إذا صار ظلّ كلّ شيءٍ مثله».
هذا هو المشهور، ومستنده غير واضح. قال في الذكرى: لم نقف لهم على حجةٍ ، إلا أنّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)كان يصلّي دائماً في هذا الوقت ، ولا دلالة فيه (1)، وهو أنسب بمذهب العامة القائلين بتوقيت الظهر بذلك . والذي يناسب أصولنا وذهب إليه جماعة من أصحابنا(2)امتداد وقتها بامتداد وقت الظهر؛ تحقيقاً للبدليّة، ولأصالة ،البقاء ، والعمل على المشهور.
قوله: «ولو خرج الوقت وهو فيها أتم جمعة».
مقتضاه أنّ وجوب إكمالها موقوف على التلبس بها في الوقت ولو بالتكبير، وهو مذهب
ص: 241
بفوات الوقت * ثمّ لا تُقضى جمعةً، إنّما تُقضى ظهراً.
ولو وجبت الجمعة فصلى الظهر وجب عليه السعي، فإن أدركها* وإلّا أعاد الظهر ولم يجتزئ بالأوّل.
......
جماعة (1). والأصح اشتراط إدراك ركعةٍ كاليومية.
ولا فرق في ذلك بين من شرع فيها عالماً بأن الوقت لا يسع إلا ركعة وبين غيره.
قوله: «ثمّ لا تُقضى جمعة، بل تُقضى ظهراً».
المراد بالقضاء هنا معناه اللغوي، وهو الفعل، كقوله تعالى: ﴿فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلَوَةُ فَانْتَشِرُوا ﴾،(2) لا المعنى الاصطلاحي، وهو فعل الفائت في غير وقته؛ للإجماع على أنّ الجمعة لا تُقضى، ولأنّ القضاء يجب موافقته للأداء في الكم، وليست الظهر كالجمعة فيه، وضمير «تقضى» عائد إلى وظيفة الوقت يوم الجمعة المحدّث عنها، وهي الجمعة مع اجتماع الشرائط، والظهر مع عدمها.
قوله: «وإلّا أعاد الظهر ولم يجتزئ بالأوّل».
لفساده إذ لم يكن مخاطباً به، وهذا مع العمد ،ظاهر، أما مع النسيان فمقتضى إطلاقهم أنه كذلك، ويحتمل ضعيفاً الصحة معه.
ولا فرق في وجوب الإعادة مع ظنّ إدراك الجمعة بين أن يظهر صدق ظنّه أو خطوه لكونه متعبداً في ذلك بظنّه.
ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعةً لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه، فهل يجوز له تعجيل الظهر والاجتزاء بها وإن تمّت الجمعة بعد ذلك، أم يجب الصبر إلى أن يظهر الحال؟
احتمالان، ولا ريب أن التأخير أولى وإن كان جواز التعجيل لا يخلو من قوّةٍ.
ص: 242
ولو تيقن أن الوقت يتسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة، *وإن تيقن أو غلب على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد فاتت الجمعة ويصلّي ظهراً. فأما لو لم يحضر الخطبة في أوّل الصلاة وأدرك مع الإمام ركعة صلّى جمعةً، *وكذا لو أدرك الإمام راكعاً في الثانية على قول، ولو كبر وركع، * ثم شك هل كان الإمام راكعاً أم رافعاً ؟ لم يكن له جمعة وصلّى الظهر.
.....
قوله: «وإن تيقن أو غلب على ظنّه أنّ الوقت لا يتسع» إلى آخره.
بل يجب الدخول فيها متى علم أنه يدرك ركعة بعد الخطبتين لعموم «مَنْ أدرك ركعة من الوقت »(1)، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمأموم.
قوله: «وكذا لو أدرك الإمام راكعاً في الثانية على قول».
هذا هو المشهور، وعليه العمل، ويدل عليه قول الصادق(عليه السلام) : إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة »(2).
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإمام قد أتى بواجب الذكر وعدمه، ولا بين ذكر المأموم والإمام راكع ،وعدمه بل المعتبر اجتماعهما في حد الراكع.
وهل يقدح في ذلك شروع الإمام في الرفع مع عدم تجاوزه حد الراكع؟ نظر، وظاهر الرواية فوات الركعة بذلك.
قوله: «ثمّ شكّ هل كان الإمام راكعاً أم رافعاً ؟ لم يكن له جمعة».
المراد أنه أدركه كه في الركعة الثانية كذلك، ووجه فوات الجمعة تعارض أصلي عدم الإدراك وعدم الرفع، فيتساقطان ويبقى المكلّف في عهدة الواجب؛ للشك في الإتيان به على وجهه.
ص: 243
ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط :
الأوّل: السلطان العادل أو مَنْ نصبه. فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل ،* وجاز أن تُقدّم الجماعة مَنْ يُتمّ بهم الصلاة، وكذا لو عرض للمنصوب ما يُبطل الصلاة من إغماء أو جنون] أو حدث.
الثاني: العدد؛ وهو خمسة، الإمام أحدهم، وقيل: سبعة، والأوّل أشبه * ولو انفضّوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة، سقط الوجوب * وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد.
......
قوله: «وجاز أن تُقدّم الجماعة مَنْ يُتمّ بهم الصلاة».
ويجب عليهم تجديد نية القدوة به؛ لتغاير الإمامين، ويقرأ النائب من حيث قطع الأول إن كانت المفارقة في القراءة، ولو شك فيما قطع عليه قرأ من موضع يعلم به البراءة، ولو كان القطع في أثناء كلمةٍ أو كلام غير تام ابتدأ من أوله، وإنّما يجب عليهم التقديم مع وجود صالح للقدوة، وإلا أتموا منفردين، ولو تركوا القدوة مع إمكانها لم تصح صلاتهم.
قوله: «ولو انفضّوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب».
إنّما يسقط سقوطاً مراعى بعدم عودهم أو عود مَنْ ينعقد به الجمعة، فلو عادوا بعد انفضاضهم في أثنائها بني وإن طال الفصل؛ لعدم ثبوت اشتراط الموالاة فيها، وفي حكم انفضاض الجميع انفضاض ما ينقص به العدد.
قوله: «وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد».
إنّما اعتبر بقاء واحدٍ ليتحقق شرط الجماعة به.
والأصح عدم اشتراط بقاء واحد، بل يجب على الإمام الإتمام وإن بقي وحده؛ للنهي عن قطع الصلاة (1)، والجماعة إنّما تعتبر ابتداء لا استدامة، كالعدد.
ص: 244
الثالث: الخطبتان.* ويجب في كلّ واحدة منهما: الحمد لله، والصلاة على النبي وآله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، والوعظ وقراءة سورة خفيفة * وقيل: يجزئ ولو آيةً واحدة ممّا يتم بها فائدتها.
........
وكذا لا يعتبر في وجوب الإتمام إدراك ركعةٍ جامعة للشرائط، خلافاً للفاضل(1).
ولو كان المنفض بعد الشروع في الصلاة هو الإمام وجب عليهم الإتمام أيضاً، وتقديم إمام يتم بهم إن أمكن وإلّا أتموا فرادى.
قوله: «ويجب في كلّ منهما : الحمد ... والصلاة ... والوعظ».
ويتعين الحمد لله والصلاة بلفظهما، ولا ينحصر الوعظ في لفظ، بل يجزئ كل ما اشتمل
على الوصية بتقوى الله، والحثّ على الطاعات والتحذير من المعاصي، والاغترار بالدنيا وما شاكل ذلك، ولا يجب الجمع بين ما ذكر، ولا تطويل الوعظ، بل لو قال: أطيعوا الله واتقوه، كفى.
ويجب الترتيب بين هذه الأجزاء، فيقدّم الحمد ثمّ الصلاة ثمّ الوعظ ثمّ القراءة، فلو خالف أعاد على ما يحصل معه الترتيب. وكونها بالعربية؛ للتأسي، فلا يجزئ الترجمة اختياراً. نعم، لو لم يفهم العدد العربية، فالظاهر إجزاؤها بغيرها؛ تحصيلاً للغرض الذاتي منها، وهو الإفهام.
ويجب على الخطيب والسامع تعلم ما لا بد منه في الخطبتين من العربية؛ لتوقف الواجب المطلق عليه.
قوله: «وقيل: يجزئ ولو آية واحدة يتم (2)بها فائدتها».
المراد بالآية التامة الفائدة ما استقلّت بإفادة معنى يعتد به بالنسبة إلى مقصود الخطبة من وعد أو وعيد أو حكم أو قصص كآية ﴿إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ﴾(3) دون
ص: 245
* وفي رواية سماعة: «يحمد الله ويثني عليه، ثمّ يوصي بتقوى الله، ويقرأ سورةً خفيفةً من القرآن، ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد الله ويثني عليه، ويصلّي على النبي وآله (عليهم السلام)وعلى أئمة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات».
ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت * وقيل: لا يصح إلا بعد الزوال، والأوّل أظهر.
ريجب أن تكون مقدَّمةً على الصلاة، فلو بُدئ بالصلاة لم تصح الجمعة* ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة.
....
قوله تعالى: ﴿مُدهامتان﴾ (1)، وقوله تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ (2)
قوله: «وفي رواية سماعة يحمد الله» إلى آخره.
هذه الرواية(3) ضعيفة بسماعة وغيره، ومشتملة على ما قطع بعدمه من اختصاص القراءة والوعظ بالأُولى، والصلاة على النبي وآله بالثانية، نعم، ينبغي إضافة ما اشتملت عليه في الثانية من الصلاة على أئمة المسلمين والاستغفار للمؤمنين زيادة على ما ذكر في الخطبتين سابقاً.
قوله: «وقيل: لا يصح إلا بعد الزوال».
هذا هو المشهور، والعمل به أحوط، والأوّل أوضح دلالة، وعليه العمل.
قوله: «ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة».
فلا تصح الخطبة ،بدونه، وتبطل بذلك صلاة الخطيب وصلاة مَنْ علم حاله من المأمومين دون مَنْ لم يعلم.
ص: 246
* وهل الطهارة شرط فيهما ؟ فيه تردّد، والأشبه أنها غير شرط.
ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعداً، وفيه تردّد.
الرابع * الجماعة، فلا تصح فرادى، وإذا حضر إمام الأصل وجب عليه الحضور والتقدم، ولو منعه مانع جاز أن يستنيب.
واحترز بالاختيار عمّا لو تعذر عليه القيام أو أمكن بمشقة لا يتحمّل عادة فيسقط الوجوب، ويفعلهما على حسب الإمكان بالنسبة إلى باقي المراتب.
ولو رئي جالساً ولم يعلم كونه مختاراً، جاز البناء على ظاهر حال المسلم، فتصح الصلاة وإن علم بقدرته على القيام بعد الصلاة.
ويجب في القيام الطمأنينة؛ للتأسى، ولأنهما بدل من الركعتين.
قوله: «وهل الطهارة شرط فيهما ؟ فيه تردّد، والأشبه أنّها غير شرط».
بل الأصح اشتراطها من الحدث والخبث وظاهر الأصحاب أنّها مختصة بالخطيب، فلا يجب على المأمومين وإن كان أفضل.
قوله: «الجماعة فلا تصح فرادى».
تتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المُخلّ، ويعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر.
وهل يجب على الإمام نيّة الإمامة ؟ نظر ، من وجوب نيّة الواجب، وحصول الإمامة إذا اقتدي به وإن لم يثب عليها بدون النية، ولا ريب أنّها أحوط وعلى القولين لا يؤثر عدمها في الصلاة.
وإنما تشترط الجماعة في ابتداء الصلاة، لا في استدامتها؛ لما تقدم من وجوب الإتمام لو انفض العدد في الأثناء (1).
ص: 247
الخامس أن لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال، فإن اتفقتا بطلتا، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة، *ولو لم تتحقق السابقة أعادا ظهراً.
.........
قوله: «ولو لم تتحقق السابقة أعادا ظهراً».
عدم تحقق السابقة يشمل ما لو علم حصول جمعةٍ سابقةٍ معينةٍ واشتبهت بعد ذلك، وما لو علم سابقة في الجملة ولم تتعيّن وما لو اشتبه السبق والاقتران.
أمّا شموله للأوليين فظاهر.
وأمّا للثالثة؛ فلأنّ السالبة لا يشترط فيها وجود الموضوع فيصدق عدم تحقق السابقة وإن لم تكن سابقة، ووجوب الظهر في الأوليين أيضاً واضح؛ للعلم بوقوع جمعةٍ صحيحة، فلا تعاد الجمعة، بل الظهر؛ لأنّها فرض مَنْ لم يتحقق أنه صلى الجمعة مع تعدّرها.
وخالف في ذلك الشيخ (رحمه الله) فأوجب على الجميع إعادة الجمعة مع بقاء وقتها؛ لأنه مع الحكم بوجوب الإعادة كأنّ البلد لم تصل فيه جمعة (1).
ويضعف بالقطع بوجودها صحيحةً، فكيف تعاد!؟
وأما مع اشتباه السبق والاقتران فلا يتجه فيها إعادة الظهر لا غير؛ لعدم العلم بصحة الجمعة؛ إذ يمكن الاقتران فتبطلان، بل الوجه إعادة الجمعة لا غير؛ لتيقّن اشتغال الذمة بها مع الشك في الخروج من عهدتها.
واختار العلّامة هنا وجوب الجمع بين الجمعة والظهر(2) ؛ لتوقف يقين البراءة عليهما؛ لأنّ الواقع في نفس الأمر إن كان هو السبق فالفرض الظهر، وإن كان الاقتران فالفرض الجمعة وحيث لا يقين بأحدهما لم تتيقن البراءة من دونهما، فيجتمعون على جمعة أو يتباعدون. ولا ريب أنه أحوط، إلا أنّ الأوّل أصح.
والأولى حمل العبارة على الصورتين الأوليين لا غير وإن كان ترتيبها لا يساعد عليه.
ص: 248
ويراعى فيه شروط سبعة : التكليف ، والذكورة ، والحُرّية ، * والحضر،* والسلامة من العمى* والمرض * والعرج، وأن لا يكون همّاً، ولا بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين.
.......
واعلم أنّ إطلاق الإعادة على الظهر فى العبارة غير جيد لعدم سبق ظهر قبلها حتى تصدق الإعادة؛ لأنها فعل الشيء ثانياً لوقوع خلل في الأول. وكأنه نظر إلى أن وظيفة الوقت قد فعلت أوّلاً، ولمّا وجب فعلها ثانياً أطلق عليه الإعادة وإن اختلف شخص الوظيفة.
قوله: «والحضر».
المراد بالحضر هنا ما يقابل السفر الشرعي، وهو الموجب للقصر، فيدخل فيه المقيم وكثير السفر، والعاصي به، وناوي إقامة عشرة، ومَنْ لا يتحتم عليه القصر، كالحاصل في أحد المواضع الأربعة، فيجب عليهم الجمعة. ولو قال: الحضر أو حكمه، كان أوضح.
قوله: «والسلامة من العمى».
فلا يجب على غير المبصر وإن وجد قائداً أو كان قريباً من المسجد.
قوله :«والمرض». الذي يتعذر معه الحضور أو يشق بحيث لا يتحمّل عادة، أو يوجب زيادة المرض.
ولو خاف بطء برئه فالظاهر أنه كذلك.
وفي حكمه معلّل المريض وإن لم يكن قريبه إذا لم يجد غيره ممن لا يخاطب بالصلاة، وإلا وجب كفاية، ومجهز الميت كذلك.
قوله: «والعرج».
البالغ حد الإقعاد أو المستلزم مشقة في السعي إليها بحيث لا يتحمل عادة، ومثله القول في الهم - بكسر الهاء- وهو الشيخ الفاني .
وفي حكم هذه الأعذار المطر والوحل والحر والبرد الشديدان إذا منعت أو خاف الضرر
ص: 249
وكلّ هؤلاء إذا تكلّفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم سوى مَنْ خرج عن التكليف والمرأة.
*وفي العبد تردّد.
ولو حضر الكافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبةً عليه.
وتجب الجمعة على أهل السواد، كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشروط، وكذا على الساكن بالخيم كالبادية إذا كانوا قاطنين.
وهاهنا مسائل :
الأولى: من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة، ولو هايأه مولاه لم تجب عليه الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر، وكذا المكاتب والمُدبّر.
.........
بها، وكذا خائف احتراق الخبز أو فساد الطعام ونحوهما، ولو ظنّ ضيق الوقت قبل الاشتغال بهما حرم ولا يسقط ما ذكر من الحكم والمحبوس بباطل أو بحق يعجز عن أدائه، وراجي العفو عن الدم الموجب للقصاص أو الصلح باستتاره، وخائف الظالم على نفسه ولو بضرب أو شتم أو على ماله وإن قلّ، دون حد القذف وغيره من الحدود بعد ثبوتها.
قوله: «وفي العبد تردّد».
الأقوى وجوبها عليه وانعقادها به مع إذن المولى، والإشكال أيضاً آتٍ في المسافر، والوجوب عليه معه قوي.
وفى المسألة إشكال، وهو أنّ الشهيد في الذكرى - بعد التردد في وجوبها على المسافر مع الحضور ونقل الخلاف - ادّعى الاتفاق على انعقادها بجماعة المسافرين وإجزائها عن الظهر(1)، ولا شكّ أنّ إجزاءها عنها لا يتم إلا مع نية الوجوب، فإنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب، ونيّة الوجوب فرع حصوله؛ لعدم جواز نية غير الواجب واجباً، وحينئذ فلا يتم
ص: 250
الثانية: *مَنْ سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها، ولا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة، بل لا يستحبّ، ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه.
الثالثة: * إذا زالت الشمس لم يجز السفر لتعين الجمعة، ويكره بعد طلوع الفجر.
..........
الخلاف في الوجوب إلا أن يقال: إن وجوبها حينئذ تخييري، والمنفي هو الوجوب العيني، وهو غير حاسم لمادة الإشكال؛ لبقائه في حالة الغيبة، فإنّ الوجوب فيها تخييري على جميع المخاطبين بها. وربما قيل بذلك في العبد أيضاً بل في المرأة، والإشكال واحد.
قوله: «مَنْ سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر» إلى آخره.
يستثنى من ذلك الصبي إذا بلغ بعد أن صلّى الظهر، فإنّه لا يسقط عنه الجمعة مع إمكان إدراكها، بل يجب عليه الحضور؛ لأنّ ما فَعَله لا يُسقط الواجب، كما لو كان الفرض غير الجمعة، فإنّه لا يسقط عنه بفعله قبل البلوغ مع بقاء الوقت أو ما يقوم مقامه، كإدراك ركعة بعد الشرائط المفقودة.
قوله: «إذا زالت الشمس لم يجز السفر؛ لتعين الجمعة».
إنما يحرم السفر الاختياري غير الواجب، فالمضطر إليه - بحيث يؤدي تركه إلى فوت غرض يضرّ بحاله، أو تخلّف رفقة لا يستغني عنها - وسفر الحج ونحوه الذي يفوت الغرض منه مع التأخر لا تحريم فيهما.
ولا فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة أُخرى يمكنه إدراكها وعدمه؛ لإطلاق النهي(1) ، ولأنّها إذا كانت في محلّ الترخص يسقط وجوب الحضور إليها على المسافر، فيؤدّي جواز السفر إلى سقوطها كالأُولى.
ومتى سافر على الوجه المتقدم كان عاصياً ، فلا يترخّص حتى نفوت الجمعة، فيبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات.
ص: 251
الرابعة :* الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردّد، وكذا تحريم الكلام في أثنائها، لكن ليس بمُبطل للجمعة.
الخامسة: يعتبر في إمام الجمعة كمال العقل والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد، والذكورة. ويجوز أن يكون عبداً، وهل يجوز أن يكون أبرص أو أجذم؟ فيه تردّد، والأشبه الجواز، وكذا الأعمى.
....
قوله: «الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردّد، وكذا تحريم الكلام».
أراد بالإصغاء الاستماع، وهو توجيه السمع نحو الخطيب، سواء كان المصغي مع ذلك متكلّماً أم لا، ومن ثَمَّ جمع بينه وبين تحريم الكلام؛ لعدم الملازمة بينهما بهذا المعنى، وهو الذي يقتضيه تعريف صاحب الصحاح للإصغاء، فإنّه قال فيه: أصغيت إلى فلان: إذا ملت بسمعك نحوه(1) ، وفي القاموس : الإصغاء هو الاستماع مع ترك الكلام(2)، وعلى هذا التعريف يكفي الحكم بوجوب الإصغاء عن التعرّض لتحريم الكلام؛ لأنّ ترك الواجب حرام، والأمر في ذلك سهل، فإنّ الجمع بينهما أوضح وإن تلازما، والأصح وجوب الإصغاء وتحريم الكلام.
وظاهر العبارة كون الخلاف في وجوب إصغاء جميع المصلين، وكذا تحريم الكلام، وهو كذلك، إلا أن إصغاء العدد المعتبر في الجمعة شرط في الصحة دون ما زاد، بل يحصل بتركه الإثم، أما الكلام فلا يُبطلها مطلقاً، بل يوجب الإثم.
وإنما يجب الإصغاء ويحرم الكلام على من يمكن في حقه السماع، فالبعيد الذي لا يسمع والأصم لا يجب عليهما ولا يحرم.
وكذا لا فرق في تحريم الكلام بين الخطيب وغيره وإن كان في حق غير الخطيب أقوى؛ لتخصيص بعض الأصحاب التحريم بغيره (3).
والظاهر تحريم الكلام بين الخطبتين أيضاً. ويستثنى منه الكلام الضروري، كتنبيه الأعمى
ص: 252
السادسة: المسافر إذا نوى الإقامة في بلدٍ عشرة أيام فصاعداً وجبت عليه الجمعة، وكذا إذا لم ينو الإقامة ومضى عليه ثلاثون يوماً في مصر واحد.
السابعة:* الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة، وقيل: مكروه، والأوّل أشبه.
الثامنة: * يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان، فإن باع أثم وكان البيع صحيحاً على الأظهر، ولو كان أحد المتعاقدين من لا يجب عليه السعي* كان البيع سائغاً بالنظر إليه، حراماً بالنظر إلى الآخر.
.....
ليحذر من الوقوع في مضرّة ونحوه، والواجب كرد السلام، والمستحب كتسميت العاطس.
قوله: «الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة».
الأذان الثاني هو ما وقع ثانياً بالزمان بعد أذانٍ آخر واقع في الوقت من مؤذنٍ واحدٍ، أو قاصد كونه ثانياً، سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم غيرهما.
وإنما كان بدعةً؛ لأنه لم يُفعل فى عهد النبي ، ولا في عهد الأولين باعتراف الخصم.
وإنما أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف بين نَقَلة العامة(1) .
ولا يجبره كونه ذكراً الله تعالى؛ لعدم كون جميع فصوله ذكراً، وما هو ذكر منها لا يقصد به الذكر المطلق، بل الموظف على الوجه المخصوص.
قوله: «يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان».
الأصح تحريمه بعد الزوال وإن لم يحصل الأذان ويلحق بالبيع ما أشبهه من العقود والإيقاعات.
قوله: «كان البيع سائغاً بالنظر إليه».
بل الأصح تحريمه عليه أيضاً لمعاونته له على المحرَّم المنهي عنه في قوله تعالى:﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾(2).
ص: 253
التاسعة: إذا لم يكن الإمام موجوداً ولا مَنْ نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع والخطبتان * قيل: يستحب أن يصلّى جمعة، وقيل: لا يجوز، والأول أظهر.
العاشرة: إذا لم يتمكن المأموم من السجود مع الإمام في الأولى، فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع، وإلّا اقتصر على متابعته في السجدتين * وينوي بهما الأولى، فإن نوى بهما الثانية، قيل: تبطل الصلاة، وقيل: يحذفهما ويسجد للأولى ويتم الثانية، والأوّل أظهر.
وأمّا آداب الجمعة فالغسل، * والتنفّل بعشرين ركعة ستّ عند انبساط الشمس وستّ عند ارتفاعها وست قبل الزوال، وركعتان عند الزوال، ولو أخر
.....
قوله: «قيل: يستحب أن يصلّى جمعة».
المراد باستحباب الجمعة هنا كونها أفضل الفردين الواجبين تخييراً، وهُما الجمعة والظهر، فعلى هذا ينوي بها الوجوب ويجزئ عن الظهر ، وليس المراد استحبابها بالمعنى المتعارف؛ لأنّها متى شرعت أجزأت عن الظهر، والمندوب لا يجزئ عن الواجب.
وهذا القول هو أصح القولين، وشرطه ما ذكره المصنف من إمكان اجتماع العدد وباقي الشرائط غير الإمام ومَنْ نصبه.
قوله :«وينوي بهما الأولى »
ولو أطلق فالظاهر الصحة وانصرافهما إلى الأولى؛ حملاً للإطلاق على ما في ذمته، فإنّه لا يجب لكل فعل من أفعال الصلاة نيّة وإن كان المصلّي مسبوقاً.
وقيل :يبطل كما لو نواهما للثانية (1).
قوله: «والتنقل بعشرين ركعة».
ص: 254
النافلة إلى بعد الزوال جاز، وأفضل من ذلك تقديمها *وإن صلّى بين الفريضتين ست ركعات من النافلة جاز.
* وأن يباكر المصلّي إلى المسجد الأعظم بعد أن يحلق رأسه ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه.
..........
اختصاص الجمعة باستحباب العشرين ركعة باعتبار المجموع من حيث هو مجموع وإلا فإنّ نافلة الظهرين المشتركة بين سائر الأيام منها، وإنّما تزيد الجمعة عن غيرها بأربع ركعات، وإذا قدمها على الزوال تخيّر في ست عشرة منها بين أن ينوي بها نافلة الجمعة وبين نافلة الظهرين، ويتحتم في الأربع الزائدة نيّة نافلة الجمعة، وكذا يتخيّر إذا أخرها بطريق أولى.
والمراد بانبساط الشمس انتشارها على وجه الأرض وكمال ظهورها، وبقبلية الزوال في الست الأخيرة أن تكون الشمس على دائرة نصف النهار بحيث يفرغ منها قبل أن تزول، فإذا زالت صلّى الركعتين.
قوله: «وإن صلّى بين الفرضين ست ركعات من النافلة جاز».
المراد بالجواز هنا معناه الأعم والمراد أنه دون التفريق الأول في الاستحباب، فإن اختار هذا القسم صلّى الست الأولى عند ارتفاع الشمس من المشرق بقدر ارتفاعها وقت العصر، والست الثانية عند علوّ النهار زيادة على ذلك، والركعتين بعد الزوال، ثم يصلي الست الباقية بين الفرضين روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) (1).
قوله: «وأن يباكر إلى المسجد».
المراد بالمباكرة الخروج بعد الفجر، وأفضلها إيقاع صلاة الفجر فيه، والاستمرار إلى أن يصلي الجمعة وكلّما تأخر عن ذلك كان أدون فضلاً مما تقدّمه.
ص: 255
* وأن يكون على سكينةٍ ووقار، متطيّباً لابساً أفضل ثيابه، وأن يدعو أمام توجهه *وأن يكون الخطيب بليغاً مواظباً على الصلوات في أوّل أوقاتها.
.........
وقد روى عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام): أن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها وإنكم لتتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة »(1).
واعلم أنّ الغسل مقدَّم على الخروج إلى المسجد، وقد تقدم أفضلية قربه من الزوال على بعده عنه(2)، وقد يظهر منه المنافاة لتقديمه على المباكرة، وطريق الجمع: حمل استحباب التأخير على عدم معارضته طاعةً أعظم منه، والمباكرة إلى المسجد مشتملة على عدة طاعات المسارعة إلى الخير والكون في المسجد، وما يترتب عليه من الفوائد، كالذكر، والدعاء، والتلاوة، والصلاة، وسماع موعظة، وغيرها، فمتى باكر المصلّي فالأفضل له تقديمه لذلك، ولتحصيل الفائدة التي شُرّع الغسل لأجلها، وهي التنظيف وإزالة الرائحة والوسخ وغيرها حالة الاجتماع بالناس وإن لم يباكر لمانع أو اقتراحاً فالأفضل تأخير الغسل.
قوله: «وأن يكون على سكينة ووقار».
السكينة في الأعضاء بمعنى اعتدال حركاتها، والوقار في النفس بمعنى طمأنينتها وثباتها على وجه يوجب الخشوع والإقبال على الطاعة.
قوله: «وأن يكون الخطيب بليغاً ».
بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وكونها غريبة وحشيّةٌ، وبين البلاغة، وهي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف والإنذار والإعلام بفضل الوقت الحاضر والأعمال المؤكدة فيه وغيرها، بحيث يبلغ به كنه المطلوب بحسب حال الأشخاص السامعين على وجه لا يبلغ التطويل الممل، ويلزمه عدم التقصير المخلّ.
ص: 256
* ويكره له الكلام في أثناء الخطبة بغيرها.
ويستحب أن يتعمّم شاتياً كان أو قايظاً، ويرتدي ببردة يمنية، وأن يكون معتمداً على شيءٍ، * وأن يسلّم أولاً، وأن يجلس أمام الخطبة.
وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى «الجمعة»، وكذا في الثانية يعدل إلى سورة «المنافقين» ما لم يتجاوز نصف السورة ، *إلا في سورة «الجحد» و «التوحيد».
*ويستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة ، ومَنْ يصلّي ظهراً فالأفضل إيقاعها في المسجد الأعظم، وإذا لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدّم المأموم صلاته على الإمام، ولو صلّى معه ركعتين وأتمهما بعد تسليم الإمام ظهراً كان أفضل.
......
قوله: «ويكره له الكلام في أثناء الخطبة».
قد تقدّم أنّ الأرجح تحريم الكلام عليه كغيره (1).
قوله: «وأن يسلّم أولاً».
ويجب الرد عليه كفاية، كغيره من أفراد السلام؛ لعموم الأمر برد التحية(2).
قوله: «إلا في سورتي(3) الجحد والتوحيد».
فلا يعدل عنهما مطلقاً، والمشهور جواز العدول عنهما إلى السورتين كغيرهما ما لم يبلغ نصفهما؛ لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهم السلام)(4) ، واختصاص المنع من العدول عنهما بغير هذا الفرض.
قوله: «ويستحبّ الجهر بالظهر في يوم الجمعة».
الأولى عدم الجهر بالظهر مطلقاً، وهو اختيار المصنف في المعتبر(5).
ص: 257
والنظر فيها، وفي سننها.
وهي واجبة مع وجود الإمام(عليه السلام) بالشروط المعتبرة في الجمعة، وتجب جماعةً، ولا يجوز التخلّف إلا مع العذر فيجوز حينئذ أن يصلّي منفرداً ندباً ، *ولو اختلت الشرائط سقط الوجوب واستحبّ الإتيان بها جماعةً وفرادى.
ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، ولو فاتت لم تقض.
وكيفيتها أن يكبر للإحرام، ثمّ يقرأ «الحمد» وسورة، والأفضل أن* يقرأ «الأعلى»، ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر، ويقنت بالمرسوم حتى يتم خمساً، ثمّ يكبر ويركع.
..........
قوله: «في صلاة العيدين».
العيد مأخوذ من العود، إما لكثرة عوائد الله تعالى على عباده فيه ورحمته وإما لعود السرور والرحمة بعوده، وياؤه منقلبة عن واو، فجمعه على أعياد غير قياس، لأنّ حق الجمع ردّ الشيء إلى أصله، وقيل: إنما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفرده، أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب (1).
قوله: «وإذا (2)اختلت الشرائط استحبّ الإتيان بها جماعة وفرادى».
لا فرق هنا بين حضور الفقيه وعدمه في حال الغيبة في ظاهر كلام الأصحاب، بخلاف الجمعة، وإن كان ما هناك من الدليل آتياً هنا، ولا يشترط التباعد بين نفليها بفرسخ، ولا بين فرضها ونقلها.
قوله: «يقرأ الأعلى».
ص: 258
فإذا سجد السجدتين قام بغير تكبير فيقرأ «الحمد» وسورةً، * والأفضل أن يقرأ «الغاشية»، ثمّ يكبر أربعاً،* يقنت بينها أربعاً، ثم يكبر خامسةً للركوع ويركع، فيكون الزائد عن المعتاد تسعاً: خمس في الأولى وأربع في الثانية*غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوعين.
............
وقيل: الأفضل «الشمس»(1) الصحيحة جميل بن درّاج (2)، وكلاهما حسن .
قوله: «والأفضل أن يقرأ الغاشية».
وقيل: «الشمس»(3)، وقيل: في الأولى «الغاشية» وفي الثانية «الأعلى»(4)، والكلّ جائز.
وأصح الروايات إسناداً ما تضمّن كون «الشمس» في الأُولى و «الغاشية » في الثانية (5).
قوله: «ويقنت بينها أربعاً».
فيه تجوّز ؛ لأنّه إذا كانت التكبيرات أربعاً لم يتحقق كون القنوت بينها أربعاً بل ثلاثاً.
والأسد أن يقال: ويقنت بعد كل تكبير.
قوله: «غير تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع »(6).
هذا المخرج ليس زائداً عن المعتاد فلا وجه لإخراجه، وكأنه ذكره للتوضيح، مع أنّ تركه أوضح.
ص: 259
وسنن هذه الصلاة: * الإصحار بها إلا بمكة، * والسجود على الأرض، وأن يقول المؤذنون: «الصلاة» ثلاثاً، فإنّه لا أذان لغير الخمس، وأن يخرج الإمام *حافياً، ماشياً على سكينة ووقار، ذاكراً لله سبحانه،* وأن يطعم قبل خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحى ممّا يضحي به، وأن يكبر في الفطر عقيب أربع
........
قوله: «الإصحار بها إلا بمكة».
فيصلى في مسجدها؛ لقول الصادق (عليه السلام): على أهل الأمصار أن يبرزوا في أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنّهم يصلون في المسجد الحرام»(1). ولوجوب التوجه إليه من سائر الجهات فلا يناسب الخروج منه.
وإنّما يستحبّ الإصحار مع الإمكان، وعدم المشقة الشديدة في الخروج، كالمطر والوحل، وإلا صليت في المساجد.
قوله « والسجود على الأرض».
دون غيرها مما يصح السجود عليه ويستحب مباشرة الأرض بما يمكن من أعضاء المصلّي، فلا يفرش على الأرض فراشاً، للخبر(2).
قوله: «حافياً».
لأن الرضا (عليه السلام) خرج إليها حافياً في عهد المأمون(3). روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «مَن اغبرت قدمه في سبيل الله فقد حرّمها الله تعالى على النار »(4).
قوله: «وأن يَطْعَم قبل خروجه».
يفتح الياء وسكون الطاء وفتح العين مضارع «طعم» بكسرها ك_ «علم يعلم» أي يأكل .
ص: 260
صلوات أوّلها المغرب ليلة الفطر، وآخرها صلاة العيد، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة، أوّلها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى، وفي الأمصار عقيب عشر، يقول: «الله أكبر، الله أكبر - وفي الثالثة تردّد - لا إله إلا الله والله أكبر، الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا». ويزيد في الأضحى: «ورزقنا من بهيمة الأنعام».
ويكره الخروج بالسلاح، * وأن يتنفّل قبل الصلاة وبعدها إلا بمسجد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)
بالمدينة فإنّه يصلي ركعتين قبل خروجه.
ومستند الفرق ما روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه كان لا يخرج في الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم
الأضحى حتى يصلّي(1).
وعُلّل مع ذلك بوجوب الإفطار يوم الفطر بعد تحريمه، ففي المبادرة ! ه بعث للنفس على تلقي الأوامر المتضادة، وانقياد إلى امتثال أمر الشرع، بخلاف الأضحى، واستحباب الأكل من الأضحية، ولا يتيسر إلا بعد الصلاة.
قوله: «وأن يتنفّل قبلها وبعدها إلا بمسجد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بالمدينة، فإنه يصلي ركعتين قبل خروجه».
المراد أن مَنْ كان بالمدينة .....فى يقصد المسجد قبل خروجه فيصلي فيه ركعتين .
والمستند قول الصادق : ركعتان من السنة ليس يصليان في موضع إلا بالمدينة، يصلي في مسجد الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى، ليس ذلك إلا بالمدينة.
لأن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فَعَله ».(2) .
ص: 261
مسائل خمس :
الأولى:* التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردّد، والأشبه الاستحباب وبتقدير الوجوب هل القنوت واجب؟ الأظهر ،لا، وبتقدير وجوبه هل يتعين فيه لفظ ؟ الأظهر أنّه لا يتعيّن وجوباً.
الثانية: إذا اتفق عيد وجمعة*فمَنْ حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة، وعلى الإمام أن يُعلمهم ذلك في خطبته. وقيل: الترخيص مختص بمَنْ كان نائياً عن البلد كأهل السواد - دفعاً لمشقة العود، وهو الأشبه.
...........
قوله: «التكبير الزائد هل هو واجب؟».
الأقوى وجوب التكبيرات والقنوت، وعدم انحصاره في لفظ للأصل، واختلاف الروايات في تعيينه(1) .
وأوجب أبو الصلاح في ظاهر كلامه - فيه: «اللهم أهل الكبرياء والعظمة» (2)إلى آخره.
ويمكن حمله على الوجوب التخييري ؛ لأنه بعض أفراد الدعاء المنقول، بل هو أفضلها، فلا يتعيّن قولاً بالتعيين.
قوله: «فمَنْ حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة».
المشهور عموم التخيير؛ لصحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عن لا ذلك، فقال: «اجتمعا في زمان علي ، فقال: مَنْ شاء أن يأتي الجمعة فليأت، ومَنْ قعد فلا يضره»(3).
ويجب على الإمام إعلامهم بذلك في خطبة العيد، وكذا يجب عليه الحضور لصلاة الجمعة، فإن اجتمع معه تمام العدد صلاها، وإلا فلا.
ص: 262
الثالثة:* الخطبتان في العيدين بعد الصلاة، وتقديمهما بدعة، ولا يجب استماعهما، بل يستحبّ.
الرابعة: لا يُنقل المنبر من الجامع * بل يُعمل شبه المنبر من طينٍ استحباباً.
........
قوله: «الخطبتان [في العيدين ] بعد الصلاة».
اختلف الأصحاب في وجوب الخطبتين هنا، فذهب جماعة (1)إلى الوجوب تأسياً بالنبي والأئمة(عليهم السلام).
والأكثر على الاستحباب، بل ادعى المصنف في المعتبر عليه الإجماع(2)، والعمل بالوجوب أحوط.
ومحلّهما بعد الصلاة بإجماع المسلمين، وتقديمهما بدعة عثمانية، روى محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) : إنّ «عثمان لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس [ليرجعوا]، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة»(3). ثم تبعه بنو أُميّة وابن الزبير، ثمّ انعقد إجماع المسلمين على تأخيرهما. وروى العامة أن مروان قدم الخطبة، فقال له رجل: خالفتَ السُنّة، فقال: تُرِكَ ذاك، فقال له أبو سعيد الخدري: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول: «مَنْ رأى منكم منكراً فلينكره بيده، فمَنْ لم يستطع فبلسانه، فمَنْ لم يستطع فلينكره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(4).
قوله: «بل يعمل شبه المنبر من طين».
ولو عمل من غيره تأدّت السُنّة، وإن كان المنقول (5)أفضل.
ص: 263
الخامسة : إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد إن كان ممن تجب عليه. وفي خروجه بعد الفجر وقبل طلوعها تردّد، والأشبه الجواز.
والكلام فى سببها، وكيفيتها، وحكمها.
أمّا الأوّل فتجب عند كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة ،
...........
قوله: «في صلاة الكسوف».
في نسبة هذه الصلاة إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تجوز، ولو عبّر عنها بصلاة الآيات كما صنع الشهيد (رحمه الله)(1) كان أجود.
واعلم أنّ الأغلب نسبة الكسوف إلى الشمس والخسوف إلى القمر، وقد يطلق الكسوف عليهما معاً، وكذا الخسوف والفعل منهما يتعدى ويقصر، يقال: كسفت الشمس - بفتح الكاف والسين - وكسفها الله ، وكذلك خسف القمر بغير همز فيهما.
وجعل في الصحاح انكسفت الشمس من كلام العامة(2)، وجوزه الهروي(3)، والأخبار مشتملة على اللغتين قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إنّ الشمس والقمر آيتان يخوف الله بهما عباده لا يكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا»(4).
وقال أبي بن كعب: انكسفت الشمس على عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فصلى بنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وركع خمس ركعات وسجد سجدتين(5) ، الحديث.
ص: 264
*وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة، وغيرها من أخاويف السماء؟
قيل: نعم، وهو المروي، وقيل: لا، بل تستحبّ، وقيل: تجب للريح المخوفة، والظلمة الشديدة حسب.
ووقتها في الكسوف من حين ابتدائه * إلى حين انجلائه، فإن لم يتسع لها لم تجب *وكذا الرياح والأخاويف إن قلنا بالوجوب، وفي الزلزلة تجب وإن لم يطل المكث * ويصلّى بنية الأداء وإن سكنت.
.............
وهذان الحديثان حجة على مَنْ لم يوجبها عيناً من العامة، أو خالف في كيفيتها.
قوله: «وهل تجب لما عدا ذلك »إلى آخره.
الأصح وجوبها لكلّ مخوف سماوي؛ لصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) (1).
قوله: «إلى حين انجلائه، فإن لم يتسع لها لم تجب».
هذا هو المشهور، والذي اختاره المصنف في المعتبر(2)والشهيد (رحمه الله) امتداده إلى تمام الانجلاء(3)، فيعتبر سعة وقت الجميع للصلاة، وهو أجود.
قوله: «وكذا الرياح والأخاويف إن قلنا بالوجوب».
هذا هو المشهور، والأجود عدم اشتراط سعة ،وقتها كالزلزلة واختاره في الدروس(4) ،فيجب أداء دائماً وإن وجبت الفورية.
قوله: «ويصلّي أداءً وإن سكنت».
اعلم أنّ اشتراط الأداء في صلاة الزلزلة يقتضي أن لها وقتاً محدوداً؛ لأنّ الأداء من لوازم التوقيت، وليس وقت الزلزلة خاصة هو الوقت كما في الكسوف؛ لقصوره عنها غالباً، واستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها، بل هو أول وقتها، بمعنى دخوله بحصول
ص: 265
ومَنْ لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت لم يجب القضاء * إلا أن يكون القرص قد احترق كله * وفي غير الكسوف لا يجب القضاء، ومع العلم والتفريط والنسيان يجب القضاء في الجميع.
.......
مسمّاها وإن لم يسكن، ويمتد بامتداد عمر المكلف بها فتُصَلّى أداء دائماً .
وأوجب الشهيد (رحمه الله) ومَنْ تبعه مع ذلك الفورية بها (1)، وهو على القول باقتضاء الأمر الفور متجه لا على عدمه.
وحرّره بعض المحققين بأن وقتها نفس وقت الآية، ولما لم يسعها غالباً وامتنع فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحاً لإيقاعها فيه حذراً من التكليف بالمحال وبقي حكم الأداء مستصحباً لانتفاء الناقل، وروعي فيها الفورية من حيث إن فعلها خارج وقت السبب إنما كان بحسب الضرورة، فاقتصر في التأخير على قدرها جمعاً بين القواعد المتضادة، وهي توقيت هذه الصلاة، وقصور ،وقتها واعتبار سعة الوقت بفعل العبادة (2).
وهذا التوجيه لا يتم إلا مع ثبوت هذه المقدمات، وليس في النصوص ما يدلّ على كون زمان الزلزلة هو الوقت، بل إنّما دلت على كونها سبباً (3)، وهو لا يستلزم انحصار الوقت فيه، ولو تم كونه وقتها واعتبر من الخارج عنه قدر ما يكمل فيه الصلاة اقتصاراً على موضع الضرورة لم يصح القول بامتداد وقتها بامتداد العمر، بل إنّما ثبت ذلك من كون الآية سبباً لوجوب الصلاة، وحيث لا تحديد لوقتها في النصوص جعل وقتها مدة العمر، كالنذر المطلق وإن غايره في وجوب نية الأداء، ولا ريب أن الفورية بها أحوط عند من لم يستفدها من مطلق الأمر.
قوله: «إلّا أن يكون القرص قد احترق كلّه».
فيجب القضاء إذا ثبت ذلك إما بشهادة عدلين، أو بشياع يوجب العلم.
قوله: «وفي غير الكسوف لا يجب القضاء». مشكل.
ص: 266
وأمّا كيفيتها فهو أن يُحْرِمَ، ثمّ يقرأ «الحمد» وسورةً ثم يركع، ثمّ يرفع* فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث قطع، وإن كان أتمّ قرأ «الحمد» ثانياً، ثم قرأ سورةً حتى يتمّ خمساً على هذا الترتيب، ثم يركع ويسجد اثنتين، ثمّ يقوم ويقرأ «الحمد» وسورةً معتمداً ترتيبه الأول، ويتشهد، ويسلّم .
ويستحبّ فيها الجماعة *وإطالة الصلاة بمقدار زمان ،الكسوف، وأن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء، وأن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته ،
...........
قوله: «فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث قطع».
أشار بذلك إلى جواز تبعيض السورة، وهو ثابت في جميع الركعات، وإن كانت العبارة لا تدلّ على ما عدا الأولى.
والحاصل أنه مخيّر بين قراءة سورة كاملة بعد الحمد في كلّ ركعة - وهو الأفضل -فيجب إعادة الحمد في كلّ مرةٍ، وبين تفريق سورة على الخمس بحيث يقرأ في كل قيام من حيث قطع في الذي قبله، ويكفي حينئذ الحمد في الأولى خاصة، وبين تبعيض السورة في بعض الركعات والإكمال في بعض بحيث يتم له في الخمس سورة فصاعداً، ولا يجب إكمالها في الخامس إن كان قد أكمل سورة قبل ذلك في الركعة، ومتى أكمل سورة في قيام وجب عليه إعادة الحمد في القيام الذي بعده، ومتى ركع عن بعض سورةٍ تخيّر في القيام بعده بين القراءة من موضع القطع ومن غيره من السورة متقدماً ومتأخراً، ومن غيرها، ويجب الحمد فيما عدا الأولى ، مع احتمال عدم الوجوب في الجميع. ويجب مراعاة السورة التامة في الخمس كما مرّ.
ولو سجد على بعض سورة كما لو كان قد أكمل غيرها قبل ذلك، وجب إعادة الحمد، ثمّ له البناء على ما مضى والشروع في غيرها، وهو أولى، فإن بنى وجب عليه سورة أخرى في باقي القيام.
قوله: «وإطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف».
هذا يتمّ مع المعرفة بقدره، كما لو كان من أهل الخبرة بحسابه، أو أخبره ثقة به، أما لو جهل الحال أشكل استحباب التطويل؛ حذراً من تفويت الوقت.
ص: 267
*وأن يقرأ السور الطوال مع سعة الوقت، وأن يكبّر عند كلّ رفع من كلّ ركوع ،إلا في الخامس والعاشر، فإنّه يقول: سمع الله لمن حمده، * وأن يقنت خمس قنوتات .
وأمّا حكمها فمسائله ثلاث:
الأولى: إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة، كان مخيراً في الإتيان بأيهما شاء . * ما لم تتضيّق الحاضرة فتكون أولى، وقيل: الحاضرة أولى والأوّل أشبه.
...........
ويمكن عموم استحباب الإطالة وإن لم يتفق موافقة القدر؛ لأصالة البقاء.
وكيف كان، فتخفيف الصلاة مع الجهل بالحال، ثمّ الإعادة تحصيلاً للفضيلة أحوط.
قوله: «وأن يقرأ السور الطوال».
مثل الأنبياء والكهف تأسياً بالنبي (1).
قوله: «وأن يقنت خمس قنوتات».
على كلّ قراءة ثانية، وذكر بعض الأصحاب أنّ أقله على الخامسة والعاشرة، ثمّ على العاشرة (2).
والظاهر أنّه لا يستحبّ الجمع بين القنوت على الرابعة، كما يقتضيه الأوّل، والخامسة على الثاني، بل إنما يستحبّ على الخامسة مع تركه قبلها.
قوله: «ما لم تنضيق الحاضرة فتكون أولى».
ثمّ إن أدرك الكسوف بعدها قبل تمام الانجلاء أتى بها، وإن خرج وقتها فإن كان قد أخر الحاضرة إلى آخر وقتها اختياراً قضى الكسوف؛ لاستناد فواتها إلى تقصيره المتقدم مع احتمال عدمه؛ لإباحة التأخير، وإن كان التأخير بغير اختياره، فإن كان مع وجوب الحاضرة
ص: 268
الثانية: إذا اتفق الكسوف فى وقت نافلة الليل فالكسوف أولى ولو خرج وقت النافلة، ثمّ يقضي النافلة.
الثالثة: يجوز أن يصلّى صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشياً، وقيل: لا يجوز ذلك إلا مع العذر، وهو أشبه.
وفيه أقسام:
*وهو مَنْ كان مظهراً للشهادتين * أو طفلاً له ست سنين ممن له حكم الإسلام ،
........
فالظاهر أنه كذلك، وإن كان لا مع وجوبها كما لو كان في باقي الوقت صغيراً أو مجنوناً أو كانت المرأة حائضاً - ففي وجوب قضاء الكسوف الفائتة بسبب الاشتغال بالحاضرة وجهان من عدم التفريط، وعدم سعة وقت الكسوف الذي هو شرط التكليف، ومن سعته في نفسه، وإنّما المانع الشرعي منع من الفعل، وعدم وجوب القضاء أوجه، وعلى تقديره فهل يجب الكسوف بإدراك ركعة أم لا بد من إدراك الجميع؟ إشكال.
قوله: «وهو كلّ مَنْ كان مُظهراً للشهادتين».
لا بد من تقييده مع ذلك بعدم جحوده ما علم من الدين ضرورةً، ليخرج من الكلّيّة الفِرق المحكوم بكفرها مع تشبتها باسم الإسلام، كالخوارج والنواصب والمجسمة والغُلاة، ومَنْ خرج عن الإسلام بقول أو فعل، فلا يجب الصلاة على مَنْ ذُكر، لكن يجوز الصلاة على بعضهم ويلعنه، كما سيأتي(1).
قوله « أو طفلاً له ست سنين ممن له حكم الإسلام».
يتحقق ثبوت حكم الإسلام له بتولّده من مسلم أو مسلمةٍ، أو بكونه ملقوطاً في دار الإسلام،
ص: 269
ويتساوى الذكر في ذلك والأُنثى، والحر والعبد.
ويستحب الصلاة على مَنْ لم يبلغ ذلك إذا وُلد حيّاً، فإن وقع سقطاً لم يصلّ عليه ولو ولجته الروح.
* وأحق الناس بالصلاة أولاهم بميراثه *والأب أولى من الابن* وكذا الولد أولى من الجد والأخ والعم * والأخ من الأب والأم أولى ممّن يمت بأحدهما.
.............
أو وُجد فيها ميناً، أو فى دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد.
ويشترط في الوجوب إكمال الست، فلا يكفي الطعن في السادسة.
قوله: «وأحق الناس بالصلاة أولاهم بميراثه».
المراد أنّ مَنْ كان أولى بالميراث فهو أولى بها ممن لا يرث، فلا أولوية لواحدٍ من الطبقة الثانية مع وجود واحدٍ من الطبقة الأولى وإن سَفَل، وأما الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما سنذكره، وحينئذ فلا يرد على التعليل بأولوية الإرث نقض.
قوله: «والأب أولى من الابن».
لمزيد اختصاص الأب بالحُنُو والشفقة، فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة، فلذلك قدّم على الابن مع تساويهما في الطبقة، وزيادة نصيب الابن.
قوله: «وكذا الولد أولى من الجد».
هذا الحكم قد عُلم من الأولوية المتقدمة؛ إذ لا إرث للجد مع الولد عندنا، وإنّما خصه بالذكر لئلا يتوهم من تقديم الأب على الابن تقديمه لكونه أباً في المعنى. وأما كونه أولى من الأخ والعم فلا وجه لذكره بعد القاعدة.
قوله: «والأخ من الأب والأم أولى ممّن يمت بأحدهما».
ص: 270
* والزوج أولى بالمرأة من عصباتها وإن قربوا.
وإذا كان الأولياء جماعة، فالذكر أولى من الأنثى، والحُرّ أولى من العبد ولا يتقدّم الوليّ إلّا إذا استكملت فيه شرائط الإمامة، وإلا قدم غيره، وإذا تساوى الأولياء * قدّم الأفقه فالأقرأ فالأسن فالأصبح، ولا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن
..........
المت - بتشديد التاء - توسّل القرابة(1) ، والمراد هنا الاتصال بأحد الأبوين لا غير. ولو اتصل أحدهما بالأب والآخر بالأم فالأخ من الأب أولى، وكذا مَنْ تقرّب به كالعم فإنّه أولى من الخال، وابن العم أولى من ابن الخال وكذا العمّ للأبوين أولى من العم لأحدهما، كما أن العم للأب أولى من العم للأم، وكذا القول في الخال، فإن فقد جميع القرابات انتقلت الولاية إلى أهل الولاء على حسب ترتيبهم، فإن تعذر فوليه الحاكم، فإن تعذر فعدول المسلمين.
قوله: «والزوج أولى بالمرأة من عصباتها».
بل من جميع أقاربها، وإنما خص العصبة؛ لأنهم أقوى القرابة ولا فرق بين الدائم والمستمتع بها، ولا بين الحرّة والمملوكة، فيكون الزوج أولى من سيد المملوكة.
والولاية منحصرة فيمن ذكر، فلا ولاية للموصى إليه بها على المشهور مع وجود الوارث نعم، أو فقد كان أولى من الحاكم.
قوله: «قدم الأفقه».
إنما قدم الأفقه على الأقرأ؛ لأنّ القراءة ساقطة هنا، فلا ترجيح لمزاياها.
والمشهور تقديم الأقرأ؛ لعموم الخبر(2)، ولأن كثيراً من مرجحات القراءة معتبرة في الدعاء، واختاره المصنّف في المعتبر(3).
والمراد بالأفقه الأعلم بفقه الصلاة، وبالأقرأ الأعلم بمرجحات القراءة لفظاً ومعنى ،
ص: 271
الوليّ، سواء كان بشرائط الإمامة أو لم يكن بعد أن يكون مكلفاً.
وإمام الأصل أولى بالصلاة من كلّ أحدٍ، والهاشمي أولى من غيره * إذا قدمه الولي وكان بشرائط الإمامة.
ويجوز أن تؤم المرأة بالنساء، ويكره أن تبرز عنهن، بل تقف في صفّهنّ ، وكذا الرجال العراة، وغيرهما من الأئمة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتم واحداً.
وإذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه، وإن كان وراءه رجال وقفن خلفهم ،وإن كان فيهنّ حائض انفردت عن صفّهنّ استحباباً.
وهي خمس تكبيرات * والدعاء بينهنّ غير لازم، و لو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظاً على التعيين.
...........
وبالأسن في الإسلام لا مطلقاً، وبالأصبح وجهاً لدلالته على عناية الله تعالى به، أو ذكراً بين الناس؛ لقول عليّ(عليه السلام) : «إنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسنة عباده»(1) .
واعلم أنّ المذكور في باب الجماعة تقديم الأقدم هجرةً على الأصبح، ولا نص هنا على هذه المرجّحات على الخصوص، فينبغي ملاحظة ما ذكر في اليومية.
ولو تساوى الأولياء في الصفة المرجّحة أُقرع.
قوله: «إذا قدمه الولي».
يستفاد من تقييد أولوية الهاشمي بتقديم الولي له وإطلاق أولوية الإمام عدم توقف تقديمه على إذن الوليّ، وهو كذلك.
قوله: «والدعاء بينهنّ غير لازم، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظاً».
ص: 272
وأفضل ما يقال ما رواه محمد بن مهاجر عن أُمه - أُم سلمة عن أبي عبد الله(عليه السلام) . قال: «كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)إذا صلّى على ميّتٍ كبر وتشهد، ثمّ كبّر وصلّى على الأنبياء، ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين، ثمّ كبّر الرابعة ودعا للميت، ثمّ كبّر وانصرف».
* وإن كان منافقاً اقتصر المصلّي على أربع وانصرف بالرابعة.
*وتجب فيها النية واستقبال القبلة ،
.......
الأصح وجوب الدعاء وتعيين الشهادتين والصلاة في محلّهما، ويجزئ في الدعاء للمؤمنين والميت ما سنح ، وإن كان المنقول (1)أفضل.
قوله: «وإن كان منافقاً اقتصر المصلّى على أربع وانصرف بالرابعة».
قيل : المراد به الناصب(2)، ويشهد له بعض الروايات (3).
ويحتمل أن يريد به مطلق المخالف للحق إلزاماً له بمعتقده، واختاره في الدروس (4)وهو أجود.
ومقتضى قوله وانصرف بالرابعة» عدم وجوب الدعاء عليه، وهو على مذهبه من عدم وجوب مطلق الدعاء ظاهر.
واختلف القائلون بالوجوب هنا قال في الذكرى الظاهر أنّ الدعاء على هذا القسم غير واجب لأنّ التكبير عليه أربع، وبها يخرج من الصلاة (5).
قوله: «وتجب فيها النية».
الواجب فيها القصد إلى الصلاة على الميت المعيّن لوجوبه أو ندبه تقرباً إلى الله تعالى، ولا يجب التعرّض للأداء والقضاء ولا معرفة الميت، نعم، يجب القصد إلى معيّن مع تعدّده،
ص: 273
*وجَعْل رأس الجنازة إلى يمين المصلي.
*وليست الطهارة من شرطها . ولا يجوز التباعد من الجنازة كثيراً.
* ولا يصلّى على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه . فإن لم يكن كفن جعل في القبر وسترت عورته، وصلّى عليه بعد ذلك.
..........
واكتفى في الذكرى بنية منوي الإمام(1)، ولو عيّن فأخطأ بطلت، إلا مع ضم الإشارة إلى التعيين فتغلب الإشارة.
قوله: «وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي».
المعتبر في ذلك كون المصلي وراءها بحيث يكون رأسها إلى يمينه ورجلاها إلى يساره، ويغتفر ذلك في المأموم، وإنما يجب ذلك مع الإمكان، فيسقط لو تعذر، كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله فقد صلّى الصادق على عمه زيد مصلوباً (2).
قوله: «وليس الطهارة من شرطها».
سواء في ذلك الحدثية والخبئية، إلا أن عدم اشتراط الأولى موضع وفاق، وفي الثانية إشكال من عدم النص، وكونها أضعف من الحدثية.
قوله: «ولا يجوز التباعد عن الجنازة كثيراً ».
هذا في الإمام والمنفرد، أما المأموم فيغتفر فيه ذلك مع اتصال الصفوف.
قوله: «ولا يصلّى عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه».
هذا مع الإمكان، ولو تعذر الغسل قام التيمم مقامه في اعتبار ترتب الصلاة عليه، فإن تعذر سقط.
قوله: «فإن لم يكن كفن جعل في القبر» إلى آخره.
ص: 274
وسنن الصلاة :أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ، وإن اتفقا جُعل الرجل ممّا يلي الإمام والمرأة وراءه ، ويُجعل صدرها محاذياً لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة،* ولو كان طفلاً جعل من وراء المرأة.
هذا إذا لم يمكن ستره بثوب ونحوه خارج القبر، وإلا وجب مقدماً على القبر إن منع القبر الرؤية، وإلا تخيّر، ولا فرق في ذلك بين وجود ناظر وعدمه.
قوله: «ولو كان طفلاً جعل وراء المرأة».
إن لم تجب الصلاة عليه، وإلا قدم عليها، وكذا يُقدم على الخنثى كما يُقدَّم الخنثى على المرأة.
وهذا الترتيب إنّما يُسنّ مع إرادة الصلاة عليهم دفعةً واحدة، وحينئذ يجب ملاحظة التذكير والتأنيث في الدعاء، ولو ذكر في المؤنث مؤوّلاً بالميت صح.
ولو اختلفوا في الدعاء كما لو كان فيهم طفل وكبير وغيرهما دعا لكل ميت بما هو وظيفته، وشرّك بينهم فيما لا اختلاف فيه بالنسبة إليهم، ويتخيّر في الخنثى فيقول في الأنثى: «اللهم أمتك وابنة أمتك» إلى آخره.
ومع وجوب الصلاة على الجميع لا إشكال في النية، أما مع اختلافهم في الوجوب والندب فيشكل الجمع؛ لاختلاف الوجه.
واختار في التذكرة الجمع بين الوجهين (1)؛ لعدم التنافي باعتبار التوزيع.
ويشكل بأنه فعل واحد من مكلّففٍ واحدٍ فكيف يقع عليهما!؟
والمتجه الاجتزاء بنية الوجوب تغليباً للجانب الأقوى، كما تدخل مندوبات الصلاة والوضوء وغيرهما في الواجب.
ص: 275
وأن يكون المصلّي متطهراً، * وينزع نعليه *ويرفع يديه في أوّل تكبيرة إجماعاً، وفي البواقي على الأظهر، ويستحبّ عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمناً ،* وعليه إن كان منافقاً،
..........
قوله: «وينزع نعليه».
بحيث يصير حافياً، وعن الصادق(عليه السلام) : لا بأس بالخف»(1)، وفيه دلالة على عدم كراهته ،لا على حصول الاستحباب المطلوب.
قوله: «ويرفع يديه في أوّل تكبيرة» إلى آخره.
المروي استحباب الرفع في الجميع(2). ولم يرد نص خاص على استحباب رفعهما حالة الدعاء. ويمكن استفادته من فعل الحسين(عليه السلام) في صلاته على المنافق (3)، فيشرع التأسي به لعدم الخصوصية، ومن عموم الأمر برفع اليدين حالة الدعاء (4)، وأنه أقرب إلى الإجابة.
وإنّما اختص دعاء الميت به؛ لأنّه المقصود بالدعاء بالذات، بخلاف المؤمنين فإنّهم مقصودون بالدعاء على وجه التبع فناسب ذلك الاهتمام بالرفع فيه خاصةً.
قوله: «وعليه إن كان منافقاً».
فإن كان مع ذلك ناصباً، قال في دعائه ما قاله الحسين(عليه السلام) في صلاته عليه: «اللهم العن [فلاناً] عبدك ألف لعنةٍ مؤتلفةٍ غير مختلفة، اللهمّ أخْزِ عبدك في عبادك وبلادك ، وأضله حَرّ نارك ، وأذقه أشد عذابك ، فإنّه كان يتولّى أعداءك ، ويعادي أولياءك ، ويبغض أهل بيت نبيّك »(5).
ص: 276
*وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك * وإن جهله سأل الله أن يحشره مع مَنْ يتولاه ،
.......
وإن لم يكن ،ناصباً ، قال ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهم السلام): «إن كان جاحداً للحق
فقُلْ: اللهمّ املأ جوفه ناراً وقبره ناراً وسلّط عليه الحيات والعقارب »(1).
ولو دعي به على الناصبي أيضاً تأدّت الوظيفة؛ لدخوله في الجاحد للحق.
قوله: «وبدعاء المستضعفين إن كان منهم».
المراد بالمستضعف من لا يعتقد الحق ولا يعاند أهله ولا يوالي أحداً من الأئمة ولا من غيرهم.
ودعاء المستضعفين ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر(عليه السلام) : «إن كان واقفاً(2) مستضعفاً فكبر وقُلْ: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم»(3). وليس من قسم المستضعف مَنْ يعتقد الحق ولا يعرف دليله التفصيلي، فإنّ ذلك من جملة المؤمنين، ولعدم كونه واقفاً كما دلّ عليه الحديث.
قوله: «وإن جهله سأل الله أن يحشره مع من يتولاه».
المجهول مَنْ لا يُعرف مذهبه ولا بلده على وجه تدلّ القرائن على إيمانه كالبلد التي لا يُعلم فيها مخالف ونحوه.
ودعاء المجهول ما رواه أبو المقدام قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول على جنازة رجل من جيرته: «اللهم إنك خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شراً و أنت أعلم به، وقد جئناك شافعين له بعد موته فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه واحشره مع مَنْ كان يتولاه»(4) .
ص: 277
* وإن كان طفلاً سأل الله أن يجعله مصلحاً لحال أبيه شافعاً فيه، وإذا فرغ من الصلاة . وقف موقفه حتّى تُرفع الجنازة * وأن يُصَلِّى على الجنازة في المواضع المعتادة، ولو صلّى في المساجد جاز.
وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين.
......
وروى الحلبي عن الصادق(عليه السلام): اللهم إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه»(1).
قوله: «وإن كان طفلاً سأل الله أن يجعله مصلحاً لحال أبيه شافعاً فيه».
الظاهر أنّ المراد بالطفل هنا من دون البلوغ وإن وجبت الصلاة عليه.
وإنما يدعو لأبيه بذلك مع علمه بإيمانه أو جهله بحاله، أما لو علم بكفره كالمسبي إذا قلنا بتبعيته في الإسلام لم يصح الدعاء بذلك. ولو كان أحد أبويه مسلماً خاصةً دعا له.
والخبر دلّ على الدعاء لأبويه معاً، لا كما اقتضته العبارة من الدعاء لأبيه.
والمنصوص من الدعاء هنا : «اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً»(2). والفرط بالتحريك - الأجر المتقدم.
قوله: «وقف موقفه حتى ترفع الجنازة».
لا فرق في ذلك بين الإمام وغيره، وإن كان الاستحباب للإمام آكد لتخصيصه في الذكرى به (3).
نعم، لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثني منهم أقلّ ما يحصل به رفع الجنازة.
قوله: «والصلاة (4)في المواضع المعتادة».
للصلاة على الجنائز، إما تبرّكاً بها لكثرة مَنْ صلّى فيها ، وإما لأنّ السامع بموته يقصدها
ص: 278
مسائل :خمس
[الأُولى :] مَنْ أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه، فإذا فرغ * أتمّ ما بقي عليه ولاءٌ. ولو رُفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو على القبر.
الثانية:* إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام.
الثالثة: يجوز أن يُصلّى على القبر يوماً وليلة مَنْ لم يُصلّ عليه،* ثمّ لا يُصلّى بعد ذلك.
الرابعة: الأوقات كلّها صالحة لصلاة الجنازة، إلّا عند تضيّق وقت فريضةٍ حاضرة، ولو خيف على الميت - مع سعة الوقت - قدّمت الصلاة عليه.
.......
للصلاة عليه فيسهل الأمر ويكثر المصلون، وهو أمر مطلوب لرجاء مجاب الدعوة فيهم.
قوله: «أتمّ ما بقي عليه ولاء».
أي من غير دعاء، وإنّما يجوز الولاء مطلقاً إن لم نوجب الدعاء كما اختاره المصنف، وإلا وجب تقييده بخوف فوات الجنازة من محلّ يجوز الصلاة عليها فيه اختياراً، بأن يستدبر بها أو يتباعد أو تحوّل عن الهيئة الواجبة، فلو لم يحصل أحدها وجب الدعاء، ولو خاف مع إكماله اقتصر منه على ما لا يحصل معه الفوات.
قوله: «إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام».
إن سبقه سهواً أو ظناً أنّه كبّر، أما لو تعمّد استمر متأنياً حتى يلحقه الإمام ويأتمّ في الأخير.
قوله: «ثم لا يصلّى بعد ذلك».
بل الأصح عدم تحديد زمانٍ للصلاة على مَنْ لم يصل عليه، وهو خيرة العلّامة في المختلف(1) ، والشهيد في البيان، إلا أنه عداه إلى مَنْ لم يصل وإن كان قد صلّى على الميت (2).
ص: 279
الخامسة: إذا صلّى على جنازة بعض الصلاة ثمّ حضرت أُخرى، *كان مخيّراً. إن شاء استأنف الصلاة عليهما، وإن شاء أتمَّ الأُولى على الأول واستأنف للثاني.
وهي قسمان:
النوافل اليومية، وقد ذكرناها.
.........
قوله: «كان مخيّراً إن شاء استأنف الصلاة عليهما».
الأجود الاستمرار على الأولى ثمّ الصلاة على الأخرى بعد الفراغ؛ للنهي عن قطع العمل(1) ، وعدم دليل صريح في جواز هذا الفرد.
نعم، لو خاف فساد الثانية نوى الصلاة عليها بقلبه عند الفراغ من الذكر وكبر ناوياً بها لهما، ثمّ يخص كلّ واحدة بذكرها ويشركهما في التكبير ؛ لاتحاده فيهما، ويتخيّر في تقديم أيتهما شاء في الدعاء، ثم لا يتعيّن، بل يجوز تقديم الأخرى في دعاء آخر، فإذا فرغ من الأُولى أكمل الصلاة على الثانية.
ومن الأصحاب (2) مَنْ خصّ جواز القطع والصلاة عليهما بخوف فساد الثانية؛ حذراً من النهي عن القطع في غير موضع الضرورة.
وقد عرفت أنّه لا ضرورة هنا أيضاً؛ لإمكان الصلاة على الثانية من غير قطع.
ولو تعدّدت الجنائز الحاضرة فالحكم كذلك. ويُشرك بين المتأخرة في التكبير والذكر والدعاء، إلا مع اختلافها فيه فيدعو لكلّ واحدة بما هو فرضها، كما لو اجتمعت ابتداء.
ولو أدخل الثانية على الوجه المذكور من غير خوف جاز.
قوله «المرغبات».
ص: 280
وما عدا ذلك، وهو ينقسم على قسمين:
فمنها ما لا يختص وقتاً بعينه، وهذا القسم كثير ، غير أننا نذكر مهمه، وهو صلوات :
الأولى: صلاة * الاستسقاء.
وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار.
وكيفيتها* مثل كيفية صلاة العيد، غير أنّه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله سبحانه، وسؤال الرحمة بإرسال الغيث، ويتخيّر من الأدعية
* ما تيسر له، وإلا فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت(عليهم السلام) .
.............
أي المرغب فيها من الشارع، وإنّما لم يذكر الحرف الذي يتعدى به الفعل وهو «في» لتضمينه الترغيب معنى التفضيل أي المفضلات، فاستغنى عن ذكر ما يتعدّى به، ومن ثَمَّ جمع الاسم وجعل اللام للتعريف، وكان حقه الإفراد وجعله موصولاً اسميّاً.
قوله: «الاستسقاء».
هو طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها، كما يقول: أستعطي، إذا طلب العطاء، ويقال: سقاه الله وأسقاه، قال تعالى:﴿ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴾(1)، وقال: ﴿لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقا ﴾(2)، فعلى هذا يجوز في نحو قوله في الدعاء: «اللهم اسقنا» قطع الهمزة ووصله.
قوله «مثل كيفية صلاة العيد».
ووقتها أيضاً كوقتها.
قوله: «ما تيسر له من الأدعية، وإلا فليقل ما نقل فى أخبار أهل البيت(عليهم السلام)».
«إلّا» هنا هي المركبة من «إن الشرطيّة و «لا » النافية، وجملة الشرط محذوفة، والمعنى وإن لم يتيسر له شيء من الأدعية فليقل ما ورد عنهم(عليهم السلام) (3).
ص: 281
ومسنونات هذه الصلاة: أن يصوم الناس ثلاثة أيام، ويكون خروجهم يوم الثالث. * ويستحبّ أن يكون ذلك الثالث الإثنين، فإن لم يتيسر فالجمعة.
.........
وهذا التركيب من باب صناعة القلب، وهو نوع خاص من كلام العرب يوجب فيه ملاحةً ولطفاً، ومنه قولهم عرضت الناقة على الحوض، وعرضت الحوض على الناقة(1) ، وقول الشاعر:
............***كما طينت بالفَدَن السياعا(2)
والمراد بالفدن القصر(3) ، وبالسياع الطين(4) .
وربما جعل منه قوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا ﴾(5)، وقوله: ﴿قابَ قَوْسَيْنِ﴾(6)وهو باب متسع وما ذكره هنا إما مبني على مذهب السكاكي من
جوازه مطلقاً(7) ، أو أنّ النكتة فيه بيان جواز الدعاء بما تيسر وإن أمكن المنصوص فلو عكس بأن قدم المنصوص في هذا التركيب الخاص لم يُعلم منه ذلك، وهذا القدر كاف في جواز القلب إن شرطنا فيه أمراً زائداً، وإن أمكن التعبير بما يؤدي المراد من غير قلب.
قوله: «ويستحبّ أن يكون الإثنين، فإن لم يتيسر فالجمعة».
إنّما قدّم الإثنين على الجمعة مع أنّ الجمعة أفضل بغير هذا الاعتبار؛ لأنّ الإثنين هو المنصوص بالخصوص؛ لأمر الصادق(عليه السلام) بالخروج فيه لمحمد بن خالد(8)، وجعل مكانه
ص: 282
وأن يخرجوا إلى الصحراء * حفاةً على سكينة ووقار *ولا يصلّوا في المساجد وأن يُخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز، ولا يُخرجوا ذمّيّاً، ويفرّقوا بين الأطفال وأُمهاتهم.
*فإذا فرغ الإمام من صلاته حول رداءه ، ثم استقبل القبلة وكبّر مائةً
...........
الجمعة عند تعذره لما روي: «أنّ العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة إلى يوم الجمعة»(1) .
ومن الأصحاب (2)مَنْ خيّر بين اليومين ابتداء.
قوله: «حفاة».
وليكن نعالهم بأيديهم، ويخرجون في ثياب البذلة - بكسر الباء - وهي ما يُمْتَهن من الثياب(3) ، مطرقی ،رؤوسهم ذاکرین ،الله، مستغفرين من ذنوبهم.
قوله: «ولا يصلّوا في المساجد».
مع الاختيار، أما لو حصل مانع من الصحراء لخوف وشبهه صلّوا في المساجد.
ويستثنى من ذلك المسجد الحرام فيصلى فيه اختياراً.
قوله: «فإذا فرغ الإمام حول رداءه».
بأن يجعل ما على المنكب الأيمن منه على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن؛ تأسياً بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) (4)، وتفوّلاً به في أن يقلب الله الجدب خصباً.
ولا يشترط تحويل الظاهر باطناً وبالعكس، ولا الأسفل أعلى وبالعكس وإن كان جائزاً.
وما ذكره من اختصاص القلب بالإمام غير واضح الدلالة؛ لوجود العلتين في غير ه،
ص: 283
رافعاً بها صوته، وسبّح الله إلى يمينه كذلك، وهلّل عن يساره مثل ذلك، واستقبل الناس وحمد الله مائةٌ * وهُمْ يتابعونه في كلّ ذلك * ثمّ يخطب ويبالغ في تضرعاته، فإن تأخرت الإجابة* كرّروا الخروج حتى تدركهم الرحمة.
وكما تجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار فإنّها • تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.
الثانية: صلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر وصلوات الزيارات.
........
فالأولى عموم الاستحباب لجميع المصلين.
قوله: «وهُمْ يتابعونه في كلّ ذلك».
أي في جميع الأذكار ورفع الصوت، لا في التحوّل إلى الجهات.
قوله: «ثمّ يخطب».
جعل الخطبة بعد الصلاة هو الذي اختاره الشيخ (رحمه الله )(1)وجماعة(2) ، ودلّ عليه تعليم الصادق (عليه السلام)لمحمد بن خالد، وكونها مشابهة لصلاة العيد في الكيفية.
وجعل في الذكرى تقديمها على الصلاة هو المشهور(3).
وينبغي أن يخطب خطبتين تسوية بينها وبين العيد.
قوله: «كرّروا الخروج».
بالبناء على الصوم الأوّل إن كان الخروج في الثالث، وكذا لو كان بعده مع استمرارالصوم، وإلا فالأفضل استئنافه؛ لوجود السبب المقتضي، ويجوز البناء على الأول.
قوله: «تجوز عند جفاف مياه العيون ».
ص: 284
ومنها ما يختص وقتاً معيناً وهى صلوات :
الأُولى: نافلة شهر رمضان . والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان، زيادةً على النوافل المرتبة، يصلّي في كلّ ليلة عشرين ركعة ثمان بعد المغرب . واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء على الأظهر.
...........
وكذا تجوز عند كثرة الغيوث إذا خيف الضرر بها، ويُسمّى حينئذ صلاة الاستصحاء وهي نوع من صلاة الحاجة، وكذا لو غزرت مياه العيون والأنهار بحيث خيف منها الضرر شرعت صلاة الحاجة، بل هي من مهام الحوائج .
قوله: «والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة».
أشار بذلك إلى أنه قد روي غير ذلك، فقيل: إنّه كغيره من الشهور ليس فيه نافلة زائدة، ورواه محمد بن مسلم(1) وعبد الله بن سنان(2)، واختاره الصدوق(3) .
وعلى طرف النقيض له ما ذكره الشيخ في التهذيب(4) من أن الألف ركعة يستحب في كلّ يوم وليلةٍ، وأنّ الألف في جميع الشهر للضعفاء. وروي ألف ومائة في جميع الشهر بزيادة مائة ليلة نصفه (5).
وما ذكره المصنّف هو الأشهر بل ادعى بعض الأصحاب عليه الإجماع(6)، وهو غير منافٍ لمثبت الزيادة.
قوله: «واثنتي عشرة بعد العشاء على الأظهر».
أشار بذلك إلى خلاف الشيخ في النهاية حيث خيّر بين جعل الثماني بعد المغرب،
ص: 285
وفي كلّ ليلةٍ من العشر الأواخر ثلاثين* على الترتيب المذكور.
وفي ليالى الإفراد الثلاث *كلّ ليلة مائة ركعة.
وروي انه يقتصر في ليالي الإفراد على المائة حسب، فيبقى عليه ثمانون
..........
والاثنتي عشرة بعد العشاء كما ذكره المصنّف - وبين عكسه (1)؛ جمعاً بين خبري سماعة ومسعدة بن صدقة(2) .
والأوّل أشهر وإن كان الآخر جائزاً.
ويتخيّر بين تقديم ما يفعله بعد العشاء على نافلتها وتأخيره عنها، وإن كان التأخير أفضل ؛الرواية محمّد بن سليمان عن الرضا (عليه السلام)(3).
وفي الذكرى جعل المشهور تقديمه عليها(4).
قوله: «على الترتيب المذكور ».
بأن يصلّي ثمانياً بعد المغرب والباقي بعد العشاء، وروي جعل اثنتي عشرة قبل العشاء والباقي بعدها (5)، وعليه جماعة من الأصحاب(6)، وكلاهما حسن.
قوله: «في كلّ ليلةٍ مائة ركعة».
إطلاق الأخبار(7) والفتوى يقتضي كون محلّها الليل من غير ترتيب مخصوص.
والظاهر أنّ تأخيرها إلى أن يصلي العشاء أفضل، فإنّه قد ورد عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فيها ذلك حيث يقتصر عليها (8).
ص: 286
* يصلّي في كلّ جمعةٍ عشر ركعات بصلاة علي وفاطمة وجعفر(عليه السلام) ، * وفي آخر جمعة عشرين بصلاة عليّ(عليه السلام) ،*وفي عشيّة تلك الجمعة عشرين بصلاة فاطمة (عليها السلام).
...........
قوله: «يصلّي في كلّ جمعةٍ عشر ركعات».
لفظ الحديث: «يصلّي في كل يوم جمعة»(1) إلى آخره، والمتيقن من اليوم النهار، ودخول الليل معه في بعض الموارد تغليب.
قوله: «وفي آخر جمعةٍ عشرين».
إطلاق اللفظ يشمل الليل والنهار، بل شموله للنهار أقوى، والذي ورد في الحديث ليلة الجمعة (2)، فيتعيّن العمل به.
قوله: «وفى عشيّة تلك الجمعة».
هي "، ليلة السبت كما ورد في الحديث(3) ، وإنّما يصلّي في عشيّتها إذا كانت من الشهر، فلو كانت ليلة العيد صُلّيت العشرون في ليلة آخر سبت من الشهر.
واعلم أنّ ما ذكره من الصلاة في كل جمعة عشر ركعات مبني على الغالب من اشتمال كلّ شهرٍ على أربعة أيام جُمع فلو اتفق في الشهر خمسة أيام جمع ففي كيفية بسط الثمانين إشكال؛ لعدم ذكره في النصوص والفتاوى المعتمدة.
ويحتمل حينئذ صلاة عشر فيها أيضاً، وبسط الثلاثين الباقية على ليلتها وعشيتها بجعل ستة عشر أوّلاً وأربعة عشر ثانياً أو بالعكس.
ويحتمل سقوط العشر في الجمعة الأخيرة ، وبقاء التوزيع بحاله ، وإسقاط أيّ جمعة شاء.
والظاهر تأدي الوظيفة بجميع الاحتمالات.
ص: 287
* وصلاة أمير المؤمنين(عليه السلام) أربع ركعات بتشهدين وتسليمين، يقرأ في كلّ ركعة «الحمد» مرّةً، وخمسين مرّةً « قل هو الله أحد».
* وصلاة فاطمة (عليه السلام)ركعتان، يقرأ في الأولى «الحمد» مرّةً و «القدر» مائة مرّة، وفي الثانية
ب_ «الحمد» مرّةً وسورة «التوحيد» مائة مرة.
.......
قال في الذكرى ولو فات شيء من هذه النوافل ليلاً فالظاهر أنه يستحب قضاؤه نهاراً. ونقله عن ابن الجنيد (1).
ولا فرق في استحباب هذه النوافل بين الصائم وغيره؛ للعموم(2).
قوله: «وصلاة أمير المؤمنين (عليه السلام)أربع ركعات».
ليس لهذه الصلاة وقت متعيّن غير أنّ الأفضل فعلها يوم الجمعة، وقد روي عن الصادق(عليه السلام) : «إنّ مَنْ صلاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقضيت حوائجه»(3).
قوله: «وصلاة فاطمة (عليه االسلام)ركعتان».
عكس جماعة (4)من الأصحاب التسمية، فنسبوا الأربع لفاطمة(عليها السلام)والركعتين لعلي(عليه السلام).
وكلاهما مرويّ(5)، فتشتركان في النسبة، وتظهر الفائدة في النسبة حالة النية.
ونقل الصدوق (رحمه الله ) أنّ صلاة فاطمة (عليها السلام)- أعني الأربع - تُسمّى صلاة الأوابين(6). وروي عن الصادق (عليه السلام)قال: «مَنْ توضأ فأسبغ الوضوء وصلاها انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله ذنب إلا غفر له »(7).
ص: 288
و* صلاة جعفر أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في الأُولى «الحمد» و «إذا زلزلت»، ثم يقول خمس عشرة مرّةً: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»، ثم يركع ويقولها عشراً، وهكذا يقولها عشراً بعد رفع رأسه، وفي سجوده وبعد رفعه، وفي سجوده ثانياً وبعد الرفع منه، ثانياً وبعد الرفع منه، فيكون في كل ركعة خمس وسبعون مرّةً، ويقرأ في الثانية «والعاديات»، وفي الثالثة «إذا جاء نصر الله»، وفي الرابعة «قل هو الله أحد».
ويستحبّ أن يدعو في آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها.
..........
قوله:« صلاة جعفر». نُسبت هذه الصلاة إلى جعفر بن أبي طالب(عليه االسلام) ؛ لأن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) حباه إياها حين قدم عليه من الحبشة وكان ذلك يوم فتح خيبر، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)حين بُشِّر بقدومه: «والله ما أدري بأيهما أنا أشد سروراً أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر ؟ فلما قدم وثب إليه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فالتزمه وقبل ما بين عينيه وقال: «يا جعفر ألا أمنحك ؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟» فقال جعفر: بلى يا رسول الله فظنّ الناس أنه يعطيه ذهباً أو فضةٌ، وتشرّفوا لذلك، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «ألا أعلمك صلاة إذا أنت صلّيتها وكنت فررت من الزحف، وكان عليك مثل زبد البحر ورمل عالج ذنوباً غفرت لك ؟»(1) . الحديث.
وسئل الصادق(عليه االسلام) عمّن صلاها هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)؟ فقال : «إي والله»(2). وفي خبر آخر : «إن شئت صلّيتها كلّها بالحمد وقل هو الله أحد»(3).
ويجوز احتسابها من النوافل الراتبة ليجتمع له ثواب الوظيفتين، وتجريدها عن التسبيح
ص: 289
الثانية: صلاة ليلة الفطر. وهي ركعتان يقرأ في الأُولى «الحمد» مرّةً، وألف مرّة قل هو الله أحد»، وفي الثانية «الحمد» و «قل هو الله أحد» مرّةً.
وصلاة يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة، قبل الزوال بنصف ساعةٍ.
وصلاة ليلة النصف من شعبان.
وصلاة ليلة المبعث ويومه.
وتفصيل هذه الصلوات وما يقال فيها وبعدها مذكور في كتب العبادات.
خاتمة: كلّ النوافل* يجوز أن يصليها الإنسان قاعداً، وقائماً أفضل.
.........
للمستعجل وقضاؤه بعدها روي ذلك عن الصادق(عليه االسلام)(1).
ولو صلّى منها ركعتين ثم اضطر إلى ما يوجب التفريق بني بعد زوال العذر، روي ذلك عن الكاظم(عليه االسلام)(2) .
قوله: «يجوز أن يصليها الإنسان قاعداً، وقائماً أفضل».
ولو قام المصلّي قاعداً بعد القراءة وركع قائماً أحرز أجر صلاة القائم، روي ذلك عن الباقر(3)والكاظم (عليهم االسلام)(4).
ولو أبقى آيةً وقرأها قائماً ثم ركع كان أفضل .
وجوز بعض الأصحاب فعل النافلة اختياراً على باقى الكيفيات الاضطرارية كالاضطجاع والاستلقاء(5) .
وليس ببعيد، فإن قلنا به استحب تضعيف العدد في الحالة التي صلّى عليها على حسب
ص: 290
*وإن جعل كلّ ركعتين من جلوس مقام ركعةٍ كان أفضل.
.........
مرتبتها من القيام، فكما يحتسب الجالس ركعتين بركعة قائماً يحتسب المضطجع على الأيمن أربعاً بركعة، وعلى الأيسر ثمان، والمستلقي ستة عشر، والله أعلم.
قوله: «وإن جعل كلّ ركعتين من جلوس مقام ركعة كان أفضل».
أي أفضل من جَعْل كلّ ركعةٍ من جلوس بركعةٍ من قيام، لا أنّ الركعتين من جلوس أفضل من ركعةٍ من قيام، بل غايته مساواتها في الفضيلة، مع احتمال إرادة هذا المعنى؛ لما ورد في الخبر من أن ثواب القراءة قائماً عن كل حرف مائة حسنة وقاعداً خمسون(1) فتضعيف الركعة جالساً يحصل القدر قائماً، ويزيد بعدد الركوع والسجود والأذكار.
ص: 291
وفيه فصول :
وهو إما عن عمد أو سهو، أو شكّ.
أمّا العمد فمَنْ أخل بشيءٍ من واجبات الصلاة عامداً فقد أبطل صلاته، شرطاً كان ما أخلّ به، أو جزءاً منها، أو كيفيّةً، أو تركاً ، * وكذا لو فعل ما يجب تركه أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه* إلا الجهر والإخفات في موضعهما.
...........
قوله: «في الخلل الواقع في الصلاة».
لا فرق - فيما يقتضي التدارك في محلّه، وما تبطل الصلاة بفعله أو تركه، وما يقتضي بعد فوات محله - بين الفريضة والنافلة، وإنّما يفترق الحكم فيهما بالشك، فإنّه يتخيّر في النافلة كما سيأتي(1) ، وفيما يقتضي سجود السهو، فإنّ النافلة لا سجود لما يقتضيه في الفريضة لو عرض فيها، على ما ذكره بعض الأصحاب (2).
قوله: «وكذا لو فعل ما يجب تركه أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه».
قد تقدّم أنّ ترك ما يجب فعله في الصلاة عمداً مبطل، وهنا ذكر حكم تركه جهلاً، فالمسألتان متحدتان محلّاً مختلفتان حالاً، فلا تكرار كما قد يتوهم.
قوله: «إلّا الجهر والإخفات في موضعهما.»
ص: 292
ولو جهل غصبيّة الثوب الذي يصلّي فيه أو المكان* أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود، فلا إعادة.
فروع:
الأول: إذا توضأ بماءٍ مغصوب مع العلم بالغصبية وصلّى أعاد الطهارة والصلاة، ولو جهل غصبيته لم يُعد إحداهما.
الثاني: إذا لم يعلم أنّ الجلد ميتة فصلّى فيه ثمّ علم، لم يُعد* إذا كان في يد مسلم أو شراء من سوق المسلمين.
.........
فيعذر الجاهل فيهما، ولا يجب عليه التدارك وإن كان العلم قبل الركوع، وكذا القول في الناسي. و ضمير «بوجوبه» إن عاد إلى الأقرب - وهو الفعل الواجب المتروك جهلاً فاختصاص الاستثناء بالجهر والإخفات جيّد، إلا أنه يبقى في العبارة الإخلال بذكر حكم فعل ما يجب تركه جهلاً بوجوبه، وإن عاد إلى الأمرين معاً وجب استثناء إتمام الصلاة جهلاً مع وجوب التقصير، فإنّ الركعتين الزائدتين يجب تركهما مع عدم بطلان الصلاة بفعلهما جهلاً كما سيأتي، والأوّل أولى.
واعلم أن صاحب الحال - وهو قوله «جهلا» - ضمير مستتر في قوله «ترك»، أو فيه وفي قوله «فعل»، وهو فاعل الفعل أو التارك، وسوّغ مجيء المصدر حالاً - مع عدم إمكان حمله على صاحبها حمل المواطأة - قبوله التأويل بالوصف لتصير نفس صاحبها في المعنى، فإنّ ذلك من شرائط الحال أي جاهلاً، ومثله جاء زيد ركضاً، وقتل صبراً.
قوله: «أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود فلا إعادة».
بل الأصح الإعادة في الوقت في المواضع الثلاثة، وقد تقدم ذلك في الطهارة(1).
قوله: «إذا كان في يد مسلم أو شراء من سوق المسلمين».
المراد بالمسلم المعروف بالإسلام، وبالمشترى منه من سوق المسلمين ما يعم المجهول
ص: 293
فإن أخذه من غير مسلم * أو وجده مطروحاً أعاد.
الثالث: * إذا لم يعلم أنه من جنس ما يُصَلِّى فيه وصلّى أعاد.
وأما السهو * فإن أخل بركن أعاد كمَنْ أخل بالقيام حتى نوى، أو بالنية حتى كبر، أو بالتكبير حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع فيما بعد.
..........
حاله بحيث يحكم عليه بالإسلام تبعاً للسوق.
وشرط جماعة من الأصحاب (1)في المسلم المأخوذ منه أن لا يستحل الميتة بالدباغ، وكذا في المسلمين الذين ينسب إليهم السوق، وهو أحوط.
فلو جهل حالهم جاز الشراء منهم قطعاً.
ويتميز سوق المسلمين عن غيره بكون أغلب أهله مسلمين وإن كان حاكمهم كافراً ؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم (عليه السلام)(2).
ولا اعتبار بنفوذ أحكامهم وتسلّط حُكّامهم، كما زعم بعضهم، مع أنه يستلزم كون سوق بلاد الإسلام المحضة بل الإيمان التي تغلب عليها الكفّار وأنفذوا فيها أحكامهم سوق كفر. وبلاد الكفّار المحضة التي غلب عليها المسلمون كذلك سوق إسلام، وإن لم يكن فيهم مسلم، وهو ظاهر الفساد.
قوله: «أو وجده مطروحاً أعاد».
لأصالة عدم التذكية ولا اعتبار هنا بالقرينة وإن كانت قد توجد أقوى من قرينة المأخوذ من المخالف لخروج هذا بالنصوص، وبقاء الآخر على الأصل.
قوله: «إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه [وصلّى] أعاد».
لا فرق في ذلك بين ما تتم الصلاة فيه وحده وغيره، كالخاتم المتخذ من عظم ما لم يُعلم أصله. قوله: «فإن أخل بركن أعاد».
ص: 294
وقيل : يُسقط الزائد ويأتي بالفائت ويبني، وقيل: يختص هذا الحكم بالأخيرتين، ولو كان في الأوليين استأنف، والأوّل أظهر.
*وكذا لو زاد في الصلاة ركعة أو ركوعاً أو سجدتين أعاد سهواً وعمداً.
.........
ليس مطلق الإخلال بركن موجباً للإعادة، بل إذا لم يمكن تداركه، كما سيأتي تفصيله (1). وكأنه استعان على الإطلاق بالأمثلة المتصلة بالكلام والآتية بعد ذلك في الثاني من الأقسام الثلاثة
قوله: «وكذا لو زاد في الصلاة ركعة».
إطلاق القول بالبطلان مع زيادة ركعة سهواً مذهب الأكثر .
والذي اختاره المتأخرون تقييد ذلك بما إذا لم يكن قد جلس عقيب الرابعة قدر واجب التشهد، وإلا صحت، ولا فرق حينئذ بين زيادة ركعة وأكثر ؛ لتجويزه في الرواية الدالة على التفصيل إضافة ركعة أخرى إلى الركعة المزادة سهواً ليكونا نافلة(2)، فزيادة الثانية سهواً غير مبطل بطريق أولى.
وهل يتعدى الحكم إلى الثلاثية والثنائية ؟ وجهان، من المساواة في العلة، ووجوب الاقتصار على مورد النص(3)المخصص للأخبار الدالّة على بطلان الصلاة بهذه الزيادة(4) .
واختار في الذكرى التعدية إليهما(5).
ولو ذكر الزيادة قبل الركوع هدم الركعة، ولو ذكر بعده قبل كمال السجود فالظاهر أنه كما لو ذكر بعد السجود فيجلس ويتشهد ويسلّم. وقيل: يبطل هنا (6).
ص: 295
*وقيل: لو شكّ في الركوع فركع ثم ذكر أنّه كان قد ركع أرسل نفسه، ذكره الشيخ وعلم الهدى والأشبه البطلان
* وإن نقص ركعةً، فإن ذكر قبل فعل ما يُبطل الصلاة أتم ولو كانت ثنائيةً، وإن ذكر بعد أن فَعَل ما يُبطلها عمداً أو سهواً أعاد، وإن كان يُبطلها عمداً لا سهواً كالكلام فيه تردّد، والأشبه الصحة.
.........
قوله: «وقيل: إذا شكّ في الركوع فركع ثم ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه».
هذا مذهب جماعةٍ من الأصحاب(1) ، وقواه الشهيد في الذكرى و الدروس(2).
واحتج له: بأن ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويّاً به الركوع إلا أنه في الحقيقة ليس بركوع؛ لتبين خلافه والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدى به، فلا تتحقق الزيادة، وبأن نية الصلاة ابتداءً اقتضت كون هذا الهويّ للسجود، وهي مستدامة، والمستدام بحكم المبتدأ فيرجح على النية الطارئة المقتضية لصرف الهوي إلى الركوع، ولوقوعها سهواً(3).
ومختار المصنّف هنا أوضح؛ لتحقق زيادة الركوع لغة وشرعاً، واشتماله على الهوي للسجود غير كافٍ في صرفه إليه، فإنّه مغاير له؛ لأنّ الهوي ليس بركوع ولا مستلزم له؛ لأنّ الركوع لغةً: الانحناء(4)، والأصل عدم النقل.
قوله: «وإن نقص».
الذي يقتضيه السياق كون الناقص الذي لم يذكره هنا هو الزائد في قسيمه، وهو الركعة والركوع والسجدتان، وهو يتمشى في نقصان الركعة، كما هو مورد النص(5)، وأما في نقصان
ص: 296
* وكذا لو ترك التسليم ثم ذكر.
ولو ترك سجدتين ولم يدر أهما من ركعتين أو ركعة؟ * رجحنا جانب الاحتياط.
.........
الركوع فغير واضح؛ لأنه بالدخول في السجود بعده تبطل الصلاة مطلقاً، فلا يتمشى التفصيل.
وكذا نقصان السجدتين من غير الركعة الأخيرة، فإنّ الصلاة تبطل به مع السهو بالركوع بعد ذلك.
وإن كانتا من الركعة الأخيرة احتمل قوياً كونه كذلك؛ للحكم بالخروج من الصلاة بالتسليم، وهو يقتضي فوات محلّ السجدتين، فتبطل الصلاة حينئذ للإخلال بالركن على وجه لا يمكن استدراكه. ويحتمل إلحاقهما بالركعة، فيرجع إليهما ما لم يفعل المنافي عمداً وسهواً، ويُكمل الصلاة بعدهما؛ لوقوع التشهد والتسليم في غير محلهما؛ إذ التقدير وقوعهما قبل السجود على وجه يمكنه فيه استدراك السجود.
والمحقق الشيخ عليّ ذكر في حاشيته أنّ المنقوص هنا هو الركعة أو الركوع (1).
ولم يتعرّض للسجدتين.
وقد عرفت أن الركوع لا يتمشى فيه ذلك، فلو أبدله بالسجدتين أمكن.
قوله « وكذا لو ترك التسليم ثم ذكر».
بمعنى أنّ التفصيل آتٍ فيه؛ لعدم تحقق الخروج من الصلاة بدونه على القول بوجوبه.
ويشكل بأنّ التسليم ليس بركن، فلا تبطل الصلاة بتركه سهواً وإن فَعَل المنافي.
اللهم إلا أن يقال بانحصار الخروج من الصلاة فيه وهو في حيز المنع.
وربما جاء الإشكال في نسيان التشهد الأخير إن لم نوجب التسليم.
قوله :«رجّحنا جانب الاحتياط».
وهو بطلان الصلاة؛ لإمكان كونهما من ركعة. والعمل بهذا الاحتياط متعيّن - وإن كان ظاهر الكلام لا يقتضيه - لتوقف البراءة عليه بعد يقين اشتغال الذمة بالصلاة.
ص: 297
ولو كانتا من ركعتين ولم يدر أيتهما هي؟ قيل: يعيد؛ لأنه لم تسلم له الأوليان يقيناً، والأظهر أنه لا إعادة، وعليه سجدتا السهو.
وإن أخل بواجب غير ركن فمنه ما يتم معه الصلاة من غير تدارك، ومنه ما يتدارك من غير سجود، ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو.
فالأول: مَنْ نسي القراءة أو الجهر أو الإخفات في موضعه، أو قراءة «الحمد» *أو قراءة السورة حتى ركع أو الذكر في الركوع أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه، أو رفع رأسه أو الطمأنينة فيه حتى سجد، أو الذكر في السجود* أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتّى رَفَع رأسه، *أو رَفْعَ رأسه من السجود أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانياً، أو الذكر في السجود الثاني أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه منه.
...........
قوله: «أو قراءة السورة حتى ركع».
غاية للجميع فيدلّ بمفهومه على الرجوع إلى ما ذكر قبل الركوع، وهو في القراءة وأبعاضها ظاهر؛ لبقاء محلّها، وأما في الجهر والإخفات فوجه كونهما كذلك أنهما كيفية للقراءة، ومتى أمكن العود إليها أمكن العود إلى كيفيتها فيعود إليهما أيضاً ما لم يركع.
وعدم العود إليهما قوي؛ لإطلاق النصّ بعدم العود إليهما(1) ، ولا معارض له.
قوله: «أو السجود على الأعضاء السبعة».
يستثنى من ذلك الجبهة؛ إذ لا يتحقق مسمّى السجود بدونها، فالإخلال بها في السجدتين مبطل لفوات الركن
قوله: «أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانياً».
الحكم في نسيان الطمأنينة في الرفع ظاهر، وأما في نسيان الرفع بين السجدتين فيشكل
ص: 298
الثاني: مَنْ نسي قراءة الحمد حتى قرأ سورة * استأنف الحمد وسورةً، * وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قام وركع ثم سجد.
...........
تحققه مع الإتيان بالسجدتين، كما يدلّ عليه قوله «حتى سجد ثانياً» إن كان غاية للرفع والطمأنينة.
ويمكن أن يقال: إنّ التثنية تتميّز بالنية، بمعنى أنه لو سجد بنيّة الأولى ثم توهم الرفع والعود، أو ذهل عن ذلك بحيث توهم كونه قد سجد ثانياً، وذكر بنية الثانية أو لم يذكر ثم رفع رأسه، فيكون حينئذ قد سجد سجدتين، وإنما نسي الرفع بينهما فلا يتدارك؛ إذ لا يتحقق إلا بزيادة سجدة. وقد يشكل ذلك باتّحاد السجود هنا بحسب الصورة.
وتظهر الفائدة في تدارك السجدة قبل الركوع، وفي قضائها بعده.
ويتفرع على ذلك ما لو وجب عليه قضاء سجدتين فصاعداً بعد الصلاة، ولم نوجب مقارنة النية لوضع الجبهة ، بل اكتفينا بالنية حالة استدامته كما هو الظاهر، فإنّه لا يجب الرفع بين السجدتين، بل كلّما فرغ من ذكر واحدةٍ جدّد نية الأخرى على الأوّل، وعلى اعتبار الصورة يجب الرفع.
ولم نظفر في هذه المسألة بشيءٍ قاطع يعتمد عليه، إلا أنّ ما ذكرناه من إمكان التثنية مع نسيان الرفع هو ظاهر العبارة، وإلا لكانت المسألة من القسم الثالث، وهو ما يتدارك مع سجدتي السهو، وهو نسيان سجدة إن لم يذكر حتى ركع، أو من القسم الثاني إن ذكر قبل الركوع. ويمكن تنزيل العبارة على وجه لا إشكال فيه بأن يُحمل نسيان الرفع على نسيان كماله بأن يرتفع بحيث يتحقق الفصل بين السجدتين وينسى الباقي، وتبقى المسألة المشكلة بحالها.
قوله :«استأنف الحمد وسورة».
في تنكير السورة الثانية إشارة إلى أنّه لا يتعيّن قراءة السورة التي قرأها أولاً، بل يتخيّر بعد الحمد أي سورة شاء.
قوله: «وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قام وركع ثم سجد».
إنما وجب القيام ثم الركوع لاستدراك الهوي له، فإنّه واجب مستقل، حتى لو هوى الراكع
ص: 299
وكذا مَنْ ترك السجدتين*أو إحداهما أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه، ثمّ قام وأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع.
ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو، وقيل: يجب، والأوّل أظهر.
*ولو ترك الصلاة على النبي وعلى آله (صلى الله عليهم) حتى سلّم قضاهما بعد التسليم.
........
لغيره ثمّ أراده لم يكف الهويّ الأوّل، ومثله الهويّ للسجود، فلو هوى لقتل حيةٍ ونحوه لم يكف.
وهذا يتم مع نسيان الركوع حالة القيام، أما لو هوى للركوع ثمّ نسيه قبل تحققه أشكل وجوب القيام ثم الركوع؛ لاستلزامه زيادة الواجب، بل الظاهر أنه يقوم منحنياً إلى حدّ الراكع، أو إلى محلّ حصل عنده النسيان.
ولو كان النسيان بعد استيفاء الركوع وقبل الرفع منه قام للهوي إلى السجود.
قوله: «أو إحداهما» إلى آخره ويجب الجلوس قبل السجدة المنسيّة إذا عاد لها إن لم يكن جلس قَبْلُ، ولو شك بنى على الأصل.
ولو جلس بنية الاستحباب كجلسة الاستراحة ففي الاجتزاء بها وجهان، أجودهما ذلك.
ولو جلس بنية الوجوب لا للفصل كالجلوس للتشهد، أجزاً أيضاً بطريق أولى، مع احتمال العدم.
وفي الفرق بين هذين الموضعين، وبين القيام لأجل الركوع لناسيه قبل السجود نظر.
واعلم أنّ المصنف فرض هذه الأقسام الثلاثة في نسيان غير الركن، وقد أدخل في هذا القسم نسيان الركن وهو الركوع والسجدتان، وهو غير مستحسن.
قوله: «ولو ترك الصلاة على النبي وآله (صلّى الله عليهم) حتى سلّم قضاهما بعد التسليم».
هذا الحكم لا يوافق ما تقدّم من العود إلى السجدتين بعد التسليم ما لم يفعل المنافي(1)
ص: 300
الثالث: من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى يركع * قضاهما أو أحدهما وسجد سجدتي السهو.
وأمّا الشكّ ففيه مسائل:
الأُولى:* مَنْ شكّ في عدد الواجبة الثنائية أعاد، كالصبح وصلاة السفر، وصلاة العيدين إذا كانت فريضةً ، *والكسوف، وكذا المغرب.
.........
كما يقتضيه ظاهر العبارة المتقدّمة - لأنّ الصلاة على النبي وآله أقرب إلى التسليم. مع حكمه بالخروج من الصلاة به مع نسيانها، فما قبلها أولى.
وهذا يؤيد كون المراد بقوله «وإن نقص نقصان الركعة لا غير وإن كان السياق لا يقتضيه.
واعلم أنّ ذكر نسيان الصلاة إلى أن يُسلّم يناسب القسم الثالث، وهو ما يتدارك بعد الصلاة مع سجود السهو، وكأنه ذكره هنا؛ لعدم وجوب السجود له مع تداركه بعد التسليم عنده كما يظهر من العبارة، فيكون مراده بالتدارك في القسم الثاني ما يشمل فعله في الصلاة أو خارجها مع عدم وجوب سجدتي السهو والأصح وجوب السجود له وإلحاقه بالقسم الأخير.
ولو كان المنسيّ بعض التشهد ففي قضائه وجهان. ويظهر من الشهيد (رحمه الله) وجوب تداركه(1) . وكذا لو نسي الصلاة على محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) خاصةً أو على آله (صلی الله علیه وآله وسلم)خاصةً.
قوله: «قضاهما(2)وسجد سجدتي السهو».
ويجب تقديم قضاء الأجزاء المنسيّة على السجود وإن تعددت.
قوله: «مَنْ شكّ في عدد الواجبة الثنائية أعاد» إلى آخره.
وفي حكم ما ذكر الصلاة المنذورة المقيدة بركعتين أو ثلاث على الظاهر.
قوله «والكسوف».
إذا كان الشك متعلقاً بالركعتين، أما لو تعلّق بالركوعات بنى على الأقل، إلا أن يستلزم
ص: 301
الثانية:* إذا شك في شيءٍ من أفعال الصلاة ثم ذكر، فإن كان في موضعه أتى به وأتم، وإن انتقل مضى في صلاته، سواء كان ذلك الفعل ركناً أو غيره، وسواء كان فى الأوليين أو الأخريين على الأظهر.
تفريع: إذا تحقق نيّة الصلاة . وشكّ هل نوى ظهراً أو عصراً - مثلاً - أو فرضاً أو نفلاً، استأنف.
الثالثة: إذا شكّ في أعداد الرباعية، فإن كان في الأُوليين أعاد، وكذا إذا لم يَدْرِ كَمْ صلَّى، وإن تيقن الأوليين وشكّ في الزائد وجب عليه الاحتياط.
.........
الشكّ في الركعات.
قوله: «إذا شك في شيء من أفعال الصلاة [ثم ذكر فإن كان في موضعه أتى به وأتم».
المفهوم من الموضع محلّ يصلح إيقاع الفعل المشكوك فيه، كالقيام بالنسبة إلى الشكّ في القراءة وأبعاضها وصفاتها والشكّ في الركوع وكالجلوس بالنسبة إلى الشكّ في السجود والتشهد، وهو في هذه الموارد جيّد لكنّه يقتضي أنّ الشااً في السجود والتشهد في أثناء القيام قبل استيفائه لا يعود إليه؛ لصدق الانتقال عن موضعه، وكذا الشاك في القراءة بعد الأخذ في الهويّ ولم يصل إلى حد الراكع، أو في الركوع بعد زيادة الهوي عن قدره ولما يصر ساجداً.
والرجوع في هذه المواضع كلّها قوي، بل استقرب العلامة في النهاية وجوب العود إلى السجود عند الشكّ فيه ما لم يركع (1)، وهو غريب.
قوله: «وشكّ هل نوى ظهراً أو عصراً - مثلاً - استأنف».
إنّما يستأنف إذا لم يَدْر ما قام إليه وكان في أثناء الصلاة، فلو علم ما قام إليه بنى عليه، ولو كان بعد الفراغ من الرباعية بنى على كونها الظهر؛ عملاً بالظاهر في الموضعين، ولو صلّى رباعيّة متردّدةً بين الظهر والعصر كان طريق البراءة.
ص: 302
ومسائله أربع:
الأُولى: * مَنْ شكّ بين الاثنين والثلاث بنى على الثلاث وأتم وتشهد وسلّم، ثم استأنف ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.
الثانية: مَنْ شكّ بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وتشهد وسلّم، واحتاط كالأُولى.
الثالثة: مَنْ شكّ بين الاثنين والأربع بنى على الأربع وتشهد وسلّم، ثم أتى بركعتين من قيام.
الرابعة : مَنْ شكّ بين الاثنين والثلاث والأربع بنى على الأربع وتشهد وسلّم، * ثم أتى بركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
.....
قوله: «ومسائله أربع».
إنّما خص هذه الأربع بالذكر من بين مسائل الشك؛ لعموم البلوى بها وكثرة وقوعها ،فمعرفة أحكامها واجبة عيناً على المكلفين بالصلاة.
ومثلها الشك بين الأربع والخمس وسيأتي حكمها.
وباقي المسائل والفروع إنما يحتاج إليها نادراً فتجب معرفتها كفاية في كلّ قطر، بحيث يمكن رجوع من احتاج إلى شيءٍ منها إليه.
قوله: «مَنْ شكّ بين الاثنين والثلاث».
اعلم أنّ كلّ شكٍّ يتعلق بالثانية وما بعدها إنما تكون الصلاة معه صحيحة إذا وقع بعد إكمال السجود، ويتحقق بكمال الذكر في السجدة الثانية وإن لم يرفع منها، فإنّ الرفع واجب آخر لا مدخل له في تحقق مسمّى السجود.
قوله: «ثم أتى بركعتين من قيام وركعتين من جلوس».
عطفه الركعتين من جلوس على ما قبله بالواو الدالة على الجمع المطلق يقتضي التخيير
ص: 303
وهنا مسائل :
الأولى:* لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شكّ فيه بني على الظن، وكان كالعلم.
الثانية: هل يتعيّن في الاحتياط الفاتحة أو يكون مخيراً بينها وبين التسبيح؟
قيل بالأوّل؛ لأنّها صلاة منفردة ولا صلاة إلا بها، وقيل بالثاني؛ لأنّها قائمة مقام ثالثة أو رابعة فيثبت فيها التخيير كما ثبت فى المبدل، والأوّل أشبه.
..........
بين تقديم ركعتي القيام على ركعتي الجلوس وبالعكس، وهو مذهب الأكثر ، والرواية(1) التي هي مستند الحكم تدلّ على وجوب تقديم الركعتين قائماً، وهو أجود.
ولو صلّى بدل الركعتين جالساً ركعةً قائماً فالأقوى الإجزاء.
قوله: «لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شكّ فيه بنى على الظنّ».
التعبير بغلبة الظنّ قد يدلّ على عدم الاكتفاء بمطلق الظن، والحق الاكتفاء به.
ولا فرق في وجوب العمل بالظنّ بين الركعات والأفعال، ولا بين الرباعية وغيرها، ولا بين أخيرتيها وما قبلهما.
و معنى بنائه على ما ظنّه تقدير الصلاة كأنها قد وقعت على ذلك الوجه، سواء اقتضى الصحة أم الفساد، فلو شكّ بين الأربع والخمس وغلب على ظنه كونها أربعاً بنى عليها. ولم يجب عليه سجود السهو، ولو غلب على الخمس كان قد زاد ركعة، فإن لم يكن قد جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد بطلت الصلاة.
وهكذا القول فيما يوجب الاحتياط ، فلو شك بين الاثنين والثلاث مثلاً وظن أحد الطرفين بنى عليه من غير احتياط، وإن اعتدل الوهم احتاط بما ذكر.
ومعنى غلبة الظن بأحد الطرفين - مع كون الفرض حصول الشك الموجب لاستواء
ص: 304
الثالثة: * لو فَعَل ما يُبطل الصلاة قبل الاحتياط، قيل: تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط؛ لأنّها معرضة لأن تكون تماماً، والحدث يمنع ذلك. وقيل: لا تبطل لأنها صلاة منفردة، وكونها بدلاً لا يوجب مساواتها للمبدل منه في كلّ حكم.
الرابعة:* مَنْ سها في سهو لم يلتفت وبنى على صلاته، وكذا إذا سها المأموم،
............
الطرفين المنافي للترجيح الذي هو لازم الظنّ أنّ المصلّي إذا عرض له الشك ابتداء في شيءٍ تروّى وجوباً، فإن ظنّ أحد الطرفين بمعنى أنّه رجّح في نفسه وقوعه على الطرف الآخر، عمل عليه، وإن بقي الشك كما كان من غير ترجيح لزمه حكم الشاك، فالظنّ لا يجتمع الشكّ في حالةٍ واحدة؛ لتضادهما، بل في زمانين، فمن عبّر من الأصحاب(1) في المسألة بقوله «لا حكم للشكّ مع غلبة الظن أراد المعية المجازية؛ لتقارب الزمانين، وعبارة المصنّف خالية عن هذا التكلّف.
قوله: «لو فَعَل ما يُبطل الصلاة قبل الاحتياط» إلى آخره.
الأصح عدم بطلان الصلاة بتخلّل المبطل مطلقاً، وليس المراد أنه يجوز التراخي بالاحتياط وفعل المنافي اختياراً؛ لإجماع الأصحاب على وجوب الفورية به. وممن ذكر الإجماع على ذلك الشهيد في الذكرى (2). بل المراد أنه لو اتفق حصول المنافي سهواً أو عمداً وأثم فاعله هل يبطل الصلاة أم لا؟ فعلى هذا يجب المبادرة إليه بعد التسليم وقبل الاشتغال بالتعقيب قولاً واحداً، فإن أخل بذلك اختياراً أثم ولم تبطل الصلاة.
قوله: «مَنْ سها في سهو لم يلتفت».
اعلم أنّ كلّ واحدٍ من السهو والشك قد يستعمل في معنى الآخر على وجه المجاز؛ لتقارب مفهوميهما، ولكون السهو سبباً في الشك غالباً، فيطلق لذلك اسم السبب على المسبب وبالعكس وفي هذه العبارة يمكن أن يريد بكلّ واحدٍ من السهو معناه المتعارف والشك، ولا بد من تقدير مجاز آخر للسهو الثاني على بعض التقديرات.
ص: 305
عوّل على صلاة الإمام ،
..........
وتنقيح ذلك يتمّ بأربع صُور:
الأولى: أن يُستعمل كلُّ منهما في معناه، ولا يتم السهو الثاني إلا بتقدير مجاز آخر، وهو أن يراد به ما يوجبه السهو من باب إطلاق اسم السبب على المسبب. وذلك بأن يسهو في سجدتي السهو عن ذكرٍ أو طمأنينة أو غيرهما مما لا يتلافى لو كان في الصلاة ويوجب فيها سجود السهو، فإنّه لا يوجبه هنا.
ومثله ما لو سها عن شيءٍ من واجبات السجدة المنسية كالتسبيح والسجود على بعض الأعضاء عدا الجبهة - فإنّه لا يوجب سجود السهو.
الثانية: أن يسهو في شكّ - أي في فعل ما أوجبه الشك، وهو صلاة الاحتياط - عما يوجب سجود السهو في الفريضة، كالقراءة والذكر، فلا يجب عليه السجود.
ولو كان المسهو عنه ممّا يتدارك في محلّه فلا بد من تداركه، ولا سجود أيضاً عن الزيادة إن كانت ولو كان مما يتدارك بعد الفراغ كالسجدة والتشهد - فعله، ولا يسجد له.
الثالثة: أن يشكّ في سهو، فإن أريد بالسهو معناه الحقيقي، فالمراد أنه شك هل حصل منه سهو أم لا؟ فلا شيء عليه.
ومثله ما لو تحقق وقوع السهو وشك في كون الواقع له حكم أم لا؛ لكونه نسي تعيينه.
نعم، لو انحصر فيما يتدارك، كالسجدة والتشهد أتى بهما جميعاً؛ لاشتغال الذمة يقيناً وعدم تحقق البراءة بدونه.
ولو انحصر فيما يُبطل وما لا يُبطل، فالظاهر عدم البطلان.
وإن أُريد به معناه المجازي وهو موجب السهو - بفتح الجيم - كما لو شك في عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما قبل تجاوز المحلّ بنى على وقوع المشكوك فيه، إلا أن يستلزم الزيادة، كما لو شك هل سجد اثنين أو ثلاثاً؟ فإنّه يبني على المصحح.
الرابعة: أن يشك في شكّ، فإن أريد بالثاني المعنى الحقيقي، فمعناه أنه شك هل حصل له شكٍّ في الصلاة أم لا ؟ فلا يلتفت ؛ لأصالة عدمه، وإن أريد به معناه المجازي فمعناه
ص: 306
*ولا شكّ على الإمام إذا حفظ عليه مَنْ خلفه.
.........
أنّه شك فيما أوجبه الشك، كما لو شك في ركعتي الاحتياط في عددٍ أو فعل، فإنّه يبني على وقوعه، إلا أن يستلزم الزيادة، كالشكّ في الركعتين بين الاثنين والثلاث فيبني على المصحح.
قوله: «ولا شكّ على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه».
بمعنى أنه يرجع إلى حفظ من خلفه لو عرض له شك في فعل أو عدد، ويكفي في رجوعه إليه تنبيهه بتسبيح ونحوه.
ولا فرق بين كون المأموم عدلاً أو فاسقاً، ولا بين كونه رجلاً أو امرأة، وأما الصبي فلا يرجع إليه، مع احتمال الرجوع إلى المميّز، ولا يتعدى إلى غير المأموم وان كان عدلاً. نعم، لو أفاد قوله الظن بأحد الطرفين عوّل عليه.
وكذا يرجع المأموم إلى الإمام.
ثم إن كان الحافظ عالماً رجع إليه الآخر وإن كان ظاناً بخلافه، وإن كان الحافظ بانياً على ظن رجع الآخر إليه مع الشك خاصة.
ومقتضى العبارة اشتراط حفظ جميع مَنْ خلفه؛ لإتيانه ب_ «من» المفيدة للعموم، وهو غير شرط مع عدم الاختلاف، كما لو حفظ بعض المأمومين وشك الباقون كشك الإمام، فإنّه يرجع إلى الحافظ، ويرجع الشاك منهم إليه.
ولو اشترك الشك بين الإمام والمأمومين واتفق لزمهم موجبه، وإن اختلف وجمعتهم رابطة رجعوا إليها، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع، رجعوا جميعاً إلى الثلاث ولو كانت الرابطة شكاً رجعوا إليها أيضاً، كما لو شك بعضهم بين الاثنين والثلاث والأربع والباقون بين الثلاث والأربع، رجعوا جميعاً إلى الشك بين الثلاث والأربع، ولزمهم حكمه، ولو لم تجمعهم رابطة تعين الانفراد، ولزم كل واحد حكم شكه .
ص: 307
* ولا حكم للسهو مع كثرته، ويرجع في الكثرة إلى ما يُسمّى في العادة كثيراً، وقيل: أن يسهو ثلاثاً في فريضةٍ، وقيل أن يسهو مرّةً في ثلاث فرائض، والأوّل أظهر.
الخامسة: مَنْ شكّ في عدد النافلة بنى على الأكثر، وإن بني على الأقل كان أفضل.
وهما واجبتان حيث ذكرناه، وفي مَنْ تكلّم ساهياً أو سلّم في غير موضعه، أو شك بين الأربع والخمس ، وقيل : في كلّ زيادة ونقيصةٍ إذا لم يكن مبطلاً.
ويسجد المأموم مع الإمام واجباً إذا عرض له السبب، ولو انفرد أحدهما كان له حكم نفسه.
...........
قوله :« ولا حكم للسهو مع كثرته».
المراد بالسهو هنا ما يشمل الشكّ كما مرّ(1) ، ومعنى عدم الحكم مع الكثرة عدم وجوب سجدتي السهو لو فَعَل ما يقتضيهما لولاها، وعدم الالتفات لو شك في فعل وإن كان في محله، بل يبني على وقوعه حتى لو أتى بما شكّ فيه بطلت صلاته، والبناء على الأكثر لو شك في عدد الركعات، إلا أن يستلزم الزيادة فيبني على الأقل.
ولو سها عن فعل يتلافى بعد الصلاة وفات محلّه، كالسجدة، تلافاه ولم يسجد له.
والمرجع في الكثرة إلى العرف كما اختاره المصنّف ومتى ثبتت استمرت إلى أن يخلو من السهو والشك فرائض يتحقق فيها الوصف الذي ثبت به، فيتعلّق به حكم السهو بعد ذلك، وهكذا.
والظاهر أنه يعتبر في مراتب السهو التي يحصل معها الكثرة كون كلّ منها يوجب شيئاً، لتتحقق المشقة التي هي مناط التخفيف، فلو غلب على ظنّه أحد الطرفين في العدد أو بعضه، أو كان الشك بعد الانتقال، لم يؤثر.
ص: 308
وموضعهما بعد التسليم للزيادة والنقصان، وقيل: قبله، وقيل بالتفصيل والأوّل أظهر .
وصورتهما أن يكبر مستحبّاً، ثمّ يسجد، ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يسجد، ثم يرفع رأسه ويتشهد تشهداً خفيفاً، ثمّ يسلّم، وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردّد، ولو وجب • هل يتعين بلفظ ؟ الأشبه لا ولو أهملهما عمداً لم تبطل الصلاة، وعليه الإتيان بهما ولو طالت المدة.
والكلام في سبب الفوات، والقضاء، ولواحقه:
أمّا السبب فمنه ما يسقط معه القضاء، وهو سبعة: الصغر، والجنون، والإغماء على الأظهر، * والحيض والنفاس، والكفر الأصلي، وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم، وقيل: يقضي عند التمكن، والأوّل أشبه.
........
قوله:« وهل يتعيّن فيهما (1)لفظ ؟ الأشبه لا».
بل الأصح تعين ما ورد في رواية الحلبي، وهو «بسم الله وبالله والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» أو «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمد وآل محمد» (2).
ويجوز حذف حرف العطف من «السلام عليك وإبدال «اللهم صلّ» بقوله «وصلى الله» إلى آخره، ولا يجزئ فيهما غير هذه الأربع.
قوله :«والحيض والنفاس».
الظاهر أنه لا فرق بين عروضهما بسبب من الله أو من المكلّف، كما لو تناولت دواءً
ص: 309
وما عداه يجب معه القضاء، كالإخلال بالفريضة عمداً أو سهواً، عدا الجمعة والعيدين* وكذا النوم وإن استوعب الوقت، ولو زال عقل المكلف بشيءٍ من قبله كالسكر وشرب المرقد وجب القضاء؛ لأنه سبب فى زوال العقل غالباً ، *ولو أكل غذاءً مؤذياً فآل إلى الإغماء، لم يقض.
*وإذا ارتد المسلم أو أسلم الكافر ثمّ كفر وجب عليه قضاء زمان ردّته.
وأمّا القضاء، فإنّه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبةً، ويستحبّ إذا كانت نافلةٌ مؤقتةً استحباباً مؤكداً، فإن فاتت لمرض لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب.
...........
للحيض، أو لإسقاط الولد بخلاف الإغماء، والفرق أن سقوط القضاء عنهما عزيمة لا رخصة وتخفيف، بخلاف سقوطه عن المغمى عليه، وقد نبه عليه في الذكرى(1) .
قوله: «وكذا النوم وإن استوعب الوقت».
إلا أن يخرج عن العادة جداً، فيلحق بالإغماء، اختاره في الذكرى(2)، ونقله عن المبسوط(3).
قوله: «ولو أكل غذاء مؤذياً فآل إلى الإغماء، لم يقض».
مع عدم علمه بكونه مؤذياً، أو اضطراره إلى تناوله أو إكراهه عليه، وإلا وجب القضاء. ولو علم كونه مؤذياً، لكن ظنّ أنّ القدر المتناول لا يؤذي، أو في ذلك الوقت، لم يعذر؛ التعرّضه للزوال، مع احتماله
قوله: «ولو ارتد المسلم أو أسلم الكافر ثمّ كفر وجب عليه قضاء زمان ردّته».
وجوب القضاء على الملّي ظاهر؛ لقبول توبته فلا مانع منه، وأما الفطري فيشكل إن لم نقل بقبول توبته؛ لاستلزامه تكليف ما لا يطاق إن أمر بالقضاء ولم يصح منه.
والحق قبول توبته باطناً وإن بقي عليه سائر الأحكام حسماً للمادة؛ لأنه مكلف
ص: 310
ويستحب أن يتصدّق* عن كلّ ركعتين بمُةٍ، فإن لم يتمكن فعن كلّ يوم بمُدِّ.
*ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة * وتترتب السابقة على اللاحقة، كالظهر على العصر ، والعصر على المغرب، والمغرب على العشاء، سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت، فإن فاتته صلوات
.........
ومخاطب بالإيمان كغيره، فلو لم تقبل توبته كُلّف بالمحال، وهو ممتنع عندنا، ولعموم الآية (1)، وحينئذٍ يجب عليه القضاء ويصح منه كالملي.
ثمّ إن قتل قبل إمكان القضاء بقي في ذمته ، وإن أمهل لعدم إمكان قتله قضى في زمان المهلة، ويحتمل مع قتله قبل الإمكان وجوب القضاء على وليه.
قوله: «عن كلّ ركعتين بمد، فإن لم يتمكن فعن كلّ يومٍ بمُد».
المرويّ أنّه: يتصدق بمُدّ عن كلّ ركعتين، فإن عجز فعن كل أربع، فإن عجز فمد لصلاة الليل ومُدُّ لصلاة «النهار». رواه عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام) ، وقال(عليه السلام) بعد ذلك: والصلاة أفضل ثلاثاً(2)، يعني من الصدقة.
قوله: «ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة».
المراد بالفائتة هنا المتحدة، فإنّ مذهبه وجوب تقديمها على الحاضرة مع السعة مطلقاً، دون المتعددة، كما سيأتي(3).
والأصح أنّ وقت قضاء الفائتة موسع، وأن تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت مستحبّ.
ولا فرق في ذلك بين فائتة يومها وغيرها، ولا بين المتحدة والمتعدّدة.
قوله :«وتترتب السابقة على اللاحقة كالظهر على العصر».
المراد من العبارة أنّ السابقة من الفوائت يجب تقديمها في القضاء على اللاحقة منها،
ص: 311
لم تترتب على الحاضرة، وقيل: تترتب والأوّل أشبه.
ولو كان عليه صلاة فنسيها وصلّى الحاضرة لم يُعد * ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة.
.......
فإذا فاتته ظهر وعصر وجب عليه تقديم الظهر فى القضاء على العصر، وهكذا.
وفي تأدّي هذا المعنى من العبارة خفاء، فإنّ المعروف أن المترتب على الشيء يكون رتبته متأخرة عنه.
وقد وقع في هذا اللفظ جملة من العبارات، وطريق الاعتذار عنه من وجوه:
الأوّل: جعله من باب التضمين وهو إشراب لفظ معنى لفظ آخر فيعطى حكمه، وفائدته تأدية كلمةٍ مؤدى كلمتين، وهو باب متسع نقل ابن هشام في المغني عن أبي الفتح أنّه قال: أحسبُ لو جمع ما جاء منه لجاء منه كتاب يكون مائتين أوراقاً(1).
والمضمن هنا الترتب معنى التقدّم أي تتقدّم السابقة على اللاحقة، وقد تقدم جملة من ذلك في هذا الكتاب.
الثاني: أن يكون من باب القلب، أي تترتب اللاحقة على السابقة، وهو باب شائع، وقد تقدم الكلام فيه أيضاً.
الثالث: تكلّف صحته على بابه، فإنّ الرتبة لغةٌ هي المنزلة(2)، ومعنى الترتب كون كلّ واحدٍ في مرتبته ، أي منزلته الواقع عليها، فمعنى ترتب السابقة على اللاحقة تنزلها عليها في مرتبتها، أي مرتبة السابقة، وذلك لا يكون إلا بتقديم السابقة على اللاحقة، وهو معنى سائغ وإن كان على خلاف الظاهر.
قوله: «ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة».
وجوباً عند المصنف، واستحباباً عند القائل بالتوسعة (3).
ص: 312
*ولو صلّى الحاضرة مع الذكر أعاد.
ولو دخل في نافلةٍ وذكر في أثنائها أنّ عليه فريضةً استأنف الفريضة.
ويقضي صلاة السفر قصراً ولو في الحضر، وصلاة الحضر تماماً ولو في السفر.
وأما اللواحق فمسائل
الأُولى: مَنْ فاتته فريضة من الخمس غير معينة . قضى صبحاً ومغرباً وأربعاً عمّا في ذمّته.
وقيل: يقضي صلاة يوم، والأوّل مروي، وهو أشبه، ولو فاته من ذلك مرّات لا يعلمها قضى كذلك حتى يغلب على ظنّه أنه وفى.
الثانية: إذا فاتته صلاة معيّنة ولم يعلم كم مرّة كرَّر من تلك الصلاة حتى يغلب عنده الوفاء، ولو فاتته صلوات لا يعلم كميتها ولا عينها صلّى أياماً متوالية حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة.
..........
وإنما يعدل إلى السابقة مع بقاء محلّ العدول ويتحقق بعدم الركوع لركعة تزيد مع ما مضى من الصلاة على عدد المعدول إليها.
والمراد بالعدول أن ينوي بقلبه أنّ هذه الصلاة هي تلك الصلاة الفائتة إلى آخر النية. ولا يصح التلفظ بها هنا فيبطل به.
قوله: «ولو صلّى الحاضرة مع الذكر أعاد».
بناءً على وجوب تقديم الفائتة، وعلى ما قلناه لا يعيد.
قوله «قضى صبحاً ومغرباً وأربعاً».
لا ترتيب بين هذه الفرائض الثلاث، بل يجوز تقديم ما شاء، ويتخير في أُوليي الأربع بين الجهر والإخفات.
ص: 313
الثالثة:* مَنْ ترك الصلاة مرّةً مستحلاً قُتِل إن كان وُلِدَ مسلماً، واستُتيب إن كان أسلم عن كفر، فإن امتنع قُتِل* فإن ادعى الشبهة المحتملة دُرِئ عنه الحد، وإن لم يكن مستحلاً عُزّر، فإن عاد عُزّر، فإن عاد ثالثةً قتل، وقيل: بل في الرابعة، وهو الأحوط.
والنظر في أطراف:
وتتأكد في الصلاة المرتبة، ولا تجب إلا فى الجمعة والعيدين مع الشرائط، ولا تجوز في شيء من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب،* وتدرك الصلاة جماعةً بإدراك الركوع، وبإدراك الإمام راكعاً على الأشبه.
..........
قوله: «مَنْ ترك الصلاة مرّةً مستحلاً قتل».
لأنه ارتداد فيلحقه حكمه، ومنه يُعلم أنّ العام مخصوص بغير المرأة، فلا تُقتل بتركها، كما لا تُقتل بمطلق الارتداد، بل تُحبس وتُضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت.
وفي حكم ترك الصلاة ترك شرط مجمع عليه كالطهارة، أو جزء كالركوع، دون المختلف فيه كتعين الفاتحة، فلا يُقتل مستحل تركه.
قوله: «فإن ادّعى الشبهة المحتملة دُرِى عنه الحد».
تتحقق الشبهة المحتملة بقرب عهده بالإسلام، وسكناه في بادية بعيدة عن المصلين.
ومن الشبهة المحتملة دعواه النسيان، أو الغفلة في إخباره عن استحلال الترك، أو تأويله الصلاة بالنافلة؛ لقيام الشبهة الدارئة للحد.
قوله: «وتُدرك ... الجماعة بإدراك الإمام راكعاً».
ص: 314
وأقلّ ما تنعقد باثنين الإمام أحدهما * ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة * إلا أن يكون المأموم امرأةٌ، ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم * بما يعتد به كالأبنية، على تردّد.
...........
أي باجتماعه معه في حد الراكع وإن لم يجتمعا في شيء من الذكر.
ولو أدركه بعد أن شرع في الرفع منه ولمّا يتجاوز حد الراكع، فالظاهر الإجزاء أيضاً. ولو شك في الإدراك أعاد.
قوله: «ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة».
المراد بالحائل هنا الجسم المانع للمأموم من تمام المشاهدة لإمامه في جميع الأحوال ولو تقديراً، مع كون الحائل غير مأموم، فلا يمنع الظلمة المانعة من من المشاهدة مع العلم بانتقالات الإمام فيما يجب المتابعة فيه، ولا المخرم الذي يشاهد منه بعض الأجزاء، ولا القصير الذي لا يمنع في حال القيام، ولا ما لا يمنع في حالة من الأحوال، ولا حيلولة بعض المأمومين إمامهم عن بعض مع مشاهدة المانع للإمام، أو مشاهدة مَنْ يشاهده من المأمومين وإن تعددت الوسائط.
ويشترط عدم علم الممنوع من المشاهدة بفساد صلاة الحائل، وإلا بطلت صلاته أيضاً؛ لأنّ المأموم حينئذ كالأجنبي.
ولا فرق في المنع من الحائل بين الأعمى وغيره.
قوله: «إلا أن يكون المأموم امرأة».
لا بد مع ذلك من كون الإمام رجلاً، فلو كان امرأة أو خنثى لم تستثن المرأة، ولو كان المأموم خنثى فكالذكر.
ويشترط في صحة صلاة المرأة مع الحائل علمها بانتقالات الإمام لتتحقق المتابعة، وإلا بطلت صلاتها أيضاً.
قوله: «بما يعتد به كالأبنية، على تردّد».
المرجع في العلوّ المعتد به إلى العرف وقدّر بما لا يتخطّى عادة، وهو قريب من العرف،
ص: 315
* ويجوز أن يقف على علةٍ من أرض منحدرة، * ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزاً.
*ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة إذا لم يكن بينهما صفوف متصلة، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.
ويكره أن يقرأ المأموم خلف الإمام، إلا إذا كانت الصلاة جهريةً ثم لا يسمع ولا ،همهمة، وقيل: يحرم، وقيل: يستحبّ أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه، والأوّل أشبه ، ولو كان الإمام ممّن لا يقتدى به وجبت القراءة.
.........
وفي بعض الأخبار(1)دلالة عليه.
قوله: «ويجوز أن يقف على علو من أرض منحدرة».
مع مساواة موضع مساجد كلّ واحدٍ من الإمام والمأموم بالنسبة إليه، أو ما في حكم المساواة.
ويشترط أيضاً أن لا يؤدّي إلى العلق المفرط.
قوله: «ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزاً».
مع عدم استلزامه البعد المفرط عادةً، ولا عبرة بكون البناء لو وقع أمامه لم يوجب تقديم المأموم على الإمام، أو إلى غيره لم يوجب البغد.
قوله: «ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة».
ويعتبر ذلك أيضاً بين ا بين الصفوف، فتبطل صلاة الصف المتباعد عمّا قبله بذلك وصلاة مَنْ خلفه من الصفوف وإنّما يغتفر التباعد بين الصفوف المتوالية بالنسبة إلى الإمام.
ويجب تقييده أيضاً بما لا يؤدي إلى تخلّف المتأخر عن الإمام - بسبب تأخر علمه بانتقالاته - تخلّفاً فاحشاً.
ص: 316
* وتجب متابعة الإمام . فلو رفع المأموم رأسه عامداً استمر * وإن كان ناسياً أعاد، * وكذا لو هوى إلى سجود أو ركوع.
........
وينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يتحرم بالصلاة حتّى يتحرّم قبله من المتقدم مَنْ يزول معه التباعد.
ولو انتهت صلاة المتوسط انفسخت قدوة البعيد وإن انتقل بعد ذلك.
نعم، لو انتقل قبل الانتهاء ولم يستلزم الانتقال فعلاً كثيراً، أو استلزم وكان الانتقال نسياناً، استمرت القدوة.
قوله: «وتجب متابعة الإمام».
المراد بالمتابعة هنا أن لا يتقدم المأموم إمامه في الفعل، بل إمّا أن يتأخر عنه، أو يقارنه، وإنما يجب المتابعة في الأفعال دون الأقوال.
نعم، يستحبّ المتابعة فيها أيضاً، إلا التكبير، فإنّه يجب المتابعة فيه، بمعنى أن لايكبر حتى يكبر الإمام. قوله: «فلو رفع المأموم رأسه عامداً استمر».
أي استمر متثاقلاً وجوباً حتى يلحقه الإمام، ويكون مأثوماً في السبق ولا تنفسخ القدوة إلا بالنية، ولا يجوز له الرجوع فلو رجع بطلت صلاته.
قوله: «وإن كان ناسياً أعاد».
وجوباً على الأصح، ولو لم يعد لم تبطل الصلاة وإن أثم، وفي التذكرة لم يوجب العود على الناسي وإن كان جائزاً (1).
والظان كالناسي.
قوله: «وكذا لو هوى إلى سجود أو ركوع».
ای يستمر مع العمد ويرجع مع النسيان.
ص: 317
*ولا يجوز أن يقف المأموم قُدّام الإمام.
*ولا بد من نية الائتمام والقصد إلى إمام معيّن، فلو كان بين يديه اثنان فنوى الائتمام بهما أو بأحدهما ولم يعيّن لم تنعقد.
.......
وإنّما يصح مع العمد إذا كان ركوعه بعد تمام قراءة الإمام، وإلا بطلت صلاته، وكذا لو كان رفعه من الركوع والسجود عمداً قبل كمال ذكره، ولا عبرة هنا بذكر الإمام.
قوله: «ولا يجوز أن يقف المأموم قدام الإمام».
مفهومه جواز المساواة، وهو المشهور. والاعتبار بتساوي الأقدام حال القيام، والظاهر اعتبار العقب والأصابع معاً ، كما اختاره الفاضل (1)، فلو تساوى العقبان وتقدمت أصابع المأموم لم يصح، وصححه الشهيد(2).
ويصح العكس، وهو ما لو تساوت الأصابع وتقدمت عقب الإمام.
ولو تقدمت عقب المأموم مع تساوي الأصابع، فظاهرهما معاً المنع منه .
وكذا لو تأخرت أصابع المأموم وتقدّمت عقبه، بأن كانت قدمه أصغر من قدم الإمام.
ولو قيل هنا بالجواز أمكن.
وأما في حال الركوع فظاهرهم أنه كذلك، وأنّه لا اعتبار بتقدّم رأس المأموم.
وكذا حال السجود والتشهد، فيجوز تقدّم رأس المأموم على رأسه، لكن يستثنى منه ما لو كانت الصلاة حول الكعبة، فإنّه لا يجوز أن يكون مسجد المأموم أقرب إليها.
قوله: «ولا بد من نيّة الائتمام».
مفهومه عدم اعتبار نيّة الإمامة ، وهو كذلك بالنسبة إلى صحة الصلاة، لكن لا يثاب الإمام عليها بدون النية.
ويستثنى من ذلك ما لو وجبت الجماعة فإنّ الأولى وجوب نية الإمامة أيضاً، وكذا لو أعاد الإمام صلاته جماعة؛ إذ لولاها لما شرعت له.
ص: 318
*ولو صلّى اثنان فقال كلّ منهما كنتُ إماماً، صحت صلاتهما، ولو قال: كنتُ مأموماً، لم تصح صلاتهما * وكذا لو شكا فيما أضمراه.
......
قوله: «ولو صلّى اثنان فقال كلُّ منهما - إلى قوله - لم تصح صلاتهما».
مستند ذلك ما روي عن عليّ في الصورتين (1).
وعُلّل مع ذلك أنّهما في صورة الإمامة أتيا بالواجب من القراءة، بخلاف صورة الائتمام؛ لأنهما تركاها معاً فتبطل.
وربما استشكل ذلك بأن بطلان صلاة كلّ منهما مستند إلى إخبار الآخر، وسیاتی أن الإخبار غير مؤثر فيما هو أعظم من القراءة، كما لو أخبر بالحدث ، أو تحقق كونه محدثاً.
ويندفع بالنصّ على البطلان هنا، كما وقع هناك على الصحة.
نعم، في طريق هذه الرواية ضعف، لكنّها مشهورة، وقد أفتى الأصحاب بمضمونها، وهو جابر لضعفها على ما بيّنوه.
قوله: «وكذا لو شكا فيما أضمراه».
لأنه إن كان الشكّ في أثناء الصلاة لم يمكنهما المضي على الانفراد، ولا على الاجتماع وإن كان بعده لم يحصل منهما اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة.
وفيه نظر؛ لأنّ الشك بعد الصلاة في شيءٍ من الأفعال لا يوجب الالتفات، وفي أثناء الصلاة إن كان قبل القراءة يمكن الصحة مع الانفراد؛ لأنّ المنفرد إن كان إماماً فالقراءة عليه واجبة، وإن كان مأموماً يجوز له الانفراد، وإن كان بعد القراءة، فإن كانا قد قرءا بنية الوجوب، أو شكا في النية لم يتجه البطلان أيضاً؛ لأصالة الصحة، فينفردان، وإلا اتجه البطلان
ص: 319
ويجوز أن يأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان والمتنقل بالمفترض، والمتنفّل والمفترض بالمتنفّل * في أماكن، وقيل: مطلقاً.
*ويستحبّ أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلاً، * وخلفه إن كانوا جماعة * أو امرأةٌ ، ولو كان الإمام امرأةً وقفت النساء إلى جانبها.
........
قوله: «في أماكن».
الجار والمجرور متعلّق بالفعل المتقدم، وهو «يجوز» فيصلح لتقييد الصور الأربع، فمكان جواز اقتداء المفترض بالمفترض: الفرضان المتفقان في الكيفية، كاليومية بعضها ببعض، والجمعة والطواف وإن حصل الاختلاف في العدد. ولو اختلفت الكيفية لم يصح، كاليوميّة والكسوف وإن عزم على المفارقة عند موجب الاختلاف ومكان اقتداء المتنفّل بالمفترض: اقتداء الصبي بالبالغ، ومعيد صلاته بمن لم يصل، وعكسه كاقتداء مبتدئ الصلاة خلف المعيد، والبالغ خلف المميز عند الشيخ(1)، وأماكن المتنقل بالمتنقل المعيد خلف المعيد، والاقتداء في صلاة العيد المندوبة، والاستسقاء، والغدير على قول(2).
قوله: « ويستحبّ أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلاً».
وكذا لو كان امرأة وإمامها امرأة، ولا يغني عنه قوله «ولو كان امرأة وقف النساء إلى جانبيها» حيث إن وقوف الجماعة إلى جانبيها يقتضي وقوف الواحدة بطريق أولى؛ إذ ليس فيه بيان موقف الواحدة هل هو اليمين أو غيره.
والخنثى هنا كالمرأة، فيتأخر عن الرجل وإن كان وحده؛ لجواز أنوثيته.
قوله: «وخلفه إن كانوا جماعة».
المراد بالجماعة هنا ما فوق الواحد ويستحب كونه في وسط الصف إلا لضرورة.
قوله: «أو امرأة».
ص: 320
وكذا * إذا صلّى العاري بالعُراة جلس وجلسوا في سمته لا يبرز إلّا بركبتيه.
* ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلّي تلك الصلاة جماعة، إماماً كان أو مأموماً *وأن يسبّح حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله* وأن يكون في الصف الأوّل أهل الفضل ،
........
إذا اقتدت برجل أو خنثى، وإلا وقفت عن يمين الإمام كما مرّ.
قوله: «إذا صلّى العاري بالعُراة جلس وجلسوا».
مع عدم أمن المطلع، فلو كانوا في ظلمةٍ مانعة من الرؤية، أو فاقدي البصر وأمنوا اطلاع غيرهم صلّوا من قيام وأومأ وا للركوع والسجود، كما مر في اللباس (1).
قوله « ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته - إلى قوله - جماعة».
وكذا يستحب لمن صلّى جماعة إذا وجد جماعةً أُخرى وإن لم يكن أكمل من الأولى. إماماً كان المعيد أو مأموماً، وينوي الندب؛ لخروجه عن عهدة الفرض، ولو نوى الوجوب جاز أيضاً.
وقد روي: «أن الله تعالى يختار أحبهما إليه»(2).
والظاهر استرسال الاستحباب وفاقاً للذكرى(3) .
قوله: «وأن يسبح ... إذا أكمل القراءة قبله».
في موضع يستحب له القراءة، وكذا لو صلى خلف من لا يقتدي به وفرغ من القراءة قبله.
قوله: «وأن يكون في الصف الأول أهل الفضل».
المراد بهم أهل المزية الفاضلة من علم أو عمل أو عقل، ويُقدَّم الأجمع منهم للأوصاف فالأجمع.
ص: 321
* ويكره تمكين الصبيان منه.
ويكره . أن يقف المأموم وحده إلا أن تمتلئ الصفوف، وأن يصلّي المأموم نافلةً إذا أقيمت الصلاة.
ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: «قد قامت الصلاة» على الأظهر.
.....
قال الباقر : «ليكن الذين يلون الإمام أولي الأحلام منكم والنهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه»(1).
ولو لم يكملوا الصف أكمل بمن دونهم، وليكونوا عن يمين الصف، وكذا يختص اليمين بأفضل الصف، ويترتب باقى الصفوف كذلك الأفضل فالأفضل ممن دون الأوّل.
وقد روي: «أنّ الرحمة تنتقل من الإمام إلى يمين الصف الأول ثم إلى يساره ثمّ إلى الباقي».(2)
ولو اجتمع أصناف متعددة، وقف الأحرار من كلّ صنف أمام العبيد منه، والرجال أمام الصبيان، ثمّ الخناثى، ثمّ النساء. وقيل: تُقدّم الخناثى على الصبيان(3)، وهو حسن.
قوله: «ویکره تمكين الصبيان منه».
بل يكره لغير أهله مع وجودهم، وكذا يكره لهم التأخر، وكذا حكم باقي الصفوف.
قوله: «أن يقف المأموم وحده إلا أن تمتلئ الصفوف».
المراد به الذكر فلا يكره للأنثى إذا لم يكن نساء، وإنما قيّد بامتلاء الصفوف؛ لأنه لو وجد فرجةً في صفّ تقدّم إليها وإن افتقرت إلى اختراقهم؛ لأنهم قصر وا حيث تركوا الفرجة. وقال ابن الجنيد: مَنْ أمكنه الدخول في الصفّ من غير أذية غيره لم يجز قيامه وحده(4) .
ص: 322
الإيمان * والعدالة ، والعقل ،* وطهارة المولد ، والبلوغ على الأظهر ، * وأن لا يكون قاعداً بقيام ، * ولا أُماً بمن ليس كذلك.
.........
قوله: «والعدالة».
وطريقها المعاشرة الباطنة أو شهادة عدلين أو اشتهارها. والظاهر أنها لا تثبت بصلاة عدلين خلفه من غير تلفظهما بالتزكية، إلا أن يعلم اقتداءهما به .
قوله « وطهارة المولد».
فلا يجوز إمامة مَنْ ثبت شرعاً أنه ولد زنى لنقص مرتبته وإن تحققت ،عدالته أمّا مَنْ تناله الألسن فجائز، وكذا ولد الشبهة.
قوله: «وأن لا يكون قاعداً بقيام».
وكذا كلّ ذي مرتبة دنيا بمن هو أعلى منه.
قوله: «ولا أمياً بمن ليس كذلك».
المراد بالأُمّي هنا مَنْ لا يُحسن قراءة مجموع الفاتحة وسورة (والمراد حينئذ ب_«من ليس كذلك ما يشمل مَنْ يعلم أزيد منه مع اتفاقهما على شخص المجهول)(1)، فلو كان كلُّ منهما لا يُحسن شيئاً، أو يُحسن بعض القراءة واتفقا في ذلك البعض، جاز أن يؤم أحدهما صاحبه مع العجز عن التعلّم وفقد الأكمل، ولو أحسن أحدهما أزيد من الآخر جاز ائتمام الناقص بصاحبه، دون العكس، ولو اختلف محفوظهما في الفاتحة لم يؤم أحدهما الآخر، ولو كان الاختلاف بحفظ أحدهما الفاتحة أو بعضها والآخر السورة أو بعضها، جاز اقتداء جاهل الفاتحة بصاحبه، دون العكس.
ص: 323
ولا يشترط الحُرّيّة على الأظهر، ويشترط الذكورة * إذا كان المأموم ذكراناً أو ذكراناً وإناثاً.
ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء * وكذا الخنثى، ولا تؤم المرأة رجلاً ولا خنثى.
* ولو كان الإمام يلحن في القراءة لم تجز إمامته بمتقن على الأظهر، * وكذا مَنْ يبدل الحرف كالتمتام وشبهه .
.......
قوله: «إذا كان المأموم ذكراناً».
أو خناثي.
قوله وكذا الخنثى».
أي يجوز أن يؤم النساء، دون الخنثى؛ لاحتمال كون الإمام أُنثى والمأموم ذكراً.
قوله: «ولو كان الإمام يلحن في قراءته لم تجز إمامته بمتقن».
ولا بملحن آخر مع اختلاف مواضع اللحن أو مع اتفاقهما على قدرٍ منه ونقص المأموم عنه، أمّا مع اتفاقهما قدراً ونوعاً فجائز.
ولا يخفى أنّ الجواز مشروط بتعذر التعلّم، وإلا لم يجز.
ولا فرق بين اللحن المغيّر للمعنى وغيره.
قوله: «وكذا مَنْ يبدل الحرف كالتمتام وشبهه».
أي لا تجوز إمامته بمن ليس كذلك.
والمراد ب- «التمتام» الذي لا يُحسن أن يؤدّي التاء كما فسره به في المبسوط (1)التكون إمامته ممتنعةً، أما لو فُسّر بمن لا يُحسن أن يتلفّظ بالتاء إلا بعد ترديدها مرتين فصاعداً - كما فسره به في الذكرى (2) - فإنّ إمامته صحيحة - وإن كرهت - بمن لا يساويه؛ لأنّ هذه زيادة غير مخرجة عن صحة الصلاة.
ص: 324
* ولا يشترط أن ينوي الإمامة.
*وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولى بالتقدم ،
......
والمراد بشبهه «الفأفاء»، وهو الذي لا يُحسن تأدية الفاء(1) ، و«الألثغ» بالمثلثة، وهو الذي يبدل حرفاً بغيره (2)، وبالياء المنقطة من تحت نقطتين، وهو الذي لا يبيّن الكلام(3)، فلا تصح إمامتهم للمتقن.
وعلى التفسير الثاني للتمتام يفسّر الفأفاء بالذي يكرّر الفاء عند تأديتها، وحكمه حينئذ كالتمتام.
و مقتضى العطف على الملحن والحكم بالمشابهة جواز إمامتهم لمثلهم مع الاتفاق على الحرف والعجز عن الإصلاح.
قوله: «ولا يشترط أن ينوي الإمامة».
أي في صحة الصلاة وانعقاد الجماعة، لكن لا يثاب بدونها، حتى لو تجدد المأموم بعد النيّة جدّد الإمام نيتها بقلبه، ولا يفتقر إلى ذكر باقي مميزات الصلاة.
نعم، لو لم يعلم بالمأموم حتى انتهت الصلاة أمكن في كرم الله تعالى أن يثيبه عليها؛ لكونه سبباً في ثواب غيره وعدم تقصيره
قوله: «وصاحب المسجد والإمارة والمنزل».
المراد بصاحب المسجد الإمام الراتب فيه، وبالأمير مَنْ كانت إمارته شرعيّة، وبصاحب المنزل ساكنه وإن لم يكن مالكاً، لكن لو اجتمع هو والمالك قدّم المالك إن لم يكن المنفعة ملكاً للساكن. وهؤلاء الثلاثة أولى من غيرهم - ما عدا الإمام الأعظم - وإن كان غيرهم أفضل منهم مع اتصافهم بشرائط الإمامة. ولو أذنوا للأكمل انتفت الكراهة.
ص: 325
*والهاشمي أولى من غيره إذا كان بشرائط الإمامة.
وإذا تشاح الأئمة فمَنْ قدمه المأمومون فهو أولى.
*فإن اختلفوا قُدّم الأقرأ، فالأفقه، فالأقدم هجرةً، فالأسن، فالأصبح.
......
وهل الأفضل لهم الإذن للأكمل أو المباشرة؟ تردّد في الذكرى؛ لعدم النص(1).
قوله: «والهاشمي أولى من غيره».
المراد به غير الثلاثة المتقدمة، فإنّهم أولى منه قطعاً.
وكونه أولى ممّن عداهم في الجملة هو المشهور بين المتأخرين، ولم يتعرّض له جماعة من الأصحاب.
قال في الذكرى:
ولم نره مذكوراً في الأخبار إلا ما روي مرسلاً أو مسنداً بطريق غير معلوم من قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «قدموا قريشاً ولا تقدموها»(2)، وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى ، نعم فيه إكرام لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فإن تقديمه لأجله (3).
فإذا قيل بأولويّته ، قيل : يُقدّم على مَنْ عدا الثلاثة (4)، وقيل : على مَنْ بعد الأفقه(5) ، وهو أجود واختاره في الدروس(6) .
قوله: «فإن اختلفوا قدّم الأقرأ، فالأفقه، فالأقدم هجرةً، فالأسن، فالأصبح».
أي اختلف المأمومون في التقديم مع تعدد الأئمة.
والمراد ب_«الأقرأ» الأعلم بجودة الأداء وإتقان القراءة وإن لم يكن حافظاً، وب_«الأفقه» الأعلم بفقه الصلاة، فإن تساووا فيه فالأعلم بمطلق الفقه.
ص: 326
*ويستحب للإمام أن يُسمِعَ مَنْ خلفه الشهادتين.
* وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب مَنْ يُتم بهم الصلاة، وكذا إذا عرض
.....
والمراد ب_«الأقدم هجرة - في الأصل - الأسبق من دار الحرب إلى دار الإسلام.
وهذا الحكم باقٍ إلى اليوم؛ إذ لم تنقطع الهجرة بعد الفتح عندنا، وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار؛ لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب؛ لأنّ أهل الأمصار أقرب إلى تحصيل شرائط الإمامة وكمال النفس من أهل القرى، فإن الغالب على أهلها الجفاء والغلظة والبعد عن العلوم والكمالات.
وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «أنّ الجفاء والقسوة في الفدادين»(1).
وعن الشيخ يحيى بن سعيد: هي في زماننا التقدم في التعلم قبل الآخر(2).
وب_«الأسن» في الإسلام، فابن عشرين في الإسلام أسنّ من ابن سبعين منها عشرة في الإسلام. وللأصبح تفسيران:
أحدهما: الأحسن صورة؛ لأنّ ذلك فضيلة كالنسب، ودليل على شدة عناية الله تعالى به.
والثاني: إنه الأحسن ذكراً بين الناس، مجازاً. ويدل عليه قول عليّ(عليه السلام): «إنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على السنة عباده»(3) .
وأسقط المصنف في المعتبر هذه الأولوية (4).
قوله: «ويستحب للإمام إسماع من خلفه الشهادتين».
وكذا غيرهما من الأذكار ويكره للمأموم إسماعه .
قوله: «إذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب مَنْ يُتمّ بهم».
ويجب عليهم تجديد نية النقل، وربما احتمل عدمه؛ لأنّ الخليفة نائبه، فكأنه المصلّي،
ص: 327
للإمام ضرورة جاز له أن يستنيب * ولو فَعَل ذلك اختياراً جاز أيضاً.
ويكره أن يأتمّ حاضر بمسافر ، وأن يستناب المسبوق ، وأن يؤم الأجذم والأبرص، والمحدود بعد توبته، *والأغلف، * وإمامة مَنْ يكرهه المأموم،
.......
ويقوى الاحتمال لو كان المستنيب هو الإمام عند عروض ضرورةٍ؛ لأنّ الخليفة نائب حقيقةً.
والوجه الافتقار إلى النية في الموضعين.
قوله: «ولو فَعَل ذلك اختياراً جاز أيضاً».
أي لو فعل الإمام المبطل عمداً جاز أن يستنيب مَنْ يُتمّ بهم الصلاة، ويجوز أيضاً أن يستنيبوا هُمْ.
ورد بذلك على بعض العامة حيث منع من الاستنابة هنا (1).
واعلم أن العارض إن كان في أوّل القراءة أو بعدها فلا إشكال في انتقالهم إلى الفعل الذي لم يفعله، فيقرأون في الأول ويركعون في الثاني، وإن كان في أثناء القراءة فالأفضل الابتداء بأوّلها، ويجوز الاقتصار على السورة إن كان الانتقال في أثنائها.
ويحتمل قويّاً جواز القراءة من حيث قطع.
قوله: «والأغلف».
مع عدم قدرته على قطع غلفته، وإلا لم تصح صلاته فضلاً عن الاقتداء به.
قوله: «وإمامة من يكرهه المأموم».
لقوله : «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم - وعد منهم - مَنْ أَمّ قوماً وهم له كارهون»(2) .
قال في التذكرة :
الأقرب أنّه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته، والإثم على مَنْ كرهه، وإلا کرهت(3). انتهى.
ص: 328
*وأن يؤم الأعرابى بالمهاجرين، والمتيمم بالمتطهرين.
وفيه مسائل :
الأولى: إذا ثبت أنّ الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتم، ولو كان عالماً أعاد، ولو علم في أثناء الصلاة، قيل: بستأنف وقيل : ينوي الانفراد ويتمّ، وهو أشبه.
......
ويمكن حمل الكراهة على كراهتهم لكونه إماماً بأن يريدوا الاقتداء بغيره، فإنه يكره له أن يؤمهم، وقد تقدم أن مختار المأمومين مقدم على جميع المرجحات (1).
قوله: «وأن يؤم الأعرابي بالمهاجرين».
الأعرابي المنسوب إلى الأعراب، وهُمْ سُكان البادية.
ثم قد يراد به مَنْ لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل أحكامه من سكان البوادي المعني بقوله : ﴿الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ (2).
وقد يطلق على مَنْ يلزمه المهاجرة منهم ولم يهاجر وإن كان عارفاً بالأحكام، وعلى مطلق المنسوب إليهم. ومن اختلاف الإرادة حصل اختلاف عبارات الأصحاب في حكمه، فمنهم مَنْ مَنَع من إمامته وأطلق، ومنهم مَنْ كره إمامته.
ويجب حمل المنع على أحد المعنيين الأولين؛ لإخلال الأوّل بالواجب من التعلّم والثاني بالمهاجرة مع وجوبها، وحمل الكراهة على الأعرابي بالمعنى الأخير، ومن الواضح أن المراد به العدل من الأعراب، وهو يستلزم عدم إخلاله بالواجب من المهاجرة والتعلّم.
ووجه الكراهة ورود النهي عن إمامته معدوداً من خمسة يكره إمامتهم(3).
ص: 329
الثانية * إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ركع، ويجوز أن يمشى في ركوعه حتى يلحق بالصف.
الثالثة: إذا اجتمع خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف الإمام والمرأة وراءه وجوباً، على القول بتحريم المحاذاة، وإلا على الندب.
الرابعة * إذا وقف الإمام في محراب داخل، فصلاة من يقابله ماضية دون صلاة مَنْ إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه، ويجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف الأوّل؛ لأنّهم يشاهدون مَنْ يشاهده .
.....
قوله: «إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ».
المراد أنه دخل موضعاً تقام فيه الجماعة، ويتحقق الدخول بوقوعها في مسجد ونحوه، ولو وقعت في فلاة أمكن تحقق الدخول بوصوله إلى موضع يمكنه فيه الائتمام، بأن لا يكون بعيداً عادةً، وحينئذ فينوي موضعه ويركع محافظة على إدراك الركعة، ويمشي في ركوعه ليلحق بالصفّ بشرط أن يكون موضع الدخول في الصلاة صالحاً للائتمام، بأن لا يكون بعيداً ولا منخفضاً عن الإمام بما يعتد به، ولا مانعاً من المشاهدة وغير ذلك، وأن لا يستلزم المشي فعلاً كثيراً، وأن يسبح للركوع مطمئناً، وليجرّ رجليه ولا يرفعهما؛ للرواية (1).
قوله: «إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية».
المراد به الداخل في المسجد لا في الحائط.
ووجه بطلان صلاة مَنْ إلى جانبيه حينئذ ظاهر؛ لعدم مشاهدتهم له ومشاهدة مَنْ يشاهده.
وأمّا الصفّ الذي خلف المحراب، وهو المعبر عنه بالمقابل - وإنما يقابله بعضهم وباقيه يشاهدون مَنْ يشاهده بأطراف أعينهم - فصلاتهم صحيحة، وليس المراد به الداخل في الحائط كثيراً بحيث يستر الإمام عن يمين الصفّ وشماله؛ لعدم تصوّر فساد صلاة الصف
ص: 330
الخامسة: * لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بغير عذر، * فإن نوى الانفراد جاز.
.....
الأوّل؛ لأنّ مَنْ خلفه على سمته يشاهده، ومَنْ على يمينه وشماله يشاهدون المشاهد، كما ذكر في الصف الثاني من المحراب المذكور أولاً.
قوله: «لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر».
مفهومه جواز المفارقة مع عدم نية الانفراد لعذرٍ مع بقاء القدوة، وإلا فلو زالت القدوة تحقق الانفراد، ويتفق ذلك في المسبوق بحيث يكون تشهده في غير محل تشهد الإمام، فإنّه يفارقه ويتشهد ويلحقه.
وهل له القنوت في محله ولحوق الإمام؟ نظر.
ولو اقتصر منه على ما لا يوجب التخلّف بركن لم يضرّ.
ويتصوّر المفارقة مع بقاء القدوة أيضاً في صلاة الخوف، كما سيأتي(1).
قوله: «فإن نوى الانفراد جاز».
هذا هو المشهور، وخالف فيه الشيخ في المبسوط فقطع بفساد صلاة المأموم مع مفارقته لغير عذر(2) ، والعمل على المشهور.
ثم إن فارق قبل القراءة قرأ لنفسه، أو بعدها اجتزأ بها، أو في أثنائها أعاد السورة التي فارق فيها. ويحتمل قوياً الاجتزاء بالقراءة من موضع القطع.
واستوجه في الذكرى وجوب استئناف القراءة في الموضعين؛ لكونه لم يقرأ وهو في محل القراءة (3).
وعلى ما اخترناه لو كان الإمام قد تجاوز نصف السورة وأراد المأموم القراءة من أوّل سورة لم يجز له العدول عنها، وكذا لو كانت مفارقته في الجحد والتوحيد مطلقاً في غير الجمعتين.
ص: 331
السادسة * الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي السُفن المتعدّدة، سواء اتصلت السفن أو انفصلت.
السابعة: إذا شرع المأموم في نافلةٍ فأحرم الإمام * قطعها واستأنف إذا خشي الفوات، وإلا أتم ركعتين استحباباً،
.......
وعلى القول الآخر له قراءة أي سورة شاء.
واعلم أنّ المفارقة جائزة في جميع أحوال الصلاة، ولا يشترط الدخول معه في ركن، فلو أدركه في أثناء القراءة وفارقه قبل الركوع صح وسقطت عنه القراءة، لكن لا يدرك بذلك ثواب الجماعة، كما يدركه لو دخل معه قبل التسليم، بل الأولى لمن يريد ذلك ترك الائتمام ابتداء ليسلم من خلاف الشيخ (رحمه الله )(1).
ولا يخفى أنّ ذلك حيث لا يجب الجماعة، وإلا لم يجز الانفراد اختياراً.
قوله: «الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفى السفن المتعدّدة».
بشرط عدم البغد المفرط، وعدم حصول مانع يمنع المشاهدة، وعدم تقدّم المأموم.
ولو عرض التقدّم لسفينة المأموم في الأثناء نوى الانفراد، وإلا بطلت صلاته.
وفي حكم السفن المتعددة ما لو كان أحدهما على الشاطئ والآخر في السفينة.
قوله: «قطعها واستأنف إن خشي الفوات».
مقتضى العبارة تقييد القطع بدخول الإمام في الصلاة وخوف الفوات.
ثمّ يحتمل أن يريد بالفوات فوات الائتمام بأجمعه ، فلو أدرك آخر الصلاة لم يستحبّ القطع، وأن يريد فوات الركعة الأولى، ولا يحتمل أن يريد فوات القدوة بمجموع الصلاة بحيث يقع نيته عقيب تحريم الإمام؛ لأنه فرض الخوف بعد تحريم الإمام، والحال أنه لم يكمل النافلة، فلا بد مع الإكمال من قوات جزء من الصلاة.
ص: 332
* وإن كانت [في] فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل وأتمّ ركعتين.
* ولو كان إمام الأصل قطع واستأنف معه.
..........
والذي عبر به جماعة من الأصحاب (1)ودلّت عليه الرواية(2) قطع النافلة متى أُقيمت الصلاة وإن لم يدخل في الصلاة، وهو حسن.
ولا استبعاد في كون التأهب للواجب والوقوف له وانتظار تكبير الإمام ليكبر بعده بغير فصل أفضل من النافلة.
قوله: «ولو كان في فريضةٍ نقل نيّته إلى النفل وأتمها ركعتين (3)».
لم يقيد ذلك بخوف الفوات، ولا شرط في إكمال الركعتين ذلك، والرواية مطلقة أيضاً، لكنّه جعل فيها النقل عند أذان المؤذن (4).
والظاهر أن قطع النافلة بعد العدول إليها من الفريضة لخائف فوت الائتمام من أوّل الصلاة أفضل من إكمالها ركعتين، فإنّ الفريضة تقطع لاستدراك ما هو دون ذلك، والفريضة بعد العدول تصير نافلة وهي تقطع أيضاً لإدراك أوّل الجماعة. وتحمل الرواية بإتمام الركعتين على مَنْ لم يخف الفوات؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على قطع النافلة.
ولو كان ذلك بعد تجاوز المصلي ركعتين من الفريضة، فإن كان ركع في الثالثة فالأجود الاستمرار، وإن لم يركع، ففي جواز العدول إلى النفل وهدم الركعة نظر.
واستقرب في النهاية الإتمام إن لم يكن إمام الأصل، وإلا قطع مطلقاً(5).
قوله: «ولو كان إمام الأصل قطع واستأنف معه».
لا يشترط في جواز القطع هنا خوف فوت جميع الصلاة، بل يكفي خوف فوت تمام
ص: 333
الثامنة: * إذا فاته مع الإمام شيء صلّى ما يدركه وجَعَله أوّل صلاته وأتم ما بقي عليه. ولو أدركه في الرابعة دخل معه فإذا سلّم قام فصلى ما بقى عليه، ويقرأ الثانية له بالحمد وسورة * وفي الاثنتين الأخيرتين بالحمد وإن شاء سبح.
.........
الجماعة، ولو نقلها إلى النفل ثم قطعها كان أولى.
قوله: «إذا فاته مع الإمام شيء... جعل ما يدركه أوّل صلاته (1)».
رد بذلك على بعض العامة حيث زعم أن ما يدركه معه آخر صلاته ويقضي أولها(2). محتجاً بقول النبي : «وما فاتكم فاقضوا»(3).
وأجيب بحمل القضاء على الإتيان(4) ، كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاةُ﴾ (5)جمعاً بينه وبين ما تظافر من الأحاديث الدالة على أنّ ما يدركه أوّل صلاته (6).
قوله: «وفي [الاثنتين] الأخيرتين بالحمد، وإن شاء سبح».
ليس في الحكم بالتخيير بين الحمد والتسبيح في الأخيرتين نكتة مع إدراك ركعة واحدة مع الإمام؛ لأنّ ثانية المأموم يقرأ فيها بالحمد، ولا خلاف حينئذ في جواز التسبيح في الأخيرتين.
نعم، ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ مَنْ فاتته الركعتان الأوليان من الرباعية وسبح الإمام في الأخيرتين وجب على المأموم أن يقرأ الحمد في الأخيرتين(7)؛ حذراً من خلو صلاته من الفاتحة، ولا صلاة إلا بها.
ص: 334
التاسعة: إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة * كبر وسجد معه، فإذا سلّم قام فاستأنف بتكبير مستأنف. وقيل: بنى على التكبير الأول، والأوّل أشبه.
ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبر وجلس معه، فإذا سلّم قام فاستقبل، ولا يحتاج إلى استئناف تكبير.
العاشرة :* يجوز أن يسلّم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وغيرها.
.......
والمشهور بقاء التخيير، فذكر التخيير للردّ على ذلك القول لا يأتي في مثال المصنف نعم، في المثال تمام الكلام في الردّ على بعض العامة (1).
قوله: «كبر وسجد معه فإذا سلّم قام فاستأنف».
الأصح تخييره بين السجود مع الإمام واستئناف الصلاة - وهو الأفضل - وبين الجلوس من غير سجود ثم يقوم بغير استئناف بعد فراغ الإمام، أو مع الإمام لو كان في غير الركعة الرابعة، وبين انتظاره واقفاً حتى يسلّم أو يقوم، ولا استئناف في الموضعين.
وكذا القول لو أدرك معه سجدة واحدة.
وكذا يتخيّر لو أدركه بعد رفعه من السجود ولا يستأنف هنا مطلقاً.
ويدرك الفضيلة في الجميع على التقديرات إذا كان التأخير لا عمداً، وأما كونها كفضيلة مَنْ أدرك قبله فغير معلوم.
قوله: «يجوز أن يسلّم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وغيرها».
مع نية الانفراد، وبدونها يأثم مع التعمّد ويخرج من الصلاة.
ولا يخفى أنّ ذلك في غير الجماعة الواجبة، وإلا لم يجز مطلقاً.
ويجيء - على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال - احتمال جواز التسليم قبله وإن لم ينو الانفراد أو كانت الجماعة واجبةً، لكن لا نعلم به قائلاً صريحاً، وعبارة المصنّف قد تدلّ عليه.
ص: 335
الحادية عشرة: إذا وقف النساء في الصف الأخير* فجاء رجال وجب أن يتأخرن إذا لم يكن للرجال موقف أمامهنّ.
الثانية عشرة: إذا استنيب المسبوق، فإذا انتهت صلاة المأموم أوماً إل ليسلموا، ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه.
يستحبّ اتخاذ المساجد * مكشوفة غير مسقفة ،
........
قوله: «فجاء رجال وجب أن يتأخرن إذا لم يكن للرجال موقف».
بناء على عدم جواز المحاذاة، وإلا استحب لهنّ التأخر، وإنما يجب التأخر إذا لم يكن المكان ملكاً لهنّ، وإلا لم يجب.
قوله: «مكشوفة غير مسقفة».
كان ذكر الكشف كافياً عن الوصف بعدم التسقيف؛ لأنه بعض أفراده؛ لشمول الكشف له وللتظليل بغيره من شجرةٍ وخيمةٍ وغيرها.
ولعلّ ذكر عدم التسقيف بعد ذلك تفسير للكشف، بمعنى أنّ المطلوب من كشفها كونها غير مسقفةٍ، لا مطلق الكشف. وفي الجمع بين الكلمتين مع إغناء الثانية عن الأولى إشارة إلى أنّ ذلك هو مراد مَنْ عبّر بالكشف.
ويدلّ على اختصاص الكراهة بالتسقيف ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام) : «إنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ظلّل مسجده بالخصف والإذخر ، فلمّا أتتهم الأمطار وَكَفَ عليهم، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم) لهم : لا، عريش كعريش موسى فلم يزل كذلك حتى قبض(صلی الله علیه وآله وسلم) » (1).
ص: 336
*وأن تكون الميضأة على أبوابها، وأن تكون *المنارة مع حائطها لا في وسطها، وأن يقدّم الداخل إليها رجله اليمنى والخارج رجله اليسرى * وأن يتعاهد نعليه وأن يدعو عند دخوله وعند خروجه.
.......
قال في الذكرى بعد نقل كراهة التظليل:
لعل المراد به تظليل جميع المسجد، أو تظليل خاص، أو في بعض البلدان، وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحرّ والقرّ(1).
قوله: «وأن تكون الميضأة على أبوابها».
المراد بالميضأة المطهرة من الحدث أو الخبث ويكره أن تكون في وسط المساجد لتأذي الناس برائحتها، وكراهة الوضوء في المسجد.
ومنع بعض الأصحاب من جعل الميضأة في وسطها (2)، وهو حقٌّ إن لم تسبق المسجد، وأريد بها محلّ البول والغائط أو استلزمت أذاه.
قوله « والمنارة مع حائطها لا في وسطها».
وفي النهاية : لا تجوز المنارة في وسطها(3) ، وهو حق مع تقدّم مسجديّة محلّها على بنائها. قوله: «وأن يتعاهد نعليه».
أي يستعلم حاله عند الدخول إلى المسجد احتياطاً للطهارة.
وفي حكم النعل ما يصحب الإنسان من مظنّات النجاسة، كالعصا.
واعلم أنّ الأفصح أن يقول: أن يتعهد النعل؛ لأنّ التعاهد تفاعل لا يكون إلا بين اثنين يلاحظ كلُّ منهما الآخر. قال في الصحاح:
التعهد: التحفّظ بالشيء وتجديد العهد به وتعهدت فلاناً وتعهدت ضيعتي، وهو أفصح من قولك: تعاهدته لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين (4) انتهى.
ص: 337
*ويجوز نقض ما استَهْدَم دون غيره، ويستحبّ إعادته، * ويجوز استعمال آلته في غيره.
* ويستحب كنس المساجد . والإسراج فيها.
وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»(1). والمصنف تبع في التعاهد الرواية.
قوله: «ويجوز نقض ما استَهْدَم».
بفتح التاء والدال، أي أشرف على الانهدام، وكذا يجوز نقضه لتوسعته، لكن يجب التأخير إلى إتمام العمارة، إلا مع الاحتياج إلى الآلة فيؤخر بحسب الإمكان.
قوله:« ويجوز استعمال آلته في غيره».
استغنائه عنها، أو تعذر استعمالها فيه؛ لاستيلاء الخراب عليه، أو كون الآخر أحوج إليها منه؛ لكثرة المصلّين، ونحو ذلك، وأولى بالجواز صرف وقفه ونذره على غيره بالشروط، وليس كذلك المشهد فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ولا مسجد، ولا صرف مال المسجد إليه مطلقاً.
قوله: «ويستحب كنس المساجد».
وهو جمع كناستها - بضم الكاف - وهي القمامة (2)، وإخراجها منها وخصوصاً يوم الخميس وليلة الجمعة، فقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : مَنْ كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يُذرّ في العين غفر الله له»(3).
والظاهر أن الواو بمعنى أو، وتقدير القلة بكون التراب يُدرّ في العين مبالغة في المحافظة على كنسها وإن كانت نظيفة، وعلى فعل ما تيسر وإن لم يستوعبها.
قوله: «والإسراج فيها».
ص: 338
* ويحرم زُخْرُفتها . ونقشها بالصور* وبيع آلتها، وأن يؤخذ منها في الطرق أو الأملاك. ومَنْ أخذ منها شيئاً وجب أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر.
وإذا زالت آثار المسجد لم يحل تملكه.
*ولا يجوز إدخال النجاسة إليها،
..........
محله الليل، ولا فرق بين صلاة أحدٍ فيه أو إقامته حالة الضوء وعدمه، وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «مَنْ أسرج في مسجد من مساجد الله سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج»(1).
قوله: «ويحرم زُخْرُفتها».
أى نقشها بالذهب، فإنّ الزخرف بالضم - الذهب(2).
وأطلق جماعة من الأصحاب (3) - منهم المصنف في المعتبر(4) - تحريم النقش مطلقاً؛ لأنّ ذلك لم يقع في عهده(صلی الله علیه وآله وسلم)فيكون بدعةً.
قوله: «ونقشها بالصُوَر».
إن كانت من ذوات الأرواح، والأكره من جهة كونه نقشاً.
قوله: «وبيع آلتها».
مع عدم الحاجة إلى بيعها للعمارة، وعدم المصلحة، كما لو خيف عليها التلف أو كانت رثة لا يُنتفع بها فيه.
قوله: «ولا يجوز إدخال النجاسة إليها».
إنّما يحرم إدخال ما يخاف منه تلويث المسجد أو آلته، وغيره يكره.
ص: 339
* ولا إزالة النجاسة فيها *ولا إخراج الحصى منها، وإن فَعَل أعاده إليها.
* ويكره تعليتها * وأن يعمل لها شُرَف * أو محاريب داخلة في الحائط،
........
ويجب إخراج النجاسة منه كفايةً وإن كان الوجوب على المدخل آكد.
قوله: «ولا إزالة النجاسة فيها».
مع استلزامها التنجيس، ولو أزالها في آنيةٍ أو فيما لا ينفعل كالكثير لم يحرم، بناءً على عدم تحريم غير الملوّثة.
وربما قيل بتحريم إزالتها فيها مطلقاً؛ لما فيه من الامتهان المنافي للتعظيم المأمور به ،وهو أحوط.
قوله «ولا إخراج الحصى منها».
مع كونها جزءاً من المسجد أو من آلاته كالمتخذة للفرش، فلو كانت قمامة استحبّ إخراجها، وفي حكمها التراب.
قوله: «ويكره تعليتها».
بل يبنى وسطاً، وقد روي أن مسجد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) كان قامة(1) .
قوله: «وأن يعمل لها شُرَف».
بضمّ الشين وفتح الراء جمع شرفة - بسكون الراء - وهي ما يجعل في أعلى الجدار(2)
قال على(عليه السلام): «إنّ المساجد لا تُشرَّف، بل تبنى جمّاً»(3).
قوله: «أو محاريب داخلة في الحائط».
أي دخولاً كثيراً، وكذا يكره الداخلة في المسجد، بل هذا هو الذي وُجد في النصوص،
وأن علياً (عليه السلام)كان يكسر المحاريب إذا رآها في المسجد، ويقول: كأنها مذابح اليهود(4) .
ص: 340
* وأن تُجعل طريقاً.
ويستحب أن يُتجنّب البيع والشراء * و [ تمكين ] المجانين * وإنفاذ الأحكام ،
........
ولا بد من تقييد الكراهة - بالمعنى الثاني - بسبقها على مسجديّة محلّها، وإلا حرمت.
قوله: «وأن تجعل طريقاً».
إنما يكره إذا استطرقت على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد بحيث يصير طريقاً لا مسجداً، وإلا حرم كما مرّ، وهذا هو الفارق بين جعلها طريقاً وجعلها في طريق.
قوله « وتمكين(1) المجانين».
وكذا الصبيان؛ لوجودهم معهم في النص ، قال(عليه السلام) : «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم»(2).
وينبغي أن يراد بالصبى مَنْ لا يوثق به منهم في إزالة النجاسة، أما من يوثق به في التنزه عن النجاسات وأداء الصلاة فإنّه يستحب تمرينه على فعل الصلاة في المسجد كما يمرن على غيرها من العبادات.
قوله: «وإنفاذ الأحكام».
لما فيه من الجدال والدعاوي الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد، المتضاعف بسببه العصيان.
وذهب جماعة من الأصحاب(3) إلى عدم الكراهة؛ لأنّ علياً (عليه السلام)كان يقضي في مسجد الكوفة(4) ، ودكة القضاء مشهورة إلى الآن، ولأن الحكم طاعة والمسجد موضوع لها، ويُحمل النهي - على تقدير صحته - على الحبس على الحقوق والملازمة عليها، أو يخص بما فيه جدال وخصومة، أو يكون المكروه الدوام لا ما اتفق أحياناً، وهو حسن.
ص: 341
* وتعريف الضوال، وإقامة الحدود . وإنشاد الشعر * ورفع الصوت، وعمل الصنائع والنوم.
ويكره دخول مَنْ في فيه *رائحة بصل أو ثوم، والتنخّم، والبصاق، وقتل القمل،
......
قوله:« وتعريف الضوال».
وكذا السؤال عنها، وحيث كان محلّ التعريف المجامع فليكن في أبواب المساجد لا داخلها.
قوله: «وإنشاد الشعر».
لقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : مَنْ سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له : فضَ الله فاك إنّما نصبت المساجد للقرآن»(1).
وقد روي أنه لا بأس به (2).
وجمع بينهما في الذكرى بحمل الإباحة على ما يقلّ منه ويكثر منفعته كبيت حكمةٍ أو شاهد على لغةٍ في كتاب الله أو سُنّة نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم)وشبهه(3) .
وألحق به بعض الأصحاب ما كان منه موعظة أو مدحاً للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)ومراثي الحسين (عليه السلام) ؛ لأنّ ذلك كله عبادة، فلا ينافي الغرض المقصود من المساجد (4) .
قوله :«ورفع الصوت ».
ولو في قراءة القرآن إذا تجاوز المعتاد.
قوله: (رائحة بصل او ثوم».
وكذا كل ذي رائحة كريهة، قال على(عليه السلام): «مَنْ أكل شيئاً من المؤذيات فلا يقربن المسجد» (5).
ص: 342
فإن فَعَل * ستره بالتراب * وكشف العورة * والرمي بالحصى.
مسائل ثلاث :
الأولى: إذا انهدمت الكنائس والبيع، فإن كان لأهلها ذمة لم يجز التعرّض لها، وإن كانت في أرض الحرب أو باد أهلها، . جاز استعمالها في المساجد.
........
قوله: «ستره بالتراب».
الضمير يعود إلى كلّ واحدٍ من الثلاثة، لا إلى القُمّل وحده.
قال علي(عليه السلام): «البزاق خطيئة وكفارته دفنه»(1).
وعن الصادق(عليه السلام): «مَنْ تنخع في المسجد ثمّ ردّها في جوفه لم تمر بداءٍ إلا أبرأته»(2).
قوله: «وكشف العورة».
مع أمن المطلع المحترم، وكذا يكره كشف السرة والركبة وما بينهما.
قوله: «والرمي بالحصى».
لم يقيد الرمي بكونه خذفاً كما صنع غيره (3)، وورد به الخبر عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه أبصر رجلاً يخذف حصاة في المسجد، فقال: «ما زالت تلعنه حتى وقعت» (4)لاشتراك الرمي بأنواعه في العبث والأذى، ولأنّ الخذف يطلق على رميها بالأصابع كيف اتفق وإن لم يكن على الوجه المذكور في الجمار.
قال في الصحاح : الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع(5) .
قوله «جاز استعمالها في المساجد».
لا في غيرها، ولا يجوز نقضها إلا ما لا بد منه في تحقق المسجدية كالمحراب .
ص: 343
الثانية: صلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل، والنافلة بالعكس.
الثالثة: الصلاة في الجامع بمائة وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين، وفي السوق باثنتي عشرة صلاة.
* صلاة الخوف مقصورة سفراً وفى الحضر إذا صليت جماعةً، فإن صُلّيت فرادى، قيل: يقصر، وقيل: لا، والأوّل أشبه.
وإذا صُلّيت جماعةً فالإمام بالخيار إن شاء صلّى بطائفة ثمّ بأخرى، وكانت الثانية له ندباً على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفّل، وإن شاء يصلّى *كما صلی رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بذات الرقاع.
.......
قوله: «صلاة الخوف مقصورة سفراً وفي الحضر إذا صُلّيت جماعة، فإن صليت فرادى قيل يقصر».
يظهر من ذكره الخلاف في حالة الحضر أنّ حالة السفر لا خلاف في كون الصلاة معها مقصورة وإن صُلّيت فرادى، وهو كذلك، بل نقل الشيخ عن بعض الأصحاب أنّها لا تقصر إلا في السفر مطلقاً (1)، عملاً بظاهر الآية(2)، واقتصاراً على موضع الوفاق.
والأصح جواز القصر سفراً وحضراً، جماعة وفرادى، وعليه المعظم.
قوله: «كما صلّى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بذات الرقاع».
ذات الرقاع موضع قريب من المدينة على ثلاثة أميال منها عند بئر أروما، وقيل: بنجد، وهي أرض غطفان(3).
ص: 344
ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها وكيفيتها وأحكامها.
أمّا الشروط : * فأن يكون الخصم في غير جهة القبلة، وأن يكون فيه قوّة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين* وأن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين تكفّل كلّ طائفة بمقاومة الخصم * وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين.
.......
واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: إن المكان فيه جدد حمر وصفر كالرقاع(1)، وقيل: كانت الصحابة حفاةً فلفّوا على أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق(2)، وقيل: بل نقبت أرجلهم من المشي فلفوها عليها(3)، وقيل: لرقاع كانت في ألويتهم(4)، وقيل غير ذلك .
قوله: «أن يكون الخصم في غير جهة القبلة».
بحيث لا يمكنهم مقابلته - وهُمْ يصلون - إلا بالانحراف عن القبلة، فلو اتفق العدوّ في القبلة صلّى بهم صلاة عسفان؛ إذ ليس فيها مخالفة لباقي الصلوات من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ائتمامه، وائتمام القائم بالقاعد وغير ذلك مما في صلاة الرقاع.
ويحتمل قوياً جواز صلاة الرقاع هنا أيضاً وإن كانت صلاة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)وقعت مع كونه في خلاف جهة القبلة اتفاقاً(5)؛ إذ لا مانع منها.
قوله: (وأن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين».
لا يجب التسوية بين الطائفتين في العدد؛ لصدق الطائفة على الواحد، فيجوز أن يكون بعضها واحداً مع حصول الغرض به، وهو مقاومة العدو.
قوله: «وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين».
ص: 345
وأمّا كيفيتها ، فإن كانت الصلاة ثنائية صلّى بالأولى ركعة وقام إلى الثانية،* فينوي من خلفه الانفراد واجباً ويُتمون، ثمّ يستقبلون العدو، وتأتي الفرقة الأخرى فيُحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهي أولاهم، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض مَنْ خلفه فأتموا وجلسوا * فتشهد بهم وسلّم.
فتحصل المخالفة في ثلاثة أشياء: انفراد المؤتم، وتوقع الإمام للمأموم حتى يتمّ، وإمامة القاعد بالقائم.
وإن كانت ثلاثية فهو بالخيار إن شاء صلّى بالأُولى ركعة وبالثانية ركعتين ، *وإن شاء بالعكس، ويجوز أن يكون كلّ فرقةٍ واحداً.
........
هذا في غير صلاة المغرب، أما فيها فيجوز تفريقهم ثلاث فرق، وتخصيص كل فرقةٍ بركعة. ولو شرطنا في الخوف السفر جاز تفريقهم في الرباعية أربع فرق مع الحاجة.
قوله:« فينوى مَنْ خلفه الانفراد واجباً».
لما تقدّم من عدم جواز مفارقة المأموم بدون النية (1)، ولأنه واجب فتجب نيته.
وقوى في الذكرى عدم الوجوب؛ لأن قضية الانتمام إنما هو في الركعة الأولى وقد انقضت(2)، وهو حسن والأوّل خيرة الدروس(3)، وهو أحوط.
قوله: «فتشهد بهم وسلَّم».
ويجوز له التسليم قبل قيامهم إلى الثانية من غير انتظار؛ لصحيحة عبد الرحمن عن الصادق (4)، وإن كان المشهور الأول.
قوله: «وإن شاء بالعكس».
ص: 346
وأما أحكامها ففيها مسائل :
الأولى: *كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له، وفي حال الانفراد يكون الحكم على ما قدمناه في باب السهو.
الثانية ؛* أخذ السلاح واجب في الصلاة، ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز
......
لا إشكال في التخيير بينهما؛ لورود النص بهما(1) ، لكن اختلف في أيهما أفضل، والمشهور الأول، بل لم يذكر الأكثر غيره، وهو المروي من فعل عليّ (عليه السلام)(2)، وفيه فوز الثانية بالقراءة المتعينة، وتقارب الفرقتين في إدراك الأركان مع الإمام. واختار في القواعد الثاني(3) .
قوله: «كلّ سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له إلى آخره.
هذا مبني على قول الشيخ من تحمّل الإمام أوهام من خلفه(4)، والمصنّف لا يقول به ولا خصوصية لصلاة الخوف بحيث يفترق الحكم بينها وبين غيرها.
ويمكن حمل السهو هنا على الشك، بمعنى أنه لا حكم لشك المأموم حال متابعة إمامه إذا حفظ عليه الإمام، وقد تقدّم أنّ السهو قد يطلق على الشكّ مجازاً (5)، فيتم الحكم على مذهبه.
قوله: «أخذ السلاح واجب».
للأمر به في الآية(6)المقتضي للوجوب، ولو ترك أخذه حينئذ أثم ولم تبطل الصلاة؛ لرجوع النهي إلى وصف خارج.
ص: 347
على قول، والجواز أشبه * ولو كان ثقيلاً يمنع شيئاً من واجبات الصلاة لم يجز. الثالثة: • إذا سها الإمام سهواً يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه، فإذا سلّم وسجد لم يجب عليها اتباعه.
* وأمّا صلاة المطاردة وتُسمّى شدة الخوف، مثل أن *ينتهى الحال إلى المعانقة والمسايفة، فيصلى على حسب إمكانه واقفاً أو ماشياً أو راكباً.
........
قوله: «ولو كان ثقيلاً يمنع شيئاً من واجبات الصلاة لم يجز».
إلا مع الضرورة فيجب ويصلّى بحسب الإمكان ولو بالإيماء.
ولو كان مما يتأذى به غيره كالرمح لم يجز حمله إن لم يمكنه الانتقال إلى حاشية الصفوف إلا مع الضرورة.
قوله: «إذا سها الإمام سهواً يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه، فإذا سلّم وسجد لم يجب عليها اتباعه».
هذا مبني على مذهب الشيخ(1) أيضاً، ويلزم الطائفة الأولى السجود حينئذ، فيشير إليهم ليسجدوا بعد فراغهم، وعلى ما اختاره المصنّف لا يجب على إحداهما.
قوله: «وأمّا صلاة المطاردة».
جعل صلاة المطاردة قسيمة لصلاة الخوف - مع أنّها من جملة أقسامها - إما بناءً على ملاحظة كونها تُسمّى صلاة شدّة الخوف لا صلاة مطلق الخوف، كما أشار إليه المصنف، أو يكون عطفها عليها في قوله صلاة الخوف والمطاردة من باب عطف أعظم الأفراد وأدخلها على اسم الجنس لمزيد الاهتمام كعطف جبرئيل على الملائكة، والنخل والرمان على الفاكهة، وهذا أولى، فإنّ شدّة الخوف قسم من مطلق الخوف.
قوله: «ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايفة».
الضابط في تسويغها أن لا يمكن فعل الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة
ص: 348
ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثمّ يستمر إن أمكنه، وإلا استقبل بما أمكن وصلّى مع التعدّر إلى أي الجهات أمكن.
وإذا لم يتمكن من النزول صلّى راكباً، وسجد * على قربوس سرجه، وإن لم يتمكن *أوماً إيماء، * وإن خشي صلّى بالتسبيح.
ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كلّ ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
..............
الخوف، بل يفتقر كلُّ منهم إلى القتال، أو لا يأمن الحاجة إليه في حالة الصلاة، فيصلون رجالاً وركباناً على حسب الإمكان.
وقد جوّز الأصحاب الجماعة فيها وإن اختلفت الجهة، بشرط أن لا يتقدم المأموم على الإمام صوب مقصده.
والفرق بينهم وبين المختلفين في الجهة أنّ كلّ جهةٍ هنا قبلة في حق المضطر إليها، بخلاف المجتهدين، ومن ثمّ يجب الإعادة لو تبيّن الخطأ على بعض الوجوه، بخلافه هنا.
وهل يتحمّل الإمام التسبيح هنا ؟ الظاهر العدم؛ لأنّه بدل من أركان لا يتحملها.
قوله: «علی قربوس سرجه».
هو بفتح القاف والراء، ويشترط في جواز السجود عليه تعذر النزول ولو للسجود خاصةً ثم الركوب ويغتفر الفعل الكثير هنا كما يغتفر في باقي الأحوال.
ولو كان القَرَبوس مما لا يصح السجود عليه، فإن أمكن وضع شيء منه عليه وجب. وإلا سقط.
قوله: «أوماً إيماء».
برأسه، فإن تعذر فبعينيه كالمريض.
قوله: «وإن خشي صلّى بالتسبيح».
القدر المجوّز للتسبيح تعذر الإيماء وإن أمكن فعل غيره من الأفعال كالقراءة.
ص: 349
فروع :
الأوّل: إذا صلّى مومئاً * فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها ولا يستأنف، وقيل: ما لم يستدبر في أثناء صلاته.
وكذا لو صلّى بعض صلاته ثمّ عرض الخوف أتمّ صلاة خائف ولا يستأنف.
الثاني: مَنْ رأى سواداً فظنّه عدوّاً فقصر أو صلّى مومئاً ثم انكشف بطلان خياله لم يُعِدْ.
وكذا لو أقبل العدوّ فصلّى مومئاً لشدّة خوفه ثمّ بان هناك حائل يمنع العدو.
الثالث: إذا خاف من سيل أو سَبُعِ جاز أن يصلّي صلاة شدة الخوف.
تتمّة: المتوحل والغريق يصليان بحسب الإمكان، ويومئان لركوعهما وسجودهما، *ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف.
...........
و تجب قبل التسبيح النية والتكبير، وبعد فعله مرّتين التشهد والتسليم، وفي المغرب ثلاث تسبيحاتٍ يتخلّلها التشهد. ولو شك في عدده بطلت الصلاة.
قوله :« فأمن أتم صلاته».
فلو كان بعد التسبيح مرّةً سقطت عنه ركعة وأكمل صلاة الآمن، ولو انعكس سبّح للباقي.
قوله: « ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته».
لاختصاص قصر الكمّيّة بالسفر والخوف، بخلاف الكيفية.
قال في الذكرى :
نعم، لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق الوقت، فالظاهر أنه يقصر العدد أيضاً(1).
ص: 350
والنظر في الشروط والقصر، ولواحقه.
أما الشروط فستة:
الأول: اعتبار المسافة
وهي* مسير يوم بريدان أربعة وعشرون ميلاً.
والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله *أربع وعشرون إصبعاً، تعويلاً على المشهور بين الناس * أو مد البصر من الأرض.
ولو كانت المسافة أربعة فراسخ *وأراد العود ليومه فقد كمل مسير يومٍ ووجب التقصير .
..........
وهو حسن، حيث إنّه يجوز له الترك فقصر العدد أولى، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر؛ لعدم النصّ على جواز القصر هنا، فوجوب القضاء أجود.
قوله: «مسير يوم».
يعتبر فيه الاعتدال، وكذا في الأرض والسير واعتبر في التذكرة كونه بسير الإبل(1).
قوله: «أربعة وعشرون إصبعاً».
معتبرة بست قبضات بالأصابع المضمومة المنفردة عن الإبهام من مستوي الخلقة.
قوله: «أو مدّ البصر».
من المبصر المتوسط بحيث يميّز الفارس من الراجل.
قوله: «وأراد الرجوع ليومه فقد كمل مسيرة يوم(2)».
وكذا لو أراد الرجوع لليلته أو لليلته ويومه مع اتصال السفر، صرّح به في الذكرى (3).
ص: 351
* ولو تردّد يوماً في ثلاثة فراسخ ذاهباً وجائياً وعائداً لم يجز القصر وإن كان ذلك من نيته.
* ولو كان لبلد طريقان والأبعد منهما مسافة ، فسلك الأبعد قصر وإن كان ميلاً إلى الرخصة.
..........
ولو كان الخروج في بعض النهار وأراد إنهاءه في اليوم الثاني بحيث يجتمع من الجميع يوم وليلة مع اتصال السفر، ففي ترخصه نظر من المساواة في العلة، وخروجه عن مورد النص. وظاهر الأصحاب عدم الترخص بذلك.
قوله: «ولو تردّد يوماً في ثلاثة فراسخ ... لم يجز القصر».
لا فرق في ذلك بين أن ينتهي في عوده الأوّل إلى محلّ يشاهد فيه جدران بلده أو يسمع أذانه أو لا، خلافاً للتحرير حيث حكم بالقصر في الثاني(1)
قوله: «ولو كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصر».
في ذهابه والبلد والرجوع، ولو سلك الأقصر أتم، إلا أن يقصد العود بالأبعد فيتم في ذهابه والبلد ويقصر في عوده خاصةً وإن كان قصد العود بالأبعد في ابتداء السفر؛ لأنّه لم يقصد أوّلاً مسافة والقصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.
ومن هذا الباب ما لو سلك مسافة مستديرة، فإنّ الذهاب فيها ينتهي بالمقصد وإن لم يسامت قُطر الدائرة بالنسبة إلى محل المسافر، والعود هو الباقي، سواء زاد أم نقص.
هذا مع اتحاد المقصد، ولو تعدّد كان منتهى الذهاب آخر المقاصد إن لم يتحقق قبله صورة الرجوع إلى بلده عرفاً، وإلا فالسابق عليه، وهكذا. ويحتمل كونه آخر المقاصد مطلقاً.
ونيه بقوله (وإن كان ميلاً إلى الرخصة على خلاف بعض الأصحاب؛ حيث ذهب إلى
ص: 352
فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أُخرى لم يقصر ولو زاد المجموع على مسافة التقصير ، فإن عاد وقد كملت المسافة فما زاد قصر .
وكذا لو طلب دابةٌ شردت [له] أو غريماً، أو أبقاً.
*ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسر وا سافر معهم، فإن كان على حدّ مسافة قصر في سفره وموضع توقفه، وإن كان دونها أتمّ حتّى يتيسر له الرفقة ويسافر.
.......
عدم الترخص لطالبها (1)؛ لأنه كاللاهي، وكذا لو كان الغرض من السفر مجرد الترخص.
والأصح الترخص مطلقاً؛ لوجود المقتضي.
قوله: «قصد المسافة» الى آخره.
لا فرق في اعتبار القصد بين التابع والمتبوع، فالعبد والزوجة والولد إن عرفوا مقصد المتبوع وقصدوه قصّروا، وإلا فلا.
ولا يقدح مع تحقق القصد تجويز العتق والطلاق وكونهما يرجعان متى حصلا إذا لم يستند ذلك إلى أمارة.
ومثله الأسير في أيدي المشركين والمأخوذ ظلماً مع ظنّهما بقاء الاستيلاء.
قوله: «ولو خرج ينتظر رفقة معهم إلى قوله - قصر في سفره وموضع توقفه».
منتظر الرفقة إن كان على رأس المسافة فصاعداً يقصر إلى ثلاثين يوماً، سواء علم مجيئها أم لا، وسواء جزم بالسفر من دونها أم لا، وإن كان على ما دون المسافة وقد كان في محلّ الترخص، فإن علم مجيئها أو جزم بالسفر من دونها على تقدير عدم مجيئها فكالأول.
وألحق به في الذكرى ما لو غلب على ظنّه مجيئها(2).
ص: 353
فلو عزم على مسافة * وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ في طريقه وفي ملكه. وكذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة.
ولو كان بينه وبين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير* قصر في طريقه خاصة.
........
وإن انتفى الأمران أو الأُمور أتمّ.
ولو كان توقفه في محلّ التمام أتمّ مطلقاً.
قوله: «وفي طريقه ملك [له] قد استوطنه».
المراد بالملك هنا العقار الكائن في محلّ الاستيطان وما في حكمه، فلا يشترط صلاحيته للسكنى، بل يكفي الشجرة الواحدة.
ويشترط ملك العين، فلا يكفي المنفعة، وبقاؤه، فلو خرج عن ملكه زال حكمه.
والمراد بحكم المحلّ ما كان يقرب موضع الاستيطان بحيث لا يبلغ محلّ الترخص بالنسبة إلى موضع الإقامة.
وفي حكم الملك البلد المتخذ للمقام على الدوام، وكذا لو اتخذ بلداناً له على التناوب، ويشترط في كلّ واحد الاستيطان كالملك.
قوله: «قصر في طريقه خاصةً».
لا ريب في وجوب التقصير في الطريق؛ لوجود المقتضي وهو قصد المسافة، لكن هل يصير موضع الإقامة كبلده فينتهي سفره بمشاهدة جداره أو سماع أذانه، أم يستمر حتى يصل إليه ؟ ظاهر العبارة الثاني؛ لأن المجموع من جملة الطريق إليه، وبه صرّح العلّامة (1).
والأوّل أوجه، فإنّ ذلك في حكم البلد شرعاً .
وكذا القول في الخروج منه.
ص: 354
اليفور
* ولو كان له عدة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأوّل، فإن كان مسافة قصر في طريقه، وينقطع سفره بموطنه فيتم فيه ثمّ يعتبر المسافة التي بين موطنيه، فإن لم يكن مسافة أتمّ في طريقه؛ لانقطاع سفره، وإن كان مسافة قصر في طريقه الثانية حتى يصل إلى وطنه.
* والوطن الذي يتم فيه هو كلّ موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعداً متواليةً كانت أو متفرّقةً.
.......
قوله: «ولو كان له عدة مواطن» إلى آخره.
كما يعتبر المسافة بين كلّ موطنين كذا يعتبر بين آخر المواطن وغاية مقصده، فإن كان مسافة قصر عند خروجه من الأخير إلى مقصده، وإلا فلا. ولا فرق في ذلك بين أن يعزم على العود إلى وطنه الأوّل على تلك الطريق أو غيرها ممّا لا وطن فيه، ولا ما في حكمه فلا يقصر فيما بين آخر أوطانه ونهاية مقصده مع قصوره عن المسافة وإن كان يقصر راجعاً. بل لكلّ من الذهاب والإياب حكم برأسه لا يضمّ أحدهما إلى الآخر.
وكذا القول فيما نوى فيه الإقامة، سواء كانت النية في ابتداء السفر أم بعد الوصول إلى موضع الإقامة.
ومثله ما لو بلغ طالب الآبق ونحوه المسافة من غير قصد، ثمّ قصد الزيادة إلى ما دون المسافة قبل العود.
قوله: «والوطن الذي يتمّ فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعداً، متوالية أو متفرّقة».
بشرط كونه مقيماً فيها بحيث صلّى في تلك المدة تماماً، فلا يكفي مطلق الإقامة ولا مطلق التمام. ولو تعدّدت المواطن كفى استيطان الأوّل منها ما دام على ملكه، فلو خرج اعتبر استيطان غيره.
ويظهر من الذكرى الاكتفاء بالأوّل وإن خرج(1).
ص: 355
واجباً كان كحجة الإسلام، أو مندوباً كزيارة النبي ، أو مباحاً كالأسفار للمتاجر.
* ولو كان معصية لم يقصر ،* كاتباع الجائر وصيد اللهو.
ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصر ، ولو كان للتجارة قيل يقصر في الصوم دون الصلاة، وفيه تردّد.
..........
قوله: «كون السفر سائغاً».
أي جائزاً بالمعنى الأعم، ليدخل فيه ما عدا المحرم.
قوله: «ولو كان معصيةً لم يقصر».
تتحقق المعصية بالسفر بكونه نفسه معصية، كسفر الفارّ من الزحف(1)، والآبق من سيّده، والناشز من زوجها، والهارب من غريمه مع قدرته على وفاء الحق، والخارج بعد الزوال يوم الجمعة أو عرفة من غير فعل ما يجب عليه فيهما، وشبه ذلك، وبكون غايته معصية، كتابع الجائر، وقاطع الطريق، والتاجر بالمحرمات والساعي في ضرر على المسلمين ونحو ذلك.
ولا يقدح المعصية فيه إذا كان جائزاً، كشرب الخمر والزنى إذا لم تكن مقصودةً بالسفر أو جزءا من المقصود.
ولو كان السفر معصيةً ثمّ تجدّد قصد الطاعة اعتبرت المسافة حينئذ فيما بقي من الذهاب، ولو انعكس زال الترخص عند نيّة المعصية، فلو عاد قصد الطاعة ففي ضمّ ما بقي ن لم يبلغ المسافة إلى ما مضى منها في زمن الطاعة وجهان، ورجح في الذكرى الضم(2).
قوله :«کاتباع الجائر».
أي في جوره، لا اتباعه كرهاً، أو في مجرّد الطريق، أو ليعمل له عملاً محللاً، ونحو ذلك.
ص: 356
كالبدوي الذي يطلب القطر،والمكاري،*والملاح، والتاجر الذي يطلب الأسواق، والبريد.
* وضابطه أن لا يقيم ببلدٍ عشرة أيام، فلو أقام أحدهم عشرةً ثم أنشأ سفراً
........
قوله: «أن لا يكون سفره أكثر من حضره».
هكذا عبر أكثر الأصحاب، ولم يرتضها المصنف في المعتبر؛ لأنّها تقتضي أن مَنْ أقام في بلده عشرة أيام ثم سافر عشرين يجب عليه الإتمام، قال: والأولى أن يقال: أن لا يكون متن يلزمه الإتمام في سفره (1).
وأولوية هذه العبارة على عبارة الأصحاب غير واضحةٍ ؛ لأنّ العاصي بسفره يدخل فيما ذكره مع أنّه غير مرادٍ، وكذا الهائم وطالب الآبق ونحوهما، بل الوجه أن كثرة السفر قد اشتهرت شرعاً في السفر الجامع للشرائط الآتية بحيث لا يتبادر إلى الأفهام غيره، وهو علامة الحقيقة، بخلاف ما ذكره فإنّه مشترك شرعاً بين كثير السفر والعاصي ومَنْ لم يقصد المسافة من غير ترجيح، أو نقول: إنّ هذا العنوان الشرط، والمعتبر فيه ما يأتي تفصيله.
قوله :«والملاح».
الملاح هو صاحب السفينة بأي وجه استعملها، والبريد الرسول أي المعد نفسه للرسالة.
قوله: «وضابطه أن لا يقيم في بلدٍ عشرة أيام».
هذا غير ضابط، فإنّ إقامة العشرة إن كانت في بلده لم يفتقر إلى نيّة، وفي غيره يفتقر إليها، فالإجمال غير مفيد، وكذا إذا سافر ثانياً من غير إقامة العشرة يصدق عليه التعريف، وفي الاكتفاء به بحيث يُتمّ في الثانية قول(2)ضعيف، بل الضابط أن يسافر إلى مسافة ثلاث مرات يتخلل بينها حكم الإتمام بعد الأولى والثانية، ولا يقيم بينها عشرة في بلده مطلقاً، أو في
ص: 357
قصر، * وقيل ذلك مختص بالمكاري، فيدخل في جملته الملاح والأجير، والأوّل أظهر.
ولو أقام خمسة، قيل: يتم، وقيل: يقصر نهاراً صلاته دون صومه ويُتمّ ليلاً، والأول أشبه.
لا يجوز للمسافر التقصير * حتّى تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان ولا يجوز له الترخص قبل ذلك ولو نوى السفر ليلاً،
..........
غيره مع النية، أو عشرة بعد التردّد ثلاثين، وحينئذ تحصل الكثرة في الثالثة فيلزمه الإتمام فيها، ويستمرّ عليه إلى أن يتحقق له أحد الثلاثة المتقدّمة ما دام مسافراً إلى المسافة، ومتى تحقق أحد الثلاثة انقطعت الكثرة وافتقر إلى ثلاث سفرات كذلك، وهكذا.
ويكفي في العشرة كونها ملفّقةً بشرط أن لا يتخللها مسافة.
وما لا يبلغ حدّ الترخص من حدود البلد بحكمه، فيحتسب مدة تردّده فيه من العشرة.
قوله: «وقيل ذلك مختص بالمكاري، فيدخل في جملته الملاح والأجير».
المشار إليه ب_«ذا» إقامة العشرة، بمعنى أنّ إقامة العشرة إنما تقطع كثرة سفر المكاري لا غير، أما غيره فيبقى على التمام وإن أقام عشرة.
ووجه اختصاص المكاري أن رواية العشرة إنّما وردت فيه(1) ، والملاح والأجير داخلان فيه؛ لأن اسمه يقع عليهما. وعمل الأصحاب على الأوّل.
قوله: «حتى تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان».
الأصح اعتبار خفائهما معاً ذهاباً وعوداً، فيزول الترخص في العود بإدراك أحدهما.
ص: 358
*وكذا في عوده يقصر حتّى يبلغ سماع الأذان من مصره وقيل يقصر عند الخروج من منزله ويُتمّ عند دخوله، والأوّل أظهر .
* وإذا نوى الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتمّ، ودونها يقصر، وإن تردّد عزمه قصر ما بينه وبين شهرٍ، ثم يتم ولو صلاةٌ واحدة.
.........
والمعتبر صورة الجدار لا شبحه، ولا يشترط في الأذان تميّز فصوله.
ويكفي إدراك أحدهما من آخر البلد إن لم تتسع خطته جداً، وإلا فآخر محلّته.
ويرجع في الصوت والبصر إلى المتوسط. وفي البلد المرتفع والمنخفض والأصمّ والأعمى وعند فقد الأذان وعروض مانع من السمع والبصر إلى التقدير، والصوت العالي أدخل في مناسبة الأذان من التقدير عند العدم فيرجع إليه، ولا اعتبار بأعلام البلد، كالمنائر ونحوها.
قوله: «وكذا في عوده يقصر حتّى يبلغ سماع الأذان».
إنما اعتبر سماع الأذان خاصةً واكتفى بأحدهما في الذهاب؛ لورود اعتبار خفاء الجدار في صحيحة محمد بن مسلم(1)، وخفاء الأذان في صحيحة عبد الله بن سنان(2)، وكلاهما في الذهاب، وأما العود فلم يتعرّض له في الأولى، واعتبره في الثانية مثل الذهاب، فلما لم يجد المصنّف على التحديد برؤية الجدار في العود دليلاً اقتصر على الأذان.
وأما الاعتذار عنه بالتلازم بين الأمرين فهو في حيّز المنع، والخلاف مشتهر في اعتبار
أحدهما أو هما معاً، وهو مصرّح بعدم التلازم وإن كانا متقاربين.
قوله: «وإذا نوى الإقامة في غير بلده عشرة».
عتبر كون العشرة كاملةً ولو ملفّقةً بما حصل في يومي الدخول والخروج.
ص: 359
ولو نوى الإقامة ثم بدا له رجع إلى التقصير، * ولو صلّى صلاة واحدة بنية الإتمام لم يرجع.
وأما القصر فإنّه عزيمة إلا أن تكون المسافة أربعاً ولم يُرد الرجوع ليومه على قول* أو في أحد المواطن الأربعة مكة والمدينة، والمسجد الجامع بالكوفة، والحائر، فإنّه مخيّر، والإتمام أفضل.
.............
قوله: «ولو صلّى صلاةٌ واحدة بنية الإتمام لم يرجع».
أي صلّى رباعيّةً مع نيّة الإقامة، واحترز به عمّا لو صلاها تماماً بنية شرف البقعة، أو صلّى تماماً ناسياً فإنّه لا يؤثر.
والحق جماعة من الأصحاب(1) بالصلاة الصوم الواجب؛ لأنه من أحكام الإقامة كالصلاة تماماً خصوصاً بعد الزوال.
ولو خرج الوقت ولم يصل عمداً أو نسياناً بعد نية الإقامة ففي الاجتزاء به وجهان من عدم صدق الصلاة، واستقرار التمام في الذمة.
ومعنى عدم الرجوع بعد الصلاة تماماً البقاء على التمام إلى أن يخرج إلى مسافة جديدة ولو بالعود إلى وطنه إن كان مسافة، ولا يضمّ إليه ما بقي من السفر لو قصر عن المسافة، بل لكلِّ من الذهاب والإياب حكم نفسه، وحينئذ فلو قصد مسافةً بعد الصلاة تماماً وقبل تمام العشرة كانت سفرة ثانية، فلو حصل ثلاث سفرات على هذا الوجه صار كثير السفر وإن كان ذلك في نيّته من ابتداء السفر.
وفي إلحاق المواطن المتعدّدة - إذا كان بين كلّ واحدٍ وما بعده مسافة مع عزمه ابتداء - على الوطن الثالث نظر، أما مع تجدد العزم على الآخر بعد الوصول إلى ما قبله فكالأول.
قوله: «أو في أحد المواطن الأربعة: مكة والمدينة والمسجد الجامع بالكوفة، والحائر».
ص: 360
وإذا تعين القصر فأتمّ عامداً أعاد على كلّ حالٍ، * وإن كان جاهلاً بالتقصير فلا إعادة ولو كان الوقت باقياً، وإن كان ناسياً أعاد في الوقت، ولا يقضي إن خرج الوقت *ولو قصر المسافر اتفاقاً لم تصح وأعاد قصراً.
........
الأولى اختصاص الحكم بمسجدي مكة والمدينة دون باقيهما، والمراد بالحائر ما دار عليه سور الحضرة الحسينية (على مشرّفها السلام) دون سور البلد.
والتخيير فيها مختص بالصلاة، أما الصوم فيتعين فيه القصر.
قوله: «وإن كان جاهلاً بالتقصير فلا إعادة».
وكذا لو كان جاهلاً بالمسافة فأتمّ ثمّ تبيّن كون المقصد مسافة فلا إعادة مطلقاً .، ويقصر بعد العلم وإن نقص عن المسافة.
قوله: «ولو قصر المسافر اتفاقاً لم تصح وأعاد قصراً».
فيه تفسيرات :
الأوّل: أن يقصر قاصد المسافة غير عالم بوجوب القصر.
ووجه الإعادة - مع مطابقته نفس الأمر - أنّه صلّى صلاةً يعتقد فسادها، فيعيدها قصراً أداء أو قضاء. الثاني: أن يعلم وجوب القصر ولكن جهل بلوغ المقصود مسافة فقصر ثمّ علم بكونه مسافة، فيعيد فى الوقت قصراً؛ لأن فرضه كان حال الصلاة التمام.
ولو خرج الوقت، ففي القضاء تماماً أو قصراً وجهان، من أن الصلاة فاتت حالة كون فرضه التمام فليقضها كذلك، ومن أنه مسافر في الحقيقة وإنما منعه من الإتمام جهل المسافة وقد علمها واختار الشهيد
(رحمه الله) القضاء تماماً.
والوجهان آتيان فيما لو ترك المسافر الصلاة أو نسيها قبل علمه بالمسافة ثمّ علم بها بعد خروج الوقت.
الثالث: أن يعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ولكن نوى الصلاة تماماً ناسياً ثمّ سلّم
ص: 361
*وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق، قيل : يُتم بناء على وقت الوجوب، وقيل: يقصر؛ اعتباراً بحال الأداء، وقيل: يتخيّر، وقيل: يتم مع السعة ويقصّر مع الضيق والتقصير أشبه.
وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق والإتمام هنا أشبه. ويستحبّ * أن يقول عقيب كل فريضةٍ ثلاثين مرّةً: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ جبراً للفريضة.
.............
على الركعتين ناسياً ثم ذكر فإنّه يعيد قصراً؛ لمخالفته ما يجب عليه من ترك نية التمام. واستقرب الشهيد (رحمه الله هنا الإجزاء، وتلغو نية التمام .
وهذه التفسيرات الثلاث ذكرها في الذكرى (1).
قوله: «وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر» إلى آخره.
الأصح وجوب الإتمام في الموضعين، لكن يشترط في الأوّل أن يدرك قبل بلوغه محلّ الترخص قدر الصلاة تماماً على حالته التي كان عليها ذلك الوقت وقدر فعل شرائطها المفقودة عنه، ويكفي في آخره إدراك قدر الشرائط المفقودة وركعة، ولا فرق بين الأداء والقضاء.
ولو أدرك من آخر النهار مقدار أربع ركعات أو ثلاث فالأجود وجوب قصر الظهر وإتمام العصر، أما لو أدرك خمساً وجب إتمامهما.
ولو اتفق أن المسافر بعد وصوله إلى البلد في أثناء الوقت رجع إليه فيه، كان حكمه حكم ما لو خرج إلى السفر بعد دخول الوقت فتعتبر المدة من حين وصوله في العود إلى محلّ حدود البلد إلى حين وصوله إليه في الذهاب، فإن كان بقدر الصلاة تماماً مع شرائطها المفقودة عنه أتمّ، وإلا قصر.
قوله: «أن يقول عقيب كل فريضة».
ص: 362
ولا يلزم المسافر متابعة الحاضر إذا انتم ،به، بل يقتصر على فرضه ويسلّم منفرداً.
وأما اللواحق فمسائل :
الأولى إذا خرج إلى مسافةٍ فمنعه مانع اعتبر، * فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان قصر إذا لم يرجع عن نية السفر، وإن كان بحيث يسمعه أو بداله عن السفر أتمّ. ويستوي في ذلك المسافر في البر والبحر.
الثانية: لو خرج إلى مسافة فردته الريح، * فإن بلغ سماع الأذان أتمّ، وإلا قصر.
الثالثة: * إذا عزم على الإقامة في غير بلده عشرة أيام ثم خرج إلى ما دون المسافة، فإن عزم العود والإقامة أتمّ ذاهباً وعائداً وفى البلد.
..........
الاستحباب مقصور على المقصورة ليتحقق الجبر، وقد صرّح به جماعة(1) ، وورد في خبرٍ عن العسكري (عليه السلام)(2).
قوله: «فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان قصر».
إلى ثلاثين يوماً، كما مر(3) .
قوله: «فإن بلغ سماع الأذان أتمّ وإلا قصّر».
المراد بالأذان هنا أذان بلده وما في حكمه، أما غيره فيبقى على القصر وإن كان قد نوى المقام به عشراً وصلّى تماماً أو مضى عليه فيه ثلاثون يوماً كذلك؛ لأنه بالخروج عنه بنيّة السفر ساوى غيره.
قوله: «إذا عزم على الإقامة في غير بلده - إلى قوله - أتمّ ذاهباً وعائداً وفي البلد».
ص: 363
.............
المراد أنه خرج بعد الصلاة تماماً أو ما هو في حكمها، وإلا رجع إلى القصر بمجرد الرجوع عن النية.
والمراد بالإقامة بعد العود إقامة عشرة مستأنفة لا مطلق الإقامة.
ووجه البقاء حينئذ على التمام ظاهر؛ لانقطاع سفره بالصلاة تماماً بعد نية الإقامة، فيتوقف القصر على السفر إلى مسافةٍ ولم يحصل.
ولهذه المسألة صور:
إحداها : ما ذكر، وحكمه كذلك. ولا فرق فيه بين أن ينوي إقامة العشرة الثانية في بلد الإقامة الأولى وغير شا مما هو دون المسافة، ولا بين تعليق إقامتها على وصوله إلى محلّ يريد الإقامة فيه، أو بعد تردّده إليه، أو إلى غيره مما يقصر عن المسافة مرة أو مراراً؛ لاشتراك الجميع في المقتضي.
الثانية: أن يعزم على العود من دون إقامة عشرة مستأنفة، وقد اختلف المتأخرون هنا فذهب بعضهم إلى القصر بمجرد خروجه (1)، وآخرون (2)إلى القصر في عوده خاصة؛ لكون الخروج إلى ما دون المسافة، وهو أجود، لكن يجب تقييده بما إذا استلزم العود قصد المسافة، كما لو كان المحلّ الذي خرج إليه مقابلاً لجهة بلده، ويكون منتهى السفر بحيث يكون الرجوع منه عوداً إلى بلده أو نحو ذلك، وإلا بقى على التمام مطلقاً؛ لما مر(3)من أنّ الصلاة تماماً بعد نية الإقامة يوجب البقاء على التمام إلى أن يقصد مسافة، وأن المسافة لا تلفّق من الذهاب والعود.
الثالثة: أن يعزم على مفارقة موضع الإقامة، وحكمه كالأول في عدم القصر إلى أن يقصد مسافةٌ ولو بالعود إلى بلده؛ لأنّ المفروض كون الخروج إلى ما دون المسافة.
ص: 364
الرابعة: مَنْ دخل في صلاته بنيّة القصر ثم عنّ له الإقامة أتمّ.
ولو نوى الإقامة عشراً ودخل في صلاته فعنّ له السفر* لم يرجع إلى التقصير، وفيه تردّد، أما لو جدّد العزم بعد الفراغ لم يجز التقصير ما دام مقيماً.
الخامسة: * الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة، لا بحال وجوبها، فإذا فاتت قصراً قضيت كذلك، وقيل: الاعتبار في القضاء بحال الوجوب، والأوّل أشبه.
السادسة: إذا نوى المسافة وخفى عليه الأذان وقصر فبدا له لم يُعد صلاته.
السابعة إذا دخل وقت نافلة الزوال * فلم يصلّ وسافر استحب له قضاؤها ولو في السفر.
......
وفي حكمه ما لو تردّد في العود إلى موضع الإقامة أو ذهل عن القصد؛ لأن المقتضى للقصر قصد المسافة ولم يحصل.
وكلام الأصحاب في هذه المسألة يحتاج إلى تنقيح.
واعلم أنه لا فرق في جميع ذلك بين كون الخروج مع الصلاة تماماً في أثناء العشرة أو بعدها ولو كان بعد سنين، فإنّ الخروج منها يلحقها بغيرها.
قوله: «لم يرجع إلى التقصير، وفيه تردّد».
من أنّ الصلاة على ما افتتحت عليه، وقد افتتحت على التمام فيجب الإتمام، ومن عدم تحقق الصلاة على التمام في أثنائها.
والأجود العود إلى القصر ما لم يركع في الثالثة، فيهدم الركعة ويسلّم، ويجب الإتمام إن كان قد ركع ويبقى على التمام.
قوله: «الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة» إلى آخره.
الأصح أنّ القضاء تابع للأداء في الموضعين، فيكون الاعتبار بحال الوجوب في الأوّل وبحال الفوات في الثاني.
قوله: «ولم يصلّ وسافر استحبّ له قضاؤها ولو في السفر».
المراد بالقضاء هنا الفعل، فإن كان وقتها باقياً صلاها أداء، وإلا قضاء.
ص: 365
ص: 366
وفيه قسمان:
وما تجب فيه، ومَنْ تُصرف إليه.
..............
كتاب الزكاة
الزكاة لغةً: الطهارة والنموّ(1)، سُمّيت بذلك الصدقة المخصوصة؛ لكونها مطهّرةً للمال من الأدران(2)المتعلقة به بسبب تعلّق حق الله تعالى به أو للنفوس من أوساخ الأخلاق الرذيلة
من البخل وترك مواساة المحتاج وغيرهما، ولما كان المطهر من شأنه أن يزيل الأوساخ ويصحبها كالماء للنجاسة، كانت الزكاة محرّمةً على بني هاشم تشريفاً لهم، فلذا قال النبي : «إنما هذا المال من الصدقة أوساخ الناس»(3)، وفي رواية: «غسالات أيدي الناس»(4). ووجه نسبتها إلى الأيدي في هذا الخبر أن الأموال المعطاة في الأكثر إنما تكون بها وتمر عليها.
ص: 367
أما الأوّل: فتجب الزكاة على البالغ العاقل الحُرّ المالك المتمكن من التصرف. فالبلوغ يعتبر في الذهب والفضة إجماعاً. نعم، إذا اتجر له من إليه النظر،
..........
وأمّا أخذها من جهة النمو؛ فلأنها تنمي الثواب وتزيده، وكذلك تزيد في المال وإن ظنّه الجاهل قد نقص، وقد قال : «إن الصدقة تزيد فى المال»(1) . وعن الصادق : «إن الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة»(2).
وقد عرفها المصنّف في المعتبر شرعاً بأنها اسم لحقِّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب (3).
و نقض في طرده بالخمس في نحو الكنز والغوص وفي عكسه بالمندوبة وزكاة الفطرة.
وأجيب بأن المعرَّف الواجبة، واللام في النصاب للعهد، وهو نصاب الزكاة، والنصاب في الفطرة معتبر، إمّا قوت السنة، أو نصاب الزكاة.
وفي الجواب تكلّف ظاهر.
والأولى في تعريفها: إنّها صدقة مقدّرة بأصل الشرع ابتداء، فخرج بالصدقة الخمس، وبالمقدّرة البرّ المتبرع به، وبالأصالة المنذورة، وبالابتداء الكفّارة، واندرجت الواجبة والمندوبة، ولا يحتاج إلى ضميمة «الراجحة» لأن الصدقة لا يكون إلا كذلك.
ولا يرد أن في المندوبة ما هو مقدر وليس بزكاة، كالصدقة بكسرة، وقبضة، وصاع وتمرةٍ، وشق تمرة كما ورد في الخبر(4)- لأن المقصود من ذلك ليس هو التقدير، بل الإشارة إلى أنّ الله يقبل القليل والكثير، ويؤيّده اختلاف التقدير. وهذا نظير قول الفقهاء: أقلّ النفاس لحظة، مع حكمهم أنه لا حد لأقله.
ص: 368
استحبّ له إخراج الزكاة من مال الطفل، * وإن ضمنه واتجر لنفسه وكان مَلِيّاً كان الربح له ويستحب له الزكاة ،* أما لو لم يكن مليّاً أو لم يكن وليّاً كان ضامناً، ولليتيم الربح، ولا زكاة هنا.
.........
قوله: «وإن ضمنه واتجر لنفسه وكان مليّاً كان الربح له».
المراد بضمانه له نقله إلى ملكه بوجهٍ ،شرعيّ، كالقرض، وبملاءه أن يكون له مال بقدر مال الطفل المضمون فاضلاً عن المستثنيات في الدين وعن قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.
وإنما يعتبر ملاءة الولى إذا لم يكن أباً أو جداً له، أما هما فلهما الاقتراض مع العسر واليسر، وكذا ما أشبه القرض.
قوله: «أما لو لم يكن مليّاً أو لم يكن ولياً كان ضامناً، ولليتيم الربح، ولا زكاة هنا».
إنما يثبت الضمان مع انتفاء الملاءة في الوليّ إذا لم يكن أباً أو جداً له، كما مرّ.
والمراد بالضمان هنا غرامة المثل أو القيمة مع التلف، لا الضمان بالمعنى الأول.
وإنما يكون الربح لليتيم مع الشراء بالعين وكون المشتري ولياً أو مع إجازته وحصول غبطة للطفل، ولا يقدح في ملك الطفل حينئذ عدم نيته؛ لأنّ الشراء بعين ماله يصرفه إليه مع الغبطة والولاية أو الإجازة، ولو لم يكن وليّاً أو لم يكن له فيه غبطة بطل البيع، ولا زكاة هنا على أحدٍ.
وحكم المصنف بعدم الزكاة - على تقدير انصرافه إلى الطفل - بناء على عدم قصد الطفل عند الشراء، فقصد الاكتساب للطفل طارئ على الشراء، وسيأتي أن شرطه المقارنة في ثبوت زكاة التجارة (1)، ولا بأس بذلك هنا؛ صيانةً لمال الطفل عن الذهاب فيما غايته الاستحباب، وإن كان في اشتراط ذلك منع، ومن ثَمَّ حكم بعض الأصحاب باستحباب إخراجها من مال الطفل في كل موضع يقع الشراء له، وخص سقوطها بصورة بطلان البيع(2).
ص: 369
* وتستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه، وقيل: تجب، وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه.
* وقيل: حكم المجنون حكم الطفل، والأصح أنه لا زكاة في ماله * إلا في الصامت إذا اتجر له الولى استحباباً.
.........
ولو كان الشراء في الذمة وقع للمشتري والزكاة المستحبة عليه.
واعلم أنّ جملة الأقسام فى ذلك أن يقال: المتصرف في مال الطفل إما أن يتجر لنفسه، أو للطفل. وعلى التقديرين إمّا أن يكون وليّاً مليّاً، أو لا، أو ولياً غير ملى أو بالعكس، فالصور ثمان، ثمّ إمّا أن يشتري بالعين أو في الذمة، فالصُور ستة عشر، وعلى تقدير الشراء بالعين وعدم كونه وليّاً مليّاً إمّا أن يكون للطفل في ذلك غبطة أو لا، فالصور تزيد على عشرين صورة، وحكمها أجمع يُعلم مما ذكرناه.
قوله:« وتستحب الزكاة في غلات الطفل».
المراد بالطفل هنا المنفصل، فلا وجوب ولا استحباب في الحمل، بل ادعى عليه بعض الأصحاب الإجماع (1).
وفي البيان احتمل انسحاب الحكم فيه مراعى بانفصاله حيّاً (2).
قوله: «وقيل: حكم المجنون حكم الطفل».
أي في وجوبها في غلاته ومواشيه أو استحبابها.
والأصح أن المجنون لا زكاة عليه مطلقاً؛ لعدم التكليف، والنص(3)، بخلاف الطفل.
قوله: «إلا في الصامت».
المراد بالصامت من المال الذهب والفضة، ويقابله الناطق، وهو المواشي ونحوها. نص عليه في الصحاح (4).
ص: 370
والمملوك لا تجب عليه الزكاة * سواء قلنا يملك، أو أحلنا ذلك.
ولو ملكه سيّده مالاً وصرفه فيه لم تجب عليه الزكاة، وقيل: يملك وتجب عليه الزكاة، وقيل: لا يملك والزكاة على مولاه.
وكذا المُكاتب المشروط عليه.
ولو كان مطلقاً وتحرّر منه شيء وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصاباً.
والملك شرط فى الأجناس كلها، ولا بد أن يكون تاماً، فلو وهب له نصاب* لم يجر في الحول إلا بعد القبض، وكذا لو أُوصي له *اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول.
......
قوله :«سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك».
لأنه على تقدير الملك ممنوع من التصرف في ماله بالحجر ، والسيد المانع ليس بمالك ،وتسلّطه عليه وقدرته على انتزاعه لا يوجب الملك، فتنتفي الزكاة عنهما.
قوله: «لم يَجْر في الحول إلا بعد القبض».
سواء جعلنا القبض ناقلاً للملك أم كاشفاً عن سبقه بالعقد؛ لمنعه سبقه بالعقد؛ لمنعه من التصرّف فيه قبل القبض على التقديرين
له: اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول».
سواء جعلنا القبول ناقلاً للملك إلى الموصى له أم كاشفاً عن سبق ملكه من حين موت الموصي ؛ لانتفاء تماميّة الملك على الثاني. ولا يعتبر في جريان الحول القبض؛ لتمامية الملك بدونه، لكن يشترط تمكنه من قبضه. ويجيء على مذهب الشيخ من توقف استقرار الملك عليه (1) - حتى لو ردّ قبله وبعد
القبول بطلت - احتمال توقف الحول عليه.
ص: 371
ولو اشترى نصاباً * جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة.
*ولو شرط البائع أو هما خياراً زائداً على الثلاثة بني على القول بانتقال الملك. والوجه أنّه من حين العقد.
وكذا لو استقرض مالاً وعينه باقية جرى في الحول من حين قبضه.
*ولا يجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة ،
........
قوله: «جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة».
رد بذلك على الشيخ؛ حيث حكم بتوقف تمامية الملك في البيع - المشتمل على خيار - على انقضائه (1).
والأصح حصوله بالعقد. نعم، يشترط في جريانه في الحول قبضه أو تمكنه منه.
ويتفرع عليه ما لو لم يتقابضا فإنّ لكلّ منهما حبس ما عنده حتى يتقابضا معاً، فلو توقف ذلك على مضي زمان لم يَجْر في الحول قبله.
قوله: «ولو شرط البائع أو هما خياراً زائداً على الثلاثة بني على القول بانتقال الملك».
أي بني جريان الحول فيه - من حين العقد أو بعد انقضاء الخيار - على القول بانتقال الملك، فإن جعلناه بالعقد جرى من حينه، وإلا لم يَجْر حتى ينقضي الخيار.
ويشكل بأنّ الخيار متى كان للبائع أو لهما منع المشتري من التصرفات المنافية للخيار كالبيع والهبة والرهن والإجارة ونحوها، وذلك ينافي تمامية الملك فيصير كالوقف ونحوه ممّا يبيح التصرّف بالانتفاع دون النقل عن الملك، فيتجه هنا قول الشيخ.
قوله: «ولا يجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة».
بناءً على أنّها لا تملك بالحيازة، بل بالقسمة.
ص: 372
*ولو عزل الإمام قسطاً جرى في الحول إن كان صاحبه حاضراً، وإن كان غائباً فعند وصوله إليه.
* ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول؛ لتعينه للصدقة.
...........
ويشترط أيضاً قبض الغانم أو وكيله، ولا يكفي قبض الإمام لها، إلا أن يعيّن حصته ويقبضها عنه فيتم الملك.
ويظهر من المعتبر حصول الملك بمجرد الحيازة، ووجوب الزكاة إذا بلغ نصيبه نصاباً، وإن توقف وجوب الإخراج على القبض(1) .
والمشهور الأول.
قوله: «ولو عزل الإمام قسطاً جرى في الحول» إلى آخره.
لا فرق في جريانه في ملكه مع قبض الإمام عنه بين حضوره وغيبته، كما تقدم(2).
قوله: «ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب» إلى آخره.
المراد أنّه نذر أن يتصدّق به فإنّه تسقط الزكاة وإن بقي على ملكه إلى حين الصدقة؛ لتعينه لها بالنذر فيكون ممنوعاً من التصرّف فيه بغيرها، وأولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر؛ لخروجه عن ملكه.
وألحق به الشهيد (رحمه الله) ما لو نذر مطلقاً ثم عيّن له مالاً مخصوصاً(3). أما لو نذر الصدقة بمال في الذمة لم يكن مانعاً من وجوب الزكاة في ماله وإن كان بصفات المنذور.
هذا كله إذا كان النذر مطلقاً أو معلّقاً على شرط قد حصل، أما لو لم يحصل ففي منعه من التصرف فيه نظر؛ من تعلّق النذر به واستلزام التصرّف فيه بالنقل عن ملكه بطلان النذر،
ص: 373
والتمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها * وإمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب.
* ولا تجب الزكاة في المال المغصوب ولا الغائب إذا لم يكن في يد وكيله أو وليه * ولا الرهن على الأشبه، ولا الوقف ،
.......
ومن عدم مخاطبته بالوفاء به حينئذ وإلا لتقدم المشروط على شرطه.
وجزم العلّامة في النهاية بعدم جواز التصرف فيه حينئذٍ فتسقط الزكاة(1) ، واختاره ولده فخر المحققين(2).
قوله: «وإمكان الأداء معتبر في الضمان لا في الوجوب».
فلو حال الحول على النصاب وجبت الزكاة وإن لم يجد من يؤديها إليه، لكن لو تلف النصاب قبل التمكن من أداء الزكاة سقطت، ولو تلف البعض سقط منها بحسابه.
قوله: «ولا تجب الزكاة في [المال] المغصوب».
هذا إذا كان المال ممّا يعتبر فيه الحول، أما ما لا يعتبر فيه كالغلات، فإن استوعب الغصب مدة شرط الوجوب وهو نموه في ملكه بأن لم يرجع حتى بدا الصلاح، لم تجب، ولو عاد قبل ذلك ولو بيسير وجبت كما لو انتقلت إلى ملكه حينئذ.
قوله: «ولا الرهن على الأشبه».
إذا لم يتمكن من فكه، بأن كان الدين مؤجّلاً أو الراهن معسراً، أما مع القدرة على فكه ولو ببيعه فلا تسقط.
نعم لو كان الرهن مستعاراً (اعتبر فى وجوب الزكاة على المعير فكّه) (3).
ص: 374
* ولا الضال ولا المال المفقود، فإن مضى عليه سنون وعاد زكّاه لسنة استحباباً، ولا القرض حتى يرجع إلى صاحبه، ولا الدين، فإن كان تأخيره من جهة صاحبه ، قيل : تجب الزكاة على مالكه ، وقيل : لا ، والأوّل أحوط.
* والكافر تجب عليه الزكاة، لكن لا يصح منه أداؤها، فإذا تلفت لا يجب عليه ضمانها وإن أهمل.
والمسلم إذا لم يتمكن من إخراجها وتلفت لم يضمن ، ولو تمكن وفرط ضمن .
والمجنون والطفل لا يضمنان إذا أهمل الولي، مع القول بالوجوب في الغلات والمواشي.
......
قوله: «ولا الضال ولا المال المفقود».
المراد بالضال الحيوان وبالمفقود غيره، ويعتبر في مدة الضلال والفقد إطلاق الاسم فلو ضل لحظة أو يوماً في الحول لم ينقطع.
قوله: «والكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها» إلى آخره.
إسلام الكافر يوجب سقوط الزكاة التي كانت قد وجبت عليه حال كفره؛ لأنّ الإسلام يجب ما قبله، سواء كانت عين النصاب موجودة أم لا، وإن مات على كفره عوقب على تركها؛ لأنه مخاطب بفروع الإسلام عندنا، فقول المصنف فلو تلفت لم يجب عليه ضمانها وإن أهمل لا تظهر فائدته مع إسلامه؛ لما عرفت من أنّها تسقط عنه وإن بقي المال، بل إنّما تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الإمام أو الساعي أخذ الزكاة منه قهراً، فإنّه يشترط فيه بقاء النصاب، فلو وجده قد أتلفه لم يضمّنه الزكاة وإن كان بتفريطه، ولو تلف بعضه سقط منها بحسابه، وإن وجده تاماً أخذها كما يأخذها من المسلم الممتنع من أدائها، ويتولى النية عند أخذها منه ودفعها إلى المستحق.
ص: 375
تجب الزكاة في الأنعام: الإبل والبقر والغنم وفى الذهب والفضة* والغلات الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
ولا تجب فيما عدا ذلك.
وتستحبّ في كلّ ما تُنبت الأرض ممّا يُكال أو يوزن، * عدا الخضر كالقَتُ
..............
قوله: «والغلات الأربع الحنطة والشعير والتمر والزبيب».
جعل التمر والزبيب محلّاً للوجوب يتحقق على القول بعدم تعلّق الزكاة بهما حتى يصيرا كذلك، أما على القول بتعلّقها بانعقاد الحصرم (1)واحمرار ثمرة النخل أو اصفرارها فليس متعلق الوجوب منحصراً في التمر والزبيب وإن آل الحال إليه، فإطلاق المحلّ عليه - على ذلك التقدير - مجاز، وقد اشترك في التعبير بذلك القائلان.
قوله: «عدا الخضر كالقَت».
هو - بفتح القاف المثناة والتاء المثناة من فوق - نوع من الخضر يطعم للدواب، يُعرف عرفاً ب_ «الفِصَّة» ولغةٌ ب_ «الفصفصة» بكسر الفاءين، وهو الرطبة والقضب(2) .
وأما (الفت)(3) - بالفاء الموحدة فقد قال ابن دريد : هو نبت يخبز حبه ويؤكل في الجدب (4).
ص: 376
والباذنجان والخيار وما شاكله.
*وفي مال التجارة قولان، أحدهما الوجوب، والاستحباب أصح، وفي الخيل الإناث.
وتسقط عمّا عدا ذلك إلا ما سنذكره.
فلا زكاة في البغال والحمير والرقيق.
* ولو تولّد حيوان بين حيوانين أحدهما زكاتي، روعي في إلحاقه بالزكاتي إطلاق اسمه .
.........
وهو غير مراد هنا ؛ لأنه هنا نوع من الخضر ، وأخضر هذا النوع غير معلوم الاستعمال.
قوله: «وفي مال التجارة قولان ... والاستحباب أصح».
القول بالاستحباب هو الأشهر روايةً وفتوى.
قوله: «ولو تولد حيوان بين حيوانين ... روعي في إلحاقه بالزكوي إطلاق اسمه».
الحيوان المتولّد بين حيوانين إما أن يكونا زكويين، أو أحدهما، أو لا يكونا كذلك، وعلى التقديرات إما أن يلحق بأحدهما، أو بثالث زكوي أو غيره، فالصور حينئذ تسع .
والضابط أنه متى كان أحد أبويه زكوياً وهو ملحق بحقيقة زكوى - سواء كان بصفة أحد أبويه أم غيرهما، نظراً إلى قدرة الله تعالى - وجبت فيه الزكاة، وإن لم يكن على حقيقة زكوي فلا زكاة، ولو لم يكونا زكويين فإن كانا محلّلين أو أحدهما وجاء بصفة زكوي وجبت أيضاً، وإلا فلا، مع احتمال تحريمه لو كانت أُمّه محرّمةً وإن جاء بصفة المحلّل، وإن كانا محرّمين وجاء بصفة الزكوي احتمل حلّه ووجوب الزكاة، وعدم الحلّ فتنتفي الزكاة وإن جاء غير زكوي فلا زكاة قطعاً، وفي حله لو جاء بصفة المحلل الوجهان، والوجه تحريمه فيهما لكونه فرع محرم.
ص: 377
والكلام في الشرائط، والفريضة، واللواحق.
أما الشرائط فأربعة:
الأول: اعتبار النصب، وهي في الإبل اثنا عشر نصاباً :خمسة، كلّ واحدٍ منها خمس فإذا بلغت ستاً وعشرين صارت كلّها ،نصاباً، ثمّ ست وثلاثون، ثم ست وأربعون ، ثمّ إحدى وستون، ثمّ ستّ وسبعون، ثمّ إحدى وتسعون، فإذا بلغت مائةً وإحدى وعشرين . فأربعون أو خمسون أو منهما.
. وفي البقر نصابان: ثلاثون وأربعون دائماً.
.......
قوله :«فأربعون أو خمسون أو منهما».
أشار بذلك إلى أنّ النصاب بعد بلوغها ذلك يصير أمراً كلياً لا ينحصر في فرد، وأنّ التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقاً، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخيّر ، وإن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعاباً، مراعاةً لحق الفقراء، ولو لم يمكن إلا بهما وجب الجمع، فعلى هذا يجب تقدير أوّل هذا النصاب، وهو المائة وإحدى وعشرون بالأربعين، والمائة وخمسين بالخمسين، والمائة وسبعين بهما، ويتخيّر في المائتين، وفي الأربعمائة يتخيّر بين اعتباره بهما وبكلّ واحدٍ منهما.
واعلم أنّ الواحدة الزائدة على العشرين شرط في وجوب الثلاث، وهل هي جزء من النصاب ؟ الظاهر العدم ؛ لخروجها عنه بالاعتبارين، فعلى هذا يتوقف الوجوب عليها، ولا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شيء. كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها إلى أن يبلغ تسعاً .
قوله: «وفي البقر [نصابان:] ثلاثون وأربعون دائماً».
ص: 378
وفي الغنم خمسة نُصُب: أربعون وفيها شاة، ثمّ مائة وإحدى وعشرون وفيها ،شاتان، ثمّ مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة وواحدة، فإذا بلغت ذلك، قيل: يؤخذ من كلّ مائةٍ شاة، وقيل: بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فتؤخذ من كلّ مائة شاة بالغاً ما بلغ وهو الأشهر.
.......
كون نصاب البقر اثنين هو المشهور في كلامهم ومراد المصنّف بقوله «دائماً» أن الثلاثين لا ينحصر في الأول ولا الأربعين في الثاني، بل يتعلّق الحكم بكلّ ثلاثين وبكل أربعين. ولولا القيد لكان للبقر ثلاث نُصب: ثلاثون، ثمّ أربعون، ثم أمر(1) كلّي وهو كلّ ثلاثين وكلّ أربعين، ويدخل في ذلك ما لو اجتمعا، كما في سبعين فإنّها تُعد بثلاثين وأربعين.
وفي الحقيقة ما جعلوه نصابين إنّما هو بحسب الصورة، وإلا فمرجعه إلى نصاب واحدٍ كلّي، وهو أنّ البقر مهما بلغت يعتبر بالثلاثين وبالأربعين، فكلّ ثلاثين نصاب وكل أربعين نصاب.
وفي المنتهى جعل نُصُبها أربعة ثلاثين، وأربعين، وستين ففيها تبيعان، ثمّ ما زاد في كلّ ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة(2)، وهو النصاب الكلي.
وفي التذكرة جعلها خمسة: الثلاثة الأول، ثمّ سبعين وفيها تبيع ومسنة، ثم اعتبر الكلّي بعد ذلك(3).
وفي صحيح زرارة وغيره دلالة عليه وزيادة (4).
وبالجملة، فالواجب التقدير بما يوجب الاستيعاب أو يكون إليه أقرب فيعتبر الستين بالثلاثين مرتين والسبعين بهما، والثمانين بالأربعين والتسعين بالثلاثين والمائة بهما، ويتخير في المائة وعشرين والاختلاف في اعتبار النُصُب لفظ.
ص: 379
. وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.
.......
قوله: «وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان».
جواب عن سؤال أورده المصنف في الكتاب إجمالاً، وتقريره: أنه إذا كان على القولين تب في أربعمائة أربع، فأي فائدة للخلاف؟ أو أنه إذا كان يجب في ثلاثمائة وواحدة ما يجب في أربعمائة، فأي فائدة في الزائد؟
ويمكن تقرير السؤال على المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة بتقريب التقرير.
وتقرير الجواب: إنّ الفائدة تظهر في الوجوب، أي في محلّ الوجوب وفي الضمان.
أمّا الأوّل فإنّه إذا كانت أربعمائة فمحل الوجوب مجموعها على المشهور، ولو نقصت عن الأربعمائة ولو واحدة كان محلّ الوجوب الثلاثمائة وواحدة، والزائد عفو، فالأربع وإن وجبت على التقديرين إلّا أنّ محلّها مختلف.
وكذا القول في مائتين وواحدة وثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.
وأما الثاني - وهو الضمان - فإنّه متفرع على محلّ الوجوب، فإنه إذا تلف من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة، ولو كانت ناقصةً عن الأربعمائة ولو واحدة وتلف منها شيء لم يسقط من الفريضة شيء ما دامت ثلاثمائة وواحدة؛ لوجود النصاب، والزائد عفو.
وكذا القول في مائتين وواحدة وثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.
وتظهر فائدة الخلاف أيضاً في وجه آخر، وهو أن النصاب بعد بلوغ الأربعمائة أو الثلاثمائة وواحدة - على القول الآخر - ليس هو هذا العدد المخصوص، وهو إنّما هو أمر كلّي، وهو كل مائة، بخلاف الثلاثمائة وواحدة على القول المشهور، فإنّها وإن أوجبت أربعاً إلّا أنّها عين النصاب.
وكذا القول في المائتين وواحدة على القول الآخر.
ويختلف باختلاف ذلك ،الضمان فإنّه لو تلفت الواحدة الزائدة على الثلاثمائة
ص: 380
والفريضة تجب في كلّ نصاب من نُصُب هذه الأجناس، وما بين النصابين يجب فيه شيء.
* وقد جرت العادة بتسمية ما لا يتعلّق به الفريضة من الإبل شَنَقاً، ومن البقر وقصاً، ومن الغنم عَفْواً، ومعناه في الكلّ واحد. فالتسع من الإبل نصاب وشنق، فالنصاب خمس والشنق أربع بمعنى أنه لا يسقط من الفريضة شيء ولو تلفت الأربع.
وكذا التسعة والثلاثون من البقر نصاب ووقص، فالفريضة في الثلاثين ،والزائد عفو حتى تبلغ أربعين.
وكذا مائة وعشرون من الغنم نصابها أربعون والفريضة فيه وعفوها ما زاد حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين. وكذا ما بين النصب التي عددناها.
* ولا يضمّ مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخِلْطَة وكانا في مكانٍ واحد، بل يعتبر في مال كلّ واحدٍ بلوغ النصاب.
ولا يفرّق بين مال المالك الواحد ولو تباعد مكاناهما.
..........
-على المشهور - سقط بسببها جزء من الواجب، وعلى القول بسقوط الاعتبار عنده ووجوب شاةٍ في كل مائةٍ تكون الواحدة شرطاً في الوجوب لا جزءاً، فلا يسقط بتلفها شيء. قوله: «وقد جرت العادة بتسمية ما لا يتعلّق به الفريضة من الإبل شَنَقاً ومن البقر وَقَصا».
الشنق - بفتح النون - والوقص - بفتح القاف - ما بين الفريضتين(1) .
قوله: «ولا يضمّ مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخلطة».
رد بذلك على بعض العامة حيث أوجب على المالكين إذا اجتمع من مالهما نصاب مع اجتماع شرائط الخِلْطَة - بكسر الخاء - وهي العشرة، كما لو اشترك اثنان في أربعين شاة أو كان لكلّ واحدٍ عشرون واتحد المسرح والمراح والمشرع والفحل والحالب والمحلب(2).
ص: 381
فلا تجب الزكاة في المعلوفة *ولا في السخال إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعي.
ولا بد من استمرار السوم جملة الحول* فلو علفها بعضاً ولو يوماً استأنف الحول عند استئناف السوم، ولا اعتبار باللحظة عادة. وقيل: يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب، والأوّل أشبه .
........
قوله: «السوم».
السوم هو الرعي، يقال: سامت الماشية تسوم سوماً، أي رعت، فهي سائمة، قاله الجوهري(1).
قوله: «ولا في السخال إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعي».
لأن السوم شرط، وقد عرفت أنه لغةً: الرعى فلا يتحقق مدة الرضاع.
والمشهور أنّ حولها من حين النتاج : الرواية زرارة عن الباقر : «ليس في صغار الإبل شيء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج »(2)، والخاص مقدم.
وجمع في البيان بين الأخبار باعتبار الحول من حين النتاج إن كان اللبن الذي يشربه عن سائمة، ومن حين السوم إن كان عن معلوفة (3). وليس بواضح.
وفي المختلف ردّ الرواية بضعف السند(4) ، وكأنه أراد به سندها الذي ذكره الشيخ (5)، وإلّا فطريقها في الكافي صحيح، فالعمل بها مع كونه المشهور متجه.
قوله: «فلو علفها بعضاً ولو يوماً استأنف الحول».
بناءً على أنّ السوم شرط، ففواته في بعض الحول يقطعه كفوات الملك وغيره.
ص: 382
ولو اعتلفت من نفسها بما يعتد به بطل حولها؛ لخروجها عن اسم السوم.
وكذا لو منع السائمة مانع كالثلج * فعَلَّفَها المالك أو غيره بإذنه أو بغير إذنه.
وهو معتبر في الحيوان والنقدين مما تجب فيه، وفي مال التجارة والخيل ممّا تستحبّ.
..............
ويشكل بأنّ ذلك لو أثر لأثرت اللحظة، وهو لا يقول به.
والأجود الرجوع في ذلك إلى العرف، فإن خرجت بالعلف عن كونها سائمة عرفاً استؤنف الحول وإلا فلا، والعرف الآن لا يقضي بالخروج عنه باليوم في السنة ولا في الشهر، وهو اختيار الدروس(1).
قوله: «فعلفها المالك أو غيره».
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الغير قد علّفها من ماله أو من مال المالك .ووجه الحكم في الجميع خروجها عن اسم السائمة بالعلف كيف اتفق.
ويشكل الحكم فيما لو علّفها الغير من مال نفسه؛ نظراً إلى المعنى المقصود من العلف والحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه، وهو المؤونة على المالك الموجبة للتخفيف، كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالي.
ومثله ما لو علّفها الغير من مال المالك بغير اذنه لثبوت الضمان عليه.
وقد يفرّق بينهما بثبوت الغرامة على المالك في الثاني دون الأوّل، وثبوت الضمان ردّ إلى ما لا يُعلم؛ لجواز إعسار الضامن أو منعه.
ويضعف بأن ذلك لا يقتضي تعميم الحكم، بل غايته القول بالتفصيل.
وللتوقف في المسألتين مجال وان كان القول بخروجها عن السوم فيهما لا يخلو من وجه. واعلم أنّ العلف يتحقق بأكلها شيئاً مملوكاً، كالتبن والزرع، حتى لو اشترى مرعى وأرسلها فيه كان ذلك علفاً.
ص: 383
*وحده أن يمضي له أحد عشر شهراً ثمّ يُهلّ الثاني عشر، فعند هلاله تجب ولو لم يكمل أيام الحول.
..........
أما استيجار الأرض للمرعى وما يأخذه الظالم على الكلاء ففي الدروس: لا يخرج به عن السوم(1). وكأنه بناه على أنّ الغرامة في مقابلة الأرض دون الكلاء؛ إذ مفهوم الأجرة لا يتناوله. ولا يخلو ذلك من إشكال.
قوله: «وحده أن يمضى أحد عشر شهراً ثمّ يُهل الثاني عشر وإن لم يكمل أيام الحول».
اعلم أنّ «الحول» لغة اثنا عشر شهراً(2)، ولكن أجمع أصحابنا على تعلّق الوجوب بدخول الثاني عشر، وقد أطلقوا على الأحد عشر اسم «الحول» أيضاً بناء على ذلك، وورد عن الباقر والصادق(عليهم السلام) : إذا دخل الثانى عشر فقد حال عليه الحول ووجبت الزكاة»(3). فصارت الأحد عشر حولاً شرعياً، فقول المصنف وحده أن يمضى» إلى آخره، أراد به الحول بالمعنى الشرعي، وقوله «وإن لم يكمل أيام الحول» أراد به الحول بالمعنى اللغوي، فيكون قد استعمل الحول في معناه الحقيقي والمجازي؛ لما تقرّر من أنّ الحقائق الشرعية مجازات لغوية.
إذا تقرر ذلك ، فنقول : لا شكّ في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر، ولكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر ؟ الذي اقتضاه الإجماع والخبر السالف (4)الأوّل ؛ لأنّ الوجوب دائر مع الحول وجوداً مع باقي الشرائط ، وعدماً ؛ لقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»(5)، وقول الصادق(عليه السلام) : «لا تزكه
ص: 384
* ولو اختل أحد شروطها في أثناء الحول بطل الحول، مثل أن نقصت عن
.........
حتى يحول عليه الحول»(1)وقد تقدّم في الخبر السالف: «إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت الزكاة »(2)، والفاء تقتضي التعقيب بغير مهلة فيصدق الحول بأوّل جزء منه، و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه، وحيث ثبت تسمية الأحد عشر شهراً حولاً شرعاً قدم على المعنى اللغوي؛ لما تقرر من أن الحقيقة الشرعية مقدّمة على اللغوية.
ويحتمل الثاني؛ لأنه الحول لغةٌ، والأصل عدم النقل، ووجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأوّل؛ لجواز حمل الوجوب - بدخوله - على غير المستقر.
والحق أنّ الخبر السابق إن صح فلا عدول عن الأوّل، لكن في طريقه كلام، فالعمل على الثاني متعيّن إلى أن يثبت، وحينئذ فيكون الثاني عشر جزءاً من الأول، واستقرار الوجوب مشروط بتمامه، وحينئذ يصح حمل الحول في قوله ولو لم يكمل أيام الحول على المعنى الشرعي أيضاً وإن وافق اللغوي، فيكون الأحد عشر حولاً لمطلق الوجوب، والاثنا عشر حولاً للوجوب المستقر.
وقوله: «ولو اختل أحد شروطها في أثناء الحول».
المراد به الحول بالمعنى الثاني، فتسقط الزكاة باختلال بعض الشرائط قبل تمامه وإن كان في الشهر الثاني عشر.
ولو كان قد دفع المالك الزكاة ثم تجدّد السقوط. رجع على القابض مع علمه بالحال أو بقاء العين.
ويحتمل أن يريد بالحول هذا الأوّل، فلا يسقط الوجوب باختلاف الشرائط في الثاني
عشر وإن جعلناه من الحول وهو ضعيف.
ص: 385
النصاب فأتمها، *أو عاوضها بجنسها أو بمثلها على الأصح.
وقيل : إذا فَعَل ذلك فراراً وجبت الزكاة. وقيل: لا تجب، وهو الأظهر.
* ولا تُعدّ السخال مع الأمهات، بل لكلّ منهما حول على انفراده.
ولو حال الحول فتلف من النصاب شيء، فإن فرّط المالك ضمن وإن لم يكن فرّط سقط من الفريضة بنسبة التالف من النصاب.
..........
قوله: «أو عاوضها بجنسها أو بمثلها».
المراد بالجنس هنا النوع، كالغنم بالغنم الشامل للضأن والمعز، والبقر الشامل للجاموس، وبالمثل الحقيقة الصنفيّة، كالضأن بالضأن، وربما خص ذلك بالجنس، وفر المثل بالموافق منه في الذكورة والأنوثة، والأمر سهل.
قوله: «ولا تُعدّ السخال مع الأمهات، بل لكلّ منهما حول بانفراده».
هذا إذا كانت السخال نصاباً مستقلاً بعد نصاب الأمهات، كما لو ولدت خمس من الإبل خمساً، أو ولدت أربعون بقرة أربعين أو ثلاثين، أما لو كان نصاب السخال غير مستقل كما لو ولدت أربعون فصاعداً من الغنم أربعين - ففي ابتداء حوله مطلقاً، أو مع إكماله للنصاب الذي بعده، أو عدم ابتدائه حتى يكمل الأوّل أوجه، كما لو كان عنده سبعون من الغنم وولدت ما يكمل النصاب الثاني فصاعداً.
والإشكال آتٍ فيما لو ملك العدد الثاني بعد جريان الأول في الحول.
والاحتمال الأخير أقرب. فعلى هذا لو كان عنده أربعون فولدت أربعين لم يجب فيها شيء، وعلى الأوّل يجب لها شاة عند تمام حولها.
ولو كان عنده ثمانون فولدت اثنين وأربعين وجبت شاة عند تمام حول الأُولى، وأُخرى عند تمام حول الثانية على الأولين، وعلى الأخير يجب شاة للأُولى ثمّ يستأنف حول الجميع بعد تمام حول الأُولى.
ص: 386
* وإذا ارتد المسلم قبل الحول لم تجب الزكاة واستأنف ورثته الحول، وإن كان بعده وجبت.
*وإن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول . ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقياً.
فإنّه ليس في العوامل زكاة ولو كانت سائمة.
[المقصد] الأول: الفريضة في الإبل شاة في كل خمسةٍ حتى تبلغ خمساً ،وعشرين، فإن زادت واحدة كانت فيها بنت مخاض، فإذا زادت عشرة كان فيها
............
قوله: «ولو ارتد المسلم».
احترز به عن المسلمة فإن ارتدادها لا يقطع الحول، بل يكون حكمها حكم المرتد عن ملةٍ.
قوله: «وإن لم يكن عن فطرة».
الضمير المستكنّ في «يكن يعود إلى الارتداد المدلول عليه بالفعل تضمّناً؛ لأنّ المصدر أحد مدلولي الفعل.
قوله: «ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقياً».
ويتولى النية الإمام أو الساعي، ويجزئ عنه حينئذٍ لو عاد إلى الإسلام، بخلاف ما لوأداها بنفسه ما لم تكن العين باقيةً أو القابض عالماً بالحال.
قوله: «أن لا تكون عوامل».
المرجع في كونها عوامل إلى العرف كالسوم، فلا يؤثر اليوم في السنة ولا في الشهر والشيخ يعتبر الأغلب (1) . كما مر(2).
ص: 387
بنت لبون، فإذا زادت عشرةً أُخرى كان فيها حقة، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جَذَعَة، فإذا زادت خمس عشرة أخرى كان فيها بنتا ،لبون، فإذا زادت خمسر عشرة أيضاً كان فيها حِقَّتان، فإذا بلغت مائةً وإحدى وعشرين طرح ذلك، وكان في كلِّ خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.
* ولو أمكن في عددٍ فرض كلّ واحدٍ من الأمرين كان المالك بالخيار في إخراج أيّهما شاء.
وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مُسِنَّة.
[المقصد] الثاني في الأبدال
من وجبت عليه بنت مخاض . وليست عنده أجزأه ابن لبون ذكر * ولو لم يكونا عنده كان مخيراً في ابتياع أيهما شاء.
............
قوله: «ولو أمكن في عددٍ فرض كلّ واحدٍ من الأمرين كان المالك بالخيار».
كمائتين، فإنّه يتخيّر بين إخراج أربع حقق أو خمس بنات لبون.
وأشار بذلك إلى أنّه يتعيّن التقدير بما لا يحصل به نقص على الفقراء، كما مر تحقيقه.
قوله: «ولیست عنده أجزأه ابن لبون ذكر».
احترز بقوله وليست عنده عمّا لو كانت عنده، فإنّه لا يجزئ عنها ابن اللبون وإن كان عنده؛ لتقييد إجزائه في النص بذلك(1) .
وذهب بعض الأصحاب إلى إجزائه عنها مطلقاً (2)، وما هنا أجود.
قوله: «ولو لم يكونا عنده تخيّر(3)» .
ص: 388
ومَنْ وجبت عليه سن وليست عنده، وعنده أعلى منها بسن دفعها * وأخذ شاتين أو عشرين درهماً، وإن كان ما عنده أخفض بسن دفع معها شاتين أو عشرين درهماً، والخيار في ذلك إليه لا إلى العامل، * سواء كانت القيمة السوقية مساويةً لذلك أو ناقصةً عنه أو زائدة عليه.
........
قيل: يتعين هنا شراء بنت المخاض؛ لتقييد النص بكون ابن اللبون عنده وبنت المخاض ليست عنده (1).
وما ذكره المصنّف أجود؛ لأنّه بشراء ابن اللبون يصير عنده مع فقدها.
،نعم لو اشتراهما تعيّنت بنت المخاض ما لم يسبق إخراجه على شرائهما.
قوله: «وأخذ شاتين أو عشرين درهماً ... دفع معها شاتين أو عشرين درهماً إلى آخره.
ولو دفع أو أخذ شاةً وعشرة دراهم جاز أيضاً.
ثم إن كان المالك هو الدافع أوقع النية على المجموع، وإن كان الآخذ ففي محلّ النيّة إشكال. والذي اختاره الشهيد( رحمه الله )إيقاع النيّة على المجموع واشتراط المالك على الفقير ما يجبر به الزيادة فيكون نية وشرطاً لا نية بشرط (2).
قوله: «سواء كانت القيمة السوقية مساويةً لذلك أو ناقصةً عنه أو زائدةً عليه».
يمكن أن يكون «ذا» إشارة إلى التفاوت بين السن الواجبة والبدل، بمعنى أن بنت اللبون يجزئ عن بنت المخاض مع الجبر، سواء كان التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون يساوي الشاتين أم يزيد أم ينقص، ويحتمل عوده إلى الجبران، ومآلهما واحد. ويمكن عوده إلى مجموع المدفوع، بمعنى أن ذلك مجزئ وإن كان مساوياً للشاتين أو أنقص.
ووجه الإجزاء في الجميع إطلاق النص(3).
ص: 389
* ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة لم يتضاعف التقدير الشرعي ورجع في التقاص إلى القيمة السوقية على الأظهر . * وكذا ما فوق الجذع من الأسنان، وكذا ما عدا أسنان الإبل.
.............
ويشكل في صورة استيعاب الجابر لقيمة المدفوع، كما لو كانت قيمة بنت اللبون التي دفعها المالك تساوي الشاتين اللتين أخذهما.
والأولى هنا عدم الإجزاء لاستلزامه أن لا يكون قد أدّى شيئاً.
قوله: «ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجةٍ واحدة» إلى آخره.
خالف في ذلك الشيخ والعلّامة في بعض كتبه، فجوزا دفع ابنة مخاض عن حقةٍ مع دفع أربع شياه، وعن جذعةٍ مع دفع سيّ، ودفع الحقة عن بنت المخاض مع أخذ أربع شياه. والجذعة عنها مع أخذ ست (1)؛ لأنّ كلّ سنّ من الأسنان مسا و لما قبله مع الجبر في المصلحة. ومساوي المساوي مساوٍ.
والأجود الوقوف مع المنصوص، وهو فرض التفاوت بسنّ واحدة، ولا يلزم من اجتزائه بعين اجتزاؤه بمساويها
قوله: «وكذا ما فوق الجذع من الأسنان».
كالثني وهو ما دخل في السادسة والرباع وهو ما دخل في السابعة، والسديس وهو ما دخل في الثامنة، والبازل وهو ما دخل في التاسعة فكلّ واحدٍ من هذه لا يجزئ عن الجذع ولا ما دونه؛ اقتصاراً في إجزاء غير الفرض عنه مع الجبر على مورد النص.
وفي إجزاء هذه عن أحد الأسنان الواجبة من غير جبر نظر: من كونه أعلى قيمة غالباً، ومن ثُمَّ حصل الجبر مع علوّ السنّ، ومن عدم النص، واحتمال نقصه في القيمة.
والأصح مراعاة القيمة في الجميع.
ص: 390
[المقصد] الثالث في أسنان الفرائض
*بنت المخاض هي التي لها سنة ودخلت في الثانية ، أي أُمّها ماخض ،بمعنى حامل.
*وبنت اللبون هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة، أي أُمها ذات لبن.
*والحقة هي التي لها ثلاث ودخلت في الرابعة، فاستحقت أن يطرقها الفحل أو يحمل عليها.
...........
وكذا الإشكال فيما لو دفع بنت مخاض عن خمس شياه مع قصور قيمتها عنها، فإنّها تجزئ عن سةٍ وعشرين فعن خمس وعشرين أولى، ومن خروجه عن المنصوص ونقصه عن قيمة الواجب، بل الإشكال في إجزائها عن شاة واحدة مع نقصها عن قيمتها.
والأصح العدم في الجميع.
قوله :«بنت المخاض» إلى آخره.
المخاض - بفتح الميم - اسم للحوامل، وهو اسم جنس لا واحد له من لفظه، بل يقال للواحد خلفة، بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام ومنه سُمّيت بنت المخاض، أي بنت ما من شأنها أن تكون حاملاً، سواء أُلقِحَت أو لم تلقَح.
قوله: «وبنت اللبون» إلى آخره.
اللبون - بفتح اللام - أي ذات لبن ولو بالصلاحية، ولا يقال في جمعها وجمع بنت المخاض إلا بالإفراد كالواحدة، فيقال: بنت لبون وبنات لبون، وإن اختلفت الأمهات ،وكذلك بنات مخاض.
قوله: «والحقة».
هي - بكسر الحاء - الأنثى من الإبل إذا كمل لها ثلاث سنين، ويقال: حق - بالكسر- للذكر والأُنثى.
ص: 391
*والجذعة هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة، وهي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة.
والتبيع هو الذي تمّ له حول، وقيل: سُمّي بذلك؛ لأنه تبع قرنه أُذنه، أو تبع أُمه في الرعي.
والمُسنّة هي الثَّنِيَّة التي كملت لها سنتان ودخلت في الثالثة.
ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية، ومن العين أفضل ،وكذا في سائر الأجناس.
والشاة التي تؤخذ في الزكاة قيل: * أقله الجذع من الضأن أو الثني من المعز، وقيل : ما يُسمّى شاةً، والأوّل أظهر.
*ولا تؤخذ المريضة، ولا الهرمة، ولا ذات العوار.
......
قوله: «والجذعة».
هي - بفتح الجيم والذال المعجمة، وجمعها جذعات بفتح الذال أيضاً - اسم لما في تلك السن، لا بسبب سن تنبت، ولا تسقط.
قوله: «أقله الجذع من الضأن».
وهو ما كمل سنه سبعة أشهر إلى أن يستكمل سنة، فإذا أكملها قيل: ثني، ومثله الثني من المعز.
وقيل: إنّما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابين، ولو كانا هرمين لم يجذع حتى يستكمل ثمانية أشهر، وإنّما قيل في ولد الضأن ذلك؛ لأنّه ينزو حينئذ ويضرب، والمعز لا ينز و حتى يدخل في الثانية (1).
قوله: «ولا تؤخذ المريضة، ولا الهرمة، ولا ذات العوار».
ص: 392
وليس للساعي التخيير، فإن وقعت المشاحة، قيل: * يقرع حتّى يبقى السن التي تجب.
فهي أن الزكاة تجب في العين لا في الذمة، فإذا تمكن من إيصالها إلى مستحقها فلم يفعل فقد فرّط، فإن تلفت لزمه الضمان. وكذا إن تمكن من إيصالها إلى الساعي أو إلى الإمام.
ولو أمهر امرأةً نصاباً وحال عليه الحول في يدها فطلقها قبل الدخول وبعد الحول * كان له النصف موفّراً وعليها حق الفقراء، ولو هلك النصف بتفريط كان
............
هذا إذا كان في النصاب صحيح أو فتيّ أو سليم من العوار، أما لو كان جميعه كذلك أجزاً الإخراج منه. ولو اختلف في ذلك قسط وأخرج صحيحاً بقيمة القسط الصحيح والمعيب، فلو كان نصف أربعين شاة صحيحاً ونصفها مريضاً وقيمة كلّ صحيحة عشرون وكل مريضةٍ عشرة اشتری صحيحةً تساوي خمسة عشر.
ولو أخرج صحيحةً قيمتها ربع عُشر الأربعين كفى وهو أسهل من التقسيط غالباً.
والعوار - بفتح العين وضمها - العيب.
قوله: «يقرع حتى يبقى السن التي تجب».
إنما يتحقق القرعة مع تعدّد ما هو بصفة الواجب في المال، وكيفيتها أن يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة، وهكذا حتى تبقى واحدة.
والأصح تخيير المالك من غير قرعة.
قوله: «كان له النصف موفّراً».
يجوز أن يريد بالنصف الموفّر أخذ عين النصف وإخراج الزكاة من نصفها؛ لأن الزكاة
ص: 393
للساعي أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به؛ لأنه مضمون عليها.
ولو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال فإن أخرج زكاته في كلّ سنة من غيره تكرّرت الزكاة فيه، فإن لم يُخرج وجب عليه زكاة حول واحد.
ولو كان عنده أكثر من نصاب كانت الفريضة في النصاب ويجبر من الزائد، وكذا في كلّ سنة حتى ينقص المال عن النصاب، * فلو كان عنده ست وعشرون من الإبل ومضى عليها حولان وجب عليه بنت مخاض وخمس شياه، فإن مضى عليها ثلاثة أحوال ، وجب عليه بنت مخاض وتسع شياه.
.......
وإن وجبت في العين لكن لا ينحصر وجوب الإخراج فيها، ولا يكون كالشركة المحضة بحيث لا يسلم شيء من النصاب من تعلّق الحق به، ومن ثمّ لو أخرج القيمة اختياراً صح.
وكذا إذا باع النصاب قبل الإخراج وأدّى من غيره.
ويمكن أن يريد بتوفيره عدم نقصانه عليه بسبب الزكاة، لكن لها أن تُخرج الزكاة من عينه، وتعطيه نصف الباقي، وتغرم له نصف المخرج، لتعلّق الزكاة بالعين، بل هذا الاحتمال أنسب بالتفريع على تعلّق الزكاة بالعين، فعلى هذا تتخيّر بين أن تخرج من العين وتعطيه نصف الباقي، وبين أن تعطيه النصف وتضمن حصة الفقراء، ولها أن تقسم المال بينهما نصفين وتضمن الزكاة كذلك، لكن لو تعذر الأخذ منها لإفلاس أو غيره جاز الرجوع على الزوج، ويرجع هو عليها بالقيمة، وهذا أقوى.
ولا فرق في وجوب الزكاة عليها بين أن يكون الطلاق قبل تمكنها من الإخراج وبعده. ولا يلحق الأوّل بتلف بعض النصاب بغير تفريط؛ لرجوع عوضه إليها وهو البضع، بخلاف ما يتلف.
قوله: «فلو كان عنده ست وعشرون من الإبل - إلى قوله - وجب عليه بنت مخاض وتسع شياه».
إنما يتم ذلك لو كان النصاب بنات مخاض، أو مشتملاً على بنت المخاض، أو على
ص: 394
والنصاب المجتمع من المعز والضأن، وكذا من البقر والجاموس وكذا من الإبل* العِراب والبخاتي تجب فيه الزكاة *والمالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء.
ولو قال ربّ المال: لم يحل على مالي الحول وقد أخرجتُ ما وجب عليَّ، قبل من منه ولم يكن عليه بينة ولا يمين * ولو شهد عليه شاهدان قبل.
........
ما قيمته بنت مخاض حتى يسلم للحول الثاني خمس وعشرون تامة من غير زيادةٍ، أما لو فرض كونها زائدة عليها في السن والقيمة أمكن أن يفرض خروج بنت المخاض عن الحول الأوّل من جزء واحدة من النصاب، ويبقى من المخرج منه قيمة خمس شياه فيجب في الحول الثالث خمس أُخرى، بل يمكن ما يساوي عشر شياه وأزيد فيتعدد الخمس أيضاً.
ولو فرض كون النصاب بأجمعه ناقصاً عن بنت المخاض، كما لو كانوا ذكراناً ينقص قيمة كلّ واحدٍ عن بنت مخاض، نقص من الحول الأوّل عن خمس وعشرين، فيجب في الحول الثاني أربع شياء لا غير. وذلك كله مستثنى مما أطلقه.
قوله: «العراب والبخاتي».
العراب بكسر العين، والبخاتي بفتح الباء، جمع بختي بضمها، هي الإبل الخراسانية.
قوله :«والمالك بالخيار».
هذا مع تساويهما قيمةً أو بذله للأجود ، وإلا فالأجود التقسيط وإخراج قيمة ما اقتضاء.
قوله: «ولو شهد عليه شاهدان قبل».
أما في حؤول الحول فظاهر؛ لأنه إثبات، وأمّا شهادتهما بعدم الإخراج فإنّما تُقبل إذا انحصر على وجه ينضبط؛ إذ الشهادة على النفي المحض غير مسموعة.
وضبطه بأن يدعي إخراج شاةٍ معينةٍ في وقت معين فيشهد الشاهدان بموتها قبل ذلك الوقت أو خروجها عن ملكه قبله، أو أنه أخرج دينه على فلان فيشهدان ببراءته منه قبل ذلك، ونحوه.
ص: 395
* وإذا كان للمالك أموال متفرّقة كان له إخراج الزكاة من أيها شاء.
* ولو كانت السن الواجبة في النصاب مريضةً لم يجز أخذها وأخذ غيرها بالقيمة. * ولو كان كلّه مِراضاً لم يُكلّف شراء صحيحة.
* ولا تؤخذ الرُبّى، وهي الوالدة إلى خمسة عشر يوما، وقيل: إلى خمسين،
..........
قوله: «وإذا كان للمالك أموال متفرّقة كان له إخراج الزكاة من أيها شاء».
هذا مع تساويها في القيمة أو دفعه للأجود، وإلا وجب التقسيط أو الإخراج بالقيمة ، كما مرّ.
قوله: «ولو كان السنّ الواجبة في النصاب مريضةً».
لا فرق في ذلك بين كونها خاصة مريضة - كس وعشرين من الإبل فيها بنت مخاض واحدة مريضة - أو بعضها مريضاً وإن كان المريض أغلب .
والضابط أنه متى كان في النصاب صحيحة لم تجزئ المريضة، بل إمّا أن يتطوع بصحيحةٍ أو يُخرج قيمةً موزّعة على الجميع، فلو كان نصف السنّ وعشرين مريضاً ونصفها صحيحاً وقيمة الصحيح من بنت المخاض تساوي عشرين والمريض عشرةً أخرج خمسة عشر.
ولو فرض تمام النصاب صحيحاً وفيه شنق مريض وجب إخراج الصحيح؛ إذ لا يزيد الشنق على عدمه.
قوله: «ولو كان كلّه مراضاً لم يُكلّف شراء صحيحة».
ثم إن اتفق المرض تخيّر في الإخراج، وإلا وجب التقسيط وإخراج وسط يقتضيه، أو إخراج القيمة كذلك.
قوله: «ولا تؤخذ الربّى».
الربى - بضم الراء وتشديد الباء - هي العنز الوالد عن قُرْبِ ، وجمعها رُباب بالضمّ.
ص: 396
* ولا الأكولة، وهي السمينة المعدّة للأكل، . ولا فحل الضراب.
* ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد وإن كان أدون قيمةً، ويجزئ الذكر الأنثى؛ لتناول الاسم له.
..........
قال في سر العربية : يقال: امرأة نفساء، وناقة عائذ، ونعجة رغوث، وعنز ربي(1).
وربما أُطلقت الربّى على الشاة والناقة أيضاً. نص عليه الجوهري(2).
ومراد المصنّف هنا ما هو أعم منها، وهو مطلق النعم الوالد.
ومقتضى جعلها نظيرة النفساء أن المانع من إخراجها المرض؛ لأنّ النفساء مريضة، ومن ثُمَّ لا يقام عليها الحدّ، فلا يجزئ إخراجها وإن رضي المالك.
ويحتمل كون المانع الإضرار بولدها، فلو رضي بإخراجها جاز.
والأجود الأوّل.
نعم لو كانت الجميع ربّى لم يُكلّف الإخراج من غيرها، كالمراض.
قوله: «ولا الأكولة».
بفتح الهمزة، ولو دفعها المالك جاز.
قوله: «ولا فحل الضراب».
المراد به القدر المحتاج إليه لضرب الماشية عادةً، فلو زاد عن ذلك كان بحكم غيره.
ولو أراد المالك دفعه لم يجز إلا بالقيمة. واختلف في عد المحتاج إليه، والأولى عده. ولو كانت كلها فحولاً عد الجميع وأخرج منها.
قوله: «ويجوز أن يخرج (3) من غير غنم البلد».
هذا مع التساوي في القيمة، أو كونها زكاة الإبل، وإلا لم يجز إلا بالقيمة.
ص: 397
ولا تجب الزكاة في الذهب * حتّى يبلغ عشرين ديناراً ففيه عشرة قراريط، ثمّ ليس في الزائد شيء حتى يبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان، ولا زكاة فيما دون عشرين مثقالاً ولا فيما دون أربعة دنانير، ثمّ كلّما زاد المال أربعة ففيها قيراطان بالغاً ما بلغ.
* وقيل: لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين ديناراً ففيه دينار، والأوّل أشهر.
ولا زكاة في الفضّة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثمّ كلّما زادت أربعين كان فيها ،درهم * وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة، كما ليس فيما ينقص عن المائتين.
........
قوله: «حتى يبلغ عشرين ديناراً».
المراد بالدينار هنا المثقال، وهو درهم وثلاثة أسباع درهم.
وزكاة النقدين ربع العُشر، فمن ثُمَّ كان في العشرين ديناراً عشرة قراريط؛ لأنها نصف مثقال .
ويجوز إخراج القيمة عن النقدين كغيرهما.
قوله :«وقيل: لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين ديناراً».
المراد بالعين هنا الذهب المضروب دنانير، والقول لابن بابويه (1)، وهو ضعيف.
قوله:« وليس فيما نقص».
لا فرق بين النقص الكثير والقليل حتى الحبّة إذا نقصت في جميع الموازين، أما لو نقص في بعضها وكمل في بعض وجبت؛ لاغتفار مثل ذلك في المعاملة.
ص: 398
والدرهم ستة دوانيق، والدائق ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير* ويكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل.
ومن شرط وجوب الزكاة فيهما كونهما مضروبين دنانير و دراهم منقوشین بسكة المعاملة أو ما كان يتعامل بهما، وحؤول الحول حتى يكون النصاب موجوداً فيه أجمع، فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيان النصاب *بغير جنسه أو بجنسه لم تجب الزكاة.
وكذا لو منع من التصرف فيه .* سواء كان المنع شرعيّاً كالوقف والرهن، أو قهريّاً كالغصب.
........
قوله: «يكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل».
أراد بذلك بيان قدر المثقال؛ إذ لم يسبق له ذكر، والإشارة إلى ما به يحصل معرفة نسبة الدرهم من الدينار، وقد استفيد منه أنّ الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم، وأنّ الدرهم نصف الدينار وخُمْسه، فيكون جملة النصاب الأوّل من الذهب ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم، ومن الفضة مائة وأربعين مثقالاً.
قوله: «بغير جنسه أو بجنسه».
المراد بالجنس هنا الحقيقة النوعية، كما لو بدل الذهب بالذهب، وبغير الجنس النقد الآخر، كالذهب بالفضة.
قوله:« سواء كان المنع شرعيّاً كالوقف».
هذا الشرط مستغنى عنه هنا؛ لذكره في أوّل الزكاة في الشرائط العامة(1)، وأيضاً فإن ذلك مبني على جواز وقف الدراهم والدنانير لفائدة التزيين بها ونحوه. وسيأتي في الوقف (2) أنّ المصنف لا يختار ذلك.
ص: 399
ولا تجب الزكاة في الحليّ محلّلاً، كالسوار للمرأة وحلية السيف للرجل، أو ،محرَّماً، كالخلخال للرجل والمِنْطَقة للمرأة، وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة، وآلات اللهو لو عُمِلَتْ منهما.
وقيل: يستحبّ فيه الزكاة.
وكذا * لا زكاة في السبائك والنقار والتبر.
وقيل: إذا عملها كذلك فراراً وجبت الزكاة ولو كان قبل الحول، والاستحباب أشبه .
.........
قوله: «لا زكاة في السبائك والنقار والتبر».
السبائك يشمل الذهب والفضّة.
قال الجوهري : يقال : سبكت الفضة وغيرها سبكاً : أذبتها ، والفضة سبيكة ، والجمع السبائك (1).
ويمكن أن يريد بالسبائك هنا الفضّة لا غير، كما دلّ عليه آخر كلام الجوهري.
وخصها بعض الأصحاب بالذهب(2)، وهو لا يوافق ما ذكر.
وأما النقار - بكسر النون، جمع نُقرة بضتها - فهي كالسبيكة، وقيل: قطع الفضة(3)، وبه يحصل الفرق بينها وبين السبائك على التفسير الأخير.
وأمّا «التبر» فقال في الصحاح:
هو ما كان من الذهب غير مضروب، فإذا ضُرب دنانير فهو عين، ولا يقال «تبر» إلا للذهب، وبعضهم يقوله للفضة أيضاً(4).
ص: 400
أمّا لو جعل الدراهم والدنانير كذلك بعد الحول، وجبت الزكاة إجماعاً.
وأمّا أحكامها فمسائل :
الأولى: لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين، بل يُضمّ بعضها إلى بعض ، وفي الإخراج إن تطوّع بالأرغب ، وإلا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه.
الثانية: * الدراهم المغشوشة لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصاباً، ثمّ لا يخرج المغشوشة عن الجياد.
الثالثة: إذا كان معه دراهم مغشوشة، * فإن عرف قدر الفضة أخرج الزكاة عنها فضةً خالصة، وعن الجملة منها ،
..........
وعلى هذين التفسيرين للتبر لا يفرق بين التبر وبين الآخرين أو يداخل أحدهما، فلا وجه للجمع بينهما.
وربما فُسّر بتراب الذهب قبل تصفيته، وهو المناسب لجمعه معهما.
قوله: «الدراهم المغشوشة لا زكاة فيها حتّى تبلغ خالصها نصاباً».
المراد بالغش هنا ما كان من غير الجنس، كما يدلّ عليه حكمه بعدم الزكاة، أما لو كان الغش من الجنس -كخشونة الجوهر - وجبت إذا بلغ المجموع نصاباً، وكان له الإخراج بالقسط إن لم يتبرع بالأجود.
قوله: «فإن عرف قدر الفضة أخرج الزكاة عنها فضةٌ خالصة، وعن الجملة منها».
الواو هنا بمعنى أو بمعنى أنه مخيّر بين الإخراج عن الخالص خاصة منه أو عن الجملة منها؛ لأنّ المفروض كون الخالص معلوماً، فلو كان معه ثلاثمائة درهم والغش ثلثها تخيّر بين إخراج خمسة دراهم خالصة أو إخراج سبعة دراهم ونصف من الجملة مع تساوي
ص: 401
* وإن جهل ذلك وأخرج عن جملتها من الجياد احتياطاً جاز أيضاً، وإن ماكس الزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب.
الرابعة : مال القرض إن تركه المقترض بحاله حولاً وجبت الزكاة عليه دون المقرض. ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض قيل: يلزم الشرط.
........
الغش في كلّ درهم، أما لو علم قدر الفضة في الجملة لا في الأفراد الخاصة فلا بد من الإخراج عن الجملة جياداً أو ما يتحقق معه البراءة.
قوله: «وإن جهل ذلك وأخرج عن جملتها من الجياد احتياطاً جاز أيضاً، وإن ماكس الزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب».
المراد بالمماكسة المشاحة في إخراج ما يعلم معه براءة الذمة، وإنّما يُلزم بالتصفية مع العلم بوجود النصاب في المال والشكّ في الزائد لا مع الشكّ في بلوغ النصاب في الجميع؛ لأصالة عدمه، والشكّ في الشرط.
والفرق بين الصورتين تعلّق الوجوب بالمال في الأولى، فلا يتيقن البراءة إلا بالتصفية أو إخراج الخالص عن الجميع ؛ لأنّ المفروض كون الغش مجهولاً، ومثله إخراج ما تيقن كونه الواجب وإن كان أقل من ربع عُشر ،الجميع بخلاف الثانية؛ لأصالة البراءة.
ويشكل الفرق بأنّ إخراج ما يتيقن وجوده في المال يُلحق الأولى بالثانية، كما لو تيقن وجود النصاب الأوّل وشكّ في الزائد - وهو الثاني - مرّةً أو مرتين مثلاً، فإنّه إذا أخرج ما يجب في المتيقن صار المال مشكوكاً في تعلّق الوجوب به فلا يجب التصفية، كما لو شكّ في البلوغ ابتداءً، وهذا هو الوجه، واختاره في التذكرة (1).
وأطلق الشيخ والأكثر وجوب التصفية مع تيقن النصاب (2).
ص: 402
* وقيل: لا يلزم، وهو الأشبه.
...............
وأما ما أطلقه المصنّف من وجوب التصفية مع المماكسة مطلقاً، فيجب حمله على ما لو علم النصاب ليوافق الجماعة؛ إذ لا قائل بوجوب التصفية مع الشك في النصاب.
واعلم أنّ الواجب من التصفية على تقدير وجوبها ما يتحقق معه معرفة الغش، فإن اتحد القدر في أفرادها كفى تصفية شيءٍ منها، وإن اختلف مع ضبطه في أنواع معينة سبك من كلّ نوع شيئاً، وإن لم ينضبط تعين سبك الجميع عند من أوجبه.
قوله:« وقيل: لا يلزم، وهو الأشبه».
المشهور عدم صحة الشرط؛ لمنافاته للدليل الدال على وجوب الزكاة على مالك المال، وإطلاق النص بكون الزكاة على المقترض (1)، فعلى هذا يبطل الشرط والقرض أيضاً لاشتماله على شرط فاسد.
نعم، لو تبرّع المقرض بالإخراج بإذن المديون صح.
ولقائل أن يقول: شرط الزكاة على المقرض قد يكون بمعنى ثبوتها على المشروط عليه ابتداءً بحيث لا يتعلّق بالمديون وجوب النية ويكون المقرض مؤدياً لها عن نفسه بسبب الشرط، وهذا المعنى يتضح القول بفساد اشتراطه؛ لمنافاته المشروع من شرط إيجاب العبادة على غير مَنْ يخاطب بها، والدليل الدال على عدم وجوب الزكاة على غير المالك وقد يكون بمعنى تحمّل المشروط عليه لها عن المديون وإخراجها من ماله عنه عنه مع كون الوجوب متعلقاً بالمديون.
وهذا الوجه لا مانع منه؛ لأنّ المقرض لو تبرع بالإخراج عنه بإذنه صح، فيجوز اشتراطه؛ لأنّه أمر شائع لا ينافي المشروع، ويدخل في عموم صحيحة منصور بن حازم عن الصادق(عليه السلام) في رجل استقرض مالاً وحال عليه الحول وهو عنده، فقال: «إن كان الذي
ص: 403
الخامسة: مَنْ دفن مالاً وجهل موضعه * أو ورث مالاً ولم يصل إليه ومضى عليه أحوال ثمّ وصل إليه زكّاه لسنة استحباباً.
السادسة * إذا ترك نفقةً لأهله فهي معرّضة للإتلاف تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك، وتجب لو كان حاضراً، وقيل: تجب فيها على التقديرين، والأوّل مروي.
.............
أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه، وإن كان لا يؤدي أدى المقترض»(1) .
فعلى هذا إن وفى المقرض بالشرط، وإلا وجب على المديون الإخراج عملاً بظاهر الرواية، ولأنّ دين الإنسان لو وجب على شخص أداؤه بنذر وشبهه لا يسقط عن المديون بامتناع مَنْ وجب عليه أداؤه منه.
لا يقال: يمتنع النية حينئذٍ منه ؛ لأنها لا تعتبر إلا من المالك أو وكيله عنه، وهنا إذا وجب على المقرض الوفاء بالشرط كانت نيته عن نفسه؛ عملاً بمقتضى لزوم الشرط، بخلاف المتبرع إذا أخرجها بإذن من وجبت عليه، فإنّه يوقع النية عنه؛ لعدم وجوبها عليه.
لأنا نقول: لا منافاة بين نيتها عمّن وجبت عليه مع الحكم بوجوبها على المخرج، كما في النائب في العبادة باستئجار ونحوه، وحينئذ فينوي إخراجها لوجوبها عليه بالشرط وعلى المالك بالأصالة، ويكون شرطها على المقرض إذناً له في الإخراج إن صرح له بتولّي الإخراج، وإلا افتقر إلى إذنه أو دفعها إليه ليتولّى هو النيّة.
قوله: «أو ورث مالاً ولم يصل إليه».
المراد بوصوله إليه تمكنه من قبضه وإن لم يكن في يده، وفي حكم وصوله إليه وصوله إلى وكيله كذلك.
قوله: «إذا ترك نفقةً لأهله فهي معرضة للإتلاف - إلى قوله - وقيل: تجب فيها». التعليل بكونها معرضة للإتلاف لا يصلح للدلالة على سقوط الزكاة عنها مع تمامية
ص: 404
السابعة: لا تجب الزكاة حتى يبلغ كلّ جنس نصاباً، ولو قصر كل جنس أو بعضها لم يُجْبَر بالجنس الآخر كمن معه عشرة دنانير ومائة درهم أو أربعة من الإبل وعشرون من البقر.
........
الملك واستجماع الشرائط، ولو كان التعرّض للإتلاف صالحاً للمانعيّة لم تجب الزكاة على المرأة في جميع المهر قبل الدخول مع تعرّضه لتلف جميعه أو بعضه بالفرقة قبل الدخول لعيب أو طلاق، وكذا في أجرة المسكن إذا قبضها المالك عن سنين مع تعرضها للإتلاف بانهدام المسكن ونحوه.
والأولى الاعتماد في الفرق على النص، فإنّ به عدة روايات عن الصادق والكاظم (عليهم السلام)(1)، بل ربما كان ذلك إجماعاً؛ لكون المخالف - وهو ابن إدريس(2) - معلوم النسب.
وهذا الحكم إذا كانت في يد عياله للنفقة سواء أنفقوها أو أنفقوا منها أم من غيرها ؛ لإطلاق النصّ، أما لو كانت في يد وكيله ينفق عليهم منها، فإن لم يحصر النفقة فيها بأن كان له عنده مال آخر ولم يخصها بالنفقة، وجبت الزكاة فيها إذا بقي منها نصاب حولاً.
وإن عينها للنفقة وحصرها فيها احتمل كونه كذلك؛ لأنّ الوكيل بمنزلة المالك فيكون الحكم كما لو كان حاضراً، واقتصاراً بما خرج عن الأصل على موضع اليقين، وهو ما لو كانت في يد عياله.
ويحتمل عدم الوجوب؛ لعموم النص، ولأنّ تركها مع العيال أو أحدهم ينفقون منها في معنى التوكيل؛ إذ لا يستحقون النفقة إلا يوماً فيوماً، فلو خرج الوكيل من ذلك لم تتم المسألة مطلقاً، ولأنّ الوكيل هنا ليس في معنى المالك؛ لعدم جواز إنفاقه عليهم من غيرها، بخلاف المالك. وهو متجه.
ص: 405
والنظر في الجنس، والشروط، واللواحق.
أما الأول : فلا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض، إلا في الأجناس الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، لكن تستحبّ فيما عدا ذلك من الحبوب ممّا يدخل المكيال والميزان كالذرّة * والأرز والعدس والماش* والسُّلْت والعَلَس.
وقيل : السلت كالشعير والعلس كالحنطة في الوجوب.
والأوّل أشبه.
........
قوله: «والأرز».
هو بضم الهمزة والراء مع تشديد الزاي المعجمة أخيراً، وتخفيفها، وبسكون الراء المهملة وتخفيف الزاي هذه الثلاث لغات مع ضمّ الهمزة، ولك فتحها مع ضم الراء وتشديد الزاي فهذه أربع لغات في التركيب الذي ذكره المصنف.
وفيه لغتان أخريان بغير هذا التركيب إحداهما رُزِّ بضم الراء وتشديد الزاي من غير همزٍ. والثانية: رنز بضم الراء والنون الموحدة من فوق الساكنة وتخفيف الزاي (1).
قوله: «والسُلْت والعَلَس».
السُّلْت - بضم السين وسكون اللام - ضرب من الشعير(2) ، والعلس - بفتح العين واللام -ضرب من الحنطة(3) .
والأصح وجوب الزكاة فيهما؛ لنص أهل اللغة على كونهما منهما، فعلى هذا يضمّ كلُّ منهما إلى صنفه لو اجتمعا .
ص: 406
وأما الشروط: فالنصاب وهو خمسة أوسق.
*والوَسَق ستون صاعاً، والصاع تسعة أرطال بالعراقي، وستة بالمدني، وهو أربعة أمداد، والمُدّ رطلان وربع، فيكون النصاب ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي، وما نقص فلا زكاة فيه، وما زاد فيه الزكاة ولو قلّ.
*والحد الذي تتعلّق به الزكاة من الأجناس أن يُسمّى حنطةً أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً. وقيل: بل إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحضرم.
والأوّل أشبه.
.........
قال الشيخ (رحمه الله):
العلس نوع من الحنطة يبقى كلّ حبتين في كمام، لا يذهب ذلك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة. ولا يبقى بقاء الحنطة وبقاؤها في كمامها، ويزعم أهلها أنّها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف، فإذا كان كذلك تخيّر أهلها بين أن يلقى عنها الكمام ويكال على ذلك، أو يكال على ما هي عليه، ويؤخذ من كلّ عشرة أوسق زكاة (1).
قوله «والوَسَق».
هو بفتح الواو، ويجمع أيضاً على «وسوق» و «أوساق».
قوله: «والحد الذي تتعلّق به الزكاة أن يُسمّى حنطة أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً، وقيل: بل إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحضرم».
القول الثانى هو المشهور، وأخبار(2)الخرص دالّة عليه.
وعلى القولين لا يكون الإخراج إلّا عند التصفية والتشميس.
ص: 407
ووقت الإخراج في الغلّة إذا صفت * وفي التمر بعد اخترافه، وفي الزبيب بعد اقتطافه .
ولا تجب الزكاة في الغلات * إلّا إذا مُلِكَت بالزراعة، لا بغيرها من الأسباب كالابتياع والهبة ، ويزكي حاصل الزرع، ثمّ لا تجب بعد ذلك فيه زكاة ولو بقى
.............
وتظهر فائدة الخلاف في عدم جواز التصرف فيها بعد الانعقاد والاحمرار ونحوه حتى يقدرها، ويضمن حصة الواجب على الثاني دون الأوّل، وفيما لو نقلها إلى غيره بعد ذلك، فالزكاة على الناقل على الثاني، وعلى المنقول إليه على الأوّل، وفيما لو مات بعد ذلك وعليه دَيْنٌ مستغرق، فلا زكاة على الأوّل وتجب على الثاني، وفي الأنواع التي لا تصلح للزبيب والتمر من العنب والرطب بل تؤكل رطبةً، فإنّه لا زكاة فيها على الأوّل وتجب على الثاني.
وهل يعتبر بلوغه النصاب يابساً بنفسه أو بغيره من جنسه؟ وجهان أصحهما الأول.
قوله: «وفي التمر بعد اخترافه». اختراف التمر - بالخاء المعجمة - اجتناؤه، والاسم الخُرفة بالضم(1) ، ومثله الاقتطاف للعنب، والاسم القطاف، بالكسر والفتح(2).
وفي جعل ذلك وقت الإخراج تجوّز، وإنّما وقته عند يبس الثمرة وصيرورتها تمراً وزبيباً.
قوله: «إلّا إذا ملكت بالزراعة لا بغيرها من الأسباب كالابتياع».
المعتبر في ذلك انعقاد الثمرة في الملك واحمرارها أو اصفرارها إذا توقف الوجوب عليه، وهذا هو معنى الزراعة في اصطلاحهم، فإن كان الشراء قبل ذلك فالزكاة على المشتري، وبعده على البائع، فقول المصنف منزل على ذلك بحمل الابتياع ونحوه مما ذكره
ص: 408
أحوالاً ، * ولا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان والمؤن كلّها على الأظهر.
..........
على وقوعه بعد تحقق الوجوب بحصول أحد الأمور في الثمرة قبل البيع وشبهه، وإن كان ذلك واضح التكلف.
قوله: «ولا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان والمؤن كلّها على الأظهر».
أشار بذلك إلى خلاف الشيخ؛ حيث ذهب في أحد قولين إلى أنّها على المالك(1) ؛ لعموم «فيما سقت السماء العشر» (2).
ثم على تقدير استثنائها هل يعتبر قبل النصاب، فإن لم يبلغ الباقي بعدها نصاباً فلا زكاة، أم بعده فيزكى الباقي منه بعدها وإن قلّ، أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالحرث والسقي قبله، وما تأخر كالحصاد والجذاذ بعده؟ أوجه، أجودها الأخير، وظاهر العبارة الثاني، وبه صرّح في التذكرة(3)"، وهو أحوط.
والمراد بالمؤن ما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرّر كلّ سنة عادةً وإن كان قبل عامه كأجرة الفلاحة والحرث والسقي والحفظ، وأجرة الأرض وإن كانت غصباً ولم ينو إعطاء مالكها أجرتها، ومؤونة الأجير، وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتى ثياب المالك ونحوها، ولو كان سبب النقص مشتركاً بينها وبين غيرها ، وزّع، وعين البذر إن كان من ماله المزكى، ولو اشتراه تخيّر بين استثناء ثمنه وعينه، وكذا مؤونة العامل المثليّة، أمّا القيمين فقيمتها يوم التلف.
ولو عمل معه متبرع لم يحتسب أجرته؛ إذ لا تعدّ المنّة مؤونةٌ عرفاً .
ولو زرع مع الزكوي غيره، قسط ذلك عليهما.
ولو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي بالعرض لم يحتسب الزائد.
ولو كانا مقصودين ابتداءً وزّع عليهما ما يقصد لهما واختص أحدهما بما يقصد له.
ص: 409
وأمّا اللواحق فمسائل:
الأولى: * كل ما سقى سيحاً أو بَعْلاً أو عِدْياً ففيه العُشر، وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العُشر،
..........
ولو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد تمام العمل لم من المؤن.
ولو اشترى الزرع احتسب ثمنه وما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه.
وحصّة السلطان من المؤن اللاحقة لبدو الصلاح، فاعتبار النصاب قبلها.
والمراد بحصة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج أو الأجرة ولو بالمقاسمة، سواء في ذلك العادل والجائر، إلا أن يأخذ الجائر ما يزيد على ما يصلح كونه أجرةً عادةً، فلا يستثنى الزائد. إلا أن يأخذه قهراً بحيث لا يتمكن المالك من منعه منه سراً أو جهراً ، فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد.
ولو جعل الظالم على المالك مالاً مخصوصاً على جميع أملاكه من غير تفصيل، وزّعه المالك على الزكوي وغيره بحسب المعتاد، كما مرّ، ولا يحتسب المصادرة الزائدة على ذلك. قوله: «كلّ ما سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ففيه العشر، وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العُشْر» .
«السيح»، مصدر قولك: ساح الماء يسيح سيحاً، إذا جرى على وجه الأرض، ويطلق أيضاً على الماء الجاري(1)، ويجوز إرادة كلّ منهما هنا والمراد ما سقي بماء جارٍ لا مؤونة فيه، سواء كان الجريان قبل الزرع كالنيل، أم بعده.
والمراد ب_ «البعل» ما شرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فيصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي، أو كانت عروقه تصل إلى نهرٍ أو ساقية.
ص: 410
* وإن اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر،
........
و«العذي» - بكسر العين - ما سقته السماء.
وقيل هُما واحد، وهما ما سقته السماء، ذكر خلاصة ذلك في الصحاح (1).
و«الدوالي» جمع دالية ومثلها الناعورة، والفرق بينهما أن الدالية يديرها البقر، والناعورة يديرها الماء.
و«النواضح» جمع ناضح وهو البعير يستقى عليه.
واعلم أنّه قد أورد على التفصيل سؤال، وهو أنّ الزكاة إذا كانت لا تجب إلا بعد إخراج المؤونة فأيّ فارق بين ما كثرت مؤونته وقلت؟
وأجيب بأنّ ذلك مدافعة للنص فلا يُسمع.
ويمكن بيان الحكمة بأنّ ما احتاج إلى مؤونة كثيرة، فإنّها وإن استثنيت إلا أن إخراجها معجل واستثناؤها مؤخَّر فلا يجبره ، فناسب الحكمة التخفيف على المالك لما عجله من الغرامة، أو أنّ استعمال الأجراء على السقي والحفظ كلفة متعلقة بالمالك زائدة على بذله الأجرة، فناسب الحكم بالتخفيف.
قوله: «وإن اجتمع [فيه] الأمران كان الحكم للأكثر».
اعتبار الكثرة قد يكون بعدد السقيات كما لو شرب ثلاث مرّات بالسيح وأربعاً بالدالية مثلاً، سواء تساوى زمانهما أم اختلف، وقد يكون بالزمان بأن شرب في ثلاثة أشهر مرّةً بالدالية وفي شهرين ثلاث مرّات بالسيح، وقد يكون بالنمو والنفع فربما كانت السقية الواحدة في وقتٍ أنفع وأكثر نمواً من سقيات متعددة في غيره. أيها المعتبر هنا؟
يحتمل الأوّل؛ لأنّ الكثرة حقيقة في الكمّ المنفصل، وهو هنا أعداد السقيات، لا في زمانه، واللفظ إنّما يُحمل على حقيقته، ولأنّ المؤونة وعدمها إنما يلحق بسبب ذلك، وهي الحكمة في اختلاف الواجب.
ص: 411
*فإن تساويا أُخذ من نصفه العُشْر ومن نصفه نصف العشر.
الثانية: إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض* ضممنا الجميع، وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد ،
........
ويحتمل الثاني ؛ لأنّه الظاهر من الخبر الدال على ذلك عن الصادق(عليه السلام) ، حيث سئل عن الأرض تسقى السقية والسقيتين سيحاً؟ فقال: «في كم تسقى السقية والسقيتين؟» قلت: في ثلاثين ليلة، أربعين ليلة، وقد مضت قبل ذلك في الأرض ستة أشهر، سبعة أشهر، تسقى بالدوالي، قال: «نصف العشر»(1). ولم يسأل عن عدد ما سقي بالدوالي في تلك المدة ولا عن أكثرهما نمواً، ولأنه قد يعرض ما لم يمكن فيه اعتبار عدد السقي، كما لو شرب بعروقه أو بمطر متصل ونحوه نصف سنة ثم سقى بالدالية شهراً وشهرين عدداً معيناً.
ويحتمل الثالث؛ لأنّه المقصود بالذات والزكاة تابعة له.
واختار جماعة من الأصحاب(2)الأخير، والوسط لا يخلو من وجه.
قوله: «فإن تساويا أخذ من نصفه العُشر ومن نصفه نصف العُشْر».
وذلك ثلاثة أرباع العُشْر، واعتبار التساوي بالمدة والعدد ظاهر، أما بالنمو فيرجع فيه إلى أهل الخبرة، فإن اشتبه الحال حكم بالاستواء.
قوله: «ضممنا الجميع، وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد».
المراد بالضم اعتبار النصاب في الجميع، وتعلّق الوجوب مع بلوغ الجميع نصاباً.
ثم إن اتفقت في القيمة والجودة تخيّر في الإخراج من أي موضع شاء مع اتحاد البلد، أو مع تعدده إن لم نوجب الإخراج في بلد المال، وإن اختلفت أخرج من كل واحدة بحسابها.
ص: 412
*فما أدرك وبلغ نصاباً أخذ منه ثمّ يؤخذ من الباقي قل أو كثر.
وإن سبق ما لا يبلغ نصاباً تربّصنا فى وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصاباً، سواء أطلع الجميع دفعةً، أو أدرك دفعةً، أو اختلف الأمران.
الثالثة: إذا كان له نخل تطلع مرّةً وأخرى تطلع مرتين، قيل: لا يُضمّ الثاني إلى الأوّل؛ لأنه فى حكم ثمرة سنتين . وقيل : يُضمّ، وهو الأشبه.
الرابعة :* لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر، ولا العنب عن الزبيب، ولو أخذه الساعي وجفّ ثمّ نقص رجع بالنقصان.
الخامسة:* إذا مات المالك وعليه دَيْنٌ فظهرت الثمرة وبلغت نصاباً لم يجب على الوارث زكاتها.
.......
قوله: «فما أدرك وبلغ نصاباً أُخذ منه».
المراد بالإدراك بلوغه الحد الذي يتعلّق به الوجوب، أعم من صيرورته تمراً أو زبيباً على مذهب المصنف، أو بدو الصلاح على القول الآخر، وإنّما يتربص في وجوب الزكاة بإدراك ما يكمل نصاباً على مذهب المصنف، أو على تقدير اختلاف وقت الانعقاد والتلوّن على القول الآخر.
قوله :«وقيل: يُضمّ، وهو الأشبه».
وجوب الضمّ قوي؛ لأنه ثمرة سنة واحدة.
قوله: «لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر - إلى قوله رجع بالنقصان».
هذا إذا أخذه أصلاً، أما لو أخذه قيمة صح، ولا رجوع وإن نقص.
قوله: «لو مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة» إلى آخره.
هذا إذا كان الدين مستوعباً للتركة، ولا فرق حينئذ بين اتحاد الوارث وتعدّده، وكذا لو لم يستوعب لكن لم يفضل منها للوارث ما يبلغ النصاب .
ولا فرق في عدم الوجوب حينئذ بين القول بانتقال التركة إلى الوارث، أو أنها على حكم مال الميت لأنه وإن حكم بانتقالها إليه لكنه يمنع من التصرف فيها قبل الوفاء، فلا يتم الملك.
ص: 413
*ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة؛ لأنها على حكم مال الميت.
ولو صارت ثمراً و المالك حي ثم مات وجبت الزكاة ولو كان دَيْنه يستغرق تركته.
ولو ضاقت التركة عن الدين، قيل: يقع التحاص بين أرباب الزكاة والديان.
................
ولو فضل للوارث الواحد عن الدين نصاب أو لكلّ واحدٍ من المتعدّد، ففي وجوب الزكاة عليه - على القول بانتقالها إليه - نظر من حصول الملك، وعدم تماميته قبل الوفاء؛ لأنه وإن بقي من التركة بقدر الدين لكن يمكن تلفه قبل الوفاء، فلا يتمّ ملك ما أخذ.
والأولى - بناء على الانتقال - وجوب الزكاة على الوارث مع بلوغ نصيبه نصاباً وإن أمكن عروض الضمان عليه بتلف ما قابل الدين، فإن اتفق ذلك ضمن.
وفي جواز رجوعه على القابض مع علمه بالحال نظر.
ولو قلنا بعدم انتقال التركة إلى الوارث، فسيأتي الكلام فيه.
قوله: «ولو قُضِيَ الدَينُ وفَضْلَ منها النصاب لم تجب الزكاة؛ لأنّه (1)على حكم مال الميت».
إذا قلنا بأن التركة على حكم مال الميت إلى أن يوفى الدين، سواء كان مستوعباً لها أم لا. لا إشكال في عدم وجوب الزكاة على الوارث وإن فضل له عن الدين نصاب؛ لعدم ملكه إياه عند صلاحيّة الوجوب.
وعلى هذا لا فرق بين قضائه الدين وعدمه، وإنّما فرضه في صورة القضاء؛ للتنبيه على الفرق بين القول بانتقال التركة إلى الوارث، وبقائها على حكم مال الميت، مع اشتمالها على نصاب زائد على الدين للوارث المتحد أو نصاب لكلّ واحدٍ أو لبعضهم دون ،بعض فإنّه على القول ببقائها على حكم مال الميت لا فرق في عدم الوجوب على الوارث حينئذ بين قضائه الدين وعدمه؛ لأنّ الانتقال إليه لا يحصل إلا بالوفاء، وحينئذ لا وجوب؛ لسبق بلوغ الثمرة حداً يصلح لوجوب الزكاة معه على حصول الملك للوارث، وأما إذا قلنا بانتقاله إليه أمكن الفرق بين ما إذا قضى الدين وعدمه وإن منعناه من التصرف فيها قبله؛ لأنّ القضاء حينئذ
ص: 414
* وقيل: تقدّم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلّق الدَيْن بها، وهو الأقوى.
السادسة: إذا مَلَك نخلاً قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه *وكذا إذا اشترى ثمرةً على الوجه الذي يصح، * فإن مَلَك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المُمَلّك.
والأُولى الاعتبار بكونه تمراً؛ لتعلّق الزكاة بما يُسمّى تمراً، لا بما يُسمّى بُسْراً.
السابعة : حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة حكم الأجناس الأربعة في قدر النصاب وكيفية ما يُخرج منه، واعتبار السقي.
.......
يكون كاشفاً عن استقرار الملك من حين الموت فيجب عليه الزكاة، بل يتجه القول بالوجوب وإن لم يقض كما مرّ، فيصير حاصل عبارة المصنّف أن مع سبق الموت على بلوغ الثمرة لا تجب الزكاة على الوارث قبل قضاء الدين مطلقاً، ولو فرض أنه قضاه لم يجب عليه أيضاً لبقاء التركة على حكم مال الميت ففائدة ذكر ذلك بيان حكم المسألة على مذهبه والإيماء إلى الفرق بين القولين.
قوله: «وقيل: تقدم الزكاة لتعلقها بالعين».
هذا هو الأجود؛ لأن التعلق بالعين يوجب خروج قدر الواجب من المال عن ملك المديون وإن جاز له المعاوضة عنه لو كان حيّاً، فلا يكون ذلك من التركة التي هي متعلّق الدين.
قوله: «وكذا إذا اشترى ثمرة على الوجه الذي يصح».
أي مع الشرط المعتبر في بيع الثمرة إذا بيعت قبل بدو الصلاح، وهو ظهورها والضميمة إليها، أو كون البيع أزيد من عام، أو بشرط القطع إن قلنا باشتراط ذلك.
وسيأتي الكلام(1) فيه إن شاء الله تعالى.
قوله: «فإن مَلَك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك».
الذي انتقلت عنه؛ لتعلق الزكاة بها قبل الانتقال، ولا بدّ من تقييد ذلك بضمانه حصة الزكاة وإلا بطل في قدره.
ص: 415
والبحث فيه، وفى شروطه وأحكامه .
أمّا الأوّل * فهو المال الذي مُلِكَ بعقد معاوضة وقصد به الاكتساب عند التملك. فلو انتقل إليه بميراتٍ أو هبة لم يزكّه.
وكذا لو مَلَكه للقنية.
.......
قوله: «فهو المال الذي مُلك بعقد معاوضةٍ وقصد به الاكتساب عند التملك».
هذا تعريف لمال التجارة من حيث يتعلّق به الزكاة، وإلا فسيأتي(1) - إن شاء الله تعالى - إنّ التجارة أعم مما ذكر هنا.
فالمال بمنزلة الجنس، ويدخل فيه ما صلح لتعلّق الزكاة المالية به وجوباً أو استحباباً،وغيره كالخضراوات، ويدخل فيه أيضاً العين والمنفعة وإن كان في تسمية المنفعة مالاً خفاء. فلو استأجر عقاراً للتكسب تحققت التجارة.
وخرج بالموصول وصلته ما ملك بغير عقد كالإرث، أو بغير معاوضة كالهبة.
والمراد بالمعاوضة ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع والصلح، ويعبر عنها بالمعاوضة المحضة، وقد يطلق على ما هو أعم من ذلك، وهو ما اشتمل على طرفين مطلقاً . فيدخل فيه المهر وعوض الخلع ومال الصلح عن الدم.
وفي صدق التجارة على هذا القسم مع قصدها نظر. وقطع في التذكرة بعدمه (2).
وخرج بقصد الاكتساب عند التملك ما ملك بعقد معاوضة مع عدم قصده، إما مع الذهول، أو مع قصد قصد القنية أو الصدقة ونحوها وإن تجدد قصد الاكتساب.
ص: 416
* وكذا لو اشتراه للتجارة ثمّ نوى القنية.
وأمّا الشروط فثلاثة:
الشرط الأول: * النصاب، ويعتبر وجوده في الحول كلّه، فلو نقص في أثناء الحول ولو يوماً سقط الاستحباب.
* ولو مضى عليه مدّة يُطلب فيها برأس المال ثمّ زاد كان حول الأصل من حين الابتياع وحول الزيادة من حين ظهورها.
.............
ولا ريب في اعتبار هذه القيود إلا الأخير، فإنّ اعتباره هو المشهور، وقد خالف فيه جماعة من المتأخرين منهم المصنف في المعتبر(1)، لإطلاق النصوص (2)، وأن المقصود الإعداد للفائدة، وهو حاصل. وهو حسن.
قوله « وكذا لو اشتراه للتجارة ثمّ نوى القنية».
عَطْفُ هذا القسم على ما قبله غير جيد؛ إذ لم يتقدّم في القيود ما يدلّ على خروجه، بل دلّ على دخوله، وإنّما يتمّ لو قال: وقصد به الاكتساب طول الحول، أو نحو ذلك. وكأن-ه عطفه عليه لمشاركته إياه في عدم الزكاة .
قوله «النصاب».
المعتبر من النصاب هنا هو نصاب أحد النقدين دون غيرهما وإن كان مال التجارة من جنس ،آخر ، فلو اشترى أربعين من الغنم للتجارة اعتبر في جريان زكاة التجارة بلوغ قيمتها النصاب الأوّل من أحد النقدين، ويعتبر في الزائد عن النصاب الأول بلوغ النصاب الثاني كذلك، والمخرج هنا ربع العشر إمّا من العين أو القيمة كالنقدين.
قوله: «ولو مضى عليه مدّة يطلب فيها برأس المال - إلى قوله - من حين ظهورها».
«يُطلب» بضم الياء مبنيّاً للمجهول، والمراد أن النصاب لم يظهر فيه ربح، سواء طلب أم
ص: 417
فلو كان رأس ماله مائةٌ . فطلب بنقيصةٍ ولو حبّةً لم يستحبّ. وروي إذا مضى - وهو على النقيصة - أحوال زكّاه لسنة واحدة استحباباً.
ولا بد من وجود ما يعتبر فى الزكاة من أوّل الحول إلى آخره ،فلو نقص رأس ماله أو نوى به القنية انقطع الحول.
* ولو كان بيده نصاب بعض الحول فاشتری به متاعاً للتجارة، قيل: كان حول العرض حول الأصل. والأشبه استئناف الحول.
ولو كان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصاباً فصاعداً.
..........
لم يطلب، ثمّ ظهر الربح في أثناء حول الأصل فلكلّ من الأصل والزيادة حول بانفراده مع بلوغ الزيادة النصاب الثاني، أو كان في الأوّل فضل عن النصاب الأول ويكمل نصاباً ثانياً بالزيادة، وفي حكم الربح نموّ المال الأوّل كنتاج الدابة وثمرة الشجرة.
قوله: «فطلب بنقيصة ولو حبّةٌ لم يستحبّ».
المراد بالحبة المعهودة شرعاً، وهي التي يقدّر بها القيراط، فيكون من الذهب، أما نحو حبّة الغلات منها فلا اعتداد بها؛ لعدم تموّلها.
والمراد بسقوط الاستحباب بالنسبة إلى الحول الأوّل، فلو عاد إلى أصله أو زاد استؤنف الحول حينئذ.
قوله: «ولو كان بيده نصاب بعض حولٍ - إلى قوله - والأشبه استئناف الحول».
- محل الخلاف ما لو كان النصاب الأوّل من أحد النقدين، فإنّه يبني حول التجارة على حوله عند الشيخ (1)؛ لاتحاد قدر الزكاة ومتعلّقها؛ لرجوع التجارة إلى قيمة المتاع وهو من جنس النقد، فصار إبدالاً للشيء بجنسه، وهو موجب للبناء في العينيّة عنده أيضاً، وحيث كان الأصل ممنوعاً فكذا الفرع، أما لو كان النصاب الأول للمالية من غير النقدين،
ص: 418
وأما أحكامه فمسائل:
الأولى: * زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه، * ويقوم بالدنانير أو الدراهم.
............
فلا خلاف في عدم بناء التجارة عليه وإن كانت العبارة مطلقة قد توهم التعميم.
والعَرْض - بفتح العين وسكون الراء - المتاع(1) .
قوله: «زكاة التجارة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه».
فلو باع العين صح البيع في جميعها وإن لم يضمن حصة المستحق، بخلاف الزكاة الواجبة، ومن ثُمَّ تُسمّى العينيّة؛ لتعلّق الحق فيها بالعين، فلا يصح البيع في حصة الفقراء قبل ضمانها كما مر(2).
ومال المصنف في المعتبر والعلّامة في التذكرة إلى تعلقها بالعين هنا كغيرها(3). والمشهور ما في الكتاب.
وتظهر الفائدة أيضاً فيما لو زادت القيمة بعد الحول، فعلى المشهور يخرج ربع عُشر القيمة الأولى، وعلى الثاني ربع عُشر الزيادة أيضاً، وفي التحاص وعدمه لو قصرت التركة.
قوله: «ويقوم بالدنانير أو الدراهم».
هذا إذا كان رأس المال عروضاً، أما لو كان أحد النقدين تعيّن تقويمه به، فإن بلغ به النصاب استحبّت، وإلا فلا ولو كان منهما معاً قوّم بهما على التقسيط.
ولو كان نقداً وعَرْضاً قسط أيضاً على القيمة، وقوم ما يخص النقد به والآخر بالنقد الغالب منهما، فإن تساويا تخيّر.
وكذا القول فيما لو كان جميعه عرضاً.
ص: 419
تفريع: * إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلّقت بها الزكاة؛ لحصول ما يُسمّى نصاباً.
المسألة الثانية: إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة، مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة * سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال، ولا تجتمع الزكاتان ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة، وقيل: تجتمع الزكاتان هذه وجوباً وهذه استحباباً .
.........
قوله: «إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلّقت بها الزكاة».
إن اشتريت بعَرْض أو بما بلغت به من النقد، وإلا فلا.
قوله: سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ولا تجتمع الزكاتان».
إنّما يمتنع اجتماع الزكاتين في العين مع اتحاد وقتهما؛ لقوله : «لا ثنى في صدقة»(1).
و الحال فى هذه المسألة كذلك، وإنّما قدّمت زكاة المال؛ لأنّها أقوى؛ لتعلقها بالعين، والاتفاق على وجوبها.
ويحتمل تقديم زكاة التجارة؛ لأنّها أنفع للفقراء؛ لتقومها بالنقدين، وعدم اختصاصها بعين دون عين.
وقد ذكر جماعة من الأصحاب أنه لا قائل بثبوتهما معاً، وحملوا قول المصنف: «وقيل: تجتمع زكاتان هذه وجوباً وهذه استحباباً ويشكل ذلك على القول بوجوب [زكاة] التجارة»(2) على أن الإشكال في التخصيص لا في اجتماع الزكاتين، فيحتمل حينئذٍ تقديمُ المالية؛ لعموم النصّ(3) وقوتها، والتجارة؛ لما مرّ، ولسبق النيّة.
وتظهر الفائدة في النية وفي تعلقها بالعين أو الذمة.
ص: 420
الثالثة : * لو عاوض أربعين سائمةً بأربعين سائمةً للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما، وقيل: بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة؛ لأنّ اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك، والأوّل أشبه.
.........
وربما قيل بالتخيير؛ لتساويهما في الوجوب، واستحالة الترجيح، ومنع المرجّح، وعدم إمكان الاجتماع؛ للحديث (1).
قوله: «لو عاوض(2) أربعين سائمة بأربعين سائمة - إلى قوله - واستأنف الحول فيهما».
الجارّ متعلّق بمحذوف صفة للأربعين في الموضعين.
أما الثانية فظاهر.
وأمّا الأُولى فلقوله «سقط وجوب المالية والتجارة» إذ لو كانت الأولى للقنية لم يكن لذكر سقوط التجارة وجه، فإنّ السقوط فرع الثبوت.
ويشكل الحكم بسقوط التجارة بتبدل المالية؛ لابتناء التجارة على تبدل الأعيان وتقلب الأموال، فلا يؤثر فيها المعاوضة (3)، وقد ادعى الإمام فخر الدين (رحمه الله) الاتفاق على بقاء التجارة(4) ، وإنما الخلاف في استئناف حول المالية والقول ببناء حول المالية دون التجارة للشيخ (رحمه الله)(5)؛ بناءً على اتحاد جنس العوض والمعوض، وقد تقدم أن ذلك لا يقدح في البناء عنده فيثبت المالية ويسقط التجارة حذراً من الثنيا، لكن إنّما تسقط زكاة التجارة عنده بعد تمام الحول لا من حين الشروع، وقد نبه عليه المصنّف بقوله «بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة».
ص: 421
..........
وتظهر الفائدة فيما لو اختل أحد شروط العينية في أثناء الحول فإنّ الأُخرى تثبت.
وفي قول المصنف «سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما» إشارة إلى تساوق حولهما أيضاً كما قلناه - وإن قدّمت المالية عند تمامه، وهو واضح بعد ثبوت الاستئناف، أمّا قبله فقد عرفت الإشكال فيه.
وربما وُجه سقوط التجارة بأن حول المالية يبتدئ من حين دخول الثانية في ملكه فيمتنع اعتبار بعضه في حول التجارة؛ لأن الحول الواحد لا يمكن اعتباره للزكاتين فكذا بعضه .
ويضعف بما مر من الإجماع.
فإن قيل : ذلك يستلزم تقديم زكاة التجارة - وإن كانت مستحبّةً - على المالية؛ لسبق تمام حولها، وإلا لم يكن لبقائها أثر.
قلنا: لو صح أنّ به قائلاً(1) لم يكن بعيداً، والثنيا غير متحققة؛ لاختلاف وقت الوجوب ومحل الزكاة.
أمّا الأوّل؛ فلأنّ استئناف المالية يوجب تغاير الحولين وإن تصادقا في بعض الوقت.
وأمّا الثاني؛ فلأنّ محلّ الوجوب في المالية العين وفي التجارة الذمة، فلا ثنيا في محلّ واحد.
وقد وقع نظير ذلك في العبد المشترى للتجارة إذا حال عليه الحول وأهل شوّال، فإنّه يجب فيه زكاة الفطرة وتثبت زكاة التجارة، وفي مواضع أُخر.
وإن لم يتحقق القائل بذلك كانت الفائدة في جريانه في الحول من أول وقت الانتقال توقع اختلال شروط المالية، فيثبت التجارة، فإن اتفق تحقق المالية سقطت التجارة وإن سبقت في الثبوت؛ لما مرّ. وهذا هو الأجود.
ص: 422
الرابعة: إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على ربِّ المال لانفراده بملكه* وزكاة الربح بينهما يضمّ حصّة المالك إلى ماله ويخرج منه الزكاة؛ لأن رأس ماله ،نصاب، ولا يستحبّ في حصة الساعي الزكاة إلا أن يكون نصاباً.
.......
ويحتمل تقديم زكاة التجارة هنا لسبقها، وكمال حولها خالية عن المزاحم، وسقوط المتأخرة وإن كمل حولها؛ لامتناع الثنيا، واختاره العلّامة في النهاية (1). وفي القواعد ما يقرب منه(2) .
ويقوى هذا الاحتمال على القول بوجوب زكاة التجارة، بل لا يكاد يعدل عنه.
واعلم أنّه يمكن حمل كلام المصنّف على ما يزول معه هذا الإشكال بحمل الأربعين الأولى على القنية، وتعلّق الجارّ بالثانية خاصةً، وحمل سقوط التجارة على الارتفاع الأصلي وهو انتفاؤها، وغايته أن يكون مجازاً، وهو أولى من اختلال المعنى مع الحقيقة، أو يقدر لوجوب التجارة عامل محذوف غير السقوط، وهو الانتفاء ونحوه، وفي عطف المصنّف التجارة على المالية - المقتضي لجعل الوجوب مضافاً إليهما - تجوّز آخر عند المصنّف حيث لم يوجب زكاة التجارة، ووجه التجوّز استعمال لفظ الوجوب في حقيقته و مجازه، فإنّه لغةٌ : الثبوت (3) وهو شامل للندب، والله الموفق.
قوله: «وزكاة الربح بينهما يضمّ حصّة المالك إلى ماله ويخرج منه الزكاة »إلى آخره .
يعتبر في حصة المالك بلوغ النصاب الثاني لوجود الأوّل عنده وفي حصة العامل بلوغ النصاب الأوّل إذ ليس له سواها.
نعم، لو فرض أنه يتجر مع مال المضاربة بماله أيضاً وكان نصاباً كانت حصته من الربح كحصة المالك. ولو قصر المال الأوّل عن النصاب ضمّ إليه الربح فيهما.
ص: 423
*وهل تخرج قبل أن ينض المال؟ قيل: لا؛ لأنه وقاية لرأس المال، وقيل: نعم؛ لأنّ استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه ،وقايةٌ، وهو أشبه.
..........
قوله: «وهل تخرج قبل أن ينض المال؟ قيل: لا؛ لأنه وقاية لرأس المال - إلى قوله - وهو الأشبه».
المراد بإنضاض المال لغةً تحوّله عيناً بعد أن كان متاعاً.
قال في الصحاح : وأهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير النصّ والناض(1).
والمراد به هنا القسمة وإن كان المال عروضاً .
وسمّاها بذلك مجازاً، أو يريد حقيقته مع الفسخ، فإنّ العامل يملك حصته ملكاً مستقراً بأحد الأمرين.
ومبنى ما ذكره المصنّف على أنّ العامل يملك الحصة بالظهور ولا يتوقف على الإنضاض، وحينئذٍ فيجري حول نصيب العامل من حين ظهوره.
وهل له تعجيل إخراج الزكاة بعد الحول وقبل استقرار ملكه بأحد الأمرين؟ قيل: لا؛ لأنّ الربح حينئذٍ وقاية لرأس المال لما لعله يكون من الخسران، فتعلق حق المالك به للوقاية يمنع استقلال العامل بالإخراج(2).
واختار المصنّف الجواز؛ لأنّ استحقاق الفقراء لجزء منه يخرج ذلك القدر المستحق عن الوقاية.
وجمع العلّامة العلّامة بين القولين فجوّز تعجيل الإخراج قبل ذلك مع بقاء الوقاية، فيضمن العامل الزكاة لو احتيج إلى إتمام المال بها،(3) كما تضمن المرأة لو أخرجت زكاة المهر ثمّ طلقت قبل الدخول.
ص: 424
الخامسة : الدَيْن لا يمنع من زكاة التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلا منه، وكذا القول فى زكاة المال؛ لأنّها تتعلّق بالعين.
ثم يلحق بهذا الفصل مسألتان:
الأُولى: *العقار المتخذ للنماء تستحبّ الزكاة في حاصله، ولو بلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الزكاة، ولا تستحبّ في المساكن ولا في الثياب ولا الآلات ولا الأمتعة المتخذة للقنية.
الثانية :* الخيل إذا كانت إناثاً سائمة وحال عليها الحول،
.......
ورد بجواز إعسار العامل فلا يتحقق الوقاية.
وأجيب بأنّ إمكان الإعسار أو ثبوته بالقوة لا يزيل حق الإخراج الثابت بالفعل.
ولو قيل بعدم ثبوت الزكاة قبل الإنضاض أو ما في حكمه لعدم تمامية الملك كان وجهاً.
ولو قلنا بالثبوت لم يجب تعجيل الإخراج قبل ذلك.
قوله: «العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله».
العقار المتخذ للنماء كالدكان والخان والحمّام -ملحق بالتجارة، غير أنّ مال التجارة مُعد للانتقال والتبدل وإن لم يتبدل، وهذا قار.
وفي إلحاقه به في اعتبار الحول والنصاب قولان، وعدم اشتراطهما متوجه، وهو خيرة التذكرة (1).
قوله: «الخيل إذا كانت إناثاً سائمة وحال عليها الحول».
يشترط مع ذلك أن لا تكون عوامل وأن تكمل للمالك الواحد فرس كاملة وإن كانت بالشركة كنصف اثنين .
ص: 425
*ففي العتاق عن كلّ فرس ديناران، وفي البراذين عن كل فرس دينار استحباباً.
.........
قوله: «ففي العناق عن كل فرس ديناران» إلى آخره.
المراد بالفرس العتيق الذي أبواه عربيّان كريمان، وبالبرذون بكسر الباء خلافه، سواء كان أبواه أعجميين، وهو البرذون بالمعنى الأخص أم أبوه خاصة ويخص باسم المقرف أم أُمّه خاصة، ويخص باسم الهجين. وفي الصحاح البرذون الدابة(1)، فعلى هذا يجوز أن يراد بالبراذين في كلام المصنف بقيتها.
ص: 426
ويحصره أقسام :
القسم الأوّل: * أصناف المستحقين للزكاة سبعة:
الفقراء والمساكين وهم الذين تقصر أموالهم عن مؤونة سنتهم، وقيل: مَنْ يقصر ماله عن أحد النصب الزكاتية.
ثمّ من الناس مَنْ جعل اللفظين بمعنى واحد * ومنهم مَنْ فرّق بينهما في الآية، والأوّل أشبه.
........
قوله: «أصناف المستحقين للزكاة سبعة».
جعلهم سبعةً بناءً على اتحاد معنى الفقراء والمساكين، والأشهر كونهم ثمانية؛ لتغاير معنى الاسمين، وتظهر الفائدة فيما لو أراد المُخْرِج بسط الزكاة على الأصناف استحباباً، فإنّه يقسمها ثمانية أقسام، وكذا لو نذر بسطها عليهم.
وقد رجع المصنّف عن هذا القول في غير هذا الكتاب وعدّهم ثمانيةً (1).
قوله: «ومنهم مَنْ فرّق بينهما في الآية».
اعلم أنّ الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف، نص
ص: 427
* ومَنْ يقدر على اكتساب ما يموّن به نفسه وعياله لا يحل له ؛ لأنه كالغني، وكذا ذو الصَنْعة. ولو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها، وقيل : يعطى ما يتمّ كفايته، وليس ذلك شرطاً، ومن هذا الباب تحلّ لصاحب ثلاثمائة، وتحرم على صاحب الخمسين، اعتباراً بعجز الأول عن تحصيل الكفاية وتمكن الثاني.
.........
على ذلك جماعة، منهم الشيخ والعلّامة(1) كما في آية الكفّارة المخصوصة بالمسكين(2). فيدخل فيه الفقير، وإنما الخلاف فيما لو جمعا، كما في آية الزكاة(3)لا غير.
والأصح أنهما حينئذٍ متغايران؛ لنص أهل اللغة (4)وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله قال: «الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه»(5).
ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك؛ للاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكرا، ودخول أحدهما تحت الآخر حيث يُذكر أحدهما، وإنّما تظهر الفائدة نادراً فيما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالاً، فإنّ الآخر لا يدخل فيه، بخلاف العكس.
قوله: «ومَنْ يقدر على اكتساب ما يموّن به نفسه وعياله» إلى آخره.
يعتبر في الكسب كونه لائقاً بحاله عادةً بحسب جلالته وضعته، فلا يُكلّف الرفيع بيع الحطب والحرث والكنس، وأشباه ذلك، فإن ذلك أصعب من بيع الخادم، وهو غير واجب.
ولو اشتغل عن التكسب بطلب علم ديني جاز له أخذ الزكاة وإن قدر عليه لو ترك، نعم لو قدر مع طلب العلم على حرفة لا تنافيه تعينت.
ص: 428
ويعطى الفقير * ولو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه إذا كان لا غناء به عنهما.
*ولو ادّعى الفقر، فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه، وإن جهل
الأمران أعطي من غير يمين سواء كان قوياً أو ضعيفاً، وكذا لو كان له أصل مال :وقيل: بل يحلف على تلفه.
ولا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، فلو كان ممن يترفع عنها وهو مستحقُ * جاز صَرفها إليه على وجه الصلة.
ولو دفعها إليه على أنه فقير فبان غنيّاً *ارتجعت مع التمكن،
........
قوله: «ولو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه إذا كان لا غناء له عنهما».
يتحقق عدم الغنى في الخادم يكون المخدوم من عادته ذلك وإن كان قادراً على خدمة نفسه، أو بحاجته إليه لزمانة ونحوها إذا لم يكن من عادته، ولو احتاج إلى أزيد من واحد فكالواحد، وفي الدار بكونها لائقةً بحاله من غير زيادة في الوصف والقدر، فلو زادت عن حاله فى أحدهما تعين عليه بيع الزائد أو الاعتياض بما يليق بحاله.
وفي حكم الدار والخادم ثياب التجمّل لمن هو من أهلها ، وفرس الركوب، وكتب العلم كذلك. وثمنها لفاقدها من جملة المؤن.
قوله: «ولو ادّعى الفقر فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه».
وكذا يُقبل لو ادعى العيال أو الاشتغال بطلب علم يسوغ له ترك السعي، مع عدم علم كذبه من غير يمين.
قوله: «جاز صَرفها إليه على وجه الصلة».
وينوي عند وصولها إليه أو إلى وكيله، أو بعده مع بقاء عينها على ملكه.
قوله: «ارتجعت مع التمكن».
المراد بارتجاعها ما يعم العين والمثل أو القيمة مع تعذرهما (1). وحكم القيمة هنا
ص: 429
* وإن تعذر كانت ثابتةً فى ذمّة الآخذ ولا يلزم الدافع ضمانها، سواء كان الدافع المالك أو الإمام أو الساعي.
وكذا لو بانّ أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق * أو ممن تجب عليه نفقته أو هاشمي، وكان الدافع من غير قبيله.
..........
كالغصب، ولو وجدها معيبة أخذها مع أرش العيب.
هذا كله مع تصريح الدافع بكونها زكاةً، أما لو دفعها إليه ولم يُعلمه فلا ضمان.
قوله: «وإن تعذر كانت ثابتةٌ في ذمّة الآخذ ولا يلزم الدافع ضمانها».
هذا مع اجتهاد الدافع، وإلا ضمن.
وهل المراد بالاجتهاد البحث عن حاله على وجه يجوز دفعها إليه، فيدخل فيه ما لو قبل قوله ونحوه، أم لا بدّ من الاستقصاء بحيث لو كان الأمر بخلاف ذلك لظهر عادة؟
يحتمل الأول؛ لأنه المعتبر في جواز الدفع والمعروف شرعاً، فالأمر بالدفع إليه يقتضي الإجزاء، وعدم الاجتهاد فيه دفعها إليه من غير سؤال لظنّه فَقْرَه أو لمن يستحيي من قبولها صلةٌ، ثمّ يظهر أنه كان قد خرج عن الاستحقاق قبلها.
ووجه الثاني : أنه المتعارف من الاجتهاد عرفاً، فتركه للاكتفاء بقوله ونحوه. وهذا أجود؛ فإنّ الدفع بدون الاجتهاد بالمعنى الأوّل غير مجزي مطلقاً، والكلام هنا فى الضمان لو ظهر غير مستحق لا غير.
قوله «أو ممّن تجب عليه نفقته».
أي يرتجع مع الإمكان، ومع التعذر لا ضمان مع الاجتهاد.
واستثنى جماعة من الأصحاب (1)من ذلك ما لو تبين كون المدفوع إليه عبد الدافع، فإنّه لا يجزئ مطلقاً؛ لعدم خروجها من ملك الدافع، فيجري مجرى عزلها من غير تسليم.
ص: 430
والعاملون * وهُمْ عُمّال الصدقات.
ويجب أن يستكمل فيهم أربع صفات التكليف، والإيمان، والعدالة، * والفقه، ولو اقتصر على ما يحتاج إليه منه جاز * وأن لا يكون هاشمياً.
.........
وفيه نظر؛ لأنّ الأخبار(1) مطلقة، والعلة مشتركة، فإنّ غير المستحق لا يملك الزكاة في نفس الأمر، والاكتفاء في الشرط بالظاهر وتعذر الارتجاع مشترك.
قوله: «وهُمْ عُمّال الصدقات».
أي الساعون في تحصيلها وتحصينها بأخذ وكتابة وحساب وقسمة وحفظ ورعي. ونحو ذلك.
قوله: «والفقه».
إنّما يشترط الفقه فيمن يتولّى ما يفتقر إليه، ولا يشترط فيه الفقه المطلق، بل المتعلّق بالزكاة، وهو المراد بقول المصنّف ولو اقتصر على ما يحتاج إليه منه جاز».
واكتفى المصنّف في المعتبر له بسؤال العلماء (2)، واستحسنه في البيان(3).
قوله: «وأن لا يكون هاشميّاً».
نقل الشيخ عن بعض العلماء عدم اشتراط ذلك؛ لأنه يأخذ السهم أجرةً لا زكاةً، وهو أهل للإجارة(4) .
وهو نظر في مقابلة النصّ(5)، فلا يُسمع.
ص: 431
*وفي اعتبار الحُرّية تردّد . والإمام بالخيار بين أن يقرّر له جعالةً مقدّرةً أو أجرة عن مدّةٍ مقدّرةٍ. والمُؤلّفة، وهُم الكفّار الذين يُستمالون إلى الجهاد * ولا نعرف مؤلّفةً غيرهم.
.........
قوله «وفی اشتراط(1) الحرية تردّد».
منشؤه أنّ العمل تكسب والعبد صالح له وأنّ سهم العامل وما قبله في الآية (2) مملوك؛ لمكان اللام والعبد ليس أهلاً له.
وفيه نظر؛ لجواز كونه للاستحقاق أو الاختصاص، بل قال بعض محققي العربية: إن مرجع المعاني الثلاثة إلى الاختصاص أولى(3)؛ لدخولها فيه، وحذراً من الاشتراك، وحينئذ فلا يلزم من عدم ملكه عدم اختصاصه، أو استحقاقه للسهم بسبب العمل وإن كان المالك هو المولى.
والحق أنّ الاختصاص في الآية أولى؛ لاقتضاء السياق ذلك، وهو قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِى الصَدَقَاتِ ﴾(4)، ولأنّ مطلق الاختصاص قدر مشترك بين المعاني الثلاثة، وهو خير من الاشتراك والمجاز، واتفاق الأصحاب على أنّ الآية لبيان المصرف يحققه.
قوله: «والإمام بالخيار بين أن يقرّر له جعالةً [مقدّرةً] أو أجرةً».
ولا يشترط حينئذٍ أن يحصل قدر ما عيّن له أو يزيد عليه، بل إن حصل ذلك، وإلا أتمّ له الإمام من بيت المال، ولو لم يسم له شيئاً جاز أيضاً، وأعطاه ما يراه كباقي الأصناف، روي ذلك عن الصادق(عليه السلام)(5) .
قوله: «ولا نعرف مؤلّفةً غيرهم».
أشار بذلك إلى ما ذكره بعض الأصحاب من أن المؤلّفة يجوز كونهم مسلمين أيضاً(6).
ص: 432
وفي الرقاب، وهُمْ ثلاثة المكاتبون * والعبيد الذين تحت الشدة، والعبد يُشترى ويُعتق * وإن لم يكن في شدّةٍ، لكن بشرط عدم المستحق.
* وروي رابع، وهو مَنْ وجبت عليه كفّارة ولم يجد فإنّه يعتق عنه، وفيه تردّد.
.........
إما بأن يكون لهم نظراء من المشركين إذا أعطي المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام، أو لكون نياتهم ضعيفةً في الدين ويُرجى بإعطائهم قوة نيتهم، أو لكونهم في أطراف بلاد الإسلام إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول أو رغبوا في الإسلام، أو لمجاورتهم قوماً يجب عليهم الزكاة إذا أُعطوا منها جبوها منهم وأغنوا الإمام عن عامل.
ويمكن ردّ ما عدا الأخير من الأقسام إلى سبيل الله، والأخير إلى العمالة.
وبعد أن تقرّر أنّ الآية (1) لبيان المصرف وعدم وجوب البسط والتسوية تقلّ فائدة الخلاف؛ لجواز إعطاء الجميع من الزكاة في الجملة.
قوله :« والعبيد الذين تحت الشدّة».
المرجع في الشدّة إلى العرف؛ لعدم تقديرها شرعاً، ولا بد من صيغة العتق بعد الشراء، ونيّة الزكاة مقارنةً للعتق .
قوله: «وإن لم يكن في شدّةٍ لكن بشرط عدم المستحق».
هذا شرط لإعتاقه من سهم الرقاب كما هو المسوق ، فلو اشتراه من سهم سبيل الله على القول بعمومه كلّ قربةٍ لم يتوقف على عدم المستحق، بل الأولى الجواز من سهم الرقاب أيضاً؛ لدخوله في اسم الرقاب.
واعلم أنّ هذا التفصيل وما بعده من مسائل متعدّدة إنما يتوجه عندنا في ناذر بسط الزكاة على الأصناف، أو لمريد الاستحباب إذا عين السهم بالنية عند الدفع، وإلا لم تتوجه هذه الفروع.
قوله: «وروي رابع، وهو مَنْ وجبت عليه كفّارة - إلى قوله - وفيه تردّد».
منشأ التردّد من أنّ الكفّارة إن كانت مخيّرة فلا حاجة إلى العنق مع إمكان باقي الخصال
ص: 433
والمكاتب إنّما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته * ولو صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه ، وقيل : لا .* ولو دفع إليه من سهم الفقراء لم يُرتَجع.
........
وإن عجز عن العتق وإن كانت مرتبةً انتقل بالعجز عن العتق إلى غيره من الخصال، فلا يتحقق الاحتياج إلى العتق ومن ورود النص بجواز ذلك، رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم(1)(2)، ولا فرق بين المخيّرة والمرتبة؛ لذكرهما معاً في الرواية.
والأجود أن يعطى المكفّر ثمن الرقبة فيشتري هو ويعتق عن نفسه .
قوله: «ولو صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه».
بناءً على ما ذكرناه أولاً في قيد هذه الفروع، أو أنه مكاتب عاجز عن وفاء مال الكتابة وهو مع ذلك غير فقير، فيجوز حينئذ ارتجاعه؛ لصرفه له في غير ما عُيّن له شرعاً .
والمراد بالجواز هنا معناه الأعم، فإنّه لا يجزئ حينئذ، فيجب ارتجاعه وإعطاؤه غيره أو صرفه في مال كتابته.
ولو قيل بأن الدافع مخيّر بين ارتجاعه وإخراج الواجب من ماله مرّةً أُخرى، جاز حمل الجواز على المعنى الأخص.
قوله: «ولو دفع إليه من سهم الفقراء لم يرتجع».
هذا أيضاً من الفروع التي لا تتعين عندنا إلا بأحد الأمرين؛ لعدم وجوب البسط.
والحاصل أنه متى كان فقيراً مكاتباً جاز الدفع إليه من غير تعيين الصنف ومعه، فإن لم يعيّن جاز له صرفه كيف شاء من الوجوه السائغة، وإن عيّن له سهم الكتابة اقتصر على دفعه فيها.
ص: 434
* ولو ادعى أنه كوتب، قيل : يُقبل، وقيل: لا، إلا بالبينة أو بحلفٍ، والأوّل أشبه ،ولو صدقه مولاه قبل. والغارمون، وهُم الذين عَلَتْهم الديون في غير معصية، فلو كان في معصية لم يقض عنه. *نعم، لو تاب صُرِفَ إليه من سهم الفقراء، وجاز أن يقضي هو.
ولو جهل فيما ذا أنفقه، قيل: يمنع، وقيل: لا، وهو الأشبه .
.........
قوله: «ولو ادعى أنه كوتب» إلى آخره.
الأصح جواز تصديقه ما لم يكذبه مولاه، ولو صدقه جاز بطريق أولى.
وربما قيل بالمنع أيضاً، إلا بالبينة أو سماع الصيغة؛ لجواز المواطأة.
قوله: «نعم لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء، وجاز أن يقضى هو».
قد تقدم أنّ الفقير إنما يعطى بسبب الفقر مؤونة السنة(1) ، وإن جازت الزيادة دفعةً، وقضاء الدين لا يدخل في المؤونة وإنّما دخل في قسم الغارم فإن اعتبرنا البسط لم يدخل الدين في سهم الفقراء وإن تاب وإن لم نعتبره بني توقف الدفع على التوبة على اشتراط العدالة أو اجتناب الكبائر، فإن لم نشتر طهما لم تُعتبر في جواز الدفع إليه التوبة.
وفي المسألة إشكال، وهو أنه مع صرف المال في المعصية إن لم يجز وفاؤه من سهم الغارمين لم يجز من سهم الفقراء وإن تاب؛ لأنّ الدين لا يدخل في سهم الفقراء، وإلا لم يكن الغرم قسيماً للفقر، بل قسماً منه، بل إمّا أن تكون التوبة مسوّغة للدفع إليه من سهم الغارمين أو سهم سبيل الله، وإما أن لا يجوز الدفع إليه لوفاء دين المعصية مطلقاً.
وقد لزم من ذلك احتمالات: عدم الجواز مطلقاً اعتباراً بالمعصية المانعة، ذكره العلّامة حكاية(2) ، والجواز مع التوبة من سهم الفقراء، وهو الذي اختاره الشيخ (3) ، وتبعه عليه
ص: 435
ولو كان للمالك دَيْن على الفقير جاز أن يقاصّه * وكذا لو كان الغارم ميتاً جاز أن يقضى عنه وأن يقاص.
..........
جماعة(1) ، والجواز معها من سهم الغارمين، واختاره المصنّف في بعض فتاويه(2) ، والجواز معها من سهم سبيل الله، وهو متوجه .
ويمكن حل الإشكال بأنّ الفقير وإن لم يُعطَ بسبب الفقر إلا قوت السنة، لكن إذا دفع إليه ذلك ملكه وجاز له صرفه حيث شاء، فيجوز له صرفه في الدين، مع أن إعطاءه قوت السنة إنّما هو مع الدفع تدريجاً، أما دفعةً فلا.
نعم، لو لم يكن فقيراً بأن كان مالكاً لقوت سنته لم يتوجه على ذلك إعطاؤه من سهمالفقراء لعدم الفقر، ولا من سهم الغارمين لإنفاقه في المعصية، فيجب أن يقيد كلام المصنف في جواز إعطائه من سهم الفقراء يكونه فقيراً.
قوله: «وكذا لو كان الغارم ميتاً جاز أن يقضى عنه وأن يقاص».
أي يقضي عنه مَنْ ليس له عليه دين بأن يدفعها إلى صاحب الدين. ولو كانت الزكاة على صاحب الدين قارّ بها المديون بأن يحتسبها عليه ويأخذها مقاصةً من دَيْنه.
وهل يشترط قصور تركة الميت عن دينه؟ الظاهر ذلك، وصرّح به جماعة(3) ؛ لأن شرط الدفع إلى الغارم عجزه عن الوفاء لقصور المال، وعجزه عن التكسب.
ولم يشترط العلّامة ( رحمه الله) ذلك؛ بناءً على مذهبه من انتقال التركة إلى الوارث حين الموت فيصير عاجزاً (4).
وضعفه ظاهر؛ لتوقف تمكنه من التركة على وفاء الدين؛ لتأخر الإرث عن الدين على القولين.
ص: 436
* وكذا لو كان الدين على مَنْ تجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيّاً وميتاً وأن يقاص.
ولو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه على الأشبه .
ولو ادّعى أنّ عليه دَيْناً قبل قوله إذا صدّقه الغريم، وكذا لو تجرّدت دعواه عن التصديق والإنكار. وقيل: لا يُقبل. والأوّل أشبه.
*وفي سبيل الله، وهو الجهاد خاصة.
.........
نعم لو لم يعلم الوارث بالدين ولم يمكن للمدين إثباته شرعاً أو أتلف الوارث التركة وتعذر الاقتضاء منه، جاز الاحتساب على الميت قضاء ومقاصةً.
قوله: « وكذا لو كان الدين على مَنْ تجب نفقته».
لأنّ واجب النفقة إنّما يمتنع الدفع إليه من سهم الفقراء لمؤونته، أما دينه فلا يجب على مَنْ يجب عليه نفقته قضاؤه، فيجوز أن يدفع إليه من زكاته ليقضيه، وأن يقضي عنه ميتاً.
قوله: « وفی سبیل الله».
اعلم أنّ المصنّف وجماعة(1) عنونوا الرقاب وسبيل الله من جملة الأصناف مقيدين بالجار وهو «في» تأسياً بكتاب الله تعالى (2)، وكان الأولى هنا حذف الجار؛ لأن الصنف نفس الرقاب ونفس سبيل الله، وإنّما أدخلها عليهما في الآية الشريفة لنكتة لا تدخل في العبارة، وهي أن الله تعالى جعل الصدقات للفقراء والثلاثة التي بعدهم وخصهم باللام، وجعلها للباقين وأدخل عليهم «في»، إشارة إلى أنّ الأربعة الأول يستحقون نصيبهم على وجه الملك أو الاختصاص المطلق يصنعون به ما شاؤوا، بخلاف الرقاب وما بعدهم فإنّه
ص: 437
* وقيل: يدخل فيه المصالح كبناء القناطر، والحج، ومساعدة الزائرين، وبناء المساجد، وهو الأشبه.
والغازى يعطى وإن كان غنيّاً قدر كفايته على حسب حاله. وإذا غزا لم يرتجع منه، وإن لم يغز استعيد.
...........
جعلهم موضعاً للصدقة ومحلّاً لها، فيتعين عليهم صرفها في ذلك، وهذا المعنى لا يتحقق في العبارة؛ لأنه بصدد عد الأصناف، حيث قال: «أصناف المستحقين سبعة: الفقراء» إلى آخره فليس في هذا الأسلوب إلا مجرد عد الأصناف من غير بيان الفارق وإن ذكره في تضاعيف ،عبارته، بخلاف أسلوب الآية.
ولما أشرنا إليه عبر الشهيد رحمه الله في كتبه بقوله: «والرقاب وسبيل الله» إلى آخره(1)، وهو أجود، فتأمل الفرق بين الأسلوبين تظهر على الحال، والأمر في ذلك سهل؛ إذ التأسى بالآية والفرق الحاصل فيها كاف.
قوله :« وقيل: يدخل فيه المصالح».
هذا هو الأجود؛ لأنّ السبيل لغةٌ : الطريق(2) ، فمعنى سبيل الله الطريق إلى رضوانه وثوابه؛ لاستحالة التحيّز عليه، فيدخل فيه كلّ ما فيه وسيلة إلى ذلك.
وبذلك وردت الرواية أيضاً، ذكرها عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم(عليه السلام)(3).
ويجب تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شيء من الأصناف الباقية ، فيشترط في الحاج والزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفاً ، والفرق بينهما حينئذ وبين الفقراء أنّ الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيراً، ويعطى لكونه في سبيل الله.
ص: 438
وإذا كان الإمام مفقوداً سقط نصيب الجهاد وصرف في المصالح، وقد يمكن وجوب الجهاد مع عدمه فيكون النصيب باقياً مع وقوع ذلك التقدير.
وكذا يسقط سهم السُعاة وسهم المؤلّفة، ويقتصر بالزكاة على بقية الأصناف.
*وابن السبيل، وهو المنقطع به ولو كان غنياً في بلده، * وكذا الضيف.
ولا بد أن يكون سفرهما ،مباحاً، فلو كان معصيةً لم يُغط، ويدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده * ولو فضل منه شيء أعاده، وقيل: لا.
........
قوله: «وابن السبيل، وهو المنقطع به وإن كان غنياً في بلده».
لما عرفت من أن السبيل هي الطريق، فلا يشترط الفقر في بلده، وإلا لدخل في قسيمه. وهل يشترط عجزه عن الاستدانة على ما في بلده أو عن بيع شيءٍ من ماله فيه ونحوه؟ الظاهر ذلك ليتحقق العجز، ولم يعتبره المصنف في المعتبر(1)، وليس ببعيد؛ عملاً بإطلاق النصّ (2).
ويعتبر في كفايته ما يليق بحاله من المأكول والملبوس والمركوب.
ولا يجب عليه المبادرة إلى الرجوع إلى بلده، بل حين قضاء الوطر المطلوب من السفر.
قوله: «وكذا الضيف».
أي يلحق بابن السبيل في جواز ضيافته من الزكاة.
ويشترط فيه أن يكون مسافراً محتاجاً إلى الضيافة وإن كان غنياً في بلده، والنية عند شروعه في الأكل، ولا يحتسب عليه إلا ما يأكله
قوله: «ولو فضل منه شيء أعاده».
إلى مالكه أو وكيله، فإن تعذر فإلى الحاكم ولا فرق في ذلك بين النقدين والدابة والمتاع.
ص: 439
القسم الثاني في أوصاف المستحق
الوصف الأوّل: * الإيمان. فلا يعطى كافر . ولا معتقد غير الحق * ومع عدم المؤمن يجوز صرف الفطرة خاصةً إلى المستضعف.
*وتعطى الزكوات أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم.
..........
قوله: «الإيمان».
إنّما يشترط الإيمان في بعض الأصناف لا جميعهم، فإنّ المؤلّفة وبعض أفراد سبيل الله لا يعتبر فيهما ذلك، ولعلّه أطلقه لوضوح الحال فيه وسبق البحث عنه.
والمراد بالإيمان هنا معناه الأخصّ، وهو الإسلام والولاية للأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) بدليل ما.
قوله: «ولا معتقد غير الحق».
من المذاهب الإسلاميّة، لا مطلق غير الحق، كما لا يخفى.
قوله: «ومع عدم المؤمن يجوز صرف الفطرة خاصةً إلى المستضعف (1)».
ورد بذلك رواية عن الصادق أنه قال: «كان جدي يعطي فطرته للضعفة ومن لا يتولّى، وقال: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب» (2).
والمراد بالمستضعف هنا مستضعف المخالفين، كما دلّت عليه الرواية، وهو مَنْ لا يعاند الحق منهم، وولد المستضعف بحكمه.
والأصح المنع مطلقاً، والرواية معارضة بما هو أصح منها(3).
قوله: «وتعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم».
هذا إذا لم نعتبر العدالة في المستحق، أما لو اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال
ص: 440
*ولو أعطى مخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد.
..........
مطلقاً؛ لعدم اتصافهم بها، والجواز؛ لأنّ المانع الفسق وهو منفي عنهم؛ لأنّه عبارة عن الخروج عن طاعة الله فيما دون الكفر، وهُمْ غير مخاطبين بالطاعة.
ومبنى الإشكال على أن العدالة هل هي شرط، أو الفسق مانع؟ فعلى الأوّل يحتمل الأوّل ؛ للدليل الدال على اعتبار العدالة ، ولأنّه لو اكتفي بعدم الفسق لزم جواز إعطاء المجهول حاله عند مشترط العدالة؛ لعدم تحقق المانع فيعمل المقتضي عمله، وهو لا يقول به.
ويحتمل الثاني؛ حملاً للاشتراط على مَنْ يمكن في حقه ذلك، وهو منفي في الطفل.
وعلى الثاني يستحق الطفل بغير إشكال، وهذا بخلاف أولاد الكفار؛ لأن الإيمان شرط في الجملة إجماعاً، والولد تابع لأبيه فيه وفي الكفر شرعاً، بخلاف الفسق، فيثبت في ولد الفاسق الإيمان بحكم التبعية دون الفسق.
واعلم أنّ العلامة (رحمه الله) ادعى في المختلف الإجماع على جواز إعطاء أولاد المؤمنين(1) وإن اعتبرنا العدالة، فينتفي الإشكال، ويضعف القول باشتراط العدالة؛ إذ لا يتصوّر في الأطفال مع ثبوت استحقاقهم.
ولو تولّد بين المؤمن والكافر تبع الأشرف.
وفي المتولّد بين المؤمن وغيره من الفرق الإسلامية نظر، والأجود استحقاقه، خصوصاً إذا كان المؤمن الأب.
قوله: «ولو أعطى مخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد».
الوجه في اختصاصها من بين العبادات مع النصّ (2): أنّ الزكاة بمنزلة الدين، وقد دفعه إلى غير مستحقه، ولو كانت العين باقيةً جاز له استرجاعها.
ص: 441
الوصف الثاني: * العدالة. وقد اعتبرها كثير ، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزني، دون الصغائر وإن دخل بها في جملة الفساق * والأوّل أحوط.
الوصف الثالث: * أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك، كالأبوين وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، والزوجة، والمملوك، ويجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب ولو قربوا كالأخ والعم.
.........
قوله: «العدالة».
الكلام في اشتراط العدالة في الأصناف كما مرّ في الإيمان؛ إذ لا يشترط عدالة الجميع. وقد عرفها الشهيد (رحمه الله) هنا بأنها هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا تقع منه كبيرة، ولا يُصرّ على صغيرة(1)، فلم يعتبر فيها المروءة كما اعتبروها في غير هذا المحلّ، بناءً على أن الدليل إنّما دلّ على منع فاعل المعاصي، وعدم المروءة ليس معصية وإن أخل بالعدالة.
قوله: «والأوّل أحوط».
لا ريب في أنّ اعتبار العدالة أولى مع الإمكان، بل ادّعى المرتضى على اشتراطها الإجماع(2)، وأكد منها اجتناب الكبائر، وإن كان عدم اعتبارهما قويّاً.
قوله: «أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك».
لأنّ واجب النفقة غنيّ مع بذل المنفق، فلو لم يبذل له قدر الكفاية من النفقة جاز، إلا الزوجة فإنّ نفقتها مستقرة في الذمة لو لم يدفع.
نعم يجوز دفعها إليه في توسعته الزائدة على قدر الواجب بحيث لا يخرج إلى حدٍ يتجاوز عادةً نفقة أمثاله.
ص: 442
* ولو كان مَنْ تجب نفقته عاملاً جاز أن يأخذ من الزكاة، وكذا الغازي والغارم والمكاتب، وابن السبيل، لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة .
الوصف الرابع : أن لا يكون هاشمياً ، فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره ، *وتحلّ له زكاة مثله في النسب.
ولو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز له أن يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي، * وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة.
........
ولو كانت الزوجة ناشزاً، ففي جواز الدفع إليها مع فقرها وجهان، أجودهما العدم؛ لأنها غنية بالقوة؛ لقدرتها على الطاعة في كل وقت.
ويجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها وإن كان ينفق عليها منها.
قوله: «ولو كان مَنْ تجب نفقته عاملاً جاز أن يأخذ من الزكاة» إلى آخره.
الضابط أنّ القريب إنما يمنع دفعه لقريبه من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقراً في وطنه، فلو كان من باقي الأصناف جاز الدفع إليه، وكذا لو أراد السفر أُعطي ما زاد على نفقة الحضر، وكذا يعطى لنفقة زوجته وخادمه؛ إذ لا يجب ذلك على القريب.
قوله :« وتحلّ له زكاة مثله في النسب».
المراد بالمثل المطلق الهاشمي وإن لم يماثله في الأب الخاص كالعلوي وغيره.
ويتخيّر مع وجود الخمس وزكاة مثله في أخذ أيهما شاء. والأفضل أخذ الخمس؛ لأنّ الزكاة أوساخ في الجملة.
قوله: «وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة ».
المراد بالضرورة قوت يومه وليلته، لا مؤونة السنة؛ لأنّه لا يملك من الخمس ما زاد على السنة وهو حقه فكيف المشروط بالضرورة، وهذا هو الأجود.
نعم، لو لم يندفع الضرورة بدفع قوت اليوم بأن لا يوجد في اليوم الثاني ما يدفع به الضرورة عادة جاز له أخذ ما يندفع به، فلو وجد الخمس قبل فنائه ففي وجوب ففي وجوب ردّه نظر.
ص: 443
* ويجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره.
والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة * من ولد هاشم خاصةً على الأظهر، *وهم الآن أولاد أبي طالب، والعباس، والحارث، وأبي لهب.
القسم الثالث في المتولي للإخراج
وهُمْ ثلاثة: المالك والإمام، والعامل. وللمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه وبمَنْ يوكله *والأولى حمل ذلك إلى الإمام. ويتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة، كالمواشي والغلّات.
........
قوله: «ويجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره».
يستثنى منه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، فإن الأصح تحريم الصدقة عليه مطلقاً، وكذا الأئمّة (عليهم السلام).
وفي حكم المندوبة لغيرهم المنذورة، والموصى بها.
و في الكفّارة وجهان أصحهما جوازها، فيختص التحريم بالزكاتين.
قوله: «من ولد هاشم [خاصةً] على الأظهر».
رد بذلك على المفيد وابن الجنيد حيث ذهبا إلى تحريم الصدقة وحل الخمس لمن انتسب إلى المطّلب أيضاً (1)وهو أخو هاشم؛ استناداً إلى رواية (2) لا تنهض بالحجة مع معارضتها بما هو أقوى منها.
قوله: «وهم الآن».
احترز ب_ «الآن» عن زمن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقد كانوا أكثر من ذلك مثل حمزة(عليه السلام) ، ثم انقرضوا ولم يبق نسل إلا للمذكورين.
قوله « والأولى حمل ذلك إلى الإمام».
ص: 444
ولو طلبها الإمام وجب صرفها إليه * ولو فرّقها المالك والحال هذه قيل :لا يجزئ، وقيل: يجزئ وإن أثم والأوّل أشبه.
وولي الطفل كالمالك في ولاية الإخراج.
..........
خالف في ذلك جماعة من الأصحاب (1)فأوجبوا دفعها إليه ابتداء؛ لقوله تعالى: : ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾(2)، فإنّ الإيجاب عليه يستلزم الإيجاب عليهم، وأوجبوا أيضاً دفعها إلى ساعيه، ومع تعذرهما إلى الفقيه المأمون.
والمشهور الاستحباب؛ لأنّه أبصر بمواقعها وأخبر بمواضعها ، ولقول الصادق(عليه السلام) : «لو أنّ
رجلاً حمل زكاته فقسمها علانية كان ذلك حسناً جميلاً»(3).
وقد قيل في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ﴾ إنّها شاملة للزكاة الواجبة (4). فيدل على المشهور.
قوله: «ولو فرّقها المالك والحال هذه، قيل: لا يجزئ ، وقيل : يجزئ، والأوّل أشبه».
لا خلاف في حصول الإثم، سواء قلنا بالإجزاء أم لا للمخالفة.
ووجه الإجزاء معه حصول ،الغرض، وهو وصولها إلى المستحق، كالدين إذا دفعه إلى مستحقه، وهو خيرة التذكرة (5).
وما اختاره المصنف أجود؛ لأنّها عبادة قد خولف في فعلها مقتضى الأمر، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، وهو يستلزم فساد العبادة.
ص: 445
ويجب على الإمام أن ينصب عاملاً لقبض الصدقات، * ويجب دفعها إليه عند المطالبة، ولو قال المالك: أخرجت قبل قوله، ولا يُكلّف بينةٌ ولا يميناً.
ولا يجوز للساعي تفريقها إلا بإذن الإمام، فإذا أذن له جاز أن يأخذ نصيبه ثمّ يفرّق الباقي.
وإذا لم يكن الإمام موجوداً، * دفعت إلى الفقيه المأمون من الإمامية فإنّه أبصر بمواقعها.
* والأفضل قسمتها على الأصناف واختصاص جماعةٍ من كلّ صنفٍ ،
.......
قوله: ويجب دفعها إليه عند المطالبة».
ولو خالف المالك وأخرجها بنفسه فالوجهان، وأولى بالصحة.
والوجه الفساد أيضاً، والتقريب ما تقدّم.
وللمالك استعادة العين مع بقائها في الموضعين، أو تلفها وعلم القابض بالحال.
وفي رجوعه مع التلف وجهله احتمال.
قوله: «دفعت إلى الفقيه المأمون».
المراد ب_ «الفقيه »- حيث يطلق على وجه الولاية - الجامع لشرائط الفتوى وب_ «المأمون» مَنْ لا يتوصل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعيّة، فإنّ ذلك وإن كان جائزاً إلا أنّ فيه نقصاً في همّته وحطاً (1)لمرتبته، فإنّه منصوب للمصالح العامة، وفي ذلك إضرار بالمستحقين، وكذا القول في باقي الحقوق.
والقائل بوجوب دفعها إلى الإمام ابتداء أوجب دفعها مع غيبته إلى الفقيه المأمون.
قوله: «والأفضل قسمتها على الأصناف واختصاص جماعةٍ من كلّ صنف».
هذا مذهب الأصحاب بناءً على أن اللام في الآية(2) ليست للملك، بل لبيان المصرف.
ص: 446
ولو صرفها في صنف واحد جاز، ولو خص بها ولو شخصاً واحداً من بعض الأصناف جاز أيضاً.
* ولا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجود، ولا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحق فى البلد *ولا أن يؤخّر دفعها مع التمكن، فإن فعل شيئاً من ذلك أثم وضمن.
وكذا كلّ مَنْ كان في يده مال لغيره فطالبه فامتنع، أو أوصى إليه بشيءٍ فلم بصرفه فيه، أو دفع إليه ما يوصله إلى غيره.
.........
واستحباب بسطها عليهم للنص (1)، والخروج من الخلاف وإعطاء جماعةٍ من كلّ صنفٍ؛ لورودهم بصيغة الجمع، وأقله ثلاثة.
ولا تجب التسوية، بل الأفضل التفضيل لمرجّح من عقل، أو فقه، أو ترك سؤال، أو شدّة حاجة، أو قرابة.
قوله: «ولا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجود، ولا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحق».
الأصح جواز نقلها مع وجود المستحق بشرط الضمان خصوصاً للأفضل أو التعميم؛ الصحيحة هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام)(2) .
قوله: «ولا أن يؤخر دفعها».
بل الأصح جواز التأخير شهراً أو شهرين لصحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام)(3).
خصوصاً إذا أخرها للبسط أو لذي المزية.
ص: 447
ولو لم يجد المستحق * جاز نقلها إلى بلد آخر، ولا ضمان عليه مع التلف، إلا أن يكون هناك تفريط. ولو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها إلى بلد المال، ولو دفع العوض في بلده جاز، * ولو نقل الواجب إلى بلده ضمن.
وفي زكاة الفطرة الأفضل أن يؤدّي في بلده وإن كان ماله في غيره؛ لأنها تجب في الذمة.
* ولو عيّن زكاة الفطرة من مالٍ غائب عنه ضمن بنقله عن ذلك البلد مع وجود المستحق فيه.
........
قوله: «جاز نقلها إلى بلدٍ آخر ولا ضمان عليه».
وأجرة النقل على المالك، وعلى ما اختاره المصنّف يجب الاقتصار على أقرب البلدان إلى بلد المال فالأقرب، إلا أن يختص الأبعد بالأمن.
قوله: «ولو نقل الواجب إلى بلده ضمن ».
إنّما يتحقق نقل الواجب مع عزله بالنية، وإلا فالذاهب من ماله لعدم تعينه للواجب، ومع ذلك فإن كان المستحق موجوداً في بلد المال ففي تحقق العزل قبل قبضه إشكال، فإنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه مع الإمكان.
و استقرب في الدروس صحة العزل مع وجود المستحق(1)، فيمكن بناء المسألة عليه، وإلا لم يتحقق الحكم بالضمان وعدمه.
ويمكن أن يريد بالواجب مماثله في القدر والوصف، ومعنى ضمانه ذهابه من ماله وبقاء الحق في ماله أو ذمته.
هذا مع وجود المستحق في البلد وإلا لم يضمن.
قوله: «ولو عيّن الفطرة من مالٍ غائب عنه ضمن بنقله عن ذلك البلد».
ص: 448
القسم الرابع في اللواحق
وفيه مسائل :
الأولى: * إذا قبض الإمام أو الساعي الزكاة برئت ذمة المالك ولو تلفت بعد ذلك.
الثانية: * إذا لم يجد المالك لها مستحقاً فالأفضل له عزلها، ولو أدركته الوفاة أوصى بها وجوباً.
.............
إنّما يتحقق تعيينه في مالٍ خاص بالنية مع عدم المستحق عند المخرج وإن وُجد في بلد المال إذا لم يمكن التوصل إليه في الوقت وحينئذ لا يجوز إخراجه عن بلد المال؛ لأنّه يصير كبلد زكاة المال.
وعلى ما اخترناه يكره النقل مع وجود المستحق بشرط الضمان.
وإنّما يتحقق الكراهة أو التحريم إذا لم يكن نقله على ملك المستحق، فلو قبضه في بلد المال بنفسه أو بوكيله ونقله انتفى التحريم والكراهة.
قوله: «إذا قبض الإمام أو الساعي [الزكاة] برئت ذمة المالك ولو تلفت بعد ذلك».
وكذا لو قبضها الفقيه الشرعي، بخلاف ما لو قبضها الوكيل، إلا أن تتلف في يده بغير تفريط مع عدم المستحق وعزلها بالنية.
قوله: «إذا لم يجد المالك مستحقاً فالأفضل له عزلها».
ويكون بعد ذلك في يده أمانةٌ، فلا يضمنها لو تلفت بدون تعد أو تفريط، وليس له إبدالها بعد ذلك.
ونماؤها المتصل تابع لها، أما المنفصل فقال الشهيد (رحمه الله): إنّه للمالك (1).
ولا يتحقق العزل مع وجود المستحق على الأصح.
ص: 449
الثالثة :* المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة، وقيل: بل يرثه الإمام ، والأوّل أظهر.
الرابعة: إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن ،* كانت الأجرة على المالك، وقيل: يحتسب من الزكاة، والأوّل أشبه.
.........
قوله: «المملوك الذي يُشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة، وقيل: بل يرثه الإمام».
المراد بالوارث المنفي هو الخاص، أعني مَنْ عدا الإمام وأرباب الزكاة؛ للإجماع على أن أحدهما وارث فلا يتحقق عدم الوارث العام، ولما كان عدم الأخص أعم من عدم الأعم صدق نفي الأخص مع وجود الأعم، ويصحح ذلك قرينة المقام.
ووجه القول بأنّ الوارث له هو الإمام ظاهر؛ لأنه وارث مَنْ لا وارث له، إلا أنه قول شاذ بل قال في البيان: إنّه لا يعلم به قائلاً(1).
ولعله أراد به من القدماء، فإنه خيرة العلّامة في كثيرٍ من كتبه (2).
والأصح الأوّل؛ لما ذكرناه، ولرواية عبيد بن زرارة عن الصادق : «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة؛ لأنّه إنّما اشتري بمالهم»(3) وخصوص مدلولها ينجبر بأنه لا قائل بالفرق.
وأما التفصيل بأنّه إن اشتري من سهم الرقاب فميراثه للإمام وإلا فلأرباب الزكاة، فلا أصل له في المذهب.
قوله: «كانت الأجرة على المالك».
لأنّ دفع المال واجب عليه، ولا يتم إلا بذلك، فيجب عليه من باب المقدمة.
ص: 450
الخامسة: * إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحق بهما الزكاة، كالفقر والكتابة والغزو، جاز أن يعطى بحسب كل سبب نصيباً.
السادسة: * أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل: عشرة قراريط أو خمسة دراهم . وقيل : ما يجب في النصاب الثاني : قيراطان أو درهم. والأوّل أكثر.
.........
ووجه كونه من الزكاة مناسبته لما دخل في العمالة من الحساب والكتابة والقسمة.
والأصح الأوّل.
والفرق أنّ عمل العامل في مال الزكاة بعد تعيينه، بخلاف الكيل والوزن؛ إذ لا يتعين بدونهما.
ويُعلم من الفرق أنّ المراد بالحساب والقسمة ونحوهما ليس هو الواقع بين العامل والمالك، بل ضبط قدر الحق وقسمته على المستحقين إن فوّض إليه ذلك، وإلّا أشكل الفرق بين الأمرين.
قوله: «إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحق بهما الزكاة» إلى آخره.
الفائدة على تقدير البسط ظاهرة، وعلى عدمه تظهر فيما لو اندفعت الحاجة المعتبرة في أحد الوجوه، فإنّه يجوز أن يزاد بسبب الآخر، كما لو أعطي ما يفي بدينه وكان عاملاً يجوز أن يعطى بسبب العمل، وهكذا.
ولو كان فقيراً والدفع دفعةً لم ينحصر العطاء في قدرٍ.
قوله: «أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول» إلى آخره.
المشهور أنّ هذا التقدير على سبيل الاستحباب دون الوجوب، بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع(1)، مع أنه نقل الوجوب في المختلف عن جماعةٍ منّا(2).
ص: 451
ولا حد للأكثر إذا كان دفعة، ولو تعاقبت العطيّة فبلغت مؤونة السنة حرم عليه ما زاد .
السابعة :* إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها وجوباً . وقيل : استحباباً ، وهو الأشهر.
.....
وأكثر الأصحاب والأخبار على أن أقل ما يعطى الفقير ما في النصاب الأول(1) الا الثاني.
وهذا الحكم إنّما يتم حيث يمكن امتثاله، فلو كان عند المالك نصابان، أوّل وثان، جاز أن يعطي ما في الأول لواحدٍ وما في الثاني لآخر من غير كراهة ولا تحريم على القولين.
ويحتمل إعطاء الجميع لواحدٍ إن لم يتكمّل من النصب المتأخرة بقدر النصاب الأوّل للقدرة على الامتثال .
والتقدير بخمسة دراهم ونصف دينار يؤذن بأنّ ذلك مختص بزكاة النقدين، فلا يتعدى الحكم إلى غيرها وإن فرض فيها نصاب أوّل وثان، وإلا لزم وجوب إخراج القيمة أو استحبابه، ولا يقولون به. وقيل: يتعدى(2)، فلا يدفع للفقير أقل مما في النصاب الأوّل أو الثاني على حسبه.
ويحتمل تقدير أقل ما يعطى بمقدار زكاة النقدين؛ عملاً بظاهر الخبر، فيعتبر قيمة المخرج إن لم يكن من النقدين بأحدهما، وهذا هو الأجود. ولو فرض أنّ ما عنده يقصر عن ذلك، كما لو وجب عليه شاة واحدة لا تساوي خمسة دراهم اكتفى بدفعها إلى الفقير من غير كراهة ولا تحريم.
ولو لم يكن للمال إلا نصاب واحد كالغلات، ففي اعتبار المخرج بقيمة النقدين -كما مر - الوجهان.
ولو قصر الحق بعد المؤن عن المقدر اكتفى به، ولو زاد بما لا يبلغ قدراً آخر فكما مرّ.
قوله: «إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها وجوباً وقيل: استحباباً».
وجوب الدعاء هو الأجود ؛ عملاً بظاهر الأمر في قوله تعالى : ﴿وَصَلَّ عَلَيْهِمْ ﴾ بعد
ص: 452
الثامنة: يكره أن يملك ما أخرجه فى الصدقة اختياراً واجبةً كانت أو مندوبةً، ولا بأس إذا عادت إليه * بميراث وما شابهه.
التاسعة: يستحب أن يوسم نَعَمُ الصدقة في أقوى موضع منها وأكشفه، كأصول الآذان في الغنم، وأفخاذ الإبل والبقر* ويكتب في المِيْسَم ما أُخِذَتْ له: زكاة، أو صدقة، أو جزية.
..........
قوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾(1) ، فإنّ حمل الأمر على الوجوب متعيّن إلى أن يقوم دليل على غيره، واختاره المصنف في المعتبر(2)وأكثر المتأخرين عنه.
وكذا يجب على نائبه خصوصاً وعموماً كالساعي والفقيه، دون الفقير بل يستحبّ.
وهل يجب الدعاء بلفظ الصلاة؟ قيل بذلك (3)عملاً بظاهر الآية (4)، وتأسياً بالنبي ، فإنّه قال: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» لما جاءته زكاتهم(5).
والوجه الاجتزاء بمطلق الدعاء؛ لأنه معنى الصلاة لغةٌ(6) ، والأصل هنا عدم النقل، فيجوز أن يقول: «أجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت ونحوه.
واعلم أنه قد استفيد من الآية والرواية جواز الصلاة على غير النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)كما ذهب إليه أصحابنا، والعامة وافقوا على الدلالة وخالفوا في المدلول؛ لوجه غريب .
قوله :« بميراث وما شابهه».
من المشابه شراء الوكيل ودفعه إليه من دينه مع موافقته له في الجنس والوصف.
قوله: «ويكتب في الميسم».
هو - بكسر الميم وفتح السين - المكواة (7)، بكسر الميم أيضاً.
ص: 453
إذا أهل الثاني عشر وجب دفع الزكاة، ولا يجوز التأخير إلا لمانع أو لانتظار مَنْ له ،قبضها، وإذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين.
والأشبه أنّ التأخير إن كان لسبب مبيح دام بدوامه ولا يتحدّد * وإن كان اقتراحاً لم يجز ويضمن إن تلفت.
* ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب، فإن أثر ذلك دفع مثلها قرضاً، ولا يكون ذلك زكاةً، ولا يصدق عليها اسم التعجيل، فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة كالدين على الفقير ، بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق وبقاء الوجوب في المال.
......
ويستحب أن يضيف إلى ما ذكر اسم الله تعالى.
وفائدة الوسم تمييزها لئلا تشتبه ومعرفة مالكها بها لئلا تنتقل إليه باختياره.
قوله: «وإن كان اقتراحاً».
الاقتراح - في الأصل- الكلام المرتجل وسؤال الشيء من غير روية، والمراد هنا تأخير الزكاة بغير سبب مبيح له، وقد تقدم الكلام في ذلك.
قوله: «ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب».
المراد تقديمها زكاةً بالنية، فإن ذلك غير مجزي؛ لأنها عبادة مؤقتة فلا تتقدم على وقتها.
وقد روي عن الصادق حين سئل عن تقديمها، فقال: «لا، إنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي صلاة إلا لوقتها فكذلك الزكاة، وكلّ فريضةٍ إنّما تؤدى إذا حلّت»(1).
ص: 454
* ولو كان النصاب يتم بالقرض لم تجب الزكاة، سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه.
* ولو خرج المستحق عن الوصف استعيدت،
.......
وجوّز بعض الأصحاب تقديمها (1)، وتُسمى زكاةً معجّلة، ويترتب عليها بعض الأحكام الآتية. ومعنى قول المصنف «لا يجوز تقديمها» أنّه لا يجزئ، بل يقع الدفع فاسداً، فلا يستبيح القابض التصرّف مع علمه بالحال.
ويحتمل أن يريد به التحريم كما هو الظاهر، ويتوجه ذلك مع اعتقاده شرعية الفعل، فإنّ ذلك تشريع محرَّم عند المصنّف.
قوله: «ولو كان النصاب يتمّ بالقرض لم تجب الزكاة» إلى آخره.
رد بذلك على الشيخ، حيث ذهب إلى أن المقترض لا يملك العين المقترضة إلا بالتصرف (2)، فمع بقاء عينها تكون باقية على ملك المقرض فلا يثلم النصاب لو تمّ بها.
ومختار المصنّف أنّه يملك بالقبض مع العقد؛ لأنّ التصرّف فرع الملك، فلو كان مشروطاً به دار - وسيأتي الكلام فيه(3) إن شاء الله تعالى - وحينئذ فينثلم النصاب مع تمامه به.
قوله: «ولو خرج المستحق عن الوصف استعيدت».
جواز الاستعادة لا يتوقف على خروج القابض عن وصف الاستحقاق، بل له أن يستعيدها منه -كما سيأتي - وإن كان باقياً على الاستحقاق، ويعطيها غيره، أو يعطيه غيرها، أو يعطى غيره غيرها، ومع خروجه عن الوصف لا يتعين على المالك استعادتها، بل عليه أن يخرج الزكاة منها أو من غيرها، وكذا الحكم في حق القابض فإنه مع طلب المالك يجب عليه الوفاء مع الإمكان وإن كان مستحقاً، ففي العبارة تجوّز، والأمر سهل.
ص: 455
*وله أن يمتنع من إعادة العين ببذل القيمة عند القبض كالقرض. ولو تعدّر استعادتها غرم المالك الزكاة من رأس.
ولو كان المستحق على الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن يستعيدها ويعطي عوضها ؛ لأنها لم تتعيّن ويجوز أن يعدل بها عمّن دُفعت إليه أيضاً.
فروع :
[الأوّل:]*. لو دفع إليه شاة فزادت زيادة متصلة كالسمن لم يكن له استعادة العين مع ارتفاع الفقر،
..........
قوله: «وله أن يمتنع من إعادة العين ببذل القيمة عند القبض كالقرض».
هذا إذا كانت قيمية، وإلا وجب مثلها، وعلى التقديرين له الامتناع من إعادة العين، بناءً على ما تقدم من أنّ المقترض يملك العين بالقبض، فيجب عليه قيمته حينئذ إن كان قيميّاً؛ لأنه أوّل زمان دخوله في ملكه، وإلا فمثله.
ونيه بذلك أيضاً على خلاف الشيخ.
والمراد بالقرض المشبه به في قوله كالقرض» الماهية الكلية الشاملة لجميع أفراده، والمشبه هو الفرد الخاص منها ، وهو المبحوث عنه، وبينهما تغاير يجوز تشبيهه به والتقدير كما أن جميع أفراد القرض كذلك فلا يرد حينئذ أنّه شبه الشيء بنفسه.
قوله: «لو دفع إليه شاة فزادت زيادة متصلة كالسمن - إلى قوله - مع ارتفاع الفقر».
قد تقدّم أنّ المختار عند المصنّف أنّ المقترض يملك العين بالقرض والقبض، ويجب عليه مثلها أو قيمتها، بل سيأتي منه الميل إلى لزوم المثل مطلقاً، وأن له استرجاع الحق وإن بقي القابض على صفة الاستحقاق، ففي العبارة تسامحان:
الأوّل: حكمه بعدم جواز استعادته العين مع الزيادة المتصلة، ومن المعلوم أن الملك يوجب تخيير المقترض عند الوفاء في تعيين الأفراد المطابقة للحق من المال الموجود في يده وغيره، فلا وجه للحكم بعدم جواز استعادة المقرض العين مع الزيادة على مذهب
ص: 456
*وللفقير بذل القيمة، وكذا لو كانت الزيادة منفصلةً كالولد *لكن لو دفع الشاة، لم يجب عليه دفع الولد.
.......
المصنف، أما على مذهب الشيخ فالمجموع باق على ملك المقرض، فله أخذه، سواء كانت الزيادة متصلة أم منفصلة.
والاعتذار بأنه أراد بذلك التنبيه على ثبوت الحكم عند الجميع حتى مَنْ يرى أنّ الواجب في القيمي المثل، فإنّ المماثلة منتفية هنا بسبب الزيادة، لا يدفع؛ لأن وجوب المثل لا ينحصر في هذا الفرد. الثاني: تقييد المنع بارتفاع الفقر لا وجه له أيضاً؛ فإن التفريع على كونه قرضاً لا زكاة معجلة يوجب التسوية في جواز الاستعادة بين بقاء الفقر وارتفاعه.
ويمكن دفع الأولى ببنائها على أن الواجب المثل في القيمي كما يرجحه في بابه. وتظهر الفائدة حينئذ فيما لو لم يوجد من أمثال الشاة المدفوعة شيء، فإنّه لا يجب دفعها لمكان الزيادة.
والثانية بأنه مع بقاء الاستحقاق لا ثمرة مهمة في الاستعادة، فلذا لم تدخل تلك الحالة في القرض.
ولا يخفى أنّ أمثال هذه الاعتذارات لا تخلّ بالمسامحة.
قوله :« وللفقير بذل القيمة».
بناءً على أنّ الواجب المثل مطلقاً، وإلا لم يظهر للحكم فائدة. وقد تقدّم(1) في قوله «ببذل القيمة عند القبض ما يدلّ على اختيار القيمة والعذر عنه بأنا ولو قلنا بالمثل فالحكم كذلك إن لم يوجد غيرها.
قوله: «لكن لو دفع الشاة لم يجب عليه دفع الولد».
بناءً على أنّ المدفوع المثل مع بقاء الأم على الوصف.
ص: 457
الثاني:* لو نقصت، قيل: يردّها ولا شيء على الفقير. والوجه لزوم القيمة حين القبض.
الثالث: * إذا استغنى بعين المال ثمّ حال الحول جاز ،احتسابه عليه، ولا يكلّف المالك أخذه وإعادته، وإن استغنى بغيره استعيد القرض.
*والمراعي نية الدافع إن كان مالكاً، وإن كان ساعياً أو الإمام أو وكيلاً جاز أن يتولّى النية كلّ واحدٍ من الدافع والمالك.
........
ونبه بعدم دفع الولد على خلاف الشيخ كما مر ، فإنّه لم يفرّق بين الزيادة المتصلة والمنفصلة.
قوله: «لو نقصت قيل: يردّها ولا شيء على الفقير، والوجه لزوم القيمة».
القول للشيخ(1) بناء على ما تقدم.
وما استوجهه المصنّف أوجه؛ بناءً على لزوم القيمة أو المثل مع تعذر غيرها، مع احتمال جواز دفعها مع الأرش.
قوله:« لو استغنى بعين المال - إلى قوله - ولو استغنى بغیره استعيد».
إنّما جاز احتسابه مع استغنائه بعينه؛ لأنه لو أخذ منه صار فقيراً وقد ثبت مثله أو قيمته في ذمته، فهو في قوة الفقير بخلاف ما لو استغنى بغيره.
وفي حكم غناه به ما لو كان علة ناقصة في الغنى بأن اجتمع منه ومن غيره.
وفي حكم غناه بغيره غناه بنمائه؛ لأنّ الواجب عليه المثل أو القيمة، والنماء مستقر في ملكه خارج عنهما.
قوله: «والمراعي نيّة الدافع إن كان مالكاً - إلى قوله - من الدافع والمالك».
اعلم أنّ النية معتبرة في الزكاة عند الدفع لكن الدفع قد يكون إلى المستحق، وقد يكون
ص: 458
والولي عن الطفل والمجنون يتولى النية، أو من له أن يقبض منه كالإمام والساعي.
.........
إلى مَنْ يدفعه إليه، وهو إما وكيل المالك لا غير، أو وكيله ووكيل المستحق وهو الإمام وساعيه،والفقيه عند تعذرهما، والدافع إلى المستحق إما المالك أو أحد الأربعة.
فإن دفع المالك الزكاة إلى المستحق ابتداءً ونوى عنده أجزأ قطعاً.
وإن دفعها إلى أحد الأربعة ونوى عند الدفع إليه، ونوى المدفوع إليه عند الدفع إلى المستحق أجزاً أيضاً، بل هو الأفضل.
وإن اقتصر على نية أحدهما، فإن كان الناوي هو المالك عند الدفع إلى أحدهم، ففي الاجتزاء به قولان أجودهما ذلك في غير وكيله المختصّ به؛ لأنّ يده كيده فنيته عند الدفع إليه كنيته وهي في يده.
وإن كان الناوي هو الدافع إلى المستحق، ففي الاجتزاء به وجهان أيضاً، والأصح الاجتزاء به مطلقاً.
وكذا لو لم ينو الدافع إلى المستحق ولكن نوى المالك عنده.
وفي حكم نية المالك عند الدفع إلى الإمام نية الساعي خاصةً عند الدفع إليه.
إذا تقرر ذلك، فقول المصنف والمراعى نيّة الدافع إن كان مالكاً إلى آخره، يشمل كلّ واحدٍ من الدفعين، إلّا أنّه أظهر في الدلالة على أنّ المراد به الدفع إلى المستحق، لكنه يقتضي أن نية المالك عند الدفع إلى الوكيل كافية، وهو ضعيف.
ويمكن أن يريد بقوله «جاز أن يتولى النية كلّ واحدٍ من الدافع والمالك» أن المالك تجزئ نيته عند دفع أحد الثلاثة إلى الفقير فيزول الإشكال بالنسبة إلى فرض نيته عند الدفع إلى الوكيل ويبقى فرض نيته عند الدفع إلى أحدهم مسكوتاً عنه، مع أن المصنف في المعتبر منع من إجزاء نيّة كلّ واحدٍ من الوكيل والموكل خاصةً، فضلاً عن الاجتزاء بنية الموكل عند الدفع إلى الوكيل(1) .
ص: 459
*وتتعيّن عند الدفع، * ولو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه.
وحقيقتها القصد إلى القربة والوجوب أو الندب، وكونها زكاة مالٍ أو فطرةٍ، *ولا يفتقر إلى نيّة الجنس الذي يخرج منه.
.......
قوله: وتتعيّن عند الدفع».
المراد بالدفع هنا الدفع إلى المستحق، ووجه التعيين أنّه آخر أوقات محلّ النية، فإن كان المراد بالدفع في الأوّل الأعم فالتعيين هنا ظاهر، وإن كان المراد به الدفع إلى المستحق فالمراد هنا بيان وجوبه المضيّق؛ إذ ليس فيما تقدم إشعار به.
قوله: «ولو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه».
مع بقاء العين، أو تلفها وعلم القابض بالحال وهو أنها زكاة غير منويّة، فإنّه لا يملكها ويضمنها مع التصرّف فيصح احتساب ما ثبت في ذمته من عوضها عليه.
قوله: «ولا يفتقر إلى نيّة الجنس الذي يخرج منه».
لا فرق في ذلك بين أن يكون محلّ الوجوب عنده متعدّداً أو متحداً، ولا بين أن يكون الحق متحد النوع كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل، أو مختلفة، كنصاب من النقدين وآخر من النعم، ولا بين أن يكون المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنسهما، فإنّه إذا أخرجه عما في ذمته صح، وبقى عليه ما زاد عن عينه أو قيمته.
وهل يبقى له بعد ذلك صرفه إلى ما شاء منهما أم يوزّع ؟ صرّح في التذكرة بالأوّل (1).
واختار الشهيد (رحمه الله ) الثاني(2)، وهو الأجود.
وتظهر الفائدة فيما لو وجب عليه شاتان في المثال الأوّل فأخرج شاة ثم تلف أحد النصابين قبل التمكن من إخراج الثانية، فعلى الأوّل له صرف المخرج إلى أيهما شاء، فإن صرفها إلى الباقي برئت ذمته، وعلى الثاني يسقط عنه نصف شاة، ولو تلف النصف سقط ربع وعلى هذا.
ص: 460
فروع:
* لو قال: إن كان مالي الغائب باقياً فهذه زكاته وإن كان تالفاً فهي نافلة، صح، ولا كذا لو قال أو نافلة
*ولو كان له مالان متساويان حاضر وغائب ، فأخرج زكاةً ونواها عن
........
ويمكن فرض عدم التمكن من دفع الثانية مع القدرة على دفع الواحدة، بأن لا يجد مَنْ يستحق إلا واحدة كابن السبيل، ومَنْ يتوقف تكملة قوت سنته على شاةٍ لا غير.
قوله: «لو قال: إن كان مالى الغائب باقياً فهذه زكاته» إلى آخره.
الفرق بين المسألتين أن النية حاصلة في المسألة الأولى مجزوم بها، وإنما الترديد في المنوي ؛ لأنّه جازم بالوجوب على تقدير سلامة المال، وبالنفل على تقدير تلفه، وارتكاب مثل ذلك جائز للحاجة؛ إذ لا وثوق بأحد الأمرين فجاز تلفه، فلو أطلق الوجوب لم يكن زكاةً ولا صدقةٌ، وقد وقع مثل ذلك في قضاء الصلاة المجهولة العين، ولو فرض عدم الحاجة إليه لم يصح كما لو كان جازماً بسلامته، بخلاف الثانية، فإنّ الترديد فيها في نفس النية؛ لأنّ التقدير «إن كان مالي باقياً فهذه زكاته أو نافلة» فقد تردّد على تقدير واحد وهو كون المال معلوم الوجود، والزكاة معلومة الوجوب - بينه وبين الندب فلا يصح.
واعلم أنّ الشيخ ادعى الإجماع على صحة النية في المسألة الأولى(1)، فارتفع الإشكال مع ما تقرر من الوجه.
قوله: «ولو كان له مالان متساويان حاضر وغائب» إلى آخره.
قد تقدّم الكلام في ذلك وأنّه لا فرق بين المالين المتساويين والمختلفين، ولا بين الحاضرين والغائبين والمتفرّقين.
ولعله يريد التساوي في أصل الوجوب أمّا في قدر الواجب - كالأربعين من الغنم والخمس من الإبل - فلا نكتة في ذكره؛ إذ جواز الإطلاق في المختلفين أغرب.
ص: 461
أحدهما أجزأته، * وكذا لو قال: إن كان الغائب سالماً.
*ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالماً ثمّ بان تالفاً جاز نقلها إلى غيره على الأشبه .
ولو نوى عن مال يرجو وصوله لم يجزئ ولو وصل.
ولو لم ينورب المال ونوى الساعى أو الإمام عند التسليم، فإن أخذها الساعى كرهاً جاز، وإن أخذها طوعاً، قيل: لا يجزئ، والإجزاء أشبه.
.......
قوله: «وكذا إن قال: إن كان الغائب سالماً».
يحتمل أن يكون تتمّةً للمسألة السابقة، بمعنى جواز إخراج بعض الحق عن مالين غائب وحاضر وإن ضمّ إلى ذلك تقييد الغائب بكونه سالماً.
ووجه الجواز - مع ما تقدّم - أنّ التقييد بسلامة الغائب معتبر وإن لم يذكر ؛ لأنّ الوجوب فرع ،سلامته، فلا يضر التقييد لأنه الواقع.
ويحتمل أن تكون مستقلة برأسها، والمراد أنه نوى الإخراج عن ماله الغائب إن كان سالماً، ووجه الصحة ما مرّ. وهذا الاحتمال ألصق بالمقام.
وربما احتمل أن يريد معنى ثالثاً، وهو أن يكون المراد أنه لو كان له مالان متساويان حاضر و غائب، فنوى بالمخرج عن الغائب إن كان سالماً وإلا فعن الحاضر.
ووجه الإجزاء الجزم بالنية على كلا التقديرين.
وهذا الحكم صحيح، إلا أنّ حمل العبارة عليه يحتاج إلى تكلف وقيود خارجةٍ من البين.
قوله: «ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالماً ثمّ بان تالفاً از نقلها إلى غيره على الأشبه».
وجه الجواز تقييد الإخراج على وجه معيّن وقد ظهر خلافه، فيبقى على ملكه فيصرفه إلى ما شاء ووجه العدم فوات محلّ النية، وهو حالة الدفع.
والأصح التفصيل، وهو أن الشرط المذكور إن كان قد صرّح به بحيث علمه القابض جاز
ص: 462
............
نقله إلى ما شاء، لتبين عدم انتقاله عن ملكه بتلف المال، سواء كانت عين المدفوع باقيةً أم تالفة، ومحل النية باق؛ لما تقدم من جوازها بعد الدفع على التفصيل (1)، وإن نواه من غير إعلام القابض جاز النقل مع بقاء العين خاصةً.
والفرق بين هذه المسألة وما قبلها على الاحتمال الثاني - وهو كونها مستقلة - أنّ الأُولى ليس فيها إلا بيان صحة النيّة، وفي هذه التفريع على الصحة بجواز النقل.
ص: 463
وأركانها أربعة :
تجب الفطرة بشروط ثلاثة :
الأول: التكليف، فلا تجب على الصبي، ولا على المجنون، ولا على من أهل شوّال وهو مُغمى عليه.
.............
قوله: «زكاة الفطرة».
الفطرة لغةً: الخلقة، وقد فطره فطراً - بالفتح - أي خلقه (1).
ويقال على الابتداء والاختراع، قال ابن عباس: ما كنت أدري ما «فاطر السموات» حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها (2).
ويقال أيضاً على الفطرة الإسلامية، قال الله تعالى : ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ الناس عَلَيْها ﴾(3).
والفطر - بالكسر - إفطار الصائم(4) .
ويمكن أخذ زكاة الفطرة من كلّ واحدٍ من المعاني الثلاثة.
والمعنى على الأوّل: زكاة الخلقة، أي ،البدن ومن ثُمَّ قسّموا الزكاة إلى مالية وبدنية.
ص: 464
الثاني : الحُريّة، فلا تجب على المملوك ولو قيل يملك، ولا على المدبّر، ولا على أم الولد* ولا المكاتب المشروط .
...........
وعلى الثاني: زكاة الدين والإسلام، ومن قرائنه وجوب الزكاة على مَنْ أسلم قبل الهلال ولو بلحظة.
وعلى الثالث: زكاة الإفطار وترك الصوم، كأنه فدية عن تركه وتقديم صدقة عوضاً عنه.
وقد روى إسحاق بن عمار [عن معتب] عن الصادق(عليه السلام)أنه قال لبعض أصحابه: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة وعن الرقيق واجمعهم ولا تدع منهم أحداً، فإنّك إن تركت منهم إنساناً تخوّفت عليه الفوت» قال قلت وما الفوت؟ قال: «الموت»(1).
وهذه الرواية تؤيد كون المراد بالفطرة الخلقة والبدن، فإنّ زكاة الفطرة حينئذٍ تحفظ البدن وتنميه .
وروى زرارة وأبو بصير عنه : أنّ تمام الصوم(2)إعطاء الفطرة، ومَنْ صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً، ولا صلاة له إن الله قد بدأ بها قبل الصلاة وقال:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾(3)»(4) .
وهذه الرواية تناسب كونها زكاة الدين وأنه المراد بالفطرة، ولعلّ السرّ في تسميتها زكاة الفطرة المشتركة بين ما ذكر لتصلح للجميع.
قوله: «ولا المكاتب المشروط».
وهل تجب فطرته على مولاه؟ قيل: لا ؛ لانقطاع تصرّفه عنه(5) .
ص: 465
*ولا المطلق الذي لم يتحرّر منه شيء،* ولو تحرّر منه وجبت عليه بالنسبة ولو عاله المولى وجبت عليه دون المملوك.
الثالث: الغنى، فلا تجب على الفقير ، وهو مَنْ لا يملك أحد النصب الزكاتية :وقيل: مَنْ تحلّ له الزكاة . وضابطه أن لا يملك قوت سنة له ولعياله، وهو الأشبه . ويستحب للفقير إخراجها، وأقلّ ذلك أن يدير صاعاً على عياله ثمّ يتصدق به ،
.........
والمشهور الوجوب، سواء أعاله أم أكل من كسبه ما لم يُعله غيره .
قوله: «ولا المطلق الذي لم يتحرّر منه شيء».
بل تجب على مولاه، إلا مع عيلولة غيره له، وقيل: تسقط عنهما معاً.
قوله: «ولو تحرّر [منه] وجبت عليه بالنسبة».
والباقي على المولى.
وقيل: لا تجب الفطرة عليهما ؛ لانتفاء الحُرّية والمملوكية (1).
قوله: «وضابطه مَنْ(2)لا يملك قوت سنة له ولعياله، وهو الأشبه».
الضابط مَنْ يستحق أخذ الزكاة لفقره، فيخرج منه القادر على قوت السنة فعلاً، وقوة كالمحترف، والغارم مع ملكه لقوت السنة.
ولا يشترط أن يفضل عن قوت سنته أصواع بعدد مَنْ يخرج عنه، مع احتماله.
وأوّل السنة العيد.
قوله: «ويستحب للفقير إخراجها، وأقل ذلك أن يدير صاعاً على عياله ثم يتصدق به».
معنى الإدارة أن يأخذ صاعاً ويدفعه إلى أحد عياله المكلفين ناوياً به عن نفسه، ثمّ يدفعه الآخذ عن نفسه إلى الآخر، وهكذا، ثم يدفعه الأخير إلى المستحق الأجنبي.
ولو دفعه إلى أحدهم جاز أيضاً، بل هو الظاهر من الإدارة.
ص: 466
ومع الشروط يخرجها عن نفسه وعن جميع مَنْ يعلوه فرضاً أو نفلاً * من زوجةٍ وولد وما شاكلهما، * وضيف وما شابهه، صغيراً كان أو كبيراً، حُرّاً أو عبداً، مسلماً أو كافراً.
والنية معتبرة في أدائها، فلا يصح إخراجها من الكافر وإن وجبت عليه، ولو أسلم سقطت عنه.
.............
ولو كانوا غير مكلفين أو بعضهم تولّى الولي ذلك عنه. ولا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النص(1)، وثبوت مثله في الزكاة المالية.
قوله: «من زوجةٍ وولد وما شاكلهما».
يشترط في الزوجة وجوب النفقة، فلا تجب الزكاة عن الناشز والصغيرة، خلافاً لابن إدريس(2)، ولا يشترط الدخول، والمطلقة رجعيةً زوجة.
قوله:« وضيف وما شابهه».
الضيف نزيل الإنسان وإن لم يكن قد أكل عنده؛ لأن ذلك هو المفهوم منه لغة(3)وعرفاً، فلا يشترط أن يفطر عنده مجموع الشهر، ولا نصفه الثاني، ولا العشر الأخير، ولا ليلتين من آخره، ولا آخر ليلةٍ على الأصح، بل يكفي نزوله عليه قبل دخول شوّال وبقاؤه عنده إلى أن يدخل.
ولو تعدّد المضيف وجبت عليهم بالنسبة ولا فرق بين من أفطر عنده منهم وغيره، ولا بين أكله من ماله ليلة العيد وعدمه.
والمراد بمشابهه مَنْ يعوله الإنسان تبرّعاً قبل هلال شوّال كما مرّ، وليس منه الأجير وإن عاله إن شرط النفقة، أو قلنا بأنّها على المستأجر، وإلا كان بحكم الضيف.
ص: 467
مسائل ثلاث :
الأُولى: مَنْ بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يصير به غنيّاً وجبت عليه، ولو كان بعد ذلك * ما لم يُصلِّ العيد استحبّت، وكذا التفصيل لو ملك مملوكاً أو وُلد له.
الثانية: الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما* ولو لم يكونا في عياله إذا لم يُعِلْهما غيره.
وقيل: لا تجب إلا مع العيلولة، *وفيه تردّد.
وإنما تجب على المضيف مع يساره، كما نبه عليه بقوله «ومع الشروط يخرجها» إلى آخره، فمع إعساره تجب على الضيف الموسر.
ولو تبرع المعسر بإخراجها عنه، ففي الإجزاء قولان، وجزم الشهيد بعدمه(1)، وهو حسن مع عدم إذن الضيف، وإلا فالإجزاء أحسن .
والظاهر أنّ موضع الإشكال ما لو كان الإخراج بغير إذنه.
ولو تبرّع الضيف بإخراجها عن الموسر توقف الإجزاء على إذنه، وكذا القول في الزوجة وغيرها.
قوله: «ما لم يُصلّ العيد».
المراد بصلاة العيد هنا وقتها والضابط في الاستحباب حصول الشرط قبل الزوال.
قوله: «وإن لم يكونا في عياله إذا لم يُعِلْهما غيره».
هذا إذا كان المعيل مخاطباً بالزكاة بأن كان موسراً، وإلا فالزكاة على المولى والزوج. قوله: «وفيه تردّد».
منشؤه الشكّ في كون السبب هو العيلولة، أو الزوجية والمملوكية، وظاهر النصوص
ص: 468
الثالثة: * كلّ مَنْ وجبت زكاته على غيره سقطت عن نفسه وإن كان لو انفرد وجبت عليه، كالضيف الغني والزوجة.
فروع :
[ الأول: ] • إن كان له مملوك غائب يعرف حياته ، فإن كان يعول نفسه أو فی عیال مولاه وجبت على المولى، وإن عاله غيره وجبت الزكاة على العائل.
الثاني: * إذا كان العبد بين شريكين، فالزكاة عليهما، فإن عاله أحدهما، فالزكاة على العائل.
...........
الثاني(1) ، فتجب عنهما وإن لم يُعِلْهما كما مرّ.
قوله: «كلّ مَنْ وجبت زكاته على غيره سقطت عن نفسه».
لا فرق في ذلك بين علمه بإخراج مَنْ وجبت عليه ،وعدمه مع احتمال الوجوب عليه لو علم بعدم إخراج المكلف بها.
قوله: «إذا كان له مملوك غائب يعرف حياته »إلى آخره.
لا فرق في ذلك بين المملوك وغيره ممن تجب نفقته كالزوجة والولد وإنّما ذكر المملوك على وجه التمثيل، أو لدفع توهّم أنّ زكاته متعلّقة برقبته كالزكاة العينية، فإذا لم يمكن التوصل إليها لا يجب إخراجها، بخلاف غيره فإنّه لا يتوهّم فيه ذلك.
ويُفهم من العبارة أنه لو لم يعرف حياته لم تجب زكاته، وهو موضع خلاف، والوجوب أوضح؛ لأصالة البقاء إلى أن يحكم بموته شرعاً.
واكتفى العلّامة بغلبة ظنّ الموت(2)، وهو متجه.
قوله: «إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما - إلى قوله على العائل».
المشهور وجوب زكاة المشترك على الشركاء بالحصص، ثمّ إن اتفقت أقواتهم فالأولى
ص: 469
الثالث: لو مات المولى وعليه دَيْنٌ ، فإن كان بعد الهلال ،* وجبت زكاة مملوكه في ماله ، وإن ضاقت التركة قسمت على الدين والفطرة بالحصص ، * وإن مات قبل الهلال لم تجب على أحدٍ إلا بتقدير أن يعوله.
.........
اتفاقهم في جنس المخرج ليصدق إخراج الصاع.
ولو أخرج كلّ واحدٍ من جنس فالأجود الصحة وفاقاً للشهيد (رحمه الله)(1) .
ولو اختلفت أقواتهم جاز اختلافهم في المخرج.
ولا فرق في وجوبها عليهم بين تهايئهم فيه واتفاق الوقت في نوبة أحدهم وعدمه وإن كان صاحب النوبة ينفق عليه حينئذ إلا أن يتحقق منه التبرع بالنفقة.
والمراد بقوله وإن عاله أحدهما وجبت على «العائل» تبرّعاً لا لكونه في نوبته.
قوله: «وجبت زكاة مملوكه في ماله».
وكذا زكاة غيره ممن تجب عليه فطرته.
وتخصيص المملوك بالذكر إما على وجه المثال، أو لدفع توهم تعلّق زكاة العبد برقبته فتقدّم على الدين كالعينية، أو ليترتب عليه حكم ما بعده، وهو ما لو مات قبل الهلال فإنّ ذلك مختص بالعبد، بناءً على القول بعدم انتقال التركة التي من جملتها العبد إلى الوارث -على تقدير وجود الدين - إلا بعد وفائه.
قوله «ولو مات قبل الهلال لم تجب على أحد إلا بتقدير أن يعوله».
بناءً على أن التركة قبل وفاء الدين على حكم مال الميت، سواء كان مستغرقاً لها أم لا. ومن ثم أطلق الدين.
ولو قلنا بانتقالها إلى الوارث وإن منع من التصرف فيها قبل وفاء الدين- كما هو الأجود - كانت الزكاة على الوارث .
ص: 470
الرابع: إذا أوصي له بعبد ثم مات الموصي، فإن قبل الوصية قبل الهلال وجبت عليه * وإن قبل بعده سقطت. وقيل: تجب على الورثة، وفيه تردّد.
ولو وُهِبَ له ولم يقبض لم تجب الزكاة على الموهوب له.
ولو مات الواهب كانت على الورثة.
* وقيل: لو قبل ومات ثمّ قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم، وفيه تردّد.
.......
قوله: «وإن قبل بعده سقطت. وقيل: تجب على الورثة، وفيه تردّد».
منشأ التردد الشك في كون قبول الوصية ناقلاً للملك إلى الموصى له من حينه، أو كاشفاً عن سبق ملكه من حين موت الموصي، فعلى الأوّل تسقط عن الوارث بناء على ما اختاره المصنّف من أنّ التركة مع الوصية والدين باقية على حكم مال الميت لا تنتقل إلى الوارث، وعن الموصى له؛ لعدم انتقالها إليه قبل تحقق السبب الناقل وهو القبول.
ويحتمل - على القول بأنه ناقل - وجوبها على الوارث بناءً على أنّه مالك وإن أمكن تجدّد الانتقال عن ملكه؛ لانتقال التركة عن الميت بموته، واستحالة بقاء ملك بلا مالك.
وعلى الثاني يحتمل وجوبها على الموصى له؛ لتبين ملكه حين الوجوب، وعدمه؛ لاستحالة تكليف الغافل، ووجوبها على الوارث إن قلنا بانتقال التركة إليه؛ لأنّه المالك ظاهراً، ومن الممكن حين تعلّق الوجوب ردّ الموصى له الوصية، فمن ثمّ تردّد المصنف.
والأصح وجوبها على الموصى له لما سيأتي - إن شاء الله تعالى - من أن القبول كاشف(1) . وعدم علمه حين الوجوب لا يقدح؛ لأنّه إنما يخاطب حالة العلم، كما لو ولد له ولد ولم يعلم به حتى دخل شوّال. ولو ردّ الوصيّة وجبت على الوارث بناءً على انتقال التركة إليه.
قوله: «وقيل: لو قبل ومات ثمّ قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم، وفيه تردّد».
من أن قبض الموهوب هل هو شرط في صحة الهبة أو في لزومها؟ والمشهور الأول فتبطل الهبة بموته وتجب الفطرة على الواهب أو ورثته.
ص: 471
*والضابط إخراج ما كان قوتاً غالباً، كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما، والتمر والزبيب والأرز واللبن * ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية، * والأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب، ويليه أن يخرج كلّ إنسان ما يغلب على قوته.
........
قوله: «والضابط في ذلك ما كان قوتاً غالباً».
خالف في ذلك جماعة(1) ، وقصر وه على الغلات الأربع.
والأصح ما هنا، لقول الصادق (عليه السلام): مَنْ أصاب قوتاً فعليه أن يؤدي من ذلك القوت»(2)وتُحمل الرواية المقصورة على الأربع(3)على الأفضل، فيجوز الإخراج من الذرّة والدخن أصالة إذا غلبا في قوت أحدٍ.
قوله: «ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية».
المشار إليه ب_ «ذلك» هو ما كان قوتاً غالباً، لا الأجناس المذكورة.
والحاصل أنّ الأجناس المذكورة يجوز إخراجها أصلاً، وإن لم تكن غالبة في قوت المخرج، وما عداها يعتبر فيه كونه غالباً، وإلّا أخرج قيمةٌ.
قوله: «والأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب».
إنّما كان التمر أفضل؛ لأنّه أسرع منفعةً وأقل كلفةً؛ لاشتماله على القوت والإدام، ومثله الزبيب، بخلاف غيرهما، فإنّه يحتاج في الانتفاع به إلى ضرب من العمل، أو يصلح لأحد الأمرين خاصة، كاللبن، فإنّه يؤتدم به غالباً.
وقد أشار إلى هذا التعليل في صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام) قال: «التمر في
ص: 472
والفطرة من جميع الأقوات المذكورة صاع أربعة أمداد، هي تسعة أرطال بالعراقي، *ومن اللبن أربعة أرطال وفسّره قوم بالمدني، ولا تقدير في عوض الواجب، بل يرجع إلى قيمة السوق، وقدره قوم بدرهم، وآخرون بأربعة دوانيق فضة، وليس بمعتمد* وربما نُزل على اختلاف الأسعار.
و تجب بهلال شوّال . *ولا يجوز تقديمها قبله، إلا على سبيل القرض على الأظهر، ويجوز إخراجها بعده، وتأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل، فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجباً بنية الأداء.
..........
الفطرة أفضل من غيره؛ لأنه أسرع منفعة، وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه»(1).
قوله: «و من اللبن أربعة أرطال وفسّره قوم بالمدني».
فيكون ستة أرطال بالعراقي، والأصح وجوب صاع من اللبن كغيره.
قوله :« وربما نُزِّل على اختلاف الأسعار».
القائل بهذين التقديرين غير معروف.
نعم ورد بهما روايتان (2). وحملنا على ما ذكره المصنّف من اختلاف الأسعار وأن قيمة الصاع من أحد الأجناس كانت في وقت السؤال مساوية لذلك التقدير.
وممن اعترف بعدم العلم بالقائل العلّامة في المختلف(3).
قوله: «ولا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض على الأظهر».
يمكن عود الخلاف إلى القريب إليه، وهو تقديمها على الهلال قرضاً، فإنّ المشهور جواز تقديمها زكاةً من أول شهر رمضان، وعوده إلى جميع ما تقدّم الذي أوّله قوله « ويجب بهلال
ص: 473
*وإن لم يكن عزلها ، قيل : سقطت ، وقيل : يأتي بها قضاء ، وقيل : أداء ، والأوّل أشبه.
وإذا أخر دفعها بعد العزل مع الإمكان كان ضامناً، وإن كان لا معه لم يضمن.
* ولا يجوز حملها إلى بلد آخر مع وجود المستحق ويضمن، ويجوز مع عدمه ولا يضمن.
..............
شوّال»، فقد ذهب بعض الأصحاب إلى أنّ أوّل وقتها طلوع فجر يوم الفطر(1) .
وما اختاره المصنّف من أنّ أوّل وقتها الهلال جيّد والمراد به دخول شوّال.
وأما تقديمها قرضاً قبله فهو أحوط، غير أنّ الأصح جواز التقديم من أوّل الشهر؛ لصحيحة الفضلاء زرارة وبكير ابني أعين ومحمّد بن مسلم وجماعة عن الصادقين(عليهم السلام) قالا: «يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان»(2) إلى آخره.
قوله: «وإن لم يكن عزلها، قيل: سقطت، وقيل: يأتي بها قضاء».
المراد بالعزل تعيينها في مالٍ خاص بقدرها في وقتها بالنية.
وفي تحقق العزل مع زيادته عنها احتمال.
ويضعف بتحقق الشركة، وأنّ ذلك يوجب جواز عزلها في جميع ماله، وهو غير المعروف من العزل. ولو عزل أقل منها اختص الحكم به.
وأجود الأقوال وجوب قضائها مع خروج وقتها وعدم العزل.
قوله: «ولا يجوز حملها إلى بلد آخر مع وجود المستحق ويضمن».
الكراهة مع إخراجها في الوقت أوضح، وقد مرّ مثله في المالية (3).
ص: 474
وهو مصرف زكاة المال، ويجوز أن يتولّى المالك إخراجها، والأفضل دفعها إلى الإمام أو مَنْ نصبه * ومع التعذر إلى فقهاء الشيعة.
* ولا يعطى غير المؤمن أو المستضعف مع عدمه، ويعطى أطفال المؤمنين ولو كان آباؤهم فُسّاقاً.* ولا يعطى الفقير أقل من صاع، إلا أن يجتمع جماعة لا يتسع لهم. ويجوز أن يعطى الواحد ما يغنيه دفعةً.
*ويستحب اختصاص ذوي القرابة بها، ثمّ الجيران.
..........
قوله: «ومع التعدّر إلى فقهاء الشيعة».
المأمونين، كما مر في زكاة المال (1).
قوله: «ولا يعطى غير المؤمن أو المستضعف مع عدمه».
الأجود الاقتصار على المؤمن مطلقاً، فيعزلها مع تعذره ويتوقع المكنة.
قوله: «ولا يعطى الفقير أقلّ من صاع إلا أن يجتمع جماعة إلى آخره.
هذا على سبيل الوجوب عند أكثر علمائنا، بل ادّعى عليه المرتضى الإجماع(2)، والرواية به مرسلة(3).والوجه الاستحباب ولا فرق في ذلك بين الصاع المخرج عنه وعمن يعوله.
". قوله: «ويستحب اختصاص ذوي القرابة بها، ثمّ الجيران».
مع اتصافهم بالصفات المقتضية للاستحقاق؛ لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا صدقة وذو رحم محتاج»(4)وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): « جيران الصدقة أحق بها»(5).
ويستحب تخصيص أهل الفضل بالعلم والزهد وغيرهما، وترجيحهم في سائر المراتب.
ص: 475
ص: 476
وفيه فصلان :
وهو سبعة
...............
كتاب الخمس
الخمس(1)هو حق مالي يثبت لبني هاشم في مال مخصوص بالأصالة عوضاً عن الزكاة.
فالحق بمنزلة الجنس يشمل الزكاة وغيرها، وخرج بالمالي غيره، كالولاية الثابتة للإمام على(عليه السلام) رعيته، وخرج ببني هاشم حق الزكاة، وخرج بنو المطلب فقد قيل باستحقاقهم له(2)، وخرج بقيد الأصالة ما لو نذر لهم ناذر مالاً، فإنه لا يُسمّى خمساً وإن لاحظ فيه الناذر كونه عوضاً عن الزكاة التي لا تحلّ لهم.
وأشار بقيد العوضية إلى أنّ الله سبحانه فرض الخمس للرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) ولقبيلته إكراماً لهم وتعويضاً عن الزكاة التي هي أوساخ الناس وتوسعةً عليهم، وتشريفاً لهم بزيادته وكثرة موضوعه وقلة شروطه، ودفع عنهم الغضاضة (3)في أخذه ببداءته فيه بنفسه وتثنيته
ص: 477
ممّا حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم يكن غصباً من مسلم أو معاهد قليلاً كان أو كثيراً.
سواء كانت منطبعةً كالذهب والفضة والرصاص ، أو غير منطبعة كالياقوت * والزبرجد والكحل ، أو مائعة كالقير* والنفط والكبريت.
.........
برسوله، وجعله شرط الإيمان بالله وبما أنزله على رسوله وكلّ هذه المزايا زائدة على الزكاة.
قوله «غنائم دار الحرب».
أراد بها ما غنم منها بإذن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أو الإمام(عليه السلام) ، وإلا كان المغنوم بأجمعه له، كما سيأتي(1).
وفي حكم غنيمة دار الحرب غنيمة مال البغاة التي حواها العسكر عند الأكثر ومنهم المصنّف، فكان عليه أن يذكرها أيضاً، وكذا فداء المشركين وما صولحوا عليه.
قوله: «المعادن».
جمع معدن - بكسر الدال - وهو هنا كل ما استخرج من الأرض مما كان منها بحيث يشمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، ومنها الملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والمغرة(2)، واشتقاقها من عدن بالمكان إذا أقام به، لإقامتها في الأرض، ومنه «جنات عدن».
قوله: «والزبرجد».
هو - بفتح الزاي والباء والجيم - جوهر مخصوص (3).
قوله: «والنفط».
بفتح النون وكسرها، والكسر أفصح دهن مخصوص (4).
ص: 478
ويجب فيه الخمس بعد المؤونة . وقيل : لا يجب حتى يبلغ عشرين ديناراً، وهو المرويّ *والأوّل أكثر .
......
قوله: «وقيل: لا يجب حتّى يبلغ عشرين ديناراً، وهو المروي».
العمل على المرويّ(1)، ويكفي فيه حصول ما قيمته عشرون ديناراً.
واكتفى الشهيد (رحمه الله) وجماعة ببلوغه مائتي درهم(2) ؛ لأنها كانت قيمة العشرين ديناراً في صدر الإسلام، والرواية لا تدلّ عليه.
ولا يشترط اتحاد زمان الإخراج، ولا اتصال النية، بل لو أعرض عنه ثمّ تجدّد له العزم ضم بعضه إلى بعض، خلافاً للفاضل(3).
وكذا لا يشترط اتحاد نوعه، بل يضم بعض الأنواع إلى بعض، ويعتبر النصاب في المجموع.
ولو اشترك فيه جماعة اعتبر بلوغ نصيب كلّ واحدٍ نصاباً.
والمعتبر إخراج خمسه مخرجاً إن لم يفتقر إلى سبك وتصفية وإلا اعتبر بعدها. ولو لم يخرج منه حتى عمله آلات زائدة على ذلك كالحلي، اعتبر في الأصل نصاب المعدن، وفي الزائد حكم المكاسب وكذا لو اتجر به قبل إخراج خمسه.
وقوله «وقيل: لا يجب حتى يبلغ عشرين ديناراً» أي من حيث كونه معدناً، وذلك لا ينافي الوجوب من حيثية أخرى ككونه من جملة المكاسب، فعلى هذا يعتبر فيما نقص عن نصاب المعدن ما يعتبر في المكتسب.
قوله: «والأول أكثر».
أي أكثر الأصحاب لم يعتبروا فيه نصاباً، بل أوجبوا الخمس في الزائد عن المؤونة وإن قلّ.
ص: 479
وهو *كلّ مال مذخور تحت الأرض فإن بلغ* عشرين ديناراً * وكان في أرض دار الحرب أو دار الإسلام وليس عليه أثر وجب الخمس.
.............
قوله:« كلّ مالٍ مذخور».
يعتبر في الادخار كونه مقصوداً ليتحقق الكنز، فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، ويُعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء.
قوله :« عشرين ديناراً».
أطلق المصنّف وجماعة اعتبار نصابه بعشرين ديناراً(1) ، ولم يذكروا اعتباره بمائتي درهم مع مساواتها في صدر الإسلام له، وقد تقدّم في المعدن الخلاف فيها(2) وأن الشهيد (رحمه الله) ألحقها بها، لكنّه توقف هنا. قال في البيان: ويمكن إلحاق نصاب الفضة بها.(3)
والذي في صحيحة البزنطي عن الرضاء حين سأله عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما تجب الزكاة في مثله فيه الخمس»(4)، فينبغي القطع هنا بالاكتفاء بمائتي درهم؛ للرواية (5).
قوله: «وكان في أرض دار الحرب أو دار الإسلام وليس عليه أثر».
لا فرق في كنز دار الحرب بين أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا، وإنما يعتبر ذلك في كنز دار الإسلام، فالكنز حينئذ أربعة أقسام منها ثلاثة - وهي كنز دار الحرب مع وجود أثر الإسلام، وعدمه، وكنز دار الإسلام مع عدمه - لواجده، وعليه الخمس مع الشرط والقسم الرابع: كنز دار الإسلام مع وجود أثره، والأصح أنه لقطة، كما سيأتي.
وفي حكم دار الحرب دار حربي معين في دار الإسلام.
ص: 480
* ولو وجده في ملك مبتاع عرّفه البائع، فإن عرفه فهو أحق به، وإن جهله فهو للمشتري، وعليه الخمس * وكذا لو اشترى دابةً ووجد في جوفها شيئاً له قيمة.
ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئاً أخرج خمسه وكان له الباقي، ولا يعرّف.
.............
ويعتبر في كنز دار الإسلام وجوده في أرض غير مملوكة للغير، وإلا فسيأتي حكمه (1).
والمراد بأثر الإسلام اسم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أو أحد ولاة الإسلام.
قوله: «ولو وجده في ملك مبتاع عرّفه البائع، فإن عرفه فهو أحق به إلى آخره.
المراد بالبائع هنا الجنس فيعرّف كل بائع للملك إن أمكن، وإلا اقتصر على الممكن ويبدأ بالأقرب إليه فالأقرب، فمتى عرفه القريب لا يفتقر إلى سؤال البعيد، بل لو عرف وادعى به أيضاً لم يلتفت إلى قوله بدون البينة.
ويُقبل قول البائع من غير بيّنةٍ ولا يمين ولا وصف، اعتباراً بيده السابقة.
وتخصيص البائع بالذكر على وجه المثال فلا يختص به، بل يتعدى إلى الواهب والمصالح ووارث كلّ واحدٍ منهم.
وكذا القول فيما لو انتقل إليه بالإرث.
ولو تعدّد الوارث أو المالك في جميع الفروض واتفقوا على نفيه أو ملكه فلا إشكال، فيقسم بينهم في الثاني حسب ما يقتضيه الملك، وإن اختلفوا فحكم المعترف حكم المالك فيختص به، مع احتمال أن لا يعطى المعترف في صورة الإرث إلا حصّته منه.
هذا إذا لم يصرّح المدعي بكون سبب الملك هو الإرث وإلا قوي الاحتمال، فتوقف حصة الباقين.
وينبغي تقييد ما حكم به للواجد بعدم وجود أثر الإسلام عليه، وإلا فلقطة؛ إذ لا يقصر ذلك عمّا وُجد في الأرض المباحة.
قوله: «وكذا لو اشترى دابةٌ فوجد في جوفها شيئاً له قيمة - إلى قوله - وكان له الباقي».
الفرق بين الدابة والسمكة - حيث جعل ما يوجد في بطن الدابة كالموجود في أرض
ص: 481
..........
مملوكة، وفي السمكة كالموجود في المباح -أنّ الدابة ملك للغير في الأصل وله عليها يد تقتضي الملك لأجزائها كالأرض، وأن الظاهر أنّ ما في بطنها له؛ لبعد وجود المال في الصحراء واعتلافها له، بل كونه قد ذهب من المالك في العلف فأكلته، بخلاف السمكة فإنّها في الأصل من جملة المباحات التي لا تملك إلا بالحيازة مع النية، والصياد إنما حاز السمكة دون ما في بطنها؛ لعدم علمه به فلم يتوجه إليه قصد والملك فرع القصد المتوقف على العلم.
ويشكل إطلاق الحكم في المسألتين، فإنّ الدابة كما تكون مملوكة في الأصل- كالفرس ونحوها - قد تكون من الدواب الوحشية التي تملك بالحيازة كالسمكة، فلا يتوجه قصد تملكها إلى تملك ما لا يعلمه في بطنها، والسمكة قد تكون مملوكة بالأصل، كما لو كانت في ماء محصورٍ مملوك للبائع بحيث يكون منشؤها فيه، فتكون كالدابة بالمعنى الأوّل، فلا بدّ من التقييد بذلك في المسألتين.
ولا يقال: إن المراد بالدابة الفرس؛ إذ هي المرادة عند الإطلاق في العرف الخاص؛ لأنّ المراد بها في هذه المسألة ما هو أعم منها، يُعرف ذلك من كلامهم ومن الرواية التي هي مستند الحكم، وهي صحيحة عليّ بن جعفر (1) قال: سألته عن رجل اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صُرّةٌ فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن تكون؟
قال: فوقع :« عرفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك رزقك الله إياه »(2).
وقد مال العلّامة في التذكرة إلى إلحاق السمكة مطلقاً بالدابة؛ لأن القصد إلى حيازة السمكة تستلزم القصد إلى حيازة جميع أجزائها وما يتعلّق بها(3).
ص: 482
* تفريع: إذا وجد كنزاً في أرض موات من دار الإسلام فإن لم يكن عليه سكة، أو كان عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي، وإن كان عليه سكة الإسلام، قيل: يعرّف كاللقطة، وقيل: يملكه الواجد وعليه الخمس، والأوّل أشبه.
كالجواهر والدرر، بشرط أن يبلغ
...........
وفي المسألتين إشكال آخر، وهو إطلاقهم الحكم بكون الموجود لواجده بعد الخمس في أي فرض تمّ، فإنّ ذلك إنّما يتمّ مع عدم أثر الإسلام، وإلا فلا يقصر عمّا يوجد في الأرض؛ لاشتراك الجميع في دلالة أثر الإسلام على مالك سابق، والأصل عدم زواله فيجب تقييده جواز التملك بعدم وجود الأثر، وإلا كان لقطة في الموضعين.
وربما اعتذر عما في جوف السمكة بأنّ ما وقع من مال المسلم في البحر ووصل إلى جوفها صار كالمعروض عنه، فيجوز أخذه لمن وجده، كما نبه عليه فى السفينة المنكسرة(1) ،إلّا أنّ الحكم في السمكة غير مقصورٍ على المأخوذ من البحر، ومع ذلك فالأصل ممنوع.
قوله: «تفريع: إذا وجد كنزاً في أرض موات» إلى آخره.
هذا التفريع أحد أقسام المسألة السابقة، وصدره مذكور فيها، وإنّما أعاده ليفرع عليه حكم ما لم يذكره، وهو ما يوجد في دار الإسلام وعليه أثره، وقد تقدم حكمه(2).
والعادي - بالتشديد - القديم، كأنه منسوب إلى عاد قبيلة، وهم قوم هود، والمراد هنا ما لم تكن سكته سكة الإسلام، سواء كانت قديمةً أم حادثةٌ ، وخص العادية بناء على الغالب من أنّ الكنز المدخر لا تكون سكته إلا قديمة.
قوله :«كلّ ما يخرج من البحر بالغوص.
المفهوم من الغوص إخراجه من داخل الماء، فلو أخذه من الساحل أو عن وجه الماء لم يكن غوصاً.
وفي حكم الغوص ما يخرجه من داخل الماء بآلة مع عدم دخول المخرج في الماء.
ص: 483
قیمته ديناراً فصاعداً، *ولو أخذ منه شيء من غير غوص لم يجب الخمس فيه.
تفريع:* العنبر إن أخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.
له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات.
..............
ورجح في البيان إلحاق ما أُخذ من الساحل بالغوص وإن لم يدخل في مسماه (1).
وإلحاقه بالمكاسب أولى.
ولا يعتبر في المخرج بالغوص اتحاد وقت الإخراج، بل يضم بعض الدفعات إلى بعض وإن طال الزمان أو نوى الإعراض، وفاقاً للشهيد (رحمه الله).
قوله: «ولو أخذ منه شيء من غير غوص لم يجب الخمس».
الخمس المنفى هو الواجب من جهة كونه غوصاً ، لا مطلق الخمس وإن كانت العبارة توهمه .
ثمّ إن كان من الجوهر والسمك ونحوهما الحق بالمكاسب ووجب فيه خمسه، وإن كان عنبراً ألحق بالمعدن، كما سيأتي(2).
وتظهر الفائدة في اعتبار بلوغه الدينار عند إلحاقه بالغوص، والعشرين عند إلحاقه بالمعدن، وزيادته على مؤونة السنة عند إلحاقه بالمكاسب، كما سيأتي(3).
قوله: «العنبر إن أخرج بالغوص» إلى آخره.
يمكن إلحاق العنبر بالأنواع الثلاثة المتقدمة، فإنّه مع الإخراج من تحت الماء غوص ،و من وجهه مع بلوغ نصاب المعدن معدن، ومع قصوره عنه مكسب فيلحقه حكم ما ألحق به .
قوله: « ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات» إلى آخره.
ص: 484
............
المراد بالمؤونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم، كالضيف والهديّة، والصلة لإخوانه، وما يأخذه الظالم منه قهراً أو يصانعه به اختياراً، والحقوق اللازمة له بنذرٍ أو كفّارة، ومؤونة التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة وأمةٍ وثوب ونحوها.
ويعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادةً، فإن أسرف حسب عليه ما زاد، وإن قتر حسب له ما نقص .
ولو استطاع للحج اعتبرت نفقته من المؤن.
لكن جميع ذلك إنما يستثنى من ربح عامه، فلو استقرّ الوجوب في مال بأن مضى الحول عليه - وإن لم يكن شرطاً في الوجوب - لم يستثن منه ما تجدّد من المؤن، فلو حصلت الاستطاعة للحج من فضلات في أحوال متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وكانت مؤونة الحجّ في ذلك العام من جملة مؤونة السنة إذا صادف سير سير الرفقة حول تلك الفضلة، وإلا فكالفضلة المتقدّمة، كما لو كان أوّل حول فضلة سنة الوجوب رمضان فمضى شعبان المكمّل لحولها قبل سير القافلة إلى الحجّ، وقد تكمّل عنده ما يكفي الحج، فإنّه يجب الخمس في تلك الفضلة وإن كانت الاستطاعة للحج حصلت في تلك السنة.
والظاهر عدم اشتراط سفره في سقوط خمس فضلة عام الاستطاعة حينئذ، بل هو مع عدم السفر بمنزلة التقتير، فيحتسب له وإن أثم بالتأخير.
ولو تعدّر السفر تلك السنة لم يحتسب؛ لعدم الوجوب.
وليس ببعيد إلحاق أسفار الطاعة كالزيارات والحج المندوب - بالواجب.
ويجبر خسران التجارة ونحوها بالربح في الحول الواحد فيلحق بالمؤونة، وكذا الدين السابق والمقارن للحول مع الحاجة إليه، ولا يجبر التالف من المال بالربح مطلقاً.
ولو كان له مال آخر لا خمس فيه إما لكونه مخمساً أو لانتقاله إليه بسبب لا يوجب الخمس، كالميراث والهبة والهدية والمهر وعوض الخلع، فالمؤونة مأخوذة منه في وجه ومن الأرباح فى آخر، والأول أحوط .
ص: 485
وجب فيها الخمس،
.........
والأعدل احتسابها منهما بالنسبة فلو كانت المؤونة مائة والأرباح مائتين والمال الآخر ثلاثمائة - مثلاً - بسطت المؤونة عليهما أخماساً، فيسقط من الأرباح خمسها، ويخمس الباقي، وهو مائة وستون، وهكذا.
ولو زاد ما لا خمس فيه زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد.
وفي الزيادة لارتفاع السوق نظر.
وقطع العلّامة في التحرير بعدم الوجوب فيه (1).
ولا فرق في وجوب تخميس الزيادة بين الإخراج من عين الأصل أو قيمته ولو نما المخرج بنسبة الباقي أو أزيد : لكون نمائه في ملك المستحق، فلا يحتسب خمساً لغيره.
ونماء مال المالك ربح جديد فيجب خمسه
قوله: «إذا اشترى الذمي من مسلم أرضاً وجب فيها الخمس(2) ».
لا فرق بين أن تكون الأرض معدة للزراعة أو لغيرها، حتى لو اشترى بستاناً أو داراً أُخذ منه خمس الأرض.
و خصّ المصنّف في المعتبر الأرض بالمزارع دون المساكن(3).
وتقدر الأرض المشغولة بكون الشاغل مستحق البقاء بأجرة لصاحب الأرض لا مجاناً. وإلا لأحاط بالقيمة غالباً.
والأكثر عبّروا بلفظ الشراء تبعاً للرواية (4). وقطع في البيان بالاكتفاء بمطلق الانتقال(5) .
ويتخيّر الإمام أو الحاكم بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع، ويتوليان النية عند
ص: 486
* سواء كانت ممّا وجب فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوةً، أو ليس فيه كالأرض التي أسلم عليها أهلها.
ولا يتميز وجب فيه الخمس.
...........
الأخذ والدفع وجوباً عنهما، لا عنه، مع احتمال سقوط النية هنا، وبه قطع في البيان(1)، والأوّل خيرة الدروس(2).
ولا يسقط الخمس عن الذمّي ببيع الأرض قبل الإخراج وإن كان البيع لمسلم، ولا بإقالة المسلم له في البيع، مع احتمال السقوط هنا.
قوله: «سواء كانت ممّا فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة».
يتصوّر بيع المفتوحة عنوةً تبعاً لآثار المتصرّف ببناء وشجر، وبهذا الاعتبار يخرج خمسها لا باعتبار نفس الأرض.
ولا فرق في وجوب الخمس فيها بين أن تكون قد خُمّست أو لا.
قوله: «الحلال إذا اختلط بالحرام ولا يتميّز وجب فيه الخمس».
هذا إذا جهل قدر الحرام ومالكه، فلو عرفهما تعيّن الدفع إلى المالك، سواء زاد عن الخمس أم لا ولو علم القدر خاصةً وجبت الصدقة به على مستحق الزكاة لحاجته، ولو علمه من وجه دون آخر كما لو علم أنه يزيد عن الخمس أخرج خمسه، وتصدق بما يغلب على ظنّه أنّه مع الخمس قدر الحرام فصاعداً.
ويحتمل كون الجميع صدقة وكونه خمساً.
ولو علم أنّه أقل من الخمس اقتصر على إخراج ما يتحقق معه براءة الذمة.
ويحتمل الاكتفاء بالظن.
وهل هو خمس أو صدقة؟ وجهان ، ولا ريب أن جعله خمساً أحوط.
ص: 487
فروع :
الأول: الخمس يجب في الكنز، * سواء كان الواجد له حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، وكذا المعادن والغوص.
الثاني: * لا يعتبر الحول في شيء من الخمس، ولكن يؤخر ما يجب في أرباح التجارات احتياطاً للمكتسب.
.........
ولو علم المالك خاصةً صالحه، فإن أبى قال في التذكرة :
دفع إليه خمسه مع الجهل المحض بقدره أو ما يغلب على الظن إن علم زيادته عنه أو نقصه؛ لأنّ هذا القدر جعله الله تعالى مطهّراً للمال (1).
ولو كان الخليط ممّا يجب فيه الخمس، لم يكن هذا الخمس كافياً عن خمسه، بل يخرج الخمس لأجل الحرام أولاً أو ما يقوم مقامه، ثمّ يخمّس الباقي بحسبه من غوص أو مكسب.
ولو ظهر مالك الحرام بعد الإخراج ولم يرض به ففي الضمان له وجهان أقربهما ذلك.
قوله: «سواء كان الواجد له حُرّاً أو عبداً صغيراً أو كبيراً».
والمكلف بالإخراج الولي حيث يكون الواجد ناقصاً، وهو المولى في العبد والولي في الصغير.
قوله: «لا يعتبر الحول في شيءٍ من الخمس ولكن يؤخر إلى قوله للمكتسب».
لا فرق بين الأرباح وغيرها في عدم اعتبار الحول، بل يجب فيما جمع الأوصاف المتقدمة من حين الملك وجوباً مضيقاً في غير الأرباح، وفيها يجب أيضاً فيما علم زيادته عن المؤونة المعتادة من حين ظهور الربح، ولكن الوجوب موسّع طول الحول من حين ظهور الربح؛ احتياطاً للمكلف باحتمال زيادة مؤونته بتجدّد ولدٍ ومملوك وزوجةٍ، وضيف غير معتاد، وغرامة لا يعلمها، وخسارة في تجارة، ونحو ذلك.
ص: 488
الثالث: إذا اختلف المالك والمستأجر في الكنز،* فإن اختلفا في ملكه فالقول قول المؤجر مع يمينه، وإن اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر.
..............
قيل: وقد يكون الاحتياط للمستحق لاحتمال نقصان المؤونة (1).
ويشكل بأنّ تعجيل الإخراج عن الزائد المعلوم لا يسقط الوجوب فيما تجدّد علم زيادته، فإنّ التقديم مبني على التخمين والظن، فمتى فضل شيء عن المؤونة وجب إخراج خمسه، سواء كان بسبب نقص النفقة أم لغير ذلك، فتعجيل الإخراج مما علم زيادته أغبط للمستحق على التقديرين.
ولو عجل الإخراج فزادت المؤونة لم يرجع على المستحق مع عدم علمه بالحال وتلف العين .
وفي جواز رجوعه عليه مع بقاء العين أو علمه بالحال نظر ، وقد تقدم مثله في الزكاة (2)، إلا أن عدم الرجوع هنا مطلقاً متوجه.
وإنّما يعتبر الحول بسبب الربح، فأوله ظهور الربح فيعتبر منه مؤونة السنة المستقبلة، ولو تجدّد ربح آخر في أثناء الحول، كانت مؤونة بقيّة الحول الأوّل معتبرةً منهما، وله تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر ،حوله، ويختص بمؤونة بقية حوله بعد انقضاء الحول الأوّل، وهكذا، فإنّ المراد بالسنة هنا ما تجدّدت بعد الربح، لا بحسب اختيار المكتسب.
واعلم أنه كما لا يعتبر الحول هنا لا يعتبر النصاب، بل يخمّس الفاضل وإن قلّ، وكذا القول فيما عدا المعدن والكنز والغوص
قوله: «فإن اختلفا في ملكه فالقول قول المؤجر» إلى آخره.
بل الأصح تقديم قول المستأجر؛ لأنه صاحب اليد حقيقةً، ولدعوى المؤجر خلاف الظاهر وهو إيجار دارٍ فيها كنز، ولا يقدح في ذلك كون يده فرعيّة على يد المؤجر، كما في اختلاف البائع والمشتري.
ص: 489
الرابع:* الخمس يجب بعد المؤونة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن من حفرٍ وسبك وغيره.
.......
وكذا يقدّم قول كلّ ذي يد كالمعير والمستعير مع الاختلاف.
نعم، لو شهدت الحال بتقدمه على زمان ذي اليد -كالبناء المتقادم عليه، وقرب عهد ذي اليد، ونحو ذلك - عمل بها مع اليمين، كما اختاره في البيان(1).
ولو شهدت الحال لذي اليد زال الإشكال.
قوله: «الخمس يجب بعد المؤونة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن من حفر وسبك وغيره».
لا ريب في اعتبار إخراج المؤونة فيهما، لكن هل يعتبر النصاب بعدها أم قبلها، فيخرج منه ما بقي بعد المؤونة؟ العبارة تحتمل كلاً من الأمرين، والذي صرّح به الأصحاب هو الأول، ولم يتعرّضوا فيه بخلاف، كما ذكروه في مؤونة زكاة الغلات.
ص: 490
يقسم ستة أقسام:
ثلاثة للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وهي سهم الله، وسهم رسوله، وسهم ذي القربى، وهو الإمام
(عليه السلام) ،
وبعده للإمام القائم مقامه، وما كان قبضه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أو الإمام ينتقل إلى وارثه.
وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل.
*وقيل: بل يقسم خمسة أقسام، والأوّل أشهر.
ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطلب بالأُبوّة، * فلو انتسبوا بالأُمّ خاصةً، لم يعطوا من الخمس شيئاً على الأظهر.
ولا يجب استيعاب كلّ طائفة، بل لو اقتصر من كلّ طائفة على واحد جاز.
........
قوله :«وقيل: [بل] يقسم خمسة أقسام، والأوّل أشهر».
المشهور قسمته ستة أقسام، والآية (1)الشريفة دالة عليه صريحاً، وكذا الروايات(2)، والقول الآخر(3)مع شذوذه لا يُعلم قائله.
قوله: «فلو انتسبوا بالأُمّ خاصةً لم يعطوا من الخمس شيئاً على الأظهر».
خالف في ذلك المرتضى (رحمه الله)، فاكتفى بالانتساب بالأم(4)، والمشهور الأول،
ص: 491
وهنا مسائل :
الأولى: مستحق الخمس هو مَنْ ولده عبد المطلب، وهم بنو أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب ، الذكر والأنثى . *وفي استحقاق بني المطلب تردّد، أظهره المنع.
الثانية : *هل يجوز أن يخص بالخمس طائفة ؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأحوط.
............
و استعمال أهل اللغة (1)حجّة عليه، ولا حجة له في قوله (صلی الله علیه وآله وسلم)للحسنين(عليهم السلام) : «هذان ابناي»(2) لأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة، وحمله على المجاز أولى من الحقيقة؛ لاستلزامه الاشتراك ،والمجاز خير منه، وللرواية عن الكاظم(عليه السلام)(3).
قوله: «وفي استحقاق بني المطلب تردّد، أظهره المنع».
هذا هو المشهور، وخالف فيه المفيد وابن الجنيد (4)، وقد تقدّم الكلام في ذلك (5).
قوله: «هل يجوز أن يخص بالخمس طائفة؟ قيل: نعم» إلى آخره.
لا يخفى أن المراد بالخمس هنا غير حصة الإمام(عليه السلام) . ومنشأ الخلاف من كون اللام في الآية (6)للاختصاص أو الملك، وقد تقدّم الكلام عليه في الزكاة(7)، وأن القول بالاختصاص أوجه حذراً من الاشتراك، فيجوز تخصيص مَنْ شاء، وللرواية عن الكاظم (عليه السلام)(8).
ص: 492
الثالثة: * يقسم الإمام على الطوائف قدر الكفاية مقتصداً، فإن فضل كان له ،وإن أعوز أتم من نصيبه.
الرابعة :ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر ، بل الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنيّا في بلده .
*وهل يراعى ذلك في اليتيم؟ قيل: نعم، وقيل: لا، والأوّل أحوط.
...........
قوله: «يقسم الإمام على الطوائف قدر الكفاية مقتصداً».
المراد بالكفاية مؤونة السنة، وبالاقتصاد التوسط في النفقة بحسب عادتهم من غير إسرافٍ ولا إقتار، ولا فرق في ذلك بين مَنْ حضره ومَنْ غاب عنه من سائر رعيته منهم.
وهل يجوز تجاوز مؤونة السنة دفعةً كالزكاة ؟ وجهان، أجودهما العدم، وفاقاً للشهيد (رحمه الله)(1).
والحكم بكون المعوز عليه والفاضل له هو المشهور بين الأصحاب، وبه خبران مرسلان(2).
وأنكره ابن إدريس (3)؛ لمخالفته لظاهر الآية(4) المقتضية لتخصيص كل صنف بحصة معينة، والتفصيل قاطع للشركة، والزيادة على النص هنا نسخ للقرآن بخبر الآحاد أو ما دونه، ولانتفاء فائدة القسمة والتقدير حينئذ.
وهو متجه لولا مخالفته لأجلاء الأصحاب.
وتوقف العلّامة في المختلف (5)لذلك.
قوله: «وهل يراعى ذلك في اليتيم ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، والأول أحوط».
المراد باليتيم الطفل الذي لا أب له.
ص: 493
الخامسة: * لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق، ولو حمل والحال هذه ضمن ويجوز مع عدمه.
السادسة:* الإيمان معتبر في المستحق على تردّد، والعدالة لا تعتبر على الأظهر.
..............
ووجه اشتراط فقره ظاهر بعد كون قسمته فيما تقدّم على الطوائف على قدر الكفاية؛ لأنه مع وجود الكفاية يسقط نصيبه، ولأنّ غير حصة الإمام من الخمس عوض الزكاة، وهي مختصة بالمحاويج في غير مَنْ ذُكر، فكذا العوض.
ووجه العدم جعل اليتيم قسيماً للمسكين في الآية(1)، وهو يقتضي المغايرة، وإلا لتداخلت الأقسام، واختاره الشيخ (رحمه الله) (2).
وأجيب بأنّ المغايرة بينه وبين المسكين حاصلة على هذا التقدير أيضاً، فإن المغايرة أعم من المباينة والكلام هنا كما تقدّم في قوة الدليل، ومخالفة الأكثر والمشهور، ومن ثُمَّ كان الاقتصار على إعطاء الفقير خاصة كما اختاره المصنف - هو الأحوط.
قوله: «لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق».
الأصح جواز الحمل مطلقاً كما مر في الزكاة(3) ، خصوصاً مع طلب المساواة بين المستحقين.
وعلى المنع يقتصر في موضع الجواز على أقرب الأماكن فالأقرب.
ومؤونة النقل على المالك كالزكاة.
هذا كله حال الغيبة، أما مع حضور الإمام فينقل إليه مطلقاً.
قوله: «الإيمان معتبر في المستحق على تردّد».
من إطلاق الآية(4) ، ومن أنّ الخمس عوض عن الزكاة، والإيمان شرط فيها إجماعاً، والأخبار(5) متظافرة باشتراطه فيها، وأنّه صلة وموادّة، مع أن المخالف بعيد عن
ص: 494
ويلحق بذلك مقصدان:
وهي ما يستحقه الإمام من الأموال على جهة الخصوص، كما كان للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم).
وهي خمسة :
*الأرض التي تملك من غير قتال، سواء انجلى أهلها أو سلّموها طوعاً.
*والأرضون الموات، سواء ملكت ثم باد أهلها، أم لم يجر عليها ملك، كالمفاوز * وسيف البحار،
............
قيل: ومن العجب هاشمي يرى رأي بني أمية(1) ، ولا ريب أن اعتبار الإيمان أولى، أما العدالة فعدم اعتبارها أصح.
قوله: «في الأنفال».
جمع نفل - بسكون الفاء وفتحها - وهي الزيادة، ومنه النافلة، والمراد هنا كل ما يختص بالإمام(عليه السلام) زيادة على قبيله، وقد كانت الأنفال المذكورة لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)في حياته، وهي بعده للإمام القائم مقامه.
قوله: «والأرضون الموات».
التي لا يُعرف لها مالك، كما يستفاد من قوله سواء مُلكت ثمّ باد أهلها إلى آخره.
والمراد بإبادتهم هلاكهم ، ولا فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كفّاراً.
قوله وسيف البحار».
هو - بكسر السين - ساحل البحر، قاله الجوهري(2).
ص: 495
*ورؤوس الجبال وما يكون بها، وكذا بطون الأودية والآجام.
وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم * من قطائع وصفايا فهي للإمام إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد.
وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس أو ثوب أو جارية أو غير ذلك ما لم يُجحِف. * وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له(عليه السلام) .
وفيه مسائل :
الأولى: * لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه ، ولو تصرف متصرف كان غاصباً، ولو حصل له فائدة كانت للإمام.
..............
قوله: «ورؤوس الجبال وما يكون بها».
لا يخفى أن المراد بها ما كان في غير أرضه(عليه السلام) المتقدمة، والمرجع في الجبال والأودية
إلى العرف.
قوله: «من قطائع وصفايا».
الضابط أنّ كلّ ما كان لسلطان الكفر من مالٍ غير مغصوب من محترم المال فهو لسلطان الإسلام، وقد قيل: إنّ الصفايا ما يُنقل من المال، والقطائع ما لا يُنقل.
قوله: «وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له(عليه السلام) ».
هذا هو المشهور بين الأصحاب، وبه رواية مرسلة عن الصادق (عليه السلام)(1) منجبرة بعمل الأصحاب.
قوله: «لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه».
أشار ب_ «ذلك» إلى الأنفال المذكورة، ومنها ميراث مَنْ لا وارث له عندنا.
ص: 496
الثانية: إذا قاطع الإمام على شيءٍ من حقوقه حلّ ما فضل عن القطيعة، ووجب عليه الوفاء.
الثالثة: * ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه.
الرابعة: ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده ومع عدمه قيل: يكون مباحاً، وقيل: يجب حفظه ثمّ يوصي به عند ظهور أمارة الموت، وقيل: يُدفن، وقيل: يُصرف النصف إلى مستحقيه، ويُحفظ ما يختص به بالوُصاة أو الدفن، وقيل: بل تُصرف حصته إلى الأصناف الموجودين أيضاً؛ لأنّ عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته، وهو الأشبه.
................
وظاهر العبارة تحريم التصرّف في ذلك حالة حضوره وغيبته إلا ما يستثنيه، وهو المناكح وقسيميه.
والأصح إباحة الأنفال حالة الغيبة واختصاص المنع بالخمس عدا ما استثني .
قوله: «ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة» إلى آخره.
المراد بالمناكح السراري المغنومة من أهل الحرب في حالة الغيبة، فإنه يباح لنا شراؤها ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام (عليه السلام)على ما مرّ، أو بعضها على القول الآخر.
وربما فسرت بالزوجات والسراري التي يشتريها من كسبه الذي يجب فيه الخمس، فإنّه حينئذ لا يجب إخراج خمس الثمن والمهر، وهذا التفسير راجع إلى المؤونة المستثناة، وقد تقدّم الكلام فيها(1) ، وأنّه مشروط بحصول الشراء والتزويج في عام الربح، وكون ذلك لائقاً بحاله.
ص: 497
الخامسة: يجب أن يتولّى صرف حصة الإمام في الأصناف الموجودين* مَنْ إليه الحكم بحق النيابة، كما يتولّى أداء ما يجب على الغائب.
..............
والمراد بالمساكن ما يتخذه منها في الأرض المختصة به ، كالمملوكة بغير قتال ورؤوس الجبال، وهو مبني على عدم إباحة مطلق الأنفال حالة الغيبة.
وفُسّرت أيضاً بما يشتريه من المساكن بمال يجب فيه الخمس كالمكاسب، وهو راجع إلى المؤونة أيضاً كما مرّ (1).
وبالمتاجر ما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حالة الغيبة وإن كانت بأسرها أو بعضها للإمام (عليه السلام)، أو ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس كالمخالف - مع وجوب الخمس فيها.
وقد عُلّل إباحة هذه الثلاثة في الأخبار بطيب الولادة وصحة الصلاة وحلّ المال (2).
قوله: «مَنْ إليه الحكم بحق النيابة».
المراد به الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى؛ لأنه نائب الإمام(عليه السلام) ومنصوبه، فيتولّى عنه الإتمام لباقي الأصناف مع إعواز نصيبهم، كما يجب عليه (عليه السلام) ذلك مع حضوره، وإلى ذلك أشار بقوله «كما يتولّى أداء ما يجب على الغائب».
ولو تولّى ذلك غيره كان ضامناً عند كلّ مَنْ أوجب صرفه إلى الأصناف.
ص: 498
والنظر في أركانه، وأقسامه، ولواحقه.
وأركانه أربعة:
* وهو الكف عن المفطرات مع النية،
............
كتاب الصوم
قوله: «وهو الكفّ عن المفطرات مع النية».
الصوم لغةً : مطلق الإمساك، أو الإمساك عن الطعام على اختلاف بين أهل اللغة(1) . وقد عرفه المصنف شرعاً بما ذكره، وهو تخصيص للمعنى اللغوي مطلقاً على الأوّل، ومن وجه على الثاني، إما لعدم ثبوت الحقائق الشرعية، أو لأنّ النقل لمناسبة أولى، فالكفّ بمنزلة الجنس يدخل فيه الكفّ عن الكلام والطعام وغيرهما، وعن المفطرات كالفصل يخرج به بعض أفراد الصوم اللغوي على الأوّل، ويدخل فيه غير الطعام من المفطرات على الثاني و «مع النيّة» فصل آخر إن جعلناها شطراً لا شرطاً.
ص: 499
فهي إما ركن فيه، وإما شرط في صحته، * وهي بالشرط أشبه.
............
وينتقض في طرده بالكف عن المفطرات ليلاً أو بعض النهار مع النية، وعكساً بمتناول المفطرات سهواً، فإنّه صائم مع عدم الكفّ، وحمل النية على الشرعية - وهي لا تصلح لغير مجموع النهار - وإضمار «العالم» مفسد من وجه آخر. وبأنّ الكفّ أمر عدمي، فيستحيل التكليف به ومن ثُمَّ قيل: إن التكليف به متعلق بإيجاد الضدّ أو بكراهة هذه الأشياء؛ هرباً من تعلّق الإرادة بالمعدوم وبأنه دوري(1)؛ إذ المراد بالمفطر مفسد الصوم، فتتوقف معرفة كل واحدٍ منهما على الآخر.
وقد يتكلف بجعل المفطر علماً طارئاً على أشياء مخصوصة، فيصير التعريف في قوة الإمساك عن الأكل والشرب إلى آخره، واختار ذلك إيثاراً للاختصار.
وقد عدل بعضهم عنه إلى أنه توطين النفس على ترك الأشياء المخصوصة (2).
وفيه التزام بالنقل مع عدم المناسبة، لكنّه أولى؛ لكون التوطين أمراً وجودياً، وهو حمل النفس على ذلك، فيكون من أفعال القلوب وهو مستغن عن اعتبار النية؛ لاستلزام التوطين لها.
نعم، ينبغي إبدالها بالقربة؛ لعدم استلزام التوطين لها.
وقد أحسن الشهيد (رحمه الله) في الدروس، حيث عرّفه بأنه توطين النفس الله على ترك الثمانية: الأكل والشرب إلى آخره، من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب من المكلف أو المميّز المسلم الخالي عن السفر وغيره من الموانع التي عدّها وإن استلزم الطول(3) .
ولا يكاد يسلم من الكلام تعريف، والله المحيط .
قوله: «وهي بالشرط أشبه».
قد تقدم الكلام في ذلك في باب الصلاة (4)، ومع ذلك فشبه نية الصوم بالشرط أقوى من
ص: 500
*ويكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقرباً إلى الله.
*وهل يكفي ذلك في النذر المعيّن؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه.
ولا بد فيما عداهما من نية التعيين، وهو القصد إلى الصوم المخصوص، فلو اقتصر على نية القربة وذهل عن تعيينه لم يصح.
........
شبه نية الصلاة به؛ لجواز تقديمها على الفجر الذي هو أول ماهيته، والركن يستلزم الدخول في الماهية.
قوله: «ويكفي في رمضان أن ينوي أنّه يصوم منقرّباً».
مقتضاه عدم وجوب نيّة الوجوب مع القربة، وهو متجه؛ لعدم إمكان وقوع رمضان بنية الندب للمكلّف به، فلا يحتاج إلى التمييز عنه، وهو مذهب جماعة من الأصحاب (1)، إلا أن نقول بوجوب إيقاع الفعل لوجهه من وجوب أو ندب كما ذكره المتكلمون، فيجب ذلك وإن لم يكن مميزاً، لكن في وجوبه نظر.
ولا ريب أن إضافة الوجوب إلى القربة أحوط وضمّ التعيين إليهما أفضل، والتعرّض للأداء مع ذلك أكمل.
قوله: «وهل يكفي ذلك في النذر المعيّن؟ قيل: نعم، وقيل: لا. وهو الأشبه».
المشهور وجوب التعيين في النذر المعيّن، وهو أحوط، وإن كان القول الأول متجهاً، وهو مذهب المرتضى (2).
لكن يبقى على القائل بوجوب التعيين هنا القول بوجوب التعرّض للوجوب أيضاً؛ لاقتضاء دليله له، وهو أنّ الزمان بأصل الشرع غير معين بالنذر، وإنما يتعين بالعارض، وما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بد من نية التعيين، وهذا بعينه آت في الوجوب.
و مقتضى كلام المصنف الاكتفاء في النذر المعين بالقربة والتعيين.
وفيه سؤال الفرق بين الأمرين؟!
ص: 501
ولا بد من حضورها عند أوّل جزء من الصوم،* أو تبييتها مستمراً على حكمها.
*ولو نسيها ليلاً جدّدها نهاراً ما بينه وبين ،الزوال، فلو زالت الشمس فات محلّها واجباً كان الصوم أو ندباً، وقيل: يمتدّ وقتها إلى الغروب لصوم النافلة والأوّل أشهر.
..............
اللهم إلا أن يحمل نية القربة على ما يعم الوجوب، كما سيأتي نقله عن جماعة.
قوله: «أو تبييتها مستمراً على حكمها».
لا فرق مع تبييتها بين أن يتجدد له قبل الفجر ما يمنع الصوم كالأكل والجنابة - وعدمه مع زوال أثره قبل الفجر، وإن كان الأفضل إعادتها مع عروض ما يوجب الغسل، وأولى بعدم الإعادة لو وقع ذلك في النهار.
قوله: «ولو نسيها ليلاً جدّدها نهاراً ما بينه وبين الزوال».
«ما» هنا ظرفية زمانية، والضمير يعود إلى الليل المتقدم، والتقدير أن ناسي النية ليلاً يجدّدها في المدة التي بين الليل وبين الزوال من النهار، لا في مطلقه، والمراد أنّه يجدّدها حالة الذكر على الفور؛ لئلا يخلو جزء من النهار من نية اختياراً، فلو تراخى بها بطل الصوم وإن جدّدها قبل الزوال، وسيأتي مثله عن قريب (1).
وهذا الحكم في الواجب هو أشهر القولين رواية(2) وفتوى، بل كاد يكون إجماعاً.
ويستثنى منه قضاء الواجب كرمضان، فإنّه يجوز تجديد النية له قبل الزوال وإن أصبح بنية الإفطار ما لم يفطر بالفعل، كما وردت به النصوص(3).
وأما صوم النافلة فالمشهور أنه كذلك كما أشار إليه المصنف، و به روايات (4)، دلّت
ص: 502
*وقيل: يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه. ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية.
.........
بإطلاقها عليه، وفي بعضها تصريح بامتداد وقتها إلى الغروب (1).
والأجود التفصيل الجامع بين الروايات المختلفة، الذي صرّحت به صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله(عليه السلام)(2)، وهو أن الصوم يصح على التقديرين، لكن إن أوقع النية قبل الزوال أثيب على الصوم لجميع النهار، وإن نوى بعده حسب له من الوقت الذي نوى فيه إلى آخر النهار.
ولا بد في صحة الصوم - إذا وقعت النية بعد الزوال - من بقاء جزء معه بعد النية ليتحقق القصد إليه، وإلا لم يصح.
قوله: «وقيل: يختص رمضان بجواز تقدیم نيته عليه ولو سها عند دخوله إلى آخره. هذا قول الشيخ
(رحمه الله)(3)، وحاصله أن نية رمضان يجوز تقديمها عليه يوماً ويومين وثلاثة، لا بمعنى الاكتفاء بما قدمه عن النية في أوّله مطلقاً، بل تظهر فائدة التقديم فيما لو ي تجديدها أوّل ليلةٍ أو نام أو أغمي عليه، فإنّه لا قضاء حينئذ، بخلاف ما لو لم يقدمها فإنّه يجب عليه القضاء.
ومن هنا يظهر ضعف هذا القول، فإنّها إن وقعت معتبرةً أجزأت مطلقاً، وإلا لم تُجزئ مطلقاً كغيرها من النيات.
واعلم أنه لم يحدّد وقت التقديم في كلامه صريحاً، لكنه صرّح بجواز تقديمها ثلاثة أيام(4)، ولم يذكر ذلك على وجه الانحصار، لكن الثلاثة هي المتيقن من مذهبه.
وهذا القول - مع شذوذه _ لا شاهد له في الأخبار، وإنما استخرجه من الاعتبار، وهو ضعيف.
ص: 503
*وكذا قيل: يجزئ نيّة واحدة لصيام الشهر كلّه.
......
قوله: «وكذا قيل: يجزئ نيّة واحدة لصيام الشهر كلّه».
هذا هو المشهور خصوصاً بين المتقدمين، حتى ادّعى عليه الشيخ والمرتضى الإجماع(1) ، واختاره العلّامة في المختلف(2)، والمصنّف في المعتبر، وإنما جعل تعدّد النية لكلّ يوم أولى(3)، وكذلك الشهيد في الشرح (4).
ولو قلنا بعدم إجزاء النية الواحدة للشهر ففعلها أجزأت لأوّل يوم؛ لدخوله ضمناً.
واعلم أنّه لا فرق على القولين بين ناسي النية لكلّ ليلةٍ وبين الذاكر، بل الإجماع واقع على انحصار المسألة في القولين فما اشتهر في بعض القيود الفاسدة من الاجتزاء بالنية الواحدة لناسي النية الخاصة لليوم دون الذاكر إحداث قول ثالث.
ومنشؤه - على الظاهر - من عدم فهم حاصل القول الأول، حيث اجتزأ بالمتقدمة للناسي دون العالم، فظنّ أنّ المقارنة لأوّل الشهر كذلك، وهو غلط اتفاقاً.
بقي هنا بحث، وهو أنّ القائل بالاكتفاء بنية واحدة للشهر يجعله عبادةً واحدة كما صرّح به في دليله، ومن شأن العبادة الواحدة المشتملة على النية الواحدة أن لا يجوز تفريق النية على أجزائها، كما هو المعلوم من حالها وحينئذ يشكل أولوية تعدّد النية بتعدد الأيام ،لاستلزامه تفريق النية على أجزاء العبادة الواحدة التي تفتقر إلى النية الواحدة.
اللهمّ إلّا أن يفرّق بين العبادة المتحدة التي لا يتصوّر فيها التعدد شرعاً كالصلاة، وبين ما يتصوّر كالصوم.
ويؤيده حكم بعض الأصحاب - ومنهم المصنّف - بجواز تفريق النيّة على أعضاء
ص: 504
ولا يقع في رمضان صوم غيره، * ولو نوى غيره واجباً كان أو ندباً - أجزاً عن رمضان دون ما نواه .
............
الوضوء بأن ينوي رفع الحدث عند كل عضو(1) ، وإن كان في ذلك خلاف، إلا أنه لا يخلو من وجه وجيه، وإن امتنع في مثل الصلاة بكل وجه.
وظاهر جماعةٍ (2) من مختاري هذا القول كون النية لكلّ يوم أولى، فضلاً عن جوازه.
ومثل الصوم في الإشكال تغسيل الميت عند من اكتفى بالنية الواحدة للأغسال الثلاثة. والطريق المخرج من الإشكال الجمع بين نية المجموع وبين النية لكلّ يوم.
قوله: «ولو نوى غيره واجباً كان أو ندباً أجزاً عن رمضان دون ما نواه».
وجهه ما تقدم من أنّ المعتبر في نية الصوم القربة دون الوجوب والتعيين(3)، وهي حاصلة في الفرض فيصح الصوم ويلغو الضميمة الزائدة؛ لعدم وقوع صوم غير رمضان فيه.
ويشكل بأنّ ما زاد على القربة من المميزات وإن لم تجب نيته؛ لعدم إمكان وقوع غير المطلوب في رمضان شرعاً، إلا أنه يجب تجريد النية عن ذلك المنافي لينصرف الأمر الكلى إلى الفرد المطلوب منه، فإنّه لا ينافيه، بخلاف ما لو عيّن غيره فإنّه لا ينصرف إليه؛ لأنّ قيود أفراد الكلّي متنافية، وإرادة أحد الضدين تستلزم عدم إرادة الآخر، ولا يلزم من عدم وجوب نية الفرد الخاص - مع كونه هو المطلوب - جواز إرادة غيره.
والحاصل أنّ المطلوب شرعاً من هذا الصوم ماهيته من حيث كونه صوم شهر رمضان وإن لم يجب التعرّض إلى ذلك في النية، لا ماهيته من حيث هو، أعني لا بشرط شيءٍ حتى تصح مجامعتها لأشياء. والحق أنّ التقرّب بالصوم على هذا الوجه لا يتحقق؛ للاتفاق على أن ما نواه لم يحصل
ص: 505
* ولا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب، بل لا بد من قصد أحدهما تعييناً.
ولو نوى الوجوب آخر يوم من شعبان مع الشكّ لم يجزئ عن أحدهما، ولو نواه مندوباً أجزاً عن رمضان إذا انكشف أنه منه.
..............
له، وإنّما حصل ما يريده الشارع الداخل ضمناً، وهو صوم رمضان، وذلك غير منوي ولا مقصود، فإنّ الدلالة التضمّنيّة هنا غير مرادةٍ، وقد قال(صلی الله علیه وآله وسلم) : «وإنما لكل امرئ ما نوى»(1)، فما نواه لم يحصل، وما يريده الشارع لم ينو ولم يتقرب به فيقع باطلاً.
هذا مع العلم بأنّه من شهر رمضان، أما مع الجهل به كصوم يوم الشك بنية الندب - أو النسيان فيتم ما ذكره؛ لأنّ حكم الخطأ مرتفع عنهما دون العامد، وإن كان الدليل شاملاً لهما، وأيضاً فلا قائل بفساد الصوم مطلقاً، فكان التفصيل أوجه.
قوله « ولا يجوز أن يردّد نيته بين الواجب والندب» إلى آخره.
هذا على القول بالاكتفاء بالقربة، والحكم بإلغاء الزائد لو وقع-كما سلف - مشكل؛ لحصول النية المعتبرة بدون التردّد، وإذا لم تؤثر نيّة المنافي فالمردّد بينه وبين الموافق أولى أن لا يؤثر.
ويمكن بناء ذلك على اعتبار نية الوجوب منضماً إلى القربة، كما يظهر من قوله «بل لا بدّ من قصد أحدهما تعييناً، وإن كان ظاهر كلامه فيما سبق يقتضي خلاف ذلك وأنه يكفي مجرّد القربة، أو نقول: إن نية القربة لا تتحقق إلا مع ضم الوجوب إليها، فيكون إطلاق الاكتفاء بها مقتضياً للوجوب أيضاً. وهذا المعنى وإن كان بعيداً في الظاهر، لكن قد صرّح به جماعة منهم العلّامة في المختلف، فإنّه قال فيه: إن القدر الواجب في نية القربة أن ينوي الصوم متقرباً إلى الله لوجوبه (2).
والظاهر أن نية القربة لا تتوقف على الوجوب، كما صرح به الشيخ (رحمه الله) (3)، وأن التردّد المذكور مبطل وإن كان الإطلاق مجزئاً، وقد علم وجهه مما سبق.
ص: 506
* ولو صام على أنّه إن كان من رمضان كان واجباً، وإلا كان مندوباً، قيل: يجزئ، وقيل: لا يجزئ وعليه الإعادة، وهو الأشبه.
ولو أصبح بنية الإفطار ثمَّ بان أنّه من الشهر جدّد النية واجتزأ به، * فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء.
.........
قوله: «ولو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجباً - إلى قوله - وهو الأشبه».
وجه الإجزاء حصول المقتضي له وهو نية القربة، فإما أن يلغو الزائد، أو يكون نية للواقع فيكون مجزئاً، ولأنه لو جزم بالندب أجزاً عن رمضان إجماعاً، فالضميمة المتردّد فيها إما مجزئة أو أدخل في المطلوب منها.
ووجه العدم اشتراط الجزم في النية حيث يمكن، وهو هنا ممكن بأن ينوي الندب فلا يجوز الترديد، ونمنع كون نية الوجوب أدخل في صوم رمضان عند عدم العلم به، ومن ثمَّ لم يجزئ لو جزم بالوجوب ثمَّ ظهر كونه منه بل ورد النهي عنه في النصوص(1) ، وهو يقتضي البطلان في العبادة.
وكيف كان، فعدم الإجزاء أوجه وإن كان الإجزاء متوجهاً، وقد اختاره العلّامة في المختلف، والشهيد في الدروس(2).
واعلم أنّ موضوع هذه المسألة أخصّ من موضوع المسألة السابقة؛ لاختصاص هذه بيوم الشك، أو تفصيل هذه وإطلاق تلك، والخلاف واقع في المسألتين وإن كان في الثانية أشهر.
وربما قيل باتحادهما وأنّ المسألة مكرّرة(3) ، وليس بجيد.
قوله: «فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء».
الإمساك هنا على سبيل الوجوب ويجب فيه النيّة، ولو أفطره وجب عليه الكفارة؛ إذ
ص: 507
فروع ثلاثة:
الأوّل: * لو نوى الإفطار في يوم رمضان ثمَّ جدّد قبل الزوال، قيل: لا ينعقد وعليه القضاء، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.
الثاني: * لو عقد نية الصوم ثمَّ نوى الإفطار ولم يفطر ثمَّ جدّد النية كان صحيحاً.
...........
لا منافاة بين وجوبها وعدم صحة الصوم، بمعنى إسقاطه القضاء.
ولو كان قد صام ندباً جدّد نية الوجوب وأجزاً على التقديرين .
قوله: «لو نوى الإفطار في يوم من (1)رمضان ثمّ جدّد قبل الزوال، قيل: لا ينعقد وعليه القضاء» إلى آخره.
هذا على القول بالاجتزاء بنيّةٍ واحدة مع تقدّمها، أو على القول بجواز تأخير النية إلى قبل الزوال اختياراً متوجه؛ لحصول النية المعتبرة، والحاصل منه إنما ينافي الاستدامة الحكمية لا نفس النية، وشرطية الاستدامة أو توقف صحة الصوم عليها غير معلوم وإن ثبت ذلك في الصلاة، وأما على القول بوجوب إيقاع النية ليلاً فأخلّ بها ثمَّ جدّدها قبل الزوال، ففى الصحة :نظر؛ لأنّ الفائت هنا نفس النية في جزء من النهار ، وهي شرط في صحة الصوم. فيفسد ذلك الجزء، والصوم لا يتبعض، وحينئذ فيقوى عدم الانعقاد.
قوله: «لو عقد نية الصوم ثمَّ نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحاً».
ما جزم به هنا من الصحة مبني على ما سلف من أنّ الفائت إنّما هو الاستدامة الحكميّة لا النية والشرط هو الثاني لا الأول.
والفرق بين المسألتين ظاهر؛ فإن نية الإفطار في الثانية مسبوقة بنية الصوم دون الأُولى.
والأقوى فساد الصوم في الصورتين، وإن كان القول بعدم الفساد في الثانية لا يخلو من قوة.
ص: 508
الثالث : * نية الصبي المميز صحيحة، وصومه شرعي.
وفيه مقاصد :
[المقصد] الأوّل: يجب الإمساك عن كلّ مأكول، معتاداً كان كالخبز والفواكه، أو غير معتاد كالحصى والبَرَد، وعن كلّ مشروب ولو لم يكن معتاداً، كمياه الأنوار وعصارة الأشجار، وعن الجماع في القبل إجماعاً، * وفي دُبُر المرأة على الأظهر، * ويفسد صوم المرأة،
.........
قوله: «نية الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي».
أما صحة نيته وصومه فلا إشكال فيه؛ لأنّها من باب خطاب الوضع، وهو غير متوقف على التكليف.
وأما كون صومه شرعيّاً ففيه نظر؛ لاختصاص خطاب الشرع بالمكلّفين.
والأصح أنه تمريني لا شرعي.
قوله: «وفي دُبُر المرأة على الأظهر».
هذا هو الأصح؛ بناءً على إيجابه الغسل، وقد تقدّم(1).
قوله: «ويفسد صوم المرأة».
أي الموطوءة في القُبُل ليكون موضع الجزم، وأما الموطوءة في الدبر ففي فساد صومها قولان كما في الواطئ.
ويمكن أن يريد بها الموطوءة مطلقاً؛ بناءً على ما اختاره في الواطئ فيكون قد ترك الخلاف فيها إحالة عليه، أو لاشتمالها على مسألتين إحداهما إجماعية.
واعلم أنه لم يتقدم ما يدل على فساد صوم الواطئ حتى يتبعه بفساد صوم المرأة، وإنما
ص: 509
*وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردّد وإن حرم، وكذا القول في فساد صوم الموطوءة، والأشبه أنّه يتبع وجوب الغسل.
*وعن الكذب على الله وعلى رسوله والأئمة(عليهم السلام) ، وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه .
*وعن الارتماس، وقيل: لا يحرم، بل يكره، والأوّل أظهر، وهل يفسد بفعله؟ الأشبه لا.
.......
تقدم وجوب الإمساك عن الجماع، وهو أعم من أن يثبت به الفساد وعدمه، فكان الأولى تأخير حكم فساد صوم الموطوءة إلى المقصد الثاني.
قوله: «وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردّد وإن حرم، وكذا القول في فساد صوم الموطوءة» إلى آخره.
قد تقدّم فى الطهارة أنّ الأصح إيجابه الغسل(1)، فيفسد الصوم.
قوله: «وعن الكذب على الله وعلى رسوله» إلى آخره.
لا خلاف في تحريم الكذب مطلقاً، وتأكده على الله ورسوله وأئمته (عليهم السلام)في الصوم وغيره وإن كان في الصوم آكد، وإنّما وقع البحث فيه هنا للخلاف فيما يترتب عليه مع استحقاق فاعله العقاب، فقيل: يجب به القضاء والكفّارة (2) ، وقيل : القضاء خاصة(3).
والأصح أنه غير مفسد وإن تضاعف به العقاب.
قوله :«وعن الارتماس ».
المراد بالارتماس غمس الرأس في الماء دفعة واحدة عرفية وإن بقي البدن.
وأصح الأقوال تحريمه من دون أن يفسد الصوم.
ص: 510
* وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف الأظهر التحريم وفساد الصوم.
* وعن البقاء على الجنابة عامداً حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر.
........
وتظهر فائدة التحريم فيما لو ارتمس في غسل مشروع فإنّه يقع فاسداً؛ للنهي عن بعض أجزائه(1)المقتضي للفساد في العبادة.
ولو كان ناسياً ارتفع حدثه؛ لعدم توجّه النهي إليه.
والجاهل عامد كما سيأتي.
قوله: «وفى إيصال الغبار إلى الحلق خلاف».
لم يقيد الغبار بكونه غليظاً، كما فعله جماعة(2)، وورد في بعض الأخبار.
والظاهر أنّ عدم القيد أجود؛ لأنّ الغبار المتعدّي إلى الحلق نوع من المتناولات وإن كان غير معتاد فيحرم، ويفسد الصوم، وتجب به الكفّارة، سواء في ذلك الغليظ والرقيق، بل الحكم فيه أغلظ من تناول المأكول إذا كان غبار ما يحرم تناوله.
وحيث اعتبر الغليظ فالمرجع فيه إلى العرف وسيأتي في العبارة أنّ ذلك وأشباهه مقيّد بالعمد والاختيار، فلا شيء على الناسي، ولا على من لا يتمكن من الاحتراز عنه بحال.
وألحق به بعض الأصحاب الدخان الغليظ وبخار القدر ونحوه (3).
وهو حسن إن تحقق معهما جسم.
قوله: وعن البقاء على الجنابة ... على الأشهر».
هذا هو الصحيح، والأخبار به متظافرة(4)، وخلاف ابن بابویه (رحمه الله)(5) ضعيف.
ص: 511
*ولو أجنب فنام غير نا و للغسل فطلع الفجر فسد الصوم، ولو كان نوى الغسل صح صومه.
* ولو انتبه ثم نام ناوياً [للغسل] فأصبح نائماً فسد صومه، وعليه قضاؤه.
* ولو استمنى أو لمس امرأةً فأمنى فسد صومه.
..........
قوله: «ولو أجنب فنام غير ناو للغسل فطلع الفجر فسد الصوم».
الفرق بين هذه وبين تعمّد البقاء على الجنابة فرق ما بين العام والخاص، فإن تعمّد البقاء عزم على عدم الغسل وعدم نيّة الغسل أعم من العزم على عدمه.
والحاصل أنّ النومة الأولى بعد الجنابة إنّما تصح مع نية الغسل ليلاً، وإلا لم يصح النوم. ولا بد مع ذلك من احتماله الانتباه، وإلا كان كمتعمد البقاء.
وشرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتياده الانتباه، وإلا كان كمتعمد البقاء على الجنابة. ولا بأس به.
قوله: «ولو انتبه ثم نام ناوياً فأصبح نائماً فسد صومه وعليه قضاؤه».
قد تقدّم أنّ النومة الأولى إنما تصح مع العزم على الغسل وإمكان الانتباه أو اعتياده، فإذا نام بالشرط ثمَّ انتبه ليلاً حرم عليه النوم ثانياً وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه، لكن لو خالف وأثم فأصبح نائماً وجب عليه القضاء خاصةً.
والأصح أن تجديد الجنابة بعد الانتباهة الأولى لا يهدم العدد، وسيأتي حكم النومة الثالثة (1).
قوله: «ولو استمنى أو لمس امرأةٌ فأمنى فسد صومه ».
وفي حكم اللمس مطلق الملاعبة ولا فرق في ذلك بين المرأة المحلة والمحرمة، ولا بين معتاد الإمناء بذلك وغيره، ولا بين القصد إليه وعدمه؛ لإطلاق النص(2).
ص: 512
*ولو احتلم بعد نية الصوم نهاراً لم يفسد صومه . وكذا لو نظر إلى امرأةٍ فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى
* والحقنة بالجامد ،جائزة، وبالمائع محرَّمة، ويفسد بها الصوم على تردّد.
مسألتان :
الأُولى: كلّ ما ذكرنا أنّه يُفسد الصيام . إنّما يُفسده إذا وقع عمداً، سواء كان عالماً أو جاهلاً، ولو كان سهواً لم يفسد، سواء كان الصوم واجباً أو ندباً،
.......
والتقبيل نوع من اللمس، فيلزمه حكمه.
قوله: «ولو احتلم بعد نية الصوم نهاراً لم يفسد صومه».
ولا تتوقف صحة الصوم حينئذ على الغسل، بل إنّما يجب للصلاة أو لصوم اليوم المقبل.
قال العلّامة في المنتهى: ولا نعلم في ذلك خلافاً (1)، وفي التذكرة أنه إجماعي(2).
قوله: «وكذا لو نظر إلى امرأةٍ فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى».
لا فرق في ذلك بين المحللة والمحرمة، نعم لو قصد الإمناء أو كان معتاداً بذلك عنده وإن
كان إلى محلّل وجبت الكفّارة.
وخالف في ذلك الشيخ (رحمه الله) فأوجب القضاء مع النظر إلى المحرم والإمناء من غير تفصيل (3).
قوله: «والحقنة بالجامد جائزة، وبالمائع محرّمة، ويفسد بها الصوم على تردّد».
المراد بالجامد نحو الفتائل وإن كان لا يطلق عليه الحقنة عرفاً.
والأصح تحريم الحقنة بالمائع من دون أن يفسد الصوم.
قوله: «إنّما يُفسده إذا وقع عمداً، سواء كان عالماً أو جاهلاً».
إلحاق الجاهل بالعالم في وجوب القضاء لا إشكال فيه، وأما في الكفّارة فالأحوط أنّه
ص: 513
• وكذا لو أُكره على الإفطار، أو وُجر في حلقه.
...........
كذلك كما جزم به المصنف واختاره العلّامة (1).
والأصح أنّه لا كفّارة عليه؛ لرواية زرارة وأبي بصير عن الصادق(عليه السلام)(2).
قوله: «وكذا لو أكره على الإفطار أو وُجر في حلقه».
لا خلاف في عدم وجوب القضاء على مَنْ وُجر في حلقه -بتخفيف الجيم - بغير اختياره؛ لأنه لم يتناول المفطر، وأما الإكراه فإن بلغ حداً يرفع قصده أو يذهب اختياره كما لو قهره قاهر بضرب شديد أو تخويف عظيم حتى لم يملك أمره ولم يكن له بد من الفعل فلا قضاء أيضاً، وإن لم يبلغ ذلك الحد - بأن توعده بفعل لا يليق بحاله ويُعدُّ ضرراً لمثله من ضرب أو شتم ونحوهما، وشهدت القرائن بإيقاعه له إن لم يفعل، إلا أن اختياره لم يذهب، وقصده لم يرتفع - ففي فساد صومه حينئذ قولان:
أحدهما: إلحاقه بالأوّل ؛ لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم) :« رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(3) والمراد رفع حكمها، ومن جملته القضاء، ولسقوط الكفّارة عنه وهي من جملة أحكامه.
وأصحهما وجوب القضاء وإن ساغ له الفعل لصدق تناول المفطر عليه باختياره، وقد تقرر في الأصول أنّ المراد برفع الخطأ وقسيميه في الحديث رفع المؤاخذة عليها، لا رفع جميع أحكامها.
ومثله الإفطار في يوم يجب صومه للتقيّة، أو التناول قبل الغروب لها.
وقيّد الشهيد في الدروس جواز الإفطار لها بخوف التلف(4).
وكأنه نظر إلى ظاهر الخبر عن الصادق(عليه السلام) مع السفاح حيث أفطر معه أول يوم من
ص: 514
الثانية:* لا بأس بمص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وزق الطائر، وذوق المرق، والاستنقاع في الماء للرجال. * ويستحب السواك للصلاة بالرطب واليابس.
.........
رمضان، وقال لأصحابه: «لأن أفطر يوماً من رمضان أحبّ إليَّ من أن يُضرب عنقي ولا يُعبد الله »(1).
والظاهر الاكتفاء بمطلق الضرر، كما في غيره من مواردها، ولخلق هذا القيد من بعض الروايات(2) ، وفي بعضها: «لأن أفطر يوماً من شهر رمضان وأقضيه»(3)، وهو نص على القضاء، فيكون كذلك في الإكراه كما اخترناه.
وحيث ساغ الإفطار للإكراه والتقيّة يجب الاقتصار على ما يندفع به الحاجة، فلو زاد عليه كفّر .
ومثله ما لو تأدّت بالأكل فشرب معه أو بالعكس.
قوله: «لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق».
الضابط في ذلك جواز كلّ ما لا يتعدّى إلى الحلق.
ولا فرق بين المضغ للصبي وغيره، وخصه المصنف تبعاً للرواية، حيث ذكر فيها الصبي(4) ، وأن فاطمة
(عليه االسلام)كانت تمضغ للحسنين(عليهم السلام) وهي صائمة (5).
ولو سبق منه إلى الحلق شيء بغير اختياره فهل يفسد الصوم؟ وجهان أجودهما عدم الإفساد؛ للإذن فيه، وعدم الاختيار في الدخول
قوله :«يستحبّ السواك للصلاة بالرطب واليابس».
لا فرق في ذلك بين أوّل النهار وآخره عندنا، ونبه بالرطب على خلاف الشيخ والحسن
ص: 515
المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك
وفيه مسائل :
الأولى: تجب مع القضاء الكفّارة بسبعة أشياء: الأكل والشرب للمعتاد وغيره، والجماع حتّى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دُبُرها، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر، * والاستمناء، * وإيصال الغبار إلى الحلق.
الثانية: لا تجب الكفّارة إلا في صوم رمضان، وقضائه بعد الزوال، والنذر المعين، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب.
وما عداه لا تجب فيه الكفّارة، مثل صوم الكفّارات والنذر غير المعين والمندوب وإن فسد الصوم.
.............
حيث ذهبا إلى كراهته به (1).
ولا يخفى أنّ ذلك مقيد بما إذا لم يتعد إلى الحلق شيء من أجزائه المتحللة، وإلا حرم. قوله: «والاستمناء».
هو طلب الإمناء والمراد به حصول الإمناء به لا مطلق طلبه وإن كان الطلب محرّماً، لكنّه لا يوجب الكفّارة بدون حصوله.
قوله: «وإيصال الغبار».
لا فرق في ذلك بين غبار المحلل كالدقيق، وغيره كالجص والتراب، ولا يشترط كونه غليظاً كما مر(2) ، ومن ثَمَّ أطلق.
ص: 516
تفريع: * مَنْ أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً فسد صومه وعليه القضاء، وفي وجوب الكفّارة تردّد، والأشبه الوجوب، ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار لم يفسد صومه. ولو خُوِّف فأفطر وجب القضاء على تردّد ولا كفارة.
الثالثة: الكفّارة في رمضان عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، *مخيّراً في ذلك، وقيل: بل هي على الترتيب.
*وقيل: يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات، وبالمحلل كفّارة، والأوّل أكثر.
........
قوله: «مَنْ أكل ناسياً فظنّ فساد صومه - إلى قوله - الأشبه الوجوب».
هذا فرد من أفراد الجاهل بالحكم، وقد تقدم أن الأجود سقوط الكفارة عنه(1) ، وإن كان ما اختاره المصنف أحوط
قوله: «مخيّراً في ذلك، وقيل: بل هي على الترتيب».
الأصح أنها مخيّرة، وعليه الأكثر.
قوله: «وقيل: يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات وبالمحلل كفّارة».
هذا قول الصدوق (رحمه الله )(2) : استناداً إلى رواية رواها بإسناده إلى الرضا (عليه السلام)(3)، دلت على التفصيل. وإنّما ترك المصنّف العمل بها؛ لأن في سندها عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري، وهو مجهول الحال، مع أنه شيخ ابن بابويه(4)، وهو قد عمل بها، فهو في قوة الشهادة له بالثقة ومن البعيد أن يروي الصدوق (رحمه الله) عن غير الثقة بلا واسطةٍ.
واعلم أنّ العلّامة في التحرير في باب الكفارات شهد بصحة الرواية (5)، وهو صريح في
ص: 517
الرابعة: * إذا أفطر زماناً نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيّرة، وقيل: كفّارة يمين والأوّل أظهر.
الخامسة: الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة (عليهم السلام)حرام على الصائم وغيره، وإن تأكد على الصائم، لكن لا يجب به قضاء ولا كفّارة على الأشبه.
السادسة: الارتماس حرام على الأظهر، ولا تجب به كفارة ولا قضاء، وقيل: يجبان به، والأول أشبه.
السابعة: لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح، ويحرم بالمائع، ويجب به القضاء على الأظهر.
الثامنة: * مَنْ أجنب ونام ناوياً للغسل، ثمَّ انتبه ثمَّ نام كذلك، ثمَّ انتبه ونام ثالثةً ناوياً حتى طلع الفجر، لزمته الكفّارة على قول مشهور، وفيه تردّد.
........
التزكية لعبد الواحد، وإن كان قد قال في غيره من الكتب: إنّه لا يحضره حاله (1).
وكيف كان فالعمل بها متعيّن مع اعتضادها بموثقة سماعة(2).
ولا فرق في المحرَّم بين الأصلي كالزنى وأكل مال الغير بغير إذن، والعارضي كالوطء في الحيض. ومن أفراد المحرَّم الاستمناء، وإيصال الغبار - الذي لا يسوغ تناوله في غير الصوم إلى الحلق وابتلاع نخامة الرأس إذا صارت في فضاء الفم، أو مطلقاً مع إمكان إخراجها على قول يأتي(3) .
قوله: «إذا أفطر زماناً نذر صومه على التعيين - إلى قوله - وقيل كفّارة يمين».
الأصح أنّ كفّارة خُلف النذر كرمضان مطلقاً.
قوله: «مَنْ أجنب ونام ناوياً للغسل - إلى قوله - وفيه تردّد».
ص: 518
التاسعة: يجب القضاء في الصوم الواجب المتعيّن بتسعة أشياء: فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة ،* والإفطار إخلاداً إلى مَنْ أخبر أن الفجر لم يطلع،
........
منشؤه أصالة البراءة، وضعف متمسك القائل بها، فإنّ الأخبار(1) التي استدل بها غير صريحةٍ في ذلك، ومن أنه عاد بالنومة الثالثة فكان كما لو نام غير ناو للغسل.
وفيه منع أنّ مطلق العدوان بالنوم يوجب الكفّارة.
ورجح العلّامة في المنتهى عدم الكفّارة، بل صرّح بعدم العدوان بالنوم ثانياً وثالثاً وإن أوجب القضاء(2).
ولا ريب أن العمل بالمشهور أولى.
قوله: «والإفطار إخلاداً إلى مَنْ أخبر أن الفجر لم يطلع».
مستند ذلك النصوص الدالة على أن تارك مراعاة الفجر ثمَّ يظهر طالعاً يجب عليه القضاء وإن استناب فيه (3)، ولا منافاة بين وجوب القضاء وجواز الأكل.
واحترز بالقدرة على المراعاة عن العجز عنها كالأعمى والمحبوس فلا شيء عليهما مع ظنّ عدم الطلوع، بل يحتمل ذلك مع الشك أيضاً؛ عملاً بأصالة عدم الطلوع.
ومقتضى إطلاق النصّ وجوب القضاء مع ترك المراعاة وإن كان المخبر أكثر من واحد.
ويمكن الفرق بين إخبار العدلين وغيره ؛ لأنهما حجّة شرعيّة فلا يجب القضاء معهما، واختاره بعض الأصحاب (4)، ولا بأس به .
والخبر لا ينافيه؛ لأنه فرض فيه كون المخبر واحداً.
ص: 519
مع القدرة على عرفانه ويكون طالعاً ،* وترك العمل بقول المخبر بطلوعه والإفطار لظنه كذبه،* وكذا الإفطار تقليداً أنّ الليل دخل ثم تبيّن فساد الخبر،
.......
قوله: «وترك العمل بقول المخبر بطلوعه والإفطار لظنّه كذبه».
لا فرق في ذلك بين كون المخبر عدلاً أو فاسقاً؛ لإطلاق النصّ(1) والأصحاب.
نعم، لو كان المخبر بالطلوع عدلين فتناول وجبت الكفّارة وإن ظنّ كذبهما؛ للحكم بقولهما شرعاً، فهو في قوة تعمّد الإفطار مع تيقن الطلوع.
وبقي في المسألة قسم ثالث، وهو ما لو عجز عن المراعاة وانتفى إخبار العدلين بالطلوع فتناول ثمَّ تبيّن الطلوع، وحينئذ يمكن القول بعدم وجوب شيء؛ لعدم تقصيره، وعلمه بالأصل، ووجوب القضاء؛ لصدق الإفطار في نهار رمضان، وغاية ما هو هناك نفي الإثم، والفرق بين ما لو ظنّ بقاء الليل وعدمه، فلا يجب في الأول دون الثاني.
ولم أقف في ذلك على شيء.
قوله « وكذا الإفطار تقليداً أنّ الليل دخل ثمَّ تبيّن فساد الخبر».
المراد بالمفطر هنا تقليداً مَنْ يقدر على المراعاة فتركها اعتماداً على قول المخبر، ثم ظهر فساده، كما صرح به جماعة، منهم العلامة في المنتهى، مصرحاً في الفرض بنفي الكفّارة(2).
وفي الحكم بنفيها حينئذ إشكال؛ لأصالة بقاء النهار، وتعمده الإفطار فيه مع نهي الشارع عنه (3)، فلا يقصر عن مطلق المفطرين في شهر رمضان.
اللهم إلا أن يجهل تحريم الإفطار حينئذ، فيلحق بالجاهل والمصنّف لا يرى سقوط الكفّارة عنه، كما مر (4).
ولو كان المخبر عدلين أو عدلاً واحداً لمن لا يقدر على المراعاة لم يجب القضاء؛ لأنّ
ص: 520
* والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، فلو غلب على ظنه لم يفطر،
............
ذلك سند شرعي مع احتمال وجوب القضاء على القادر على المراعاة مع شهادة العدلين؛ لقدرته على اليقين فلا يجوز له البناء على الظن.
قوله: «والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، فلو غلب على ظنه لم يفطر».
اعلم أن في تحقيق حكم هاتين المسألتين إشكالاً، وفي كلام الأصحاب فيهما اختلافاً. وتحرير الحال فيهما مهم (1).
وتلخيص البحث أنّ الموجود من النصوص الصحيحة في هذا الباب متعارضة ظاهراً، ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل، فقال: «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله عزّ وجلّ يقول: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِيَّامَ إِلَى اللَّيْل﴾(2) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمّداً»(3).
وفي صحيحة زرارة عن الباقر(عليه السلام) قال: وقت المغرب إذا غاب القرص، فإذا رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك، وتكفّ عن الطعام إن كنتَ أصبت منه شيئاً »(4).
ومثلها أخبار أخر صريحة في الإفطار قبل الغروب بناءً على ظنّه، وأنه يتم من غير أن يقضيه(5) ، ومعنى «رأوا» في الخبر الأوّل «ظنّوا» لأنه أحد معانيه، ولا يصلح غيره هنا، فقد تطابقت الأخبار على أن موضوع المسألة الظن.
ص: 521
.........
وأما الإفطار مع الشك أو الوهم فليس فيه نص فيما علمنا، ولا ادّعاه مدع.
إذا تقرر ذلك، فقد اختلف كلام الأصحاب فيمن أفطر لظنّ دخول الليل ثم تبين خلافه، هل يجب عليه القضاء أم لا؟ مع اتفاقهم ظاهراً على أنّه لا كفارة عليه.
فذهب جماعة منهم المفيد والعلّامة في المنتهى والمختلف، والشهيد إلى الأوّل(1)؛ لدلالة الخبر الأوّل(2) عليه، ولظهور فساد الظنّ كمن ظنّ الطهارة فصلى ثم تبيّن العدم.
وأجابوا عن الأخبار الأُخر بعدم صراحة الأوّل في عدم القضاء، وضعف الباقية.
ومنهم مَنْ عَكس الحكم فأسقط القضاء؛ عملاً بتلك الأخبار.
وأجاب عن الأوّل بأنه وإن كان صحيحاً إلا أن فى طريقه محمد بن عيسى عن يونس ،وقد توقف الصدوق فيما ينفرد به محمّد بن عیسی عنه (3).
ومنهم مَنْ عمل بالأخبار وجمع بينها بحمل الأوّل على مَنْ له طريق إلى العلم، والآخر على مَنْ لا طريق له.
ويشكل عدم وجوب الكفّارة على الأوّل مع علمه بعدم جواز إفطاره بذلك الظن؛ لإقدامه على الإفطار في نهار شهر رمضان عدواناً، إلا أن يقال: إيجاب القضاء لا ينافي إيجاب الكفّارة أيضاً، ويؤيده قوله في الحديث: «لأنه أكل متعمداً».
ومنهم مَنْ نزّل ذلك على مراتب الظنّ، فأوجب على الظان القضاء، ومَنْ غلب على ظنّه دخول الليل لا قضاء عليه.
وهذا التفصيل لابن إدريس، وأوجب على الإفطار مع الشك القضاء والكفّارة(4).
ص: 522
...........
ويشكل بعدم انضباط مراتب الظنّ حتى يجعل بعضها غالباً وبعضها غير ذلك، بل الظن كله غالب، وبأنّ الحكم في النصوص معلّق على مطلق الظن في الحالين.
والحق أن الاستدلال بالأخبار من الجانبين لا يُثبت المطلوب؛ لما بيناه، وإذا قطع النظر عنها فوجوب القضاء على الظان الذي لا طريق له إلى العلم إذا اجتهد غير واضح؛ لعدم تقصيره وتعبده بظنّه، فلا يكون تناوله مفسداً، كالمتناول في أوّل النهار بعد اجتهاده ولا فرق هنا بين أوّل النهار وآخره وإن اختلفا في الأصالة؛ لاشتراكهما في الإذن في التناول، وتبقى أخبار عدم القضاء مؤيدة لذلك وإن لم تصلح لتأسيسه.
ثمَّ عُدْ إلى عبارة الكتاب فقوله «والإفطار للظلمة الموهمة» يمكن أن يريد بالوهم هنا معناه الاصطلاحي، وهو الاحتمال المرجوح الذي لا يمنع من النقيض، وهو المقابل للظنّ بالنسبة إلى الاحتمالين فإنّ الطرف الراجح مظنون.
وإيجاب القضاء على هذا التقدير واضح ؛ إذ لا يجوز له الإفطار على هذا الوجه، فيكون عادياً بإفطاره متعمّداً فيجب القضاء.
ولكن يشكل عدم وجوب الكفّارة أيضاً لما قلناه.
وحيث لا تجب الكفّارة هنا لا تجب أيضاً مع الشك في دخول الليل، أعني تساوي الاحتمالين بطريق أولى وإن شارك الوهم في عدم جواز الإفطار.
والذي ينبغي وجوب الكفّارة في الموضعين.
ويمكن أن يريد بالوهم هنا معناه اللغوي، وهو يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يريد به الظن فإنّه أحد معانيه، كما نص عليه الجوهري(1) وغيره(2) .
وهذا المعنى مستعمل في النصوص كثيراً، كقوله(عليه السلام) في باب الشك: «إن ذهب وهمك إلى
ص: 523
.........
الثلاث فابن عليه، وإن ذهب وهمك إلى الأربع فابن عليه »(1)إلى آخره، وحينئذ يكون تفصيل المصنّف في اختلاف مراتب الظنّ كتفصيل ابن إدريس، فيجب القضاء مع الظنّ، ولا يجب مع غلبته.
والثاني: أن يريد به الغلط، أي الظلمة المغلطة في دخول الليل حيث يحتمل أو يظنّ دخوله ثم يظهر الخلاف، تقول: وهمت في الشيء - بالكسر - أوهم وهما (2)، إذا غلطت.
وهذا المعنى يشمل الوهم بالمعنى الاصطلاحي والشك والظن، وتبقى غلبة الظن خارجة منه بالتنصيص عليها، وإن دخلت فيه لو لا ذلك.
وهذه المسألة مع ما فيها من الإشكال في الحكم خارجة عن النصوص، وإنما ذكرها جماعة كذلك مطلقة إطلاقاً غير جيد.
ويشكل الفرق فيها بين مراتب الظن في الحكم، فإنّه لا ينضبط على وجه معيّن؛ إذ ما من ظنّ إلا وفوقه ما هو أقوى منه ودونه أدنى؛ لاختلاف الأمارات الموجبة له، والوقوف على أوّل جزءٍ من مراتبه لا يكاد يتحقق، وقد عرفت أنّ الحكم في النصوص معلّق على مطلق الظنّ.
والظاهر أنّ المصنّف يريد بغلبة الظنّ ذلك، وقيد «الغلبة» فيه بياني؛ لأنّه لا يكون إلا كذلك، فإنّه رجحان أحد الطرفين على الآخر. وقد مرّ مثله في الصلاة في باب الشك (3).
وفرّق الشهيد (رحمه الله)في بعض تحقيقاته على هذا المحلّ بين الوهم والظن - مع حكمه باشتراكهما في الرجحان - بأن الوهم ما كان لأمارة غير شرعية، والظن لأمارة شرعية(4) .
وهذا التفسير مع غرابته لا يتحقق له في هذا المقام معنى؛ فإن الأمارة المرجحة للغروب عند تعذر العلم كافية كيف كانت.
والذي يظهر في المسألة حيث لا نص فيها إلا في صورة الظن - على ما فيه - أن المتناول
ص: 524
*وتعمّد القىء، ولو ذرعه لم يفطر،
..............
مع الوهم بالمعنى الاصطلاحي أو مع الشكّ يجب عليه القضاء، سواء انكشف بعد ذلك بقاء النهار أم استمرّ الاشتباه؛ لأصالة بقاء النهار.
ثمَّ إن علم أنّ مثل ذلك لا يجوز الإفطار وجبت عليه الكفارة أيضاً، وإن جهل الحكم بني على حكم الجاهل، وقد تقدم (1).
ولو ظهر بعد ذلك أن الليل كان قد دخل وقت التناول، ففي سقوط القضاء والكفّارة احتمال من مطابقة الواقع في نفس الأمر ، وإقدامه على المخالفة المحرمة وانتهاكه حرمة الصوم.
ويظهر من العلّامة في التذكرة هنا عدم القضاء(2).
ومثله ما لو ظنّ الدخول وله طريق إلى العلم.
ويظهر من المتأخرين أنّه لا كفّارة في هذه الصور، وقد عرفت ما فيه.
والوجهان آتيان فيمن أفطر في يوم يعتقده من شهر رمضان ثم تبيّن أنّه العيد، أو أفطر المسافر قبل تحقق بلوغ الترخص ثمَّ ظهر أنه في محله، أو ظنّ أنّ سفره بعد الزوال فأفطر ثمَّ تبيّن أنّها لم تزل وعدم الكفّارة في الجميع متوجه وإن حصل الإثم.
ولو ظنّ الدخول ولا طريق له إلى العلم جاز له الإفطار، ثمَّ إن تبيّنت المطابقة أو استمر الاشتباه فلا قضاء، وإن ظهرت المخالفة فقولان، أجودهما أنه كذلك.
وإنما خرجنا عن أسلوب الحاشية؛ لأنّ هذه المسألة من المهمات.
قوله: «وتعمّد القيء، ولو ذرعه لم يفطر».
ذرعه القيء أي سبقه بغير اختياره. وإنّما ينتفي الإفطار به إذا لم يبتلع شيئاً مما خرج منه وصار في فضاء الفم اختياراً، فلو ابتلعه كذلك وجب القضاء والكفّارة.
وكذا نفي الكفّارة في صورة التعمّد مشروط بذلك، وإلا كفّر.
وهل هي كفارة واحدة، أم ثلاث بناءً على إيجاب أكل المحرم لها؟ وجهان.
ص: 525
*والحقنة بالمائع،* ودخول الماء إلى الحلق للمتبرد * دون المتمضمض للطهارة، ومعاودة الجنب النوم ثانياً حتى يطلع الفجر ناوياً للغسل .
........
ويمكن الفرق بين المستحيل عن اسم الطعام وغيره.
قوله: «والحقنة بالمائع».
قد سبق أن الأصح تحريمها من غير أن يوجب القضاء (1).
قوله : ودخول الماء إلى الحلق للتبرّد».
أي يوجب القضاء دون الكفّارة. والمراد مع عدم تقصيره في التحفظ، وإلا وجبت الكفّارة.
قوله «دون التمضمض للطهارة».
أطلق المصنّف - كباقي الأصحاب - الطهارة للصلاة من غير فرق بين صلاة الفريضة والنافلة، وعلى هذا الإطلاق دلّت موثقة سماعة(2).
لكن في صحيحة الحلبي أو حسنته الفرق بينهما، وإيجاب القضاء في وضوء صلاة النافلة (3)، وهو حسن .
ولا يخفى أنّ ذلك كله مقيد بما إذا لم يستند السبق إلى تقصيره في التحفظ، وإلا قضى وكفّر.
ولم يذكر المصنف سبق الماء في الاستنشاق؛ لندوره، وعدم النص عليه.
وفي إلحاقه بالمضمضة احتمال متوجه؛ لاشتراكهما في كون الفعل عبادة، ومن أنّه قياس لا نقول به. وتوقف العلّامة في المنتهى (4).
والظاهر عدم القضاء فيه، لا للإلحاق بالمضمضة، بل للإذن في الفعل، وعدم الاختيار في التناول.
ولا يرد مثله في تمضمض النافلة لمعارضة النصّ فيها دونه، وغايته القول بإلحاقه بالمضمضة مطلقاً، أمّا احتمال القضاء مطلقاً فغير متوجه.
ص: 526
*ومَنْ نظر إلى مَنْ يحرم عليه نظرها بشهوة فأمني، قيل: عليه القضاء، وقيل: لا يجب، وهو الأشبه، وكذا لو كانت محلّلةً لم يجب.
فروع :
الأوّل: * لو تمضمض متداوياً، أو طرح في فيه خرزاً أو غيره لغرض صحيح ،فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه، ولو فَعَل ذلك عبثاً، قيل: عليه القضاء، وقيل: لا، وهو الأشبه.
الثاني: ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم * فإن ابتلعه عمداً وجب عليه القضاء، والأشبه القضاء والكفّارة * وفي السهو لا شيء عليه.
.........
وينبغي إلحاق المضمضة لإزالة النجاسة بالصلاة الواجبة، وبه قطع الشهيد (رحمه الله) في الدروس(1) .
قوله: «ومَنْ نظر إلى مَنْ يحرم عليه نظرها - إلى قوله - وهو الأشبه».
قد تقدم أنّ الأصح عدم الوجوب(2)، إلا مع قصد الإمناء أو اعتياده ولا فرق في ذلك بين المحللة والمحرّمة.
قوله: «لو تمضمض متداوياً - إلى قوله - قيل : عليه القضاء، وقيل: لا، وهو الأشبه».
مقتضى الرواية الصحيحة (3) وجوب القضاء هنا بطريق أولى، ولا بأس به.
قوله: «فإن ابتلعه عمداً وجب عليه القضاء، والأشبه القضاء والكفّارة».
ينبغي أن يكون محل الخلاف ما لو ابتلعه جاهلاً بتحريمه، وإلا وجبت الكفّارة قطعاً، لكن الشيخ في الخلاف أطلق القضاء(4)، فكان قولاً وإن ضعف.
قوله: «وفي السهو لا شيء عليه».
إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق بين مَنْ قصر في التخليل وغيره.
ص: 527
الثالث: لا يُفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع ،* وقيل: صبّ الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يُفسده، وفيه تردّد.
الرابع: * لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ولو كان عمداً ما لم ينفصل عن الفم، وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدّى الحلق من غير قصد لم يفسد الصوم، ولو تعمّد ابتلاعه أفسد.
...........
وقيل: إن المقصر في التخليل لو ابتلع شيئاً من الباقي ناسياً يقضي؛ لتفريطه وتعرضه للإفطار(1) . ولا بأس به.
قوله: «وقيل: صبّ الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يفسده، وفيه تردّد».
منشؤه من وصول المفطر إلى الجوف، ومن عدم صدق الأكل والشرب وغيرهما مما ثبت كونه مفطراً، وأصالة البراءة. والأصح عدم الإفساد بذلك.
ومثله ما لو طعن نفسه برمح أو داوى جرحه كذلك، ونحوهما.
والإحليل مخرج البول، وهو ثقبة الذكر.
قوله: «لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة».
هي بضم النون، النخاعة بالضم أيضاً، والمراد بها هنا ما يخرج من الصدر، فإنّ ما يخرج من الدماغ يأتي ذكره (2).
ويُفهم من كلام المصنّف أنّ ذلك لا يُسمّى نخامة؛ إذ لم يقسمها إليهما، وإنّما عطفها عليها باسم آخر، وحينئذ فلا يدخل في النص الدال على جواز ابتلاع النخامة.
وأطلق جماعة من الأصحاب (3)عليها اسم النخامة، وهو الظاهر.
وقد اختلف كلام الأصحاب في النخامتين، فجوّز المصنّف ابتلاع الأولى ما لم يخرج
ص: 528
الخامس:* ما لَهُ طعم كالعلك، قيل : يُفسد الصوم، وقيل: لا يفسده، وهو الأشبه.
السادس: إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لَفَظَهُ، ولو ابتلعه فسد صومه، وعليه مع القضاء الكفّارة.
.......
عن فضاء الفم، كالريق، ومنع من ازدراد الثانية وإن لم تصل إلى الفم.
والشهيد رحمه الله) ساوى بينهما في جواز الازدراد ما لم يصلا إلى فضاء الفم، ومنعه إذا صارتا فيه؛ محتجاً بالرواية عن الصادق(عليه السلام) :« لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته»(1) (2)والعلّامة ألحقهما في المنتهى والتذكرة بالريق، فجوّز ازدرادهما من فضاء الفم؛ محتجاً بالرواية أيضاً(3).
وفي طريقها ضعف، وكلام الشهيد (رحمه الله) أعدل.
إذا تقرر ذلك فإن ابتلع النخامة حيث يحرم، فإن كان من خارج الفم وجبت الكفّارات الثلاث؛ لتحريم تناولها حينئذٍ على غير الصائم، وكذا لو تناول نخامة غيره أو ريقه وإن كان أحد الزوجين.
وما ورد من تسويغ الامتصاص(4) ؛ لا يستلزم الازدراد.
ولو كان التناول من الفم حيث يحرم، ففي وجوب الثلاث أو الواحدة نظر، منشؤه الشكّ في تحريم ذلك على غير الصائم، والمتيقن هو وجوب الواحدة.
قوله: «ما له طعم كالعلك، قيل: يفسد الصوم».
المراد أنّ ما له طعم إذا تغير الريق بطعمه ولم ينفصل منه أجزاء فابتلع الصائم الريق المتغير بطعمه، ففي فساد الصوم به قولان أحدهما الإفساد؛ لأنّ الطعم عرض، فيستحيل عليه الانتقال عن محله، فوجوده في الريق دليل على تحلّل الأجزاء معه.
ص: 529
السابع:* المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر عليه القضاء والكفّارة.
المسألة العاشرة: يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل، ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صومه وعليه الكفّارة ، ولو فَعَل ذلك ظانّاً سعته، *فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شيء، وإن أهمله فعليه القضاء.
[المسألة] الحادية عشرة: * تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب إذا كان في يومين من صوم يتعلق به الكفّارة، وإن كان في يوم واحد، قيل: تتكرر مطلقاً، وقيل: إن تخلله التكفير، وقيل: لا تتكرر، وهو الأشبه، سواء كان من جنس واحدٍ أو مختلفاً.
...........
وجوابه منع الكبرى أو كليتها، وإنما الريق ينفعل بكيفية ذي الطعم بالمجاورة، كما ينفعل الهواء والماء بذي الرائحة.
ونقل العلّامة في المنتهى والتذكرة : أنّ مَنْ لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه مع أنه لا يفطر إجماعاً (1).
قوله: «المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر عليه القضاء والكفّارة».
وجهه ظاهر؛ لثبوت الشهر في حقه فلا يسقط تكليفه به بسقوطه عن غيره، وهو إجماع.
وإنما نبه على خلاف بعض العامة، حيث لم يوجب عليه الصوم بذلك ما لم يثبت شرعاً(2) . قوله: «فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شيء».
لكن يجب عليه المبادرة إلى النزع بنية التخلّص فلو استدام أو نزع بنية الجماع كفّر .
قوله: «تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب إذا كان في يومين» إلى آخره.
لا ريب في تكرّرها مع اختلاف الأيام مطلقاً، وأمّا في اليوم الواحد فالأصح تكرّرها بتكرّر الجماع، ومع تخلّل التكفير، ومع اختلاف النوع الموجب، أما مع اتفاقه فقال
ص: 530
فرع: * مَنْ فَعَل ما تجب به الكفّارة ثمَّ سقط فرض الصوم بسفر أو حيض وشبهه، قيل: تسقط الكفّارة، وقيل: لا، وهو الأشبه.
[ المسألة ]الثانية عشرة: مَنْ أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً، عُزر مرةً، فإن عاد كذلك عُزّر ثانياً،* فإن عاد قتل.
...........
في الدروس: لا تتكرّر قطعاً(1)، وفى المهذب إجماعاً (2).
واختار المحقق الشيخ على تكرّرها مطلقاً(3)، وهو الأصح إن لم يكن قد سبق الإجماع على خلافه.
والأكل والشرب مختلفان، ويتعدّدان بتعدد الازدراد والجماع بالعود بعد النزع.
قوله: «مَنْ فَعَل ما تجب به الكفّارة - إلى قوله - وهو الأشبه».
الأصح عدم سقوط الكفّارة مطلقاً؛ لتحقق فعل ما يوجبها في صوم يوجب ذلك في تلك الحالة، ولانتهاكه حرمة الصوم.
ووجه السقوط أنه صوم غير واجب عليه في علم الله تعالى، وقد انكشف ذلك بتجدد العذر، فلا تجب الكفّارة، كما لو انكشف أنّه من شوّال بالبينة، والفرق بين الأمرين واضح.
وفرّق بعضهم بين ما لو كان المسقط باختياره كالسفر غير الضروري، أو بغير اختياره كالحيض والسفر الضروري، فأسقط الكفّارة بالثاني دون الأول(4).
ومبنى المسألة على قاعدة أصولية، وهي أن المكلف إذا علم فوات شرط الفعل هل يجوز أن يكلف به أم يمتنع ؟ فيه خلاف، فعلى الأوّل تجب الكفّارة، وعلى الثاني تسقط.
قوله: «فإن عاد قُتل».
الأولى قتله في الرابعة، وإنّما يُقتل مع تخلّل التعزير كذلك وإن تكرّر منه الإفطار.
ص: 531
[المسألة] الثالثة عشرة: * مَنْ وطئ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرهاً لها كان عليه كفارتان، ولا كفّارة عليها، فإن طاوعته فسد صومهما وعلى كلّ واحدٍ منهما كفّارة عن نفسه، ويعزر بخمسة وعشرين سوطاً.
*وكذا لو كان الإكراه لأجنبية. وقيل: لا يتحمّل هنا، وهو الأشبه.
.............
قوله: «مَنْ وطئ زوجته ... مكرهاً لها كان عليه كفّارتان».
لا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها، وفي إلحاق أمته بها وجه.
والأصح الاقتصار على مورد النص (1)فلا يتعدّى إليها، ولا إلى الأجنبية، ولا إلى الزوجة المكرهة له، ولا إلى الأجنبى المكره لهما، ولا إلى الزوجة النائمة.
وحيث يتحمّل عنها الكفّارة يتحمّل التعزير فيعزر بخمسين سوطاً.
وقد يجتمع في الحالة الواحدة الإكراه والمطاوعة، كما لو أكرهها ابتداءً ثمَّ طاوعته بعد ذلك فيلزمه حكم الإكراه ويلزمها حكم المطاوعة.
ولا فرق في الإكراه بين المجبورة ومَنْ ضُربت ضرباً مضراً بها حتى مكنت من نفسها -وقد تقدم(2) - خلافاً للشيخ (رحمه الله)؛ حيث فرّق بينهما، وأوجب على المضروبة القضاء(3) ، كالمريض.
قوله: «وكذا لو كان الإكراه لأجنبية. وقيل: لا يتحمّل هنا، وهو الأشبه».
متعلّق النص هو امرأة المكره، قيل: وتلحق بها الأجنبية من باب مفهوم الموافقة(4)، فإنّ تحمّل الكفّارة عن الزوجة تغليظ في الحكم والعقوبة، وهما في المحرم أولى.
ويُضعف بأنّ الكفّارة مسقطة للذنب، أو مخفّفة له غالباً، ومنه سُمّيت كفّارةً، فجاز
ص: 532
[المسألة] الرابعة عشرة: *كلّ مَنْ وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوماً. ولو عجز عن الصوم أصلاً استغفر الله فهو كفارته.
............
اختصاصها بالأمر الأخفّ، ويكون الأثقل مما ينتقم الله به، كما في قتل الصيد عمداً م-ع وجوب الكفّارة فى الخطاً. ومن هنا يُعلم أنّ الكفّارة عن العبادة لا تدل على عظم شأنها على غيرها، فإنّ الصلاة أفضل من الصوم، مع أنه لا كفارة في إفسادها.
قوله: «كلّ مَنْ وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوماً».
هذا مع انحصار الوجوب في الشهرين، أما لو كان مخيراً بينهما وبين غيرهما ككفارة رمضان كان وجوب الثمانية عشر مشروطاً بالعجز عن الخصال الثلاثة؛ عملاً بالنص (1).
والأصح أنه حينئذ يتخيّر بين صوم الثمانية عشر وبين أن يتصدق بما استطاع؛ جمعاً بين خبري زرارة (2) وأبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(3)، وعدم اشتراط التتابع في الثمانية عشر وإن كان أولى.
ولو عجز عن الثمانية عشر أتى بالممكن من الصيام والإطعام، بل قيل بوجوب الإتيان بالممكن من الشهرين حتى لو أمكن صومهما متفرقين وجب(4). وهو ضعيف.
ولو عجز عنهما أصلاً استغفر الله تعالى ناوياً به الكفّارة، فيسقط عنه بعد ذلك وان استطاع.
ويُفهم من قوله «عجز عن الصوم أصلاً بعد إيجاب الثمانية عشر أنّه يجب الإتيان بالممكن كما قلناه.
وقيل: ينتقل بعد العجز عن الثمانية عشر إلى الاستغفار(5) .
ص: 533
[المسألة] الخامسة عشرة : * لو تبرّع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفّارة جاز، لكن يراعى في الصوم الوفاة.
المقصد الثالث في
وهو تسعة أشياء : * النساء تقبيلاً ولمساً وملاعبة،
...........
ويمكن حمل العبارة عليه أيضاً بأن يريد بالمعجز عنه أصلاً ما تقدّم من الشهرين والثمانية عشر.
قوله: «لو تبرع متبرع بالتكفير عمّن وجبت عليه الكفّارة «جاز» إلى آخره.
جواز التكفير عن الميت هو أصح القولين من غير فرق بين خصالها. وأما الحيّ فقيل: هو كذلك(1)، واختاره العلّامة في المختلف (2)؛ لأنه كوفاء الدين.
وعلى القول بالمنع هناك يمتنع هنا بطريق أولى.
ووجهه أنّها عبادة، ومن شأنها أن لا تقبل النيابة.
وكلّيّة الكبرى ممنوعة.
والأولى المنع من التبرع بالصوم مطلقاً، وتوقف غيره على إذن من وجب عليه، لأنّ الوجوب متعلّق به فلا يسقط إلا بفعله أو بفعل نائبه.
قوله: «النساء تقبيلاً ولمساً وملاعبة».
يستثنى من ذلك الشيخ الكبير المالك إرْبَه(3) ، فإنّ ذلك غير مكروه له، وكذا مَنْ لا يحرّك ذلك شهوته روي ذلك عن الصادق(عليه السلام) (4).
ص: 534
* والاكتحال بما فيه صَبِرٌ أو مسك، وإخراج الدم المضعف، ودخول الحمام كذلك، * والسعوط بما لا يتعدى الحلق . وشم الرياحين، ويتأكد في النَّرْجِس والاحتقان بالجامد * وبلّ الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء.
.............
قوله: «والاكتحال بما فيه صَبِرٌ».
هو بفتح الصاد وكسر الباء، ولا يسكن إلا في ضرورة الشعر، هو الدواء المرّ المخصوص.
قوله «والسعوط بما لا يتعدى إلى الحلق».
السعوط - بفتح السين وضم العين - ما يصل إلى الدماغ من الأنف.
قوله: «وشم الرياحين، ويتأكد في النرجس».
الكراهة مخصوصة بالرياحين، فلا يكره الطيب، بل روي استحبابه للصائم وأنه تحفته (1).
والنرجس - بفتح النون وسكون الراء وكسر الجيم - زهر معروف، وعُلّلت كراهته في الأخبار بأنّه ريحان الأعاجم(2)، وذلك أنهم كانوا يشمّونه إذا صاموا؛ لأنه يمسك الجوع.
قوله:«وبل الثوب على الجسد».
ولا يكره للرجل الاستنقاع في الماء وإن كان أقوى منه تبريداً، وإنّما يكره للمرأة والخنثى، بل قيل: إنّ المرأة يلزمها القضاء لو فعلته (3).
قال الحسن بن راشد : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» . قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم»، قلت : من أين جاء ذا؟ قال: «إنّ أوّل مَنْ قاس إبليس»، قلت: والصائم يستنقع في الماء؟ قال: «نعم». قلت: فيبل ثوباً على جسده؟ قال: «لا»، قلت: من أين جاء ذا؟ قال: «من ذاك»(4).
ص: 535
وهو النهار دون الليل ، ولو نذر الصيام ليلاً لم ينعقد ، وكذا لو ضمّه إلى النهار.
ولا يصح صوم العيدين، ولو نذر صومهما لم ينعقد.
* ولو نذر يوماً معيناً فاتفق أحد العيدين لم يصح صومه.
وهل يجب قضاؤه ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه.
* وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى.
وهو العاقل المسلم. فلا يصح صوم الكافر وإن وجب عليه، ولا المجنون، ولا المغمى عليه * وقيل: إذا سبقت من المُغمى عليه النية كان بحكم الصائم، والأول أشبه.
*ويصح صوم الصبي المميز ،
..............
قوله: «ولو نذر يوماً معيناً، فاتفق أحد العيدين لم يصح صومه» إلى آخره.
الأصح عدم وجوب قضائه وإن استحب.
قوله: «وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى».
لا فرق في ذلك بين الناسك وغيره؛ عملاً بإطلاق النص (1).
قوله: «وقيل: إذا سبقت من المغمى عليه النية كان بحكم الصائم».
ما اختاره المصنف هو الأجود.
قوله: «ويصح صوم الصبي المميز».
قد تقدّم أنّ الصحة لا تستلزم كون صومه شرعيّاً (2)، فيمكن وصفه بها دون الشرعي.
ص: 536
*والنائم إذا سبقت منه النيّة ولو استمرّ إلى الليل ولو لم يعقد صومه بالنية مع وجوبه ثمَّ طلع الفجر عليه نائماً واستمرّ حتّى زالت الشمس فعليه القضاء.
.............
ومَنَعها بعض الأصحاب(1) ، كما منع الشرعي.
وقد عرفت(2)أنّ الصحة من خطاب الوضع، وهو لا يتوقف على التكليف.
قوله: «والنائم إذا سبقت منه النية» إلى آخره.
اعلم أنّ النوم غير مزيل للعقل إجماعاً، وإنما يغطّي الحواس الظاهرة ويزيل التمييز، وهو أمرٌ طبيعي سريع الزوال، فلا يخرج المكلف به عن أهلية التكليف، فإذا وقع في عبادة لا يشترط فيها الطهارة الصغرى لم يُبطلها ، كالصوم والاعتكاف والإحرام والسعي والوقوفين وغيرها ، بل الأمر في الصوم أقوى ؛ لأنه أمر عدمي، وهو الإمساك عن الأمور المخصوصة ، كما مر تحقيقه (3)، ومثله الإحرام، وهذا بخلاف الجنون والسكر؛ لأنّهما يُذهبان العقل ويُخرجان عن أهليّة التكليف، فيُبطلان الصوم وغيره من العبادات.
وأما الإغماء فالأصح أنّه بمنزلتهما؛ لأنه يزيل العقل ولا يبقى في دفعه اختيار فيُفسد الصوم أيضاً.
وذهب بعض الأصحاب(4)، إلى أنه لا يُفسده، بل يقع معه صحيحاً مع سبق النية كالنوم.
والفرق بينهما واضح؛ فإنّ النوم جبلة وعادة لا يزيل العقل إجماعاً، ولهذا متى نُبه تنبه، بخلاف الإغماء فإنّه يزيله ويشبه الجنون، فكان حكمه حكمه هنا.
إذا تقرّر ذلك، فلا نعلم خلافاً ممن يعتد به من العامة والخاصة في أنَّ النوم غير مبطل للصوم، ولا مانع منه، ولأنه لو أبطله لحرم النوم على الصائم اختياراً حيث يجب المضي
ص: 537
........
فيه، وهو خلاف الإجماع، وللنصوص الدالة على إباحته بل المجازاة عليه في الآخرة، كما روي: «أنّ نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح»(1).
ونقل عن ابن إدريس أنّ النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيّاً(2) .
وقد عرفت فساده .
فإن قيل: النائم غير مكلّف لأنّه غافل، ولقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «رفع القلم عن ثلاثة وعد منهم النائم حتى يستيقظ »(3)وقد أطبق المحققون في الأصول على استحالة تكليفه، وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل وقت النوم شرعيّاً؛ لأنه غير مكلف به، ويلحقه باقي النهار؛ لأنّ الصوم لا يقبل التجزئة في اليوم الواحد.
وأولى منه ما لو نوى ليلاً ثم نام مجموع النهار.
وهذا يؤيد ما ذكره ابن إدريس، بل يقتضي عدم جواز النوم اختياراً على الوجه المذكور.
قلنا: تكليف النائم والغافل وغيرهما ممّن يفقد شروط التكليف قد يُنظر فيه من حيث الابتداء به، بمعنى توجّه الخطاب إلى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب، وقد يُنظر فيه من حيث الاستدامة، بمعنى أنه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثمَّ عرض له ذلك في الأثناء. والقسم الأوّل لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق، من غير فرق فيه بين أنواع الغفلة، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه وإن أطلقوا الكلام فيه؛ لأنّهم احتجوا عليه بأنّ الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر نحوه، فإنّ هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعاً؛ إذ لا تتوقف صحتها
ص: 538
............
على توجّه الذهن إليها فضلاً عن إيقاعها على الوجه المطلوب، كما سنبينه.
وأما الثاني فالعارض قد يكون مخرجاً عن أهلية الخطاب والتهيؤله أصلاً، كالجنون والإغماء على أصح القولين، وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه، وقد لا يخرج عن ذلك، كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء العقل، وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع من استدامته إذا وقع على وجهه وإن استلزمت إبطاله من حيثية أُخرى، كالنوم المبطل للصلاة لا من حيث هو غفلة ونقص عن فهم الخطاب، بل من حيث نقضه للطهارة التي هي شرط للصلاة.
ومن ثُمَّ لو ابتدأ الصلاة على وجهها ثمَّ عرض له في أثنائها ذهول عنها بحيث أكملها وهو لا يشعر بها، أو نسى وفعل منها شيئاً على غير وجهها، أو ترك بعضها مما هو ليس بركن ونحو ذلك، لم تبطل الصلاة إجماعاً، مع أنه يصدق عليه أنه في حالة النسيان والغفلة غير مكلّفٍ. وكذا القول في الصوم، كما لو ذهل عن كونه صائماً في مجموع النهار مع نية الصوم، بل لو أكل وشرب وجامع ذاهلاً عن الصوم وغير ذلك من المنافيات لم يبطل الصوم إجماعاً، وهي مع مشاركتها للنوم في عدم التكليف حالتها - أعظم منافاة للصوم منه؛ لأنّ حقيقة الصوم - كما قد عرفت - هي الإمساك عن الأشياء المخصوصة، أو توطين النفس على تركها، وقد فاتت على هذا التقدير، بخلاف حالة النوم، فإنّ الإمساك متحقق؛ لأنه أمر عدمي، والتوطين المذكور إنّما يشترط في حالة النية لا في جميع النهار، وهذا من أكبر النواقض على تعريف الصوم بالتوطين المذكور، مضافاً إلى ما أسلفناه في التعريف، وكذا القول في بقية العبادات. وحيث كان النوم غير موجب لزوال العقل، والصوم غير مشروط بالطهارة الصغرى كان وقوعه في النهار كوقوع السهو والغفلة المتقدمين. ولو لا اشتراط الصلاة بالطهارة لما نافاها النوم بعد تحقق نينها ومقارنتها للتكبير، حتى أنّ القائل بأنّ النائم الممكن مقعدته من الأرض لا ينتقض وضوؤه كابن بابويه(1) والشافعي(2) - يلتزم ببقاء الصلاة على الصحة
ص: 539
ولا يصح صوم الحائض ولا النفساء، سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر . * ويصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل .
........
لو وقع النوم في أثنائها على هذا الوجه، كما في حال التشهد أو كون الصلاة في حالة الجلوس.
وقد تلخص من ذلك أن معنى قولهم: يستحيل تكليف النائم والغافل ونحوهما، والخبر الدال على رفع القلم عنه أنه يستحيل ابتداؤهم بالتكليف، أو أنهم لو فعلوا فعلاً في تلك الحالة محرّماً، أو تركوا واجباً لم يؤاخذوا عليه.
وهذا التفصيل وإن لم يصرحوا به في قاعدتهم، لكن استقراء كلامهم بل إجماعهم على هذه الفروع ونظائرها يحققه على أتم وجه.
وحينئذ فلا منافاة بین ذلك وبين الاجتزاء بالفعل الذي ابتدئ على وجهه إذا وقع بعضه في تلك الأحوال خصوصاً الصوم. وكيف يتصوّر كون النوم منافياً له مع بقاء الإمساك عن الأمور المخصوصة، وعدم منافاة الأكل والشرب والجماع وغيرها له، مع ظهور منافاتها له، واشتراك الجميع في وصف الغفلة التي هي مناط إطلاق امتناع التكليف؟!
والحاصل أنّ مقتضي الصحة - وهو النية والبلوغ وكمال العقل والإسلام ونحوها - موجود، والمانع مفقود، واستدامة النية حكماً - بمعنى عدم نية المنافي - حاصلة، فتعين القول بالصحة. وقد ظهر بما حرّرناه ضعف هذا الوهم والله الموفق.
قوله: «ويصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل».
إنّما يشترط في صحة صومها فعل أغسال النهار بالنسبة إلى اليوم الحاضر، أما غسل العشاءين فلا يتوقف عليه الصوم المذكور لسبق انعقاده، فلا يؤثر فيه بعد ذلك.
نعم، هو شرط بالنسبة إلى الصوم المقبل. فإن لم تفعله في محلّه، فلا بد من الغسل قبل الفجر للحدث السابق إن لم يجب عليها غسل آخر للمقبل، وإلا تداخلا.
وحيث وجب عليها غسل فأخلّت به فسد الصوم، ووجب عليها القضاء إجماعاً.
ص: 540
ولا يصح الصوم الواجب من مسافر يلزمه التقصير، إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي، وثمانية عشر يوماً في بدل البَدَنَة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً * والنذر المشروط سفراً و حضراً، على قول مشهور.
* وهل يصوم مندوباً؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وقيل: يكره، وهو الأشبه.
.........
والأقوى عدم الكفّارة.
وكذا الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر .
ولو تعذر الغسل تيمّمت بدلاً عنه وجوباً، فلو تركته وجب القضاء، وعدم الكفّارة هنا أولى.
وكذا يجب على المجنب التيمم لو تعذر الغسل على الأقوى، فلو تركه احتمل وجوب القضاء والكفّارة، كما لو ترك المبدل منه، والقضاء خاصةً؛ للأصل، وعدم لزوم مساواة البدل للمبدل من كل وجه.
قوله: «والنذر المشروط سفراً وحضراً على قول مشهور».
إنما وصفه بالشهرة دون القوة؛ لضعف مستنده ظاهراً، فإنّه خبر(1) مقطوع ضعيف، لكن العمل به متعيّن؛ لعدم القائل بخلافه .
قال العلّامة في المنتهى بعد حكايته عن الشيخين(2): لا نعلم لهما مخالفاً في ذلك(3).
قوله: «وهل يصوم مندوباً؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وقيل: يكره، وهو الأشبه».
الأخبار الصحيحة (4)دالة على المنع من الصوم سفراً من غير تقييد بالواجب.
لكن ورد أخبار مرسلة بجواز المندوب للمسافر(5) ، وعمل بها أكثر الأصحاب حاملين
ص: 541
* ويصح كلّ ذلك ممّن له حكم المقيم.
ولا يصح من الجنب إذا ترك الغسل عامداً مع القدرة حتى يطلع الفجر،* ولو استيقظ جنباً لم ينعقد صومه قضاءً عن رمضان،* وقيل: ولا ندباً، فإن كان في
.............
للأخبار الأول على الكراهة للمندوب؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز.
وقد عرفت ما فيها، إلا أنّ دلائل السنن يتسامح فيها. ويمكن الاحتجاج للجواز بحديث «مَنْ بلغه شيء من أعمال الخير»(1).
وحينئذ فالقول بالكراهة لا بأس به، والمراد كونه أنقص ثواباً من الصوم في الحضر، كنظائره من مكروه العبادة، وحينئذ فلا ينافي أصل الاستحباب.
قوله: «ويصح كلّ ذلك ممّن له حكم المقيم».
وهو من نوى إقامة عشرة في غير بلده أو مضى عليه ثلاثون يوماً متردداً في الإقامة وكثير السفر، والعاصي به.
قوله: «ولو استيقظ جنباً لم ينعقد صومه قضاء عن رمضان».
لا فرق في ذلك بين مَنْ علم بالجنابة ليلاً وتعمّد البقاء عليها ومن لم يعلم بها حتى أصبح؛ لإطلاق النهي في الخبر(2)، ولأنّ القضاء موسع.
نعم، لو تضيق برمضان أمكن جواز القضاء للثاني، كما ينعقد مع ذلك كلّ صوم معين.
وفي حكم القضاء النذر المطلق، والكفّارة قبل التلبس بها.
ولو كان في الأثناء حيث يشترط التتابع، أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان، أجودهما عدم صحة الصوم، ولا يقطع التتابع لعدم التقصير .
قوله: «وقيل: ولا ندبا».
نسبته إلى القول ساكتاً عليه يشعر بتوقفه فيه.
ص: 542
رمضان فصومه صحيح ، وكذا في النذر المعيّن ،* ويصح من المريض ما لم يستضرّ به.
.........
ووجه عدم الجواز أنه غير معين فلم يصح صومه كقضاء رمضان، وأن الجنب غير قابل للصوم في تلك الحال، والصوم لا يتبعض.
و مستند الجواز رواية عبد الله بن بكير عن الصادق(عليه السلام) في الرجل يجنب ثمَّ ينام حتى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعاً ؟ فقال: «أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار؟»(1).
وفي رواية كليب(2)إطلاق الصحة إذا اغتسل، وحملها الشهيد (رحمه الله) على المعين أو الندب (3)، وهو يشعر بتجويزه ذلك.
ويؤيده أيضاً جواز تجديد الندب للعازم على الإفطار خصوصاً بعد الزوال، وهو أيضاً مناف للصوم.
وعدم قابلية الصوم للجنب إنّما يمنع منه حال الجنابة، أمّا بعد الغسل فلا.
ويُمنع عدم تبعض الصوم مطلقاً، كيف وقد تقدّم النص الصحيح بأنّ الناوي بعد الزوال إنّما له من الصوم ما بعد النية (4).
وهذه الأدلة وإن ضعف بعضها إلّا أنّها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفراً، وقد عمل بها المصنّف والجماعة تساهلاً بأدلّة السنن وخبر «مَنْ بلغه شيء من أعمال الخير»(5)يشملها.
قوله: «ويصح من المريض ما لم يستضرّ به».
يتحقق الضرر المجوّز للإفطار بخوف زيادته بسبب الصوم، أو بطء برئه، أو بحصول مشقة شديدة لا يتحمّل مثلها عادةً، أو بحدوث مرض آخر.
ص: 543
مسألتان :
الأولى: * البلوغ الذي يجب معه العبادات الاحتلام، أو الإنبات، أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر، وتسع في النساء.
..........
والمرجع في ذلك إلى ما يجده المريض من نفسه، أو بالتجربة، أو قول طبيب يحصل الظنّ بصدقه وإن كان فاسقاً أو كافراً.
ولو خاف الصحيح حدوث المرض بالصوم، ففي جواز إفطاره كالمريض نظر؛ من حصول المعنى، وورود النص في المريض (1).
قوله: «البلوغ الذي يجب معه العبادات الاحتلام أو الإنبات» إلى آخره.
الخلاف في الأخير ، فقد قيل : إنه يكفي بلوغ ثلاث عشرة (2): استناداً إلى رواية (3) ضعيفة السند.
والمراد ببلوغ تلك السنة إكمالها، لا الدخول فيها وإن كان العرف قد يقضي بأنه بلوغ لتلك السنة.
وقد ورد في بعض الأخبار إكمال خمس عشرة (4)، والمراد بها الهلالية الحقيقية، فلا يكفي التقريب.
ويُعلم السنّ بالبينة والشياع. وهل يكفي قول الأبوين أو الأب؟ احتمال.
ولو شكّ في البلوغ فلا وجوب؛ عملاً بالأصل. ولا يجب التعرّض للجماع لو ظنّ أنّه يمني به. نعم، لو وجد على بدنه أو ثوبه المختص منيّاً حكم ببلوغه مع إمكانه، ولو كان مشتركاً فلا.
ص: 544
الثانية: * يُمرّن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ، ويشدّد عليهما لسبع مع الطاقة.
............
قوله: «يُمرّن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ» إلى آخره.
التمرين تفعيل من المرانة، وهي الصلابة والعادة، يقال: مرن - بالفتح - على الشيء يمرُنُ مُروناً ومَرانةٌ، إذا تعوّده واستمر عليه، ويقال: مرنت يده على العمل إذا صلبت.
والمراد هنا حمل الوليّ للصبي والصبية على الصوم ليعتاده ويصلب عليه فلا يجد فيه مشقة بعد البلوغ. وكذا القول في الصلاة وغيرها من العبادات.
ويُفهم من قوله ويشدّد عليهما السبع أنّهما يؤمران به قبل السبع من غير تشديد مع الطاقة. ورواية معاوية بن وهب عن الصادق(عليه السلام)(1) دالة على عدم التحديد، وكذا مقطوعة سماعة (2).
ولو أطاق بعض النهار فَعَل ؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق(عليه السلام) (3).
ص: 545
وهي أربعة واجب، وندب، ومكروه، ومحظور.
والواجب ستة: صوم شهر رمضان والكفّارات، ودم المتعة، والنذر وما في معناه * والاعتكاف على وجه، وقضاء الواجب.
والكلام فى علامته وشروطه، وأحكامه .
أمّا الأوّل: فيُعلم الشهر برؤية الهلال فمَنْ رأه وجب عليه الصوم ولو انفرد ،برؤيته، وكذا لو شهد فردّت شهادته، وكذا يفطر لو انفرد بهلال شوال، ومَنْ لم يره لا يجب عليه الصوم، إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوماً، • أو يُرى رؤية شائعة ،
..........
قوله: «والاعتكاف على وجه».
كما لو وجب بنذر وشبهه، واليوم الثالث إذا اعتكف يومين ندباً، وما أشبه ذلك.
قوله: «أو يُرى رؤية شائعة».
المراد بالشياع هنا إخبار جماعة بالرؤية تأمن النفس من تواطئهم على الكذب ،ويحصل بإخبارهم الظنّ المتاخم للعلم.
واعتبر العلامة في المنتهى إفادة العلم (1).
ص: 546
فإن لم يتفق ذلك*وشهد شاهدان، قيل: لا تُقبل * وقيل : تُقبل مع العلة، وقيل: تقبل مطلقاً، وهو الأظهر، سواء كانا من البلد أو خارجه، * وإذا رُئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيها أجمع، دون المتباعدة كالعراق وخراسان، بل يلزم حيث رئي.
........
ولا ينحصر ذلك في عددٍ. نعم، يشترط كونهم ثلاثة فما زاد.
ولا فرق بين خبر الكبير والصغير والذكر والأنثى، والمسلم والكافر إذا حصل الوصف.
ومع تحقق الشياع يجب الصوم على مَنْ علم به وإن لم يحكم به حاكم. ولا فرق في ذلك بین هلال رمضان وغيره .
قوله :«وشهد شاهدان» إلى آخره.
الأصح ثبوته بشاهدين عدلين مطلقاً وإن لم يحكم بهما حاكم، بل ولو رد شهادتهما لعدم علمه بحالهما، فإنّه يثبت الهلال عند مَنْ يطّلع على عدالتهما.
ولو شهد الشاهدان على مثلهما أو على الشياع قبل أيضاً.
قوله «وقيل: تُقبل مع العلة».
المراد بالعلة أنّ هناك مانعاً يمنع من رؤية الهلال كغيم ونحوه.
ونبه بقوله «سواء كانا من البلد أو خارجه على قول الشيخ حيث اعتبر شهادة خمسين من البلد في الصحو، أو اثنين من خارج (1).
قوله: «وإذا رُئي في البلاد المتقاربة، كالكوفة وبغداد - إلى قوله - وخراسان».
المراد أنّه إذا رُئي في أحد البلاد المتقاربة ولم يُرَ في الباقي وجب الصوم على الجميع، بخلاف المتباعدة فإنّ لكلّ واحدة منها حكم نفسها، ولا ريب في كون مثل بغداد والكوفة متقاربة، ومثل خراسان والعراق والشام متباعدة، إنّما الكلام في الحد الذي يوجب البعد.
ص: 547
*ولا يثبت بشهادة الواحد على الأصح.
.........
والظاهر أنّ المرجع فيه إلى اختلاف المطالع فإنها هي الموجبة لاختلاف الرؤية، بناءً على ما دلّت عليه البراهين الاعتبارية من أنّ الأرض كروية ، فتختلف المطالع باختلاف ،محالها، وتطلع الكواكب على جهاتها الشرقية قبل طلوعها على الغربية، وكذلك في الغروب، فعلى هذا يمكن أن لا يرى الهلال عند الغروب في البلاد الشرقية لقربه من الشمس، ثمَّ يُرى في تلك الليلة في الغربية لتأخر غروبها، فيحصل التباعد بينهما الموجب للرؤية، وهذا أمر قد شهدت به التجربة فضلاً عن البراهين.
ويتفرع على ذلك ما لو رأى الهلال في بلدٍ ليلة الجمعة - مثلاً - ثم سافر إلى بلدٍ بعيدة شرقية قد رُئي فيها ليلة السبت أو بالعكس فإنه ينتقل حكمه إلى الثاني على أظهر القولين، فيصوم أحداً وثلاثين ويفطر التاسع والعشرين.
ولو أصبح معيداً ثمَّ انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالنية وأجزأه، أو بعده أمسك مع القضاء، ولو انعكس أفطر.
والأولى مراعاة الاحتياط في هذه الفروض؛ لعدم النص، وإنما هي أمور اجتهادية قد فرعها العلماء على هذه المسألة مختلفين فيها.
قوله: «ولا يثبت بشهادة الواحد على الأصح».
خالف في ذلك سلّار (رحمه الله) فاجتزاً بشهادة العدل الواحد في هلال رمضان(1) لا غیر؛ استناداً إلى ظاهر رواية (2)، والمشهور بل الإجماع على خلافه.
وعلى القول به لا يثبت غير الصوم من الأحكام المتعلقة بشهر رمضان، كما لو كان منتهى أجل دَيْنِ أو عدة، أو مدة ظهار، أو نحو ذلك.
نعم، قد يثبت به هلال شوّال تبعاً وإن لم يثبت أصالة، كما لو مضى ثلاثون يوماً بتلك
ص: 548
*ولا بشهادة النساء، * ولا اعتبار بالجدول ،
...........
الشهادة فإنّه يجب الإفطار، ويُحكم بدخول شوّال ووجوب الفطرة وغير ذلك؛ لاستلزام ثبوت وجوب الصوم ذلك.
قوله: «ولا بشهادة النساء».
أي لا يثبت بها الهلال من حيث هي شهادة، وذلك لا ينافي ثبوته بهنّ من جهةٍ أُخرى. كما لو حصل بهنّ الشياع، فإنّ شياعهنَّ معتبر في ذلك كغيرهنّ.
قوله :«ولا اعتبار بالجدول ».
هو حساب مخصوص مأخوذ من تسيير القمر، ومرجعه إلى عد شهر تاماً وشهر ناقصاً في جميع السنة، فيجعل المحرّم ثلاثين وصفر تسعة وعشرين، وهكذا، فيكون شعبان ناقصاً أبداً ورمضان تاماً أبداً.
وهذا الحساب قريب من كلام أهل التقويم، فإنّهم يجعلون الأشهر كذلك في غير السنة الكبيسية، وفيها يجعلون ذا الحجّة تاماً بعد أن كان تسعة وعشرين في غيرها.
ولا اعتبار بذلك كلّه ؛ لعدم ثبوته شرعاً، بل ثبت ما ينافيه.
قال الصادق(عليه السلام):« شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان »(1).
وعن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): مَنْ صدق كاهناً أو منجماً فهو كافر بما أُنزل على محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)» (2).
وأيضاً فأهل التقويم لا يُثبتون أوّل الشهر بمعنى جواز الرؤية، بل بمعنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس ليرتبوا عليه مطالبهم من حركات الكواكب وغيرها، ويعترفون بأنّه قد لا يمكن رؤيته، بل يقولون إن الأغلب عدم إمكان رؤيته تلك الليلة، وقد لا يمكن الثانية أيضاً، ويتفق نادراً أن لا يمكن في الثالثة أيضاً، والشارع علق الأحكام الشرعية على الرؤية، لا على التأخر المذكور.
ص: 549
*ولا بالعدد، * ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق، ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ولا بتطوّقه، * ولا بعد خمسة أيام من أوّل الهلال في الماضية.
.......
قوله :« ولا بالعدد».
المراد بالعدد عد شعبان ناقصاً أبداً وشهر رمضان تاماً أبداً، كما روي في شواذ الأخبار عن الصادق(عليه السلام) (1). وقد يطلق العدد على عد شهر تاماً وشهر ناقصاً في جميع السنة، وعلى عدّ خمسة من هلال الماضية، وعلى عد تسعة وخمسين من هلال رجب، وعلى عدّ كلّ شهرٍ ثلاثين ثلاثين. وإنما خصصنا المنفي بالأول؛ لأنه هو المشهور في تفسيره، ولدخول الثاني في الجدول فانتفي بنفيه، وسيأتي في كلامه ذكر الثالث (2)، والرابع يرجع إلى الجدول أيضاً وإن لم يبين كون الناقص ،شعبان، وأما الخامس فسيأتي في مذهب المصنّف العمل به مع غمّة الشهور (3) ، وكذلك أكثر الأصحاب، فلا يتم إطلاق نفيه.
قوله: «ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ولا بتطوقه».
ذهب بعض الأصحاب إلى ثبوته بذلك(4)، بمعنى أنه لو بقي الهلال إلى أن ذهب الشفق الأحمر حكم به لليلة الماضية، وكذا لو رُئي قبل الزوال يُحكم بأنّ ذلك اليوم منه، وأنه إذا لم يغب حتى تطوّق وتحقق جرمه مستديراً حكم به لليلة الماضية استناداً إلى أخبار شاذة(5) ومعارضة بما هو أصح(6) منها وأشهر.
قوله: «ولا بعد خمسة أيام من أوّل الهلال في الماضية».
بمعنى أنه لو تحقق الهلال في السنة الماضية عدّ من أوله خمسة أيام وصام اليوم
ص: 550
*ويستحبّ صوم الثلاثين من شعبان بنية الندب، فإن انكشف من الشهر أجزاً.
........
الخامس، كما لو أهل في الماضي يوم الأحد فيكون أوّل رمضان الثاني يوم الخميس، وبه روايات(1) لا تبلغ حد الصحة، فلا اعتبار بذلك شرعاً وإن كان الأغلب ذلك في غير السنة الكبيسيّة، وأما فيها فلا بد من عدسيّة.
ويكفي في فساد اعتبار الخمسة عدم تعرّض قولها وروايتها لذلك، فهي مخالفة للشرع والاعتبار.
قوله: «ويستحب صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الندب».
نبه بذلك على خلاف المفيد (رحمه الله)، حيث كره صومه مع الصحو لمن لم يكن صائماً قبله (2)، محتجاً بنهي النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) عن صومه(3).
وقد بين زين العابدين(عليه السلام) ذلك النهي بأنّ المراد به مع صومه بنية رمضان(4) ، فالأصح استحباب صومه مطلقاً. قال الصادق(عليه السلام) : «صمه فإن يك من شعبان كان تطوعاً، وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له»(5).
واعلم أنّ موضع الخلاف إنّما هو مع تحقق كونه شكاً لا مطلق يوم الثلاثين، ولا يتحقق كونه شكاً إلا مع تحدّث الناس برؤيته على وجه لا يثبت، أو شهادة الواحد ونحوه، وبدون ذلك لا يكون شكاً، فلا يتعلّق به حكمه من كراهة صومه ولا استحبابه على
الوجه الوارد.
ص: 551
* ولو صامه بنية رمضان لأمارة، قيل: يجزئه، وقيل: لا، وهو الأشبه، وإن أفطره فأهل شوّال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه، وكذا لو قامت بيّنة برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان.
وكلّ شهر يشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين، * ولو غُمَّت شهور السنة عدكلّ شهرٍ منها ثلاثين، وقيل: يُنقص منها؛ لقضاء العادة بالنقيصة، وقيل: يعمل في ذلك برواية الخمسة، والأوّل أشبه.
...........
قوله: «ولو صامه بنية رمضان لأمارة، قيل: يجزئه، وقيل: لا، وهو الأشبه».
المراد بالأمارة هنا نحو شهادة الواحد والعدد الذي لا يثبت به الشياع.
وقد يراد بها كلّ ما أفاد الظنّ بدخول شهر رمضان وإن كان بحساب ونحوه.
والأصح عدم الإجزاء مطلقاً.
قوله: «ولو غمت شهور السنة عدكلّ شهر منها ثلاثين، وقيل: يُنقص منها؛ لقضاء العادة بالنقيصة» إلى آخره.
الأول هو قول الأكثر؛ لأصالة عدم النقصان.
ويشكل بأنّ ذلك خلاف الواقع في جميع الأزمان وبمنع كون التمام هو الأصل؛ إذ ليس للشهر وظيفة معينة حتى يكون خلافها خارجاً عن الأصل، وإنما المعتبر شرعاً الأهلة وهي محتملة للأمرين.
ويجاب بأنّ معنى الأصل أنّ الشهر المعيّن - كشعبان مثلاً - واقع ثابت ، فالأصل استمراره إلى أن يتحقق زواله ولا يتم ذلك إلا بمضي ثلاثين، وكذا القول في غيره.
أو نقول: إذا حصلت الخفية للهلال - وهو المحاق - فالأصل بقاؤها وعدم إمكان الرؤية إلى أن يتحقق خلافه بمضى الثلاثين.
ولكن ذلك متوجه في الشهرين والثلاثة، أما في جميع السنة كما هو المفروض - ففيه إشكال لبغده، وعدم وجود نظيره، ومن ثُمَّ قال جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد
ص: 552
* ومن كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهراً تغليباً، فإن استمر الاشتباه فهو برئ، وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه، وإن كان قبله قضاه.
............
في الدروس بالرجوع إلى رواية الخمسة (1)، ولا بأس به؛ عملاً بالرواية وقضاء العادة، لكن يبقى الإشكال فيما لو غمّ بعض السنة خاصةً، كما هو الواقع، وحينئذ فعد الثلاثين للشهرين والثلاثة أقوى، وفيما زاد نظر.
وأشار برواية الخمسة إلى ما رواه عمران الزعفراني أنه سأل الصادق أن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى السماء فأي يوم نصوم؟ قال:«أفطر اليوم الذي صمت فيه وصُمْ يوم الخامس» (2).
وعمران مجهول، والرواية مرسلة في طريق وضعيفة في آخر، وغير مقيدة بغمة الجميع، ومحتاجة إلى تقييد الخمسة بغير السنة الكبيسيّة، وفيها ستة، عملاً بالعادة ومقتضى الحساب وأما القول بالنقيصة مطلقاً فليس فيه بيان الناقص، ولكن إحالته على العادة تقربه من رواية الخمسة، والله أعلم.
قوله: «ومَنْ كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهراً تغليباً» إلى آخره.
أراد بالتغليب تحرّي شهرٍ يغلب على ظنه أنه شهر رمضان فيجب عليه صومه، ويلحقه حكم شهر رمضان من وجوب المتابعة، والكفّارة في إفساد يوم منه حيث يجب به، ولحوق أحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة. وفي سقوط الكفّارة - لو تبين بعد ذلك تقدم الشهر أو يوم الإفساد - وجهان تقدّم مثلهما.
ولو لم يظنّ شهراً تخيّر في كلّ سنةٍ شهراً، ويجب بين الشهرين مراعاة المطابقة بين الرمضانين ، ثمَّ إن ظهرت المطابقة أو استمر الاشتباه فلا كلام، ولو ظهر متقدماً لم يجزئ.
ص: 553
ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني، ووقت الإفطار غروب الشمس، وحده ذهاب الحمرة من المشرق.
ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلّي المغرب، إلا أن تنازعه نفسه، أو يكون مَنْ يتوقعه للإفطار.
الثاني في الشروط
وهي قسمان:
وهو سبعة :
البلوغ، وكمال العقل، فلا يجب على الصبي ولا على المجنون، إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر، * ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر وكذا المغمى عليه، وقيل: إن نوى الصوم قبل الإغماء صح، وإلا كان عليه القضاء، والأوّل أشبه.
............
ولو ظهر تقدم البعض اختص بعدم الإجزاء، ولو ظهر متأخراً أجزاً، لكن إن وقع شوّالاً أو ذا الحجة وجب قضاء العيد.
ولو ظهر ناقصاً وشهر رمضان تاماً وجب قضاء يوم آخر أيضاً.
ولو اتفق صيام شهر رمضان تطوعاً فالأقرب الإجزاء.
ولو علم المحبوس الأشهر لكن لم يعلم ابتداء هلالها كان حكمه حكم ما لو غُمّت ،وقد تقدم(1).
قوله: «ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر».
الأظهر أظهر، وكذا المغمى عليه.
ص: 554
والصحة من المرض، فإن برئ قبل الزوال ولم يتناول وجب الصوم، وإن كان تناول أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحباباً ولزمه القضاء.
والإقامة أو حكمها، فلا يجب على المسافر، ولا يصح منه بل يلزمه القضاء،* ولو صام لم يجزئه مع العلم، ويجزئه مع الجهل،* ولو حضر بلده أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشرة كان حكمه حكم المريض في الوجوب وعدمه.
وفي حكم الإقامة كثرة السفر كالمكاري والملاح وشبههما ما لم يحصل لهم الإقامة عشرة أيام.
والخلو من الحيض والنفاس، فلا يجب عليهما، ولا يصح منهما، وعليهما القضاء.
وهو ثلاثة شروط البلوغ، وكمال العقل والإسلام فلا يجب على الصبيّ القضاء إلّا اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره ، وكذا المجنون والكافر وإن وجب عليه، لكن لا يجب القضاء إلا ما أدرك فجره مسلماً، ولو أسلم في أثناء اليوم
.........
قوله: «ولو صام لم يجزئه مع العلم ويجزئه مع الجهل».
المراد أن الجاهل لم يعلم بوجوب الإفطار حتى خرج الوقت، أما لو ذكر في أثناء النهار وجب الإفطار والقضاء.
والناسي هنا كالجاهل وإن افترقا في الصلاة؛ إذ لا يتصوّر إعادة الناسي هنا في الوقت.
قوله: «ولو حضر بلده أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشرة أيام كان حكمه حكم المريض. بمعنى أن نية الإقامة إن حصلت قبل الزوال ولم يتناول وجب عليه تجديد نية الصوم وأجزأه، وإلا فلا، ولو تقدّمت نيّة الإقامة على الوصول كان الاعتبار بالوصول إلى البلد قبل الزوال.
ص: 555
أمسك استحباباً، ويصوم ما يستقبله وجوباً *وقيل: يصوم إذا أسلم قبل الزوال، وإن ترك قضى والأوّل أشبه.
الثالث: ما يلحقه من الأحكام
مَنْ فاته شهر رمضان أو شيء منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه، * وكذا إن فاته لإغماء. وقيل: يقضي ما لم يَنْو قبل إغمائه، والأوّل أظهر.
* ويجب القضاء على المرتد، سواء كان عن فطرة أو عن كفر، والحائض،
...........
وهل يعتبر نفس البلد، أو موضع يسمع فيه أذانها أو يرى جدرانها؟ وجهان تقدما في باب السفر(1) .
قوله: «وقيل: يصوم إذا أسلم قبل الزوال، وإن ترك قضى، والأوّل أشبه».
الأصح الأول؛ لصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق(عليه السلام)(2)، فعلى هذا يكون الكفر من موانع الصحة، كالحيض والنفاس والصغر.
قوله: «وكذا إن فاته لإغماء».
الأصح أنّ المغمى عليه لا قضاء عليه، كالمجنون.
وهذا الحكم وما قبله ليس تكراراً لما قبله في شرائط الوجوب؛ إذ لا ملازمة بين عدم الوجوب وعدم القضاء، بل قد يجب القضاء على مَنْ لا يجب عليه الأداء.
قوله: «ويجب القضاء على المرتدّ سواء كان عن فطرةٍ أو عن كفر».
وجوب القضاء على المرتد عن فطرة مع القول بقبول توبته باطناً كما هو المختار-. ظاهر، فيجب عليه القضاء، ويصح منه فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يحكم عليه ظاهراً
ص: 556
والنفساء،* وكلّ تارك له بعد وجوبه عليه إذا لم يقم مقامه غيره.
* ويستحب الموالاة في القضاء احتياطاً للبراءة.
وقيل: بل يستحبّ التفريق؛ للفرق ؛ وقيل : يتابع في ستة ويفرّق الباقي؛ للرواية، والأوّل أشبه.
وفي هذا الباب مسائل:
الأولى: مَنْ فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض، فإن مات في مرضه لم يُقض عنه وجوبا ويستحب،
...........
بالإسلام. وأما على القول بعدم قبول توبته مطلقاً فيشكل الوجوب، فإنّه تكليف ما لا يطاق، كما أنّ تكليفه بالإسلام مع عدم قبول توبته كذلك ، وكأنّهم يريدون بذلك عقابه عليه في الآخرة.
قوله: «وكلّ تارك له بعد وجوبه عليه إذا لم يقم مقامه غيره».
أراد بذلك إخراج نحو الشيخ والشيخة وذي العطاش ومن استمر به المرض إلى رمضان آخر، فإنّ الفدية تقوم مقام القضاء.
قوله: «ويستحب الموالاة في القضاء احتياطاً للبراءة، وقيل: بل يستحب التفريق؛ للفرق» إلى آخره.
الأصح استحباب المتابعة؛ لصحيحة عبد الله بن سنان(1).
وكما لا تجب المتابعة لا يجب الترتيب، فلو قدم آخره جاز وإن كان تقديم الأوّل فالأوّل هو الأفضل، كما في المتابعة.
وكذا لا ترتيب بين القضاء والكفّارة وإن كانت صوماً.
ص: 557
* وإن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر، وكفّر عن كلّ يوم من السالف بمد من طعام ،
............
قوله: «وإن استمرّ به المرض إلى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر».
هذا هو المشهور، وبه وردت النصوص الصحيحة(1) ، وعليه العمل.
والقول الآخر وجوب قضائه(2)؛ لعموم الآية(3).
ووجوب الجمع بين الخاص والعام يُخرجها عن العموم. وربما قيل بالجمع بين القضاء والفدية؛ عملاً بروايةٍ (4)؛ حملها على الاستحباب أجود.
ولا تتكرّر الفدية بتكرّر السنين. وقطع في التذكرة بالتعدّده(5).
ومحلّها مستحق الزكاة لحاجته ، ولا يجب تعدّده ، وكذا القول في كل فديةٍ تجب هنا.
وهل يتعدى الحكم إلى غير المرض كالسفر المستمر إلى رمضان وغيره؟ توقف فيه المصنّف في المعتبر(6)؛ لعدم النص، والمشاركة في العلة.
وتظهر الفائدة في وجوب الفدية على القادر على القضاء فيترك، وسقوط القضاء عن العاجز.
والأجود وجوب الكفّارة مع التأخير لغير عذر، ووجوب القضاء مع دوام العذر؛ أخذاً للأوّل من مفهوم الموافقة في المريض، وللثاني من عموم الآية(7) ، وبطلان قياس الأضعف على الأقوى.
ص: 558
* وإن برئ بينهما وأخره عازماً على القضاء قضاه ولا كفّارة، وإن تركه تهاوناً قضاه وكفّر عن كل يوم من السالف بمةٍ من طعام.
الثانية: يجب على الوليّ أن يقضي ما فات الميت من صيام واجب، رمضان كان أو غيره، سواء فات لمرض أو غيره.
..........
قوله: «وإن برئ بينهما وأخره عازماً على القضاء قضاه ولا كفارة، وإن تركه تهاوناً قضاه وكفّر» إلى آخره.
هذا التفصيل هو المشهور خصوصاً بين المتأخرين، وفسّروا التهاون بعدم العزم على القضاء، سواء عزم على الترك أم لم يعزم على واحدٍ من الأمرين. وغير المتهاون هو الذي عزم على القضاء في حال السعة وأخر اعتماداً عليها، فلما ضاق الوقت عرض له المانع، كالحيض والمرض والسفر الضروري.
وفي استفادة هذا التفصيل من النصوص نظر.
والذي ذهب إليه الصدوقان(1) ، وقواه في الدروس(2) ودلّت عليه الأخبار الصحيحة كخبر- زرارة ومحمد بن مسلم(3) وغيرهما - وجوب القضاء مع الفدية على مَنْ قدر على القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان الثاني، سواء عزم على القضاء أم لا، وهذا هو الأقوى.
واكتفى ابن إدريس بالقضاء وإن توانى(4) ؛ عملاً بظاهر الآية(5) ، كما مر في المسألة السابقة. والنص (6)يدفعه.
ص: 559
*ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله، إلا ما يفوت بالسفر فإنّه يقضى ولو مات مسافراً على رواية *والوليّ هو أكبر أولاده الذكور.
.........
قوله: «ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله» إلى آخره.
هي رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت، قال: «يُقضى عنه، وإن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها، وكذا المريض» (1).
قيل: والسرّ في وجوب القضاء عن المسافر خاصةً تمكن المسافر من الأداء، وهو أبلغ من التمكن من القضاء، بخلاف المريض والحائض(2) .
ويشكل الفرق في السفر الواجب، ومن ثُمَّ ذهب جماعة من الأصحاب(3) إلى اعتبار التمكن من القضاء في وجوب القضاء عنه - كغيره - ولو بالإقامة في أثناء السفر. وهو الأقوى.
والرواية - مع عدم صحة سندها - يمكن حملها على الاستحباب، أو على الوجوب؛ لكون السفر معصيةٌ وإِن بَعُدَ.
قوله: «والوليّ هو أكبر أولاده الذكور».
هذا هو المشهور بين المتأخرين، والمراد بالأكبر من ليس هناك ذكر أكبر منه فلو لم يخلّف الميت إلا ذكراً واحداً تعلّق به الوجوب.
وهل يشترط في تحمّله بلوغه حين موت أبيه، فلو كان صغيراً لم يجب عليه شيء وإن بلغ أم يراعى الوجوب ببلوغه، فيتعلق به حينئذ؟ قولان.
والمعتبر الأكبر بالسن عند الاشتراك في البلوغ وعدمه، أما لو اختص أحدهما بكبر السن والآخر بالبلوغ بالإنبات أو الاحتلام، ففي تقديم أيهما نظر، أقربه تقديم البالغ.
ص: 560
* ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء.
*ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء، وفيه تردّد.
.........
ولو لم يكن هناك وليُّ بالوصف المذكور لم يجب القضاء على باقي الوراث وإن كانوا أولاداً؛ اقتصاراً في وجوب ما خالف الأصل على موضع الوفاق، ولأنه في مقابلة الحبوة.
وذهب جماعة من القدماء (1)- واختاره الشهيد في الدروس(2)وبعض المتأخرين - إلى وجوب القضاء عند عدم الولد المذكور على كلّ وارث، حتى المعتق وضامن الجريرة والزوج والزوجة، ويُقدّم الأكبر فالأكبر من الذكور ثمَّ الإناث كذلك، وهو أحوط.
قوله: «ولو كان الأكبر أنثى سقط القضاء».
بناءً على ما اختاره من اختصاص الولى بأكبر أولاده الذكور، وعلى القول الآخر يجب عليها القضاء.
قوله: «ولو كان له وليّان أو أولياء متساوون في السنّ تساووا في القضاء، وفيه تردّد».
منشؤه من انتفاء الأكبر في صورة الفرض لاستوائهم في السن، ومن صدقه على الجميع فإنّ كلّ واحدٍ لو انفرد تعلّق به الوجوب فلا يسقط ذلك بانضمام غيره إليه، وهو الأقوى فعلى هذا يقسط عليهم الفائت بالسوية، فإن انكسر منه شيء وجب عليهم كفاية، ويصير عينياً عند عدم قيام أحد به .
ولو كان الفائت من قضاء رمضان فصاماه معاً وأفطرا فيه بعد الزوال ففى وجوب الكفّارة عليهما، أووجوب واحدة بالسوية، أو كونها فرض كفاية كالأصل أوجه أوجهها عدم الكفّارة.
ولو أفطر أحدهما فلا شيء عليه إذا ظنّ بقاء الآخر، وإلّا أثم.
ولو تبرع أحدهما بالجميع أو استأجرا ثالثاً أو أحدهما الآخر فالأقرب الجواز.
ص: 561
*ولو تبرع بالقضاء بعض سقط. * وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردّد.
الثالثة: *إذا لم يكن له ولى أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء، وقيل: يُتصدّق عنه عن كلّ يومٍ بمُةٍ من تركته.
........
قوله «ولو تبرّع بالقضاء بعض سقط».
يمكن أن يريد به تبرع بعض الأولياء المتساوين في السن بناءً على الوجوب عليهم جميعاً، وتبرع أجنبي عن الولي مطلقاً وما هو أعم.
ووجه السقوط حصول المقتضي وهو براءة ذمة الميت من الصوم. ويحتمل عدم الإجزاء؛ لأنّ المكلف به هو الولي فلا يجزئ فعل غيره عنه؛ عملاً بظاهر الآية(1).
ولو صام الأجنبي بإذن الوليّ أو أحد الوليين بإذن الآخر فأولى بالجواز.
قوله: «وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردّد».
منشؤه من اشتراك الذكور والإناث في الأحكام غالباً، وظاهر رواية أبي بصير(2)، ومن أصالة البراءة وانتفاء النص الصريح. والأول أولى، والثاني أقوى.
وحيث لم نوجب على الوارث القضاء، لو أوصى به الميت وجب إنفاذ وصيته وقضاؤه عنه. ولو لم يوص به فالمشهور عدم الوجوب؛ خلافاً لأبي الصلاح حيث جعله كالحج(3).
قوله: «إذا لم يكن له وليّ أو كان الأكبر أُنثى سقط القضاء» إلى آخره.
هذا مبني على اختصاص الولي بالولد الذكر، كما مرّ(4) .
ووجه سقوط القضاء حينئذ أصالة عدم الوجوب.
ص: 562
* ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهراً وتصدق من مال الميت عن شهرٍ.
.........
وأمّا الصدقة فأوجبها الشيخ (1)وجماعة(2)كما ذكر.
وتوقف فيها المصنّف وجعلها قولاً لعدم النصّ الصريح بها على هذا الوجه، فإنّ الموجود في ذلك رواية أبي مريم الأنصاري وهي متضمنة لتقديم الصدقة على قضاء الولي(3) ، وعمل بها المرتضى(4) ، والجماعة لا يقولون بترتيبها.
واعلم أنه متى كان الأكبر أنثى وكان الذكر دونها في السن فالقضاء متعلق به مع بلوغه قطعاً، ومع عدمه عند بلوغه كما مر(5)، وإنما يسقط القضاء مع كون الأكبر أُنثى إذا لم يكن له إلا إناث أو لم يكن له غيرها على ما فسرنا به الأكبر من أن المراد به أنه ليس هناك أكبر سواه.
وهذه الصُوَر كلّها داخلة في عبارة المصنّف ومقتضية لسقوط القضاء في الجميع، وليس كذلك، فكان عليه أن يستثني الأوليين أو الأولى. اللهم إلا أن يذهب المصنّف إلى أن المراد بالوليّ هو الأكبر إن كان ذكراً، وإلا فلا كما يظهر من كلامه هنا، فلا يجب على تقدير كون الأكبر أنثى عليها ولا على الذكر الصغير وإن كان بالغاً، فيتم إطلاقه هنا، إلا أن الأجود الأول.
قوله: «ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهراً وتصدق من مال الميت عن شهر».
لا فرق في الشهرين اللذين على الميت بين كونهما واجبين عليه على التعيين-كالمنذورين، وكفّارة الظهار مع قدرته على الصوم في حال الحياة وعجزه عن العتق- أو على التخيير ككفّارة رمضان على تقدير اختيار الولى الصوم، فإنّ التخيير ينتقل إليه كما كان للميت. وله أن يختار الأعلى من الأصل.
ص: 563
الرابعة:* القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره ،
.......
وهذا الحكم تخفيف على الولي بالصدقة عن أحد الشهرين من مال الميت، مع أن النصوص تقتضي وجوب قضاء الجميع عليه.
ومستند هذا الحكم المستثنى من صُوَر القضاء رواية الوشّاء عن الرضا(عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّةٍ فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأول ويقضي الثاني»(1).
ومقتضى الرواية تحتّم الصدقة عن الشهر الأوّل، فلا يجزئه صوم الشهرين لو أراده، ولا الصدقة عن الثاني.
وذهب بعض الأصحاب إلى تخيير الوليّ بين الصوم والصدقة، كما ذكر. وهو ظاهر المصنّف في النافع (2).
لكن في سند الرواية ضعف، فالقول بتعين صوم الجميع على الولي أقوى. وعلى القول بها يقتصر على موردها فلا يتعدّى إلى غير الشهرين.
قوله: «القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال».
هذا إذا كان الوقت متسعاً، أما لو تضيق برمضان الثاني حرم عليه الإفطار، لكن لا تجب الكفّارة، وكذا لو ظنّ الوفاة قبل فعله بعد ذلك.
والضابط أنّ كلّ مَنْ دخل في صوم واجب غير متعين كقضاء رمضان حيث لا يتضيق، والنذر المطلق وشبهه، والكفارة - فإنّه يجوز له الخروج منه اختياراً، إلا في قضاء رمضان بعد الزوال ولو كان الواجب متعيّناً لم يجز له الخروج منه.
وخالف أبو الصلاح في الأول فأوجب المضي في كل صوم واجب شرع فيه وحرم قطعه مطلقاً(3).
ص: 564
* ويحرم بعده ويجب معه الكفّارة، وهي إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكينٍ مُد من طعام، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام.
الخامسة: * إذا نسي غسل الجنابة ومرّ عليه أيام أو الشهر كلّه، قيل: يقضي الصلاة والصوم، وقيل: يقضي الصلاة حسب، وهو الأشبه.
.........
قوله: «ويحرم بعده ويجب معه الكفّارة».
لا خلاف في تحريم الإفطار بعد الزوال في قضاء رمضان والنصوص (1)واردة به.
وألحق بعض الأصحاب به قضاء كل صوم واجب كالنذر المعين(2)؛ لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)، حيث جعل مناط الحكم قضاء الفريضة(3).
والمشهور الأول.
وحيث يحرم الإفطار يجب المضي فيه وإن فعل المفطر، كرمضان.
والظاهر تكرّر الكفّارة بتكرر السبب، كما مر(4).
وما ذكره من الكفّارة هو المشهور والأصح ، وقيل : إنها كفّارة يمين (5)، وقيل : كفارة رمضان(6).
قوله: «إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيّام أو الشهر كله - إلى قوله - وهو الأشبه». القول بوجوب قضائهما هو الأقوى والأشهر الصحيحة الحلبي عن الصادق(عليه السلام)(7) وغيرها (8).
ص: 565
السادسة: إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائماً، وثبتت الرؤية في الماضية، أفطر وصلّى العيد، وإن كان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة.
.........
ولا فرق في ذلك بين اليوم والأيام وجميع الشهر.
وفي حكم الجنابة الحيض والنفاس، وفي حكم رمضان المنذور المعين.
وما اختاره المصنّف تبعاً لا بن إدريس يتمّ على أصل ابن إدريس من المنع من العمل بخبر الواحد، وكون الطهارة الكبرى ليست شرطاً في الصوم إلا مع العمد(1) ، لا على أصول المصنف، فكان قوله به ضعيفاً.
ولو ترك الغسل كذلك جهلاً بوجوبه للصوم وجب قضاؤه بطريق أولى. وفي وجوب الكفّارة الوجهان .
وبقي في المسألة إشكال، وهو أنه قد تقدّم أن مَنْ نام جنباً أوّل مرّةٍ فأصبح لا يجب عليه القضاء ولا المبادرة إلى الغسل ذلك اليوم لأجل الصوم(2)، فلو ترك الغسل مجموع النهار صح الصوم، فكيف يتم الحكم بصحة الصوم ذلك اليوم مع تعمّد ترك الغسل ووجوب قضائه مع نسيانه ذلك اليوم مع فرض ذكره ليلاً ثم نسيانه إلى انقضاء النهار، حتى لو فرض أنّه نام النومة الأولى وأصبح ناسياً للجنابة فمقتضى ما هنا وجوب قضاء ذلك اليوم، وهو منافٍ للأوّل.
وأجيب بحمل ما هنا على الناسي ليلاً بعد الانتباه، أو على ما عدا النوم الأول على تقدير النسيان بعد فوات محلّ الغسل(3)؛ جمعاً بين النصوص.
ولعلّ مخالفة المصنّف في الحكم هنا لأجل ذلك حيث لم يجد قائلاً بالتفصيل ،ولم يمكن القول بالقضاء مطلقاً؛ لمنافاته ما مرّ(4)، والله أعلم.
ص: 566
وهو اثنا عشر. وينقسم أربعة أقسام:
الأوّل: ما يجب فيه الصوم مع غيره.
وهو كفّارة قتل العمد، فإنّ خصالها الثلاث تجب جميعاً.
*وألحق بذلك مَنْ أفطر على محرَّم في شهر رمضان عامداً على رواية.
الثاني: ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره.
وهو ستة: صوم كفّارة قتل الخطأ، والظهار، والإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وكفّارة اليمين والإفاضة من عرفات عامداً قبل الغروب.
* وفي كفّارة جزاء الصيد تردّد، وتنزيلها على الترتيب أظهر.
.............
قوله: «وألحق بذلك مَنْ أفطر على محرَّم في شهر رمضان عامداً على روايةٍ».
قد تقدّم الكلام في ذلك وأن العمل بالرواية (1)أقوى، وإنما جعله إلحاقاً؛ لأنه لا يقول به أو للخلاف فيه.
قوله: «وفى كفارة جزاء الصيد تردّد، وتنزيلها على الترتيب أظهر».
منشأ الخلاف من دلالة الآية(2) صريحاً على التخيير ويعضدها الرواية الصحيحة عن الصادق(عليه السلام) : أنّ «أو» في القرآن للتخيير حيث وقع(3)، ومن دلالة الرواية عن الصادق(عليه السلام)(4) على الترتيب.
ص: 567
* وأُلحق بهذا كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعررأسها.
الثالث: ما يكون الصائم مخيراً فيه بينه وبين غيره.
وهو خمسة: صوم كفّارة مَنْ أفطر فى يوم من شهر رمضان عامداً، وكفارة خُلف النذر والعهد ، والاعتكاف الواجب ، وكفّارة حلق الرأس في حال الإحرام.
* وأُلحق بهذا كفّارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب.
..........
ولا ريب أن القول بالترتيب أحوط وإن كان القول بالتخيير أقوى.
والمراد بالصيد هنا النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما الحق بها، لا مطلق الصيد؛ لأنّ منه ما هو مرتب قطعاً، كما سيأتي بيانه(1).
قوله: «وألحق بهذا كفّارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده» إلى آخره.
إنما جعل هذه إلحاقاً؛ لأنّ في وجوب الكفّارة فيها خلافاً، فمَنْ أوجبها ألحقها.
والمشهور أن كفارتها كفّارة يمين، فيكون صومها مرتباً على غيره كما ذكر.
والمراد خدش المرأة ونتفها في المصاب، لا في مطلق الأحوال، وإنما أجمله؛ لأن الكلام فيه يأتى فى باب الكفارات (2)، وإنما الغرض هنا مجرد ذكر الصوم.
قوله: «وألحق بهذا كفّارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب».
الكلام في الإلحاق كما مر : لوقوع الخلاف في هذه الكفارة دون ما سبق، فمن أوجبها وجعلها كفّارة رمضان ألحقها بالأقسام الماضية، وإلا فلا، وسيأتي الكلام فيها في محلّها (3).
وكان عليه أن يجعل كفّارة خلف النذر والعهد من الملحق؛ للخلاف فيه، فإنّ مَنْ جعلها كفارة يمين يكون عنده من القسم الثاني، ولعله أدرجها بغير إلحاق تبعاً لحكمه فيها.
ص: 568
الرابع: ما يجب مرتباً على غيره مخيّراً بينه وبين غيره.
*وهو كفارة الواطئ أمَتَه المُحْرِمَة بإذنه.
وكلّ صوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة :صوم النذر المجرّد عن التتابع، وما في معناه من يمينٍ أو عهد، وصوم القضاء، وصوم جزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي .
*وكلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذرٍ بَنَى عند زواله، وإن أفطر لغير عذر استانف إلا ثلاثة مواضع:
[الأول:] مَنْ وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهراً ومن الثاني ولو يوماً بنى، ولو كان قبل ذلك استأنف.
الثاني: ومَنْ وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوماً ثمَّ أفطر لم يبطل صومه وبنى عليه، ولو كان قبل ذلك استأنف.
.......
قوله: «وهو كفّارة الواطئ أمته المُحْرمة بإذنه».
فإنّ كفارته بدنة أو بقرة أو شاة مخيّر في الثلاثة، فإن عجز عن الأوليين فشاة أو صيام ثلاثة أيام، فالصيام فيها مرتب على غيره، وهو البدنة والبقرة ، مخيّر بينه وبين غيره وهو الشاة.
قوله: «وكلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله».
يستثنى من هذه الكلية ثلاثة مواضع: صوم كفّارة اليمين، وقضاء رمضان، وثلاثة (1)الاعتكاف، فإنّ الإفطار في هذه الثلاثة يوجب الاستئناف مطلقاً.
ومتى جاز البناء مع العذر تجب المبادرة إليه بعد زواله على الأصح.
ص: 569
[الثالث ] وفي صوم ثلاثة أيام عن الهدي إن صام يوم التروية وعرفة * ثمّ أفطر يوم النحر، جاز أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق، ولو كان أقل من ذلك استأنف وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار غير العيد استأنف أيضاً.
* والحق به مَنْ وجب عليه شهر في كفّارة قتل الخطأ أو الظهار؛ لكونه مملوكاً، وفيه تردّد.
وكلّ مَنْ وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه.
........
قوله: «ثم أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق» إلى آخره.
ظاهره أنّ التتابع لا ينقطع بالعيد بعد اليومين وإن كان يعلم أن العيد يأتي كذلك، وإطلاق الرواية (1)يدلّ عليه أيضاً.
ويظهر من بعض الأصحاب أن البناء مشروط بما لو ظهر العيد وكان ظنّه يقتضي خلافه، وإلا استأنف (2).
قوله: «وألحق به مَنْ وجب عليه صوم شهر في كفّارة - إلى قوله - وفيه تردد».
الضمير العائد إلى الملحق به يعود إلى ما ذكر ممن وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر.
ووجه التردّد اشتراك الشهرين في الوجوب واشتراط التتابع، فالاكتفاء بالخمسة عشر في الأوّل يوجب إلحاق الثاني؛ للاشتراك، ومن اختصاص النص (3)بالمنذور، فإلحاق غيره به قياس، مع أنّ الأصل يقتضي متابعة الجميع.
وقد يعتنى بإدراجه في النص من حيث وروده فيمن جعل على نفسه شهراً، والجعل يتحقق في الظهار وقتل الخطأ باعتبار فعل السبب. ولا بأس به.
وما قيل من أنّ التردّد هنا في موضعين هذا أحدهما، والآخر التنصيف على العبد؛
ص: 570
*فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان، إلا أن يصوم قبله ولو يوماً، ولا شوّالاً مع يوم من ذي القعدة ويقتصر .*وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم من آخر.
* وقيل: القاتل فى أشهر الحُرُم يصوم شهرين منها ولو دخل فيهما العيد وأيام التشريق، والأوّل أشبه.
..........
إذ يحتمله لمناسبة تنصيف الحدود، وعدمه؛ لعموم النصّ (1)، خروج بالبحث إلى ما لا يقتضيه المقام، ولا يناسب الكلام .
قوله: «فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان، إلا أن يصوم قبله ولو يوماً».
مقتضى الاستثناء أنّه لو فَعَل ذلك صح لسلامة شهر شعبان مع اليوم السابق وهو يقتضي أنّ البدأة بالصوم في أثناء الشهر لا يوجب اعتبار كون الشهر ثلاثين متصلة. وهو أصح القولين في المسألة.
وعلى القول الآخر لا بد في الحكم بالصحة من فرض تمامية شعبان ليسلم له أحد وثلاثون يوماً.
وهذا البحث آت في جميع الآجال والعدة ونحوها.
قوله: «وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم من آخر».
أي لا يصح الاقتصار عليه بمعنى حصول الموالاة؛ لعدم تحقق الشهر واليوم بسبب العيد.
وظاهره أنه لو ضمّ إليه يومين صح كغيره، وليس كذلك؛ لأنّ العيد هنا متوسط فلا يسلم معه العدد، بل لا بد من تتابع شهر ويوم كغيره.
قوله: «وقيل: القاتل في أشهر الحُرُم يصوم شهرين منها ولو دخل فيهما العيد».
المراد أنّه يصوم شهرين من أشهر الحرم، وإن دخل بينهما (2)العيد وأيام التشريق صامها وأجزأت عنه وإن كان صومها محرماً لولا ذلك، وسياق الكلام لا يدل على هذا المعنى، بل
ص: 571
والندب من الصوم * قد لا يختص ،وقتاً، كصيام أيام السنة * فإنّه جُنّة من النار.
...........
على أن تخلّلها لا يقطع التتابع؛ لأنّ البحث إنّما هو عنه، وليس ذلك مراداً.
ولقد كان حق هذه المسألة أن تُذكر عند ذكر تحريم صوم العيد وأيام التشريق، وستأتي الإشارة إليها عنده (1)، لكن لما ذكر أنّ ذا الحجة لا يجزئ مع يوم آخر ناسب حكم المسألة.
ومستند القول رواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)(2) بذلك، وظاهر الرواية تحتم ذلك.
والأصح المنع، والحديث لا دلالة فيه على صومها.
قوله: «قد لا يختص ،وقتاً، كصيام أيام السنة».
لا يخفى أنّ المراد بأيّام السنة غير الواجب منها والمحرَّم؛ لاستحالة اجتماع الوجوب العيني مع الندب كذلك، وكذا التحريم.
ويدخل فيها ما كره صومه؛ إذ يمكن اجتماع المكروه من العبادة والمندوب، فإنّهم لا يريدون بالمكروه منها ما كان تركه أرجح من فعله، كما هو المراد من المكروه بقول مطلق؛ لأنّ العبادة لا تكون إلا راجحة فضلاً عن أن تكون مرجوحة؛ لكونها قربةً، فلا بد فيها من الرجحان، وإنما يريدون بالمكروه فيها ما كان مرجوحاً بالإضافة إلى غيره وإن كان في نفسه راجحاً، ويُعبر عنه بخلاف الأولى، وهو اصطلاح خاص، فعلى هذا يمكن مجامعته للواجب والندب، وينعقد نذره ويثاب عليه.
قوله: «فإنّه جُنّة من النار».
هذا لفظ الحديث النبوي (3) ، والجنّة - بالضم - ما استترت به من سلاح.
والجنّة: السترة، قاله الجوهري(4) .
ص: 572
وقد يختصّص وقتاً، والمؤكد منه أربعة عشر قسماً:* صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، أوّل خميس منه، وآخر خميس، وأوّل أربعاء في العشر الثاني ،
............
والصوم في الحديث أعم من الواجب والندب.
والمراد أنّه موجب للمغفرة والعفو عن الذنب الموجب للنار زيادة على غيره من العبادات، وإلا فكل واجب يقي من النار المستحقة بسبب تركه،وكل مندوب يرجی به تكفير الصغائر الموجبة لها، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾(1) ، فقد ورد أنّ أعمال الخير من الصوم والصلاة وغيرها تكفّر الذنوب الصغائر(2)، فبقي أنّ للصوم خصوصيّةً زائدة على غيره في حصول المغفرة ورفع العذاب لا يحصل في غيره.
ومثله ما ورد في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به»(3).
وقد قيل في وجه اختصاصه بذلك من بين العبادات - مع أن أعمال ابن آدم كلّها لله وكلّ نفعها عائد على فاعلها - وبما تقدّم :
اختصاصه بترك الشهوات ووقوع التقرّب بغيره لغير الله، والتشبه بصفات الإلهية وهي الصمدية، وإيجابه صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية الموجب لحصول المعارف الإلهية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية. وقد قال(عليه السلام): «لا تدخل الحكمة جوفاً مليء طعاماً»،(4) واشتماله على العبادة الخفية التي لا يطلع عليها سوى الله، وهذه الخواص بأجمعها لا توجد في غيره من العبادات وإن وُجد آحادها في آحاده، فاستحق بذلك مزيّة على غيره وإن كان لغيره مزيّة من جهةٍ أخرى (5).
قوله: «صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر» إلى آخره.
ص: 573
ومَنْ أخرها استحب له القضاء، ويجوز تأخيرها اختياراً من الصيف إلى الشتاء، وإن عجز استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مُد من طعام*وصوم أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشروالخامس عشر،
............
كون الثلاثة - هي ما ذكر هو المشهور رواية(1) وفتوى.
وروي: أربعاء بين خميسين ثمَّ خميس بين أربعاءين في الشهر الآخر(2)، وهكذا، وعمل به ابن الجنيد(3) .
وقال أبو الصلاح: الصوم ثلاثة أيام من كلّ شهرٍ خميس في أوّله، وأربعاء في و وسطه، وخميس في آخره(4) .
والكلّ مستحبُّ، غير أنّ الأفضل الأوّل، رواها حمّاد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) وعللها له:
«بأنّ مَنْ قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب ينزل في هذه الأيام، فصامها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ومات على صومها، وقال: إنّهنّ يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر». قال حماد الوحر الوسوسة (5). وتختص هذه الأيام باستحباب قضائها لمن فاتته، ولو قضاها في مثلها حصل على فضيلتي الأداء والقضاء.
قوله: «وصوم أيام البيض».
في الكلام حذف الموصوف تقديره أيّام الليالي البيض، فإنّ العرب سمّواكلّ ثلاث ليال من الشهر باسم، وستوا هذه الليالي بيضاً؛ لبياضها أجمع بضوء القمر، فإنّه يطلع فيها أوّل الليل ولا يغيب حتى يطلع الفجر.
ص: 574
* وصوم يوم الغدير، ويوم مولد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، ومبعثه، ويوم دحو الأرض، * وصوم يوم عرفة لمن لم يضعفه عن الدعاء وتحقق الهلال،
......
ويمكن أن لا يكون في العبارة حذف، بل إضافة الموصوف إلى الصفة، أي الأيام البيض؛ لما ذكره الصدوق(رحمه الله)في كتاب العلل بإسناده إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : «أن آدم(عليه السلام) لما أكل من الشجرة اسود لونه، فلما أراد التوبة عليه ناداه منادٍ من السماء: صم لربّك، فصام هذه الأيام الثلاثة فابيض منه في كل يوم منها ثلث، وذهب سواده في آخرها، فسمّيت أيام البيض؛ لردّ الله تعالى فيها على آدم بياضه في حديث طويل، قال الصدوق (رحمه الله) في آخره:
وإنما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر العلة. وليعلم السبب في ذلك؛ لأن الناس أكثرهم :يقولون: إنّها إنّما سُمّيت بيضاً : لأن لياليها مقمرة(1) .
وعلى هذا التفسير يجوز أن يقال: الأيام البيض بالوصف خلافاً لمن منع منه من أهل اللغة (2)؛ بناءً على التفسير الأوّل.
قوله: «وصوم يوم الغدير، ويوم مولد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومبعثه، ويوم دحو الأرض».
يوم الغدير هو ثامن عشر ذي الحجة، روي أنّ صومه يعدل العبادة من ابتداء الدنيا إلى تقضيها(3). ومولد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) سابع عشر شهر ربيع الأول، ومبعثه سابع عشري(4) ، شهر رجب، ودحو الأرض يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، ومعنى دحو الأرض بسطها من تحت الكعبة.
قوله: «وصوم عرفة لمن لم يضعفه عن الدعاء وتحقق الهلال».
أشار بذلك إلى أنّ استحباب صومه مشروط بشرطين:
أحدهما: أن لا يضعفه عن الدعاء، بمعنى أنه ينقص عمّا هو عازم عليه منه في الكمية أو
ص: 575
* وصوم عاشوراء على وجه الحزن ، * ويوم المباهلة ، وصوم يوم كلّ خميس ،
..........
الكيفية، كمنافاة الخشوع بسبب الجوع والعطش، فإنّ الخشوع وإقبال القلب روح العبادة. وفي هذا دلالة على أنّ الدعاء في ذلك اليوم أفضل من الصوم.
والثاني: أن يتحقق الهلال، بمعنى أن يرى في أول الشهر رؤية لا يحصل فيها التباسر واحتمال كونه لليلة الماضية حذراً من صوم العيد.
وينبغي قراءة «تحقق» بفتح القاف المضعفة وفتح الأخيرة ليكون فعلاً ماضياً معطوفاً على قوله: «لم يضعفه أي لمن اجتمع له الأمران، فيكون الضمير المستكن في الفعل عائداً على الموصول.
قوله: «وصوم عاشوراء على وجه الحزن».
أشار بقوله «على وجه الحزن» إلى أن صومه ليس صوماً معتبراً شرعاً، بل هو إمساك بدون نية الصوم؛ لأنّ صومه متروك ، كما وردت به الرواية (1)، وينبه على ذلك قول الصادق (عليه السلام) :«صمه من غير تبييتٍ وأفطره من غير تشميتٍ، وليكن فطرك بعد العصر» (2)فهو عبارة عن ترك المفطرات اشتغالاً عنها بالحزن والمصيبة.
وينبغي أن يكون الإمساك المذكور بالنية؛ لأنه عبادة.
قوله: «ويوم المباهلة».
وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة، وهو يوم صدقة أمير المؤمنين(عليه السلام) بخاتمه مصلّياً حتى نزلت فيه الآية(3).
وقيل المباهلة هو الخامس والعشرون (4).
ص: 576
وكلّ جمعةٍ ، *وأوّل ذي الحجة، وصوم رجب، وصوم شعبان.
ويستحبّ الإمساك تأديباً وإن لم يكن صوماً في سبعة مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشرةً فما زاد بعد الزوال أو قبله وقد أفطر، وكذا المريض إذا برئ، *وتُمْسِكُ الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، والكافر إذا أسلم، والصبى إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه.
* ولا يجب صوم النافلة بالدخول فيه، وله الإفطار أي وقت شاء، * ويكره بعد الزوال.
والمكروه أربعة:
صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء، ومع الشكّ في الهلال، وصوم النافلة في
.........
قوله: «وأوّل ذي الحجة».
هو مولد إبراهيم الخليل(عليه السلام) روي أنّ صومه يعدل ثمانين شهراً، وصوم التسعة إلى العيد
يعدل صوم الدهر(1).
قوله: «وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا».
وكذا الطاهر إذا حاضت أو نفست.
قوله: «ولا يجب صوم النافلة بالدخول فيه».
وكذا القول في جميع النوافل عدا الحج والعمرة؛ فإنّهما يجبان بالدخول فينوي بباقي أفعالهما بعد الإحرام الوجوب، والاعتكاف على تفصيل يأتي(2).
قوله: «ويكره بعد الزوال».
أي إفطاره اقتراحاً، وإلا فقد لا يكره بل يستحب كالمدعو إلى طعام، وسيأتي.
ص: 577
السفر، عدا ثلاثة أيام بالمدينة للحاجة، * وصوم الضيف نافلة من غير إذن مضيفه، والأظهر أنّه لا ينعقد مع النهى وكذا يكره صوم الولد من غير إذن والده، *والصوم ندباً لمن دعي إلى طعام.
..........
قوله: «وصوم الضيف نافلة من غير إذن مضيفه إلى آخره.
قد اختلف كلام الأصحاب في الضيف والولد، فذهب المصنّف إلى كراهة صومهما بدون الإذن من غير تحريم، وخص التحريم بالضيف مع النهي.
وفي النافع اشترط الإذن في صحة صومهما(1). وكذا أطلق جماعة (2).
وفي الدروس اشترط الإذن في الولد خاصةً، محتجاً برواية هشام بن الحكم(3)، المصرحة بعقوقه من دون الإذن(4).
ورواية الزهري عن زين العابدين(عليه السلام)(5) مطلقة في اشتراط الإذن في الجميع، لكن في طريقها ضعف كرواية هشام، فالأولى حينئذ الكراهة بدون الإذن فيهما.
وكذا يكره صوم المضيف بدون إذن الضيف؛ للرواية (6).
قوله: «والصوم ندباً لمن دعي إلى طعام».
لا فرق بين دعائه في أول النهار وآخره، ولا بين مهيء الطعام له ولغيره، ولا بين من يشق عليه المخالفة وغيره؛ لإطلاق النصّ(7) نعم، يشترط كونه مؤمناً.
والحكمة في أفضليّة الإفطار على الصوم إجابة دعوة المؤمن وإدخال السرور عليه
ص: 578
والمحظور تسعة :
*صوم العيدين، وأيام التشريق لمن كان بمنى على الأشهر، وصوم يوم الثلاثين
.........
وعدم ردّ قوله، لا مجرد كونه أكلاً.
وقد روى داود الرقى عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه قال: «لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفاً أو تسعين ضعفاً»(1).
وروى جميل بن درّاج عنه(عليه السلام) : «مَنْ دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يُعْلِمْهُ بصومه فَيمُنَّ عليه كتب الله له صوم سنة»(2).
قوله: «صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى على الأشهر».
يمكن كون الخلاف إشارة إلى ما تقدم من الخلاف(3)في أن القاتل في أشهر الحرم يجوز له صوم العيدين وأيام التشريق في كفّارته، كما رواه زرارة(4)، فتكون المسألة مكرّرة.
وروى إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام)صيام أيام التشريق بدلاً من الهدي (5).
ويظهر من بعض الأصحاب أنّ به قائلاً، فيجوز الإشارة بالأشهر إلى خلافه.
ويمكن أن يعود إلى ما دلّ عليه إطلاق الحكم لمن كان بمنى، فيكون إشارة إلى خلاف مَنْ شرط في تحريم أيام التشريق كونه ناسكاً(6)، فلا يحرم صومها على غيره وإن كان بمنى وقد تقدم أيضاً الكلام فيه (7).
ص: 579
من شعبان بنية الفرض، *وصوم نذر المعصية، *وصوم الصمت،* وصوم الوصال، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر، وقيل: هو أن يصوم يومين مع ليلةٍ بينهما،* وأن تصوم المرأة ندباً بغير إذن زوجها أو مع نهيه لها، وكذا المملوك،
.........
ويظهر من المصنّف في النافع أنّ الخلاف إشارة إلى الأوّل؛ لأنه عقبه بقوله «وقيل: القاتل» إلى آخره (1).
قوله: «وصوم نذر المعصية».
كأن ينذر الصوم عند فعله المحرَّم شكراً، أو تركه الطاعة كذلك، أو فعلها زجراً، أو ترك المحرم كذلك.
ولو قصد في الأولين الزجر ، وفي الأخيرين الشكر كان النذر طاعة.
والفارق بين الطاعة والمعصية في الجميع النية.
وحيث لم ينعقد النذر فأوقع الصوم مع حصول الشرط على ذلك الوجه كان محرَّماً.
قوله: «وصوم الصمت».
هو أن ينوي الصوم ساكتاً، فإنه محرَّم في شرعنا وإن كان ترك الكلام في جميع النهار صائماً غير محرم مع عدم ضمه إلى الصوم في النية.
قوله: «وصوم الوصال، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر» إلى آخره.
المشهور عندنا من التفسيرين هو الأول، والأجود تحققه بالتفسيرين.
وإنما يحرم مع نية ذلك، أما لو أخر الصائم عشاء، ولم يكن قد نوى ذلك في الابتداء لم يحرم.
وكذا لو ترك الإفطار ليلاً.
قوله: «وصوم المرأة ندباً بغير إذن زوجها أو مع نهيه لها، وكذا المملوك».
ما اختاره المصنف هنا هو الأجود، ولا فرق في الزوجة بين كون الزوج حاضراً أو غائباً.
ص: 580
*وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني.
............
ولا في المملوك بين أن يضعفه عن حق مولاه أو لا.
قوله: «وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني».
المستثنى ستة: المنذور سفراً وحضراً، والثلاثة في بدل الهدي، والثمانية عشر في بدل البدنة، وصوم كثير السفر، وناوي الإقامة عشراً، والعاصي به، وفي كفّارة الصيد قول (1).
ص: 581
وفيه مسائل :
الاولى:* المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به الزيادة بالصوم، ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنّه لأمارة، كقول عارف ولو صام مع تحقق الضرر متكلّفاً، قضاه .
الثانية: المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب،* ولو صام عالماً بوجوبه قضاه، وإن كان جاهلاً لم يقض.
.........
قوله: «المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به الزيادة بالصوم».
تصدق الزيادة بزيادة المرض وزيادة مدة بقائه، وهو بطء برئه، والأمر فيهما كذلك.
ويكفي في العارف الذي يجوز الرجوع إليه دعواه ذلك مع ظنّ صدقه وإن كان كافراً.
قوله: «ولو صام عالماً بوجوبه قضاه، ولو كان جاهلاً لم يقض».
لا إشكال في القضاء على العالم بالوجوب حالة الصوم، وعدمه على الجاهل بأصل وجوب الإفطار، وإنّما الكلام في الناسي فإنّ الأكثر لم يتعرضوا له هنا.
وفي اللمعة ألحقه بالعامد(1) وهو أولى وقد تقدم ذكره.
ولو علما في أثناء النهار أفطرا وقضيا قطعاً.
ص: 582
الثالثة: الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم،* ويزيد على ذلك تبييت النية، وقيل: لا يعتبر ، بل يكفي خروجه قبل الزوال، وقيل: لا يعتبر أيضاً، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب، والأول أشبه.
*وكلّ سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم، وبالعكس، إلا لصيد التجارة على قول.
..............
قوله: «ويزيد على ذلك تبييت النية».
أي نية السفر ليلاً، فلو طرأت نهاراً وسافر لم يفطر ذلك اليوم مطلقاً.
والقول الأوسط أعدل فيجب الإفطار مع خروجه قبل الزوال بحيث يتجاوز حدود البلد - وهو موضع خفاء الجدران والأذان - قبله، ولا اعتبار بأوّل الخروج.
وقد أورد على القول باعتبار تبييت نية السفر أنّ نية الصوم ليلاً واجبة ليتحقق كونه صائماً، فيحكم عليه بوجوب الإفطار بعد الشروع في السفر، ونيّة السفر ليلاً مضادة له، فلو اعتبر تبييت نية السفر امتنع اعتبار تبييت نية الصوم عليه؛ لأنه حاضر مكلف به، فامتنع القول باعتبار تبييت نيّة السفر(1).
ويجاب بمنع كون نية السفر ليلاً على هذا الوجه - وهو كونه يخرج نهاراً - منافية لنية الصوم؛ لأن نية السفر غير كافية في جواز الإفطار، بل لا بد معها من الخروج إلى السفر بل من مجاوزة الحدود معه فقبل حصول الشرط واجتماع شرائط وجوب الصوم من التكليف ونحوه تجب نية الصوم إلى أن يتحقق المبطل له، فإنّ من الممكن عدم السفر وإن نواه ليلاً إمّا اقتراحاً أو لمانع، فعلى هذا يجب على مبيت السفر نية الصوم جازماً ؛ عملاً بالاستصحاب؛ لعدم المعارض له الأن، وإن كان أيضاً جازماً بالسفر في ثاني الحال، فإذا سافر بالفعل لزمه حكمه.
قوله: «وكلّ سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم وبالعكس» إلى آخره.
يستثنى من الكلّية الثانية نية السفر في مواضع التخيير الأربعة، فإن قصر الصلاة فيها غير متعيّن، بخلاف الصوم.
ص: 583
الرابعة: الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفراً يلزمهم الصوم، وهم الذين سفرهم أكثر من حضرهم *ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام في بلده أو غيره،وقيل: يلزمهم الإتمام مطلقا، عدا المكاري .
الخامسة :*لا يفطر المسافر حتى يتوارى عنه جدران بلده أو يخفى أذانه ،* فلو أفطر قبل ذلك، كان عليه مع القضاء الكفّارة.
...........
ويمكن تكلّف الغني عن الاستثناء بالتزام كون قصر الصلاة في هذه الأربعة واجباً تخييراً بينه وبين التمام؛ لأن الواجب - وهو الصلاة - لا يتأدّى إلا بأحدهما، فيكون كلّ واحدٍ منهما موصوفاً بالوجوب، كالجهر والإخفات في بسملة القراءة الواجبة الإخفاتية. وقد تقدم الكلام فيها مراراً.
ولا يجوز أن يحمل العكس المذكور على الاصطلاحي - وهو العكس المستوي لتكون القضيّة فيه جزئيّةً؛ لأنّ المعكوس موجبة كلّيّة فلا ينافيه خروج بعض الأفراد؛ لأنّ الاستثناء الذي بعده يدلّ على كلّيّة العكس، لأنه استثناء منه، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فتعين إرادة العكس اللغوي والقول المذكور - وهو قصر الصوم، دون الصلاة في سفر التجارة - هو المشهور، والأجود القصر فيهما.
قوله: «ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام إلى آخره.
قد سبق الكلام في ذلك مستوفي في قصر الصلاة(1)، وأنّه لا فرق بين المكاري وغيره ،وأنّ إقامة العشرة في غير البلد لا بد فيها من النية، وإلا لم تعتبر.
قوله: «لا يفطر(2) المسافر حتى يتوارى عنه جدران بلده أو يخفى أذانه».
قد تقدّم أنّ الأقوى اعتبار خفائهما معاً في الذهاب والعود(3)، وحكم البلد الذي لزمه فيه الإتمام حكم بلده في ذلك.
قوله: : «فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفّارة».
ص: 584
السادسة:* الهمّ والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كلّ يومٍ بمُةٍ من طعام، ثمَّ إن أمكن القضاء وجب، وإلا سقط .
وقيل: إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير كما يسقط الصوم. وإن أطاقا بمشقة كفّرا، والأوّل أظهر.
.............
لا إشكال في وجوب الكفّارة بالإفطار قبل الخفاء؛ لإفساده صوماً واجباً من شهر رمضان، ولا يقدح في هذا الوجوب ما بعده من السفر؛ لعدم وقوعه حالة الإفساد، وإنما هو متجدّد، ومن الممكن أن يرجع عن السفر قبل الخفاء وبعد الإفساد فتستقر الكفّارة، وإنما الكلام في ثبوتها بعد الخفاء ووجوب الإفطار، وقد تقدّم الخلاف في ذلك(1)، وأن الأقوى عدم سقوطها بذلك، وهو موافق لما هنا.
وفي بعض النسخ: قيل: كان عليه مع القضاء الكفّارة» فحكاه قولاً مشعراً بتردّده في حكمه، وهومخالف لما تقدم، فكان تركه أولى، ليتفق كلاماه، ويجوز أن يكون رجع عن ذلك الترجيح.
والتحقيق أنّ هذا القيل هنا يفسد المعنى؛ لأنّ موضوع المسألة الأكل قبل الخفاء، وهذا لا إشكال في إيجابه الكفّارة كما مرّ. وسقوطها بتجدد الخفاء وعدمه غير مذكور هنا، وقد تقدم الكلام فيه، فتكون المسألتان متغايرتين موضوعاً.
ولا يخفى أن ذلك كله مع العلم بتحريم الإفطار، فلو أكل ناسياً لم يكن عليه شيء.
وفي الجاهل الوجهان .
قوله: «الهِم والكبيرة وذو العُطاش يفطرون ... ويتصدقون» إلى آخره.
العُطاش - بضمّ أوّله - داء لا يروى صاحبه، ولا يتمكن من ترك شرب الماء طويلاً.
والأقوى في حكمه وحكم الشيخ والكبيرة أنهم إن عجزوا عن الصوم أصلاً بحيث خرجوا عن حد القدرة عليه ولو بمشقة شديدة، سقط عنهم أداءً وقضاء ولا كفارة، وإن
ص: 585
السابعة: * الحامل المُقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان، وتقضيان مع الصدقة عن كلّ يومٍ بمُةٍ من طعامٍ.
الثامنة: مَنْ نام في رمضان واستمرّ ،نومه فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه، وإن لم ينو فعليه القضاء.
.........
أطاقوه بمشقة شديدة لا يتحمّل مثلها عادةً فعليهم الكفارة للإفطار عن كلّ يوم بمد.
وهل يجب على ذي العطاش الاقتصار من الشرب على ما يسدّ به الرمق أم يجوز له التملّي من الشرب وغيره ؟ رواية عمار مصرحة بالأوّل(1)، واختاره بعض الأصحاب(2) ، ولا ريب أنه أحوط. وفي التذكرة اختار الثاني، وَجَعَله ممّا لا ينبغي(3).
هذا كله إذا كان العطاش ممّا لا يرجى برؤه، وإلا وجب القضاء مع التمكن والأولى وجوب الفدية معه.
قوله: «الحامل المُقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار - إلى قوله - بمد من طعام».
هذا إذا خافتا على الولد، أما لو خافتا على أنفسهما فالمشهور أنهما تفطران وتقضيان ولا كفّارة كالمريض وكلّ مَنْ خاف على نفسه والنصوص(4) ، مطلقة في الحكم الأوّل.
ولا فرق في ذلك بين الخوف لجوع أو عطش، ولا بين كون الولد من النسب أو من الرضاع، ولا بين المستأجرة والمتبرعة.
نعم لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل على الطفل ضرر، فالأجود عدم جواز الإفطار؛ لعدم تحقق الخوف على الولد هذا مع تبرّع القائم أو أخذه ما تأخذه الأ.
ص: 586
والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء، سواء عرض ذلك أياماً أو بعض يوم * وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه.
التاسعة: * مَنْ يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملّي من الطعام والشراب، وكذا الجماع، وقيل: يحرم، والأوّل أشبه.
..............
ومتى جاز لها الإفطار وجب؛ لأنه دافع للضرر والفدية من مالها وإن كان لها زوج.
والمراد بالطعام في جميع هذه المسائل هو الواجب في الكفارات ومصرفه مصرفها، ولا يجب فيه التعدّد.
قوله: «وسواء سبقت منهما نية أو لم تسبق - إلى قوله - على الأشبه».
نبه بذلك على خلاف الشيخ رحمه الله في المبسوط، حيث أوجب القضاء بالإخلال بالنية للصوم من المجنون والمغمى عليه وبمعالجتهما بالمفطر إذا بلغ الحلق(1)
ومختار المصنّف واضح؛ لانتفاء التكليف عنهما، وثبوت الفرق بينهما وبين النائم - وقد تقدم(2) - وانتفاء اختيارهما في المعالجة بالمفطر، بل هما في ذلك كمن وُجر في حلقه الطعام فلا يجب القضاء لو فرض وجوبه عليهما بدونه .
قوله: «مَنْ يسوغ له الإفطار ... يكره له التملّى، وكذا الجماع وقيل يحرم، والأول أشبه».
يدخل فيمن يسوغ له الإفطار الشيخ والشيخة والحامل والمرضع وذو العطاش.
ولا خلاف في غير ذي العطاش في جميع ذلك، عدا الجماع، فقد قيل بتحريمه(3)، والأصح العدم. وضمير «يحرم» في القول المحكيّ يعود إلى الجماع، لا إلى جميع ما سبق منه ومن التملي؛ إذ لا خلاف في جواز غير الجماع كما قلناه والله الموفق.
ص: 587
ص: 588
والكلام فيه، وفي أقسامه، وأحكامه.
* الاعتكاف هو اللبث المتطاول للعبادة.
.........
كتاب الاعتكاف
قوله: «الاعتكاف هو اللبث المتطاول للعبادة».
هذا التعريف ليس بجيد؛ لأنه يدخل فيه مطلق اللبث الطويل لأجلها، سواء كان في مسجد أم في غيره، صائماً أم غير صائم، بنية الاعتكاف وعدمها، وليس كلّ ذلك اعتكافاً.
وقد عرّفه العلّامة بأنّه لبث مخصوص للعبادة(1) .
وهو تعريف جيد؛ لأن المخصوص يخرج منه ما ليس بمرادٍ وإن كان موجباً للإجمال.
وعرفه الشهيد (رحمه الله) بأنه اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعداً صائماً للعبادة(2).
وقد أزال الإبهام ورفع الإجمال إلا أن ذكر شرائط المحدود في الحد معيب، ولكنه لما وجد(3)الحقيقة إنما تنكشف بذكرها أدخلها، كما يعرف بالأمور العرضية إذا كانت كاشفةً عن الحقيقة.
ص: 589
* ولا يصح إلا من مكلّفٍ مسلم.
وشرائطه ستة:
وتجب فيه نية القربة، ثمَّ إن كان منذوراً نواه واجباً، وإن كان مندوبا نوى الندب.
* وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر، وجدد نية الوجوب.
...........
وأيضاً فجعل الصوم حالاً من اللابث المدلول عليه التزاماً يقتضي تخصيص اللبث بحالة الصوم؛ لأنّ ذلك هو مقتضى الحال، فإنّه وصف لصاحبه، لأنّ التقدير هو اللبث ثلاثة أيام في حالة كونه صائماً، فلا تدخل الليالي في الاعتكاف، ولا يغني عنه قوله: «ثلاثة أيام لأنّ اليوم يطلق على النهار خاصةً، خصوصاً عنده، فإنه لا يوجب دخول الليلة الأولى فيه(1)، كما سيأتي.
وينتقض في طرده أيضاً باللبث في المسجد ثلاثة أيام صائماً لأجل طلب العلم أو قراءة القرآن أو غيرهما من العبادات من غير أن يقصد الاعتكاف، فإنّه يصدق عليه التعريف وليس باعتكاف، فلا بد من قيد اللبث بالمخصوص ونحوه، ومع ذكره يستغنى عن بقية القيود، فيصير التعريف الأوسط أوسط .
قوله: «ولا يصح إلا من مكلّفٍ مسلم».
أما اشتراط الإسلام فظاهر؛ لأنه عبادة يتوقف على الصوم واللبث في المساجد والقربة ،وكلّها متعدّرة من الكافر.
وأما اشتراط التكليف فيبنى على أن أفعال الصبي المميز ليست شرعيّة، فلا توصف بالصحة، وقد تقدّم في كلامه أنّ صومه صحيح شرعي(2) ، فليكن الاعتكاف كذلك.
والأجود صحته من المميز تمريناً على العبادة، كغيره.
قوله: «وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر وجدد نيّة الوجوب».
ص: 590
فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم ممّن يصح منه، فإن اعتكف في العيدين لم يصح ، وكذا لو اعتكف الحائض والنفساء.
.......
ما اختاره المصنّف هو الأجود. وهو القول الوسط، وله طرفان:
أحدهما: وجوبه بالشروع فيه كالحج، وهو قول الشيخ رحمه الله في المبسوط(1) .
والثاني: عدم الوجوب مطلقاً.
واستند الأوّل إلى الروايات (2)الدالّة عليه، لكنّها ليست نقيّة في طريقها، والثاني إلى إطلاق وجوب الكفّارة بفعل موجبها فيه، وحمل على الواجب جمعاً، والثالث إلى أصالة عدم الوجوب، والقدح في الأخبار الدالة عليه.
إذا تقرّر ذلك فمحل التجديد - على القول بالوجوب - عند تحققه، وهو غروب اليوم الثاني ، فتكون النية بعد الغروب ؛ لأنّه وقت المخاطبة به؛ إذ لا وجوب قبله حتى ينوي.
ويحتمل كونها قبل الغروب بلحظة ليتقدّم على الفعل الواجب كما هو شأنها، ولئلا يخلو جزء منه بغير نية (3).
قوله: «الصوم، فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم».
المعتبر كون المعتكف صائماً، سواء كان الصوم لأجل الاعتكاف أم لا، فيجوز جعله في صيام مستحق وإن كان قد نذر الاعتكاف.
نعم، لا يصح جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوباً؛ للتنافي بين وجوب المضيّ على الاعتكاف الواجب، وجواز قطع الصوم المندوب.
ص: 591
* لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة ، فمَنْ نذر اعتكافاً مطلقاً وجب عليه أن يأتي بثلاثة.
قوله: «لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة ، فمن نذر اعتكافاً مطلقاً وجب عليه أن يأتي بثلاثة».
لا خلاف عندنا في أن أقل الاعتكاف ثلاثة أيام، إنّما الكلام في مسمّى هذه الأيام، هل هو النهار ؛ لأنّه المعروف منها عند الإطلاق لغةً (1)واستعمالاً حتى في القرآن الكريم ؛ لقوله تعالى: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَنِيَةَ أَيَّامٍ﴾ (2) . أم المركب منه ومن الليل ؛ لاستعماله شرعاً فيهما أيضاً في بعض الموارد، ولدخوله في اليومين الأخيرين؛ فعلى الأوّل مبدأ الثلاثة طلوع الفجر، وعلى الثاني الغروب والنصوص مطلقة(3)، وكذا كثير من عبارات الأصحاب.
واختار المصنف في المعتبر والشهيد في الدروس الأوّل(4) . ورجح العلّامة (5)وجماعة الثاني، وهو أولى. وأكمل منه أن يجمع بين النية عند الغروب وقبل الفجر.
ومن فروعه ما لو نذر اعتكافاً مطلقاً، فإنّه ينصرف إلى ثلاثة أيام؛ لأنّها أقل ما يمكن جعله اعتكافاً، ومبدؤها الغروب أو الفجر على الخلاف.
ولو عين زماناً كرجب والعشر الأخير من شهر رمضان ونحو ذلك، دخلت الليلة الأولى وإن لم نقل بدخولها ثُمَّ على الأقوى.
والفرق أنّ الشهر والعشر اسم مركب من جميع الزمان المعين الشامل لليل والنهار. بخلاف اليوم؛ فإن فيه الإشكال.
ولا بد من إدخال لحظة بعد اليوم الثالث من باب المقدّمة مطلقاً، ومن لحظةٍ أخرى سابقةٍ
ص: 592
* وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح ذلك اليوم.
و من ابتدأ اعتكافاً مندوباً كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع ،
......
في المنذور وجوباً، وفي المندوب شرطاً ليتحقق الزمان المقدر، فإطلاق الثلاثة الأصالة، فلا ينافي الزائد بحسب المقدمة.
قوله: «وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح ذلك اليوم».
لا وجه لتخصيص اليوم بالقضاء، بل متى وجب عليه اعتكاف يوم بنذرٍ، إما لكونه لم ينذر سواه ولم ينف الزائد، أو لكونه نذر أربعة فاعتكف منها ثلاثة متتالية وأخر عنها الرابع ونحو ذلك، فإنّه يضم إليه يومين ليتحقق معه أقل زمان الاعتكاف، وكذا لو وجب عليه يومان أضاف إليهما ثالثاً.
ولو أُريد القضاء اللغوي - وهو الإتيان - دخل الجميع. ويتخير بين تقديم الزائد على الواجب وتأخيره عنه وتوسيطه، فإذا كان الواجب يوماً فأخّر عنه اليومين نوى بهما الوجوب وكذا إن وسطه بينهما ؛ لأنّ صحة الواجب مقيّدة بفعلهما فيجبان لذلك.
وأما لو قدمهما جاز أن ينوي بهما الوجوب أيضاً من باب مقدمة الواجب، وأن ينوي بهما الندب؛ لعدم تعيّن الزمان لذلك، والواجب يحصل مع الندب؛ لأن الشرط تحقق الثلاثة.
لكن يبقى فيه إشكال، وهو أنّ اعتكاف اليومين المندوبين يوجب الثالث بهذا السبب ،فلا يجزئ عن ذلك الواجب؛ لأصالة عدم تداخل المسببات عند اختلاف الأسباب.
ولو نوى بالأوّل الندب وجعل ما في ذمته وسطاً، زال الإشكال.
ويبقى فيهما إشكال آخر، وهو الصوم ندباً لمن في ذمته واجب، فإنّ فيه خلافاً.
وإنما يصح الفرضان لو قلنا بجوازه.
والأصح العدم؛ للنصوص الصحيحة (1)الدالة عليه، وحينئذ فينوي الوجوب فيهما، سواء قدمهما أم أخرهما أم وسطه بينهما، وسيأتي في ذلك بحث آخر(2).
ص: 593
فإن اعتكف يومين وجب الثالث * وكذا لو اعتكف ثلاثة ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس.
ولو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين لم يصح.
*ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها قيل يصح، وقيل: لا؛ لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم.
.........
قوله: «وكذا لو اعتكف ثلاثةً ثمَّ اعتكف يومين بعدها وجب السادس ».
هذا مبني على وجوب الثالث، فإن لم نوجبه لم يجب السادس بطريق أولى، وإن أو جبناه وجب ثالث كلّ ثلاثة بعده، أما السادس فهو منصوص في خبر أبي عبيدة عن الباقر(عليه السلام) (1)، وأما ما بعده فلعدم القائل بالفرق.
ونقل الشهيد(2)( رحمه الله) عن شيخه عميد الدين (رحمه الله) الميل إلى عدم وجوب السادس وإن أوجبنا الثالث؛ معتذراً له بالوقوف على مورد النص، والتمسك بالأصل، وكأنه يريد بالنص خبر محمّد بن مسلم (3)، فإنّه مختص بالثالث، وإلا فخبر أبي عبيدة مصرح بوجوب السادس أيضاً.
قوله: «ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها، قيل: يصح، وقيل: لا؛ لأنه يخرجه عن قيد الاعتكاف فيبطل(4) اعتكاف ذلك اليوم».
القول بالصحة للشيخ (رحمه الله)(5) وهو مبني على أنّ الليل لا يدخل في مسمّى اليوم،
ص: 594
...........
فإذا نذر ثلاثة أيام لم تدخل لياليها إلا مع ملاحظة إدخالها ، كأن يقول: العشر الأواخر ونحوه، فيلزمه الليالي أيضاً، وألحق بذلك ما لو قال: ثلاثة أيام متتابعة، فإنّه يلزمه الليلتان ليتحقق التتابع، وحيث لم تدخل الليالي في الإطلاق المذكور ويصح الاعتكاف بدونها عنده
يصح أيضاً لو صرّح بإخراجها - كما حكاه عنه المصنف - بطريق أولى.
ووجه دخول الليالي المتوسطة ما أشار إليه المصنف (رحمه الله) بقوله: «لأنه يخرجه عن قيد الاعتكاف »إلى آخره، وبيانه إن الليالي إذا لم تدخل في الاعتكاف تخرج منه بدخول الليل، فيجوز الخروج عنه وفعل ما ينافيه فينقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره، ويصير منفرداً، فلو صح ذلك لصح اعتكاف أقل من ثلاثة، وهو باطل إجماعاً، وذلك يستلزم بطلان اعتكاف ذلك اليوم والليل وإن لم يدخل في مسمّى اليوم، لكنّه هنا يدخل تبعاً لتتحقق الثلاثة المتوالية، ومن ثُمَّ لا يوجب مخرج الليل إلا الليلتين المتوسطتين.
فإن قيل: يمكن تحقق التوالي باعتكاف النهار خاصةً، ولا يخرجه خروج الليل عن اسم الموالاة كما تتحقق الموالاة في الصوم مع خروج الليل إجماعاً.
قلنا: فرق بين الاعتكاف والصوم، فإنّ الاعتكاف يتحقق ليلاً ونهاراً، ومن ثُمَّ لو صرّح بإدخال الليالي أو أتى بلفظ يستلزم إدخالها دخلت كما مرّ، فإذا لم تدخل الليالي كان قد فرّق الاعتكاف فلا يكون متتالياً، بخلاف الصوم فإنّه لما لم يتحقق في الليل تعين حمل الموالاة فيه على توالي نهار الأيام خاصةً لامتناع غيره.
والحاصل أنّ الأصل في الموالاة متابعة الفعل الموصوف بها بعضه لبعض بحسب الإمكان، فلما أمكن في الاعتكاف دخول الليالي المتخلّلة لم تتحقق الموالاة بدونها، ولمّا لم يمكن ذلك في الصوم حمل على أقرب أحوال الإمكان، وهو متابعة النهار في جملة الأيام بعضه البعض، وحينئذ فلا يصح إخراج الليالي عن الاعتكاف بوجه.
ص: 595
* ولا يجب التوالى فيما نذره من الزيادة على الثلاثة، بل لا بد أن يعتكف ثلاثةٌ ثلاثة فما زاد، إلا أن يشترط التتابع لفظاً أو معنى.
..........
قوله: «ولا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة» إلى آخره.
إذا نذر اعتكاف أيام معينة فإما أن يعين مع ذلك زمانها كرجب أو لا، وعلى التقديرين إما أن يشترط فيها التتابع أو لا، فالصور أربع:
الأولى: أن يعين الزمان ويشترط التتابع كاعتكاف رجب متتابعاً، وهذا القسم يُسمّى المتتابع لفظاً ومعنى، أمّا اللفظ فظاهر؛ لتصريحه بكونه متتابعاً، وأما المعنى فلأن اعتكاف رجب لا يتحقق إلا مع متابعته؛ لأنه اسم مركب من الأيام المذكورة، فإذا أخل ببعضه لم يتحقق المركب.
الثانية: أن يعيّن الزمان ولا يشترط فيه التتابع، وهو المتتابع معنى فقط.
ولا بد في هاتين الصورتين من كون الزمان مطابقاً للأيام المنذورة، فلو نذر اعتكاف عشرة أيام في رجب لم يكن من هذا الباب وإن كان الزمان متعيّناً من وجه.
الثالثة: أن لا يعيّن الزمان مع اشتراط التتابع، كما لو نذر اعتكاف ستة أيام متتابعة، وهذا هو المتتابع لفظاً فقط.
الرابعة: أن لا يعينه ولا يشترط التتابع كستة أيام، وهذا غير متتابع لفظاً ولا معنى.
إذا تقرر ذلك فنقول: إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب كونها متتابعةً؛ لأنّها أقلّ عددٍ يتحقق معه الاعتكاف .
ولو نذر أزيد من ثلاثة، فإن كانت متوالية لفظاً أو معنى أو هما وجب موالاة الجميع، وإن انتفى الأمران معاً جاز جمعها وتفريقها ثلاثة ثلاثة فصاعداً، فإن بقي أقل من ثلاثة جاز تفريقه عنها أيضاً، ويجب أن يضيف إليه ما يكمل به الثلاثة، كما مرّ، هذا هو المشهور.
وللعلامة (رحمه الله) قول بعدم وجوب كون الثلاثة ابتداءً من النذر المعين، بل الواجب كونها ثلاثة معتكفاً فيها متوالية، فيجوز أن يعتكف يوماً عن نذره ثم يضم إليه يومين من غيره أو مندوبين إن جوزناه لمن عليه صوم واجب، فيكون حكمه هنا حكم ما لو نذر أن يعتكف
ص: 596
* فلا يصح إلا في مسجد جامع، وقيل: لا يصح إلا في المساجد الأربعة: مسجد مكة ومسجد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ومسجد الجامع بالكوفة ومسجد البصرة، وقائلٌ جَعَل موضعه مسجد المدائن.
........
يوماً وسكت عن الزيادة، فلا فرق حينئذ بين الثلاثة والزائد إذا لم تكن متتابعةً بأحد الوصفين(1) .
ويمكن أن يقال بجواز ضم اليومين المندوبين إليه وإن منعنا من الصوم المندوب لمن عليه صوم واجب؛ لأن نذر الاعتكاف يستلزم فعله في صوم واجب لا وجوب الصوم لأجله - وقد تقدمت الإشارة إليه(2)- فلا يتحقق من إطلاق نذر الاعتكاف وجوب الصوم حتى يمتنع المندوب.
وفي التذكرة أطلق جواز ضمّ المندوبين إليه مع أنه منع فيها من الصوم المندوب لمن عليه واجب(3). وهو يؤيد ما ذكرناه.
قوله: «فلا يصح إلا في مسجد جامع» إلى آخره.
الأصح جوازه في كلّ مسجد جامع، كما اختاره المصنف؛ لدلالة النصوص (4)عليه، و ما استدل به على تلك الأقوال غير منافٍ لما ذكرناه.
والمراد بالجامع المسجد الذي يجمع فيه في البلد جمعة أو جماعة، ولو تعدّد في البلد جاز في الجميع، ويخرج نحو مسجد القبيلة فإنّه لا يُسمّى جامعاً وإن صلّي فيه جماعةً.
والقول باشتراط المساجد الأربعة، أو إضافة مسجد المدائن إليها، أو حذف البصرة وعده موضعه وإن كان مشهوراً بين الأصحاب إلا أن مستنده غير صريح فيه، فلا يخصص الآية (5)والأخبار الأخرى(6).
ص: 597
*وضابطه: كلّ مسجد جمع فيه نبي أو وصيّ جماعةً ومنهم مَنْ قال: جمعةً.
* ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
كالمولى لعبده، والزوج لزوجته، وإذا أذن مَنْ له
..........
والقائل بإبدال مسجد المدائن بمسجد البصرة هو عليّ بن بابویه (رحمه الله).(1) وجوزه ولده في الخمسة(2)، ولم يحكه المصنف.
قوله: «وضابطه: كلّ مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة، وقيل: جمعة».
هذا الضابط لأصحاب القولين الأخيرين.
وفائدة الاختلاف بين الجمعة والجماعة تظهر في مسجد المدائن؛ لما روي أنّ الحسن(عليه السلام) صلّى فيه جماعة(3)لا جمعة، وعلى هذا فقول الصدوق أوضح من قول والده؛ لأنّ صلاة علي(عليه السلام) في مسجد البصرة(4) أشهر من صلاة الحسن(عليه السلام) في مسجد المدائن، فضلاً عن أن تكون مساويةً، فكان اعتبار الخمسة أولى إن لم يشترط الجمعة، وإلا فالأربعة الأولى.
قوله: «ويستوي في ذلك الرجل والمرأة».
أي يستويان في اشتراط اعتكافهما بالمسجد الجامع أو المساجد المخصوصة، ولا خلاف في ذلك عندنا، وإنّما نبه به على خلاف بعض العامة حيث جوّز للمرأة الاعتكاف في مسجد بیتها(5) .
قوله: «إذن مَنْ له ولاية كالمولى لعبده والزوج لزوجته».
لا إشكال في اشتراط الإذن في هذين؛ لمنافاة الاعتكاف للخدمة المستحقة على العبد والاستمتاع المستحق على الزوجة، وإنّما الكلام في اعتبار إذن مَنْ يعتبر إذنه في الصوم، كالولد والضيف؛ إذ لا نص هنا على الخصوص.
ص: 598
ولاية كان له المنع قبل الشروع . وبعده ما لم يمض يومان، أو يكون واجباً بنذرٍ وشبهه.
فرعان:
الأول: المملوك . إذا ها يأه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه وإن لم يأذن له مولاه .
.............
والحق أن ذلك إن وقع في صوم مندوب بني على ما تقدم، وأولى بالمنع هنا، وإن وقع في غیره کصوم شهر رمضان فالأقوى عدم اشتراط الإذن؛ لعدم الدليل الدال عليه.
وأطلق الشهيد (رحمه الله) في الدروس اشتراط إذن الأب من غير نقل خلافٍ، وقرّب توقف الضيف والأجير على الاستئذان (1).
والحكم في الأجير واضح إذا كان خاصاً، دون الضيف، إلا أن يكون الاعتكاف متوقفاً على صوم مندوب فيبني حكمه وحكم الولد والضيف أيضاً على ما تقدّم في الصوم (2)، إلا أنّ هذا خروج عن توقف الاعتكاف لذاته.
وكلام المصنّف هنا محتمل للأمرين؛ لإطلاقه إذن من له الولاية، وإن كان إلى الاختصاص بالأوّلين أقرب.
قوله: «وبعده ما لم يمض يومان أو يكون واجباً بنذرٍ وشبهه».
إطلاقه عدم توقف الواجب على الإذن يقتضي عدم الفرق بين الواجب المعين والمطلق الذي وقته متسع كالنذر المطلق. وقيل: يجوز للولي المنع هنا إلى وقت الضيق(3).
والأوّل أقوى.
قوله: «إذا ها ياه مولاه كان له الاعتكاف في أيامه وإن لم يأذن له مولاه».
هذا إذا كانت المهايأة تفي بأقل مدة الاعتكاف، ولم يضعفه الاعتكاف عن الخدمة في
ص: 599
الثاني: * إذا أعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضي فيه، إلا أن يكون شرع بإذن المولى.
فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه، طوعاً خرج أو كرهاً، فإن لم يمض ثلاثة أيام بطل الاعتكاف، وإن مضت فهي صحيحة إلى حين خروجه.
..........
نوبة المولى، ولم يكن الاعتكاف بصوم مندوب، وإلا لم يجز إلا بالإذن.
وشرط بعضهم رابعاً، وهو أن لا ينهاه المولى، وإلا لم يجز(1).
قوله: «إذا أعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضي فيه، إلا أن يكون شرع بإذن المولى ».
مقتضى الاستثناء من النفي أنه لو شرع فيه بإذن المولى لزمه المضي فيه، ولا يتم ذلك مطلقاً، بل مع وجوبه بنذر وشبهه أو مضي يومين.
قوله: «استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه طوعاً خرج أو كرهاً».
يتحقق الخروج من المسجد بخروج جزء من بدن المعتكف عنه.
وهل يتحقق بصعود سطحه من داخل ؟ قولان.
وهُما آتيان في صعوده للجنب من خارج .
واختار الشهيد عدم دخول السطح في مسمّاه(2). واختلف كلام الفاضل(3) .
وإنّما يتحقق الإبطال مع الخروج طوعاً وكرهاً مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفاً، وإلا بطل مع الاختيار خاصة؛ لأن المكره معذور.
ص: 600
* ولو نذر اعتكاف أيام معيّنة ثم خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع ويستأنف.
*ويجوز الخروج للأمور الضرورية،
..........
ومن العذر خروجه لدعوى باطل أو حق هو عاجز عنه، ولو قدر على أدائه بطل اعتكافه بمجرد الخروج.
قوله: «ولو نذر اعتكاف أيّام معيّنة - إلى قوله - ويستأنف».
المراد بالتعيين حصرها في زمان معين كالعشرة الأولى من رجب، وقد عرفت أن مثل ذلك يقتضي التتابع معنى، فقوله «إن شرط التتابع يريد به شرطه لفظاً مع كونه متتابعاً معنى.
ووجه الاستئناف إخلاله بالصفة المشترطة، فيجب قضاؤه كذلك.
ولو لم يكن قد شرط التتابع لم يبطل ما فَعَل وسيأتي (1).
وما اختاره هنا من الاستئناف قول الشيخ (رحمه الله)(2) وجماعة(3) .
والأصح أنه يأتي بما بقي من الأيام، ويقضي ما أهمل وما مضى إن قصر عن ثلاثة. وإلا فلا.
نعم، لو كانت الأيام المشروطة التتابع مطلقة، كعشرة أيام متتابعة، وجب الاستئناف متتابعاً.
ثم إن كان الخروج في المعين اختياراً وجبت الكفارة، وإلا فلا.
قوله: «ويجوز الخروج للأمور الضرورية».
من الأمور الضرورية الخروج لشراء المأكول وتحصيل المشروب إذا لم يكن له من يأتيه بهما.
ص: 601
* كقضاء الحاجة * والاغتسال .
.........
ولو كان عليه في الأكل فيه غضاضة جاز الخروج له، بخلاف الشرب؛ إذ لا غضاضة فيه، ولا يُعد تركه من المروءة بخلاف الأكل.
والضابط جواز الخروج إلى كلّ ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد بحسب حاله.
قوله: «كقضاء الحاجة».
أراد بالحاجة هنا التخلّي، كما يشعر به عطف الاغتسال عليها مع أنه من جملة الحاجة.
ويجوز أن يريد مطلق الحاجة ويكون الاغتسال من باب عطف الخاص على العام، أو الاغتسال المندوب، فإنّه غير محتاج إليه.
ولا فرق في الحاجة بالمعنى الثانى بين أن تكون له أو لغيره من المؤمنين.
ويجب تحرّي أقرب الطرق والمواضع التي تصلح لقضاء الحاجة بحسب حاله، والعود متى زالت الضرورة، فإن توانى بطل.
ولو خرج عن كونه معتكفاً لطول الحاجة بطل مطلقاً.
قال في التذكرة :
لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها، ولم يجز له التجاوز، إلا أن يجد غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام فيحصل له مشقة بدخولها، فيجوز العدول إلى منزله وإن كان أبعد. ولو بذل له صديق منزله وهو قريب من المسجد لقضاء الحاجة لم يلزمه الإجابة؛ لما فيه من المشقة بالاحتشام، بل يمضي إلى منزل نفسه، سواء كان قريباً أم بعيداً، متفاحشاً أم غير متفاحش، إلا أن يخرج بالبعد عن مسمى الاعتكاف (1). انتهى.
ولا بأس به.
قوله «والاغتسال».
قيده في التذكرة بكونه للاحتلام (2)، فلا يجوز الخروج للغسل المندوب، وهو أولى.
ص: 602
* وشهادة الجنازة، * وعود المرضى وتشييع المؤمن . وإقامة الشهادة.
............
وفي حكم الاحتلام غسل المرأة للاستحاضة، فإنه يجوز لها الاعتكاف، وتخرج للغسل. ولو أمكنهما الغسل في المسجد على وجه لا يوجب تلويثه بالنجاسة جاز ، وفي تعينه نظر.
قوله: «وشهادة الجنازة».
للصلاة عليها وتشييعها ودفنها وشرط في التذكرة تعيّن ذلك عليه، فلا يجوز الخروج بدونه(1) . والنصوص(2)مطلقة، وفي صحيحة الحلبي: «لا يخرج إلا لجنازة أو يعود مريضاً»(3). وجواز العيادة يوجب جواز أحكام الميت بطريق أولى، فإنّ العيادة ليست واجبة بوجه، مضافاً إلى إطلاق استثناء الجنازة.
قوله: «وعود المرضى وتشييع المؤمن».
لم يقيد المرضى بالإيمان كما صنع في التشييع؛ تبعاً للنصوص(4) الدالة عليه. وكذا وردت في قضاء الحاجة مقيّدة به(5)، وفي بعضها حاجة المسلم(6).
ويمكن حمل المطلق على المقيد بخلاف المريض فإنّه لم يوجد فيه تقييد يوجب حمل ما أُطلق عليه.
قوله: «وإقامة الشهادة».
لا فرق في الجواز هنا بين أن يتعين عليه وعدمه ولا بين كونه قد تحمّلها متعيّناً عليه
ص: 603
* وإذا خرج لشيءٍ من ذلك لم يجز له الجلوس ولا المشي تحت الظلال، *ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة فإنّه يصلّى بها أين شاء.
* ولو خرج من المسجد ساهياً لم يبطل اعتكافه.
............
وغيره؛ لأنّ أداءها عند الحاكم واجب في الجملة لكن بشرط عدم إمكان إقامتها بدون الخروج، وإلا لم يجز.
وفي حكم الإقامة التحمّل؛ لوجوبه أيضاً على الأقوى. وقد يجمع قضاء حاجة مؤمن.
قوله: «وإذا خرج لشيءٍ من ذلك لم يجز له الجلوس ولا المشي تحت الظلال».
أطلق المصنف وجماعة (1) تحريم المشي تحت الظلال، والموجود في النصوص هو الجلوس تحت الظلال(2)، وأما المشي تحتها فلا تعرّض له، ولا ريب أن ما ذكره الجماعة أحوط وإن كان الوقوف مع النص أقوى، وهو خيرة المختلف(3).
هذا كله مع الاختيار، أما لو اضطر إليه بأن لا يكون له طريق سواه - وإن بعد - جاز، وكذا القول في الجلوس.
قوله: «ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة».
هذا إذا لم يتضيق الوقت عن فعلها في المسجد، وإلا صلاها حيث أمكن، ولا يبطل اعتكافه بذلك؛ لأنه قد صار ضرورياً فيكون معذوراً فيه، كما يمضي إلى صلاة الجمعة لو أقيمت بغيره وإن كان في ابتداء الخروج هنا لم تكن الضرورة حاصلة.
قوله: «ولو خرج من المسجد ساهياً لم يبطل اعتكافه».
هذا إذا لم يطل الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفاً، وإلا بطل وإن انتفى الإثم، وحيث
ص: 604
فروع :
[ الأول : ] * إذا نذر اعتكاف شهر معيّن ولم يشترط التتابع، فاعتكف بعضه وأخلّ بالباقي صح ما فعل وقضى ما أهمل، ولو تلفظ فيه بالتتابع استأنف.
الثاني: إذا نذر اعتکاف شهر معيّن *ولم يعلم به حتّى خرج كالمحبوس أو الناسي - قضاء.
...........
لا يبطل يجب عليه المبادرة حين الذكر، فلو أخر لحظة اختياراً بطل.
قوله: «إذا نذر اعتكاف شهرٍ معين ولم يشترط التتابع فاعتكف بعضه وأخل بالباقي، صح ما فعل وقضى ما أهمل، ولو تلفظ فيه بالتتابع استأنف».
أراد أنّه لم يشترط التتابع لفظاً، كما يدلّ عليه قوله في قسيمه «ولو تلفظ فيه بالتتابع» وإلا فنذر الشهر المعيّن يوجب اشتراط التتابع معنى، كما مرّ (1).
وأراد بقضاء ما أهمل تداركه، فإنّه قد يبقى من الشهر المنذور بقية، فلا يكون فعلها قضاء اصطلاحاً.
ولا يجب التتابع فيما يبقى منه بعد انقضاء الشهر المنذور وإن كانت المتابعة واجبة في الأداء.
وإنّما يصح ما فعل إذا كان ثلاثة فصاعداً، وإلا قضى الجميع.
ثمَّ إن كان إخلاله بالباقي عمداً وجب مع التدارك الكفارة.
والأصح أن الحكم في مشروط التتابع لفظاً كذلك، فيتدارك ما بقي من الشهر ويقضي ما حكم ببطلانه وإن لم يكن متتابعاً، كما مرّ.
قوله: «ولم يعلم به حتى خرج ... قضاه».
لا إشكال في قضائه مع العلم بفواته، لكن لو لم يعلم هل فات أم لا، لنسيانه أو غمّة
ص: 605
الثالث: إذا نذر اعتكاف أربعة أيام * فأخل بيوم قضاه، لكن يفتقر أن يضم إليه آخرين ليصح الإتيان به.
الرابع: * إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد، ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيدٍ صح، ويضيف إليه آخرين.
وأمّا أقسامه: فإنّه ينقسم إلى واجب وندب.
فالواجب ما وجب بنذر وشبهه والمندوب ما تبرع به، فالأول يجب بالشروع ،والثاني لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان فيجب الثالث، وقيل: لا يجب، والأوّل أظهر.
..............
الشهور على المحبوس، فهل يكون الحكم فيه كرمضان في التخيير والتفصيل؟ الظاهر ذلك، واختاره في الدروس(1).
قوله:« فأخلّ بيوم قضاه، لكن يفتقر أن يضم إليه يومين(2) ».
الحكم في اليومين كما مرّ في جواز تقديمهما عليه وتأخيرهما(3)، ونيّة الوجوب في الثاني، والتخيير بينه وبين الندب في الأول. ولو كان المنذور خمسة وجب أن يضم إليها سادساً، سواء أفرد اليومين أم ضمّهما إلى الثلاثة.
ولو اعتكف منها أربعةً وأفرد يوماً ضمّ إليه يومين كما مر(4) .
قوله: «إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد».
المراد أنه جعل نفي الزيادة قيداً في اعتكاف اليوم، أي ملاحظاً فيه عدم الزيادة.
ص: 606
* ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أيّ وقت شاء ولا قضاء ،ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.
............
أما لو جعله قيداً فى النذر خاصةً بمعنى أنه نذره لا غير، فإن ذلك جائز ، ويضم إليه آخرين.
وقد نبه على حكم الثاني بقوله بعده« لو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صح، ويضيف إليه آخرين».
قوله: «ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء إلى قوله - إذا قطعه».
اعلم أنّ الاشتراط فى الاعتكاف بأن يحله حيث حبسه جائز كالحج وفائدته تسويغ الخروج منه عند العذر الطارئ بغير اختياره كالمرض والخوف ونحوهما، فلا يجوز اشتراط الخروج بالاختيار أو إيقاع المنافي كذلك، ومحلّه في عقد النذر، فلو أطلقه من الاشتراط لم يصح عند إيقاع الاعتكاف .
ثمَّ الاعتكاف المنذور ينقسم باعتبار الشرط وعدمه ثمانية أقسام ؛ لأنّه إما أن يكون مستعيناً بزمانٍ أو لا، وعلى التقديرين إما أن يشترط فيه التتابع لفظاً أو لا، وعلى التقادير الأربعة إما أن يشترط على ربِّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا، فالأقسام ثمانية.
وقد عرفت حكم الأربعة التي لم يشترط فيها، وأما مع الشرط فله الرجوع مع العارض ثمَّ إن كان الزمان معيناً لم يجب قضاء ما فات في زمن العارض، سواء اشترط التتابع أم لا. وإن كان مطلقاً ولم يشترط التتابع ففي وجوب قضاء ما فات أو الجميع إن نقص ما فعله عن ثلاثة قولان أجودهما القضاء، وفاقاً للمصنّف في المعتبر(1).
ولو شرط التتابع فالوجهان .
إذا تقرّر ذلك فقول المصنف كان له ذلك أي وقت شاء» أراد به مع حصول العارض ،
ص: 607
وأمّا أحكامه فقسمان:
الأول: إنما يحرم على المعتكف النساء . لمساً وتقبيلاً وجماعاً، * وشم الطيب على الأظهر، واستدعاء المني ،
.........
لا اقتراحاً، كما أسلفناء، أو يريد به ما إذا اشترط في المندوب، فإن الخروج جائز منه وإن لم يشترط.
ولو أراد به على وجه الإطلاق كما هو الظاهر - فإن الشرط باطل.
والأصح أن النذر كذلك.
وقوله «ولا قضاء» يتمّ أيضاً في المندوب والواجب المعين، أما المطلق ففيه ما مرّ من الخلاف. وقد قطع في المعتبر بوجوب قضائه(1) ، فكأنه يرى هنا عدم القضاء مطلقاً.
وقوله ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه يتم في المطلق المشروط التتابع ، أما المعيّن والمطلق بعد مضي ثلاثة فقد تقدّم ما فيه من التفصيل(2).
قوله: «لمساً وتقبيلاً وجماعاً».
لا خلاف في تحريم الجماع وفساد الاعتكاف به، أما مقدّماته من اللمس والتقبيل فإن لم يكن بشهوة كما لو وقع التقبيل على سبيل الشفقة والإكرام لم يحرم ومعها يأثم؛ للنهي عن مباشرتهنّ فيه (3)الشاملة لمحل النزاع، ولكن لا يفسد به الاعتكاف؛ لعدم الدليل على أصح القولين فيهما.
قوله: «وشم الطيب على الأظهر».
هذا هو الأصح، وفي حكمه الرياحين على الأقوى، لوروده معه في الخبر(4)
ص: 608
*والبيع والشراء *والمماراة.
.............
قوله: «والبيع والشراء».
خصهما بالذكر لأنهما مورد النص (1).
وفي تعديته إلى ما يساويهما في المعنى من أنواع التجارة كالصلح والإجارة قولان، منشؤهما المشاركة في الحكمة الصالحة لعلّيّة الحكم، وهو الاشتغال عن العبادة المطلوبة من الاعتكاف، وبطلان القياس .
وبالغ العلّامة فعدّى التحريم إلى جميع التجارات والصنائع المشغلة عن العبادة، كالحياكة والخياطة وأشباههما (2). وهو أولى.
ويستثنى من ذلك كله ما تمسّ إليه الحاجة، كشراء ما يضطر إليه من المأكول والملبوس ،وبيع ما يشتري به ذلك.
وشرط في الدروس تعذر المعاطاة في جواز شراء ما يضطر إليه (3).
وبالغ ابن إدريس فمنع من كلّ مباح لا يحتاج إليه، ويظهر منه فساد الاعتكاف به (4)،وهو ضعيف.
قوله: «والمماراة».
المراء لغة : الجدال، والمماراة: المجادلة(5) ، والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو دينى لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة، كما يتفق للكثير من المتسمين بالعلم.
وهذا النوع محرَّم في غير الاعتكاف، وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص(6).
ص: 609
*وقيل: يحرم عليه ما يحرم على المُحرم، ولم يثبت، فلا يحرم عليه لبس المخيط، ولا إزالة الشعر، ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح.
...............
وإدخاله في محرّمات الاعتكاف إما بسبب عموم مفهومه، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة، كما ورد في تحريم الكذب على الله ورسوله في الصيام.
وعلى القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه تتضح فائدته.
ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرّد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات، فالمائز بين ما يحرم منه و ما يجب أو يستحب النية، فليحترز المكلّف من تحويل الشيء من كونه واجباً إلى جعله من كبار القبائح.
قوله: «وقيل: يحرم عليه ما يحرم على المُحرم، ولم يثبت، فلا يحرم عليه» إلى آخره.
هذا القول للشيخ رحمه الله) في الجمل(1) ، ولم يُعلم مستنده.
وفي المبسوط جَعَله روايةً، وقال: إنها مخصوصة بما ذكر من المحرمات(2).
وظاهر هذا القول تحريم كلّ ما يحرم على المُحْرم؛ لأنّ «ما» من صيغ العموم، وينبه عليه عطف المصنّف (رحمه الله) عدم تحريم المخيط وما بعده بالفاء تفريعاً على عدم ثبوته؛ إذ مقتضاه أنه لو ثبت حرمت هذه الأشياء.
وفي التذكرة :
إن هذا القول ليس على وجه العموم؛ لأنه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعاً، ولا إزالة الشعر، ولا أكل الصيد، ولا عقد النكاح(3) .
فبين هذا التخصيص وتفريع المصنف بعد إطلاق القول تدافع، وما حكيناه عن المبسوط مشعر بتخصيص العلامة.
وكيف كان فالقول ،ضعيف، وهذه المستثنيات جائزة له.
ص: 610
*ويجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح.
وكلّ ما ذكرناه من المحرمات عليه نهاراً يحرم عليه ليلاً عدا الإفطار.
*ومَنْ مات قبل انقضاء الاعتكاف الواجب، قيل: يجب على الولي القيام به ،وقيل: يستأجر مَنْ يقوم به، والأوّل أشبه.
...........
قوله: «ويجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح».
أمّا النظر فيما يضطر إليه من المعاش فلا ريب في جوازه.
وأما ما لا يحتاج إليه والخوض في المباح بغير فائدة دينية فينبغي للمعتكف تجنّبه، بل قيل بتحريمه عليه (1)، ووظيفته أن يشتغل بالعبادة من دعاء وذكر وقراءة ونحو ذلك.
وأما الاشتغال بالدرس والتدريس ومطالعة العلم الديني فمن أفضل الأعمال.
قوله: «ومَنْ مات قبل انقضاء الاعتكاف الواجب - إلى قوله - والأوّل أشبه».
أطلق الشيخ وجوب قضاء الوليّ ذلك عنه؛ لعموم ما روي من أنّ مَنْ مات وعليه صوم واجب يجب على وليّه قضاؤه (2) و (3).
ويجب تقييده بما إذا كان قد استقر في ذمته قبل ذلك، أو تمكن من قضائه فلم يفعل، كما هو المعتبر في الصوم، وإلا لم يتجه الوجوب على الوليّ؛ إذ ليس للاعتكاف نص على الخصوص.
ويبقى في أصل المسألة بحث آخر قد سبق التنبيه عليه (4)، وهو أن نذر الاعتكاف أو مطلق الاعتكاف الواجب لا يستلزم إيجاب الصوم وإن اقتضى فعله فيه، فيجوز إيقاعه في صوم شهر رمضان وغيره، وحينئذ لا يتم القول بالوجوب على الولي هنا بمجرد وجوب الاعتكاف؛ إذ ليس هناك صوم واجب يدخل في عموم الأخبار المتقدمة، وإنّما يتمّ فيما إذا كان قد نذر الصوم معتكفاً، فحينئذ يتعذر قضاء الصوم من دون الاعتكاف، فيجب على الوليّ
ص: 611
القسم الثاني: فيما يفسده
وفيه مسائل:
الأُولى: كلّ ما يُفسد الصوم يُفسد الاعتكاف كالجماع والأكل والشرب والاستمناء * فمتى أفطر في اليوم الأوّل أو الثاني لم يجب به كفّارة، إلا أن يكون واجباً، وإن أفطر فى الثالث وجبت الكفّارة، ومنهم مَنْ خصّ الكفارة بالجماع حسب، واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء، وهو الأشبه.
..........
قضاء الصوم مع تمكنه من فعله قبل الموت، ويتبعه الاعتكاف من باب المقدمة، وحيث وجب على الولى القضاء هنا، فحكمه حكم ما سبق من جواز الاستنابة، ووجوبه على الأولياء المتعدّدين، وكون المنكسر كفرض الكفاية، إلى غير ذلك من الأحكام.
قوله: «فمتى أفطر في اليوم الأوّل أو الثانى لم يجب به كفّارة - إلى قوله - وهو الأشبه».
لا خلاف في فساد الاعتكاف بما يفسد به الصوم؛ لأنه شرطه، وفساد الشرط يقتضي فساد المشروط، ولا في وجوب الكفّارة إذا كان الإفساد بالجماع في اعتكاف واجب، سواء كان متعيّناً أم لا، وإنما الخلاف في وجوبها بإفساد المندوب، وهو قبل دخول الثالث وما في حكمه، وبإفساده مطلقاً بغير الجماع.
ومنشؤه إطلاق النصوص بوجوب الكفّارة بالجماع (1)من غير تقييد بالواجب، وعدم ذكر غيره من المفسدات.
والوجه في ذلك التفصيل، وهو أنّ إفساد المندوب لا يوجب شيئاً بالجماع وغيره؛ لجواز قطعه اختياراً فكيف يتوجه وجوب الكفّارة به، نعم، ذلك يتجه على مذهب الشيخ في المبسوط حيث أوجبه بالشروع(2). وإن كان واجباً وأفسده بالجماع وجبت الكفارة؛ لإطلاق
النصوص بذلك.
ص: 612
*و تجب كفارة واحدة إن جامع ليلاً، وكذا إن جامع نهاراً في غير رمضان، ولو كان فيه لزمه كفارتان .
...........
وإن كان إفساده بغيره من مفسدات الصوم، فإن كان متعيّناً بنذرٍ وشبهه وجبت كفارة سبب الوجوب من نذر أو عهد أو يمين، فالكفّارة ليست من جهة كونه اعتكافاً، بل من جهة مخالفة السبب الواجب.
وإن كان الواجب غير متعيّن وجب قضاؤه خاصةً.
قوله: وتجب كفارة واحدة إن جامع ليلاً إلى آخره.
قد تقدم أنّ الجماع في المندوب لا يوجب شيئاً (1)، وفي الواجب يوجبها، وحينئذ فيجب تقييد قوله «وكذا إن جامع نهاراً في غير رمضان» بما إذا لم يكن الصوم متعيّناً بالنذر و شبهه، كالثالث للمندوب والنذر المطلق، وإلا وجب عليه كفّارتان كرمضان: إحداهما للاعتكاف والأُخرى للصوم الواجب، لكن كفّارة الصوم تجب بحسب سببها حتى لو كان قضاء رمضان بعد الزوال والاعتكاف واجب وجب عليه كفّارة الاعتكاف، وكفارة مَنْ أفطر في قضاء رمضان كذلك، وتقييد قوله ولو كان فيه لزمه كفارتان بما إذا كان الاعتكاف فيه واجباً بالنذر وشبهه أو كونه ثالثاً، وإلا فكفارة واحدة لأجل الصوم خاصةً.
وجملة الأمر أنّ الجماع إن كان نهاراً في اعتكاف واجب في شهر رمضان أو ما تعين صومه فكفّارتان؛ لاختلاف الأسباب المقتضي لتعدّد المسبّبات، والتداخل على خلاف الأصل، وإن كان الجماع ليلاً فكفارة واحدة للاعتكاف .
ولو كان الإفساد بباقي أسباب فساد الصوم وجب نهاراً كفارة واحدة ، ولا شيء ليلاً.
ولو فعل غير ذلك من المحرمات على المعتكف كالتطيب والمماراة أثم ولا كفّارة.
ولو كان بالخروج في واجب متعيّن بالنذر وشبهه وجبت كفارته، ولو كان بالخروج في ثالث المندوب فالإثم والقضاء لا غير، وكذا لو أفسده بغير الجماع.
ص: 613
الثانية :*الارتداد موجب للخروج من المسجد، ويُبطل الاعتكاف، وقيل :لا يبطل، وإن عاد بنى، والأوّل أشبه.
الثالثة :* قيل: إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهاراً في شهر رمضان لزمه أربع كفّارات وقيل: يلزمه كفارتان، وهو الأشبه.
.........
واعلم أنّ في كفّارة الاعتكاف قولين مرويين، أحدهما كفّارة رمضان، والآخر كفارة ظهار(1) ، والثاني أصح روايةً، والأوّل أشهر فتوى.
قوله: «الارتداد موجب للخروج من المسجد، ويُبطل الاعتكاف وقيل: لا يبطل، وإن عاد بنى، والأوّل أشبه».
الأصح الإبطال إذا لم يكن قد اعتكف ثلاثة؛ لامتناع القربة من الكافر، ولأنّه نجس يجب إخراجه من المسجد، وهو منافٍ للاعتكاف، فيبطل؛ لاستحالة اجتماع المتنافيين.
ولو مضى ثلاثة بنى عليها بعد الإسلام إن كان بقي عليه من الواجب شيء.
قوله: «قيل: إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان» إلى آخره.
قد تقدّم في الصوم أنّ المكره لزوجته يتحمّل عنها الكفارة(2) ، وهنا لا نص على الخصوص، وحينئذ فتحمّل كفّارة الصوم هنا واضح، وأما الاعتكاف فالأصل يقتضي عدم التحمّل، ومن ثَمَّ ذهب إليه المصنف. وكان حقه أن يوجب عليه ثلاث كفارات اثنتان عنه لرمضان والاعتكاف، والأخرى لتحمّل كفّارة الصوم.
نعم، هذا يتوجه على القول بعدم تحمّل كفّارة الصوم أيضاً، فإن فيه خلافاً، إلا أنّ المصنّف لا يقول به. وقد أطلق الكفّارتين أيضاً في المعتبر (3).
ص: 614
الرابعة : * إذا طلقت المعتكفة رجعيّةً خرجت إلى منزلها ثم قضت واجباً إن كان واجباً أو مضى يومان، وإلا ندباً.
.......
والمشهور التحمّل هنا أيضاً، بل قال العلّامة في المختلف: إن القول بذلك لم يظهر له مخالف(1).
وفي الدروس: لا نعلم فيه مخالفاً سوى المعتبر(2). وكأنه أراد صاحب المعتبر، وإلا فقد صرّح هنا أيضاً بالخلاف، وحكاه قولاً سابقاً، لكن لم نعلم قائله.
وكيف كان، فالعمل على ما ذكره الأصحاب متعيّن وإن كان العدم أقوى دليلاً.
ولو كان الجماع ليلاً فكفّارتان، وكذا يتضاعف لو كان في واجب غير شهر رمضان، وإنما خصه هنا بالذكر تفريعاً على ما أسلفه من عدم تعدّد الكفّارة إلا في نهاره.
قوله: «إذا طُلّقت المعتكفة رجعيّة خرجت إلى منزلها».
لتعين الاعتداد عليها فيه، ولا يتم إلا بالخروج فيجب، وهذا يتم مع كون الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير متعيّن، أو مع شرطها الحلّ عند العارض.
ولو كان معيّناً من غير شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد زمن الاعتكاف، فإنّ دين الله أحق أن يقضى(3).
وعلى تقدير الخروج يقضي ما فات مع وجوبه بعد انقضاء العدة إن لم تكن قد اشترطت وإلا لم يجب القضاء.
وعلى ما اختاره المصنف في المعتبر (4)يقضي الواجب المطلق مطلقاً.
ومن هنا يُعلم أنّ إطلاق المصنف القضاء عليها ليس بجيد.
ثمَّ المقضي هو جميع زمن الاعتكاف إن كان واجباً ولم يمض منه ثلاثة، وإلا فالمتروك
ص: 615
الخامسة: * إذا باع أو اشترى قيل: يبطل اعتكافه، وقيل: يأثم ولا يبطل، وهو الأشبه .
السادسة :* إذا اعتكف ثلاثةٌ متفرّقةً، قيل: يصح؛ لأنّ التتابع لا يجب إلا بالاشتراط، وقيل: لا، وهو الأصح.
.......
خاصةً، ولو كان ثالث المندوب قضته مضافاً إلى يومين، كما مرّ (1).
قوله: «إذا باع أو اشترى [قيل:] يبطل اعتكافه، وقيل: يأثم ولا يبطل، وهو الأشبه».
الأصح عدم البطلان، وكذا لا يبطل العقد أيضاً على الأقوى؛ لأن النهي في المعاملات لا يدلّ على الفساد وغير البيع من العقود والإيقاعات حكمه في عدم البطلان والإبطال حكم البيع بطريق أولى.
قوله: «إذا اعتكف ثلاثةً متفرّقةً، قيل: يصح إلى قوله - وهو الأصح».
التفريق هنا يحتمل معنيين، وكلُّ منهما مختلف فيه. أحدهما: أن يعتكف النهار خاصّةً في الثلاثة ويترك الليل، فإنّ الشيخ يجيزه مع الإطلاق(2)، وإن كان المصنف قد حكاه عنه مع اشتراطه، وقد تقدم تحقيقه(3) .
والثاني: أن يعتكف يوماً عن نذره مثلاً، ويوماً عن عهده ثم الثالث عن النذر وهكذا، وهذا يصدق عليه التفريق باعتبار اختلاف الأنواع، وقد تقدم الخلاف في جوازه أيضاً (4)، وإن كانت الصحة أقوى.
والمعنى الأوّل أدخل في هذه العبارة، وأوفق للفتوى بعدم الصحة.
***
تمَّ الجزء الأول - بحسب تجزئتنا - ويليه في الجزء الثاني كتاب الحج
ص: 616