موسوعة
الشهيد الثاني
الجزء الخامس عشر
حاشية القواعد
(فوائد القواعد)
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
مركز إحياء التراث الإسلامي
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء الخامس عشر (حاشية القواعد / فوائد القواعد)
الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي
الطباعة: مطبعة الباقري الطبعة الأولى 1434 ق / 2013م
الكمّيّة: 1000 نسخة
العنوان: 143 : التسلسل : 248
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42
التلفون والفاكس: 7832833 ، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534
ص . ب 37185/3858 الرمز البريدي: 16439 - 37156
وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir
شهید ثانی زین الدین بن على 911-966ق.
موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية. 1434ق. = 2013م.
30 ج.
978-600-5570-748 ISBN . (دوره)
ISBN 978-600-5570-90-8 ( ج 15 )
فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیبا .کتابنامه
مندرجات: ج 15 حاشية القواعد (فوائد القواعد) -
.1 اسلام - مجموعه ها 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3 اسلام و آموزش و پرورش 4. اخلاق اسلامی الف پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان
8 م BP4/6/92
297/08
محرر الرقمي: سيد جلال الدين عمراني
ص: 1
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »
ص: 2
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء الخامس عشر
حاشية القواعد
( فوائد القواعد )
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
مركز إحياء التراث الإسلامي
ص: 3
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء الخامس عشر (حاشية القواعد / فوائد القواعد)
الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي
الطباعة: مطبعة الباقري الطبعة الأولى 1434 ق / 2013م
الكمّيّة: 1000 نسخة
العنوان: 143 : التسلسل : 248
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42
التلفون والفاكس: 7832833 ، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534
ص . ب 37185/3858 الرمز البريدي: 16439 - 37156
وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir
شهید ثانی زین الدین بن على 911-966ق.
موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية. 1434ق. = 2013م.
30 ج.
978-600-5570-748 ISBN . (دوره)
ISBN 978-600-5570-90-8 ( ج 15 )
فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیبا .کتابنامه
مندرجات: ج 15 حاشية القواعد (فوائد القواعد) -
.1 اسلام - مجموعه ها 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3 اسلام و آموزش و پرورش 4. اخلاق اسلامی الف پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان
8 م BP4/6/92
297/08
ص: 4
دلیل
موسوعة الشهيد الثاني
المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره
الجزء الأول = (1) منية المريد
الجزء الثاني - (2 - 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة ؛ 3 التنبيهات العلية؛ 4. مسكن الفؤاد .5 البداية .6 الرعاية لحال البداية في علم الدراية.
الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل /2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميت؛ العدالة؛ 10 ماء البئر؛ 11 تيقن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة ؛ 13. النية؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17 نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18 أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة ؛ 19 نيّات الحج والعمرة؛ 20 مناسك الحج والعمرة؛ 21 طلاق الغائب؛ 22 ميراث الزوجة؛ 23 الحبوة 24 أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25 أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27 أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني .28 أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29 أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.
الجزء الرابع - (31 - 43) الرسائل /3 : 31 تفسير آية البسملة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات = (31 - العينية : 33 الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34 وصيّةً نافعة؛ 35 شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه 38 ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39 حاشية خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41 الإجازات : 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43 الفوائد.
ص: 5
الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد
الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية
الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان
الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية
الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية
الجزء الرابع عشر = (51 و 52 ) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع
الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد )
الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان
الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام
الجزء التاسع والعشرون = الفهارس
ص: 6
مقدمة التحقيق ... 17
نماذج من مصوّرات النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ... 22
حاشية القواعد
كتاب الطهارة
المقصد الأوّل في المقدّمات ... 9
الفصل الأول في أنواعها ... 10
الفصل الثاني في أسبابها ... 29
الفصل الثالث في آداب الخلوة وكيفية الاستنجاء ... 32
المقصد الثاني في المياه ... 35
الفصل الأوّل في المطلق ... 35
الفصل الثاني في المضاف والأسار ... 40
الفصل الثالث في المستعمل ... 42
الفصل الرابع في تطهير المياه النجسة ... 43
الفصل الخامس في الأحكام. ... 47
ص: 7
المقصد الثالث في النجاسات ...50
الفصل الأوّل في أنواعها ... 50
الفصل الثاني في الأحكام. ...53
المقصد الرابع في الوضوء ... 57
الفصل الأول في أفعاله ... 57
الفصل الثالث في أحكامه .. 62
المقصد الخامس في غُسل الجنابة .. 75
الفصل الأول في سببه وكيفيته ...75
الفصل الثاني في الأحكام. ...77
المقصد السادس في الحَيْض ...80
الفصل الأوّل في ماهيته ...80
المقصد السابع في الاستحاضة. ...89
المقصد الثامن في النفاس ...90
المقصد التاسع في غُسل الأموات ... 92
مقدّمة. ... 92
الفصل الأوّل في الغسل ... 93
المطلب الأوّل: الفاعل والمحلّ ... 93
المطلب الثاني في الكيفية ... 94
الفصل الثاني في التكفين ... 96
المطلب الأوّل في جنسه وقدره ... 97
المطلب الثاني في الكيفية ... 97
الفصل الثالث في الصلاة عليه. ... 99
المطلب الأوّل. ... 99
ص: 8
المطلب الثاني في المصلّي. ... 100
المطلب الثالث في مقدّماتها. ... 101
المطلب الرابع في كيفيتها . ... 102
المطلب الخامس في الأحكام ... 102
الفصل الخامس في اللواحق
کتاب الصلاة
المقصد الأوّل في المقدّمات ... 111
الفصل الأوّل في أعدادها ... 111
الفصل الثاني في أوقاتها ... 112
المطلب الأوّل في تعيينها ... 112
المطلب الثاني في الأحكام. ... 113
الفصل الثالث في القبلة ... 116
المطلب الأوّل: الماهية ...116
المطلب الثاني: المستقبَل له ... 118
المطلب الثالث: المستقبِل ... 119
الفصل الرابع في اللباس ... 122
المطلب الأوّل فى جنسه ... 122
المطلب الثاني في سَتر العورة... 122
الفصل الخامس في المكان. ... 124
المطلب الأوّل: ...124
المطلب الثاني في المساجد ...124
الفصل السادس فى الأذان والإقامة ...126
ص: 9
المطلب الثانى فى المؤذّن ...126
المطلب الثالث في كيفيته ...126
المطلب الرابع في الأحكام. ...127
المقصد الثاني في أفعال الصلاة وتُرُوكِها ... 128
الفصل الأوّل: القيام. ...128
الفصل الثاني: النيّة. ...129
الفصل الثالث: تكبيرة الإحرام ... 132
الفصل الرابع: القراءة ... 133
الفصل الخامس في الركوع ... 135
الفصل السادس: السجود ... 136
الفصل السابع: التشهد ... 138
الفصل الثامن: التروك ... 139
المقصد الثالث في باقي الصلوات ...142
الفصل الأوّل في الجمعة ... 142
المطلب الأوّل: الشرائط ...142
المطلب الثاني في ماهيتها وآدابها. ...146
الفصل الثاني في صلاة العِيدَيْنِ ... 147
المطلب الأوّل في الأحكام. ...147
الفصل الثالث في الكسُوف ...148
المطلب الأوّل: الماهيّة ... 148
المطلب الثاني: الموجب ... 148
الفصل الرابع في صلاة النذر. ... 151
المقصد الرابع في التوابع ...152
ص: 10
الفصل الأول في السهو .. 152
المطلب الأوّل: فيما يُوجِب الإعادةَ ...152
المطلب الثاني: فيما يوجب التلافي ...154
المطلب الثالث: فيما يُوجب الاحتياط ... 154
كتاب الزكاة
الباب الأول في زكاة المال ... 159
المقصد الأوّل في الشرائط ... 159
الفصل الأوّل في الشرائط العامة ... 159
الفصل الثاني في الشرائط الخاصة. ... 167
المقصد الثاني في المَحَلّ. ... 170
الفصل الأوّل في النَعَم ... 170
الفصل الثالث في الغَلات. ... 173
المقصد الثالث فيما تُستحبّ فيه الزكاة ... 175
المطلب الأوّل في مال التجارة على رأي ... 175
المطلب الثاني في باقي الأنواع ... 178
المقصد الرابع في المُستَحِقُ ... 179
الفصل الأوّل في الأصناف ... 179
الفصل الثاني في الأوصاف ... 182
المقصد الخامس في كيفية الإخراج ... 183
المطلب الأوّل في الوقت. ... 183
المطلب الثاني في المُخرج ... 184
المطلب الثالث في النيّة ... 184
ص: 11
المطلب الرابع في بقايا مباحث هذا الباب. ... 185
الباب الثاني في زكاة الفطرة ... 187
المطلب الأوّل: المكلَّف ... 187
المطلب الثاني في وقتها . ... 189
المطلب الثالث في الواجب ... 190
الباب الثالث في الخُمس. ... 192
كتاب الصوم
المقصد الأول في ماهية الصوم ... 197
الفصل الأوّل: النية ... 197
الفصل الثاني في الإمساك ... 200
المطلب الأوّل فيما يُمسَكُ عنه ... 200
المطلب الثاني فيما يوجب الإفطار ... 202
المطلب الثالث فيما يجب بالإفطار ... 204
المطلب الرابع في بقايا مَبَاحِتِ مُوجِباتِ الإفطار ... 207
الفصل الثالث في وقت الإمساك وشرائطه ... 214
المقصد الثاني في أقسامه ... 216
المطلب الأوّل: أقسام الصوم أربعة : ... 216
المطلب الثاني في شهر رمضان. ... 218
المقصد الثالث في الاعتكاف ... 220
المطلب الأوّل: ما هو الاعتكاف؟ ... 220
المطلب الثاني في شرائطه ... 221
المطلب الثالث في أحكامه ... 223
ص: 12
المطلب الرابع في النذر ... 225
كتاب الحج
المقصد الأوّل في المقدّمات ... 229
المطلب الأوّل في حقيقته ... 229
المطلب الثاني في أنواع الحج ... 230
المطلب الثالث في شرائط أنواع الحج ... 230
المطلب الرابع في تفصيل شرائط الحج. ... 233
المطلب الخامس في شرائط النذر وشبهه ... 236
المطلب السادس في شرائط النيابة ... 237
المقصد الثاني في أفعال التمتُّع ... 243
الفصل الأوّل في الإحرام.... 243
المطلب الأول في تعيين المواقيت ... 243
المطلب الثاني في مقدّمات الإحرام ... 245
المطلب الثالث في كيفيته ... 246
المطلب الرابع في المندوبات والمكروهات ... 248
المطلب الخامس في أحكامه ... 248
المطلب السادس في تُرُوكه ... 250
الفصل الثاني في الطواف ... 252
المطلب الثاني في سُنَنِه ... 253
المطلب الثالث في الأحكام ... 253
الفصل الثالث في السعي ... 255
المطلب الأول في أفعاله ... 255
ص: 13
المطلب الثاني في أحكامه. ... 255
الفصل الرابع في التقصير ... 256
الفصل الخامس في إحرام الحج والوقوف ... 257
المطلب الأول في إحرام الحج ... 257
المطلب الثالث في الوقوف بعرفة ... 258
المطلب الرابع في الوقوف بالمشعر. ... 259
الفصل السادس في مَناسِكِ مِنى ... 261
المطلب الأوّل في الرمي ... 261
المطلب الثاني في الذبح ... 261
المطلب الثالث في الحلق والتقصير ... 264
الفصل السابع في باقي المناسِكِ ... 266
المقصد الثالث في التوابع ... 270
الفصل الأوّل في العُمرة ... 270
الفصل الثاني في الحَصر والصَدّ. ... 272
المطلب الأوّل: المصدود وهو الممنوع بالعدوّ. ... 272
المطلب الثاني: المحصر ... 275
الفصل الثالث في كفارات الإحرام ... 276
المطلب الأوّل: الصيد ... 276
المطلب الثاني في الاستمتاع بالنساء ... 288
المطلب الثالث في باقي المحظورات .... 290
كتاب الجهاد
المقصد الأول في من يجب عليه ... 293
ص: 14
المقصد الثاني في من يجب قتاله ... 297
المقصد الثالث في كيفية القتال ... 298
الفصل الأوّل في القتال ... 298
الفصل الثاني في الاسترقاق.... 299
الفصل الثالث في الاغتنام ... 302
المقصد الرابع في ترك القتال ... 305
الفصل الأوّل في الأمان ... 305
الفصل الثاني في عقد الجزية. ... 307
المقصد الخامس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ... 313
كتاب المتاجر
المقصد الأول في المقدمات ... 319
الفصل الأوّل في أقسامها ... 319
المقصد الثاني في البيع. ... 327
الفصل الأوّل: الصيغة. ... 327
الفصل الثاني: المتعاقدان ... 329
الفصل الثالث: العوضان ... 333
المقصد الثالث في أنواع المبيع ... 339
الفصل الأوّل: الحيوان ... 333
الفصل الثاني في بيع الثمار. ... 348
الفصل الثالث في الصرف ... 347
المقصد الرابع في أنواع البيع ... 350
الفصل الأوّل في العوضان وتوابعهما ... 350
ص: 15
المطلب الأول في النقد والنَّسِيئة ... 350
المطلب الثاني في السلف ... 351
الفصل الثاني في المرابحة وتوابعها ... 364
الفصل الثالث في الربا ... 367
المقصد الخامس في لزوم البيع. ...372
الفصل الأوّل في الخيار ... 374
الفصل الثاني في العيب ... 382
المقصد السادس في أحكام العقد ... 390
ص: 16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
حاشية القواعد (فوائد القواعد )(1) التي هي تعليقة على كتاب قواعد الأحكام للعلّامة الحلّي (قدس سره) تعدّ إحدى الآثار القيمة للشهيد الثاني (طاب رمسه)، والتي تكفّلت بحل معضلات القواعد ورفع مشكلاته، وقد بيّن الشهيد نفسه ذلك في مقدمة الكتاب، بقوله:
... وبعد فهذه تعليقة خفيفة المؤونة، كثيرة المَعُونَةِ على حل بعض مشكلات القواعد وتقييد مطلقه والإشارة إلى المختار من مواضع إشكاله وخلافه، حيث يفتقر إلى تفصيل وتطويل عن مجرّد الفتوى بالقوة والضعف، وإلا جعلناه مفرداً في محلّ آخر نقتصر فيه على المختار من فتاويه....
ص: 17
وقد ورد ذكرها في طيّ كلام بعض الأعلام :
قال ابن العودي تلميذ الشهيد في ترجمته عند تعداد مؤلفاته:
ومنها: حاشية على قواعد الأحكام للعلامة أيضاً حقق فيها المهمّ المباحث، ومشى فيها مشي الحاشية المشهورة بالنجّارية للمولى السعيد الشيخ الشهيد، وغالب المباحث فيها بينه وبينه برز منها مجلّد لطيف إلى آخر كتاب التجارة (1).
وقال صاحب الرياض أيضاً في ترجمته له مؤلفات منها... حاشية القواعد (2).
وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني في عداد حواشي قواعد الأحكام:
الحاشية عليه للشيخ السعيد زين الدين الشهيد في (966) مجلّد لطيف إلى كتاب التجارة، وهي نظير حاشية ابن النجار...(3).
وقد قام الشهيد الثاني في هذا الكتاب ببيان وجه الإشكال في الموارد التي استشكل فيها العلّامة، وفي الموارد التي علّق فيها على كلامة بإيجاز كقوله: «جيّد» أو «قوي» تراه يورد مستند الحكم، ويبين وجه البطلان كما وضح كثيراً من المعاني اللغوية المبهمة وكشف عن معناها الحقيقي، ونراه - أحياناً - يستعرض بعض المطالب الأدبية والرجالية، ويذكر صاحب القيل أو راوي الراوية، وهو أمر مهم في عملية استنباط الحكم الشرعي.
ومن يتفحّص هذا الكتاب النفيس يلمس الاحتياط - الذي هو أمر حسن على كلّ حال - لدى الشهيد، والحرص على الدقة واتباع الدليل.
كما يشير الشهيد إلى الأقوال والآثار المتعدّدة لمن سبق من الأعلام، إلّا أنّه وكما
ص: 18
جرت عادة الفقهاء - قلما يذكر اسم القائل أو أسماء الكتب والمصادر التي استفاد منها.
نشير إلى بعض منها:
«وقد صرّح المصنّف في كثير من كتبه»، ص 59 ؛ «وهو مذهب المصنّف وجماعة وهو قول الأكثر»، ص 60 ؛ «عن بعض العامة» ، ص 63: «كما ذهب إليه المصنف وبعض الأصحاب»، ص 87؛ وبذلك صرّح في غيره»، ص 87؛ وبذلك صرّح في غيره»، ص 123؛ «خلافاً للأكثر»، ص 190؛ «صرح به جماعة من المتأخرين»، ین ص 248؛ صرّح المصنّف وغيره» ص 257 إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة الواردة في كلام المصنّف. وقد بذلنا الجهد للتعرّف على تلك المصادر وعزو الأقوال إلى مصادرها الأصلية.
هذا، وقد أشار أيضاً إلى مستند الفتاوى والأحكام بألفاظ مجملة، نذكر نماذج على ذلك:
«المروي»، ص 42؛ « وقد ورد النص» ، ص 67، «هكذا ورد في بعض الأخبار »ص 96؛ لكونه مورد النهي، ص 133؛ وفي النصوص»، ص 134؛ «لإطلاق الأدلّة القطعية من الكتاب والسنة»، ص 143؛ «من جهة النهي عن قطع العمل»، ص 149 ؛ « لإطلاق النص» ، ص 175؛ وعليه شواهد من «الأخبار»، ص 198؛ إلى غير ذلك.
ويُذكر أنّ هذه الحاشية قد طبعت تحت عنوان فوائد القواعد لأوّل مرّة سنة 1414ه- محققة وبحلة قشيبة في مركزنا اعتماداً على أربعة نسخ، هي كما يلي:
1 - المرموز لها ب«س»؛ مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي رقم (1) المرقمة 1307، وجاء في آخرها:
هذا ما وجدناه من هذه الحاشية والحمد لله وحده وصلّى الله على محمد وآله وكتبها لنفسه بيده الفانية الجانية الفقير إلى رحمة ربِّه الغَنيّ المغني حسين بن عليّ بن طعمة الحوارزي (تجاوز الله تعالى عنهم بمنه وكرمه وأفاض عليهم سبحانه فضله وجوده ونعمه أنه جواد كريم)، وذلك في عشرين جمادى الأولى سنة 1041 من الهجرة على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله ربّ
ص: 19
العالمين، اللهم اختم لنا بالصالحات يا كريم إنك على كل شيء قدير. تم حاشية قواعد العلّامة (عليه الرحمة والرضوان بيد العبد الجليل الشيخ زين الدين المشهور بالشهيد الثاني عليه ( رحمة الله الملك الجبّار).
وهذه النسخة كُتبت كلماتها بحروف أكبر من باقي النسخ، وهي مقروءة، إلا أنه سقطت منها أوراق يسيرة.
2 - المرموز لها ب«ع»؛ مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي (رحمه الله)، المرقمة 4242، جاء في آخرها :
هذا ما وجدناه من هذه الحاشية الشريفة والحمد لله ربّ العالمين وكتبته في يوم الأحد الرابع من الشهر الأوّل من السنة السابعة السنة السابعة من العشر الثالث من المائة الثالثة من الألف الثاني من الهجرة النبوية السنوية على هاجرها ألف ألف سلام وتحيّةسنة 1227 .
وهذه النسخة كاملة إلّا أنّ الكاتب أسقط شرح خطبة القواعد، ولكنّها أصح من سائر النسخ.
3- المرموز لها ب-«ق»؛ مخطوطة مكتبة العالم المجاهد الشهيد محمد علي القاضي الطباطبائي الخاصة، ناسخها مجهول، جاء في آخرها تمّ إلى هاهنا إنهاء النسخة الموجودة بعون الملك الوهّاب.
وهذه المخطوطة ناقصة وقد سقطت من أواخرها أوراق.
4 - المرموز لها ب-«ص»؛ مخطوطة المكتبة المركزية بجامعة إصفهان، المرقّمة 16917/2 ، جاء في آخرها:
هذا ما وصل إليّ من هذه الحاشية وهي نسخة معارضة بنسخة الأصل والحمد لله وحده وصلّى الله على محمد وآله وكتبها لنفسه بيده الفانية الفقير إلى رحمة ربه. وهذه النسخة كثيرة الأخطاء، وإن جاء في هامش الورقة الأخيرة منه: «بلغ قراءة بقدر الوسع والطاقة».
ص: 20
ولما تم إقرار طبع آثار هذا الفقيه البارع بقالب موسوعي، وجامع لكل آثاره و مصنّفاته الجليلة، صار الأمر أن ندرج هذا الكتاب ضمن الموسوعة معتمدين على الطبعة الأولى التي قام بتحقيقها حجة الإسلام والمسلمين السيد أبو الحسن المطلبي (زيد عزه) وقد قمنا بمراجعتها وإعادة النظر فيها، وإصلاح ما زاغ عنه البصر، وإجراء الأمور الفنية المناسبة ومشروع إخراج موسوعة الشهيد الثاني، وقد تصدّى لمراجعتها الشيخ غلامرضا النقي والسيد حسين بني هاشمي والشيخ محسن النوروزي الذين لم يبخلوا ما عندهم من جهد وخبرة في سبيل إخراج الكتاب بأفضل حلّة، والحمد لله كما هو أهله ومستحقه.
مركز إحياء التراث الإسلامي
15 رمضان المبارك 1431ه
ص: 21
الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة «س»
ص: 22
الصورة

صورة الصفحة الثانية من نسخة «س»
ص: 23
الصورة

صورة الصفحة الثالثة من نسخة «س»
ص: 24
الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «س»
ص: 25
الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة «ع»
ص: 26
الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ع»
ص: 27
الصورة

صورة الصفحة الأولى من نسخة «ق»
ص: 28
الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ق»
ص: 29
الصورة

صورة الصفحة الأولى والأخيرة من نسخة «ص»
ص: 30
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمدُ لِلّهِ على نِعَمِه وإفضاله والصلاة على سيدنا محمّدٍ وآله. وبعد فهذه تعليقةٌ خفيفةُ المَؤُونة، كثيرةُ المَعُونَةِ على حلّ بعض مشكلات القواعد وتقييد مطلقه والإشارة إلى المختار من مواضع إشكاله وخلافه، حيث يفتقر إلى تفصيل وتطويل عن مجرّد الفتوى بالقوة والضعف، وإلّا جعلناه مفرداً في محلّ آخر نقتصر فيه على المختار من فتاويه. ولنُصَدِّره بالبحث عن تعريف الطهارة على وجه مبسوط؛ لأنه من المواضع المهمّة وقد طال فيه كلام الأئمّة، فذكرنا منه ما يناسب المقام مع ما حضرنا فيه من الكلام، وعلى الله قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
173/1 قوله في الخطبة(1) : «المُتفضّل بإرسال الأنبياء لإرشاد الدهماء، والمتطوّل بنَصب الأوصياء لتكميل الأولياء».
إنّما نَسَب الإرشاد إلى الأنبياء والتكميل إلى الأوصياء؛ لأنّ الأنبياء يبتدئون بالهداية والدلالة على الدين، وأكثرُ الخلقِ قَبْلَ بَعثهم على الضلال فكانوا أولى بنسبة الإرشاد المنسوب إلى الدَهْماء وهم أكثرُ الخلق. وأمّا الأوصياء فإنّما يُقامون بعد تحققِ الدين وإرشاد الأنبياء إليه فكانوا بمنزلة المكمّلينَ لِمَن حَصَلَ له الإرشادُ مِن الأنبياء وهُم الأولياء ومَن في معناهم من متَّبعي الحق عند المصنِّف (2) فكانوا أولى بِوَصْف التكميل.
ص: 3
واعلم أنّ على العبارة سؤالاً مشهوراً وهو:
أنّ إرسال الأنبياء والأوصياء واجب على الله تعالى عند المصنف (1) وفريقة (2).
فكيف يجعله تفضّلاً وتطوُّلاً؛ إذهما دالان على جواز خلافه (3).
وأجاب المصنِّفُ عن ذلك لولده الإمام فخر الدين حين أورد عليه ذلك:
بأنّ إرسال الأنبياء موقوف على خَلق المكلّفين وتكميل عُقولهم، وخَلق الشهوات لهم والقدرة، وذلك كلُّه تفضّل، فلمّا كان الأصل المبني عليه تفضلاً كان الفرع أولى بالتفضّل (4).
وفيه نظر؛ إذ لا يلزم من التفضَّل بالأصل التفضَّلُ بالفرع، بل كثيراً ما يحصل بينهما الاختلاف في ذلك. وهو يظهر من جميع ما ذهبت المعتزلة(5) ، والإماميةُ (6) إلى وجوبه على الله تعالى للمكلَّفين. وفي غيره من الشواهد أن مملوك الغير وحيوانه لا يجب على غيره نفقته ولا شراؤُه فإذا اشتراه وجب ذلك عليه مع أنّ الأصل المبني عليه وهو الشراء غيرُ واجب والإنفاق الواجب فرعه، وغيرُ ذلك ممّا حُكمه واضح؛ بل لا يندفع السؤال إلا إذا جعل التفضّل أعم ممّا يجب ولو بضرب من التجوز.
174/1 قوله: «إجابة لالتماس أحب الناس إليّ، وأعَزّهم علي....».
جعله أحبّ الناس إليه وأعزّهم عليه المفيد باعتبار صيغة أفعل التفضيل انحصار الأحبيّة فيه الشامل للأنبياء والأئمة، حصر إضافي بقرينة المقام والمذهب مخصوص بمَن عدا مَن يجب حبُّه أزيد من وَلَده أو بالإضافة إلى أهل زمانه وأقاربه وأصحابه.ولا يدفع ذلك من تخصيص آخَرَ بالقرينة كما لا يخفى، وقد ورد في الحديث:
ص: 4
«لا يكمل إيمانُ المؤمن حتّى يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه من نفسه وولده »(1).
واعلم أنّ الظاهر أنّ ولده (قدس سره) لم يسأله تصنيف الكتاب لأجل انتفاعه به ذلك الوقت لأنّه كان صغير السن عن أهليّته، فإنّ مولده سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وقد عدّ المصنِّفُ (رحمه الله) هذا الكتابَ من جملة مصنفاته في الخلاصة (2)، وذكر ذلك في سنة اثنتين وتسعين وستمائة، فيكون سنّ ولده ( رحمه الله) حينئذٍ دون عشر سنين (3)، وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه المطوّلة وغيرها، وتاريخ ابتدائها قبل بلوغه ما ذكرناه من السنِّ.
وأما قولُ ولده فخر المحققين في شرح الخطبة: «إنّي لما اشتغلتُ على والدي في المعقول والمنقول، وقرأت عليه كثيراً من كُتب أصحابنا التمست منه تصنيف الكتاب....»(4). فهو عجيب بعد ما نقلناه من التاريخ.
قوله: «وأن يُوَسِّدَني في لحدي».
إسناد التوسيد إليه مجازي باعتبار السببية، وهو كناية عن الدعاء بأن يبقي بعده ويَحضُرَ جِنازته لا مباشرة توسيده في لَحْده؛ لأنّ دخول ذي الرحم مع غير المرأة مكروه كما سيأتي. ويمكن أن يريد ذلك ويختار كونه مستثنى كما ذهب إليه بعضُ الأصحاب(5) ، وقد ورد في بعض الأخبار (6) .
ص: 5
ص: 6
کتاب الطهارة
المقصد الأوّل في المقدمات
المقصد الثاني في المياه
المقصد الثالث في النجاسات
المقصد الرابع في الوضوء
المقصد الخامس في غُسل الجنابة
المقصد السادس في الحيض
المقصد السابع في الاستحاضة
المقصد الثامن في النفاس
المقصد التاسع في غُسل الأموات
ص: 7
ص: 8
[كتاب الطهارة
المقصد الأوّل
في المقدمات ]
177/1 :قوله «كتاب الطهارة» (1).
قال الشهيد (رحمه الله في حاشية الكتاب:
«الكِتابُ» اسمٌ لِما يجمع المسائل المتحدة بالجنس المختلفة في النوع.
و «المقصد» اسمٌ لما يطلب فيه المسائل المتحدة في النوع المختلفة في الصنف .
ومثله «الباب» و«الفصل».
و«المطلب» هو المائز بين المسائل المتحدة في الصنف المختلفة في الشخص(2) .
قلت: هذا الاصطلاح لا يتمُّ ؛ لأنّ المصنف رحمه الله) نفسه قد جَعَل بعض الكُتُبِ مقاصدَ وبعض المقاصدِ كُتُباً، وكذلك الفصول والمطالب فضلاً عن غيره والحقُّ أنّ جنسيّة المسائل ونوعيتها وغيرها أُمور اعتبارية تختلف باختلاف الاعتبار وهو منشأ اختلاف النظر في عنوان الأبواب؛ فلا يتم ما ذكره من الاصطلاح على إطلاقه.
ص: 9
[ الفصل الأوّل في أنواعها]
قوله: «الطهارة غسل بالماء أو مَسحُ بالتراب، مُتَعلِّق بالبدن على وجه له صلاحيّة التأثير في العبادة».
اصطلح أصحابنا (رحمهم الله)(1) على إطلاق الطهارة على كل واحد من الوضوء والغُسل والتيمم على وجه يبيح العبادة ولو بالصلاحية، وقد اختلفوا في تعريفها اختلافاً عظيماً لا يكاد يوجد معه تعريف سليم عن الطعن، حتى لجأ بعضهم (2) إلى أنّ المراد من تعريفها اللفظي لا الصناعي فلا يشترط فيه الاطراد والانعكاس.
ولنتكلم على تعريف المصنف هاهنا تحقيقاً وتحريراً:
فقوله: «غَسْلٌ بالماء» بمَنزِلة الجنس يَدْخُلُ فيه غَسل النظافة والنجاسة وغيرهما، ويَدْخُلُ فيه الغُسْل مطلقاً و بعض أعضاء الوضوء.
وقوله: «أو مَسْحُ بالتُراب». يَدْخُلُ فيه مَسْحُ الإناء أو غيره بالتراب، ويَدْخُلُ فيه التيمم، وأتى ب«أو» للتنبيه على عدم اجتماع الطهارة المائية والترابية غالباً؛ أو على أنّ كلّ واحد من الغسل والمشح متناول لنوع من أنواع الطهارة المعرفة؛ أو تجعل بمعنى الواو كما هو في بعض اللغات(3) لا للتردّد.
ص: 10
والباء في قوله: «بالماء» للإلصاق والآلة، وفي قوله: «بالتراب» للآلة لا غير؛ لأنّ إلصاقه عندنا غير مستحق.
وقوله: «مُتَعَلِّقٌ بالبدن ».
صفةٌ للغسل والمَسْح، وأفرده مع كونه صفة لهما نظراً إلى مدلول «أو» فإنّها لأحد الشيئين فأتُهما وقع كان متعلّقاً، أو إلى كُلِّ واحد منهما على انفراده.
وقوله: «على وجه».
يجوز تعلّقه ب-«متعلّق» وبقوله: «غَسْلُ أو مَسْحُ» على حد قوله: «متعلّق» والأوّل أرجح عند جمهور النحاة في تنازع العاملين (1).
والهاء في قوله «له» يتبع هذا التعلق فيعود إلى التعلق المدلول عليه باسم الفاعل أو إلى نفسه على الأوّل، وإلى الغَسل أو المشح على الثاني، والأولى عوده إلى «وجه» لأنه أقرب وأشدّ ملاءمة للمعنى، وعلى الأول والأخير الجملة وصفية؛ لأنّ متعلّقها نكرة، وعلى الوسط يجوز كونها حالية ووصفية؛ لكون المردّدين نكرتين موصوفتين.
وأتى ب«صلاحية التأثير» دون نفس التأثير؛ ليندرج فيه غُسل مثل الحائض و وضوؤها، والوضوء المجدّد ونحوه ممّا لا يؤثر بالفعل بل بالصلاحية، بمعنى أنه لو اقترن به مایتم به اعتبار التأثير أو خلا عن الموانع منه لأثر. وعلق التأثير بالعبادة دون الصلاة كما فعل غيره (2) لأنها أعم، وقد يؤثر بعض الطهارات في غير الصلاة ولا يؤثّر فيها كالتيمم لخروج الجنب من المسجدين، ووضوء الحائض للكون في مُصلّاها ذاكرةً، وغير ذلك مما لا يبيح الصلاة. وفي هذه المحترزات دلالة على أنه حاول فيه الاطراد والانعكاس وأنّه يختار كونه أحد الثلاثة مع صلاحيته للإباحة لا مطلقاً، ولكنّ
ص: 11
في دلالة الصلاحية على ما يريد منها خفاء؛ لأنه إن أراد بالصلاحية الفعل بحيث يكون مؤثِّراً في الإباحة كغسل الجنابة أو جزء المؤثر كغسل الحائض - انتقض بالأغسال المندوبة أجمع، وما لا يبيح من أفراد الوضوء كالتجديد عنده (1)، ووضوء الحائض عند الكل (2)، والوضوء للنوم ولجماع المحتلم وغيرها.
وإن أراد بالصلاحية ما يشمل الفعل والقوة ويعم القريبة والبعيدة بمعنى أنه لو اقترن بالفرد المذكور من الطهارة ما يجب اقتران غيره به، لأثر - دخل الجميع حتى وضوء الحائض والمصنّف لا يجعله طهارة (3)، والنصُّ مُصرّح(4) به. وما قيل - من الفرق بين ما يمنع الإباحة بحال كوضوء الحائض وما أخلَّ فيه بشرط لو أتي به لكان مبيحاً فإنّه صالح بالقوّة ومِن ثَمّ قال جمع بإباحة المجدَّد(5) . ومنهم من اقتصر على القربة (6) فأباح ما اشتمل عليها - إنما يفيد اختلافها بالقوة والضعف لادخول أحدها في الصلاحية دون الآخر. وقول بعضهم بإباحة المجدَّد، وآخرين بالاكتفاء بالقربة لادخل له في الصلاحية عندَ مَن لا يقول به إلّا بالقوة المذكورة وهي مشتركة. وعلى تقدير خروج وضوء الحائض بالنص يبقى وضوء المحتلم والنوم ونحو هما مما لا يبيح بالفعل، ومن الإشكال العام أنهم يحترزون في التعريف عن كثير من أنواع الوضوء والغُسْل، ثمّ يُقسّمون الطهارة إلى واجبةٍ ومندوبةٍ ويُقسمون المندوبة إلى ما يرفع وما لا يرفع فيُدخلون في التقسيم مالايدخلون في التعريف، وهو تجوز فاحش .
ص: 12
إذا تقرر ذلك فاعلم أنّ العلّامة نصير الدين القاشي قد أورد على تعريف المصنف عشرين إيراداً، وأكثرها في غاية الجَودة (1)، والمحقق السعيد الشهيد رَدَّها إلى سبعة عَشَرَ، وأجاب عنها أجمع بأجوبة متكلّفة غالباً(2)، ونحن نشير إليها وإلى ما فیها ونكملها بما يمكن وروده على التعريف طرداً وعكساً إن شاء الله تعالى.
أ: يخرج بقوله: «غَسل بالماء غسل الارتماس؛ لأنّ الغسل بالماء هو إجراؤه على البدن ولم يحصل هاهنا إلا تباعد أجزاء الماء عن أمكنتها ليخلو للبدن الداخل فيه مكان يشغله ومرور البدن على الأجزاء المائية وإن حصل لكنّه ليس بغسل.
ب: يخرج الوضوء بالمسح فيما إذا كان الوجه واليدان مجروحة وعليها جبائر لا يمكن نزعها ولا إيصال الماء إلى البشرة، فإنّ الحكم هاهنا المسح بالماء وهو خارج عنه.
ج: يخرج الوضوء مطلقاً فإنّه مركَّب من غسل بالماء ومسح به، وكلُّ مركب من شيئين (3) متغايري الوجود لا يصدق كلّ منهما على ذلك المركب، فلا يصدق على الوضوء أنّه غسل بالماء، وظاهر أنه ليس مسحاً بالتراب.
وهذه الثلاثة واردة على عكسه.
وجواب شيخنا الشهيد عن الجميع واحد وهو: أن المراد بالغَسل الإمساسُ بالماء، وهو شامل للكلِّ فلا يلزَمُ استعمالُ المُشْتَرَكِ والحقيقة والمجاز(4)، حيث إنه مستعمل في الإمساس مع الجريان وعدمه.
ص: 13
وفيه نظر؛ لأنّ الغُسْل حقيقة شرعيَّة في الإمساس مع الجريان، وبدونه يسمّى مسحاً لاغسلاً، والعرف دالّ عليه أيضاً، وكلام أهل اللغة لا ينافيه وإن لم يدلّ عليه أيضاً وأما الإمساس فهو جنس للغسل والمسح فلا يجوز تعريفه به وحده من دون فصل يخرج ما شاركه فيه لأنه أعم، ولو سُلّم ثبوت ما ادعاه لغة لم يضر؛ لأنّ الحقائق الشرعيّة مجازات لغوية لا يصح استعمالها في التعريف؛ نعم قد يتمحل دخول غُسل الارتماس من حيث تحقق الجريان حقيقةً أو حكماً بتعاقب الجريان على البدن، أو بخروجه من الماء بعد دخوله فيه ونحو ذلك.
د : يُنتقض في طرده بأبعاض الطهارة كغسل الرأس في الغُسل والوجه في الوضوء. فإنّ التعريف صادق عليه مع أنه ليس بطهارة؛ لأنّها منحصرة عندهم في الثلاثة.
وجوابه (رحمه الله) أنّ الأبعاض «ليس لها الصلاحية المذكورة»(1) هذا لفظه.
وفيه أنّ الصلاحيّة هنا على ما ذكره هي الصلاحية المطلقة متناولة للقريبة والبعيدة التامة والناقصة حتّى تتناول غُسل الجنابة وغُسل الحائض ووضوؤها، ولا فرق حينئذٍ بين وضوء الحائض وبعض وضوء المحدث، ولا بين غُسلها وبعض غسل الجنابة من حيث الصلاحية للتأثير في العبادة وإن افترقا من حيثية أُخرى. وأبعد منه الحك-م بصلاحية الأغسال المسنونة والوضوءات التي لا تبيح العبادة، دون أبعاض الطهارة التي تبيح بجملتها. ما هذا إلَّا عَيْن العناية أو التكلّف والقول بأنّ وضوء الحائض وغسلها - مثلاً - كلُّ منهما نوع تام وعبادة مستقلة بخلاف الأبعاض، لا يدلُّ على انتفاء الصلاحية رأساً كما لا يخفى.
ه- يُنْتَقَصُ في طرده أيضاً بغَسْل النّجاسة الخبئية عن البدن، فإنّ له صلاحية التأثير فيها من حيث إنّ النّجاسة مانعة عن صحتها مع القدرة على إزالتها إن أُريد مطلق التأثير. وإن أريد التأثير التام بحيث لا يتوقف معه على أمر آخر خرج وضوء الحائض وغُسلها وهو واضح.
ص: 14
وجوابه (رحمه الله): أنّ «المراد المُؤثر المُطْلَق في الاستباحة وغَسْلُ النّجاسة توجد الاستباحة بدونه»(1) كما إذا تعذَّر غَسل النّجاسة.
وفيه: أنّ صلاحيّة التأثير أعم ممّا ادعاه، وإرادة ما ذكره محوج إلى إضمار في التعريف يجب الاحتراز عنه، وإنّ إمكان الانفكاك لو استلزم خروجه عن المطلوب لزم خروج الأنواع الثلاثة التعريف فلا تجد فرداً يتعلّق به؛ إذ كلّ واحد منها يمكن انفكاكه عن التأثير مع قيام الآخر.
و: ينتقض في طرده أيضاً بمسح اليدين بالتراب على وجه يزيل النجاسة كأسفل القدم، أو يُجَفِّفُها حيث تعذر إزالتهارأساً كالموجودة في غيره، فإنّ العبادة تتوقف على تجفيفها حينئذٍ مع عدم كون ذلك طهارة.
وجوابه وما فيه كالسابق.
ز: في قوله: «غَسل أو مسح» ترديد، وهو ينافي التحديد؛ لأنه للتعريف، وفي الترديد إبهام وتشكيك.
وجوابه (رحمه الله) كغيره في نظائره أنّ الترديد في أقسام المحدود لا في الحدّ.
وفيه أنّه واقع في أجزاء الحدّ ،ضرورةً، والأولى أن يقال: إنّ الترديد في أقسام المحدود لا يفيد التردُّد ولا الشك، وفرق بين الترديد والتردُّد، والغرض منه بيان أقسامه كما يقال: الكلمة اسم أو فعل أو حرف، ومثله كثير. أو نقول: المراد بالترديد التقسيم كما قلناه وليس واقعاً في الحد؛ لأنّ الترديد إنّما هو في أحدهما معيَّناً، وأحدهما معيَّناً أخص من أحدهما مطلقاً فيكون غيره، وأحدهما مطلقاً هو المعتبر في الحدّ ولم يقع فيه ترديد فلا ترديد في الحدّ.
والحاصل، أن المراد كلَّما وقع على أحدهما كان طهارة، وغايته عدم الترديد.
ح: إنّ التقييد بالبدن يُخرج الوضوء بالمسح على الجبائر، فإنه لا يتعلق بشيءٍ من أجزاء البدن بل بالجبائر التي عليه، مع أنه طهارة صحيحة.
ص: 15
وجوابه: «أنّ التعلّق بالبدن أعم منه بواسطة وغيرها»(1) .
وفيه: أنّ الباء هنا تفيد الإلصاق فإنّه معنى لا يفارقها، ومن ثم اقتصر سيبويه (2)عليه، فيختص بالتعلّق الذي بغير واسطة؛ وأما الذي بواسطة فيحتاج إلى قيد يدلُّ عليه؛ لأنه خلاف الحقيقة. ولو سلّم صلاحيّة غير الإلصاق من المعاني التي لاتدلُّ عليه، جاء فيه محذور الاشتراك المانع من استعماله في التعريف بغير قرينة جليّة تعيّن المراد.
وفيه: أيضاً استعمال المشترك في معنييه، وهو مجاز عند المصنف (3) وأكثر المحققين لا يستعمل في التعريف مطلقاً.
ط : يخرج بالمتعلّق بالبدن منهما ما لا يَعُمُّه كالوضوء والتيمم مطلقاً، والغُسل على بعض الوجوه .
وجوابه واضح، فإنّ «التعلق به يَسْمَلُ جميعه وبعضه؛ وليس استعمالاً له في الجميع والبعض على جهة الاشتراك بل استعمالاً للتعلُّق فيهما على البدن» (4).
وفيه: أنه هرب بذلك من استعمال المشترك في التعريف فوقع فيما هو أخفى منه، إذ لا يدلّ على إرادة الاستعمال فيهما على البدل .دليل. وأيضاً فمُجرَّدُ استعماله فيهما على البدل لا يرفع الاشتراك إنما يرفع استعمال المشترك في معنييه معاً. والأجود في الجواب أنْ يجعل مفهوم التعلُّق بالبدن قدراً مشتركاً بين التعلق بكله وبعضه، وحينئذ فلا اشتراك فى اللفظ بل في المعنى وهو غير ضائر.
ى : التعلّق يطلق على معان كثيرة، يقال: المعلول متعلّق بالعلة، أي وجوده منها ويقال: العرض متعلّق بمحله، أي وجوده فيه، ويقال الإضافة يتعلّق بالمضافين أي يتوقف تعلّقها على تعلقهما؛ إلى غير ذلك من المعاني الواقعة في موارد استعمال هذه
ص: 16
اللفظة إما بالاشتراك اللفظي أو بالحقيقة والمجاز، وليس في التعريف ما يعين المراد منها.
وجوابه: أنّ «المراد به تَعَلَّقُ العَرَض بمحله»(1). وتحقيقه أن الطهارة إنما هي الغسل والمسح على الوجه المذكور، وهو عَرَض مِن مقولة الأفعال ومحلّه الجوهري البدن.
وفيه: أنّ الإيراد يوجه من حيث استعمال اللفظ المشترك وإرادة أحد معانيه من غير قرينة صارفة أو معيّنة في التعريف، ولا يخفى خفاء هذه القرينة على تعيين المراد منه على ما يحتاج إليه، ومطلق القرينة غير كاف في ذلك، بل القرينة الجليّة لتتحقق الفائدة من التعريف.
يا: إن أُريد أحد الأمرين من الغسل والمسح بعينه كان تعريفاً لنوع الطهارة لا لطبيعتها، أولا بعينه فلا يكون المعيَّن طهارة، والمطلق لا يوجد إلا في ضمن مقيَّد.
«وجوابه: المراد المطلق، ولا يلزم من عدم وجوده بدون المُقيَّدِ عدم إرادته»(2) .
والحاصل أن المعرَّف الماهية الكلّيّة، والمعيَّن منها طهارة من حيث إنّه بعض أفرادها ووجودها في ضمنه ولا يلزم منه عدم كونه طهارة كما يُطلق الحيوان الكلّي على الإنسان من حيث إنّه من أفراده لا الحيوان الكلّي المنقسم إليه وإلى غيره ،وفيه بحث .
يب: الطهارة جنس لكلّ واحد من الثلاثة الداخلة في الغسل والمَسح المذكورين فتعريفها بهما تعريف للجنس بالنوع وهو دَوْرٌ(3) .
وجوابه: منع النوعيّة أوّلاً؛ لأنّ الغسل والمسح ليسا نفس الثلاثة وإن أفادها، وإنّما يرد لو قيل: هي الوضوء أو الغُسْل أو التيمم كما صنع غيره. سلّمنا النوعية لكن جاز
ص: 17
أن تكون معرفة النوع ناقصة بحيث لا تتوقف على معرفة الجنس، ومعرفة الجنس مستفادة من معرفة الناقصة فلا دَور.
والأولى فى الجواب أن التعريف لا يعتبر فيه أخذ الجنس إلا إذا أريد التحديد، أما مطلق التعريف الشامل للرسم فلا، وحينئذ فيمكن رسم النوع على وجه لا يتوقف على الجنس فينتفي الدور، وهو واضح.
يج: الصلاحية مستدركة للاستباحة بوضوء الحائض عبادة ما كجلوسها في مصلاها ذاكرة فإنه عبادة، وكذا الوضوء المجدّد له صلاحيّة أن تقع به الصلاة ويؤثر في عبادة وهى امتثال الأمر الوارد به ونحو ذلك، فلا يكون خارجاً عن التعريف بدونها فلا يحتاج إليها.
«وجوابه: أنّ المراد بالعبادة المعهودة»(1) وهذه العبادات وأمثالها ليست بمعهودة.
وفيه: أنه مع إرادة العبادة المعهودة يخرج كثير من أفراد الطهارة عن الحد، كالأغسال المسنونة، وما لا يبيح من الوضوء، والمصنّف لا يرتضي بإخراجها مطلقاً.
يد: الصلاحية مشتركة بين القريبة والبعيدة، وليس في اللفظ ما يعين أحدهما، ولو عيَّن خرج بعض الأقسام وهو مادخل في غير المعيَّنة.
وجوابه: المراد بها الصلاحية المطلقة الشاملة لهما، والتقريب ما تقدم.
يه : المؤثر في العبادة ليس إلا الإنسان بواسطة قواه، والطهارة إنما تؤثر في رفع المنع الشرعي الذي اقتضاه الحدث، وذلك الرافع ليس بعبادة، فالطهارة ليست صالحة للتأثير في العبادة.
وجوابه : أنّ في الكلام حذف المضاف تقديره: «يؤثر في استباحة العبادة وحذف المضاف من المجازات المشهورة»(2) .
وفيه: أنّه لا يلزم من اشتهار مجازيّته جواز استعماله في التعريف، بل لا بُدَّ من
ص: 18
القرينة على إرادته، فإن ادعى حصولها فهي المسوّغ لا اشتهار المجازية.
يو: غسل التوبة عن الكفر والفسق بعدهما؛ لأنّ التوبة عنهما واجب مضيَّق لا يجوز الاشتغال قبله بمندوب، والمتأخر عن الشيء لا يكون مؤثراً فيه فلا يكون طهارة.
«وجوابه: التزام أنه ليس بطهارة»(1) .
وفيه: أنّ هذا الالتزام لا يناسب باقي الكلام حيث عدَّه من جملة الأقسام وإرادة كون الطهارة المقسّمة غير المعرّفة خلاف المفهوم من السياق ويخلّ بالفهم على الإطلاق.
يز: إن أراد بالعبادة الكلّ خرج جميع الطهارات؛ لأنّه لا تأثير لها في مثل السواك والمضمضة والاستنشاق لأكل الجنب مثلاً مع أنّه عبادة، وإن أراد البعض معيَّناً أو غير معيَّن فليس في اللفظ ما يدلُّ عليه، وإن أراد بعضاً ما - أي بعض كان - لزم الأوّل أو استدراك اللام (2)؛ لأنه نكرة.
»وجوابه: أنّ اللام للعهد وهو المعيَّن» (3).
وفيه: عدم ظهور هذا المعهود على وجه يكفي فيه إطلاقه، وقد تقدم الكلام على نظيره.
يح: يصدق التعريف على مَضمَضَة الجُنُب ووضوئه.
وجوابه ما ذكر قبله. وفيه ما فيه.
يط : الطهارة منقسمة إلى صحيحة ،وفاسدة، والفاسدة ليست داخلة في التعريف.
«وجوابه: المعرَّفُ خصّ الصحيحة»(4).والأولى في الجواب منع دخول الفاسدة في مفهوم الطهارة، والتقسيم لو سلّم فتجوز في المجاز.
ك: كلُّ تعريف صحيح إما حد أو رسم وهذا التعريف ليس بشيءٍ منهما فلا يكون
ص: 19
صحيحاً. أما أنه ليس بحدّ فلأنّ التعلّق بالبدن نسبة بين الطهارة والبدن والنسب متأخرة عن المنتسبين والمتأخر عن الشيء خارج عنه. وأيضاً صلاحية التأثير إنما يلحق بعد تحقق حقيقته في نفسه، وكلما يلحق الشيء بعد تحقق حقيقته فهو خارج عن حقيقته فلا يكون حدّاً. وأما أنه ليس برسم فلأنّ التام مشتمل على الجنس القريب والخاصة والناقص على الخاصة وغيرها دون الجنس القريب، وهذا التعريف ليس له خاصة.
وجوابه بأنّه رسم «الخاصة مركبة من القيود المذكورة»(1) . هذا لفظه وتنقيحه أنّ المعرّف يشتمل على قيود أربعة كلّ واحد منها أعم من الطهارة:
أوّلها: الغسل بالماء، وهو شامل لغسل النجاسة وغيرها.
وثانيها: المسح بالتُراب، وهو شامل لمسح الرجل به وغيره.
وثالثها التعلق بالبدن ومعلوم تعلق امور كثيرة به
ورابعها: الذي له صلاحية التأثير في العبادة ويَشرَك الطهارة في باقي الشروط، کالستر والاستقبال وعمومها و إن منع من كون كلّ واحد خاصة، لكن جاز أن تكون الخاصَّةُ مركّبة من المجموع، وظاهر أنها بعد التركيب لا توجد في غير المعرّف كما يقال: الخُفّاش طائر ولود، فإنّ كونه طائراً عَرَض عام وكذا الولود وحده ومع فرض اجتماعهما يصيران خاصة مركبة للخُفّاش فكذا هاهنا. ومع ذلك يحتمل أن يريد كونه رسماً ناقصاً، لأنه تعريف بالخاصة وحدها على مذهب بعض المنطقيين في جوازه بها كذلك (2) بناءً على أن القيود ليس فيها شيء ذاتي، كما صرح به الشهيد رحمه الله فى حاشية الكتاب. ويحتمل أن يكون رسماً تاماً يجعل الغَسْل والمَسْح جنساً لها لأنّهما ذاتيان بخلاف المتعلّق والمؤثّر فإنّهما عرضيّان كما سلف وهذا هو الأظهر.
ص: 20
والعجب من الشهيد (رحمه الله) أنه في الشرح (1) عند ذكر هذه الإيرادات وجوابها ذكر في أوّل المبحث « أنّ الغَسْل والمشح بمنزلة الجنس والتعلق بالبدن، كالفصل... إلى آخره (2) وهو يشعر بكونه حداً. ثم ذكر في آخره عند جواب الإيراد «أنّ الخاصة مركبة (3) كما أشرنا إليه، فيكون رسماً ناقصاً. وفي حاشية الكتاب اختار كونه رسماً تاماً، لكن استدلّ عليه بأنّ الغَسْل والمَسْح ليسا ذاتيين للطهارة، وليسا جزءين لها وانما هما جزئيان، وإنما كان رسماً تاماً لاشتماله على الأربع. ولا يخفى عليك عدم استقامة الدليل نفياً وإثباتاً، والأوجه ما ذكرناه من أنه رسم تام؛ لاشتماله على الجنس القريب والخاصة المركبة، والله الموفق.
177/1 قوله: «الطهارة غسل بالماء أو مشح بالتراب متعلّق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في العبادة».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
ليس حداً؛ إذ هو التعريف بالذاتيّات، والغسل والمَسْح ليسا ذاتيين للطهارة؛ إذ ليسا جزءين لها، وإنّما هما جزئيان. نعم، هو رسم تام؛ لاشتماله على الأربع. ولم يقل «اسم»؛ لئلا يكون تعريفاً لفظياً ولأنّ الاسم والمسمّى واحد في الخارج وإن افترقا في التفضّل، وعلَّة الشيء لا يكون نفسه (4).
قلت: فيه نظر من وجوه :
الأوّل: قوله: «إنّ الغَسْل والمَسْح ليسا ذاتيين للطهارة» وتعليله بكونهما ليسا جزءين في موضع المنع؛ لأنّ كلّاً من الأنواع الثلاثة مركب من الغَسْل والمشح وأشياء
ص: 21
أُخر - وهي الأمور المعتبرة فيها من الترتيب، والموالاة، وتعلقها بالأعضاء المخصوصة، وو
قوعها على الوجه المخصوص - فيكون مطلق الغَسْل والمسح جزءاً لها وإنما الجزء هو أحد الثلاثة، ولم يُعبر به المصنف كما فعلغيره، وعلى تقديره فعدم ذاتيته ممنوع أيضاً.
الثاني: قوله: «نعم» هو رسم لاشتماله على الأربع» الظاهر أنهيريد به العلل الأربع كما هو المعتاد ذكره في التعاريف الكاملة، وهي موجودة هاهنا بعضها بالتصريح وبعضها بالالتزام لكن دلالتها على الرسم التام ظاهر الفساد، إذ قد يجامع الحدّ ولا يجامع الرسم التام كما لا يخفى. ويمكن أن يريد بالأربع الغَسْل والمشح وكونه متعلقاً بالبدن، وكونه له صلاحية التأثير في العبادة، ويريد أنّ هذه الأربع تجتمع منها خاصة مركبة تختص بالطهارة وإن كان كلُّ واحد منها غير مختص وهذا مع كونه خلاف ظاهر إطلاق الأربع فيه أنّ الخاصة المركبة إنّما يحصل بها الرسم الناقص لا التام. وأيضاً الخاصة المركبة سواء تركبت من الأربع أو دونها، فلا وجه للتعليل بالأربع إلا بيان الواقع.
الثالث: قوله أخيراً: «وعلة الشيء لا يكون نفسه غير مرتبط بالمقام إلا بتكلف يحتاج تحريره إلى بسط في الكلام ومعه لا يتمُّ.
177/1 :قوله: (والكَوْن على الطهارة».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
في قراءة «الكَوْن» وجهان الجرّ بالنسق على ما قبله، فيكون في قوة يُستحبُّ الوضوء للكَوْن على طهارة وهو مشعر بجعل الكون على طهارة غايةً، وهو مستنكر؛ لتثليث غاية الوضوء؛ إذ هي الرفع أو الاستباحة، والكَوْن على طهارة لم يقل به أحد، وليس ذلك مستلزماً لهما؛ لوجوده حال الغفلة عنهما وعن كلّ واحد منهما، وظاهر أنّه ليس عين أحدهما، ولأنّ الكون على طهارة هنا هو الكون على وضوء، فيكون في قوة يستحبُّ الوضوء للكَوْن على وضوء، وظاهر فساده.
ص: 22
ويُقرأ بالرفع، وفيه وجهان: أحدهما معطوف على الضمير المستكن في «يستحبُّ».
وفيه أيضاً مناقشة؛ لأنّه في قوّة يستحبُّ الوضوء» و«يستحبُّ الكون على طهارة». وفيه رائحة التكرار وحاصله يستحبُّ الوضوء والوضوء.
فالأولى أن يرفع على أنه محذوف الخبر، أي والكون على طهارة يستحبُّ». فإن قلت: المدَّعى قائم أيضاً.
قلت: لا؛ لأنّ تلك الأسباب مشخّصة لذلك الوضوء، فكأنّها محصلة لما شدّ من أسباب الوضوء (1).
أقول: لا تكلّف في الوجهين معاً ولا تكرار أصلاً.
قوله: «فيكون في قوة يستحبُّ الوضوء للكون على طهارة، وهو مشعر بجعل الكون على طهارة غايةً» إلى آخره.
مندفع بوجهين: أحدهما: أنّ هذه الغاية تستلزم الإباحة، فلا يلزم التثليث.
والثاني: منع انحصار الغاية في الأمرين، فإنّ غاية الوضوء الذي لا يرفع الحَدَث ولا يبيح - كوضوء المحتلم للنوم والجماع ونظائره - ليست أحد الأمرين، بل الوضوء لما يباح بدونه غايته إيقاع الفعل على وجه أكمل منه بدونه، وهو في التحقيق أمر آخر غير الإباحة وإن تجوّز بعضهم (2) في ردّه إليها.
قوله: «ولأنّ الكَوْن على طهارة هنا هو الكون على وضوء، فيكون في قوّة يستحبُّ الوضوء للكَوْن على وضوء، وظاهر فَساده».
وقد تأمّلناه فلم نجده ظاهراً ولا واقعاً؛ لأنّ معنى الكَوْن على طهارة البقاء على حكمها، فيكون في قوة يستحبُّ الوضوء ليكون باقياً على حكمه، وهذا أمر غير الوضوء كما ادعاه.
ص: 23
قوله في قراءة الرفع: «أنه في قوة يستحبُّ الوضوء ويستحبُّ الكَوْن على طهارة، وفيه رائحة التكرار.
مندفع بأنّ استحباب الوضوء أوّلاً ليس مطلقاً كما ذكر؛ بل المراد أنه يستحبُّ الوضوء لمندوبي الصلاة والطواف وباقي الغايات ويستحبُّ الكَوْن على طهارة وهي غاية أُخرى مغايرة لتلك، فلا تكرار أصلاً.
وبهذا يندفع قوله: «إنّ حاصله أنه يستحبُّ الوضوء والوضوء». فإنّ الأمر ليس كذلك، بل يستحبُّ الوضوء لتلك الأمور، ويستحبُّ الوضوء لهذا، وهو واضح.
قوله: «فالأولى أن يرفع على أنه محذوف الخبر، أي والكون على طهارة يستحبُّ».
ما تقدّم بعينه آت :هاهنا فلا وجه للأولوية.
قوله: «لا ؛ لأنّ تلك الأسباب مشخّصة لذلك الوضوء، وما خرج عنها مشخص لهذا الوضوء، فكأنّها محصلة لما شدَّ من أسبابه».
فهذا الجواب بعينه دافع لما أورده سابقاً، ولا وجه لتصحيحه ما اختاره دون مارده. وهذا من غريب ما اتفق لهذا الفاضل المحقق من الكلام غير المنقح.
178/1 قوله: «والغُسل يجب لما وجب له الوضوء، ولدخول المساجد، وقراءة العزائم إن وجبا - ولصّوم الجُنُب مع تضيق الليل إلا لفعله».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
لا يقال: هذا يدلُّ على أنّ غُسْل الجنابة واجب لغيره، والمصنف لا يقول به؛ لأنا نقول: ليس فيه دلالة على ذلك: لأنّ القائل بأنّ غُسْل الجنابة واجب لنفسه يقول: إنه واجب موسع، وقد يتضيّق بتضيق عبادة واجبة مشروطة به، كذلك هاهنا (1)... إلى آخره.
ص: 24
قلت: كأنّ الشهيد (رحمه الله يجد بين إيجابه لنفسه ولغيره منافاة، وأنّها لا تندفع إلا بتكلُّف عدم إيجابه لغيره بوجه حتى حمله ذلك على حمل وجوب الغسل للصَوْم على تضيّق وقت وجوبه بتضيّق عبادة مشروطة به.
والحق أنه لا منافاة بين الحكم بوجوبه لنفسه ووجوبه لغيره، فإنّ مرجع ذلك إلى تعدد الأسباب وهو غير قادح كنظائره من أسباب الغُسل وغيره، فإنّ مَن يوجبه لنفسه يجعل وجود الحَدَث سبباً لوجوب الغُسل من جملة أسبابه، ويجوز مع ذلك أن يجعل وجوب عبادة مشروطة من جملة الأسباب، كالصلاة والصوم ودخول المسجدين وغيرها، فإنّ أسباب الشرع معرفات لا يضر تعدّدها.
وهذا هو الظاهر من جعله واجباً لتلك الأُمور المذكورة، فإنّ اللام ظاهرة في العلية. ولا وجه لتخصيص الإشكال بالصَوْم إلا من حيث التصريح فيه بغُسل الجنابة، وإطلاق الغُسل السابق المحتمل لإرادة غيره، والخلاف في وجوب الغُسل لنفسه مختص بغُسْل الجنابة من أغسال الأحياء وممّا يدلُّ على جواز تعدُّد الأسباب، وعدم المنافاة أنّ تلك الغايات إذا كانتْ مشروطة بالغُسْل ووجوب بعضها كالصلاة والصوم مطلق - كان شرطه واجباً لأجله، كما هو محقق في الأصول، فلا وجه وجه للعدول عن هذا الأصل من غير ضرورة.
ومعنى وجوبه حينئذٍ لنفسه أنه بوجود الحَدَث يجب وجوباً موسعاً إلى أن يتعلَّق بالذمة عبادةً واجبةً مشروطةً به فيتعدد السبب بتعدُّده، كما لو وجب الغُسْل بالجنابة، ثمّ تجدَّد حَيْض ومسّ ميّت وغيرها. ولو فرض وقوع الجنابة في وقت العبادة المشروطة به، اجتمعت الأسباب ابتداءً ويبقى الوجوب موسعاً أيضاً إلى أن يتضيَّق وقت العبادة المشروطة به فيتضيّق الوجوب بسبب ذلك. .
وتظهر الفائدة في نية الوجوب بعد حصول الحَدَث وقبل وقت العبادة، فإنه يتحقق وإن كان موشعاً فينوي فيه الوجوب، وفى نية الاستباحة فإنّها قبل التكليف بما يستباح بها لا تعتبر نيتها فيه لعدم الموجب لأنّ وجوب الغُسْل حينئذ للحدث لا لإباحة شيء،
ص: 25
فإذا دخل وقت عبادة مشروطة به أو تحقق وجوبها أو ما في معناه كتضيق الليل إلا لفعله بالنسبة إلى الصَوْم - تجدّد له سبب آخر يقتضي الاستباحة، فتعتبر نيتها حينئذ؛ لأجل السبب الطاري عند من يعتبر الاستباحة حينئذ، ولا يعد في اختلاف خواص الأسباب، فإنه يتحقق في غيره.
وبهذا التحقيق يمكن الجمع بين الأدلة الدالة على وجوبه لنفسه؛ لقوله : «إنما الماء من الماء»(1). و«إذا التقى الختانان وجب الغسل»(2) ونحوهما، والدالة على وجوبه لغيره كقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوَةِ فَاغْسِلُواْ ... وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُوا ) (3) وغيره المقتضي لوجوبه لأجل الصلاة، فإنّ غايته تعدد الأسباب وأمرها واقع سهل، وإن كان التحقيق يقتضي وجوبه لغيره، وحمل الأدلة المطلقة المؤذنة بوجوبه لنفسه على ما يدفع المنافاة.
قوله: «ولدخول المساجد».
يجب تقييده بالمسجدين أو بدخول يستلزم اللبث، وإلّالم يكن الدخول من غايا وجوب الغُسْل ويستثنى من ذلك غُسل المَس، فلا يمنع دخول المساجد قبله وكذا قراءة العزائم على الأقوى.
ويُفهم من قوله: «ولصَوْمِ الجُنُبِ» ثمّ قوله: «ولصَوْمِ المُستحاضةِ» أنّ صَوْم الماس ليس كذلك وهو كذلك فيصح بدون الغُسْل؛ للأصل، ويلحق بالمستحاضة الحائض المنقطعة والنفساء كذلك فلا يصحُ صَوْمها بدون الغُسل على الأقوى. ويجب تقييد الصَوْم فيهما بكونه واجباً وإلا كان الغُسْل شرطاً لا واجباً كغيره .
قوله: «ولصّوْمِ المُستحاضة مع غَمْسِ القُطْنَةِ».
التقييد بالغَمْسِ يُدخل حالتها الوسطى ويُخرج حالتها الدنيا، وليس الحكم مع
ص: 26
الغَمْسِ على إطلاقه، بل مقيَّد بما كان منه قبل صلاة الفجر وإن كان حدوثه بعد الفجر، أو بما كان معه سيلان وإن لم يستمر إلى وقت الظهرين أو العشاءين على الأقوى .
وكذا لو انقطع المتوسط الحادث بعد العشاءين أو قل قبل صلاة الفجر - لا إذا حصل أحدهما بعد الصلاة - فإنّه حينئذٍ بمنزلة القليل.
وفي حواشي الشهيد (رحمه الله) أنّ الحكم مقيَّد بقبليّة الفجر أو السيلان، وليس بجيّدٍ إلّا أن يحمل الفجر على صلاته تجوّزاً.
179/1 قوله: «ولا تداخل وإن انضمّ إليها واجب».
الأقوى التداخل مطلقاً وخصوصاً مع انضمام الواجب إليها؛ للنص ،(1) وكذا تتداخل أسباب الوضوء مطلقاً على الأقوى.
قوله : «ويقدّم ما للفعل».
يستثنى من ذلك غُسْل تارك الكسوف بالقيدين وغسل السعي إلى رؤية المصلوب، وغُسْل التوبة، وغُسْل قتل الوزغ، واعتذر الشهيد (رحمه الله) عن ذلك بأنّ «اللام» في قوله « للفعل» لام الغاية، أي يقدّم ما غايته الفعل. وهذه المذكورات أسباب لاستحباب الغُسْل وعلّة فاعلية له لا غايات مقدّم عليه (2).
وفي بعض النسخ المقروءة على المصنف استثناء التوبة، وهو ينافي هذا الاعتذار أنه ليس في الكلام ما يدلُّ عليه، فإنّ الكلام إنما يدلُّ على مجرد التعليل، وتخصيص بعض العلل يحتاج إلى أمر آخر.
واعلم أنّ ما يستحبُّ للمكان في معنى «ما للفعل»؛ لأنه يستحبُّ لدخوله.
قوله: «والتيمُّمُ يجب للصلاة والطوافِ الواجبَيْنِ، ولخروج الجُنُبِ من المسجدين، والمندوب ما عداه».
ص: 27
الأجود أن يقال: يجب لما تجب له الطهارتان عند تعذرهما، ويزيد «خروج الجُنُب إلى آخره ليدخل فيه قراءة العزائم، ومَس خط المصحف، والصوم حيث يجب، ولو لا ذلك لدخل في قوله: «والمندوب ما عداه» .
قوله: «ولخروج الجُنُبِ من المسجدَيْنِ».
الأقوى تقييده بتعذر الغُسل في المسجد بحيث لا يستلزم تنجيسه ولاقطع جزء منه بغیر غسل، وحينئذٍ فلا يختصّ الجُنُب بذلك، ولا فرق بين المحتلم فيه وغيره، ولابين الداخل جنباً عامداً وغيره. وإطلاق النصّ(1) بالتيمم مع ضعفه محمول على الغالب.
ص: 28
قوله: «الفصل الثاني في أسبابها».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
اختلفت عبارات الأصحاب - إلى قوله في آخرها - ومن هذا تبيَّن أنّ «السبب» أعمُّ من «الموجب» مطلقاً، وبينه وبين الناقض عموم من وجه (1).
قلت : ظاهره من حيث اللفظ عود ضمير وبينه» إلى السبب والمناسب من حيث المعنى عوده إلى الموجب؛ لأنّ السبب أعمُّ منهما معاً مطلقاً؛ لأن الأحداث المذكورة أسباب حيث وقعت، وإن تخلف المسبب عنها في بعض الأحيان لفقد شرط كالصغر أو وجود مانع كالحَيْض - فإنّ ذلك غير قادح في السببية. وكيف كان ففي عبارته حَزازةٌ وإخلال غير جيّد؛ لأنّه على الأوّل يكون مُخِلّاً بذكر النسبة بين السبب والناقض. وفي بعض النسخ تمام الحاشية يؤكد الأوّل؛ لأنه قال بعد ذلك: «والموجب أخص من السبب مطلقاً، وبينه وبين الناقض عموم من وجه» (2).
قوله: «من المعتاد وغيره مع اعتياده».
أراد بالمعتاد المخرج الطبيعي، ووصفه بالاعتياد باعتبار خلق مثله لخروج ذلك عادة، وتحقق السببية بخروج أحدهما منه. وإن لم يتكرّر على وجه يصير معتاداً، و المراد باعتياد غيره تكرّر الخروج منه على وجه يثبت ذلك عادةً، وإنما يعتبر ذلك مع عدم انسداد الطبيعي وإلا كان كالطبيعي.
ص: 29
قوله: «والاستحاضة القليلة».
في حاشية الشهيد (رحمه الله إيراد لغيره على الحصر في الستة:
أنه إن أراد الموجب للوضوء ليس إلا، فكان ينبغي ذكر القليلة وأحد قسمي المتوسطة، وإن أراد الموجب للوضوء في الجملة، فكان ينبغي أن يذكر الموجبات الأحد عشر (1) .
قلت: مراده الأوّل، ولا يفتقر إلى ذكر أحد قسمي المتوسطة وهو فيما عدا الصبح؛ لأنّ المتوسطة موجبة للغسل في الجملة فكانت من أسباب الغُسل وقد ذكرها فيها، وإيجابها للوضوء خاصةً في بعض الأحوال كإيجاب الكثيرة له أيضاً كذلك في العصر والعشاء، ولم يتعرّض لها حينئذٍ والحكم واحد وهو أنهما يوجبان الغُسْل بقول مطلق. وللتفصيل محلّ آخر.
قوله: «والمستصحب للنواقض - كالدود المتلطّخ - ناقض». نسبة النقض إليه مجاز باعتبار المجاور، وإلا فالناقض حقيقة هو الحدث الخارج معه.
قوله: «أو ذات عظم منه إنْ أُبينَتْ من حيّ».
المراد بذات العظم ما اشتملت عليه وعلى غيره؛ ليحصل الفرق بين المصاحب والمصاحب المستفاد من ذات .
ويفهم منه أنّ العظم المجرّد لا يجب بمسه الغُسْل وهو كذلك على الأقوى خلافاً للشهيد (رحمه الله) (2) حيث أوجبه له بالدوران وهو ضعيف. وفي قوله: «وإن أُبينت من حي» بعد حكمه بأنّها أبينت من الميت منافرة ظاهرة، ولو حذف استقام.
قوله: «وغُسل الأمواتِ».
ص: 30
معطوف على فاعل «يَجِبُ» وهو الغُسْل، أي ويجبُ غُسل الأمواتِ أو مبتدأ محذوف الخبر. ولا وجه لقطعه عن الأسباب السابقة، فلو قال: «وبالمَوْت» كما صَنَعَ الشهيدُ (رحمه الله )(1) كان أجود والمراد مَوْت المسلم ومن بحكمه غير الشهيد ومَن بحكمه.
قوله: «فإن انضم الوضوء فإشكال ونيّة الاستباحة أقوى إشكالاً».
الإشكال في عدم الإجزاء، فتكون قوَّة الإشكال فيه أيضاً فيضعف الإشكال في جانب الإجزاء ووجه الضعف أن نيّة الاستباحة تقتضي نية رفع الجميع، إذ لا تحصل بدونه فيحصل ما نواه؛ للخبر (2)، ومثله ما لو نوى رفع الحَدَثِ. والأقوى الإجزاء مطلقاً.
ص: 31
180/1 قوله: «وأقله مثلاه».
الأقوى وجوب غَسْله مرتين وكذا في غير الاستنجاء؛ للنصوص الكثيرة الدالة عليه (1)، ولعلّ المِثلين كناية عن الغَسْلتين.
قوله: «ويُجْزِئُ ذو الجهات الثلاث».
الأقوى اشتراط تعدّده منفصلاً.
قوله: «ولا يُجْزِئُ المستعمل».
بل يُجْزِئُ مع طهارته، كالمكمّل للعدد حيث يحصل النقاء قبله.
181/1 قوله: «أو فُصُّه من حَجَر زمزم».
هذا الحكم ورد في رواية (2) مقطوعة مجهولة السند، ومع ذلك فيه إشكال، من حيث أنّ زمزم من جملة المسجد فلا يجوز أخذ الحصى منه كباقيه، وحمله على الوقوع لا الجواز أبعد، واستثناء أخذ الفص للتبرك أشدّ بُعداً؛ فإنّ ذلك لا يكفي في معارضة ما وقع
ص: 32
الاتفاق عليه من المنع من أخذ الحصى منه. ويمكن تقريبه بما يخرج من البئر على وجه الإصلاح، فإنّه لا يعدُّ جُزءاً منه كالقُمامة (1). وفي بعض ألفاظ الرواية بالسند بعينه بدل «زمزم» زمرد، وهو الأنسب، ولعلّ الأوّل تصحيف.
قوله: «وعندي أنّ التيمُّم إن كان لعذر لا يمكن زواله كذلك».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
هذا القيد بعد إمكان زوال العذر إنما يحتاج إليه؛ لإطلاق الحكم الأوّل، أعني جواز الوضوء قبل الاستنجاء، فإنّه يشمل صورتي سعة الوقت وضيقه؛ ولما كان التيمم قبل الاستنجاء جائزاً مع ضيق الوقت عند الكلّ، أمّا مع سعته فإنه يبني على وقت التيمُّم وكان التفصيل عنده قويّاً قيد السعة به (2)... إلى آخره.
قلت: هذا الحمل إنّما يتوجّه لو تمّ له اتفاق الكلّ على جواز التيمم قبل الاستنجاء مع ضيق الوقت لينتفي به ما يتبادر من العبارة وهو كون المراد أنّ العذر إن كان مرجُو الزوال لم يصح التيمم قبل الاستنجاء، ويلزمه حينئذٍ أنّ القائل باعتبار الضيق مطلقاً لا يجوز تقديمه عليه مطلقاً، فإنّ هذا المعني هو المتبادر من العبارة، لكن عدول الشهيد (رحمه الله عنه يعارض ما ادعاه من الاتفاق على جواز تقديمه عليه مع ضيق الوقت، فكذا مع ما في معناه وهو رجاء زوال العذر عند القائل بالتفصيل، فإذا ثبت هذا لم يمكن حمله على المعنى المتبادر منه الذي ذكرناه ولكنّ هذه الدعوى من الاتفاق غير صحيحة، فقد صرّح جماعة بالخلاف في جواز تقديم التيمم على الاستنجاء مع الضيق.
فمنهم من منعه(3) ؛نظراً إلى أنه لا يتحقق الضيق بذلك، حيث إن الوقت يبقى منه
ص: 33
ما يزيد على مقدار الصلاة بما يسع إزالة النجاسة.
ومنهم من أجازه (1) حينئذ؛ نظراً إلى أنّ المراد بضيق الوقت ضيقه عن الصلاة وشرائطها المفتقر إلى تحصيلها ومنها إزالة النجاسة، فيستثنى وقتها مع وقت الصلاة، فلا ينافي الضيق على القول به كغيره من الشرائط. وقد صرّح المصنِّف في التذكرة بهذا المراد فقال:
أمّا التيمُّم قبل الاستنجاء فعندي إن كان لعذر لا يمكن زواله صح وإلا فلا، ومَنْ شَرَطَ التضيق أبطله ومَن لا فلا - ثمّ قال - ولو كان على بدنه نجاسة في غير محلّ الفرض فتوضأ قبل إزالتها صح، ولو تيمم فكالاستنجاء (2). انتهى.
وهذا -كماترى - صريح في القطع ببطلان التيمُّم قبل الاستنجاء لمن اعتبر الضيق أو قال بالتفصيل حيث يُرجى زوال العذر فكيف يدعى الاتفاق على جواز التيمم قبل الاستنجاء مع الضيق مطلقاً!؟ وحينئذٍ فحمل كلام المصنف هاهنا على ظاهره موافقاً للتذكرة أولى وكأنّ الحامل للشهيد (رحمه الله) على ما ذكره قطع صاحب الشرائع (3) بجواز تقديم التيمُّم على إزالة النجاسة مع ضيق الوقت فبنى عليه العبارة، وليس كذلك، بل حكم صاحب الشرائع مبني على القول الثاني من القولين، وهو المختار عندنا إلا أنه خلاف ما ذهب إليه المصنف (رحمه الله) في القواعد (4) ظاهراً، وفي غيره (5)صريحاً.
ص: 34
182/1 قوله: «وهو المطهِّر من الحَدَثِ والخَبَثِ خاصّة».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
المراد [به](1) أنّ الماء المطلق مطهر خاصةً منهما، و «خاصةً» تأكيد للحصر المستفاد من حصر المبتدأ في الخبر .... إلى آخره (2).
قلت: حصر المبتدأ في الخبر على تقدير تسليمه إنّما يفيد انحصار الماء المطلق في المطهر لا انحصار المطهر في الذي هو المقصود، فإنّه إنما يتم مع حصر الخبر في المبتدأ وهو غير متحقق كما لا يخفى، وإنما التحقيق أنّ «خاصةً» مفيدة لحصر الخبر في المبتدأ الذي لم يدلّ عليه دليل غيرها. ويحصل من حصر المبتدأ في الخبر الذي هو مقتضي الجملة، ومن «خاصة» المفيدة لحصر المطهر فيه، انحصارُ كلّ من المبتدأ والخبر في صاحبه، إلّا أنّ «خاصَّةً» تُفيد التأكيد.
ص: 35
قوله: «فأقسامه ثلاثة».
جعل الأقسام حينئذٍ ثلاثة جارٍ على مذهب المشهور من عدم اعتبار كرية الجاري. أمّا على مذهب المصنّف فكان الأولى تثنية القسمة؛ لأنّ الجاري عنده كالواقف. ولو أراد جعلها ثلاثة باعتبار الخلاف فيه أمكن جعله أربعة باعتبار الخلاف في الأواني والأمر سهل.
قوله: «التي هي مدار الطهورية وزوالها». قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته: «المدار ترتُّب الشيء على الشيء الذي له صلوح العلية... » (1)إلى آخره.
:قلت ما ذكره تعريف للدوران لا للمدار، فإنّ المدار في عرف أهل المناظرة هو الشيء المرتب عليه شيء آخر على وجه يكون للأوّل أعني المرتب عليه - صلوح العلية في الثاني ويختصّ الثاني باسم الدائر. ثم الدوران ينقسم ثلاثة أقسام؛ لأنّ الترتب المذكور إمّا أنْ يكون وجوداً لا عدماً، أو بالعكس، أو معاً
فالأوّل كترتب الملك على البيع، فإنّ وجوده مرتب على وجود البيع، ولا يلزم من عدم البيع عدمه لجواز الهبة.
والثاني كالطهارة بالنسبة إلى جواز الصلاة، فإنّ عدمها مستلزم لعدمه، ووجودها قد لا يستلزم وجوده؛ لفقد شرط آخر أو وجود مانع.
والثالث كوجوب الرجم بزني المحصن، والأوصاف المذكورة من هذا القسم، وهو عمدة الباب.
واعلم أيضاً أنّ في عبارة الكتاب تكلُّفاً؛ لأن تغير الأوصاف الثلاثة بالنجاسة إنما يكون مداراً للطهورية، وزوالها أن لو كان للماء المطلق رائحة ولون مخصوص وطعم كذلك، وظاهر عدم اشتراط ذلك، بل عدم وجوده غالباً، وإنّما المراد أنّ الماء إذا اتصف
ص: 36
بإحدى صفات النَجاسة الثلاثة حكم بتنجيسه، وإن لم يتصف بها أو بأحدها كان طاهراً على أصله سواء اتصف بصفة أُخرى أم لا، فعلى هذا يكون الاتصاف بأوصاف النجاسة وعدمه [ دائراً] مدارَ النّجاسة وزوالها لا الطهورية إلا بنوع تكلُّف.
وفي النهاية جعل الأوصاف [دائرةً] مدار الطهارة (1) واقتصر ، وهو أشدُّ َتكلُّفاً، وحمل رائحة الماء على سلامته من رائحة مكتسبة وإن لم يكن له في أصله رائحة تجوّز آخر؛ لأنّ الرائحة المحكوم بها عرض لا بدّ لفرضه بطريق الحقيقة من تحقق في الخارج.
قوله: «ولو تغيّر بعضُه نجس دون ما قبله وما بعده».
قال (رحمه الله) في حاشيته :
ليس قوله: (وبعده» على إطلاقه، إنّما يتمّ لو كان كُرّاً، فإذا نقص نجس أيضاً وإن كان المجموع كُرّاً إن اعتبرنا الكريَّة في الماءالجاري.... (2) .. إلى آخره.
قلت: هذا التعقيب حق لكنَّه ليس بمجرد، فإنّ المعتبر في عدم نجاسة ما بعده أحد الأمرين كونه كُرّاً، أو عدم قطع المتغيّر عمود الماء ليبقى الاتصال بين ما قبل المتغيّر وما بعده، [ مع كون المجموع كُراً] (3)، كما ينبه عليه في آخر الحاشية (4).
قوله: «ويلزمه اعتبار الكرّيّة في ماء المطر»(5) .
هذا حق بالنسبة إلى إطلاق العبارة، والذي تقتضيه عبارة المصنف أنه جرى في هذه الأحكام على مذهب الأصحاب لاعلى مذهبه، وأخذ عبارتهم في عدة مسائل ولكن حيث اعتبر كرّية الجاري فمراده أنّ ماء المطر كالجاري مع كونه كرّاً وإن نَقَصَ ماء المطر عنه. وحينئذٍ فلا وجه للتخصيص بالجاري؛ لأنّ الماء مطلقاً كذلك.
ص: 37
قوله: «يتوجه سؤال اعتبار الكرّ في الجاري دون المطر» (1).
قلت: بين المائين فرق من حيث النصوص(2) ؛ فإنّ مَنْ لم يعتبر كرّية الجاري استدل عليه بما ورد من نفي البأس عن البؤل في الجاري (3)، كما ذكره الشيخ (4)، والجماعة (5). وهو في التحقيق لا يدل على مطلوبهم، فلا يخصص قوله (علیه السّلام): «إذا بلغ الماء كُرّاً لم ينجسه شيء» (6) الدال بمفهوم شرطه على انفعاله لو كان دون الكُرّ مطلقاً، بخلاف ماء المطر فإن النصوص (7)الواردة بحكمه مصرحة بعدم انفعاله بالنجاسة مطلقاً، فتكون مخصصةً لذلك العام أو مقيدة لمطلقه، فحصل الفرق.
183/1 قوله: «وماء الحمام كالجاري إنْ كان له مادّة هي كرّ».
الأقوى الاكتفاء بكون المجموع من المادة وما في الحوض كُرّاً مع تواصلهما مطلقاً. نعم، لو تنجس الحوض قبل اتصال المادة به اعتبر كُرّية المادة وحدها، وحينئذٍ فيُطهّر الحوض باتصاله بها مطلقاً على الأقوى.
قوله: «لو وافقتِ النّجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي: الحكم بنجاسته إنْ كان يتغيَّر بمثلها على تقدير المخالفة، وإلا فلا».
الأقوى اعتبار التغيّر الحسّي خاصةً لا المقدّر ، ولا فرق بين الجاري وغيره في ذلك.
ص: 38
نعم، لو اشتمل الماء على صفة عرضيّة تمنع من ظهور التغير بالواقع من النجاسة باعتبار أوصافه الذاتية له. اتجه تقديره سليماً من المعارض لا تقديرها بغير الواقعة مطلقاً.
قوله: «لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة».
التمثيل بالجاري جارٍ على المشهور من عدم اعتبار كُرّيّته، وعلى مذهب المصنّف فالتمثيل بالكثير أولى، ولافرق حينئذ بين تساوي سطحيهما وعدمه على الأقوى، مع صدق الوحدة عليهما عرفاً .
هذا باعتبار النّجاسة الطارئة على الواقف القليل، أما لو سبقت على الاتصال اعتبر في طهارته تساوي السطوح أو عُلق الجاري.
ص: 39
185/1 قوله: «والأقرب وجوب التيمم».
قال (رحمه الله) في حاشيته بعد نقله عن الشيخ عدم وجوب التيمم مع جواز الوضوء به (1):
قيل: «فيه تضاد» (2).
وأجيب بأنّ [وجوب] (3) الوضوء مشروط بوجود الماء والتمكن منه، ومطلق بالنسبة إلى تحصيل الماء ،واستعماله فلا يجب إيجاد الماء؛ لعدم وجوب شرط الواجب المشروط، ويجب الوضوء مع حصوله (4).
قلت: لا ريب أنّ الوضوء واجب مطلق، فيجب تحصیل شرطه المقدور من غير فرق بين أفراد شرطه، وإذا كان التيمُّم محصّلاً للماء المطلق وهو مقدور كان واجباً سواء سمّينا هذا الفعل إيجاداً للماء أم لا، وإطلاق كون إيجاد الماء غير واجب نظراً إلى المتبادر من معناه وهو خلقه، فإنّه غير مقدور وإلا فالضابطة القدرة عليه وعدمها وإيجاده بهذا المعنى مقدور، فالتناقض متحقّق.
وأما تعليل الشيخ عدم الوجوب بعدم استلزام الاشتباه في الحسّ إيجاد الحقيقة وصحة الوضوء لصدق الاسم، ففيه، أنّ المعتبر في جواز الوضوء به إن كان صّحة
ص: 40
إطلاق إسم الماء عليه وجب تحصيله حيث هو قادر عليه، وإن كان وجود حقيقة المطلق في نفس الأمر ولا عبرة بإطلاق الاسم ظاهراً لم يجز الوضوء به حيث لم يحصل الشرط، فاعتبار أحد الأمرين في جواز الوضوء والآخر في تحصيله غير جيد.
ص: 41
186/1 قوله: «وغسالة الحمام لا يجوز استعمالها».
لم يعبر بكونها نجسة؛ لعدم دليل يدلُّ على نَجاستها، وإنما المروي عن الكاظم (علیه السّلام) النهي عن الاغتسال بها (1)، لكنّ الرواية مرسلة ضعيفة، ومن ثم حكم في المنتهى بطهارتها (2)، وفي كثير من كتبه بنجاستها صريحاً(3)، وهو المشهور بين الأصحاب (4)؛ بل ادعى عليه ابن إدريس الإجماع (5)، والعمل به أحوط.
قوله: «والمتخلّف في التَوْب بعد عَصْره طاهر، فإن انفصل فهو نجس».
بناءً على أنّ الحكم بطهارته رخصة وعفو، وإلّا فهو ماء قليل لاقى نجاسة فيقتصر فيها على موضع الحاجة وهو بقاؤه في الثوب؛ أو على ما اختاره المصنف في المختلف من أنّ الغسالة لا تنجس إلا بعد الانفصال (6)، وإلا لما طهر المحلّ، وهو ضعيف.
والأقوى أنه بعد الحكم بالطهارة لوقوع العصر المعتبر يطهر المتخلّف مطلقاً. وموضع الخلاف في ماء غسالة يحصل بها الطهارة وهي المتممة للعدد المعتبر. أما بعدها فهو طاهر مطلقاً، وربما قيل: يتعدد الحكم مطلقاً.
ص: 42
قوله: «فإنّما يطهر بإلقاء كر دفعة عليه، لا بإتمامه كُرّاً على الأصح...».
هذا الحصر إضافي بقرينة قوله بعده: «لا بإتمامه كُرّاً» وإلا فإنّه يطهر أيضاً بتقاطر المطر عليه، واتصاله بالجاري الكثير، وبمطلقه عند المصنف.
قوله: «ولا بالنبع من تحته».
بناءً على اعتبار كُريّة النابع ، أو مع خروجه تَرَشُّحاً، وإلا طهر بالنبع.
قوله: «وإلا وجب إلقاء كُرّ آخر، فإن زال وإلا فآخر».
هذا إذا لم يبق مع ذلك كرّ غير معيّن وإلا كفى تمويجه وتقويته على وجه يزيل التغير وزواله بالريح وغيره كما لو تغيَّر ما يزيد عن الكُر وبقى الباقى كُرّاً.
187/1 قوله: « والجاري يطهر بتكاثر الماء وتدافعه حتى يزول التغيّر».
هذا إنّما يتم على قول غيره بعدم اعتبار كُريّته(1) وقد جرى عليه فيما تقدَّم كثيراً (2)؛ أما على قوله فحكمه حكم الواقف، فما كان منه قليلاً فطهره كطهر القليل، وما كان منه كثيراً فطهره كطهر الكثير.
قوله: «مالم يسلبه الإطلاق فيخرج عن الطهورية».
وعن الطهارة أيضاً على الأقوى.
قوله: «ونزح كُرّ لمَوْت الدابة أو الحمار أو البقرة».
ص: 43
مورد النص (1) مع ضعفه الحمار والبغل، وإلحاق غيرهما بغير المنصوص أجود.
قوله: «وثلاثين لماء المطر المخالط للبول، والعَذِرَة، وخُرءِ الكِلابِ».
الحكم معلق على مخالطة الجميع؛ سواء كانت أعيانها موجودة فيه أم لا، ولو اشتمل على بعضها فإن كان يوجب ذلك أو أزيد فكالجميع، وإن كان يوجب أقل اقتصر على موجبه كبول الصبي.
188/1 قوله: «أوجب بعض هؤلاء نزح الجميع فيما لم يرد فيه نص، وبعضهم أربعين».
مستند الأربعين غير واضح، ومثله قول المصنف في المختلف بثلاثين (2)، وحيث يحكم بنجاسة الماء فلا يقين بطهارته من حيث النزح بدون الجميع.
قوله: «ولا فرق في الإنسان بين المسلم والكافر».
هذا هو المشهور، ووجهه شمول لفظ الإنسان لهما، وهو حسن إن وقع الكافر في الماء ميّناً، أما لو وقع حيّاً نجس الماء قبل موته بما لا نص فيه، فلا يزيلها ما نص عليه بعد ذلك. نعم، لو أوجبنا بما لا نصَّ فيه ثلاثين أو أربعين وحكمنا بتداخل النجاسات مع الاختلاف كفتِ السبعون وإلا فلا.
قوله: «الحوالة في الدلو على المعتاد».
على تلك البئر، ولو اختلفت فالأصغر مجزى والأكبر أفضل، ولو انتفت العادة عليها فالأقوى الاكتفاء بما يعتاد على غيرها، ولابد من مراعاة مُسَمّاه عرفاً فلا يكفي نحوآنية الفَخّار حيث لا يُسمّى دلواً.
قوله: «فلو اتخذ آلة تسع العدد فالأقرب الاكتفاء».
عطفه على ما سبق بالفاء غير جيد، إذ لا يلزم من الحوالة على المعتاد الاكتفاء
ص: 44
بذلك، بل قد ينافيه ؛ لأنّ العدد المعتبر شرعاً لا يدخل فيما اً لا يدخل فيما جمع ماؤُهُ خاصةً ؛ لجواز أنْ يكون للتعدُّد مدخل في التطهير كما اتفق مثله في تطهير غيره، والأقوى عدم الاكتفاء به.
قوله: «حكم بالنّجاسة من حين الوجدان».
هذا على قول المصنف بتنجيسها بالتغير خاصةً - واضح؛ لإمكان حدوثه حين الوجدان وإن تقدَّم وقوع الجيفة (1).
أما على القول بتنجيسها بالملاقاة فقد يشكل على تقدير القطع بتقدمها، والأقوى حينئذٍ الحكم بالنجاسة في آخر أوقات إمكان وقوعها حتى لو أمكن حين الوجدان فكالتغيير.
قوله: «فيجوز أن يتولاه الصبي».
يستثنى منه التراوح، فإنّ المعتبر فيه القوم، والصحيح أن المراد بهم الرجال.
قوله: «لو تكثرت النّجاسة، تداخل النزح مع الاختلاف وعدمه».
الأقوى عدم التداخل مطلقاً إلّا أنْ يتحقق الانتقال من الأوّل إلى معنى آخر منها، كما لو صار الدم كثيراً بعد أن كان قليلاً فيدخل الأوّل في الثاني.
قوله: «إنّما يجزئ العدد بعد إخراج النّجاسة أو استحالتها».
المراد بالعدد المعتبر إخراجه في طهارة البئر، سواء كان موجب النّجاسة الأُولى أو غيرها، وحينئذ فلا يرد أنّ عدد العَذِرَة اليابسة غير مجزىء بعد استحالتها والمراد بالاستحالة خروج النجاسة عن حقيقتها النوعية - وإن بقى الماء متغيّراً بها على وجه لا توجد معه الحقيقة. فلا يرد ما قيل: من أنّ الماء المتغير بالدم يوجب نزح أكثر الأمرين من العدد المعتبر في الدم، وما به يزول التغيير (2)، فيتحقق الاجتزاء ببعض
ص: 45
النزح قبل الاستحالة ما عرفت من أنّ مثل ذلك يعد استحالة. ولو فرض بقاء حقيقة الدم منعنا من الاجتزاء به.
188/1 قوله: «ولو اتصلت بالنهر الجاري طهرت».
بشرط أن تساويه أو يعلو عليها كغيرها من المياه النجسة إذا اتصلت به.
189/1 قوله: «ولوزال تغيّرها بغير النزح والاتصال فالأقرب نَزْح الجميع».
قويٌ إلا أن يعلم دخول القدر المعتبر في زوال التغيير فيما هو أقل من الجميع، فيجزئ ما يتحقق به زوال التغيير على تقديره.
ص: 46
قوله: «يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة وإزالة النجاسة مطلقاً، وفي الأكل والشرب اختياراً».
فسّره المصنف في النهاية (1) بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدثين، لا بمعنى الإثم بذلك، ويمكن تفسيره بما نفاه على تقدير اعتقاده شرعيّة ذلك أو مع الاعتداد بالعبادة ه؛ لأنه إدخال في الشرع ماليس منه أو ترك العبادة الواجبة.
قوله: «فالوجه الوضوء والتيمُّم».
قويٌ، ويجب تقديم الوضوء على التيمم.
قوله: «وكذا يصلّي في الباقي من الثوبين وعارياً»
بل تجب الصلاة في الباقي خاصةً وتُجزى.
قوله: «وهل يقوم ظنّ النّجاسة مقام العلم ؟ فيه نظر، أقربه ذلك إن استند إلى سبب، وإلا فلا».
أراد بالسبب ما نصبه الشارع سبباً لثبوت مثل ذلك، كشهادة العدلين لا مطلق السبب. والمراد بالسبب في قوله: ولو شهد عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول وإن استند إلى السبب» - ما به حصلتِ النّجاسة من نحو البول والدم وغيرهما لا السبب الأول، ونته بالثاني على خلاف بعض العامة (2)، حيث اكتفى به معه لا بدونه للاختلاف في
ص: 47
أسباب النجاسات فلا يقبل المطلق.
190/1 وقوله: «ويجب قبول العدلين».
كان تفريعه وما قبله بالفاء على السابق أجود وإلا ففيه شائبة التكرار والأقوى اشتراط تبيين العدلين السبب إلا أن يكون مذهبهما كمذهب من أجزأه فيكفي الإطلاق، وحينئذٍ فيمكن أن يريد بالظنِّ الشرعي كشهادة العدلين، ويريد بإستناده إلى السبب تبيين سبب النّجاسة كمعناه الثاني، ولكنّ إطلاق الظن وإرادة ذلك غير جيد.
قوله: «فإن عارضهما مثلهما فالوجه إلحاقه بالمشتبه».
يتحقق التعارض بين البينتين بتنافي شهادتهما على وجه لا يمكن الجمع، كما لو شهدت إحداهما بنجاسة في وقت معيّن بكلب معيّن، فتشهد الأخرى بكون الكلب في ذلك الوقت كان في مكان لا يمكنه الوصول فيه إلى الإناء ونحو ذلك.
أما لو شهدت إحداهما بنجاسته والأخرى بطهارته حُكم بالنجاسة ولا تعارض؛ لإمكان الجمع باطلاع بينة الإثبات على مالم تطلع عليه بينة النفي، ومثله القول لو تعارضتا في إنائين والقول حينئذ بإلحاقه بالمشتبه قوي.
قوله: «ولو أخبر الفاسق بنجاسة مائه أو طهارته قُبِل».
إنّما يقبل في نَجاسته قبل استعمال الغير له بإذنه، أما بعده فلا.
قوله: «ولو اشتبه استناد مَوْت الصيد في القليل إلى الجرح أو الماء احتمل
العمل بالأصلين، والوجه المنع».
الأصلان هما طهارة الماء وتحريم الصيد؛ لأصالة عدم حصول شرائط تذكيته، إلا أنّ الجمع بينهما يفضي إلى الجمع بين المتنافيين لاقتضاء طهارة الماء حلَّ الصَيْد وتحريمه نَجاسة الماء.
قيل (1): لا يتحقق التنافى إلا إذا جعل تحريم الصيد مستنداً إلى العلم بعدم التذكية التي
ص: 48
هي عبارة عن مَوْته حَتْفَ أنفه، لا إذا جعل مستنداً إلى عدم العلم بالتذكية؛ لأنّ الحكم بطهارة الماء يستلزم عدم العلم بوجود النجاسة لا العلم بعدمها في الواقع، بدليل أن-ه لوشك في نَجاسة الواقع ينجس الماء قطعاً.
قلت: التنافي هاهنا يتحقق في الثاني أيضاً؛ لأنّ عدم العلم بمَوْت الصيد برميه الموجب لذكاته كافٍ في الحكم بعدم ذكاته المستلزم لنجاسته، فترتفع به أصالة طهارة الماء، وهذا الخلاف ما استدلّ به من الشك في نَجاسة الواقع؛ لأنّ الشك في نجاسة شيءٍ إذا لم يرجع إلى أصل نَجاسته يحكم بأصالة طهارته، والأمر هاهنا من الأول لا من الثاني، فيتحقَّق التنافي، وحينئذ فالقول بنجاسة الماء أجود.
قوله: «ولا يطهر العجين النجس بخَبزه، بل باستحالته رَماداً».
وكذا يظهر بوضعه في الكثير بعد خَبزه بحيث يتخلله، وقبل خَبزه إن أمكن ذلك بترقيقه ونحوه.
قوله: «وروي(1) بيعه على مستحلّ الميتة».
الأقوى جواز بَيْعه مع الإعلام بحاله مطلقاً؛ لقبوله التطهير كغيره مما عرض له النّجاسة وقبل زوالها.
ص: 49
191/1 قوله: «والميتة منه».
أي من ذي النفس فيشمل الآدمي، فيجب أن يستثني منه المسلم ومَن بحكمه إذا حكم بطهره شرعاً.
قوله: «ويلحق بها العصير إذا غلى واشتدّ».
هذا هو المشهور بين المتأخرين (1)، ولا دليل لهم على نجاسته كما اعترف به محققوهم(2).
والمراد بغَلَيانه صيرورة أعلاه أسفله وباشتداده تحقق مسمّى القوام له، وهو منفكّ عن الغليان حيث لا يكون بالنار قطعاً، فبين الحالين يحرم ولا ينجس. والحكم يختص بعصير العنب دون الزبيب على الأقوى، ودون غيرهما اتفاقاً.
ص: 50
قوله: «والدم المتخلّف (1) في اللحم مما لا يقذفه المذبوح طاهر».
المراد المتخلّف بطبعه في اللحم والعروق والكبد وغيرها، أما ما يبقى في القَصَرَةِ (2) من الدم الذي يدخل بالنفس أو بعُلُوّ المذبح على باقيه فإنه نجس حرام.
192/1 قوله: «والأقرب طهارة المسوخ ومن عدا الخوارج، والغُلاة، والنواصب والمجسّمة من المسلمين».
مَن عدا الفِرَقِ الأربع (3) معطوف على المسوخ، فيدخل في حيز الأقرب، ونبه به على خلاف من اقتصر على غير المجسمة، وعلى خلاف من ضم إلى الجميع المُجَبِّرَة، أو عمَّم الحكم في كُلِّ مَن خالف الحق. وما اختاره المصنف أقوى.
وفي حكمهم من أنكر شيئاً مما علم من الدين ضرورةً، وإن كان على ظاهر الإيمان فلابد من استثنائه؛ لأنه موضع وفاق.
قوله: «وعرق الجُنُب من الحرام».
الجار يتعلَّق بالجُنُب لا بالعرق، والتقدير أنّ المُجْنِب من حرام في طهارة عرقه قولان أقربهما الطهارة سواء كان من نفس الجماع المحرّم أم بعده، وسواء كان عرقه من فعل مُحرَّم أم محلَّل. أما غير الجُنُب من الحرام فلا خلاف في طهارة عرقه وإن كان من فعل محرَّم.
قوله: «والمتولّد من الكلب والشاة يتبع الاسم».
سواء كان ذلك الاسم لأحدهما أم لغيرهما، فإن لم يبق على صورة معلومة فالأقوى طهارته وتحريمه؛ عملاً بالأصل فيهما، ولو اتفق الأبوان فى الحكم تبعهما فيه وإن باينهما في الاسم مطلقاً.
قوله: «الخمر المستحيل في بواطن حبّات العنب نجس.
ص: 51
أي المستحيل من ماء العنب إلى الخمرية، وهو معنى صحيح لا تكلّف فيه خلاف ما قاله بعضهم من أنّ استحالة الخمر تخرجه عن الخمرية (1) وليس بمراد.
قوله: «تجب إزالة النّجاسة عن البدن والثّوْب للصلاة والطواف ودخول المساجد؛ وعن الأواني لاستعمالها لا مستقراً؛ سواءٌ قلَّتْ أو كثرتْ».
هذا الوجوب بمعنى الشرط، وإن لم يكن واجباً فكثيراً ما يطلق عليه كذلك؛ بقرينة إطلاق الصلاة والطواف و إدخال المساجد مطلقاً واستعمال الأواني ولو أُريد معناه الحقيقي وجب تقييد الغاية بكونها واجبة.
والأقوى تقييد دخول المساجد بما لو تعدت النجاسة إلى المسجد أو شيء من الآلة وإلا لم تجب الإزالة، وكذا يجب تقييد استعمال الأوانى بما يتوقف على طهارتها، كأكل المائع فيها والشرب منها وإلا فلا.
ص: 52
193/1 قوله: «والجروح الدامية وإن كثر مع مشقة الإزالة».
الأقوى العفو عنها مطلقاً إلى أن تبرأ ، وإن كان ما ذكره المصنّف أحوط.
قوله: «وغيرها من الملابس خاصة - إذا كانت فى محالها».
المروي عموم الرخصة فيما على الإنسان أو معه (1)، ولا دليل على التخصيص، وإنّما يعفى عنها إذا كانت متنجسة لا بنجاسة.
قوله: «أمّا الحكميّة كالبؤل اليابس في الثوب فيكفي غَسله مرَّةً».
الأقوى وجوب غسل البول مرّتين؛ للنصوص الكثيرة (2) الدالة عليه، والاكتفاء في غيره بالمرة عملاً بالإطلاق، ودخوله في البؤل لمفهوم الموافقة ممنوع؛ لأنّ المعتبر في النّجاسة مائعيّتها لا جرمها. وغير البؤل إمّا أضعف منه في المائعية كالدم، أو مساوٍ له كغيره .
194/1 قوله: «ولو علم في الأثناء ألقى الثوب واستتر بغيره وأتم».
هذا إذا جوّز حصول النّجاسة حين العلم بها ، أما لو علم تقدُّمها عليه وجب القطع بناءً على ما اختاره المصنف من إعادة الجاهل في الوقت.
قوله: «مالم يفتقر إلى فعل كثير أو استدبار فيستأنف».
ص: 53
هذا إذا بقي من الوقت ما يدرك معه بعد القطع ركعة، والأقوى الاستمرار.
قوله: وتجتزئ المربية للصبي ذات الثوب الواحد - أو المربي - بغسله في اليوم مرّة».
وكذا الصبيّة؛ لأنّ مورد النص المولود (1) وهو شامل لهما. ويشترط في الرخصة تنجسه ببوله، فلا يعفى عن غيره وإن كان غائطه على الأقوى. وإلحاقه به نظراً إلى إمكان التعبير عنه به بطريق الكناية عدولاً عن ذكر ما يستهجن كما هو عادة العرب - لا يكفي في إحداث حكم شرعي مخالف للأصل.
قوله: «ثمّ تصلّي باقيه فيه وإن نجس بالصبي لابغيره».
قيل (2): الواو زائدة؛ لحصول المعنى بدونه. وأجيب بأنّه يدلُّ على مسألتين منطوقه ومفهومه، والمفهوم أولى بالحكم كقوله: «أُحبك وإنْ كنتَ جاهلاً». والأمر هاهنا كذلك فإنّه يفيد أنه لولم ينجس به صحت الصلاة بطريق أولى بخلاف حذف الواو، فإنّه يقتضي فَساد المعنى؛ لأنّ النّجاسة بالصبي حينئذٍ تكون شرطاً لصحة الصلاة فيلزم أن لا تصح بدونها.
وفيه: أنّ صحتها مع النّجاسة تدلُّ على صحتها بدونها؛ لمفهوم الموافقة. والحق جواز الأمرين وأن الواو أفصح (3) مع مراعاة أن قوله: «لا بغيره كلاماً مستقلاً؛ لاشتراط كون النّجاسة لا تكون لغير الصبي لا من جملة مدخول «وإن» ليكون المسكوت عنه هو طهارته لا ما يشمل طهارته ونَجاسته بغيره لئلا يفسد المعنى.
قوله: «ومع الضيق يصلّي عارياً».
الأقوى تعيّن الصلاة في المشتبه.
ص: 54
قوله: «ولو لم يجد إلا النجس تعيّن نزعه وصلّى عارياً».
الأقوى جواز الصلاة في النجس، بل هي أفضل من الصلاة عارياً.
قوله: «وتطهر الأرض بإجراء الماء الجاري أو الزائد على الكرّ عليها».
هذا مبنيّ على مذهب الأصحاب(1) من عدم اعتبار كرّيّة الجاري، أما على مذهبه فيعتبر فيه الكثرة (2) كغيره فلا وجه لتخصيصه واعتبار الزيادة عن الكر لا وجه له والأصح الاكتفاء بكونه مقدار الكر.
195/1 قوله: «وفي تطهير الكلب والخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعَذِرَة إذا امتزجت بالتراب وتقادَمَ عهدُها حتى استحالت تراباً، نظر».
الأقوى طهارة الجميع، ثمّ إن كان الماء مقدار كرّ فصاعداً بقي على طهارته، وإلا نجس ما أصابه الماء من محله ولم يطهر بطهارة المستحيل .
وكذا القول في العَذِرَة إذا صارت تراباً بالنسبة إلى ما لاصقها من التراب، فإنّه رطوبتها ينجس التراب المخالط ولا يطهر بطهرها، فلو امتزج بترابها حكم بنجاسة الجميع لكنَّها نَجاسة عرضية تقبل التطهير.
196/1 قوله: «لو صلّى حاملاً لحيوان غير مأكول صحت صلاته، بخلاف القارورة المصمومة (3) المشتملة على النجاسة».
هذا إذا اشترطنا فيما لا تتم الصلاة فيه، وحده كونه من الملابس وإلّا فلا فرق بينهما، وكذا لا فرق بين المصمومة ، وغيرها، لاشتراكها في المعنى.
قوله : «طَهُرَ بالطبخ على إشكال».
عدمه أقوى.
ص: 55
قوله: «لو صلّى في نَجاسة معفو عنها - كالدم اليسير، أو فيما لا يتم الصلاة فيه منفرداً في المسجد بطلت».
بناءً على تحريم إدخال النجاسة إليه وإن لم تكن ملوّثة، وعلى المختار من اشتراط تعديها في التحريم تصح الصلاة به مالم يتعد.
197/1 قوله: «ومن الخمر والجُرَذ(1) ثلاث مرّات».
الأقوى الاكتفاء فيهما بالمرّة كباقي النجاسات .
198/1 قوله: «لو فقد التراب أجزأ مشابهه من الأشنان والصابون».
الأقوى عدم قيام غيره مقامه وعدم طهره بدونه مطلقاً.
ص: 56
199/1 قوله: «النيّة، وهي إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعاً».
قال الشهيد في حاشيته:
هاهنا مباحث [ سبعة](1):
الأوّل: أنّ «اللام» في «النية» هل هو «لام» العهد أو «لام» الجنس؟ فإن كان الأوّل فلا معنى لقوله: «الفعل» بل ينبغي أن يقول]: «الوضوء». وإن كان الثاني لم تنحصر «النيَّة» في كونها من فروض الوضوء.
وأجاب باختيار أنّها للعهد، وذكر «الفعل» جائز؛ لصدقه على الوضوء - ثم أورد في آخرها - أنه صادق على إرادة الله تعالى طاعة العباد، وأنّ النية قد تتناول التكليفات العقلية، وأنّه منقوض بنية الإحرام والصيام (2).
وأجاب عنها على وجه يقتضي إرادة العموم من النية.
ص: 57
قلت: لا يخفى ما بين اختياره كون «اللام» للعهد وهو الوضوء، وما أورده أخيراً.
وأجاب عنه عنه من التدافع، فإنه متى حمل على نية الوضوء لم يرد شيء مما ذكر ولا ينفعه جعله مطلق النية مقصوداً بالتبع والقصد الثاني مراعاةً في البحث الأخير؛ لأنّ الاعتبار في البعض هو المقصود بالذات لا بالتبع كما لا يخفى.
ثمّ نقول: يلزم من جعل «اللام» للعهد أن يكون التعريف لنيَّة الوضوء الواجب خاصةً بجعلها من الفروض، فيخرج الوضوء المندوب، فتقل فائدة التعريف. وأيضاً فإنّ الأمر عند المصنّف حقيقة في الوجوب(1) ، فيدلُّ قوله: «على الوجه المأمور به» على الواجب، مع أنّ إرادة الجنس باللام وتعريف مطلق النيَّة غير ضارّ من الجهة التي ذكرها؛ لأنّ جعلها من فروض الوضوء لا يدلُّ على أنها ليست من فروض غيره من الواجبات إلّا بالمفهوم الضعيف، ويؤيده إرادة الإطلاق.
قوله: «وهي شرط فى كُلّ طهارة».
فإنّ الضمير يرجع إلى النيَّة المعرفة، وإذا خصصت بالوضوء لا تكون شرطاً مطلقاً كذلك، ويترتب على ما ذكرناه وجه ثالث وهو كون التعريف لنيَّة الأفعال الواجبة مطلقاً. وكيف كان فنظم العبارة ليس بذلك الجيد.
200/1 قوله: «لو نوى رفع حَدَثٍ والواقع غيره فإن كان غلطاً صح وإلا بطل».
الغلط الواقع هنا في النية لا في اللفظ، ووجه الصحة حينئذٍ أنه قصد رفع المانع في الجملة ولكن غلط في تعيين سببه، وذلك لا يخلّ بكونه منويّاً.
وقيل (2): إنّما يصح مع كون الغلط في اللفظ لافي القصد؛ لأنّ قصد رفع المانع في ضمن فرد مخصوص من أفراده وهو ليس بواقع في قوَّة عدم نية رفع المانع؛ لأنّ فيه
ص: 58
ماليس بواقع وهو متجه وإن كان الأوّل لا يخلو من قوَّة أيضاً.
قوله: «لو نوى ما يُستحبُّ له كقراءة القرآن فالأقرب «الصحة».
موضع الخلاف ما يستحبُّ له مع عدم كونها شرطاً فيه كالصلاة المندوبة فإنّ نيَّة استباحتها صحيحة بغير إشكال، ولعلَّ تمثيله بقراءة القرآن إشارة إلى ذلك. وإنما تقوى الصحة إذا نوى إيقاع ذلك على الوجه الكامل ليكون متوقفاً على الطهارة، أما مجرد استباحته فلا؛ لحصولها بدونه، فتكون نيته حينئذ غير الواقع. وقد صرّح المصنف في كثير من كتبه (1) بصحة نيَّة استباحته كذلك، ولعلّه تجوز.
204/1 قوله: «الموالاة. ويجب أنْ يُعقِّبَ كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله».
قال الشهيد (رحمه الله ) في حاشيته :
للموالاة تفسيران :
الأوّل: المتابعة بحسب المعتاد.
الثاني مراعاة الجفاف ومنهم من قيَّد وجمع (2)، فقال: فقال: هي المتابعة اختياراً ومراعاة الجفاف اضطراراً ... (3) إلى آخره.
قال الشارح المحقق الشيخ على (رحمه الله)(4) :
عندي إنّ هذا هو القول الأولى؛ لأنّ القائل به لا يحكم بالبطلان بمجرَّد الإخلال بالمتابعة مالم يجفّ البلل، فلم يبقَ لوجوبِ المتابعة معنى إلا ترتب الإثم على فواتها... (5) إلى آخره.
ص: 59
قلت: الحق أنّ للموالاة تفسيرات ثلاثة:
أحدها المتابعة مطلقاً فإنْ أخل بها أثم ولم تبطل إلا بالجفاف، وهو مذهب المصنف(1) وجماعة (2) .
الثاني: مراعاة الجفاف، وهو قول الأكثر.
الثالث المتابعة مع الاختيار، فإن أخلّ بها بطل وضوؤه، ومع الاضطرار مراعاة الجفاف، وهو قول الشيخ في المبسوط (3). وقد يظهر من الشيخ (رحمه الله أنّ الأقوال كلَّها ،له والمفيد (رحمه الله )(4) أطلق القول بأنّها المتابعة لكن لم يبين الحكم لو أخلَّ بها، هل تبطل بذلك كقول المبسوط (5) أم بمراعاة الجفاف كالقول بالتفصيل؟ وإن كان ظاهره هو الأوّل، فتكون الأقوال حينئذٍ أربعة، ولكنّ التفاسير التي نقلها الشهيد (رحمه الله ) (6) مجملة والتفريع عليها أيضاً غير جيد؛ لأنه لم يفرع على قول الشيخ بالبطلان مع عدم المتابعة اختياراً، فلذلك ظهر للشارح المحقق (7) أن التفصيل هو الأولى من حيث التفريع الآتي حيث شركهما في الإثم فقط ولم يذكر الإبطال. ويمكن الاعتذار للشهيد (رحمه الله بأنّ الإثم يحصل مع الإيطال أيضاً من حيث النهي عن إبطال العمل فاشترك التفسيران فيه وإن اختص أحدها بأمر آخر وهو الإبطال على بعض الوجوه.
ص: 60
وأما قول الشارح (رحمه الله) «إنّ القائل به لا يحكم بالبطلان بمجرد الإخلال»(1) فليس بجيّد، فإنّ الشيخ (رحمه الله) صرَّح به (2)، ونقله عن الشهيد في الذكرى (3)، والمحقق في المعتبر(4)، وحينئذٍ فتحرير الأقوال من الجميع غير جيد، وكذا تفريع الحاشية عليها.
ص: 61
205/1 قوله: «وذو الجبيرةِ يَنْزِعُها مع المُكنة أو يُكَوِّرُ المَاءَ حَتَّى يَصِلَ إلى البَشَرَةِ، فإن تعذرا مَسَحَ عليها....».
إنّما يَتَخَيَّر كذلك إذا كانتْ في محلّ الغَسل؛ أما لو كانتْ في محل المشح وجب نزعُها مع الإمكان مطلقاً، وإلّا مَسَحَ عليها إن كانت طاهرةً أو وَضَع عليها طاهراً ومَسَحَ عليه إنْ لم تكن. وإنّما يُجْزِىء في الغُسْل بعد طهارتها إن كانت البشرة مع جريانه عليها على الوجه المعتبر في الغُسْل بعد طهارتها إن كانت نجسة.
قوله: «وإنْ تجدَّد حَدَثهما».
الأقوى أنّ المبطون مع تجدد حَدَثه في أثناء الصلاة يتطهر ويبني عليها مالم يفعل منافياً غير الطهارة؛ هذا إذا لم يكن له فترة تسع الصلاة وإلا وجب. والسَلَسُ كالمبطون في الأخير خاصة.
قوله: «ولو تيقنهما مُتَّحِدَين متعاقِبَين وشكّ في المتأخّر؛ فإن لم يعلم حاله قَبْلَ زمانهما تطهر وإلا استصحبه».
قال الشهيد رحمه الله في حاشيته: المراد بالاستصحاب التلازم بین «الاتحاد»و«التعاقب» وبين البناء على الأول...»(1) إلى آخره.
قلت هذا المعنى غير واضح في إطلاق لفظ الاستصحاب، بل الأولى في وجه تجوّزه أنّ حقيقته الحكم بنفس السابق من طهارة وحدث. واللازم من الحكم على
ص: 62
تقدير تحقق الوصفين - الحكم بمثل السابق منهما، فكان ذلك لازم الاستصحاب فأطلق الملزوم وأراد لازمه. والأصل في استعمال هذه اللفظة في هذه المسألة أنّ بعض العامة (1) كان يذهب إلى الحكم باستصحاب الحالة السابقة عليهما حقيقةً؛ نظراً إلى تساقط الواقع من الطهارة والحَدَث بتعارضهما، فنزلا منزلة المعدوم ورجع إلى السابق منهما فاستعمل المصنّف تلك العبارة مع عدم ذهابه إلى ذلك الحكم، فحصل التجوّز وافتقر إلى تكلُّف المراد.
وأما ما حكاه الشهيد (رحمه الله) في الحاشية (2) عن بعض العامة (3)من الأخذ بضدِّ ما علمه فهو قول لبعض علمائنا (4)، ومال إليه المحقق في المعتبر(5)، وهو قول جيد إنْ ثبت كون الأحداث من قبيل المعرّفات ولا تأثير للاحق منها بمثله، حيث حصل التعريف بالسابق ليترتب عليه - على تقدير سبق الحَدَث - أن تأثير الحَدَث المفروض غير معلوم ؛ لجواز معاقبة الحدث السابق، وتأثير الطهارة في رفع الحَدَث معلوم فيؤخذ به.
والحق أنّ كلّ واحد من الأحداث سبب فى الطهارة وإنْ ،تعاقبت، ولا يضر تعدُّد الأسباب، وينبه عليه حكمهم بصحة رفع الثاني ويرتفع به الأول. ولو سلّم فلا شبهة في أن المكلّف بعد هذا الحَدَث بلافصل على حاله يمنع من الدخول في الصلاة، فأثر الحَدَث بضده معلوم كأثر الطهارة بعدها فتكافا. وحينئذٍ فالحكم بلزوم الطهارة في غير ما فرضه المصنف مطلقاً أقوى، وهو أشكل فروض المسألة لا ما اقتصر عليه المصنف (رحمه الله ).
ص: 63
206/1 قوله: «ولو ترك غَسْل أحد المخرجين وصلّى أعاد الصلاة خاصة، وإن كان ناسياً أو جاهلاً بالحكم».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
التقييد ب«الحكم» من زوائد الكتاب إلى قوله معترضاً على القيد - إذا كان مذهبه إعادة جاهل النّجاسة في الوقت صدق عليه الإعادة في الجملة فلا يضر إدخاله، غايته أنّ المعطوف عليه يعيد مطلقاً، وهذا يعيد في الوقت(1).
قلت: فيه نظر من وجهين :
الأول: أنه إذا أدخله يكون قد استعمل الإعادة في معنيين:
أحدهما في الوقت وخارجه، والثاني فيه خاصةً ولا يجوز استعمال المشترك في المعنيين معاً خصوصاً مع عدم القرينة.
والتحقيق أن للإعادة في اصطلاح الأصوليين تفسيرين: ما فعل ثانياً في الوقت. لوقوع خلل في الأوّل، وما فعل ثانياً مطلقاً، وهو المراد من الإعادة في العبارة حيث أوجبها على العامد والناسي.
فلو أدخل الجاهل بالنجاسة في اللفظ، وأراد الإعادة بالمعنى الأول لم يتم في غيره. وإن أراد الثاني تناولت الجميع. وكلاهما ينافي مذهبه، وإن أراد المعنيين معاً حصل الالتباسُ على تقدير جوازه.
الثاني: أنّ قوله: «غايته أنّ المعطوف عليه يعيد مطلقاً» (2) يريد به العامد والناسي.
وقوله: «وهذا يعيد في الوقت» (3) يريد به الجاهل من غير قيد.
ويشكل بأنه مع إطلاقه يشمل جاهل الأصل والحكم.
والثاني منهما حكمه حكم العامد، فلا يتوجه أنّ المعطوف حينئذ يعيد في الوقت بل ينقسم إلى قسمين فتختل العبارة.
ص: 64
والأولى أن يقال في توجيه القيد: إنّه لمّا كان مذهب المصنّف إعادة العامدِ والناسي وجاهل الحكم مطلقاً وجاهل الأصل في الوقت، قيد الجاهل بالحكم؛ ليخرج الجاهل بالأصل حذراً من دخوله في الإطلاق المنافي لإطلاق الحكم بالإعادة وإطلاق المحقق له محمول على ما قيَّده به المصنف : إما بناءً على ما علم من مذهبه من عدم إعادة الجاهل بالأصل مطلقاً، وقد صرّح به في باب النجاسات (1)؛ أو لما ذكره الشهيد في الحاشية (2) من العذرين والثاني منهما مناسب لمذهب المحقق (3)، فإنه أطلق الإعادة على العامد والناسي والجاهل الشامل للوقت وخارجه، مع أن مذهبه عدم إعادة الجاهل الأصل مطلقاً(4) . ولا قائل بإعادته مطلقاً، فكان إطلاقه الجاهل مخصوصاً بجاهل الحكم، كما قيده المصنف، وكيف كان فتقييد المصنّف له أجود. وقد ظهر بذلك أنّ الفائدتين اللتين ذكرهما يصلحان لعبارة الشرائع (5) لا للكتاب.
قوله: «ولو كان الإخلال من طهارتين أعاد أربعاً صبحاً ومغرباً وأربعاً مرتين والمسافر يجتزئ بالثنائيتين والمغرب بينهما»(6) .
إنما أوجب في الحاضر رباعيتين؛ لجواز فَسادِ طهارتي رباعيتين، وأوجب الصبح والمغرب لاحتمال فَساد طهارتهما أو أحدهما - مع طهارة رباعية. ويجب توسّط المغرب بين الرباعيتين؛ محافظةً على الترتيب؛ لجواز فساد طهارتي المغرب والعشاء،
ص: 65
فلابد من تأخُر رباعية أو أحدى المتقدّمتين الظهر أو العصر - ثم مغرباً، ثُم رباعية متردّدةً بين العصر والعشاء.
وإنما وجب إدخال العصر مع الثانية ولم يُكتف بها مع الأولى؛ لجواز فسادِ طهارتي الظهر والعصر، فتقع الأولى للظهر، وإنّما وجب إدخالها مع الأولى أيضاً؛ لجواز فساد طهارتي العصر والعشاء، فتقع الأولى للعصر والثانية للعشاء.
وإنّما اجتزأ المسافر بثلاث - ثنائيتين ومغرب - لتماثل ما عدا المغرب عدداً، والعلم بعدم الزيادة عن فريضتين، ويجب توسط المغرب بينهما؛ لجواز كون الواجب كلّ واحد من الثلاث التي قبلها، أو هي ،والعشاء فيصلّي ثنائيةً يطلق فيها بين الصبح والظهر والعصر، ثُمّ مغرباً، ثُمّ ثنائية يطلق فيها بين الظهر والعصر والعشاء.
وإنّما وجب الإطلاق الثلاثي هنا لجواز فوات الصبح والظهر، فتقع الأولى عن الصبح فلابد من التعرّض في الثانية إلى الظهر حتى ينصرف إليها على ذلك التقدير، وكذا ما بعدها على وجه يصح على جميع الاحتمالات، وهو متحقق على الوجه الذي ذكرناه. واعلم أنّه إن كان في وقت المغرب والعشاء يجب عليه نية الأداء في المغرب والجمع بينه وبين القضاء القضاء في الرباعيَّة الثانية ويتحتّم القضاء في الأُولى.
وأمّا الجهر والإخفات فما تعيَّنت لحقها حكمها فيهما، وما أُطلِقت بين متفقي الحكم يبقي حكمها، وبين مختلفين يتخيَّر أيَّهما شاء وكذا الحكم في جميع المسائل السابقة والآتية.
قوله: «والأقربُ جواز إطلاق النيّة فيهما ،والتعيين، فيأتي بثالثة، ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء فيطلق بين الباقيتين مراعياً للترتيب، وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين».
أشار بالأقربيّةِ إلى الخلافِ الواقع فيمن فاتته فريضةً مجهولة، فإنّه هل يجزيه إطلاق النية بين كلّ متماثلين عدداً، أم لا بُدَّ من تعيين الفريضة فيصلّي مَنْ فاته بعض الخمس الخمس ؟ ورجّح المصنف جواز الإطلاق، لحصول البراءة، وأصالة عدم وجوب
ص: 66
الزائد والتعيين؛ لحصول البَراءَة به كذلك، فكانا طريقين إلى بَراءَة الذمة فيتخيَّر فيهما.
وقد ورد النصُّ (1) بجواز الإطلاق فيمن نسي فريضةً مجهولة من الخمس. و الطريق واحد، وتخيل عدم جواز الترديد - لعدم جواز التردُّد في النيَّة مع إمكان الجزم - معارض بمدعاه لعدم الجزم عند نيَّة كلّ فريضة أنّها الواجبة، ونمنع اشتراط الجزم مطلقاً حيث يكون للمكلَّف طريق إليه هاهنا ليس كذلك.
وربما قيل بعدم جواز الخمس مع التعيين؛ لما فيه من زيادة التردّد، والواجب الاقتصار منه على قدر الحاجة، وبشاهد النص السابق، وكلاهما ضعيف. ويلزم من جواز إطلاق الجميع وتعيينه جواز تعيين بعض وإطلاق بعض.
وعبارة المصنّف يمكن أخذ الاحتمالات الثلاثة منها ، فقوله: «جواز إطلاق النية فيهما» إشارة إلى القسم الأول، والتعيين إشارة إلى الثاني، ويمكن كون الجميع طريقةً واحدة. و«ثالثة» بمعنى أن يطلق فيهما ويعين معاً بجعل الواو بمعنى مع وسياق العبارة يدلُّ
عليه.
إذا تقرّر ذلك فنقول: ضمير «فيهما » يمكن عوده إلى الأقرب وهو ثنائية المسافر، وإلى القريب وهو رباعيّةُ الحاضر، بقرينة ويتخيّر بين الظهر ... إلى آخره؛ إذ لو أراد المسافر لقال: ويتخيَّر بين الصبح والظهر إلى آخره، وإلى الحاضر والمسافر نفسيهما. فإن كان المراد الأوّل وقلنا: إنّ المراد من العبارة الإشارة إلى قسمى الإطلاق خاصةً والتعيين خاصةً، فحكمُ الإطلاق ذكرناه في المسألة السابقة والتعيين ظاهر، وكذا إن كان المراد الثاني، وهو باعتبار الحاضر والثالث يعلم منهما. وعلى هذا فيكون قوله: «فيأتي بثالثة» راجعاً إلى صورة التعيين.
ويشكل في المسافر؛ لأنّ له أربع صلوات متماثلات وأي اثنتين عينهما احتمل أن يكون الفاسد الباقيتين.
ص: 67
واعتذر بعضهم بأنّ المراد بالثالثة الثالثة المجزية وهي في قوة الرابعة لا الثالثة عدداً. وهو في غاية البعد، وينافيه أيضاً قوله: ويتخيَّر بين الظهر أو العصر أو العشاء» فإنّه لا معنى للتخيير المذكور.
والحقُّ أنّ المراد الاحتمال الثالث خاصةً، وهو الإطلاق والتعيين في صورة واحدة حتى يسلم من ذلك، ولكن يشكل إرادة ثنائيتي المسافر من جهة قوله: «ويتخيَّر بين الظهر .... كما قلناه فإنّه كان ينبغي أن يتخيَّر بين تعيين الصبح أيضاً.
والاعتذار بأنّ ذكر البعض غير مخصص ليس بجيّد؛ لأن الكلام في السكوت عنها مع دخولها في الحكم الموجب للإبهام لافي خروجها، وعوده إلى رباعيتي الحاضر يشكل أيضاً من جهة أخرى، وهي عدم الفائدة في الإطلاق حينئذ إذا أتى بثالثة؛ لأنه لا يكون إلّامع زيادة ما في الذمة عن عدد ما يفعله.
وهنا الأمران متساويان ويترتب عليه قوله: «فيطلق في الباقيتين» لأنه إذا عيّن الظهر مثلاً بقي في ذِمَّته عصر وعشاء وقد أوجب عليه رباعيتين فلا وجه للإطلاق، وإن أراد الثالث وهو عوده إلى الحاضر والمسافر معاً ورد عليه ماورد عليهما. والظاهر أن عوده إلى رباعيتي الحاضر أسلم عن الطعن وبقرينة ويتخيَّر بين الظهر أو العصر...» إلى آخره.
ويبقي الكلام في الإطلاق، فإنّه وإن لم تكن فائدة من تلك الجهة التي ذكرت لكن يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى جوازه من حيث عدم تحقق ما في الذمة من الفرائض بعينه. مع أنّ السيد عميد الدين عبر في شرحه عن أصل الإطلاق بما لافائدة فيه، فإنّه قال:
يقول في كل واحدة من الرباعيتين وعنى به حالة إطلاقهما من غير ثالثة : أُصلِّي أربع ركعات عمّا في ذمّتي إن ظهراً فظهراً وإن عصراً فعصراً وإن عشاء فعشاء، والمسافر يقول في كلِّ ثنائية: أصلي ركعتين عمّا في ذِمَّتي إن صبحاً فصيحاً وإن ظهراً فظهراً وإن عصراً فعصراً وإن عشاء فعشاء(1) .
ص: 68
هذه عبارته ولا وجة لذكر الفريضة الأولى في الإطلاق الثاني، ولا للأخيرة في الأوّل، ولا للثانية في الثالث ،وهكذا على أنا يمكننا توجيهها بوجه أقرب من هذا، وهو أنه إذا عيَّن الظهر مثلاً يصلي رباعية أُخرى يطلق فيها بين العصر والعشاء، ثم يصلي المغرب، ثمّ العشاء معيَّنة.
و وجه ذكر العشاء مع العصر إمكان كون الفاسد الظهر والعشاء، فيكون في ذكرها تعجيل لبراءة الذمة من الصلاة، وهذه الفائدة كافية في جواز ذكرها.
وأما الرباعية الثانية فلما لم يكن في إطلاقها فائدة عينها للعشاء، ولا ينافي ذلك قوله: «بعد تعيين أحد الثلاث ويطلق بين الباقيتين»؛ لأنه على ما قررناه يكون المراد بالباقيتين الباقيتين من الخمس لا الرباعيتين اللتين أمر بفعلهما، فإذا أطلق في مثالنا بالرباعية الثانية بين العصر والعشاء فقد أطلق بين الباقينين، فيصنع بالرباعية الأخرى ما يريد؛ لعدم ذكره لها يقيناً، لكنّ العلة التي ذكرناها في الإطلاق من تعجيل براءة الذمة آتية في غير هذه الصورة، فينبغي مثلاً عند اختيار إطلاق الرباعيتين معاً في المسألة أنْ يطلق في الأُولى بين الظهر والعصر والعشاء، وبعد المغرب يطلق في الثانية بين العصر والعشاء؛ لجواز فَساد طهارتي الصبح والعشاء، فيحصل بذكرها الفائدة التي أشرنا إليها، وكذا القول في غيرها من الصُوَر.
وهذا وجه حسن لم يتعرَّضوا له ومن تعرَّض للإطلاق ذكر مالا فائدة فيه، كما تلوناه عليك.
ونرجع إلى تمام الوجه، فنقول: إن عيَّن الظهر أو أطلق في الرباعية الثانية بين العصر ،والعشاء، ثُمّ عيَّن العشاء في الثالثة كما قلناه، وإن عيَّن العصر صلّى بعد الصبح رباعية يطلق فيها بين الظهر والعشاء، ثُمّ صلّى العصر معيَّنة، ثُمّ بعد المغرب عشاء معيَّنة وهي الرباعية الثالثة.
وفائدة العشاء حينئذٍ تعجيل قضائها لو كانت مع الصبح وإن اختار تعيين العشاء صلّى بعد الصبح رباعيَّة مطلقة بين الظهر والعصر، ثُمّ أُخرى بين العصر والعشاء، ثُمّ
ص: 69
يصلي العشاء معيَّنةً بعد المغرب. وعلى ما قلناه، له أن يطلق فى الأولى بين الظهر والعصر والعشاء تعجيلاً لبراءة الذِمَّة لجواز فواتها مع الصبح ، وفي الثانية بين العصر والعشاء؛ لجواز فسادها مع الظهر، وتعيين العشاء أخيراً؛ لعدم الفائدة ولإمكان فسادها مع المغرب وجب تأخيرها. وعلى كل تقدير يصدق الإطلاق بين الباقيتين كما ذكره المصنف.
وأمّا حكم المسافر فنقول: إن عيَّن الصبحَ صلّى بعدها الثنائية الثانية وأطلقها بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ يصلّي ثنائية يطلق فيها بين العصر والعشاء.
وإنما وجب ذكر العصر؛ لجواز فَساد الظهر والعصر فوقعت الثنائية الثانية للظهر وهذه للعصر، وإنّما أخَّرت إلى بعد المغرب لمكان العشاء؛ لاحتمال أن يكون الفاسد المغرب والعشاء، وله إضافة العشاء إلى الثنائية الثانية كما مرَّ.
وإن اختار تعيين الظهر صلّى ثنائيّةً يطلق فيها بين الصبح والعصر، ثمّ صلّى الظهر معيَّنةً، ثمّ ،المغرب، ثمّ الثنائية الثالثة يطلق فيها بين العصر والعشاء؛ وإنّما وجب ذكر العصر في الثنائية الأولى؛ لجواز أن يكون العصر الأولى الفائتة فيتعجل القضاء، وإن كان الفاسد الظهر والعصر مثلاً كانت العصر المطلوبة في نفس الأمر ما ذكرت مع العشاء؛ لوجوب الترتيب، ولا تأتي الفائدة المتقدمة في إضافة العشاء إلى الثنائية الأولى هنا؛ لعدم إمكان كونها أولى الباقيتين، بل لا بُدَّ أنْ تكون الثانية فترتب عليها.
وإن اختار تعيين العصر صلّى ثنائيةً يطلق فيها بين الصبح والظهر، ثمّ يصلّي العصر معيَّنة، ثمّ المغرب، ثمّ ثنائيّة يطلق فيها بين الظهر والعشاء. ووجهه يُعلم ممّا سلف.
وإن اختار العشاء صلّى ثنائية يطلق فيها بين الصبح و الظهر والعصر، ثمّ أُخرى بين الظهر والعصر والعشاء ولا يضرُّ ما يأتي من العشاء المعيَّنة؛ لجواز كون الفائت الصبح أو الظهر أو العصر أو العشاء فيحصل التعجيل، ثمّ يصلي المغرب، ثمّ العشاء معيَّنة. والبحث في الجهر والإخفات ما أسلفناه (1).
ص: 70
قوله: ولو كان الترك من طهارتين فى يومين فإن ذكر التفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات؛ وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه صلّى أربعاً».
مع ذكر التفريق يكون الحكم كما سلف (1)في قوله: «ولو تطهر وصلّى وأحْدَثَ...» إلى آخره، غير أنه هناك يقع الشكُ في طهارة يوم وهاهنا في يومين، وإنما أتى به ليفرع عليه مسألة الاشتباه. ووجوب الثلاث مخصوص بالتمام.
أمّا العصر فعن كلّ يوم اثنتين ووجه صلاته أربعاً مع ذكره «جمعهما في يوم» قد عرفته، ولا فائدة في إعادته مع اتحاد اليومين حكماً؛ لذكره صورتي السفر والحضر، بل ذكر المصنّف له فائدتين إحداهما مع اختلافهما حكماً إما يكون أحدهما سفراً والآخر حضراً، أو أحدهما أحدهما والآخر مخيَّراً في تمامه و تقصيره.
فمع الاختلاف الأوّل يزيد ثنائيّةً مع الأربع؛ لجواز كون العشاء من يوم السفر لرباعيتين أو إحدى الرباعيات مع الصبح؛ فيصلّي أولاً ثنائية يطلق فيها بين الصبح والظهر وله إضافة العصر، ثمّ يصلِّي رباعيّةً يطلقها بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ ثنائية يطلقها بين الظهر والعصر والعشاء، ثمّ رباعيَّة مطلقة بين العصر والعشاء. ولا ترتيب بين الثنائيتين والرباعيتين وإن كان اختلافهما بكون أحد اليومين تماماً والآخر مخيَّراً، فإن اختار التمام فعن كل يوم ثلاث صلوات، وإن اختار القصر فكما تقدَّم. وإن كان أحدهما سفراً والآخر مخيَّراً، فإن اختار التمام فظاهر، أو القصر فعن كلِّ يوم فريضتين.
واعلم أنّ اختياره في المخيّر يحتمل أن يراد به وقت الفعل الأول الواقع أداءً، فمتى علم وقت القضاء أنّه كان وقت الأداء يتخيَّر القصر أو التمام لزمه حكمه، وهو الذي فهمه بعض الأفاضل (2)، وفرّع عليه أنه لوشك فيما تخيّر وجب عليه الخمس؛ أخذاً بالاحتياط
ص: 71
ويحتمل أنّ المراد به وقت القضاء؛ بناءً على أنّ مافات من الصلوات في أماكن التخيير يتخيَّر في قضائه، وهنا ما فسد طهارته من الصلوات فقد فاتت في الأماكن الثانية في تقديم فائتة اليوم على حاضرته كما هو مذهب المصنف (رحمه الله ).
وتوضيحه أنّه مع القول بعدم وجود تقديم فائتة اليوم أو الفائتة مطلقاً على الحاضرة، وذَكَر فَساد الطهارتين في وقت المغرب والعشاء، فإنه يصلي المغرب والعشاء مُعَیَنَتَيْن أداءً، ثمّ يقضي ما تقدَّم على وجهه ولا يتغيّر العدد، وإن أوجبنا تقديم فائتة اليوم على حاضرته فلابُدَّ أنْ يصلي الصبح أولاً ثمّ الرباعية المذكورة والثنائية، حيث تكونان معرفتين؛ لجواز كون الفاسد مافات وقته فيُقضى أولاً. وهذه الفائدة توجد مع التماثل والاختلاف، ووجهها يعلم ممّا سبق، غير أنه يزيد في الرباعية التي يذكر معها العشاء التردُّد بين الأداء والقضاء. ففرضها في ثلاث صور:
الأولى: أن يكونا تماماً، فيصلي الصبح، ثم رباعيّةً يطلق فيها بين الظهر والعصر قضاءً، ثمّ مغرباً يردّدها بين الأداء والقضاء، ثمّ رباعيّة يطلق فيها بين العصر قضاءً والعشاء أداءً وقضاء؛ لاحتمال كونها للماضي والحاضر.
الثانية: أن يكونا قصراً، فيصلي ثنائيةً يطلق فيها بين الصبح والظهر والعصر قضاء، ثمّ يصلّى المغرب مردّدة بين الأداء والقضاء، ثمّ ثنائيةً مطلقة بين الظهر والعصر والعشاء مردّدة بين الأداء والقضاء.
الثالثة: أن يكونا مختلفين، فيصلي ثنائيةً مطلقة بين الصبح والظهر والعصر قضاء، ثمّ رباعيّةً مطلقة الظهر والعصر قضاءً، ثمّ مغرباً أداءً وقضاء، ثم ثنائية مطلقة بين الظهر والعصر والعشاء مردّدة بين الأداء والقضاء، ثمّ رباعية مطلقة بين العصر والعشاء مردّدة بين الأداء والقضاء أيضاً.
هذا على تقدير جهله في وقت العشاء بحكمه فيها من القصر والتمام، بأن يجهل كونه فى أوّل وقتها كان مسافراً سفراً يوجب القصر أم لا. وهو سهل مع اعتبار وقت الوجوب في القصر والتمام، أما لو اعتبرنا وقتَ الأداء فأمره معلوم.
ص: 72
واعلم أنّ جعل اليومين ظرفاً للطهارتين لا ينافي كونَ اليوم ظرفاً لهما، فإنّ الظرف الزماني للفعل لا تشترط فيه المطابقة بمقدار الفعل فيصح أن يقال لما وقع في هذا اليوم: وقع في هذا الشهر. وبهذا صح تقسيم المصنف حكم الطهارتين الواقعتين في يومين إلى ذكر تفريقهما وجمعهما في يوم.
207/1 قوله: «ولو صلّى الخمس بثلاث طهارات، فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعاً ،صبحاً ومغرباً، وأربعاً مرتين، والمسافر يجتزئ بثنائيتين والمغرب بينهما».
إنّما وجب أربع مرتين مع الجمع بين رباعيتين؛ لإمكان كون الحَدَثِ بعد طهارتهما فيفسدان .
وأما مع عدم الجمع فلا يمكن بطلان ،رباعيّتين، ثمّ مع جمعه بين الرباعيتين إما أن يعلم كيفية الجمع أم لا، فإن علم كيفيته فله أربع صُوَر:
الأولى: أن يصلّي الصبح بطهارة، ثمّ الظهرين بطهارة، ثمّ العشاءين بطهارة، وهاهنا إن كان الفساد متعلقاً بالظهرين لم يتعلق بغيرهما، فلا يجب تقديم الصبح في قضاء الأربع المذكورة، بل يجب أن يصلّي بعد المغرب رباعيّة؛ لجواز فساد العشاءين. فله أنْ يصلّي أربعاً مردّدةً بين الظهر والعصر، وصبحاً، ثمّ مغرباً، أربعاً مردّدة بين العصر والعشاء؛ وأن يصلّي المغرب أوّلاً والصبح أخيراً ويُوَسّط الرباعيتين بالترديد المقرر.
الثانية: أن يصلّي الصبح والظهرين بطهارة وكلُّ واحدة من المغرب والعشاء بطهارة. وهاهنا يجب أن يصلّي الصبح مثل الرباعيتين؛ لأنّ فَسادها مستلزم لفَسادها فيقدّم في القضاء، ويجوز أن يصلي المغرب قبل الجميع. ولا فائدة في إطلاق الرباعيّتين ،هاهنا، بل يُعيّن الأولى للظهر، ويُطلق الثانية بين العصر والعشاء.
الثالثة: أن يصلّي الصبح بطهارة، ثمّ الظهرين والمغرب بطهارة، ثمّ العشاء بطهارة. وهنا يجب تأخير المغرب عن الرباعيتين، ويتخيّر في وضع الصبح حيث شاء. أمّ-ا المغرب فلعدم إمكان فَسادها وفساد العشاء فلا ترتيب بينهما، وأما الصبح فعلى تقدير فَسادها يختصّ به .
ص: 73
الرابعة: أن يصلّي الصبح بطهارة، والظهر بطهارة، ثمّ الباقي بطهارة فيتخيَّر في الصبح أيضاً، ويجب توسط المغرب بين الرباعيتين، وهو ظاهر. ولولم يعلم كيفية الجمع بين الرباعيتين فلابُدَّ من الخَمس؛ لجواز وقوع الأولى فيجب بعد المغرب رباعية، ووقوع الثالثة فيجب تقديم رباعيتين عليها، ولابد من الصبح أيضاً. فتعيُّنُ البَراءةِ موقوف على الخمس.
قوله: «وإلّا اكتفى بالثلاث».
يريد إذا علم أنه لم يجمع بين رباعيتين مع صلاة الخمس بثلاث طهارات وله صورتان :
الأولى: أن يصلّي الصبح والظهر بطهارة، ثم العصر والعشائين بطهارة.
الثانية: أن يصلّي الصبح والظهر بطهارة، ثمّ العصر والمغرب بطهارة، ثم العشاء بطهارة. فمع علمه بالحال إن كان الواقع الصورة الأولى يجب تقديم الصبح والمغرب على الرباعية؛ أما الصبح؛ فلجواز فساد طهارتها فتفسد الظهر فيحافظ على الترتيب، وأمّا المغرب؛ فلجواز فساد طهارتها فتفسد العشاء. وإن علم أنه صلّى بالصورة الثانية وجب أن يصلِّي الصبح أولاً، ثمّ الرباعية والمغرب أخيراً؛ لجواز فساد العصر فتفسد المغرب، ومع اشتباه الحال فلابد من أربع: رباعية قبل المغرب، وأُخرى بعدها؛ لإمكان وقوع الصورة الأولى فيجب تأخير الرباعية عن المغرب، والثانية فيجب تقديمها عليها. ولا بُدَّ من الرباعيتين مع الصبح والمغرب؛ محافظةً على الترتيب حيث يمكن. والبحث عن الأداء والقضاء والجهر والإخفات قد تقدَّم الكلام فيه(1) .
ص: 74
208/1 قوله: «ولا يجب في فرج البهيمة إلا مع الإنزال».
في الوجوب به قُوَّة (1).
قوله: «ولكُلّ منهما الائتمامُ بالآخَرِ على إشكال».
الأقوى بطلانُ صلاة المأموم للقطع بأنّه إما محدث أو إمامه محدث، وكذا القول في كُلِّ فعل يتوقف صحته من أحدهما على صحته من الآخر، كما لو توقف عدد صلاة الجمعة عليهما فلا تتم بهما، بل يُعدّان بواحد . ولو لم يتوقف صح، كدخولهما المسجد وإن كانا مجتمعين ونحوه.
209/1 قوله: «وفي وجوب الغُسل لنفسه أو لغيره خلاف».
أي غُسل الجنابة، أمّا غيره من أغسالِ الأحياء فلا خلاف في وجوبه لغيره، كما لا خلاف في وجوب غُسْل الميّت لنفسه، وإن توقفت الصلاة عليه فإنّ ذلك من باب
ص: 75
الواجب المرتب كترتب الدفن على الصلاة لا الواجب المشروط.
وتظهر الفائدة في اعتبار نية الرفع، أو استباحة مشروطة به، وفي نية الوجوب وعدمه عند التكليف بمشروط به فعلى المختار ينوي الندب ويرتفع به الحدّث، وعلى ما اختاره المصنّف ينوي الوجوب مطلقاً (1).
ولو لم يعتبر نيَّة الوجه اقتصر على القربة في الحالين.
ص: 76
210/1 قوله: ويجب أن يقصد أقرب الأبواب إليه».
سيأتي في باب التيمُّم أنّ التيمُّمَ يستباح به ما يستباح بالمائية، ومن جملته الكون في المسجد بلُبْتٍ وغيره. وجه الجمع بينه وبين وجوب خروجه من أقرب الأبواب الدال على عدم إباحته للبث في المسجد. أما بناءً على اختصاص التيتُم بذلك هاهنا وإن قدر على الغُسل فيهما؛ نظراً إلى إطلاق النص(1) ، وحينئذ فيكون التيمم غير مبيح لغير الخروج من العبادات، إذ لا يباح بالتيمم مع القدرة على الغُسلِ أو على إمكانِ الغُسل خارج المسجد وإن أو جبناه فيه مع إمكانه؛ لأنّه يصدق عليه حينئذ أنّه قادر على الغُسل فلا يبيح التيمم اللبت فيهما وإن أباح الخروج للضرورة؛ ولعدم إمكانِ الغُسل حينئذ، وإنّما يُمكن بعده، فيجب تعجيل الخروج منه من حيث القدرة على الغُسل خارجه، فيقتصر بالإباحة على محلِّ الضرورة.
ولو فُرض عجزه بعد الخروج عن الغُسل المرض ونحوه استباح بالتيمم ما يستبيحه بالغسل، ولم يجب حينئذ تعجيل الخروج، بل يجوز له الصلاة فيه أيضاً؛ عملاً بالقاعدة الآتية.
وتظهر الفائدة حينئذٍ في النية عند من يعتبر نيَّة الاستباحة، ففي الأوّل ينوي استباحة الخروج خاصَّةً فلا يجزيه نيّة استباحة غيره وفي الثاني له نيَّة استباحة
ص: 77
مشروطة به مطلقاً. وتظهر فائدة القول باختصاص الحكم بالتيمم أو اشتراطه بتعذر الغُسل فى المسجد في نيَّة البدليّة من الغُسل ،وعدمه فعلى الثاني ينوي البدلية منه، وعلى الأوّل لا.
قوله: «وما عليه اسم الله تعالى ».
أي نفس المحل الذي عليه الاسم وهو يرجع إلى نفس نقش الاسم؛ لأنّ ذلك هو حقيقة الاستعلاء في الممسوس. وإن أمكن إطلاق اللفظ على ما هو أعم من ذلك بحيث يشمل ما كتب عليه الاسم في غير محل كتابته؛ لأن ذلك مجاز بدليل صحة سلبه عنه، فيقال: هذا المحلّ المخصوص منه ليس عليه اسم الله، وصحَّةُ السلب دليل على كَوْن الإطلاق مجازاً، كما حُقِّق في محله.
قوله: «ويجوز أخذ ماله في المسجد».
غير المسجدين إذا لم يستلزم اللَبْتَ وإِلّا فلا.
قوله: «إن كان قد بال أو استبرأ وإلّا أعاد الغُسْل».
المراد بالاستبراء هنا الاجتهاد في إخراج بقايا المني بالمسحات المشهورة، وهذا خلاف الاستبراء المتقدم بالبول، ثمّ بهذا، وإنّما يكتفي بالاستبراء مع عدم إمكان البَوْل وإلّا أعاد الغُسْل أيضاً.
قوله: «لا موالاة هنا».
أي بالذات، وقد تجب بالعرض، كغُسل ذي الحَدَثِ الدائم كالمستحاضة، ومع ضيق الوقت إلّا عن الصلاة بعده موالياً ونحوه.
قوله: «فإنْ تجدد أحدُهما في الأثناء أعاد فيهما على الأقوى».
موضع الخلاف منها ما لو كان المتخلّلُ أصغَر ، ولكن نسب الخلاف إليهما باعتبار وقوعه في المجموع من حيث هو مجموع والأقوى الاكتفاء بإتمامه والوضوء بعده، وإن كانت الإعادة، ثمّ الوضوء بعده أحوط.
ص: 78
211/1 قوله: «وفي الملفوف نظر».
الأقوى أنّه كغيره مطلقاً.
قوله: «ولو وجد المرتمسُ لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ، فأقوى الاحتمالات الاجتزاء بغسلها إلى قوله: «ثمّ الإعادة؛ لعدم صدق الوحدة».
هذا هو الأقوى مع عدم صدق الوحدة عرفاً، وإلا فالأول.
ص: 79
212/1 قوله: «وللقُرْحِ إن خرج من الأيْمَنِ».
الأقوى عدم اعتبار الجانب في الحَيْضِ مطلقاً. والرواية الواردة باعتباره مرسلة مضطربة (1) لا يعتد بها في إثبات الأحكام الشرعيّة، واشتهارها على هذه الحالة غيرُ جابر (2).
قوله: «وكلُّ ما تراه قبل [بلوغ] تسع سنين أو بعد سن اليأس».
هذا إذا عُلم سنها، أمّا لوجُهِلَ حُكِمَ بما جمع شرائط الحَيْض به مع إمكانه. وبهذا يجمع بين ما ذكرهنا وبين ما يأتي من أنّ الحَيْضَ دليل على البلوغ، فإنّه مع العلم بالسنّ لا تتحقق الدلالة به لذلك، وإنّما يظهر مع الجهل به، مع أن أصل الحكم مبني على الغالبِ من عدم رؤية من نقص سنّها عن التسع لدم يمكن أن يكون حَيْضاً.
ص: 80
قوله: «وهو سِتُّون للقُرَشِيَّةِ والنَبَطية »(1).
ليس على النبطيّةِ نصّ ظاهر، وإنما ذكرها المفيد (2)، وتبعه الجماعة (3). والأصل يقتضي إلحاقها بغيرها، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في إثباتِ الأحكام، فاختصاص الستين بالقُرَشيّةِ أجود.
213/1 قوله: «ويُجامع الحمل على الأقوى».
قوي مطلقاً.
قوله: «ولو لم ينقطع عليه فالحَيْض الأوّل خاصَّةً».
هذا إذا لم تكن ذاتَ عادةٍ أو كانتْ عادتها ثلاثة أو لم يصادف الدم الذي قبل العاشر جزءاً من عادتها، وإلا فجميعُ العادةِ حَيْض.
قوله: «وهي التي يتساوى دمها أخذاً وانقطاعاً شهرين متواليين».
هذا التعريف صادق على المعتادة وقتاً وعدداً، وهو أنفع أقسامها؛ لجمعها فائدتي العادة -وهي الرجوع إليها عند تجاوز العشرة - والتحيُّض برؤية الدم.
ولو تكرّر لها العدد دون الوقت استقرَّتْ عادتها به أيضاً، وتثبت لها الفائدة الأُولى قطعاً والثانية على الأقوى.
أمّا لو تكرَّر الوقتُ من دونِ العددِ لم تتحقق به العادة مطلقاً إلا على القول بتوقف جلوس غير المعتادة على مضيّ ثلاثة من أوّله، فتستفيد الوقتية التحيض برؤيته، لكن سيأتي أنّ الأقوى عدم توقف غيرها عليه فتنتفي فائدة الوقتية مطلقاً.
والمراد بالشهر على تعريف المصنف الهلالي؛ لعدم انتظام الوقت بدونه، ولو أُريد
ص: 81
ما يشمل المعتادة عدداً، فالمراد به ما يحصل فيه حَيْضُ وطُهر صحيحان، وهو ثَلاثَةَ عَشَرَ يوماً.
قوله: «وإن كانت مضطربةً أو مُبْتَدِئَةٌ رجعت إلى التمييز».
يستثنى من ذلك المضطربة العددِ مع ذكرِ الوقتِ ومعارضة التمييز له، فإنّها تُقدّم الوقتَ بِناءً على ترجيح العادة لو عارضها التمييز، ولو وافق الوقت قدم على ما يعتبر معه من الروايات (1)، والاقتصار على ثلاثة وغيرها.
قوله: «وشروطه اختلاف لون الدم، ومُجاوَزَتُه العَشرةَ».
المسألة مفروضةٌ في مجاوزة الدم العشرة، فلا وجه لاشتراطه ثانياً.
قوله: «فإن فُقدن أو اختلفن فإلى عادة أقرانها».
الأقوى أنّه مع اختلافِهنَّ ترجع إلى الأكثر، وكذا في الأقران.
قوله: «ولو اجتمع التمييز والعادة، فالأقوى العادة إن اختلفا زماناً».
قوي مطلقاً. وموضع الخلاف ما إذا لم يمكن الجمع بينهما - بأن لم يتخلّل بينهما أقل الطُّهر ولو بدم ضعيف - وإلا جُمع بينهما وحُكم بالحَيْضِ فيهما.
214/1 قوله: «وقيل (2): تعمل في الجميعِ عَمَلَ المستحاضة ...».
الأقوى تخييرها -كما سلف - والجمع بين التكليفاتِ احتياط.
قوله: «ولو انعكس الفرضُ تحيَّضت بثلاثة واغتسلت في كُلّ وقت يحتمل الانقطاع...».
هذا إذا أرادت الاحتياط، وإلا اجتزأت بأخذ إحدى الروايات(3) .. وألحقها بالثلاثة
ص: 82
المتيقنة متقدّمة عليها أو متأخّرة أو بالتفريق على حسب ما علمته ما علمته من الوقت والمراد بالوقت المحتمل للانقطاع في المسألتين (1)- وقتُ كُلّ عبادة واجبةٍ مشروطة بالغُسل و مندوبة كذلك إذا أرادت فعلها لا مطلق الوقت المحتمل له.
قوله: «فالخامس والسادس حَيْض بيقين».
والأربعةُ السابقة محتملة للحَيْض والطُّهر، فيجمع فيها بين تكليفي الحائض والمستحاضة. والأربعة الأخيرة محتملة لهما وللانقطاع، فيضم إليها تكليف المنقطعة إن أرادت الاحتياط، وإلّا أكملتْ المتيقن بإحدى الروايات (2) متقدماً أو متأخراً أو بالتفريق وجعلت الباقي استحاضة.
215/1 قوله: «الأحوطُ رَدُّ الناسيةِ للعدد والوقت إلى أسْوَأ الاحتمالاتِ في ثمانية».
هذا الاحتياط عند المصنّف (3) وغيره (4)، ليس على وجه الوجوب، بل عندهم بل عندهم أنّها ترجع حينئذٍ إلى الروايات (5)، وتجعل الباقي استحاضةً. وبالغ الشهيد (رحمه الله) في دفع العمل بالاحتياط المذكور، فقال في البيان: الاحتياط هنا بالرد إلى أسوأ الاحتمالات ليس مذهباً لنا (6) .
والشيخ في الخلاف (7) ادّعى الإجماع على الرجوع إلى الروايات. وإنما كان الاحتياط مع ذلك حسناً؛ لأنّ طريق تلك الروايات غير نقي، فلا يمنع الاحتياط
ص: 83
بحصول السَّكَ في زمن الحَيْض المقتضي؛ لعدم يقين البراءة بدون الجمع بين التكليفين أو التكاليف، وإن جاز العمل بها لاشتهارها بين الأصحاب أو للإجماع عليها.
قوله: «منع الزوج من الوط....».
وكذا السيّد، ولكن لا كفارة هاهنا وإن قلنا بها فى الحَيْض المتيقّن .
قوله: «وأمرها بالصلواتِ والغُسْلِ عندَ كُلِّ صلاة ...».
ظهر منه ومن حكمه بعده بقضاءِ الصَوْمِ. وبيانُ كيفيته أنها لا تقضي الصلاة، وبه صرح في التذكرة (1)؛ محتجاً بالحَرَج، وبأنّها إن كانتْ طاهراً حال الأداء صح وإلا فلا تكليف بها. والمتَّجه بناءً على الاحتياط القضاءُ؛ لإمكانِ انقطاع الحيض في خلالها، ولو في آخر الوقت إذا بقي قدرُ الطهارة وركعة فيجب القضاء. وهو مختاره في النهاية (2).
قال الشهيد (رحمه الله ) في حاشيته نقلاً عن العلّامة قطب الدين الرازي:
ينبغي أنْ تُصلِّي كُلَّ صلاة مرتين في أوّل الوقت وفي آخره؛ لأنه إن كان أحدهما حَيْضاً صح الآخر، أو نقول: إن صلت دائماً أوّل الوقت أو آخره قضت بعد كُلّ أحد عشر صلاةً مشتبهة، وإن كانت تصلّي أوله تارةً وآخره أُخرى فَضَتْ بعدَ كُلّ أحد عشر صلاتين مشتبهتين (3).
قلت: صلاتها مرَّتين أوّل الوقت وآخره لا تُوجب القطع بالصحة أيضاً؛ لجواز أن تكون حائضاً في وقت الأولى، ويستمر إلى أثناء غسل ما وقعت آخر الوقت أو أثنائها نفسها بحيث يبقى من الوقتِ بقدر الطهارة وركعةٍ، فيجب فعلها مرة أخرى وقضاؤها مع الفوات، بل طريق الاحتياط حينئذٍ على هذا الوجه أن تصلي الصلاة الواحدة مرَّتين في أوّل الوقت وخارجه، فتصلّي الصبح مثلاً في وقتها وبعد طلوع الشمس إلى عشرة أيام من حين الفراغ من الأولى و هو تمام الظهر.
ص: 84
فإن كانت حائضاً في مجموع الوقت فلا قضاء، وإن طَهرت بعد الصلاة بحيث يمكن فعلها وقع القضاء في الظهر. ولو جعلت الغُسْلَ في آخر الوقت أيضاً أو فعلت منها معه أقل من ركعة بحيث لم تدرك من الوقتِ سواه أيضاً صح؛ لأنّ الحَيْض إن صادفها حينئذٍ وانقطع لم يجب القضاء، وكذا لوصلتها أداءً بحيث أدركت بعد الغُسْلِ قدر ركعة لا أزيد؛ لما ذكرناه.
أما لو أدركت أزيد من ركعة ولو قليلاً لأمكن فَسادُ الصلاتين ووجوب القضاء. ولو حمل كلام القطب على ذلك أمكن، لكنَّه خلاف الظاهر من صلاتها آخر الوقت، فإنّ مقتضاه فعل جميعها آخره قضيّة للظرفية وإنّما اعتبرنا فعلها للأُولى فى أوّل الوقت؛ لأنّها لو أخَّرتها عنه بحيث يمضي من أوّله مقدار فعلها بعد الطهارة أمكن أن يطرأ الحَيْضُ في أثنائها، فتفسد الصلاتان ويجب القضاءُ حينئذ.
وأمّا حكمُه بقضاء فريضة لوصلت أوّل الوقت أو آخره، فوجهه أنّها إذا صلّت أوّلَ الوقت جاز انقطاعُ الحَيْض عقيبها فيلزمها قضاؤها؛ لإمكان استدراكها في الوقت، وغاية إمكان انتهاء الظهر في مثل ذلك الوقت من اليوم الحادي عشر فتصح صلاتها فيه.
وهذا الاحتمال قائم في الفرائضِ الخَمس من اليوم الأول فتفسد منها واحدة مجهولة فتقضي ثلاثاً أو خمساً. وإذا صلّت في آخره أمكن انتهاء الظهر قبل فعلها فتفسد ويجب قضاؤها؛ لسبق الظهر في الوقت السابق عليها، ويستمرُّ الحَيْضُ إلى مثل ذلك الوقتِ من الحادي عشر الواقعة فيه؛ لوقوعها حينئذٍ في الظهر فتفسد واحدة مجهولة. ومنه يظهر حكم ما لو صلّت أوّله تارةً وآخرَه أُخرى، فإنه يمكن حينئذٍ فَساد الصلاتين؛ والمراد بصلاتها كذلك أنّها لم تضبط ،وقتها، بل جوزت صلاتها في أوّل الوقت وآخرها لأنّها كانت تصلّى أوّله تارةً وآخره أخرى، واحتملت في كُلّ واحدة ذلك؛ لأنّها كانت تُصلِّي الصبح في أوّل الوقت مثلاً والظهر آخره، والعصر أوله وهكذا دائماً، كما فهمه بعضهم.
ومع ذلك كله فالحكم ليس بصحيح، بل يلزمها في الأوّل قضاء صلاتين لإمكانِ
ص: 85
انقطاعِ الحَيْضِ في أثناء الصبح، فيجب قضاؤها، وفي أثناء العصر والعشاء فتفسد الصلاتان ويجب قضاؤهما مع الظهر والمغرب، فيتوقف قضاؤهما على قضاء يوم أربع صبح ومغرب ورباعيتين مترددتين. وفي الثاني قضاء ثلاث فرائض؛ لإمكان طروءِ الحَيْضِ في أوّلِ الصبح، فيجب قضاؤها كما مرّ، وطرؤه في أُولى الظهرين أو العشائين فتفسد الصلاتان ويجب قضاؤهما لخلو أوّل الوقت من المانع كما مرّ، وانقطاعه في أثناء غسل الأوّل منهما الأوّل منهما أو في أثنائها في الحادي عشر فيجب قضاؤها، لفساد طهارتها، وحكمها حينئذٍ في القضاء حكم مَنْ فاته صلاتان من يوم وواحدة من يوم، فإن اجتزأت بالترديد اعتبر سبع فرائض: صبح، ثم رباعية مترددة بين الظهرين، ثمّ ،مغرب، ثمّ رباعيَّة متردّدة بين العصر والعشاء، هذا عن الأوّل.
وعن الثاني ثلاث إحداها رباعيَّة متردّدة بين الثلاث وهو ظاهر، وفي الثالث قضاء أربع صلوات مشتبهات من يومين؛ لإمكان ابتداء الحيض في أثناء الصبح فتفسد ويجب قضاؤها كما مرّ أو في أولى الظهرين أو العشائين كذلك، ويمكن التدارك وإمكانُ انقطاعه في الثانية منهما فتفسدان أيضاً كما مرَّ ويمكن التدارك، وكذا لوصلت في وسط الوقتِ دائماً، وحينئذٍ فتصلِّي ثماني صلوات كُلُّ أربع عن يومٍ كما مرَّ.
واعلم أنّ المحقِّق الشيخ علي (رحمه الله) قال: إنّ ماذكره العلامة قطب الدين يناسب مذهب العامة القائلين باختصاص كُلِّ صلاة بوقتِ لاتشاركها فيه الأُخرى (1).
وفيه نظر؛ لأنّ العامة وإن قالوا بالاختصاص، لكن أوجبوا على مدرك خمس ركعات من آخر الوقت فعل الظهرين والعشائين وقضاؤهما لو فاتنا حينئذ، وصرَّحوا في كتبهم في هذه المسألة بوجوب قضائها في هذه الفروض، مثل ما ذكرناه لامثل ما ذكره العلامة وعلَّلوه بنحو ما قرّرناه .
216/1 قوله: «إذا اعتادت مقادير مختلفةٌ متسقةٌ، ثمّ استحيضت رجعت إلى نوبة ذلك
ص: 86
الشهر، فإن نسيتها رجعت إلى الأقل فالأقل إلى أن تنتهى إلى الطرف».
قد تقدَّم(1) أنّ العادة تثبت باستواء وقتِ الدم في شهرين على الوجه الذي فصل، ونبه على أنها قد تحصل مع اختلافِ عدده على بعض الوجوه، وذلك بأن يتكرر الاختلاف وينضبط على وجه يتحقق معه العود المرتب عليه العادة بأن ترى في شهر ثلاثة أيام وفي شهر أربعة وفي شهر خمسة، ثُمّ في الرابع ثلاثة، ثمّ أربعة، ثمّ خمسة، فتتحقق العادة على هذا الوجه المختلفِ المتّسق، ومنه يظهر معنى اعتيادها المقادير المختلفة. والمراد بالمتَّسقةِ وقوع تلك الأعدادِ على وجه معيَّن لا تختلف، سواء كان على النهج الطبيعي للعدد كما مثلنا - أم غيره كما لو تأخرت الأربعة عن الخمسة.
وتحقق العادة بذلك هو المعروفُ من المذهب وعليه العمل، وإن أمكن في المسألة وجهان آخران: أحدهما: عدم تحققها مطلقاً للاختلاف الموجب لنقص كُلِّ عدد ما قبله. والثاني: تحقق ما اشتركت فيه الأوقات من العدد، وهو الثلاثة في المثال، كما ذهب إليه المصنّف (2)، وبعض الأصحاب (3) في معتادة الوقت دون (4) العدد.
إذا تقرّر ذلك فإذا استُحيضت المعتادة للمقادير المذكورة فإن تجاوز دمها العشرة فامتزج حَيْضُها بطهرها رجعت إلى نوبة ذلك الشهر الذي حصل فيه التجاوز من الأعداد، وفي الذي بعده إلى عدده أيضاً، وهكذا. والأمر مع ذكرها العدد ظاهر، فإن نسيت نوبته من الأعدادِ مطلقاً أخذت الأقل دائماً مادامت مستحيضة؛ لأنّ كُلَّ يأتي عليها يحتمله، فإن نفت الأقل رجعت إلى الأقل غير المنفي، وهكذا تنتقل إلى غيره إلى أن تنتهي إلى الطرف الأعلى من طرفي القلَّة، وهو الأربعةُ في المثالِ،
ص: 87
والخمسة لو اعتادت رابعاً فستة ،وهكذا ففي مثالنا إذا نفت الثلاثة أخذت الأربعة حينئذٍ من الشهر الأول، وأما غيره فلم يتعرض له المصنف.
وتحريره أنّها تأخذ ثلاثةَ؛ لأنّ الشهر الأوّل كان محتملاً؛ لكونه شهر الأربعةِ والخمسة، فإن كان شهر الخمسة فالثاني شهر الثلاثة أو الأربعة فهو شهر الخمسة فتأخذ الثلاثة؛ لأنّها المتيقّن، وفي الشهر الثالث تأخذ ثلاثة كذلك؛ لأنّ الأوّل إن كان الأربعة فهذا شهر الثلاثة أو الخمسة فهذا شهر الأربعة فتأخذ المتيقن، وفي الرابع تأخذ أربعة؛ لأنّ الأوّل إن كان شهر الأربعة فهذا شهر الأربعة أو الخمسة فهو شهر الخمسة فتأخذ الأربعة كما ذكر، وهكذا تأخذ ثلاثة شهرين وأربعة شهراً أبداً.
ولو كانت المقادير المعتادة أربعة رابعها ستة ونفت الثلاثة أخذت أربعة، ثمّ ثلاثة في ثلاثة، ثمّ أربعة وهكذا. ولو كانت المقادير على غير النهج فالحكم كذلك باختلاف يسير.
واعلم أنّ العادة كما تتحقَّق بالأعداد المختلفة متّحدة كما ذكر (1)تتحقق بها متعدّدة مكرّرة، كأن ترى شهرين ثلاثةً ثلاثةً، وشهرين أربعةً أربعةً، وشهرين خمسةً خمسةً وهكذا. وحكمه يستفاد ممّا ذكرناه، ففي المثال لو نفت الثلاثة أخذت أربعة في الأوّل، ثمّ ثلاثة في أربعة لاحتمال الأوّل الخمسة والأربعة المتكرّرتين فتجري الاحتمال في أربعة، ثمّ أربعة مرَّتين، ثمّ ثلاثة أربعاً وهكذا.
واعلم انا متى حكمنا بقدرٍ أقل ممّا يمكن فرضُه للشهر فالأولى الاحتياط لها بالجمع بين التكليفات إلى تمام أكثر الأعداد، فتغتسل للحيض في فرض الثلاثة والأربعة والخمسة مع أخذ الثلاثة على الرابع، وعلى الخامس حيث تحتملها، وتعمل في وسط اليوم أعمال المستحاضة إن لم تحتمل الاستحاضة بانقطاع، ومع أحد الأربعة على الخامس كذلك. ولو دار الاحتمال بين الثلاثةِ والخمسة اقتصرت على الاغتسال عليهما وهكذا.
ص: 88
219/1 قوله: «وغُسْل آخر للمغرب والعشاء مع الاستمرار، وإلا فاثنان أو واحد».
أي استمرار الدم في مجموع اليوم إلى وقتِ المغرب والعشاء، كما هو الظاهر منه.
ويظهر منه أنّه لولم يستمر كذلك بأن انقطع بعد الظهرين لم يجب للعشائين، وهو يناسب القول بأنّ المعتبر في كميّته بأوقات الصلوات لكن يخالفه من وجه آخر وهو أنّه على ذلك القول يحكم بما يوجد منه وقت الصلاة وإن لم يكن كذلك في غير وقتها فلو كان قليلاً ثمّ كُثر وقت الصلاة خاصةً وجب الغُسْل، فقد تجب الأغسالُ الثلاثة وإن لم يستمرّ، وحينئذٍ فلا يناسب إطلاق العبارة واحداً من القولين.
والمراد من قوله: «وإلّا فائنان أو واحد» أي وإن لم يستمر إلى وقت المغرب، فائنان إن استمر إلى وقت الظهرين، أو واحد إن وجدت وقت الصبح خاصَّةً، وليس على إطلاقه أيضاً.
والأقوى في حكم المسألة أنّ الكثرة متى وُجدت أوجبت الغُسل للصلاة التي يتعقبها سواء بقيت إليها أم لا، فلو طرأت بعد الصبح أو استمرت مع سبقها إلى بعد الغُسْل للصبح وجب الغُسلُ للظهرين وإن لم يستمر إلى وقتها، وكذا لو طرأت بعد الظهرين أو استمرَّت بعدهما ، وإن انقطعت قبل المغرب يجب الغُسل لها للعشائين.
ص: 89
قوله: «ولو أخلّت بالأغسال لم يصح صَوْمُها».
يتحقَّقُ الإخلال بالأغسال بالإخلال بواحدٍ منها، وهو يقتضي بإطلاقه توقف الصوم على غسل العشائين، والأقوى أن صوم اليوم الماضي لا يتوقف عليه لسبق صحته قبل وجوب الغُسل.
نعم، يتوقف عليه الصَوْمُ المقبل. ولو فرض استمرار الكثرة إلى الصبح أو طروء التوسط ولم تغتسل للعشائين دخل في غسل الصبح، ومع ذلك لا ينافي توقف الصَوْم على الأغسال في الجملة وإن حكمنا(1) بتداخلها.
قوله « وانقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء».
فی كون الانقطاع موجباً للوضوء أو لغيره من الطهارات نظر.
والحقُّ أنّ الموجب - بمعنى السبب - هو الدم السابق على الانقطاع، وهو قد يكون موجباً للوضوء كما لو كان قليلاً أو متوسطاً في غير وقت الصبح وقد يكون موجباً للغسل كالكثير.
وحينئذٍ فإذا طرأ انقطاعه بعد الطهارة منه في وقتها أو من قبل أن تتطهر وجب للدمِ الخارج الذي لحقه الانقطاع ما كان يجب قبله من وضوء أو غُسل.
ص: 90
220/1 قوله: «ولو لم تر إلا في العاشر فهو النفاسُ».
المراد أنها لم تر الدم إلا في العاشر خاصَّةً وانقطع عليه ليصح الحكم بكونه نفاساً مطلقاً، وهذا هو الظاهر من الحصر المستفاد من الاستثناء المنفي، ولو فرض أنه تجاوز العشرة فلا نفاس لها إلا أن تكون عادتها عشرة أو مُبْتَدِئة أو مضطربة.
قوله: «ولو رأته مع يوم الولادة خاصة فالعشرة نفاس».
الكلام فيه كما سبق في المسألة التي قبله وهو أن تريد رؤيته فيها خاصَّةً من غير أن يتجاوز العشرة، وإلا فالأوّلُ خاصَّةً نِفاس.
قوله: «والنفساء كالحائض في جميع الأحكام».
أي الأحكام الواجبة والمحرَّمة والمكروهة لا مطلق الأحكام، فإنّها تفارقها في بعضها كالأقل مطلقاً والأكثر على بعض الوجوه ودلالة الحَيْض على البلوغ دون النفاسِ، لتحقق الدلالة بالحمل قبله، وانقضاء العدّة بالحَيْض دونه غالباً، ورجوع الحائض إلى عادتها فيه ونسائها والتمييز والروايات دونَ النُفَساء، وعدم اشتراط أقلّ الطهر بين النفاسين دون الحيض، والخلاف في اعتبار أقل الطهر بين الحيض والنفاس دون الحيضتين، إلى غير ذلك (1).
ص: 91
221/1 قوله: «وتجب الوصيّة على كُلِّ مَن عليه حقٌّ».
أي حقٌّ يمكن قضاؤه بعده كالدين وإن لم يكن لتركته وفاء به للعموم، ولإمكان إيفائه من بعض الحقوق والمعتبر من الوصية ما يثبت شرعاً ليمكن إنفاذها لو تشاحٌ الورثة لا مطلق الوصيّة، وإنّما تجب حيث لا يعلم الحقُّ بدونها، فلو كان قد أشهد به شاهدين قام مقامها ومقتضى العبارةِ أنّ من ليس عليه حقٌّ لا تجب عليه الوصيّة، سواء كان له حقٌّ أم لم يكن له ولا عليه وقيل: تجب في الأوّل؛ حفظاً لحقِّ الورثة (1)، وهو حسن. وقيل: تجب مطلقاً للأمر بها كذلك (2)، وهو أحوط .
1 2 .
ص: 92
222/1 :قوله: «وفي الحنوط إشكال».
الإشكال على تقدير وجود محاله ،وعدمه، وإن كان في الثاني أضعف ووجهه في الأوّل الحكم بمساواته للميّت الموجب له واستصحاب الحكم السابق، وأنّ المساواة لا تقتضيه مطلقاً. وفي الثاني ما ذكر في وفي الثاني ما ذكر في الأوّل وفقد محله. وبهذا يظهر أنّ اختصاص الإشكالِ بالثاني ليس بجيّد؛ لضعفه جداً، وكذا رفع الإشكال عن الوجوب مع وجود محلّه، وعن عدمه مع فقده؛ لأنه موجود فيهما خصوصاً في الأول والأقوى الوجوب مع وجوده لامع عدمه.
223/1 قوله: «وكذا المرأة يُغسلها زوجها، أو امرأة».
وليكن من وراء الثياب فيهما.
قوله: «ولو فُقد المسلمُ وذاتُ الرحم أمرت الأجنبيّةُ الكافر بأن يغتسل، تُمّ يغسله غُسْل المسلمين».
هذا الحكم ذكره الشيخ (رحمه الله)(1) وتبعه عليه المصنِّفُ وجماعة(2) ، ومستنده رواية (3) ضعيفة لا تصلحُ لتأسيس ما خالف الأصل في مواضع، فالقولُ بسقوطه
ص: 93
كما اختاره في المعتبر (1) أقوى.
قوله: «وفي إعادةِ الغُسْل لو وُجد المسلم بعده إشكال».
على ما اخترناه لا إشكال في وجوب الإعادة، ووجوبه أيضاً على مختاره قوي.
224/1 قوله: «ويُكره أن يغسل مخالفاً فإن اضطرَّ غَسَّله غُسل أهل الخلافِ».
المراد به المخالفُ الذي يجوز تغسيله بأن لا يكون من إحدى الفرق المحكوم بكفرها، ولامنافاة بين وجوبه عليه كفايةً، وكراهته؛ لأنّ محل الوجوب كلّي والكراهة مختصّةٌ به، وإنّما يُكْرَه مع وجود من يغسله غيره وإلا انتفت؛ لتعينه حينئذٍ عليه. وظاهرُ المصنّف وغيره (2)تعيُّنُ غُسلِ أهل الخلافِ حينئذٍ، وإنّما يتمُّ مع علمه بكيفيته عندهم وإلّا أجزأ تغسيله بغُسل أهل الحقِّ.
قوله: «ثُمّ يستر عورته، ثم يغسله ناوياً - بماءٍ طُرح فيه من السدرِ ما يقعُ عليه اسمه».
هذا الترتيب ليس بجيّد، بل الحقُّ، وإنّما يجب الستر مع مبصريّة الغاسل وعدم وثوقه بكفّ البصر أو وجود ناظر محترم غيره وإلا استحبّ.
قوله: «ولو خِيفَ تناتُرُ جِلد المحترق والمجدور لو غسله يَمَّمه مرَّة على إشكال».
الأقوى وجوب ثلاث مرّاتٍ بدل الأغسال الثلاثة.
225/1 قوله: «وفَتْقُ قميصه ونزعُه من تحته».
بإذنِ الوارث والولد المختص به، فلو تعذر لصغر ونحوه لم يَجُز.
ص: 94
قوله: «والأقربُ سقوط الترتيب مع غَمسه في الكثير».
المراد سقوطه بين الأعضاء لا بينَ الأعْسال الثلاثةِ، والسقوط أقوى كالجنابة. ويكفي وضع الخليط فوق الماء الذي فوقه وإن بقي مع الخليط الآخر، وبهذا يظهر أنّ المراد بالقراح هو الماء المطلق الذي لا يشترط فيه الخليط لا الخالي من كلّ شيءٍ، ولا من الخليطين. وينبه عليه قوله (علیه السّلام): «أغسله بماء وسدر، ثمّ بماء الكافور، ثمّ بماء القراح» (1).
قوله: «ولو أصابت الكفنَ غُسلت منه مالم يُطرح في القبر فيُقرض».
ويجب حينئذٍ ستر المقطوع ولو بثوب غيره ، هذا إذا لم يتفاحش القطعُ بحيثُ يُفضي إلى هَتْك الميّت وإلّا غسلت مع الإمكان، وبدونه يسقط.
ص: 95
226/1 قوله: «أن يكون ممّا تجوز الصلاة فيه، فيحرم في الحرير المحض».
أي صلاة الرجل فلا تصح فى الحرير مطلقاً اتفاقاً، وزاد الأكثر كونه غير جلد(1) وإن جازت الصلاة فيه؛ للأمر بنزعه عن الشهيد فهاهنا أولى.
قوله: «وتُزادُ لفافَةٌ أخرى لِتَدْيَيْها ونَمْطاً»(2) .
مستندها رواية (3) ضعيفة مرسلة مقطوعة، وإثبات الحكم بمثل ذلك مشكل وإن كان مستحبّاً، خصوصاً إذا لم يتوقف على إذن الوارث، وإن لم يكن إثباتها موضع وفاق.
قوله: «والعمامة ليست من الكفن».
هكذا ورد في بعض الأخبار(4)، والمراد أنها ليست من الكفن الواجب؛ للتصريح بكونها من الكفن في الجملة فى رواية معاوية بن وهب عن الصادق (علیه السّلام) أنّه قال:«يكفّن الميِّتُ في خمسةِ أثواب قميص وإزارٍ وخِرْقَةٍ يُعْصَب بها وسطه، وبُرْدٍ يَلقُ فيه، وعمامة يعتم بها ...»(5).
ص: 96
وعلى هذا فلا وجه لذكر المصنف رحمه الله أنها ليست منه ولكنّه فهم أنّها ليست من الكفنِ مطلقاً، حتّى فرع عليه أنّ النباش لو سرقها لم يُقطع؛ لأنّ القبر حرز للكفن (1) خاصَّةً. ولمّا كان الحكم المبني عليه ضعيفاً كان الفرع أولى بالضعف.
قوله: «ولو تشاح الورثة اقتصر على الواجب؛ ويُخرج ما أوصى به من الزائد عليه من الثلث».
إن تشاحوا في مقدار الكفن مع اتفاقهم على إخراج [ الزائد] من ماله فإنّه يقتصر حينئذٍ على الواجب منه، أما لو أراد بعضُهم إخراج الزائد من حصته فلا حرج.
227/1 قوله :«والأقربُ عدم الاكتفاء به في الصلاة إذا لم ينو ما يتضمَّن رفعَ الحَدَث».
قال الشهيد ( رحمه الله) في حاشيته :
إن قلت: قد حكم فيما قبل بكون استباحة ما يستحبُّ له كقراءة القرآن سبباً للصحة، وهذا منه.
قلتُ يحتمل تقرير ،هما والفرق أنّ شرعيّة الوضوءِ لِقراءة القرآن لتحصيله على الوجه الأكمل، وهو متوقف على رفع الحدث، وقد نواه.
أمّا التكفينُ فإنّه موقوفٌ على إيجاد الوضوء، [و] من المعلوم أنّه غير مستقل برفع الحدث، فلم يتوقف التكفين على رفع الحدث، بل على مجرَّدِ الصورة فافترقا (2).
قلت: في هذا الفرق نظربين؛ لأنّ كلَّ واحدٍ من التكفين والقراءة لا يتوقف أصلُ فعله على الوضوء، وفي كلّ منهما يتوقف عليه، فإنّه لا معنى لاستحباب الوضوء للتكفين إلّا إيقاع التكفين على وجه أكمل منه بدونه، فإنْ كان ذلك دالاً على نية رفعِ الحَدَثِ فليكن كذلك فيهما وإلّا انتفى فيهما.
ص: 97
والحقُّ أنّ نيَّة ذلك فى معنى نيّة الاستباحة لما لا يحصل بدونه، فإنّ ذلك الوجه الأكمل لا يحصل بدونه، وهو في معنى نيّة رفع الحَدَث أيضاً حيث يمكن رفعه (1) فيرتفع الحدث بذلك، هذا(2) إذا اعتبرنا نية أحد الأمرين وإلا فلا إشكال في الرفع.
واعلم أنه لا يلزم من عدم ارتفاع الحَدَثِ أو حصولِ الاستباحة حيث لا ينوي، أو حيث لا يقع عدم صحة الوضوء بدونه؛ بل قد يصح وإن لم يبح، كما هو ظاهر في كثيرٍ من مواردِ الوضوء الذي لا يبيح و عبارته هاهنا صريحةً في ذلك حيث اعتبر الوضوء ولم يكتف به في الصلاة، ولا يُنافيه قوله فيما تقدّم أنّه يشترط نيَّة أحدِ الأمرين؛ لأنّ ذلك شرط في الوضوء الذي يبيحُ الصلاة ونحوها حيث كان من مقدّماتها لا مطلقاً.
قوله: «وطيّ جانب اللفافة الأيسر على الأيمن وبالعكس».
يجوز أن يريد بالأيسر والأيمن فيهما أيسر اللفافة وأيمنها، والمراد حينئذٍ أنّه يستحب أن تكون اللفافة عريضة بحيث يُرَدّ طرفُها من الجانب الأيسر على طرفها من الجانب الأيمن، ويريد بالعكس التخيير في عكسه أو في لفافة أُخرى بجعل اللفافة جنساً. وبهذا المعنى صرّح المفيد في المقنعة، فإنّه أنت الضمائر فقال: يطوي جانبها الأيمن على جانبها الأيسر(3). والأولى أن يراد جعل جانب اللفافة الأيسر على جانب الميّتِ الأيمن وبالعكس، والمعنى لا يختلف.
ص: 98
228/1 قوله: «الصلاة واجبة على الكفاية - على كلِّ مَيِّت مُظهر للشهادتين وإن كان ابن ستّ سنين ممّن له حكم الإسلام، سواء الذكر والأنثى، والحر والعبد».
تعليق الوجوب على إظهار الشهادتين يقتضي وجوبها على جميع فِرَقِ المسلمين وإن حكم بكفرهم؛ لأنّ إظهار الشهادتين متحقق فيهم. ويؤيّده حكمُهم (1) بلعن المنافق فيها الشامل للناصب و الخارجي، فإنّ ذلك فرع جواز الصلاة عليه، وفي صلاة الحسين (علیه السّلام) (2)على الناصبي دليل على الجواز وإن لم يكن تقيَّة؛ لأنّ ظاهر سياق الخبر يدلُّ على عدمها. ولكن يدخل فيه المرتد بإنكار بعض ما علم ضرورةً من الدين، فإنّ الصلاة عليه غير جائزة قطعاً كغيره من المرتدّين ويمكن تكلف إخراجه، بل إخراج الفِرَق الكافرة من المسلمين بقوله: «ممن له حكم الإسلام» فإنّ المذكورين ليس لهم حكم مطلقاً.
والظاهرُ أنّ مراده بالقيد إدراج الصبي والمجنون المتولدين من المسلم ولقيط دار الإسلام، ومَن في حكمهم؛ لأنّ لهم حكم الإسلام وإن لم يكونوا مسلمين حقيقةً.
ويشكل إدخال الثلاثةِ من حيث جعله ابن الست وصليّاً؛ لقوله: «كلّ مظهرٍ
ص: 99
للشهادتين» وقوله: «ممن له حكم الإسلام» قيداً له، فيُعتبر فيمن يدخل في ذلك إظهارُ الشهادتين، مع أنّ الطفل ومَن في معناه لا يشترط في لحوق حكم المسلم له إظهار الشهادتين.
وكذا يشكل قوله: «وإن كان ابن ست سنين» فإنّ القسم المطويّ في الوصليّة المتناول له الحكم بطريق أولى على قاعدة أنّ الوصليّة من لم يكن ابن ست سنين، شامل أو مختص بمن نقص عنها، فيفسد المعنى. وكأنّ المصنف رحمه الله جعل وهو بلوغ الستّ هو الغاية الدنيا لمن تجب عليه الصلاة، فالمسكوتُ عنه الداخلُ في الحكم هو من زاد لكنّ العبارة لا تُساعد عليه.
229/1 قوله: «والصدرُ كالميت».
وكذا القلبُ وجميعُ عظامِ المَيِّت على الأقوى.
قوله: «والأولى بها هو الأولى بالميراث، فالابن أولى من الجد، والأخ من الأبوين أولى من الأخ لأحدهما ...».
ضابط الأولوية بأولوية الميراث جيد، وتفريع أولوية بعض من ذكر بالغاً ليس بجيِّد، فإنّ الأبَ ليس أولى من الابن بالميراث، وكذا الأخ من الأبوين مع الأخ من والزوج مع باقي الوارث. ولا يصح حمل أولوية الميراثِ على كثرة النصيب؛ لتخلّفه في الأب أيضاً وغيره .
والأولى أن يريد بالأولوية إن كان الأولى بالميراث أولى بها ممّن ليس بوارت أصلاً، فالابن أولى من الجد والأخ من العمّ وهكذا، ثمّ إن اتحد الأولى بالميراتِ اختص، وإن تعدد قدّم الأبُ على الابن وباقي من ذكر تقديمه مع اشتراكهما ف-ي الإرث، وحينئذٍ فالتعليلُ بالأولوية مطّرد في جميع المراتب وإنما يتخلّف فَساد تفريع المصنِّف.
ص: 100
قوله: «والفقيه العبد أولى من غيره الحرّ».
هذا لا يناسب التفريع على أولوية الإرث؛ لأنّ العبد ليس بوارث والأولى أن يراد به فيما لو تعدد الأئمة غير الأولياء، فإنّ الفقه حينئذ مرجّح على الحرية كإمامة اليومية، وينبه عليه قوله بعد: «و الهاشمى أولى إن قدَّمَه الوَلِيُّ» إلى آخره، فإن ذلك خروج عن باب الولاية.
قوله: «والهاشمي الجامع للشرائط أولى إنْ قدمه الولي، وينبغي له تقديمه».
هذا هو المشهور، ومستنده غير واضح، ولا بأس به لما فيه من إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية حقه.
230/1 قوله: «فإن لم يكن له كَفَنُ طُرِحَ في القبر، ثمّ صُلّي عليه بعد تغسيله وسَتْرِ عورته ودفن».
مع تعذر سَتْره خارج القبر، وإلا قدم على وضعه فيه.
قوله: وجَعْلُ الرجُلِ ممّا يلي الإمام - إن اتفقا - يحاذي بصدرها وسطه، فإن كان عبداً وُسطَ بينهما ...».
هذه العبارة ضابطة لكيفية الوضع عند الاجتماع؛ لأنّ كلَّ واحدٍ من العبدِ والخنثى قد يكون ممن تجب عليه الصلاة وقد لا يكون، وكذا الصبي والصبية وكذا أبهم الحكم بتأخُرِ الخنثى، فإنّ المراد به تأخره عن القبلة نحو الإمام مع أنه فرض ف--ي الص-ب-ي بالعكس. وحمله الحكم في ذلك أنْ يُجعل الرجلُ الحرّ ممّا يلي الإمام، ثمّ الصبيُّ الحرُّ لس، ثمّ العبد البالغ، ثمّ العبد لست ثمّ الخنثى الحرّ البالغ ، ثم الخنثى الحرّ لست، ثمّ الخنثى الرقيق كذلك، ثمّ المرأة الحرّة، ثمّ الأمةُ، ثمّ الطفل الحرّ لدون ست، ثم العبد كذلك، ثمّ الخنثى الحرّ، ثمّ الرقيق كذلك، ثمّ الأُنثى كذلك، ويراعى الصدر والوسط من الذكور والأناث، ويتخير أحدهما في الخنائي ولو تعدّد الصنف الواحد جُعل الأفضل ممايلي الإمام، ومع التساوي فالقرعة.
ص: 101
231/1 :قوله: «ووقوفه حتى تُرفَع الجنازة».
أي وقوفُ المصلّي مطلقاً على الأقوى، لكن لو كان المصلي جميع من حضر استثنى منهم أقل ما يحصل به رفع الجنازة. وخصه في الذكرى (1) بالإمام.
قوله: «ويُكرَه تَكرارها على الواحدة».
من المصلّي الواحد، أو مع منافاة التعجيل.
232/1 قوله: «صلي عليه يوماً وليلة على رأي».
الأقوى عدم التجديد، وكذا لمن فاته الصلاة.
قوله: «ولو سبق الإمام بتكبيرة فصاعداً استحبّ إعادتها مع الإمام».
إن سبقه ظاناً تكبيرة أو ناسياً، ولو كان عامداً استمر إلى أن تلحقه كاليومية.
قوله: «تخيّر بين الإتمام واستئناف الصلاة على الثانية، وبين الإبطال والاستئناف عليهما».
الأقوى تحريمُ الإبطال اختياراً؛ نعم، يتخيَّر بين إكمالها على الأولى وإدخال الثانية معها بالنيّة، ويقتصر في المشترك على واحد وتختص كل واحدة بذكرها المختصّ بها مع الاختلاف، ويتخيَّر في تقويم أيهما شاء، ويتخيَّر بين الإتيان بضمير المذكر والمؤنث لو اجتمعا بتأويل الميت والجنازة، ومع الاختلاف يختصّ كلّ بضميره ويجوز خلافه بالتأويل.
قوله: «وهكذا صفّاً مدرجاً ثمّ يقفُ الإمام عند وسط الصف».
ص: 102
ظاهرُ الصفّ المدرّج أن يجعل رأس كلّ واحدٍ عند وَرِكِ الآخر على التدريج صفّاً واحداً وإن طال، ويقف الإمامُ وسطهم وإن خرج عن محاذاة أوله وآخره. ولكن قال في الذكرى أنه يجعلهم ،صفّين كتراص البنّاء؛ لئلا يلزم الانحراف عن القبلة (1). مع اعترافه بأنّ الأوّلَ ظاهرُ الرواية والأظهر الأوّل، هذا كلّه إذا كانوا من صنفٍ واحدٍ، فلو كانوا ذكوراً وإناثاً جعل رأس المرأة الأولى عند إلية الرجل الأخير، ورأس الثانية عند رأسِ الأولى إلى آخرهنَّ، ثمّ يقوم الإمامُ وسط الرجال. ومستند هذا التفصيل رواية عمار عن الصادق (علیه السّلام) (2).
ص: 103
233/1 قوله: «وتجديدها».
أي بعد اندراسها عن وجه الأرض جملةً، أمّا رَبُّها مع بقاء أثرها فلا كَراهيّةَ فيه. هذا إذا لم يكن في الأرضِ المُسَبَّلَةِ وإلا وجب تقييده بما إذا لم تَندَرِس عِظامُه، أما مع اندراسها فيسقط حقه.
ويحرم تصويره بصورة المقابر؛ لما فيه من منع غيره من الدفنِ بغير حق، واستثنى بعضُ (1)الأصحابِ من كَراهيّةِ تجديدها وتجصيصها مطلقاً قبور الأنبياء والأئمّة (علیهم السّلام) ؛ لما فيه من تعظيم شعائر الله تعالى وهو حسن.
ويلحق به قبور العلماء والصالحين؛ لذلك؛ ولأنّ مستند الكراهية غير نقي السند وإن كان مشهوراً، فيقتصر فيه على ما لا يعارضه مزيّة بينها دليل آخر.
قوله: «والمُقام عندها، والتظليل عليها».
إذا لم يتعلق به غرض صحيح ديني كالإقامة عندها للزيارة وقراءة القرآن، والاتعاظ والتظليل لدفع أذى الحَرِّ والبَرْدِ عن الزائرين، ونحو ذلك، وإلا لم يُكره.
قوله: «ودَفْنُ ميّتين في قبر».
ابتداءً اختياراً، أما مع الضرورة فلا يُكره، أو مع دفنِ الأول فيحرم نبشه للثاني إن لم يكن الدفنُ في أزَج معد لدفن جماعةٍ وإلّا جاز.
قوله: «والنقل إلا إلى أحدِ المَشاهِدِ».
هذا إذا لم يحصل من النقل مُثلَةٌ بالميِّتِ بأن يسيل دمه ونحو ذلك، وإلَّا حَرُم.
ص: 104
234/1 قوله: «وحَمْلُ ميّتين على جنازة بدعةٌ».
المشهورُ عندَ أصحابنا إطلاق البدعة على المُحَرَّمِ(1) ، وقد تُطلق على مالم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن فعله مُحَرَّماً، بل ربما وجب أو استحبّ. وقسمها بعضُهم (2) إلى الأقسام الخمسة وهو الأنسب هاهنا؛ لأنّ الصحيحَ كَراهيّة ذلك خاصّةً .
قوله: «ولا تشترط الرطوبة هنا».
أشار ب«هنا» إلى المواضع الثلاثة، وهي الثلاثة، وهي القطعة الخالية من عظم، وكون الميت من غير الناس، و منهم قبل البرد.
أمّا الأول والأخير فواضح؛ لأنّ نجاسة ميّت الآدمي تتعدى عنده مطلقاً.
وأمّا الثاني؛ فمستنده إطلاق قول الصادق (علیه السّلام)(3) ويمكن بغسل يده، والأقوى اشتراطه بالرطوبة كغيره من النجاسات؛ لضعف المستند المخرج له عن غيره ولا يجوز عودُ الإشارة إلى غُسْلِ المس، كما فهمه الشارح المحقق (4)؛ نظراً إلى منافاة قوله: والظاهر» إلى آخره له لمنع المنافاة حينئذ ؛ لأنّ غُسْل المس لا تعلّق له بالرطوبة وعدمها إجماعاً، بل إمّا ثابت مطلقاً أو منفي مطلقاً، فلا فائدة في التنبيه على عدم اشتراطها فيه بخلاف الثلاثة، للخلاف فيها جميعاً.
235/1 قوله: «والظاهرُ أنّ النّجاسة هنا حُكميّة، فلو مسّه بغيرِ رطوبة، ثمّ مسَّ رَطْباً لم ينجس».
يمكن أن يشير بقوله: «هنا إلى نَجاسةِ بدنِ الميّت وإلى نجاسة بدنِ الماس له وعلى التقديرين يمكن أن يريد بالحكمية ما لا جرم له ولا عين يشار إليها كالبول
ص: 105
اليابس، وقد تقدَّم في بابِ النّجاسات إطلاقه الحكميّة على هذا المعنى، وأن يريد بها الحَدَثِيّة كما هو أحد معانيها، وأن يريد بها ما يقبل التطهير بخلاف العينية وهي نفس الستة.
جسم إحدى النجاسات العشر كبدنِ الميّتة غير الآدمي والكلب والخنزير - فإنّه لا يقبله. ويشكل الحكم على كل تقدير من أمّا الأوّل: فلأنّ النّجاسة العينيّة المقابلة لها حكمُها كذلك، فلا وجه لتخصيصها. وأيضاً هو خلافُ المعروفِ من ،مذهبه فإنّه قد تقدَّم منه الجزم بأنّه ينجس الملاقي له مطلقاً. وأيضاً فإنّ نَجاسة الميت حدثيةٌ من وجه خبثيّةٌ من آخر فلا يتم الإطلاق.
وأمّا الثاني: فلا يتمّ التفريعُ عليها؛ لأنّها حينئذٍ لا تنجس الملاقي لها مطلقاً، فلا وجه للتقييد بكون مسه بغير رطوبة.
وأمّا الثالث: فلأنّ مقابل الظاهر گون بدنه لا يقبل التطهير، ولا قائل به. وأيضاً لا وجه للتفريع حينئذ. ولو أُريد المعنى الثاني من الأولين لم يتم على الأول حكمه بعدم تنجس الملاقي له برطوبة؛ لأنّ النجاسة الحكمية بذلك المعنى تتعدّى مع الرطوبة. وفساد الآخرين واضح مما ذكرناه.
والأولى إرادة المعنى الأول وإن لم يكن المعنى معه جزلاً؛ لأنه أبعد عن الفساد.
ويُعتذر عن الإشكال الأول بأنّ وجة تخصيص الحكمة مشابهتها لها في الصورة والمعنى، بل هي على ذلك التقدير بعض أفرادها.
وعن الثاني بأنه رجوع عمّا ذهب إليه سابقاً وهو سهل عند المصنف، مع أن دليله وجيه لولا أنه خلاف المعروفِ من المذهب والأخبارُ (1)التي دلّت على تعدّي نَجاسته مطلقاً يمكن تقييدها بقوله (علیه السّلام) : «كلُّ يابس ذكيّ» (2)، وبالإجماع على عدم تعدّي نَجاسةِ الكلب والخنزير وأشباههما، مع أن نجاستهما أقوى من نَجاسةِ الميت.
ص: 106
وعن الثالث بأنّ كونَها حَدَثيّة قد عُلم من موضع آخر ومن أول المبحث فبقي المعنى الآخر فبيّنه. ويمكن أن تختار للحكميّة معنى رابعاً، وهو أن يراد بها ما حكم الشارع بتطهيرها من غير أن يلحقها حكم غيرها من النجاسات العينية فإنّ ذلك أوفقُ للتفريع، ويكون المراد بكونها حكميةً حينئذٍ مع مسه بغير رطوبة، كما يظهر من التفريع وإن كانت العبارة مطلقة، وبقرينة عدم اعتبار الرطوبة قبله. والتقدير حينئذٍ أنّ نَجاسة ماش الميت بغير رطوبة محكوم بتطهيرها شرعاً من غير أن يتعدّى إلى غيرها مطلقاً، وهذا المعنى بعينه أراده ابن إدريس، حيث حكم بأنّ الميّت لو أصاب بعض أعضائه مائع نَجُس ذلك المائعُ، ولو وقع ذلك المائع في مائع آخر لم ينجس (1)، محتجاً بأن نَجاسته حكميّة لاعينيّة. وإن كان ما بناه عليه غير صحيح إلّا أنّ ما ادعاه من الحكميّة لا يطابق شيئاً من المعاني الثلاثة المشهورة.
ص: 107
ص: 108
المقصد الأوّل في المقدمات
المقصد الثاني في أفعال الصلاة وتروكها
المقصد الثالث في باقي الصلوات
المقصد الرابع في التوابع
ص: 109
ص: 110
245/1 :قوله « وللعشاء ركعتان من جلوس...».
بمعنى أنّ الجلوس ثابت لهما بالأصالة بخلافِ غيرهما من النوافل والوجه في ذلك أنّ النافلة الراتبة أربع وثلاثون، ضعف الفريضة، وهي بدون هاتين الركعتين ثلاث وثلاثون، فلمّا افتقرت إلى واحدة ونهي عن البتيراء جُمِع بينهما مع إرادة الاقتصار على ما يتم به العددُ برَكعتين من جلوس ولو صلّاهما من قيام كان أفضل وزاد خيراً، وكانت الركعة الزائدة بمنزلة صلاة زائدة عن الراتبة، وفي الأخبارِ ما يدلّ على أفضليّةِ القيام(1) ، وماورد منها بالجلوس (2) غير منافٍ له، بل هو محمول على ما ذكرناه.
ص: 111
246/1 قوله: «والمماثلة بين الفيء الزائد والظِلٍّ الأوّل على رأي».
أي الظل الباقي عند الزوال. وهذه المماثلة إنما تتم مع تحقق ظلّ باقٍ، وهو متخلف في كثير من البلاد ومختلف في سائرها، وأطوله في وقتِ قِصَرِ النهار وأقصرُهُ في طوله، ويلزم على هذا أن يكون وقت الظهر في اليوم الطويل أقصر منه في القصير وهو خلاف الواقع، وربما اتفق الظل الأول على تقدير وجوده أقل من مقدار الصلاة، وهو خلافُ القاعدة المتَّفقِ عليها من استحالة أن يكلف الله بعبادة في وقتٍ يَقصُرُ عنها.
وبالجملة فهذا قول شنيع ومستنده رواية ضعيفة مرسلة (1) قاصرة عن إفادته، فلا وجة للمصير إليه أصلاً.
قوله: «وللإجزاء إلى أن يبقى للغروبِ مقدارُ ثَمانِ ركعات».
أي يمتد متسعاً إلى هذا المقدار، ثمّ يتضيَّق حينئذ ؛ لأنه يبقى منه بقدر الصلاة. وكان الأولى أن يقول: إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع ركعات؛ لأنّ وقت الإجزاء للظهر يمتد إلى ذلك الوقت وإن تضيّق آخرُه ؛ إذ مطلقُ الوقتِ أعمُّ من المُضيَّق وكذا الكلامُ في قوله: «وقتُ العصرِ إلى أن يبقى منه مقدار أربع» فإنّه حينئذٍ يتضيَّق ولا ينتهي إلا بالغروب وكذا القولُ في باقي الفرائضِ الخَمسِ، فإنّه يجوز في استثناء قدرها من آخره لما ذكرناه .
ص: 112
247/1 :قوله: «والنوافل ما لم يَدْخُلُ».
بناءً على المنع من النافلة لمن عليه فريضةٌ، والأقوى جوازها ما لم يَضُرَّ بها مطلقاً.
[المطلب الثاني في الأحكام]
248/1 قوله: «والعشاء يستحبُّ تأخيرها إلى ذَهَابِ الشفق».
لم يذكر استحباب تأخير العصر إلى المثل؛ لعدم نص صريح عليه؛ وللإجماع على جواز فعلها في وقت الظهر، بخلافِ العشاء، فقد قيل بمنع تقديمها في وقتِ المغرب اختياراً كما يمنع من تأخير المغرب إلى وقت العشاء، والأقوى استحباب تأخير العصر إلى المثل كغيرها.
قوله: «والمتنفّلُ يؤخّر بقدر نافلة الظهرين».
وكذا يؤخّر الفجر بقدر نافلتِها، وإنّما لم يذكرها لاستحباب تقديمها بعد صلاة الليل فقد لا تبقى بعد الفجر، لكن قد حكم باستحباب إعادتها بعده، فكان ينبغي استثناء وقتها أيضاً.
قوله: «وهل الأربع للظهر أو للعصر ؟ فيه احتمال، وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ».
إذا أدرك من وقت الظهرين مقدار أربع فهي مختصة بالعصر قطعاً، وإن أدرك مقدار خَمسٍ فللظهر منها ركعة أيضاً بغير إشكال. ولكنّ الثلاثة التي تتبعها للظهر هل تصيرلها تبعاً بواسطة وجوبها أم تبقى للعصر ولكن تزاحمها الظهر فيها، كما تزاحم العصر المغرب بثلاث لو أدرك من وقتها مقدارَ رَكعة؟ احتمال - أي في كل واحد من الأمرين وهو في قوَّة احتمالين في المسألة.
وبهذا يظهر أنّ إطلاق الاحتمال على الأربع يحتاج إلى تجوز؛ لأنّ الاحتمال في الثلاث خاصة، ولكنّه في الظهر سهل؛ لأنّ الركعة الأخرى لها مجاز إطلاق الإشكال
ص: 113
على المجموع وإن اختص ببعضه، وفي العصر متجوز حتماً.
إذا تقرّر ذلك ففائدة الاحتمالين منتفية في الظهرين؛ لأنّهما يجبان على التقديرين، وإنّما تظهر فائدتهما في العشائين، فإنّا إذا قلنا: إنّ الأربع للظهر، وجب العشاءان بإدراك الأربع؛ لأنّها حينئذ بمنزلة الخمس في الظهرين. وإن قلنا: إنّها للعصر مطلقاً وإنّما زاحمتها الظهر فيما اختصت الأربع بالعشاء لأنها بقدرها، والحقُّ أنّ هذه الفائدة منتفية؛ لأنّ الاحتمال إنّما يجري على تقدير إدراكِ رَكعة من وقت الأولى كالخمس بالنسبة إلى الظهرين، أما لو أدرك مقدار أربع اختصت الثانية قطعاً؛ لأنّه بقدرِها، وحينئذٍ فلا فائدةً في الخلاف.
قوله: «ويُكرَه ابتداءُ النوافل عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها إلى أن تزول إلا يوم الجمعة، وبعد صلاتي الصبح والعصر إلا ما له سبب».
يريد بابتداء النوافل فعلها في هذه الأوقاتِ بحيث لا يشرع فيها إلا فيها، ويحترز به عن استدامتها كما لو شرع فيها قبلها فدخلت وهو فيها، فإنه لا يقطعها حينئذ؛ للنهي عن القطع، فيكون مخصصاً لذلك المكروه ترجيحاً لسبقه وحملاً للتكليف على المبتدأ؛ لأنّه المعروف منه لا لكون الواقع فيه بعض الصلاة فلا يتناوله النهي لمنعه؛ إذ يُكره ابتداؤها فيه وإن أكملها خارجه مع أنّ الواقع فيه حينئذٍ بعضها، وحينئذ فلا ينافي قوله بعد ذلك: «إلّا ما له سبب».
ولو جعلنا الابتداء هنا كنايةً عن فعل الصلاةِ التي لا سبب لها، بل ما يبتدؤها الإنسان ويحدِثها من الصلوات المطلقة لكان استثناء ذات السبب مستدركاً. وعلى التقديرين فاستثناء يومِ الجمعة منقطع ويمكن الغناء عنه؛ لأنّ نافلته من ذواتِ الأسباب.
والمراد ب-«ماله سبب» ماكان سبب شرعيّتِه متقدماً على الوقتِ أو مقارناً له، أو ما خصه الشارع بوضع و شرعيّةٍ خلاف ما يحدثه الإنسانُ من مطلق النافلة لا مطلق السبب؛ إذ ما من صلاة إلا ولها سببٌ.
ص: 114
249/1 قوله: «ولو ظنَّ الخروج صارت قضاء، فلو كذب ظنُّه فالأداء باق».
المراد بالظنّ هنا ما يجوز اعتماده منه شرعاً لا مطلقه، وإنما يبقى الأداء إذا لم يكن فعلها قضاءً حينئذٍ وإلا ففي وجوب إعادتها مع تبيّن بقاء الوقتِ أداءً قولان مأخذهما: امتثال الأمر السابق المقتضي للإجزاء، وظهورُ فَساد ظنّه، والأقوى الأوّلُ.
وهذا بخلافِ ما لو أدّاها قبل الوقتِ ظانّاً دخوله، فإنّه يجب عليه إعادتها أداءً؛ لأنّ دخول الوقتِ سبب للتكليف متجدّد؛ ولأن الشارع لم يتعبد بالعبادة قبل وقتها إلا ما استثنى بخلاف ما بعده .
ص: 115
250/1 قوله: «وجهتها لمن بعد».
المراد بالجهةِ هنا السَمْتُ الذي يجوزُ كَوْنُ الكعبة فيه ويقطع بعدم خروجها عنه لأمارةٍ شرعيَّةٍ، ولا يُعتبر العلم بكونها فيه ولا الظنُّ به.
قوله: «ولو انهدمت الجُدران استقبل الجهة».
أي الجهة المشتملة على العَيْنِ خاصةً لا الجهة السابقة، إلا أن يكون بعيداً فرضُه الجهة على تقدير وجودها.
251/1 قوله: «ولو خرج بعضُ بدنِه عن جهةِ الكعبة بطلت صلاته».
أي خرج عن عَيْنِ الكعبة؛ لما تقرّر، وسيأتي من أنّ الجِهَة إنّما تُعتبر للبعيد ولا يُتصوّر فيها خروجُ بعض البدن عنها دون بعض، وقد تجوّز في استعمالها كثيراً.
قوله: «وعلامتهم جعلُ الفجر على المَنْكِب الأيسر، والمغرب على الأيمن، والجَدي بحذاء المَنْكِبِ الأيمن...».
هذه العلامات الثلاث ليست على وتيرة واحدة، والاكتفاء بكلّ واحدة منها مطلقاً بعيد، والأجودُ تنزيلها على جهاتِ بلادِ العراق فأهل أوساطه كبغداد يعتمدون العلامة الوسطى وهي الجَدْي، وأطرافه الغربية يعتمدون الأخيرة، وأطرافه الشرقية كالبصرة يزيدون انحرافاً نحو المغرب عن أوساطه بالاجتهاد والعلامة الأولى ليست منضبطةً كما لا يخفى.
قوله: «ويُستحبُّ لهم التياسُرُ قليلاً إلى يَسارِ المصلّي».
ص: 116
هذا الحكم مبنيّ على أن فرض البعيد استقبال الحرم، وأنه عن يمين الكعبة أقلّ ممّا منه عن يسارها، كما رواه المفضّل بن عمر عن الصادق (علیه السّلام)(1)، لكن المستند ضعيف كالأصل فالمبني عليه أضعف والعجب أنّ المصنّف صرّح في التذكرة (2)، والنهاية (3) بأن الحكم مبني على ما ذكرناه مع عدم حكمه بالمبني عليه، ثم جزم هنا بالاستحباب مطلقاً(4)، ولعلّه عوّل على ما ادعاه الشيخ من الإجماع عليه فجزم بالمصير إليه مطلقاً، والأصح عدم جوازه مطلقاً فضلاً عن استحبابه.
قوله: «جَعْلُ بَنَات النَّعْش حالَ غَيْبوبتِها خَلْفَ الأُذن اليمنى...».
المراد بغيبوبتها ميلُها عن دائرة نصف النهار لا الغيبوبة المتعارفة وهو نهاية انحطاطِها وخفائها في الأفُقِ على تقديره؛ لأنّها حينئذٍ تميلُ عن قبلةِ الشامي وعن مسامتةِ الأذن، كمالا يخفى.
قوله: «ومغيب سُهَيْلٍ على العَيْنِ اليُمنى...».
مغيب سهيل إن اعتبرنا المعنى المعتبر في غيبوبة بنات نعش خالف غيره من العلامات؛ لأن جعله حينئذٍ على العَيْنِ اليُمنى يوجب استقبال نقطة الجنوب تقريباً، وهو لا يطابق قبلةَ الشامي أيضاً؛ لأنّها مائلة عنها نحو المشرق بنحو ثلث ما بينها وبين نقطة المشرق. وإن اعتبر غَيْبُوبته المقابلة لطلوعه وهو نهاية انحطاطه عن المغرب وخفائه أو قربه عن مسامتة العين خصوصاً مع مراعاة طلوعه بينَ العَيْنَيْنِ، فإنّ المراد به أوّلُ بُروزه عن الأفق فى الأرض المعتدلة من بلاد الشام ليطابق سمت قبلتها.
قوله: «وعلامتهم جعل الجدي وقت طلوعه بين العَيْنين، وسُهَيْلٍ وقت غَيْبُوبَتِهِ بين الكَتِفَين...».
ص: 117
هاتان العلامتان متضادَّتان كما لا يخفى - لأن جعل الجَدْي طالعاً بين العَيْنَيْن يوجب استقبال نقطة الشمال فتكون نقطة الجنوب بين الكَتِفَين، وسُهَيْل إنّما يكون حينئذٍ بين الكَتِفَيْنِ إذا كان في غاية ارتفاعه ليكون على دائرة نصف النهار والمارة بنقطتي الجنوبِ والشمال، فإذا غاب ،سُهَيْل، بل مال عن غاية ارتفاعِهِ خرج عن مسامتةِ الجَدْي طالعاً ولم يكن حينئذٍ بين الكتفين.
والتحقيق أنّ بلادَ اليَمَن بعضُها يناسب العلامة الأولى كعَدَن وما والاها؛ لمقاربتها لمكَّةَ فى الطول ونقصانها عنها في العرض وهي مقابلة لبعض جهات العراق كما مرّ، وبعضُها يناسب العلامة الثانية إذا أخذ المغيب بمعناه المتعارف وهو ما قابل الطلوع وهو صنعاء وما والاها؛ لأنّه مقابل الشامي.
أمّا إطلاق العلامتين أو إطلاق مقابلة اليماني للشامي أو للعراقي كما صنع بعضهم(1) فليس بجيّد.
252/1 قوله: «وفي الندب قولان...».
أي في وجوب الاستقبال به - بمعنى الشرط وعدمه - قولان بل أقوال والمروي عدم اشتراطه فيه للماشي والراكب مطلقاً وعليه العمل.
قوله: «ويُستحبّ للجلوس للقضاء، وللدعاء».
الأشهر استحباب الاستدبار للقاضي ليكون وجهُ الخُصوم إلى القبلة، وهو مختار المصنّف في كتاب القضاء من هذا الكتاب، وجعل استحباب استقباله قولاً (2).
قوله: «ولا صلاة جنازة؛ لأنّ الركن الأظهر فيها القيام».
ص: 118
كَوْنُ القيام هو الركن الأظهر فيها لا يقتضي المنع من فعلها على الراحلة؛ لأنّه أعمّ من إيقاعها حينئذٍ قائماً وعدمه، والأولى التعليل لعموم قول الصادق (علیه السّلام) في صحيحة عبد الرحمن: «لا يصلّي على الدابة الفريضة، إلا مريض...»(1) لأنّ صلاة الجنازة إذا كانت واجبةً فهى فريضةً، ويبقى الحكم فيها على تقدير الندب يحتاجُ إلى دليل آخر.
قوله: «وفي صحة الفريضة على بعير معقول أو أرجُوحَةٍ معلقة بالجبال نظر».
الأقوى المنع من الفريضة على البعير مطلقاً؛ لعموم الخبر (2). وأمّا الأُرجوحة وما في معناها فالأصل يقتضي الصحة مع تحققِ الاستقرار في جميع الأحوال التي يعتبر فيها.
قوله: «ويستقبل بتكبيرة الافتتاح».
بل يجب الاستقبالُ بما أمكن من الصلاة ويسقط المتعذِّر سواء في ذلك التكبير وغيره.
253/1 قوله: «ويجب الاستقبال مع العلم بالجهة، فإن جَهلها عَوّل على ما وضعه الشرع أمارة ...».
يمكن أن يريد بالجهة هاهنا العَيْنَ - كما استعمله مراراً فيما تقدّم - ليناسب ما بعده، فإنّ ما وضعه الشارعُ علامةً للجهةِ بالمعنى المتعارف أكثرُه مفيد للعلم بها، فلا يجوزُ تعليق التعويل عليه على عدم العلم بها.
وحينئذٍ فيشمل قوله: «فإن جهلها» من هو قريبٌ من العَيْنِ ولا يمكنه معرفتها كالمحبوس بمكة، والمريض، والبعيد عنها بحيث يكون فرضه الجهة المتعارفة.
ويجوز أن يريد بها الجهة بالمعنى المتعارفِ، ويريد بالعلم بها للبعيد استفادتها من نحو محراب المعصوم، ومع تعذره يرجع إلى ما نصبه الشارع وإن كان بعضه مفيداً للعلم
ص: 119
بها إلا أنه لا يرجع إليه حينئذٍ مطلقاً؛ لما تحقق من عدم جواز الاجتهاد بتلك العلامات بما يخالف محراب المعصوم.
ويمكن أن يريد بالعلم بها معنى ثالثاً ثالثاً وهو ما يشمل العلاماتِ الشرعيَّة المفيدة للعلم بالجهة، ويريد بالأمارة التي ترجع إليها عند عدم العلم العلامة المنصوبة من الشرع المفيدة للظنّ كالأهوية والقمر، فإنّ جواز الرجوع إليها مشروط بتعدرِ الرجوع إلى العلاماتِ النجومية وما في معناه من المفيد للعلم بالجهة، كما لا يخفى على من مارس تلك العلامات ويؤيد إرادة هذا المعنى تسميته لذلك أمارةً، فإنّها تُطلق على الدليل المفيد للظن غالباً.
254/1 قوله: «أربع مرّاتٍ إلى أربع جهات...».
أي كلّ مرّة إلى جهةٍ. وإنّما لم يكتفِ بالصلاة إلى الأربع عن ذكر المرّات؛ لئلا يوهم الاكتفاء بصلاة واحدة تقع إلى الأربع جهات بحيث توزّع أفعالها عليها فلا تكرار في العبارة كما قيل، ولا يوهم فعل الصلاةِ أربع مرات كلَّ مرّةٍ إلى أربع جهات؛ لأنّ فعل الأربع مرات إلى الأربع جهات يقتضي بإطلاقه كل مرة إلى جهة، والزائد عليه لادليل في اللفظ عليه كما لا يخفى .
قوله: «لو رجع الأعمى إلى رأيه - مع وجود المُبصر - لأمارة حصلت له صحت صلاته ...».
مطلق الأمارة غيرُ كافٍ في جواز الرجوع إليها وترك التقليد، بل منها ما يجب تقديمه على التقليدِ كمحراب المسجد، فإنه بمنزلة العلامة النجومية للمبصر؛ إذ يجوز له التعويلُ عليه وترك الاجتهاد، فالأعمى أولى فيقدم على التقليد.
ومنها ما لا يصح اعتماده مطلقاً كالأمارة المفيدة للظنّ حيث لا يأذن الشارع فيها، فيجب عليه حينئذٍ الإعادة وإن طابق فعله القبلة.
ومنها ما يتخيَّر بينه وبين التقليدِ كما لو نصب له المبصرُ الذي يجوز له تقليده علامةً، فإنه يجوز له التعويل عليها مع وثوقه بعدم تغيرها ويجوز له التقليد، بل هذا في
ص: 120
الحقيقةِ نوع منه إلّا أنّه يدخل في التعويل على الأمارة، ولا يكاد يرجع إلى تعويله على رأيه إلا بتكلُّف وعلى تقدير تعويله على الأمارة المجوّزة لفعله إنّما تصح صلاته إذا لم يتبيَّن الانحراف عن القبلة على وجه يوجب الإعادة مطلقاً أو في الوقت، فإنّه حينئذٍ كتبين الخطا في القبلة وسيأتي.
قوله: «إن كان الانحراف يسيراً...».
المراد باليسير ما لا يبلغ حدَّ اليمين واليسار وإن كان فاحشاً، وكان الأولى التعيين بما يدلّ على ذلك.
والمراد بقوله: «وإلّا أعاد في الوقت» ما لو كان الانحراف يبلغ اليمين واليسار، أو يزيد عليه بما لا يبلغ حدّ الاستدبار، وهو القدر الذي يقابل ما يجوز استقباله اختياراً، وما خرج عن ذلك كله فهو الاستدبار الذي حكم بإيجابه الإعادة مطلقاً.
والأقوى أنّ حكمه حكم ما قبله فيعيد في الوقتِ خاصة؛ لضعف مستند المخرج له عنه.
هذا كلُّه إذا تبيَّن الخطأ بعد الصلاة، ولو كان في أثنائها استقام في الأوّل مطلقاً وفي الباقي إن لم يبق من الوقت ما يسع ركعةً بعد الإبطال وإلّا أعاد من رأس.
قوله: «لو تضادّ اجتهاد اثنين لم يأتمَّ أحدهما بالآخر ...».
هذا إذا بلغ الاختلاف حداً يوجب إعادة الصلاة لو تبيَّن الخطأُ على بعض الوجوه كالبالغ حدّ اليمين واليسار، أما دونه فلا يمنع الائتمام لصحة صلاتهما مطلقاً.
قوله « ويقلد العام والأعمى الأعلم منهما».
أي من المجتهدين المختلفين، والمراد بالأعلم منهما الأعلمُ بأدلَّةِ القبلة، ولواتفقا في العلم أو اشتبه الحال قلّد أورعهما، وكذا القول في نظائره.
ص: 121
قوله: «إنّما تجوز الصلاة في الثيابِ المتخذة من النباتِ، أو جِلدِ ما يؤكل لحمه مع التذكية...».
مقتضى الحصر اشتراط اسم القَوْبِ في الساتر فلو تستّر بالورق والحشيش لم يصح مع عدم صدقه، و سيأتي في كلامه ما يصرّح به(1) .
وقيل : يصح مطلقاً(2) ؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه (علیه السّلام) (3) والأقوى مع الاختيار اعتبارُ إطلاق اسم التَوْبِ عرفاً.
256/1 قوله: «وهو شرط فيها، فلو تركه مع القدرة بطلت...». المرادُ أنّه شرط فى الجملة وهو كذلك، لكن إنّما يشترط مع إمكانه لا بدونه بخلاف الطهارة فإنّها شرط مطلقاً. وقد تقدم أنّ شرطية الاستقبال مقيّدة بالعلم بها وإلا افتقر إلى التفصيل، فالشروط ليست على وتيرة واحدة وإنّما اشتركت في أصل الاشتراط في الجملة.
قوله: «ويكفيه ثوب واحد يحول بين الناظرِ ولَونِ البَشَرة ...».
ص: 122
مقتضاه عدمُ اشتراطِ سَتْرَ ،حجمها، وبذلك صرَّح في غيره (1)، والأقوى اعتبار ستره أيضاً.
قوله: «إلّا الصبيّة والأمَةَ فإن أعتقت في الأثناء وجب السَتْر ».
هذا الاستثناء منقطع، وليستا داخلتين في الحرّةِ التي يجب عليها سَتْرُ رأسها إلا أن يجعل الوجة بمعنى الشرط، فتدخل الصبيّة الحُرّة ويصير استثناؤها متصلاً، ولو حذف الألف ارتفع التكليف.
قوله: «فإن افتقرت إلى المنافي استأنفت».
إن أدركت بعد الاستئناف ركعةً في الوقت وإلا استمرت؛ لأنَّ السَتْرَ شرط مع القدرةِ عليه في الوقتِ لا مطلقاً.
قوله: «والصبيّةُ تستأنف».
إذا أدركت من الوقتِ قدر الطهارة وإلا فلا.
قوله:«ولو فَقَد التَوْبَ ستَر بغيره من وَرَق الشجر والطين وغيرهما».
الأقوى تقديم الورق على الطين ومثله الحشيش إلا أن يمكن جعلهما تَوْباً يصدق عليه اسمه فيلحق بالنباتِ ويُقدَّم على المنثورِ منهما .
قوله: «وليس السثر شرطاً في صلاة الجنازة».
بناءً على أنّها صلاة مجازية فلا تدخل في إطلاق اشتراطِ السَتْر في الصلاة، ولو قلنا: إنّها حقيقية اشترط. والأجودُ اشتراطه مطلقاً؛ للتأسي وليحصل معه يقينُ البَراءَة.
ص: 123
259/1 قوله: «ولو ضاق المكانُ عنهما صلّى الرجلُ أوّلاً».
هذا التقدّمُ على طريق الاستحقاق إن لم يكن المكانُ مِلْكاً لها وإلّا الاستحباب وإنما يتقدّم كذلك مع سَعَةِ الوقتِ وإلّا جاز لهما الصلاة معاً على القولين.
قوله « والأقربُ اشتراط صحة صلاة المرأة لولا....».
المعتبر في التحريم أو الكراهية صحة صلاتهما معاً، فلا وجه لتخصيصها.
261/1 قوله: «وتظليلها».
إن لم يفتقر المصلُّون إلى التظليل لدفع الحَرَّ والبرد، وإلا استحب ولو لبعضها.
262/1 قوله: «وإخراج الحصى...».
مستند كراهة إخراجها رواية وهب بن وهب عن الصادق عليه السلام قال: «إذا أخرج أحدُكم الحَصاة من المسجدِ فليردّها مكانها، أو في مسجدٍ آخر فإنّها تسبّح »(1) وهي قاصرة عن الدلالة متناً وسنداً، فإنّ الأمر بالردّ ظاهر في الوجوبِ فيحرم الإخراجُ، ووهب الراوي ضعيفٌ جِدّاً.
والحقُّ أنّ الحَصاة إن كانت جزءً من المسجد أو فرشه حَرم إخراجها ووجب ردُّها
ص: 124
إليه أو إلى غيره من المساجد كغيرها من أجزائه ،وآلاتِه، وإن كانتْ قُمامَةً استحبّ إخراجها بغير عود.
قوله: «والتنقُل قائماً بل قاعداً».
هذا الحكم غيرُ مختص بالمسجد بل يُكره التنقُل قائماً مطلقاً، والظاهرُ أنّ محل الكراهيّةِ ما يحتاج فيه إلى معونة اليد ونحوها.
قوله: «وإدخال النّجاسةِ إليها وإزالتها فيها، والدفن فيها».
بناءً على تحريم إدخالها إليها مطلقاً، وعلى المختار من اشتراط تعديها إليها أو إلى آلاتها يجب تقييده فيها بذلك.
قوله: «ويجوز استعمال آلته في غيره من المساجد».
لاتحادِ المالكِ وهو الله تعالى بخلاف المشاهد؛ لأنّ خصوصيّة المدفون بها مقصودةً للواقف.
والأقوى فى الأوّلين اشتراط غناء المنقول منه أو حاجة المنقول إليه أو أولويته بكثرة المصلين ونحوها، وفي حكم غناء الأوّلِ استيلاء الخراب عليه مع عدم إمكان إعادته بماله أو باذل.
قوله: ويجوز بناء المساجدِ على بئر الغائط إذا طُمَّت وانقطعت رائحته».
مستند الحكم صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السّلام)(1). وظاهرها تحقق استحالة عذرته تراباً، وحينئذٍ فيسلم من الإشكال بأنّ صيرورة البقعة مسجداً مع بقاء عَيْن النّجاسةِ يستلزم تنجسه. والأولى حمل الحكمة على ذلك، أو على ما إذا كان الموقوف ظهره الطاهر خاصةً أو ما يُمكن تطهيره.
ص: 125
265/1 قوله: «ولو تشاحوا قُدِّم الأعلم، ومع التساوي القرعة».
يتحقق التشاح لأخذ الرزق من بيتِ المال حيث لا يحتاج إلى أزيد من واحد ونحوه. والمراد بالأعلمِ مَن فَقِة الأذان ومنه معرفةُ الأوقاتِ لا مطلقة، وإنّما ينتقل بعده إلى القرعة مع انتفاء غيره من مرجّحاتِ الأذان كالمبصريّة، ونَداوَةِ الصوتِ؛ والمحافظة على الأوقاتِ، ونحوها وإلا قدم. ومع التساوى فيها أو فقدها يُقدّم الأورعُ من العالمين. ثُمّ من من يرتضيه الجيران ثم القرعة.
266/1 قوله: «ويَحْرُمُ التثويب».
التثويبُ قولُ: «الصلاة خَيْرٌ من النَوْمِ» في أذان الصبح بعد «الحيعلتين»، من «ثاب»: إذا رجع، فإنّه يرجع إلى الدعاء إلى الصلاة بعد الدعاء إليها ب«حيعلتين».
ويطلق أيضاً على إعادة الحيّعلتين بين الأذان والإقامة مرتين (1)، وفيه معنى الرجوع أيضاً. وفي بعض الأخبار (2) تصريح بإرادة هذا المعنى. والأقوى تحريمه بالمعنيين إلا للتقيّة.
ص: 126
قوله «اجتزأ بالتكبيرتين وقد قامت الصلاة».
مقدّماً لقوله: «قد قامت الصلاة» ثمّ يكمّل بعده الإقامة، وهو المراد بالتكبيرتين حملاً لتثنيته على التكبير والتهليل باسم أحدهما؛ ليطابق الرواية الواردة بذلك (1).
ص: 127
268/1 قوله: «ولو عجز عن القيام أصلاً صلّى قاعداً...».
أراد بقوله: «أصلاً» العجز عن القيام بجميع مراتبه - من الاستقلال والاعتماد والانحناء وغيرها - لا العجز عنه بكل وجه حتى لو أمكنه فعل بعض مراتبه بمشقة بالغة لا تتحمل عادةً وجب؛ لأنّ تحمل مثل ذلك غير مقصود شرعاً مع احتماله. وكيف كان فالأقوى اعتبارُ العجز العادي وهو الذي لا يُتَحمَّل مثله عادةً.
قوله: «ولو عجز عن القُعُودِ صلّى مُضطجعاً على الجانب الأيمن مستقبلاً بمقاديم بديه القبلة كالموضوع في اللحْدِ...».
المرادُ أَنَّه عجز عن القعود بجميع مراتبه كما سلف في القيام، فلو قدر عليه ولو بالاعتماد على شيء وجب. وإنّما لم يذكر الاضطجاع على الأيسر؛ لخلو الأخبار المعتبرة عنه.
والأقوى وجوبه مع تعذَّرِ الأيمن مقدّماً على الاستلقاء.
ص: 128
269/1 قوله: «وأن يستديم القصدَ حُكماً إلى الفَراغِ بحيث لا يقصد ببعض الأفعالِ غيرها...». إلى آخره.
هذا تفريع على أصل الاستدامة؛ لأنّ نيّة الخروج تنافيها، وهو مستلزم لما تضمنته الحيثية. وضميرُ «غيرها» يعود إلى الأفعال، واحترز به عمّا لو قصد بالهُويّ قتل حيّةٍ وأخذَ حاجةٍ، فإنّه ينافي الاستدامة الحكميّة من تلك الحيثية وإن لم ينافها مطلقاً، ولو نوى الرياءَ ببعض أفعالها خرجت به أيضاً عن الأفعال؛ لأنّ إطلاق الصلاةِ محمول على المشروع منها، فما ليس بمشروع لا يعد من أفعالها، فلايرد ما قيل: إنّه وارد على العبارة(1).
قوله: «ولو نوى في الأُولى الخروج في الثانية، فالوجه عدم البطلان إن رفض القصد قبل البلوغ إلى الثانية...».
الأقوى أنّ جميع ذلك وما بعده مبطل وإن لم يكن منافياً بالفعل؛ لمنافاته الواجب من الاستدامة الحكميّة الموجب للبطلان.
270/1 قوله: «ولو شَكٍّ فيما نواه بعد الانتقال بنى على ما هو فيها ...».
معرفة ما هو فيه ينافي السَّكَ في النيّةِ ؛ لأنه يوجب السَّكَ فيما هو فيه وتفسيره بأنّه ما فى اعتقادِه أنّه الآن يفعله إن أريد بالاعتقاد معناه الأخص فكالأول، وإن الأعم رجع إلى أنه يبني على ما ظنّ أنّه نواه، وهو بعيد عن معناه.
ص: 129
ويمكن أن يريد به ما قام إليه كما عبر به الشهيد (1) وغيره (2)؛ عملاً بالظاهر، وهو أجودُ.
271/1 قوله: «لو أوقع الواجب من الأفعالِ بنيّة النَذب بطلت الصلاة، وكذا لو عَكَسَ إن كان ذكراً، أو فعلاً كثيراً».
هذا مبني على اعتبار نيّة الوجه. فإذا خالف المأمور نيته، فإن كان عدوله عن الواجب إلى الندب بطل مطلقاً؛ لأن فعله على غير الوجه المأمور به فلا يجزئ، ويمنع إعادته لاستلزامه زيادة الواجب عمداً؛ لأنّ المعتبر صورته لاكونه واجباً حقيقةً؛ لأنّ ذلك ممتنع.
وإن عكس بأن نوى الندب الواجب، فإن كان ذكراً اعتبر في إبطاله الحرفان كالكلام الأجنبي؛ لأنه حينئذٍ ليس من الصلاة. وإن كان فعلاً التحق بالفعل الخارج عنها فتُعتبر فيه الكثرة.
وقيل(3) : لاتبطل فيها؛ لأنّ الوجوب فيه يؤكده؛ لاشتراك الواجب والنذب في أصل الإذن في الفعل، ويزيد الواجب بالمنع من تركه وهو غير مؤثر إذا كان الفعل مشروعاً. ولأنّ النية إنّما تُؤثر فى الشيء القابل لمتعلّقها، والمندوب يستحيل وقوعه واجباً فنيته كنية المحال فلا تؤثر.
وفيه نظر؛ لأنّ الوجه المعتبر في العبادة لا يتم إلا بفصله لا بالجنس المشترك، ونمنع كَوْنَ فصل الواجب مؤكداً، بل منافياً له كليّاً كما أنّ متعلقهما كذلك. والنية المنافية وإن لم تقلب الفعل إلى مقتضاها لكن تخرجه عن موضوعِه؛ لأنّ الأفعال لاتتمايز إلا بالنيات، فيصير الفعلُ بذلك غير مندوب لعدم نيته ولا واجب لعدم صحته ف-ي-ك-ون خارجاً عن الصلاة. وكذا لو لم نعتبر نيّة الوجه؛ لأنا حينئذٍ إِنّما نجتزئ بالفعل مع عدم
ص: 130
نيّةٍ معارضةٍ لأصل الفعل المعتبر شرعاً أمّا معها فلا؛ لأنّ الفعل يتبع النية، فإذا لم تكن صحيحةً كان الفعل كذلك، وغايته أن يكون خارجاً عن الصلاة، كما مرَّ.
إذا عرفت ذلك فالمعتبر من الفعل في القسم الثاني مجموع ما وقع منه نية الوجوب لا القدر الزائد عن المستحب، كما لو نوى بجلسة الاستراحة الوجوب فإنّ المعتبر حينئذٍ جميع ما وقع بعد النية؛ لأنه صار باعتبارها غير مشروع.
وربما قيل باعتبار الزائدِ خاصةً؛ نظراً إلى انصراف مقدار المندوب إليه كما مر، وقد عرفت ضعفه.
ص: 131
قوله: «ولو كبّر له ثالثاً صحت».
مع استدامة النيّة أوّل الثالث فعلاً أو إحداثها عنده وإلا فلا.
والضابط حينئذٍ بطلانها بالشفْعِ، وصحتها بالوتر مالم ينو الخروج قبله فتصح بما بعدها مطلقاً، ولا يشترط في المبطل مقارنته للنيّة، بل يكفي فيه نية كونه للافتتاح بخلافِ المصحح.
272/1 قوله: «ويُستحب تركُ المدّ في لفظِ الجلالةِ و «أكبر» ...».
إنّما يستحبّ ترك مالا يبلغ منه صيرورة الأوّل بصورة الاستفهام والثاني بصورة الجمع، وإلا كان تركه واجباً؛ لأنه حينئذٍ مبطل وإن لم يقصد الاستفهام والجمع على الأصح.
ولو أُريد مد الألف بعد اللام في «الله» زيادة على الطبيعي منه لم يتقيد بقيد لكن في گراهته مطلقاً نظر، ولعلّ المكروة منه حينئذٍ ما زاد عن المعتاد منه وهو القدر المسمّى بمَدِّ التعظيم.
ص: 132
قوله: «أو مُوالاة...».
ليس مطلق الإخلال بالموالاة، بل إذا كان بقراءة من غيرها عمداً، أو مع خروجه عن كونه مصلياً، و سيأتي تفصيله (1).
قوله: «أو قَرَنَ».
يتحقق القِرانُ بقِراءة أزيد من سورةٍ وإن لم تكن الثانية، وبتكرار الواحدة أو بعضها والأقوى كَراهَتُه إن لم يعتقد مشروعيته وإلَّا حَرُم.
قوله: «أو قال: «آمين» آخِرَ الحمدِ - لغير التقيَّة - بطلت صلاته».
خصه لكونه مورد النهي (2)، وموضع خلافِ المخالفِ وإلا فإنّه مبطل في جميعِ أحوال الصلاةِ وإن كان عقيب دعاء كالقنوتِ.
قوله: «ولو خالَفَ ترتيب الآيات ناسياً استأنف القراءة إن لم يركع، فإن ذكر بعده لم يلتفت».
استأنف القِراءة إن لم يمكنه البناء على السابق بحيث لا يخل بالموالاة كما لوقرأ النصف الثاني من الحمد، ثُمّ الأوّل - وإلّا اكتفى حينئذٍ بالبناء عليه فيقرأ النصف الثاني خاصَّةً مع النسيان؛ أمّا مع العمد فيبطل مطلقاً.
273/1 قوله: «وهل يكفي مع إمكان التعلّم نظر ...».
الأجودُ عدم جوازه في الفريضة مع الاختيار، ومع التعذّر يقدم الائتمام عليه مع إمكانه
ص: 133
فإن تعذر جاز إن لم يفتقر إلى فعل كثير، ويجوز في النافلة مطلقاً مالم يستلزم منافياً.
قوله: «ولو قدَّم السورة على الحمد أعاد، وناسياً يستأنف القراءة».
الأقوى الاكتفاء بإعادة السورةِ خاصة؛ ليتحقق الترتيب بذلك.
قوله: «وأقلّ الجهرِ إسماع القريب تحقيقاً أو تقديراً؛ وحد الإخفات إسماعُ نفسه كذلك».
الأقوى أنّ الجهر والإخفات كيفيتان متضادّتان لا تجتمعان مطلقاً. فأقلُّ الجهر إسماع القريب ولو تقديراً مع صدق اسم الجهر عليه عرفاً، وأكثره أن لا يبلغ العلو المفرط بحيث يخرج عن مسمَّى القِراءة عرفاً. وأقلُّ الإخفاتِ إسماع نفيه جميع الحروفِ الممكن سماعها ولو تقديراً، وأكثره أن لا يبلغ الجهر وأن يَسْمَعَ القريب.
قوله: «والضحى وألم نشرح سورة واحدة...».
الأقوى أنّهما ،سورتان، ولكن يجب الجمعُ بينهما في الفريضة لمختارِ قِراءة أحدهما، وهذا القدرُ لا يدلُّ على الوحدة، وفي النصوص (1) تصريح بما ذكرناه. وعلى هذا يضعفُ الخلاف في وجوبِ البَسْمَلَة بينهما وعدمه، ويتضحُ القولُ بالوجوب.
274/1 قوله: «ولو أخل بالموالاة فقرأ بينها من غيرها ناسياً، أو قطع القراءة وسكت استأنف القراءة، وعمداً تبطل...».
الأقوى أنّ قطع القِراءة بالسكوتِ - سواء كان بنيّة قطعها أم لا - لا يبطل؛ وإن تعمَّد إلا أن يخرج عن كونه قارئاً فتبطل القراءة، أو كونه مصلّياً فتبطل الصلاة؛ نعم، لو كان بنية قطع القراءة أبداً فهو في معنى نيّة قطع الصلاة فتبطل الصلاة به مطلقاً. ولو كان الإخلال بالموالاة بقراءة غيرها عمداً أبطل الصلاة وسهواً يستأنف القِراءة كما ذكر.
قوله: «وقصار المفصَّل في الظهرين والمغرب...».
المروي أنّ الظهر كالعشاء في استحباب قراءة المتوسطات (2)، وهو أولى.
ص: 134
قوله: «الانحناء بقدر وضع يديه على ركبتيه...».
أي بقدرِ لو أراد وضع يديه عليهما وضعهما، والمعتبر من يديه باطنهما فلايك بلوغ رؤوس الأصابع ذلك.
276/1 قوله: «والقائم على هيئة الراكع لكبَرٍ أو مرض يزيد انحناء يسيراً للفرق».
الأقوى أنّ الفرق بذلك مستحبّ. نعم، لو أمكن بعض الانحناء حال القراءة ولو بالاعتماد على شيء وجب، وتحقق الفرق حينئذٍ وإن لم يكن الوجوب لأجله، كما أنه لو استلزمت زيادة الانحناء الخروج على حد الراكع لم يصح وإن أوجبنا الفرق تَمّ؛ لأنّ تحصيل حالة الركوع الاختيارية أولى منه.
قوله: «ولو شرع في الذكرِ الواجب قبل انتهاء الركوع، أو شرع في النهوض قبل إكماله بطلت صلاته...».
مفهوم الحال أنه لو أعاد صحت. ويشكل في الأوّل باستلزامه زيادة الواجب وفعل المنهي عنه وإن كان ذكراً.
والثاني بأن العود يستلزم زيادة الركوع عمداً وهو مبطل، والأقوى البطلان فيهما إلا أن يكون العود في الثاني قبل تجاوز حد الراكع، بأن يكون قد زاد عن أقله في الانحناء وشرع فيه زمن الزائد فيمكن حينئذ التدارك.
ص: 135
277/1 قوله: «بحيث يساوي موضعُ جَبْهَته موقفَه».
خصّ الزيادة؛ لورودِها في رواية عبدالله بن سنان عن الصادق (علیه السّلام) (1). وألحق به بعض الأصحاب النقيصة بذلك القدر(2) ، وهو حسن ومقتضى اعتبارِ المسجدِ والموقف عدم اعتبار غيره من المساجد، فلا يقدح اختلافها، وهو موافق للأصل مع تحقق السجودِ بدونه واختصاص الأوّل بالنص.
وقيل: يعتبر ذلك في بقية المساجد(3) ، ولا بأس به.
قوله: «فإن استوعب سجد على أحد الجِبَينين، فإن تعذر فعلى ذَقَنِه، فإنْ تعذَّر أوْمَاً».
القدرُ المجوّز للانتقال إلى أحدِ الجَبينين تعدُّرُ السجودِ على الجَبْهَةِ مطلقاً ولو على ما يمنع السجود عليه، وحيث ينتقل إلى الجبينين يتخيَّر بينهما وإن كان تقديم الأيمن أولى، وحيث ينتقل إلى الذقن يجب كشفُ الشعر عنه لتقع البَشَرة على ما يصح السجود عليه مع الإمكان وإلّا سقط كغيره.
قوله: «والتسبيح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً فما زاد...».
عكس الترتيب الذي ذكره في الركوع مع اشتراكهما في أفضلية الأكثر وإجزاء الأقل بتقدير الجهة المختلفة، فذكر في الأوّلِ الأفضل وأراد أنّ الأقل منه دونه في
ص: 136
الفضل، وهاهنا ترقى إلى الأفضل وهو أولى خصوصاً مع ضميمة ما زادهاهنا دون السابق .
278/1 :قوله: «ويقضيها الناسي».
المراد بالقضاء هنا الإتيان بها حيث ذكر؛ لأنّها واجبة على الفور، فإذا أخَّرها عمداً أو نسيها فعلها حينئذٍ.
والأقوى أنّه لا يجب فيها التعرض للأداء والقضاء مطلقاً.
ص: 137
280/1 قوله: «وهو تابع في الجهر والإخفات».
الأقوى استحباب الجهرية مطلقاً لغير المأموم، وله استحباب الإخفاتِ به مطلقاً.
ص: 138
قوله: «وفي الحرف الواحدِ المُفهم والحرف بعده مَدَّةُ والكلام المُكْرَةِ عليه نظر».
الحقُّ أنّ النظر في عدم البطلان بالأوّل ضعيف جداً؛ لأن الحرف المفهم كالأمر من الأفعال المعتلة الطرفين ك-«لام» لغةً وعرفاً، والنصوص الواردة بإبطال الكلام تتناوله(1) : إذ ليس فيها ما يدلُّ على اعتبار الحرفين، بل إطلاق اسم الكلام وهو متحقق.
ومثله الكلام في الثاني بعكس الحكم؛ لأنّ الحرف الممدود ليس بحرفين وصاعداً وإن طال، فإنّ المدّة ليست بحرفٍ وإنّما هى صلةٌ للحرفِ، فلا وجه للشَكٍّ في عدمِ الإبطال.
وأمّا الثالث: فالحكم فيه موضعُ نظرٍ من حيث إطلاق رفع ما استكره منها عليه الدالّ بظاهره على رفع حكمه مطلقاً، ومن جملته بطلان الصلاة به، ومن إمكان إرادة رفع المؤاخذة عليه خاصةً فيقع الشك في غيره -وهذا هو الأقوى - فيبطل به كما يبطل
بالإكراه على غيره من المنافيات وإن لم يأثم فاعلها حينئذ.
281/1 قوله: «والتكفير وهو وضع اليمين على الشمال وبالعكس».
تحريم التكفير في الصلاة لا شبهة فيه والنصوص(2) واردة بالنهي عنه المقتضي له
ص: 139
فلا بُعد فيه بعد ورود النص وإن جاز وضع اليدين كيف شاء؛ لأن إدخال بعض المسلمين ذلك في أصل العبادة مع عدم صحته جاز أن يكون موجباً لتحريمه تصويرها به وإن لم يعتقد شرعيّة ذلك.
والكلام في إبطاله الصلاة فإنّه لا دليل عليه حيث إنّه فعل خارج عن حقيقة الصلاة فلا يقتضي تحريمه الابطال كنظائره، ولكن الشيخ في الخلاف(1) ادعى الإجماع على تحريمه والإبطال به فإن تمّ كان ذلك هو الحجّة وإلا فلا. والظاهر أنّها فيهما ممنوعة.
وربما قيل: إن القائل بالتحريم قائل بالابطال ولا يجوز الفصل، وهو متَّجه إن تمّت المقدّمة وإلا فلا.
قوله: «والأكل والشرب».
الأقوى أنّهما لا يبطلان إلا مع الكثرة، كغيرهما من الأفعال؛ لعدم دليل يخصهما بالحكم فيلحقان الأفعال بدليلها العام.
قوله: «إلّا في الوتر لمريدِ الصَوْمِ من غير استدبار».
هذا الاستثناء من الشرب خاصةً، ولابد من تقييده بخوفِ العطش بدونه ولو في النهار، وبخوفِ فجاءة الصبح قبل الفراغ من مطلوبه منه. وفي حكم الاستدبار غيره من المنافياتِ غير الشرب فلا وجه لتخصيصه.
282/1 قوله: «وإذا ركعت وضعت يديها فوقَ رُكبتيها على فَخِذيها لئلا تتطأطأ كثيرا...»
هذه العلة لا تتمّ إلا مع تصورِ انحنائها إلى ذلك المقدار ، لا بالجمع بين بلوغها حدَّ ركوعِ الرجل مع الاقتصارِ حينئذٍ على وضع يديها فوق ركبتيها كما لا يخفى .
ص: 140
ويمكن القولُ باختصاصها بذلك لذلك، ولا بعد فيه مع النص(1) عليه، أو القولُ بجوازهما معاً لهما مع استحباب الفرق بينهما ببلوغ الرجل بيديه عَيْنَ رُكْبَتَيْه دونها. وفى حسنةِ زرارة (2) ما يرشد إليه، ولمّا كان مستند الفرق المذكور موقوفاً على زرارة بعد الحكمِ الأولِ وإن كان مضمونه مشهوراً بين الأصحاب، والأجودُ تساويهما في الحكم المشهور.
ص: 141
283/1 قوله: «ولو خرج(1) متلبِّساً بها - ولو بالتكبير - أتمَّها جمعةً إماماً كان أو مأموماً ...».
الأصحُ اعتبارُ إدراكِ رَكعة منها في الوقتِ كاليوميّة؛ لعموم الخبر (2)، وإخراج الجمعة منه لا وجه له أصلاً.
قوله: «ولو عَلِم اتساع الوقت لها وللخُطْبَتَين مخفّفةً وجبتْ، وإلا سقطتْ ووجبت الظهر».
«مخفّفةً» حال من ضمير الجمعة والخطبتين معاً. والمراد بالتخفيف الإتيان بأقل الواجب، والمراد بالعلم هاهنا ما يشمل الظنَّ الغالب. واشتراط اتساع الوقتِ لذلك وبدونه تسقط لا دليل عليه. وخبر «مَنْ أدرك من الوقتِ ركعة فقد أدركَ
ص: 142
الوقت»(1) شامل لها حيث الجميع أداء كما يدلُّ عليه الخبر، وكَوْنُ ما خرج من الوقتِ تابعاً لما وقع فيه وأنّ الجمعة لا تُقضى لا يقدح هاهنا بوجه؛ إذ الغرضُ وقوعها مؤداةً وإن كان بعضُها خارج الوقتِ للعموم، والأقوى الاكتفاء بإدراكِ رَكعة كاليومية مطلقاً.
قوله: «ولا تشترط الحرّية على رأي، وفي الأبرص والأجذم والأعمى قولان».
على رأي الشيخ (2) الأقوى عدم اشتراط الحرّية؛ نعم يُشترط إذنُ المولى وكراهة إمامة الثلاثةِ خاصةً؛ جمعاً بين الأدلّة.
284/1 قوله: «وهل تجوز في حالِ الغَيبة والتمكن من الاجتماع بشرائط الجمعة؟.....»
المراد بالشرائط هاهنا ما عدا إذنِ الإمام على الخصوص؛ لأنّ الغرض عدمُ هذا الشرط. ويمكن أن يريد بها الجميع، ويريد مع إذن الإمام عموماً بحضور الفقيه كما هو أحد الأقوال في المسألة (3) - وهو ظاهر اختياره في المنتهى (4).
وبالجوازِ هنا معناه الأعم الشامل للوجوب، وهو المراد هنا وإن كان تخييراً كما هو ظاهرُ اتفاقِ القائلين بصحتها حينئذ. وإنما عبّر به؛ لأنه موضعُ النزاع؛ إذ من الأصحابِ من منع منها حينئذٍ أصلاً. ومنهم من جوزها بالمعنى المذكور. وقد يعبّرون عنها حينئذٍ بالاستحباب (5)، ومرادهم أيضاً ذلك بناءً على أنّها أفضلُ الواجب على التخيير فتكون مستحبّةٌ عَيْناً وإن وجبت تخييراً.
والأقوى وجوبها حينئذٍ وعدم اشتراطها بالإمام ومن نصبه مطلقاً لإطلاق الأدلة
ص: 143
القطعية من الكتاب(1) والسنَّةِ (2) ، وهو ظاهر الأكثر. والإجماع على اشتراطها بأحدهما لو سلم مختص بحالةِ الحضور. وانتفاء الواجب العيني بالإجماع إن تم يوجب القول بالوجوب التخييري؛ إذ لا أقل منه، وحينئذٍ فينوي بها الوجوب وتُجْزِئُ عن الظهر.
قوله: «أما غيره فيصلّي الظهر ويحتمل الدخول معهم؛ لأنها جمعة مشروعة».
الحكم هاهنا مبني على جوازها مع غير المأذون من الإمام، فإن اشترطناء مطلقاً أو على بعض الوجوه وحصل مقتضي الصحة في الإمام المستناب جاز الدخول معه فيها؛ لتحقق الشرط كالمبتدئ. وإن كان المستناب غير جامع للشرائط بأن كان مستنيبه غيرَ الإمامِ أو غير مجتهد مع غيبته حيث يعتبره - لم يَجُز لغير من يحرم ابتداء الدخول معه حينئذ، وإن جاز للأول للنهي عن إبطاله العمل؛ ولأنّه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء.
285/1 قوله: «والأقربُ عدم اشتراط الطهارة، وعدم وجوبِ الإصغاء إليه، وانتفاءُ تحريم الكلام...».
الأقوى اشتراط طهارة الخطيب من الحَدَثِ والخَبَث على حدّ ما يعتبر في الصلاة، ووجوبُ إصغاء جميع من يمكن في حقه السماع من المأمومين، وتحريم الكلام عليهم وعلى الإمام، وقد ذكر بعض (3) أهل اللغة أنّ الإصغاء هو الاستماع مع ترك الكلام(4) . و عليه فيكون الجمع بينهما مؤكداً. وفي كلام آخرين أنه أعم(5) وهو الذي يقتضيه العُرف.
ص: 144
286/1 قوله: «ويُكرَهُ الكلام في أثنائها بغيرها».
ظاهرُ السياق أنّ الحكم متعلّق بالإمام، والسابق أعم. وعلى التقديرين لا تكرار في اللفظ؛ لأنّ الأوّل اقتضاء انتفاء التحريم والثاني إثبات الكراهية، وهما غيران .
قوله: «ولو شَكٍّ هل كان رافعاً أو راكعاً رجّحنا الاحتياط على الاستصحاب ...».
الاحتياط لا يصلح مرجحاً على الاستصحاب بنفيه، خصوصاً مع اشتمال الاستصحاب على حكم واجب أو بتركه على محرّم، وهو هاهنا كذلك، فإنّ استصحاب عدم الرفع يقتضي صحة الصلاة ووجوب المضي فيها وتحريم قطعها فلا يجوز رفع ذلك بمجرد الاحتياط. والأولى تعليل الحكم بأن الأصل عدم رفع الإمام، كما أنّ الأصل عدم إدراكه قبله؛ لأنهما حادثان تعارضا فتساقطا، وبقي مع أصالة عدم الإدراك بقاء المكلف في عهدة الواجب فيرجح ذلك الأصل.
قوله: «الأجود إعادةُ جُمُعةٍ وظُهرٍ في الأخير وظهرٍ في الأوّلين».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته:
قيل: هذا «الأجودُ» ينافي قوله أولاً : «بطلتا إن اقترنتا أو اشتبه»؛ لأنّ المراد بالاشتباه إن كان في السبق والاقتران فموجبه الجُمُعة لاغير. ثُمّ أجاب باختيار الأول...(1) إلى آخره.
قلت الأولى أن يراد بالاشتباه في الأولى اشتباه الحال الشامل للصور الثلاثة الأخيرة، وأن يراد ببطلانهما عدم صحتهما معاً؛ لإمكان بطلانهما وبطلان كلّ واحدة على حدتها، فلا يحصل القطع بصحتهما معاً، فالبطلان يرجع إلى مجموعهما من حيث هو مجموع وهو حكم إجمالي، ثُمّ فصَّله أخيراً بأحكام الصور الثلاث: ففي الثالثة الحكم ظاهر حيث أوجب الجمعة المانع لبطلانها. وفي الأوليين وجه المناسبة بين الحكم ببطلانهما ووجوب الظهر أنه لو حكم بصحتهما لم يجب عليهما شيء، فلمّا
ص: 145
أوجب عليهما الظهر دلّ على صحتهما معاً؛ إذ لا يجامع صحة الجمعة وجوب الظهر، فأطلق البطلان عليهما لهذا الوجه. وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه خيرٌ من تفريق حكم المسألة، أو اضطراب الحكم في كلام متقارب.
288/1 قوله: «ولو سقطت عن أحدهما فهو سائغ له خاصة».
الأقوى تحريمه عليهما؛ لأنّ الآخر مع علمه بالحال معين على الإثم والعدوان المنهى عنه.
قوله: «فإن نوى بهما للثانية أو أهمل بطلت صلاته».
الأقوى الصحة مع إهمال النية وانصرافهما إلى الأولى كما لونواها.
289/1 قوله: «قبل الزوال - ويجوز بعده - والتفريق...».
الضابط أنّ يوم الجمعة وقت لهذه النافلة مطلقاً إلّا أنّ تفريقها سداساً كما ذكر أفضل، ودونه جعل ست بين الفرضين ودونه فعلها متى شاء من النهار.
ص: 146
المطلب الثاني في الأحكام
291/1 قوله: «وسقط التكبير ...».
هذا هو الأقوى وإن كان التكبير أُولى، وأجود منه تأخير الاقتداء إلى الركعة الثانية إن اتفق.
ص: 147
292/1 قوله: «ولو أدرك الإمام في رَكَعَاتِ الأُولى فالوجه الصبر حتى يبتدىء بالثانية ....».
المراد الصبر بغير نية الصلاة إلى أن يقوم الإمام إلى الثانية، وهذا هو الأولى، ولو دخل معه ثُمَّ نوى الانفراد بعد فراغ الإمام من ركوعاتها ونزوله إلى السجود جاز أيضاً.
قوله: «الموجب وهو كُسُوف الشمس، وخُسُوفُ القمر، والزَّلْزَلَةُ، والريح المُظلمة وأخاويفُ السماء».
لا يخفى ما فيه من التجوز حيث عقد الفصل لصلاة الكسوف، ثم جعل السبب لمطلق الآيات، وهو أقوى من تجوُّزِه في أوّل الكتاب بجعل الكسوفين مغايرة الآيات، والأمر سهل حيث أنّ المراد واضح.
قوله: «ووقتها في الكسوف من الابتداء فيه إلى ابتداء الانجلاء...».
الأقوى امتداده إلى تمام الانجلاء.
293/1 قوله: «وفي الرياح الصُفْر والظُّلْمَةِ الشديدة مُدَّتها....».
الأقوى أنّها كالزلزلة فتكون سبباً للوجوب خاصةً وإن قصر وقتها عنها.
قوله: «فلو اشتغل أحد المكلفين في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة
ص: 148
فالأقرب عدم وجوب الإتمام، أما الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
وجه الأقربية أنه قد تقرر في الأصول إلى قوله: - والمراد ب-«الآخر من لم يدرك ركعةً، سواء أدرك بعضها أو لم يدرك منها شيئاً أصلاً، وفي عدم وجوب القضاء على التقديرين بعد في أحدهما، وهو الوجه الضعيف هنالك ؛ لأنه إما أن يكون إدراك الركعة موجباً أو لا، فإن أوجب فلا فرق بين مَن صلَّى ومَن لم يصل (1).
قلت: إذا أُريد بالآخر من لم يدرك ركعةً لا يمكن أن يراد بالتقديرين معه تقدير وجوب الإتمام على مَنْ أدرك ركعةً وعدم وجوبه، ولا يتوجه الإشكال الذي ذكره لأنه لا يلزم من وجوب الإتمام على مدركِ الركعة وجوبه على من لم يدركها، وما تقدّم من الوجه بشمول الخبر (2) له لا يأتي فيه.
وأيضاً فقوله: «إمّا أن يكون إدراك الركعة موجباً أو لا» إلى آخره.
لا يطابق السابق ولا يستقيم؛ لأن إدراك الركعة إذا كان موجباً لا يلزم منه كَوْن عدم إدراكها موجباً سواء دخل أم لا . والحق أنّ المراد ب-«الآخر» من لم يشتغل بالصلاة مع كَوْن الوقت يسع رَكَعةً . الجميع؛ لأنّ هذا قسيم قوله: «أحد المكلفين» في قوله:
«ولو اشتغل أحد المكلّفين والتقدير أنّ أحدهم اشتغل والآخر لم يشتغل.
والمراد ب-«التقديرين» وجوب الصلاة على من دخل وأدرك ركعةً وعدمه، والفرقُ أنّ الذي دخل إنّما وجب عليه الإتمام من جهة النهي عن قطع العمل (3) وأنّ «الصلاة على ما افتتحت عليه»(4) ، وقد افتتحها على الوجه الخاص، وهو مفقود في من لم يدخل
ص: 149
فالقاعدة الأصولية باستحالة التكليف بعبادة يقصر وقتها عنها لامعارض له هنا بخلاف من تلبس بالصلاة. ويجوز أن يريد بالآخر من لم يُدرك ركعةً. وب-«التقديرين» اشتغاله بالصلاة ،وعدمه، وأن يريد بهما، أي من الإمام على من أدرك ركعة وعدمه، وهذا المعنى الأخير الذي فهمه الشارح السيد(1) ، وإن كان ما ذكرناه أقوى.
ص: 150
295/1 قوله: «ولو نذر صلاة الليل وجبت الثماني، ولا يجب الدعاء».
صلاة الليل عند الإطلاق محمولة على الثماني دون الشفع والوتر، وقد يُطلق على الجميع الوتر دون العكس.
أما ما أطلقوه في بعض الأماكن ممّا يشعر بإطلاقها على ما يشمل الوتر ، كقولهم: «إنّ مَنْ طلع عليه الفجر ولم يتم صلاة الليل فليزاحم بها الفريضة»(1) ، وصرَّحوا بالمزاحمة أيضاً بالشفع والوتر (2) ، فبدليل خارج لا من حيث إطلاق صلاة الليل على
الجميع.
ص: 151
302/1 قوله: «وكذا بزيادته إلّا زيادة القيام سهواً».
هذا الاستثناء يقتضي إطلاق كَوْن مطلق القيام ركناً، فمتى حكم بصحة الصلاة مع زيادته كما لو ذكر الزيادة قبل الركوع فهو مستثنى من القاعدة، وهذا أولى من الحكم بكون الركن منه أمراً كلّيّاً، وهو ما اتصل بالركوع سواء صاحب القراءة أم لا، حذراً من كونه غير مبطل لولا ذلك؛ لأنّ هذا التفسير يقتضي الاستغناء عن الحكم بركنيته؛ لأنّ الركوع حينئذٍ كافٍ في الإبطال وإن تكلّف باجتماع معرفين عليه وهو غير ضائر في الأحكام.
وإنّما كان إطلاق القول بركنيته أولى لنقل المصنف في المنتهى(1) الإجماع على ركنيته من غير تفصيل، فلا وجه حينئذٍ لتكلُّف أمر آخر؛ لأنّ غاية ما فيه عدم إبطاله الصلاة في بعض الموارد وذلك لا ينافي الركنيّة؛ لأنّ إبطال الركن بزيادته ونقصانه ليس
ص: 152
كلّيّاً، بل يستثنى منه مواضع بدليل خارج، وهو متحقق هنا. ولولا الإجماع المذكور لأمكن القولُ بعدم ركنيته مطلقاً؛ لأنه بدون الركوع غير مبطل وبه يستغنى عنه.
قوله: «إلا في الجهر والإخفات».
استثناء من إلحاق الجاهل بالعامد من حيث كونه فيهما معذوراً ولكنّه لا يخرج بذلك عن العمد، ففي الاستثناء ضرب من التجوز، ولافرق بين علمه بالحكم في محلّ القراءة وبعده على الأقوى.
قوله: «ويُعيد لو لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه، أو من جنسه إذا وجده مطروحاً...».
المراد أنه إذا وجد الجلد في يد مسلم جازت الصلاة فيه إذا علم أنّه من جنس ما يصلّى فيه، ولو لم يعلم أنه من جنسه لم يصح، وكذا لو وجده مطروحاً وإن علم أنه من جنس ما يصلّى فيه؛ لأصالة عدم التذكية؛ وقوله: «أو من جنسه» لا مرجع العطفه؛ لأن السابق أنه لو لم يعلم أنّه من جنسه، والثاني علم أنّه من جنسه فلا يلتئم العطف ولكنّ التقدير ما ذكرناه .
303/1 قوله: «أو زاد في الصلاة ركعة».
هذا إذا زادها عمداً، أمّا سهواً فالأشهر عدم البطلان بها إن كان قعد آخر الصلاة بقدر واجب التشهد، وسيأتي ذلك في كلام المصنف (1).
قوله: «أو لم يدرِ أهما من ركعةٍ أو ركعتين؟».
هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ولا يخلو من إشكال؛ لأنَّ الشَكَ في كونهما من رَكعةٍ أو رَكعتين يوجب السَّكَ في كون ذلك مبطلاً للصلاة، والأصل الصحة وعلله المصنف في التحرير بأنّ المُسقط لما في الذمة حينئذٍ غير معلوم (2).
وفيه نظر؛ لأنّ العلم بالمسقط غير شرط؛ لوروده في أكثر أبواب الشك المحتملة
ص: 153
للبطلان مع حكمهم بالصحة، بل المعتبر من المُسقِط لما في الذمة إيقاع الصلاة على وجه يوافق القواعد الشرعيّة ظاهراً وإن لم يكن في نفس الأمر مقطوعاً به. ويمكن أن يقال في تعليله إنّه كما يحتمل كونهما من ركعتين يحتمل كونهما من رَكعَةٍ، لكن يرجح الثاني أنّ السهو فيهما حادث والأصل عدم تقدم أحدهما على الآخر بأزيد من ركعة؛ لأن ذلك شأن الحادث إذا شك في وقت حدوثه فيستصحب السابق من الفعل إلى أن يعلم الخلل، وذلك يوجب الحكم بكونهما من ركعة واحدة فيبطل.
قوله: «ولو شكّ في عدد ركوع الكسوف بني على الأقلّ».
إن لم يستلزم الشَكٍّ في الركعتين وإلّا بطلت.
قوله: «فإنّه يقضيهما بعد الصلاة ...».
المراد به فعلهما بعدها أداءً في وقتها وقضاء بعده.
306/1 قوله: «أو شكّ بينهما بطلت صلاته؛ ولو قال لثالثة أو رابعة؟ فالحكم ما تقدَّم بعد إكمال الركعة».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
أي بين الثلاث والخمس قبل السجود، أو الأربع والخمس، أو بين الاثنتين والثلاث قبل السجود، وهو في الحقيقة نفس الشَكٍّ في قيامه من الركوع الثاني أو ثالثة...(1) إلى آخره.
قلت: لا وجه للتقييد بقبليّة السجود؛ لاستلزامه عدم الفرق بينها وبين ما سبق كما
ص: 154
ذكر - بل الوجه أن يحمل قوله : «أو شكٍّ بينها» على إرادة الشَكٍّ بين الاثنين والثلاث أو بين الأربع والخمس، أو بين الثلاث والخمس بقول مطلق من غير تقييد بقبلية السجود وغيره وبتقييد الصورة الأولى بما قبل الفراغ من السجدة الثانية، وكذا الثانية، وتبقى الثالثة على الإطلاق؛ لأنّ السَّكَ بين الثلاث والخمس بعد الركوع مبطل في أيّ وقت وقع إلى آخر الصلاة. وإنّما أطلق الحكم المذكور؛ لأنّه فرض الشَكَ أوّلاً في القيام من الركوع ولمّا كان مذهبه في الشَكٍّ بين الأربع والخمس البطلان مطلقاً نبه على الباقي بقوله: «وكذا بينها أي بين الاثنتين والثلاث مطلقاً، وبين الأربع والخمس، وبين الثالث والخمس كذلك، لكنّ الأوّل مقيّد بحكمه أوّلاً في الصحة والاحتياط حيث يقع بعد إكمال الثانية، ولما ذكرهنا تعلُّق الشك بها بعد القيام من الركوع أشار إلى الباقي غير المحكوم بصحته فيما تقدَّم بالبطلان هنا والثاني مطلق أيضاً، لكن ما قبل الركوع تقدّم حكمه وما بعد السجود يأتي، فأشار إلى بقيَّة أحكامه بإطلاق البطلان على مذهبه، والحكم بالبطلان في الثالث بعد الركوع مطلق وهو واضح.
ص: 155
ص: 156
الباب الأوّل في زكاة المال
الباب الثاني في زكاة الفطرة
الباب الثالث في الخُمس
ص: 157
ص: 158
329/1 قوله: «ولو ضَمِنَ واتَّجر لنفسه وكان مليئاً مَلَكَ الرِبْحَ واستحب له الزَكاةُ».
الأقوى أنّ الأبَ والجَدَّ له لا يشترط في جواز اقتراضهم مال الطفل الملاءة، وحينئذٍ فيستثنى من ذلك ومن قوله: «ولو انتفى أحدهما ضمن...» إلى آخره.
قوله: «ولو انتفى أحدهما ضمن والربح لليتيم ولا زكاة».
إنّما يكون الربح لليتيم مع الشراء بالعَيْنِ وحصولِ الغِبْطَةِ بالشراء وإجازة الوليّ حيث لا يكون هو المشتري، وإلا فهو للمشتري في الأول وبطل في الآخرين.
قوله: «ويستحبُّ في غَلّاتِ الطفل وأنعامه - على رأي - ويتناول التكليفُ الوليَّ.».
هذا جواب عن سؤال يرد على القول بالاستحباب (1)، وهو أنّه من باب خطاب الشرع المشروط بالتكليف فكيف يحكم بالاستحباب في حقّ الطفل.
ص: 159
فأجاب بأنّ الاستحباب وإن نُسب إلى ماله لكن متعلّقه الولي، وهو مكلف بمعنى مخاطبته بإخراجها من مال الطفل، وحينئذٍ فيستحقُ الثواب على فعله ويرجع إلى الطفل من الله تعالى في الله تعالى في الآخرة أعواض في مقابلة ما ذهب من ماله. ولا بُعد في ذلك بعد ورود النص (1).
330/1 قوله: «ولا المجحود بغير بينة».
الضابط إمكان تحصيله ووضع يده عليه، سواء كان له بَيِّنة أم لا؛ إذ قد يمكنه تحصيله بدونها على بعض الوجوه فيجب، ولا يمكنه معها فلا يجب.
قوله: «ولا الدين على المُعسر والمُوسِر على رأي».
الخلافُ فيما إذا كان على باذل الدين والمانع من قبضه من جهة المدين، سواء في ذلك الموسر والمعسر، وليس الخلاف في الموسر كما يظهر من العبارة ومن كثير - إذ المُعْسِر قد يبذل الدين من بعض الجهات التي لا يجب عليه بذله فيها، والمُوسر قد يمنع. ويستفاد ذلك من عبارةِ الشيخ في المخالفِ في المسألة (2)، ومن مستنده عليه من النصوص فإنّه قول الصادق (علیه السّلام): ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخِّره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة [حتى يقبضه]»(3).
ومن أطلق الحكم في المُوسِر والمُعسِر (4)؛ فقد بنى على الغالب. ثُمّ إن كان الدّينُ نقداً فالأمرُ ،واضح، وإن كان حيواناً قيل: لازكاة فيه قطعاً؛ لاشتراط السوم، وهو غير معقول فيما في الذمة (5).
ص: 160
ويشكل بأنّ المعتبر من الدين ما لو تعيَّن في الخارج كان متعلق الزكاة كالنقد، فإنّ نفس ما في الذِمَّة أمر كلّي لا وجود له خارجاً مطلقاً، وإنما الموجود كذلك أفراده التي يوجد في ضمنها. وعلى هذا يمكن كون الحيوان الثابت في الذمة مشروطاً كونه غير معلوف، كما يصحُ اشتراط ذلك في السَلَم، فيمكن إجراء الخلاف فيه وإن ضعف.
هذا كله إذا جعلنا مفهوم السوم عدميّاً، وهو عدم العلف كما هو الظاهر من كلامهم (1)، ولو جعلناه أكلها من مال ابنه المباح ونحوه لم يُعقل كون ما في الذمة سائماً كما ذكره، لكنّ الأظهر في تعريفه الأول.
قوله: «ولو اشترى نصاباً، جرى في الحول حين العقد على رأي».
قوي مع قبضه أو تمكنه منه شرعاً أو حسّاً.
قوله: «وكذا لو شرط خياراً زائداً».
أي زائداً على الخيار الثابت بأصل العقد كخيار المجلس والحيوان - فإنّ الخلاف يجري في مدته كما يجري في الأصل، فإنّ الشيخ يعتبر في تملكِ المشتري للمبيع انتفاء الخيار مطلقاً على ما صرّح به في الخلاف، فإنه وإن حَكَم بأنّ الخيار إذا كان للمشتري ينتقل المبيع عن ملك البائع، لكنّه قال: إنه لا ينتقل إلى ملك المشتري إلا بانقضاء الخيار (2). وحينئذٍ فلا يجري في الحول عنده.
وتقييد الشهيد (رحمه الله) بما إذا كان الخيار للبائع، أو لَهُما (3) غير جيد؛ لأنّ خيار الحيوانِ عنده مختص بالمشتري(4) ، مع أن الخلاف جارٍ فيه كما ذكرناه.
نعم، ما ذكره من التفصيل اختاره في المبسوط(5) ، فهو قول آخر لا يدفع الخلاف
ص: 161
المذكور، بل ينبغي تقييد اشتراط الخيار الزائد بكونه للمشتري؛ ليكون مسلّطاً على التصرف زمنه، فلو كان للبائع أو لَهُما فسيأتي أنّ المشتري ممنوع من التصرف فيه، فيتّجه حينئذٍ ما قاله الشيخ لذلك لا لعدم الملك، ومثله يأتي(1) في خيار المجلس.
قوله: «فلا تجب في المرهون وإن كان في يده».
هذا إذا لم يتمكَّن الراهن من افتكاكه، وهو بيعه أجمع؛ لأنه حينئذٍ ممنوع من التصرُّف فيه. ويتفرع ما لو رهن مائتي درهم على مائتي درهم اقترضها وبقيت في يدِهِ حولاً، فإنّ الزّكاةَ تجب عليه فيهما.
قوله: «ولا الوقف لعدم الاختصاص».
الأولى تفريعُ الوقف على ما يمنع من التصرُّف فيه؛ لأنّ الموقوف عليه ممنوع من التصرُّف في عينه بما يوجب نقل المِلْك مطلقاً إلا على وجه نادر خاص.
وأمّا تفريعُه على تعلَّقِ حق الغير فلا يتمّ مطلقاً؛ لأنّ الوقف إن كان عليه وعلى بطون متعاقبة على الترتيب فتسلّط غيره عليه في طبيعته ليس بواقع وإن كان الوقفُ عليه خاصةً فالواقف غير متسلّط عليه الآن، وهو المعتبر في المنع إلا بتكلُّف، بأن يقال: إنّ منعه من التصرُّف في العين إنما هو لحقِّ البطون أو لحقِّ الواقف في المنقطع، إلا أنّ هذا أمرٌ آخر غير تسلُّط الغير عليه بطريق الحقيقة.
331/1 قوله: «وفي النذرِ المشروط نظر».
وجه النظر وقوع النذر صحيحاً المانع من التصرُّف فيه حيث يستلزم بطلان النذر، فيلزم من فرض جريانه في الحَولِ مع صحة النذر المحال؛ ومن عدم تحقق الشرط الموجب لصرفه في النذر وصحته إنّما يستلزم ترتب الأثر المترتب عليه شرعاً، وهو وجوب صرفه في الوجه المنذور على تقدير حصول الشرط لا مطلقاً، وحينئذٍ فاستلزامه المحال ممنوع .
ص: 162
فلو فرض تمام الحول قبل حصول الشرط كان قدر الواجب من الزكاة كالتالف من المال قبله وهو غير قادح كنظائره فيبطل النذر فيه، كما يسقط الحجّ لو تلف ماله أو . يسقط الاستطاعة قبل التلبس، لكن هنا يصحُ في الباقي.
قوله: «ولو استطاع بالنصاب وجب الحجّ، ثمّ مضى الحولُ على النصاب، فالأقرب عدم منع الحجّ من الزكاة».
تمام حول الزكاة الموجب لها: إما أن يكون قبل تحقق الاستطاعة، أو معها أو بعدها قبل استقرار الحج بمضي زمان يمكن فعل زكاته فيه، أو بعده. فالأقسام أربعة: الأوّل: أن يكون حوله قبلها. وهنا لاشبهة في وجوب الزكاة مقدّماً على الحجّ، ثُمّ إن بقيت الاستطاعة فالأمر واضح وإلا سقط في هذا العام قطعاً وفي غيره على الأصح - إلى أن تحصل بعد ذلك؛ لأنّ وجوب الزكاة في جزء من المال كتلفِ بعضه قبلها.
واستشكل الشهيد رحمه الله الحكم في البيان:
واحتمل استقراره إذا كان قادراً على صرف النصاب في جهازه؛ لأنه بالإهمال جرى مجرى المُثلِف ماله بعد الاستطاعة (1).
ويُشكل بأنّ المعتبر من الاستطاعة ما أمكن معها السفر إليه، وذلك عند قرب خروج القافلة المتوقف السفر عليها بحيث يقطع علائقه قبله، وقبل ذلك لا وجوب، فلا تفريط .
ولو فرض حُؤُول الحول حينئذٍ كان هو القسم الثاني، وهو ما إذا اقترن الحول والاستطاعة ويظهر من المصنف القطعُ في هذا القسم بتقديم الزكاة؛ لأنه فرض الإشكال فيما لو تقدَّم وجوب الحج على الحول، ووجهه تحقِّقُ المِلْك للنصاب طول الحول بغير مانع، ومع الزكاة مرجّح عند هذا التعارض وهو تعلّقها بالعين، وتعلّق
ص: 163
الاستطاعة بالذِمَّة، وحينئذٍ فيسقط وجوب الحج لو توقفت الاستطاعة على ما وجب زكاة .
ويُشكل بأنّ استطاعة الحجّ وإن تعلَّقت بالذِمَّة - من حيث جواز التصرُّف في المال بغير أسباب الحج ونحوه - إلّا أنّ لها تعلقاً بالمال أيضاً؛ لأنّ حصولها دائر معه وجوداً وعدماً، فإذا عارضها غيرُها من الحقوق المالية طلب الترجيح.
ويمكن ترجيح الزكاة بأمر آخر وهو أنّ سببها متقدّم على سبب الحجّ وهو ملك النصاب في ابتداء الحول، وإنما ساوقها شرط وجوبها وهو حُؤُول الحول، فتقدّمُ ويُجعل القدر المخرج في الزكاة بمنزلة التالف من غير جهة المكلّف، وهو أيضاً مُسْقِط للحج على تقدير حصوله، فكيف مع التساوي! وحينئذٍ فتقديمُها أقوى.
الثالث: أن يتأخَّر حُؤُول الحَولِ عن الاستطاعة بحيث يجب الحج ظاهراً قبل وجوب الزكاة. وهذا موضع الإشكال الذي نبَّه عليه المصنف: فيحتمل تقديم الحج لسبق شروطه، فيتعيَّن صرفُ النصاب في الحج، فلا تكون بعد ذلك ملكه تامّاً كمنذور الصدقة به. وتقديمَ الزكاة -وهو الذي اختاره المصنف - لتعلقها بالعين والحجّ بالذمة، فلا تعارض بل يجري وجوبُ صرفهِ في الحج مجرى وجوبِ صرفه في الدين إذا لم يملك غيره ولم يحجر عليه، فكما لا يمنع هذا من تعلق الزكاة به لا يمنع ذلك.
وحينئذٍ فلو فقدت الاستطاعة سقط الحجّ كما لو تلف المال أو بعضه بغير اختيار المكلّف قبل استقرارِ الحجّ، ولا يقدح حينئذٍ سبق وجوب الحج ليصرف هذا المال فيه حيث يتوقف عليه؛ لأنّ ذلك كله لم يوجب تعلّق الاستطاعة بالعين كما قررناه سابقاً (1)- بخلاف الزكاة، وهذا قوي.
الرابع: أن يكون تمامُ الحَولِ بعد مضي أفعال الحجّ ولو تقديراً مع بقاء النصاب
ص: 164
وفيه الوجهان :السابقان؛ لأن تعلَّق الحجّ به إن منع تَمَّ تَلَمَ الحَول هنا وإن كان المانع قد زال حين تمام الحول، وإن لم يمنع لتعلقه بالذمة لم يمنع هنا بطريق أولى والأقوى وجوب الزكاة أيضاً. ويظهر من الشارح - ولد المصنف - أن موضع الإشكال هو الثالث فقط (1)، وليس بجيد.
قوله: «ولو اجتمع الزكاة والدينُ في التَرِكَةِ قُدّمت الزكاةُ».
بناءً على تعلّقها بالعَينِ، والدينُ متعلّق بالذِمَّة وإنّما انتقل إلى المال بعد الوفاة فكانت الزكاة سابقةً عليه وقدّمت. وهذا يتمّ مع بقاء متعلّق الزكاة ولو في بعض النصاب حتى لا تنتقل الزكاة إلى الذمة.
فلو تلف النصاب أجمع قبل وفاته بتفريط انتقلت إلى ذِمَّته وساوت الدَين في التوزيع على باقي المال.
قوله: «والنَفَقَةُ مع غَيْبةِ المالك لا زَكاةَ فيها؛ لأنّها في معرض الإتلاف، وتجب مع حضوره».
هذا الحكم مشهور بين الأصحاب (2)، ومستنده روايتان (3) في الموثق، ومقتضاهما كون المال بيد عياله المنفقين، فلو كانت بيد وكيله لينفق عليهم منها احتمل كونه كذلك؛ لأن العيال حينئذ في معنى الوكيل و عدمه اقتصاراً بالرخصة على موضع النصّ.
وأمّا تعليله بكونها في معرض الإتلاف فغير صالح؛ لأنّه غير مانع كما في أجرة المسكن المعرّض للخراب والمهر قبل الدخول المعرّض للتشطير(4) .
ومنع ابن إدريس(5) أصل الحكم بناءً على ضعف المستند، وله وجه وجيه.
ص: 165
قوله: «عدمُ قَرارِ المِلْك، ولو وهب له نِصاب لم يجر في الحَوْل إِلّا بعد القبول والقبض ».
أراد بقراره تمامه مستقراً، واحترز به عمّا لو حصل بعضُ شروطه وأسبابه دون بعض وإن لم يحصل معه أصل الملك إقامة لجزء السبب مقامه؛ لاشتراكهما في أصل التأثير في المِلْك. ومِن ثَمّ فرع الهبة مع أنّ المِلْك لا يتحقق عنده فيها مستقراً إلا بالقبض، ويظهر من حكمه بجريان الهبة بعد القبض في الحَوْل مطلقاً أن المراد ب-«القرار» كمالُ المِلْك وإنْ تزلزل بنحو الخيار؛ لأنّ الهبة بعد القبض تلحقها أحكام كثيرة توجب فَسْخَها من قبل الواهب كالخيار في البيع - ولم يجعله قادحاً في جريان الحَوْل.
قوله: «ولو أوصي له اعتبر الحَوْل بعد الوفاة والقبول».
بناءً على أنّ القبض غير شرط في ملك الموصى له كما هو الأشهر(1)- بخلاف الهبة، ولكن يشترط التمكن من قبضه، وإنما تركه لدخوله في السبب الأول.
قوله ولا تجري الغَنِيمة في الحول إلا بعد القسمة».
بناءً على أنّ الغانم لا يملك نصيبه إلا بها، سواء قلنا بعدم ملكه بالحيازة أصلاً، أم قلنا بأنّه يملك أن يملك . ولو قيل أنّه يملك بالحيازة كما هو المتصوّر - احتمل حرمانه في الحول حينئذ؛ لتحقق الملك. والأقوى توقفه على القسمة مطلقاً؛ لأنّ-ه بدونها ممنوع من التصرُّف، لكن هذا من السبب الأول لا من حيث الملك، فلا ينبغي تنزيل كلامه عليه.
قوله: «ولا يكفي عَزلُ الإمام بغير قبض الغانم».
إن لم يتحقق مع عزله قبضُ له عنه وإلا كفى؛ لأنه بمنزلة الوكيل عنه.
ص: 166
332/1 قوله: «النصاب».
جعل النصاب من الشروط الخاصة باعتبار اختلافِ أفراده الشخصيّة، وإلا فإنّ مفهومه الكلّي معتبر في جميع ماتجب فيه الزكاة، فيكون من الشرائط العامة بهذا الاعتبار. ويمكن اعتبارُه في الخاصَّة من جهة متعلّق الزكاة مطلقاً أعمّ من الواجبة والمندوبة، فإنّ ماتستحبُّ فيه الزكاة لا يعتبر فيه النصابُ كما سيأتي - وهذا أولى.
قوله: «الحول وهو مُضيَّ أحدَ عَشَرَ شهراً كاملةً، فإذا دخل الثاني عَشَرَ وجبت إن استمرت شرائط الوجوب طول الحول...».
أطلق اسم الحول على الأحد عشر شهراً، ثُمّ أطلقه على الاثني عشر(1) ، ولعلّ الاختلاف بحسب اختلاف المعاني فإنّ الأوَّل حَول شرعيّ حسب ما تضمّنته الرواية الحَسَنة (2)، والثاني لغوي (3).
والمراد بالوجوب المعلّق على قوله: استمرار الشرائط، إلى آخر الثاني عشر الوجوب المستقرّ، وهو غير منافٍ لإثبات الوجوبِ المشروط قبله وتظهر الفائدة فى
ص: 167
جواز تأخيره الإخراج إلى أن يستقرّ، وفيما لو اختلف الشرائط فتسقط الزكاة ويرجع بها إن كان أخرجها وأعلم القابض بالحال، أو كانتْ العَيْن باقية. والأجودُ كونُ الشهر الثاني عشر من الحول الأوّل.
قوله: «والسخالُ ينعقد حَوْلُها من حين سَومِها».
الأشهر ابتداء حولها من حين النتاج، والرواية الصحيحة مصرحة به(1) .
333/1 قوله: «ولو تغيَّر الفرضُ بالثاني بأن مَلَكَ إحدى وعشرين فالشاة عند تمام حَوْلِ نصابها....».
هذا الحكم في البقر غير متوجّه أصلاً؛ لأنه بتمام حول الثلاثين يجب التبيعُ في العَيْنِ، فينقص نصاب الأربعَيْن، والأولى فرض المِلْك الثاني أحد عشر فصاعداً، ليُمكن فرضُ النصاب الثاني.
وأما نصاب الإبل فقد يتمشى فيه ذلك من حيث إنّ الشاةَ الواجبة في الخمس خارجة عن حقيقة الإبل، فلا يتغيّر العدد، ويحتمل إلحاقه بالأوّل بناءً على أن الواجب جزء من الإبل مقدار شاة؛ لأنّ ذلك هو معنى الوجوبِ في العَيْن، وكيف كان فالأقوى الاحتمال الأخير خاصةً.
قوله: «ولو ارتدَّ في الأثناء عن فِطْرة؛ استأنف وَرَتَتُهُ الحَوْلَ، ويُتِمّ لو كان عن غيرها ».
إن كان ذكراً، كما تُشعر به الضمائر، فلو كان أنثى أتم كالمرتد عن غيرها، ولا ينافيهما الحجر لقدرتهما على رفعِه كحَجْرِ السَفَه.
334/1 قوله: «ولا زكاة في السخال حتّى تستغني عن الأُمَّهات وتسومَ حَولاً».
قد تقدَّم (2) أنّ الأقوى اعتبار حولها من حين النتاج.
ص: 168
قوله: «وفي اشتراط الأنوثة قولان».
الأشهر(1) عدم اعتبارها.
قوله: « وانعقاد الحضرم على رأي».
هذا هو الأشهر (2).
قوله تملك الغلة بالزراعة، لا بغيرها كالابتياع والاتهاب نعم، لو اشترى الزَرْعَ أو ثمرة النخل قبل بدو الصلاح، ثم بدا صَلاحُها في مِلْكه وجبت عليه...».
إن أراد بالزراعة حقيقتها فاشتراطها غير جيد، كما يدلُّ عليه الاستدراك بقوله: «نعم لو اشترى إلى آخره. وإن أراد بها نموّ الزَرْع ونحوه في ملكه - كما هو الظاهر والمنقول عنه - فالاستدراك المذكورُ في غير محله؛ لأنه حينئذ من أفراد التملك بالزراعة. فنظم العبارة غير حسن، وإن كان المعنى المتبادر من الزراعة هنا أوفق.
ص: 169
336/1 قوله: «فأُمها ماخِضُ أي حامل».
المخاض - بفتح الميم : اسم جنس للحوامل لا واحد له من لفظه ومنه سمّيت بنت المخاض، أي بنت ما من شأنها أن تكون من هذا الجنس بحسب الزمان وإن لم تكن حاملاً بالفعل (1).
قوله: «فيجب في كل خمسينَ حِقَّةُ، وفي كلّ أربعَيْنَ بنت لبون، وهكذا دائماً. ويتخيّر المالك لو اجتمعا...».
يظهر من تخيير المالكِ مع اجتماعهما إمكان أن لا يجتمعا بعد بلوغ مائة وإحدى وعشرين، وهو يُشعر بأن التخيير حينئذٍ بين الحقاقِ وبناتِ اللَبُونِ ليس مطلقاً، بل يجب التقدير بما يناسب إحداهما من العدد بحيث لا يحصل شَنَقٌ أو يكون أقلّ، ففي مائة وإحدى وعشرين تُعتبر بنات اللبون، وفي مائة وخمسين بالحقِّق، وفي مائتين يتخيَّر،
ص: 170
وظاهر الأخبار(1) وكلام الأصحاب (2) التخييرُ مطلقاً، وهو حسن وإن كان الأوّلُ أولى.
قوله: «وفي إجزاء بنت المخاض عن خمس شياه مع قصور القيمة عنها، بل وعن شاةٍ في الخمس مع قصور القيمة نظر».
الأجودُ الاقتصار على موضع النص، والرجوع فيما عداه إلى القيمة حيث لا يخرج المنصوص.
337/1 قوله: «ثمّ ثلاثمائة وواحدة ففيه أربع على رأي...».
منشأ القولين اختلاف الروايتين، ففي حسنة الفضلاء زُرارة ومحمّدِ بنِ مسلمٍ وبُرَيْدِ والفُضَيْلِ وأبي بصير - عنهما (علیهما السّلام)(3) ما اختاره المصنف من عدم انقطاع النصب بالرابع، ووجوب أربع في ثلاثمائة وواحدة، ووجوب شاة لكلِّ مائة وعمل بكل رواية جماعة من الأصحاب (4). والظاهر أن العمل بالأوّل أولى؛ لكثرة الراوي، وفضله، وكونها عن الباقر والصادق (علیهما السّلام).
وأما الثانية (5) فقد ظنَّ كثير من علمائنا كونها مردودةً بسبب اشتراك محمّد بن قيس
ص: 171
بین الثقة والضعيف (1)، وإن كان طريقها إليه صحيحاً.
والحقُّ أنّ محمّد بن قيس الذي يروي عن الصادق (علیه السّلام). غير محتمل للضعيف، وإنما المشترك بينهما من يروي عن الباقر(علیه السّلام) . نعم، يحتمل كونه ممدوحاً خاصةً وموثقاً فيحتمل حينئذٍ كونها من الحسن ومن الصحيح. أما الضعف فلا، وكيف كان فتلك أرجح.
ص: 172
341/1 قوله: «وإنما تجب الزكاة بعد المُؤَن (1) أجمع ...».
هذا هو المشهور بين الأصحاب حتى كاد أن يكون إجماعاً، ومن ثم لم ينقل المصنف فيه خلافاً، ولكن لم نقف له على نص يدلّ عليه. نعم، ورد استثناء حِصّةِ السلطان (2) ، وهو أمر خارج عن المطلوب وإن ألحقه الأصحاب بالمؤونة، ومن ثُمّ لم يستثنها الشيخ في الخلاف(3) والمبسوط (4)، وجعلها جُمَع على المالك، بل ادّعى في الخلاف إجماع المسلمين عليه إلّا عطاء (5). ولا يخفى أنّ إثبات الحكم الشرعي بمجرَّد الشهرة مجازفة ومقتضى الأخبار الدالة على وجوب العُشرِ أو نصفه (6) عدم استثناء شيء.
وفي المختلف أجابَ عن مثل قوله (علیه السّلام): «فيما سَقَتِ السماءُ العُشْرُ»(7) بالقول
ص: 173
بموجبه، فإنّ العُشْر إنّما يجب في النماء لا في المؤونة (1)، وهو جواب ظاهر الفساد، فإنّ متعلّق العشر ما خرج والمؤونة خارجة منه.
قوله: «ولا يُجزِئُ أخذُ الرُّطَب عن التمر، ولا العِنَبِ عن الزبيب، ولو أخذه الساعي رَجَع بما نقص عندَ الجَفاف».
أي لا يُجزِئُ أخذُه أصلاً؛ لمغايرته للواجب ونقصانه بالجفاف، وأما أخذه بالقيمة فلا إشكال في إجزائه.
342/1 قوله: وهل الاعتبارُ في الأغلبية ...» إلى آخره.
المتبادر من اعتبار العدد كونه عدد السقيات، بمعنى أنه لو شرب بماء السماء خمس مرات مثلاً وبالدلو أربع مرات فالواجب العشر، ولا اعتبار بالزمان ولا بالنمو. ويُحتمل ثالث وهو اعتبار الزمان دونهما، وهو أيضاً نوع من العدد إلّا أنّ إرادته بعيدة ودلالة النص عليه أوضح، ففي رواية معاوية بن شريح عن أبي عبدالله (علیه السّلام)... والأرض تسقى بالدوالي، ثمّ يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سَيْحاً؟ قال: «وك-م تسقى السقية والسقيتين سَيْحاً؟ قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر. قال: «نصف العُشْرِ»(2).
فحكم بأغلبية الزمان من غير استفصال يدلّ على اعتبار الزمان، والأشهر اعتبار النمو.
ص: 174
344/1 قوله: «وهو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عندَ التملك».
الأقوى عدم اعتبار هذا القيد، بل لو طرأ قصد الاكتساب كفى لإطلاق النص.
345/1 قوله: «والزكاة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه ويُقوَّم بالنَقْدَين».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
وتظهر الفائدة في مثل من عنده مائتا قفيز حنطة تساوي مائتي درهم، ثمّ تزيد بعد الحَوْل إلى ثلاثمائة درهم إلى قوله : قيمتها سبعة ونصف(1) .
قلت: هذا إنّما يتم لو لم يعتبر في زكاة التجارة النصاب الثاني لأحد النقدين وإلا لوجب سبعة لا غير ؛ لأنّ العشرين بعد الثمانين عفو . وقد ذكر المصنف في البيان (2) ما يقرب من هذا المثال والذي صرّح به العلّامة في التذكرة اعتبار نصاب النقدين مطلقاً، وأن الزائد عن المائتين يعتبر بالأربعين (3)، و هو الموافق لإطلاق اعتبار
ص: 175
الأصحاب (1) فيها نصاب أحد النقدين إلا إنا لم نقف على دليل يدلُّ على اعتبار النصاب الثاني منها. والعامّة صرَّحوا باعتبار الأوّل خاصة.
قوله: «وتستحبُّ لو بلغه بأحدهما دون الآخر...».
إن كان أصله عروضاً، أما لو كان من أحد النقدين فالأقوى اعتباره بأصله خاصَّةً.
قوله: «ولو عارض أربعين سائمة بمثلها للتجارة استأنف حَوْلَ المالية على رأي». قويّ.
قوله: «وإن لم يَنضَّ المالُ على رأي...».
الأقوى توقف استحبابها للعامل على الإنضاض (2).
قوله: «الدَينُ لا يَمْنَع الزكاتَين وإِنْ فَقَد غيره».
المراد بالزكاتين هنا المالية والتجارة، والضمير في «غيره» يرجع إلى مال التجارة المدلول عليه بأحد الزكاتين، فإنّها تستلزمه مع دلالة المقام عليه، والمراد أن الدين لا يمنع من تعلّق الزكاة وإن لم يكن المديون مالكاً سوى النصاب. ولا يتوهم حينئذ تعلّق الثاني بالنصاب حيث لا يكون له مال غيره يتعلق به؛ لأنّ متعلّق الدين الذِمَّة ومتعلّق الزكاة العين فلا تعارض.
ويمكن أن يريد بغيره أعم من نصاب التجارة وهو نصاب الزكاة المفروضة مالية كانت أم تجارة، والمعنى حينئذٍ أنّ الدين لا يمنع تعلق الزكاة وإن لم يملك سوى ذلك النصاب الزكوي من أي صنف كان ولعلّ هذا أولى؛ لأنّه أوفق بذكر الزكاتين مثله.
ص: 176
قوله: «فالأقرب استحباب زكاة التجارة في السَنَةِ الأُولى ».
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته عليه:
وجه الأقربية إلى قوله : لامتناع الثنى في الصدقة بالخبر (1). وربما قيل: الثني الممتنع هو تعلّق زكاتين بمال واحد في زمان واحد، وهو غير حاصل هنا لاختلاف الزمانين... (2) إلى آخره.
قلت: حاصل الحكم يرجع إلى تحقق معنى الثنى، وقد قال في الصحاح: إنه بكسر الثاء ثبوت الزكاة في المال مرّتين في عام واحد(3) ، وعلى هذا فالحكم بجريان حَوْل المالية حين السوم قبل تمام حَوْل التجارة يوجب التني؛ لتحقق الصدقة مرتين في عام واحد.
وأما قوله في جوابه : «إنّ الزمان الذي اختلفا فيه ليس علةً تامة في وجوب الزكاة ؛ إذ العلّة التامة هي الحول التام، ولم يحصل» (4) فغير مفيد ؛ لأنّ العلّة التامة لو جعلت الحَوْل التام الملتئم ، اتفقا فيه واختلفا، تحقق اختلاف زمان الوجوب والعلة ، إلّا أنّه يندفع بتحقق وجوبهما في عام واحد كما ذكرناه .
نعم، لو ادعى أنّ الثنى الممتنع ما حصل في زمان واحد ولم يعتبر الحول، ونوقش في ما ذكره الجوهري فإنّها ليست من وظائف اللغة، أمكن.
346/1 قوله: «في كون نتاج مال التجارة منها نظر».
في كونه منها قوة.
ص: 177
قوله: (وفي ضَمّ ما يُزرع مرتين في السنة - كالذُرة - بَعْضه مع بعض نظر».
المتَّجه الضمّ مطلقاً.
قوله: «العِقار المتخذ للنماء يستحبّ الزكاة في حاصله ....».
والمُخرَج ربعُ العشر كزَكاة التجارة، ولا يشترط في نَمائه الحَوْل ولا النصاب والأقوى عدم اعتبارهما في أصله أيضاً؛ للعموم.
ص: 178
347/1 قوله: «واختلف في أيهما أسوأ حالاً إلى آخره. هذا هو الأقوى؛ لصحيحة أبي بصيرٍ عن أبي عبدالله (علیه السّلام)(1) وإلا فما ذكره من الأدلة على الجانبين لا يخلو من نظر.
348/1 قوله: «ويُمْنَع القادرُ على تكسب المؤنة بصنعةٍ وغيرها».
الذي لا يشغله عن واجب مضيّق كطلب العلم الواجب ولو كفايةً.
قوله: «وصاحبُ دارِ السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب، وثياب التجمل».
يعتبر في ذلك كلّه ما يليق بحاله كميّةً وكيفيّةً، فالزائد فى أحدهما يجب صرفه في المؤونة مقدّماً على الزكاة.
قوله: «ولو قَصُرَ التكسُّبُ جاز أن يُعطى أكثر من التتمة على رأي».
قوي إذا أعطي دفعةً واحدة، وهو موضع الخلاف فلو أعطي تدريجاً امتنع الزائد
ص: 179
على قدر مؤونة السنة المتأخّر عن نيته.
قوله: «ومع التعذَّر فلاضمان على الدافع ...».
مع اجتهاده في البحث عن حاله، أما لو اقتصر على قبول قوله ضمن وإن جاز له الدفع بذلك. ولا فرق بين ظهورِ كونه مملوك الدافع وغيره. قوله: «ويتخيَّر الإمام بين الجعالة والأجرة عن مدة معينة».
وكذا يجوز إطلاق الأمر ويعطيه ما يراه مصلحةً، وهذا هو الظاهر من فعل النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) مع عماله؛ ولأنّ له نصيباً بفرض الله تعالى كغيره؛ ولقول الصادق (علیه السّلام) وقد سأله الحلبي ما يعطي المصدِّق؟ قال: «ما يرى الإمام ولا يقدّر له شيء»(1).
قوله: «المُؤلَّفَةُ، وهم :قسمان كُفَّار يُستمالون إلى الجهاد أو إلى الإسلام و مسلمون...».
لا ريب أن أصل التأليف متحقق فى الجميع، إلّا أنّ المُؤلَّفة قلوبهم من النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الذين كان يعطيهم من الزكاة وغيرها على غيرهم ما كانوا كفاراً ظاهراً، بل مسلمين ضعيفي العقائد أشرافاً من قومهم - كأبي سفيان والأقرع بن حابس، وعُيينة بن حصن ونظرائهم - وهم معلومون مضبوطون بالعدد بين علماء الشأن. وقد أحسن ابنُ الجُنَيدِ حيث عرفهم بأنّهم مَن أظهر الدين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده وكان معهم إلا قلبه» (2).
وعلى كل حال فجميع من ذكر من الأقسام يجوز إعطاؤهم من الزكاة؛ لأنّ مرجعه إلى سبيل الله وإلى العمالة، وإنّما الكلام في استحقاقهم من خصوص سهم المؤلفة.
349/1 قوله: «والأقرب جواز الإعتاق من الزكاة وشراء الأب منها».
قوي، ومحلُّ النية عند الشراء أو الإعتاق.
ص: 180
350/1 قوله: «وهو كلُّ مَصْلَحة كبناء القناطر، وعمارة المساجد، و...».
العموم أقوى .
قوله: ويَسْقط سهم المؤلّفة والساعي والغازي حال الغيبة إلا مع الحاجة إلى الجهاد...».
من جهة كونه سهمهم، وإلا فلو احتاج الحاكم إلى من يؤلّفه أو يحصل له الزكاة جاز إعطاؤه منها من سهم سبيل الله ، ونحوه، والفائدة إنّما تظهر حيث يوجب البسط. وحيث جعلنا الآيةَ (1) لبيان المصرفِ وعمّمنا سهم سبيل الله سَهُلَ الخَطب.
ص: 181
قوله: «وفي اعتبار العدالة قولان ».
الأصح عدم اعتبارها، بل لا دليل عليه. نعم، روي مرسلاً بسند ضعيف منعُ إعطاء شارب الخمر(1) ، وهو لا يدلّ على المطلوب.
وربما قيل باعتبار اجتناب الكبائر خاصةً نظراً إلى الرواية، وعدم القائل بالفرق بين هذه الكبيرة وغيرها(2) . وضعفه ظاهر.
وقد عرف الشهيد (رحمه الله) العدالة في شرح الإرشاد بأنّها المَلكة الباعثة على التقوى (3)، ولم يعتبر فيها المروءة، وحينئذٍ فمرجعها إلى اجتناب الكبائر؛ لأنّ الإصرار على الصغيرة يلحقها بالكبيرة وعدم الإصرار لايُؤثر فيها، فيتحد القولان وكيف كان فالقولان ضعيفان؛ لضعف المستند.
351/1 قوله: «والفقه في الزكاة».
المراد بالفقه - حيث يُطلق - العلمُ بالأحكام الشرعية بطريق الاستدلال، والوجه أنّ ذلك غير شرط هنا، بل يكفي تقليد من له أهلية ذلك، ولعله أراد بالفقه ما يعمه.
قوله « والحرّيّة على إشكال».
الأقوى عدم اعتبارها حيث يأذن له المولى؛ للأصل.
ص: 182
قوله: «ويتعيَّن على الفور مع المُكنة..». إلى آخره.
الأقوى جواز تأخيرها شهراً وشهرين خاصةً، خصوصاً للبسط ومراعاة الأولى، وصحيحة معاوية بن عمار (1) وغيرها (2) دالّة عليه.
قوله: «وكذا الوصي بالتفريق أو بالدفع إلى غيره...».
الظاهر كَوْن الدفع معطوفاً على التفريق فتدخل في حيّز الوصيّة، ويراد حينئذٍ بالتفريق على أزيد من واحد، وبالدفع ما هو أعم منه أو بدفع عَيْن إلى غيره من غير تفريق ولو جعل هذا القسم مقابلاً للأوّل ليشمل من أمر بدفع عَين إلى مالكها وإن لم يكن وصيّاً، كان أولى، فقد حكم المصنّف وغيره بوجوب دفع الأمانة التى هذا شأنها على الفور كنظائرها من الأمانات الشرعيّة.
352/1 قوله: «والقول قول المالك فى دعوى قصد التعجيل...».
تقديم قول المالك في ذلك لا يتوجّه على مذهب المصنّف من عدم جواز التعجيل؛
ص: 183
لأنه حينئذٍ يدعي فَساد الدفع، فيقدّم قول مدّعي الصحة وهو المدفوع إليه، وكذا القول في التصريح نذكره مضافاً إلى أصالة عدمه. والأقوى تقديم قول المدفوع إليه في الموضعين.
قوله: «ولو انتفى العِلْمُ فالأقربُ عدم الرجوع».
قوي مع تلفِ العَيْن، أمّا مع بقائها فجوازُ الرجوع أقوى.
353/1 قوله: «فإن فَرَّقها المالكُ حينئذ أثم، وفي الإجزاء قولان».
الأقوى عدم الإجزاء؛ للنهي في العبادة المقتضي للفساد.
قوله: «ولا النَّقْلُ إلى آخره».
إنّما يتحقَّق نقل الواجب مع عزله بالبينة، وإلا كان المنقولُ مالَه وضَمانه عليه على ،إشكال فلا يتحقق النهى من هذه الجهة، وإن تحقق من حيث منافاة الفورية إن اعتبرناها مطلقاً. والأقوى جواز النقل وإن تعيَّن بالنية مع الضمان خصوصاً مع قصد الأكمل والتعميم.
354/1 قوله: «ولو قال: إن كان مالي الغائب باقياً فهذه زَكاته، وإن كان تالفاً فهي نَفْلُ أجزأ».
الأقوى جواز النقل مع بقاءِ العَيْن، أو علم القابض بالحال.
قوله: «ولو لم ينو المالك...» إلى آخره.
اعلم أنّ النية معتبرة في دفع الزكاة إجماعاً، لكن دفعها قد يكون إلى المستحق، وقد يكون إلى وكيله خصوصاً أو عموماً، كالإمام والساعي أو الفقيه عند تعذَّرهما، والأقوى إجزاء النية من المالك عند الدفع إلى الجميع، وكذا يُجْزِئُ لو لم ينو المالك حينئذ ونوى
ص: 184
القابضُ عند الدفع إلى المستحق، أو الساعي عند الدفع إلى الإمام مطلقاً. وبقي ما لو دفعها المالك إلى وكيله الخاص ودفعها الوكيل إلى المستحق أو إلى أحد الثلاثة. والأقوى الاجتزاء بنيّة الوكيل عند دفعه إلى أحدهم دون نية المالك عند دفعه إليه.
355/1 :قوله «وأقلُّ ما يعطى الفقيرُ عَشَرَةُ قراريط أو خَمْسَةُ دراهمَ - على رأي - استحباباً...».
الخلاف في موضعين: أحدهما: تقديرُ أقلّ المدفوع، فقيل (1): ما يجب في النصاب الأوّل من النقدين، وهو الذي اختاره المصنف(2) ؛ وقيل (3): ما يجب في الثاني.
والثاني: أنّ ذلك على وجه الوجوب أو الاستحباب وتقديم المصنف الرأي على الحكم بالاستحباب يشعر بكونه غير مختلف فيه كما هي عادته بل نقل عن ولده إرادة هذا المعنى(4) . وليس كذلك، فلو أخَّر الرأي عن قوله استحباباً؛ ليقيد الخلاف في الموضعين كان أولى والأقوى ما اختاره المصنّف فيها، وإنّما يتحقق ذلك حيث يمكن امتثاله بأن يكون عنده نصاب أحد النقدين من غير زيادة تبلغ نصاباً آخر مثله، فلو لم يكن عنده إلا النصاب الأول والثاني، لم يكره دفع الثاني إلى بعض المستحقين مع احتماله؛ لإمكان التخلّص بدفع الجميع إلى واحد. ولو لم يكن عنده أحد النقدين، اعتبر المدفوع بالقيمة لا القيمة(5) ، فإن دفع العَيْن أفضل. ولو قصر جميع الحقِّ عن ذلك زال المحذور ودفع الموجود كيف شاء.
ص: 185
قوله: «ولو فقد وارث المشترى من الزكاة، وَرِثَه الإمامُ على رأي».
المراد بالوارث المفقود الخاص، وهو من عدا الإمام وأرباب الزكاة، بقرينة المقام. ووجه ما اختاره المصنف واضح؛ لأنّ الإمام وارث مَن لا وارث له.
والمشهور بين الأصحاب (1) - بل قال الشهيد في البيان (2): إنه لا نعلم بخلافه قائلاً - أنه يرثه يرثه أرباب الزكاة، تدلُّ عليه مع ذلك موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (3).
وهذا هو الأجود، فإنّ الشهرة جبرت الرواية (4)، وإلا فأرباب الزكاة حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممَّن لاوارث له غيره، فيكونُ العمل بمضمونها أحوط.
قوله: «وأجرة الكيّالِ والوزّانِ على المالك على رأي» .قوي.
قوله: «وفي تعلّق الزكاة بالعين احتمال الشركة لأخذ الإمام منها قهراً لو امتنع ...».
الأظهر أنّ الزكاة بالعين تعلّق برأسه وإن أشبه كلّ واحد من الأمور من وجه فإنّه يخالفه في آخر مع أنّ مجرَّد المناسبة لا توجب الإلحاق عندنا وإن لم يحصل المنافي فكيف مع حصوله!
ص: 186
357/1 قوله: «ولا العبد قِناً كان أو مُدَبَّراً، أو أُمَّ وَلَدٍ، أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤد شيئاً...».
تقسيم العبد إلى المذكورات التي من جملتها أُمّ ولد غير جيد، ولعله ذكرها على سبيل الاستتباع، وعطفها على ما سبق بطريق التوهم بكون المقسم هو المملوك، وهو فنّ شائع في العربية. ولو أبدل العبد بالمملوكِ كان أولى.
قوله: «نعم يُستحب له إخراجُها وإن أخذها - فيُدير صاعاً على عياله، ثمّ يُخرجها».
مقتضى التفريع بالفاء على استحباب إخراجه أنّ الاستحباب منحصر في إدارة الصاع، وليس كذلك، وإنّما الاستحباب الكامل إخراجها عن نفسه وعن عياله كالغني، ودونه في الفضل إدارة الصاع، و هذا هو الذي صرح به المصنف فى غير الكتاب(1) ، وغيره (2).
ص: 187
وفي التذكرة (1) قيد الإدارة بضيق المال عن الإخراج عن الجميع، وهذا هو الذي تقتضيه الرواية الدالة على الإدارة؛ لأنّ إسحاق بن عمّار ،قال قلت لأبي عبدالله (علیه السّلام): الرجلُ لا يكون عنده شيء من الفطرة إلا ما يؤدّي عن نفسه [ من الفطرة وحدها، يعطيه غريباً أو يأكل هو وعياله؟] قال: «يعطى بعض عياله، ثمّ يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها، فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة»(2) .
قوله: «إن لم يُصلِّ العِيدَ».
المراد بصلاة العيد هاهنا وقتها، ومنتهاه ،الزوال، فأقام الصلاة مقام الوقت مجازاً. وضابط الاستحباب حصول الشرط بعد الغروب وقبل الزوال.
358/1 قوله: «الزوجة والمملوك يجب عليهِ فِطرتُهما وإن لم يَعُلُهُما إذا لم يَعُلُهُما غيره ...».
الحكم في المملوك مطلق حتى لو أبق بقيت فطرته واجبة، كما سيأتي (3).
وأما الزوجة فيعتبر وجوب نفقتها في وجوب فطرتها، فلا فطرة للناشز والصغيرة ونحوهما.
قوله « والأقربُ الوجوب على الوارث».
بناءً على انتقال التركة، وإن مُنع من التصرُّف فيها قبل وفاء الدين فإنّ ذلك لا يمنع من زكاة الفطرة - كما سلف - بخلافِ زَكاة المال، وهذا هو الأقوى.
قوله: «وفي الوجوب على الوارث إشكال».
مبنى الإشكال على أنّ قبول الوصيّة إذا وقع بعد الموت هل هو كاشف عن سَبْق الملك من حين الموت، أو ناقل للملك من حينه؟
ص: 188
فعلى الأوّل يُحتمل وجوبها على الوارث حيث نقول بانتقال التركة إليه؛ لأنه المالك الآن. ومن الممكن حين تعلّق الوجوب ردّ الموصى له الوصية على الموصي لتبين ملكه حين الوجوب ولا يقدح فيه عدم علمه، ولا يستلزم تكليف الغافل؛ لأنّه إنّما يُخاطب حالة العلم، كما لو ولد له ولد ولم يعلم به حتى دخل شوّال.
وعلى الثاني يحتمل أيضاً وجوبها على الوارث بناءً على أنه المالك حينئذ، وإن أمكن تجدّد الانتقال ولا تجب على الموصى له قطعاً. والمشهور أنّ القبول كاشف و يقوى حينئذٍ وجوبها على الموصى له.
قوله: «والأقرب وجوبها عليها». قوي.
قوله: «وبدونه إشكال ينشأ من التحمل أو الأصالة».
الأقوى عدم الإجزاء بدون إذنه مطلقاً؛ لأنّ التحمُّل في مثل ذلك بطريق المجاز، وإلا فالتكليف بها متعلّق بالزوج وإن كان بسببها.
359/1 قوله: «المطلَّقةُ البائنُ الحاملُ فِطْرتُها عليه إن جعلنا النفقة لها وإلا فلا».
الأقوى وجوبها عليه على القولين؛ لتحقق العيلولةِ الموجبة، ولا عِبرَةَ بالسبب الباعث عليها، كما تجب فطرة الضيف وإن كان إنما يُضيفه تبعاً لغيره.
قوله: «فوقع الهلال في نوبة أحدهما ، ففي اختصاصه بالفطرة إشكال».
الأقوى أنّ الفطرة لاتدخل في المُهاياة، فتجب الفطرة عليها.
قوله: «وإن انقطع خَبَرُه مالم يغلب على الظنِّ الموت».
بل يجب مالم يُحكم بموته شرعاً بأن تمضي مدّة لا يعيش إليها عادةً، وإن غلب على الظنِّ موتُه ،قبلها ولعلَّه أراد بغلبة ظنّ الموت ذلك.
قوله: «ولا يجوز تقديمها على الهلال إلا قرضاً».
الأقوى جواز تقديمها أداءً من أوّل شهر رمضانَ؛ لصحيحة الفضلاء عن
ص: 189
الصادقين (علیهما السّلام). والمراد بالهلال دخول شوّال، أطلق عليه ذلك بناءً على الغالب من كون الهلال لا يُرى إلا بعد الغروب.
قوله: «ثُمّ إن عَزَلها وخرج الوقت أخرجها واجباً بنية الأداء وإلا قضاها على رأى ».
الأقوى قضاؤها مع تأخُرِها عن الوقت مطلقاً.
قوله: «والحَمْلُ كالتأخير».
مقتضى تشبيهه بالتأخير جوازه حيث لا يخرج الوقتُ قبل أدائها مع الضمان، وهو خلاف مذهبه في الماليّة، فإنّه مَنَعَ الحمل مع وجود المستحق مطلقاً. والأقوى تساويهما في الجواز مطلقاً مع الضمان.
360/1 قوله: «وأقلّ ما يُعطى الفقير صاح إلا مع الاجتماع والقصور ولاحد للكثرة».
الأقوى أنّ ذلك على وجه الاستحباب، خلافاً للأكثر ولا فرق بين الصاع المخرج عن نفسه وغيره.
قوله: «ويُشترط قصد التعيين والوجوب أو الندب والتقرب إلى الله تعالى».
وكذا تجب نيّة الأداء والقضاء؛ لوقوعها على الوجهين.
قوله: «والأقرب في الجُبْن والمخيض والسمن القيمة». قوي.
قوله: «والمَعيب والمُسوِّس».
فيه عطفُ الخاص على العام، فإنّ المسوّس معيب ولا نكتة فيه هنا إلّا مجرَّد التأكيد. فلو اقتصر على المعيب كان أولى.
قوله: «ولو اختلف قوت مالكي عبد جاز اختلاف النوع على رأي». قوي.
قوله: «والأقرب إجزاء المختلف مطلقاً».
عدمه قويٌّ.
ص: 191
361/1 قوله: «الكنز إلى قوله - للواجد».
الأولى جعل قوله: «للواجد» خبر مبتدأ محذوف تقديره وهو» ونحوه، لا خبراً لقوله: «الكنز» ؛ لأنّ الكنز خبر المبتدأ وهو الثالث كنظائره؛ ولأنّ ذلك هو مقتضى نظم العبارة حيث قال: «إنّما يجب الخمس في سبعة أشياء: الأوّل كذا، والثاني كذا »إلى آخره.
والموجب لتغييره أسلوب العبارة أنّ هذه الأنواع التي يجب فيها الخمس لا اشتباه في كونها مِلْكاً لِمَن هي في يده في الجملة، بخلافِ الكنز، فإنّ منه ماتملك ومنه ما لا يُملك؛ فلذا قال للواجدِ بشرطه
قوله: «ويلحق به ما يوجد في ملك مبتاع، أوجوف الدابة، مع انتفاء معرفة البائع ...».
المراد بالبائع الجنس فيجب تتبع البائعين مبتدئاً بالأقرب، وفي معناه من كانت بیده قبل ذلك فنقلها بهبة وغيرها. والمراد بالدابَّة المملوكة بغيرِ الحيازة كالفَرَس وهي مختصة بها ؛ ليحصل الفرق بينها وبين السَمَكَة وإنّما يُحكم بالوجودِ للمشتري مع انتفاء معرفة البائع إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، وإلّا فهو لُقَطَة.
ص: 192
قوله: «وما يُوجد في جوف السَمَكة من غير احتياج إلى تعريف».
هذا إذا لم تكن السَمَكَة مملوكةً بالأصل، كما لو كانت في ماء محصور مملوك للبائع، وإلّا فكالدابة. كما أن الدابَّة إذا لم تكن مملوكةً بالأصل فهى كالسَمَكَةِ.
362/1 قوله « والأقرب اشتراط عدم أثر الإسلام».
قوي وإلّا كان لقطة.
قوله: «فلُقَطَةٌ، وإن كانت مواتاً على رأي». قوي.
قوله: «ولو اختلف مستأجرُ الدار ومالكها في ملكيّة الكنز، قُدّم قولُ المالك ...م.
الأقوى تقديم قول ذي اليد، وهو هنا المستأجر.
قوله: «أرضُ الذِمّيَ إذا اشتراها من مسلم...».
الحكم بذلك مشهور بين الأصحاب (1) خصوصاً المتأخرين (2)، ومستنده ضعيف (3)وكثير من المتقدمين(4) ، لم يذكر هذا القسم. والأصل يقتضى عدم الوجوب إلى أن يحصل الناقل عنه.
قوله: «والنصابُ على رأي وهو عشرون ديناراً». قوي.
364/1 قوله: «دون أُمّه خاصةً على رأي».
هذا هو المشهور (5)، ودليله غير صالح.
ص: 193
قوله: «وفقرُ اليتيم على رأي».
هذا هو المشهور، ودليله غير صالح.
قوله: «وللإمام فاضل المقسوم على الكفاية للطوائف مع الاقتصاد، وعليه المُعْوزُ على رأي».
هذا هو المشهور بين المتأخرين (1)، ومنه استنبطوا إخراج ما يخصه حال الغيبة للأصناف، و مستنده ضعيف مرسل (2)، وأمره ملتبس جداً، والله تعالى أعلم.
قوله: «ولا يجوز النقل مع وجود المستحِقٌ فَيَضْمَنُ، ولاضمان مع عدمه».
الأقوى الجواز مع الضمان كالزكاة.
365/1 قوله: «ولا يجوز التصرُّفُ في حقه بغير إذنه».
المراد حالَ ظهوره، أما حال غيبته فإنّ ذلك كله مباح لشيعته عدا ميراث مَنْ لا وارث له ففي مستحقه خلاف يأتي (3).
ص: 194
المقصد الأول في ماهية الصوم
المقصد الثاني في أقسامه
المقصد الثالث في الاعتكاف
ص: 195
ص: 196
369/1 قوله: «وشرعاً توطين النفس على الامتناع عن المفطرات مع النية».
لا يخفى فَسادُ هذا التعريف وكَوْنُه غير مانع؛ لشموله من وطن نفسه على ذلك ساعة واحدة وأقل ناوياً وإرادة النية المعهودة شرعاً - وهي لا تصاحب إلا التوطين على صَوْم اليوم - تكلُّف غير نافع.
وأما ما قيل(1) : من أنّه دوري من حيث أخذ المفطرات فيه - والمراد بها مُفسِدات الصَوْم - فقد يندفع بكون المراد منها الأشياء المخصوصة لا من حيث هي موصوفة بذلك.
قوله: «وشرطها القصدُ إلى الصَوْم في يوم معين لوجوبه أو ندبه متقرباً إلى الله تعالى به ...».
لا شبهة في كَوْن النية القصد المخصوص، فجعله شرطاً لها غيرُ جَيّد. وكأنّه غلب على القصد الشرطية باعتبار ما يصاحبه من الأمور المعتبرة الخارجة عنه من
ص: 197
الوجوب والقربة وغيرها، فإنّ إطلاق الشرطية عليها سهل.
قوله: «والنذر المعيَّن على رأي» .قوي.
قوله: «ولو نَذَر الصَوْمَ غداً عن قضاء رمضان ففي الاكتفاء بالإطلاق نظر ...».
الأقوى وجوب تعيين القضاء دون النذر. والفرق أنّ النذر متعين باليوم لا يجب في غيره ولا يصح تأخيره - كرمضان بخلاف القضاء، فإنّه واجب قبل النذر وبعده، وجميع الأيام صالحة له والنذر إنّما أوجبته فوريته في ذلك اليوم ولم تخرجه عن الوجوب في غيره، وإن حرم تأخيره باعتبار الفورية فيه كغيره من الواجبات الفورية.
370/1 قوله: «وفى النَفْل قول إلى الغروب».
هذا القول(1) قوي، وعليه شواهد من الأخبار:
منها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (علیه السّلام)(2)، لكن إن نوى قبل الزوال أثبت على مجموع النهار، وإن نوى بعده حسب له ما بعد النية خاصةً، وبهذا التفصيل صرّحت الرواية المذكورة وهي جامعة بذلك بين الأخبار المختلفة. نعم، يعتبر أن يبقى من النهار بعد النية جزء تتوجه النيّة إلى الإمساك فيه وإن قل، وفي الرواية تنبيه عليه حيث قال فيها: «وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فإنّه إذا لم يبق من النهار بعد النية شيء لا يُحسب له شيء، وإن كان إطلاق ما بعد الزوال شاملاً لباقي النهار أجمع.
واعلم أنّ الشارح الشهيد قال: إنّ هذا القول لانعرف به نصاً(3)، وهو غريب.
قوله: «فإن أفطّر فى أثنائه استأنف -على إشكال-».
الأصح عدم الاستئناف؛ لأنه إما نفس رمضان أو غيره على وجه مانعة الخلو،
ص: 198
وعلى التقديرين لا يتوجّه الاستئناف.
371/1 قوله: «ولو كان شهر رمضانُ ثلاثين لم يَكفِهِ شهرُ ناقص هلالي».
أي لو انكشف له شهر رمضان وكان تاماً لم يكفه عنه شهر هلالي ناقص، سواء كان قد صامه أم لا، بل يجب عليه إكمال الثلاثين ولو بيوم إن كان قدصام شهراً قبل ذلك.
قوله: «ولو قدَّم النية على الشهر ونسى عندَه، لم يُجْزِئه -على رأي-».
الأقوى أنّ النيّة المقدّمة على الشهر لا تُجزى مطلقاً .
قوله: «ولا بُدَّ في كُلِّ ليلةٍ من نيّةٍ على رأي».
هذا هو الأجود.
قوله: «ولو نوی غیر رمضان فيه فرضاً أو نفلاً ففى الإجزاء عن رمضانَ نَظَرُ».
لا يُجْزِئُ مع العلم بكونه فيه، ويُجْزِئُ مع الجهل والنسيان.
قوله: «ولو نوى الوجوب إن كان من ،رمضان والندب إن كان من شعبان لم يُجزئه».
في الإجزاء قوة خصوصاً على القول بعدم اعتبار نية الوجوب والندب.
قوله: «ولو نواه عن قضاء رمضان وأفطر بعد الزوال عَمْداً، ثمّ ظهر أنه من رمضان ففي الكفّارة إشكال».
الأقوى عدم الوجوب عن رمضان؛ لعدم تيقنه، ولا عن القضاء؛ لظهور فساده.
قوله: «ومعه ففي تعيينها إشكال».
لو قلنا بوجوبها لكان ينبغي أن يكون عن القضاء؛ لأنه هو الذي هتكه وقد كلف به ظاهراً حال الإفطار.
قوله: «ولو نوى الإفطار في يومٍ من ،رمضانَ ثمّ جدّد نيّة الصَوْم قبل الزوال لم ينعقد على رأي». قويّ.
372/1 قوله: «ثمّ عاد إلى نيّة الصَوْم صح على إشكال».
الأقوى عدم الصحة في الموضعين.
ص: 199
قوله: «وعن إيصال الغبار الغليظ إلى الحَلْق».
لم أقف على دليل يدلّ على اعتبار غلظ الغبار، وحينئذٍ فالأقوى وجوب الإمساك عنه مطلقاً حيث يتحقق.
قوله: «وعن الحُقْنة بالمائع وفي الإفساد نظر».
الأقوى عدم الإفساد.
قوله: «وبالجامد قول بالجواز».
قوي والمراد به نحو الفتائل وفي إطلاق الحُقْنَة عليه تَجَوز. والموجود في النصوص(1) استدخال الدواء ونحوه، وهو جيد.
قوله: «وعن الارتماس في الماء».
أصل الارتماسِ غَمْس الرأس في المائع - ماءً كان أم غيره - وإن بقي البدن، وفي معناه إصابته له دفعة عرفية كذلك؛ ومن ثم اختلفت العبارة في تفسيره، فمَن فسَّره بأنه غَمْس الرأس (2) اعتبر أصل معناه، ومن فشره بأنه ملاقاة الرأس لمائع غامر (3) نظر إليه وإلى ما في حكمه، وكلاهما حسن وإن كان الثاني أشمل.
ص: 200
قوله: «وفي الإفساد بهما نظر».
الأقوى عدم الإفساد بهما؛ لأصالة الصحة والنهي عنهما مع خروجهما عن حقيقة الصَوْم لا يدلُّ على أزيد من التحريم. وقد أغرب من أوجب بهما الكفّارة (1) خصوصاً المرتضى (رضي الله عنه) (2) على أصله في خبر الواحد، فإنّه في الارتماس إنّما دلَّ على عدم ضرورة مجتنبة، وظاهر أنه لا يدلّ على الإفساد فضلاً عن غيره؛ وفي الثاني ضعيف السند دالّ على بعض الوضوء والصوم، وظاهره غير مراد ولادال على المطلوب.
373/1 قوله: «ولو أمنى عقيب الاستمناء أو لَمْس امرأةٍ فسد صَوْمه».
يجب قراءة «لمس» بالجرّ عطفاً على الاستمناء؛ ليستلزم الإمناء بذلك. ومستند الحكم في اللمس صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبدالله (علیه السّلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضانَ حتّى يُمني. قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» (3).
ولو لمس أجنبيّةً فأمنى فكذلك بطريق أولى، وبهذا يُفَرّق بين اللمس والنظرِ والاستمتاع حيث لا نص فيهما بخصوصهما، فيرجع إلى القواعد.
قوله: «أو أمنى عقيب النظر إلى امرأة أو الاستماع، لم يفسد».
إن لم يقصد الإمناء، أو لم يكن معتاداً لذلك عقيبهما، وإلا فسد. ولا فرق بين المحللة والمحرمة في ذلك.
قوله: «بخلاف الجاهل للحكم والناسي له».
إنما لم يفسد [صوم] الجاهل للحكم هنا؛ لتقصيره في التعلّم إن كان جهله بالحكم
ص: 201
الشرعي وإقدامه على المُحَرَّم، وإن كان جهله للحكم الوضعي فيكون في معنى العامد وذهب جماعة من الأصحاب(1) إلى إعذاره هنا؛ لرواية زرارةً وأبي بصير، قالا: سألنا أبا جعفر (علیه السّلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له. قال: «ليس عليه شيء» (2).
وفي طريقها ابن فضال، لكنّها متأيّدة بمثل قوله (علیه السّلام) : «رُفِعَ عن أُمَّتى الخطأ والنسيان...»(3) وهذا ضرب من الخطا، وقوله (علیه السّلام) : «الناسُ في سَعةٍ ممّا لا يعلمون»(4). فلابأس بهذا القول.
قوله: «وبالغروب للتقليد، أو للظلمة المُوهِمَة، ولو ظَنّ لم يُفْطِر ...».
كذا أطلق المصنف رحمه الله ولا نصّ عليه بخصوصه يوجب ذلك، وحينئذٍ فالأصح أن يقال في صورة الخَطا مع التقليد أنّه إن وقع ممَّن له ذلك كالمعذور وجب عليه القضاء، وإن وقع ممَّن ليس له التقليد كما هو الظاهر هنا وجب القضاء والكفّارة مع الخَطَ المفروض، ومع استمرار الاشتباه أيضاً؛ لأصالة عدم الدخول مع الإفطار عمداً وقت يحكم ظاهراً بكونه نهار رمضان ، إلا أن يجهل الحكم في ذلك فيبني على حكم الجاهل والمصنف لا يعذره - وإن تبيَّن الإصابة أثم خاصة.
وفي صورة الإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل أي لا يحصل معها ظن غالب
ص: 202
بدخوله، بل مرجوح على ما يقتضيه إطلاق معناها وجعلها قسيمة للظن، يجب القضاء مطلقاً. ثمّ إن علم أنّ مثل ذلك لا يجوز الإفطار وجبت الكفّارة أيضاً وإلّا بنى على حكم الجاهل وكذا القول مع الشك، بل ظنّ الدخول حيث يكون له طريق إلى العلم، ولو لم يكن له طريق إليه جاز الإفطار به ثمّ إن تَبَيَّنَتِ المطابَقَةُ أو استَمَرَّ الاشتباه فلا قضاءَ ، وإِن ظَهَرَتِ المخالَفَةُ فقولانِ(1) ، أجودُهما أنه كذلك.
قوله: «وتركُ تقليد المُخبر بالطلوع لظنّ كذبه حالةَ التناوُلِ؛ وتعمُّدُ القَيء، فلو ذَرَعَه لم يفطر».
إلّا أن يكون حاكماً، أو عدلين فيكون مطلقاً.
قوله: «والحُقْنةُ بالمائع».
الأقوى أنها لا تفسد وإن حرمت
قوله: «دون الصلاة وإن كانت نقلاً».
الأجود في مَضْمَضَةِ صلاة النافلة القضاء؛ لحسنة حمّادٍ عن أبي عبدالله (علیه السّلام)(2).
قوله: «وفي الإفطار بالإمناء عقيب النظر إلى المحرمة إشكال».
الأقوى الإفطار مع قصده أو اعتياده كالمحلّلة وإلا فلا.
374/1 قوله: «وفي إلحاق العابث بالمَضْمَضَة، أو طَرْح الخَرَز وشبهه في الفم مع ابتلاعه من غير قصد بالتبرُّد إشكال».
الأجود القضاءُ، هذا إذا لم يقصّر في التحفظ وإلا وجبت الكفّارة أيضاً.
قوله: «وفي إلحاق وصول الدواء إلى الجوف من الإحليل بالحقنة بالمائع نظر ...».
الأقوى عدم الإلحاق .
ص: 203
قوله: «والسعوط (1) بما يتعدى الحلق كالابتلاع...».
المراد أنّه إذا وصل إلى الحلق وإن لم يتعدّه - كغيره من المتناولات - ففي العبارة تجوُّز بسبب ترك الصلة.
375/1 قوله: «ولو قدر على قطعها من مجراها فتركها حتى نزلت فالأقرب عدم الإفطار». قوي.
قوله: «فإن قصر في التخليل فالأقرب القضاءُ خاصة». قوي.
قوله: «وإيصال الغُبار الغليظ إلى الحلق متعمداً».
بل مطلق الغبار.
قوله: «و مُعاوَدَةِ الجُنُب النوْمَ ثالثاً عقيب انتباهَتَيْن مع تمكنه من الغُسْل فيهما...».
هذا الحكم مشهور بين الأصحاب(2) ، بل كثير منهم لم يذكر فيه خلافاً، ومستنده غير واضح والحكم به بمجرَّد الشهرة مشكل؛ والشيخ في التهذيب استدلّ عليه بروايات (3) ليس فيها شيء يدلُّ عليه بوجةٍ، مع ضعف سند أكثرها(4) .
376/1 قوله: «وتتكرّر الكفّارة إلى قوله: التكفير».
اختلف الأصحابُ في تكرر الكفّارة بتكرر الموجب في يوم واحد على أقوال:
أحدها: التكرر مطلقاً (5)؛ لأنّ كلَّ واحد سبب في وجوب الكفارة لو انفرد،
ص: 204
والأصل عدم تداخل الأسباب.
وثانيها: عدمه مطلقاً (1)؛ لتحقق الإفطار بالأوّل، فلم يصادف المتأخّر عنه صَوْماً صحيحاً، ووجوب الإمساك بعده لا يستلزمها.
وثالثها: مافصل به المصنّف(2). ووجهه مع التغاير ما تقدم، ومع التغاير ما تقدم، ومع الاتحاد وتخلل التكفير أنّ الكفّارة وقعت عن السابق، فلا يجوز إخلاء المتأخر عنها عن الحكم مع إيجابه لوانفرد.
وفيه أنّ ذلك يوجب الحكم مع الاتفاق، وهو لا يقول به
وزاد بعضُهم في التفصيل تكرر الجماع لرواية وردت عن الرضا (علیه السّلام)به (3).
والتحقيق: أنّ الحكم في ذلك يتبع النصوص الدالة على وجوب الكفارة بتلك الأسباب، فإن كانت دالّةً على من فعل ذلك في نهار رمضان ونحوه فالقول الأول متعيّن فيه، وإن كانت دالة على من أفطر بها فيه، ونحوه فالثاني، والتفصيل غير متوجّه ونحن قد تتبعناها فلم نجدها دالة إلا على المعنى الثاني، فكان القول به أقوى، ورواية التكرّر بالجماع ضعيفة.
قوله: « والأقربُ التحمُّل عن الأجنبيّة والأمة المُكْرَهَتَيْن».
عدمه فيهما أقوى.
قوله: «ولو ظَنّ الأكلُ ناسياً الفَساد فتَعمَّده وجبت الكفّارة».
هذا من جملة أفرادِ جاهل الحكم؛ لأنّ المراد به مَن لا يعلم حكم ما فعله من المفطرات سواء جهل حكم نوعه، كما لو جهل هنا تحريم الأكل مطلقاً، أو شخصه بأن علم ذلك ولكن جهل تحريم هذا القدر الخاص كالمسألة المفروضة. فإن جهل تحريم تناول من أفطر ناسياً وإن علم تحريم الأكل وهذا هو جاهل الحكم الشرعي، وقد يعلم
ص: 205
تحريم التناوُلِ مطلقاً ويجهل الإفساد به وهو جاهل الحكم الوضعي، وهو من أفراد جاهل الحكم أيضاً. وحكم وجوب الكفّارة هنا يبنى على عدم إعذار جاهل الحكم مطلقاً، وقد تقدم.
وأمّا جهلُ الأصل فلا يتصوّر هنا، وما وقع في حاشية شيخنا الشهيد(1) من الكلام على جاهل الأصل، وأنّ فيه وجهين فإنّما يريد به القسم الأول من قسمي جاهل الحكم، من حيث إنّه جاهل بأصل الحكم، والثاني عالم بأصله وهو تحريم التناول لكنَّه جاهل لحكم هذا التناول الحاصل فيجوز حينئذٍ إطلاق جاهل الأصلِ عليه.
قوله: «أو خُوّف على إشكال».
الأقوى وجوب القضاء على الأخيرة.
377/1 قوله: «لو سَقَط فَرْضُ الصَوْمِ بعد إفساده فالأقرب سقوط الكفّارة».
الأقوى عدم السقوط مطلقاً.
قوله: «فلو أعتقت، ثم حاضت فالأقرب بطلانه».
الأقوى عدم البطلان مطلقاً.
قوله: «ولو قدر على أكثر من ثمانية عشر أو على الأقل فالوجه عدم الوجوب».
الوجه حسن في الأوّل؛ لإطلاق النصوص (2) بأن مَن عَجَز عن صَوْمِ الشهرين ينتقل إلى الثمانية عشر ، فلا يجب عليه الزائد، وإن قدر عليه. أما في الثاني فالأقوى أنّه عليه صَوْمُ الممكن؛ لعموم قوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم):« إذا أمرتكم بأمرٍ فَأتُوا منه ما استَطَعْتُم» (3). وغيره (4).
ص: 206
قوله: «أمّا لو قدر على العدد دون الوصف فالوجه وجوب المقدور». قوي.
قوله: «ولو صام شهراً فعجز احتمل وجوب تشعة، وثمانية عشر، والسقوط».
الأقوى وجوب الثمانية عشر؛ لدخوله في عموم مَنْ عَجَزَ عن الشهرين.
قوله: «ولو أجنب ليلاً وتعدّر الماء بعد تمكنه من الغُسل حتى أصبح، فالقضاء على إشكال ».
قوي مع ظنّ عدم التمكن منه بعد ذلك، ولو علم عدمه اتجهت الكفّارة أيضاً، ومع انتفائهما فعدمها أقوى.
قوله: «يجب بالإفطار أربعة».
وجوب الأربعة مترتب على ما صدق عليه الإفطار، لا على ماهيته من حيث هي وإلا لما تخلّفت الأربعة عنها، مع أنها لا تجتمع في كل فرد من أفراده كما لا يخفى.
قوله: «وهو واجب على كلِّ تارك عمداً بردَّةٍ أو سَفَر أو مرض أو نَوْم...».
في إدخال المرض والنوم مطلقاً في أقسام العامد تجوز ظاهر، وتغليب للأقسام على ما يوافقها في الحكم وإن لم يكن منها. فإنّ النائم مطلقاً غير متعمد لترك الصَوْم إلّا أن ننظر إلى تعمده السبب ونجعل فاعل السبب فاعل المسبب، والمريض قديكون متعمداً كمَن تَرَكَه لتضرُّره به مع قدرته عليه في الجملة وقد تَرَكَه مع عجزه عنه أصلاً، ومثله لا يسمّى متعمداً أيضاً.
قوله: «والمرتَدُّ عن فِطرة وغيرِها سَواءٌ».
أي سواء في وجوب القضاء. وهو إما بناءً على قبول توبة الفطري فيما بينه وبين الله تعالى، وإن تَعَيّن قتله، وتظهر الفائدة فيما لو قضى قبل القتل أو لم يتفق قتله؛ أو بمعنى أنّه يعذب على تركه كما يعذَّب على غيره من التكليفات الشرعيَّة. وبهذا يظهر
ص: 207
فَساد ما قيل من دلالة العبارة على قبول توبته وجعله من دقائقها، مع أنه خلاف مذهبه(1) .
378/1 قوله: «ويجب الثلاث بالإفطار بالمحرَّم على رأي».
هذا هو الأقوى و به روايتان موثقة(2) ، وصحيحة (3)، على ماشهد به المصنف في التحرير(4)، وإلا ففى صحتها بحث.
قوله: «وفي كفّارة النذر المعيَّن قولان».
الأقوى أنّها كبيرة مخيّرة مطلقاً.
قوله: «ويُحتمل السقوط لكونه مباحاً له غيرَ مُفْطرٍ لها».
فيه قوَّةُ.
قوله: «المُعْسِرَةُ المُطاوِعَةُ يجب عليها الصَوْمُ، والمُكْرَهَةُ يُتحمَّلُ عنها الإطعام...».
لا وجه لتخصيص الإطعام، فإنّ العتق يقبل التحمُّل كذلك بغير إشكال، وإنما الكلام في الصَوْم، والأقوى أنّه يتحمل الجميع مخيَّراً فيها. وإطلاق التحمُّل هنا مجاز، وإلّا فهي واجبة عليه ابتداءً بسبب الإكراه وإن كانت عليها قولان (5) لولاه، والرواية الواردة بذلك مصرحة بذلك، وهي قول ابا عبد الله(علیه السّلام) : إن كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت مطاوعةً فعليه كفّارة وعليها كفّارة .
ص: 208
قوله: «ولو كان اضطراراً سقطت على رأي».
الأقوى عدم السقوط مطلقاً.
379/1 قوله: «بإفطار نهار رمضان بأمور ثلاثة أ: جبر فضيلة الأداء... ب: تأخير القضاء ... ج: العَجْزُ عن الأداء....».
الباء في قوله: «بإفطار» سبية، وفي قوله: «بأمور» تعليليّة؛ لأنّ الأمر الأوّل علة غائيّة، والثاني علة فاعلية و الثالث متردّدة باعتبار القدرة على القضاء وعدمه، وقد كانت اللام في الأمور الثلاثة أدخل من الباء لذلك. والكلام في إيجاب الفدية بالإفطار بالأُمور الثلاثة، كما سبق في أوّل الباب من أنّ المراد ما صدق عليه الإفطار؛ لأنّ الكلام في قوَّة يجب بالإفطار الفدية، وهى واجبة بالإفطار بالأُمور الثلاثة لا مطلقاً، تأمّل.
قوله: «ولو خافتا على أنفسهما ففى إلحاقهما بالخوف على الولد أو بالمريض إشكال».
مَنْشَؤُه من أنّهما حينئذٍ في معنى المريض المتضرّر به فلا فدية عليهما، وهو المشهور(1) ؛ ومن إطلاق النصوص (2) بأنهما يفطران ويفديان من غير تفصيل، ولعلّ العمل لإطلاقها أقوى .
قوله: «وتجب الفدية في غير رمضان إن تعيَّن على إشكال».
الأقوى عدم الوجوب.
قوله: «وهل يَلْحَق بهما مُنقِذُ الغير من الهلاك مع افتقاره إلى الإفطار ؟ الأقرب العدم». قوي.
ص: 209
قوله: «فمن أخَّر قضاءَ رمضان حتى دخل رمضانُ السَنَةِ القابلة، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو عازماً على القضاء غير مُتهاون فيه فلا فدية عليه، بل القضاء خاصة».
المراد بالمريض هنا مَن لا يستوعب مرضه ما بين الرمضانين، بل عرض له المرضُ بعد فوات الصَوْم وإمكانِ فعله واستمرّ إلى الثاني، سواء كان فواته بسبب المرض أم غيره؛ إذ لا مدخل للسبب هنا في اختلاف الحكم. وإنّما قيّدناه بذلك؛ ليمكن جعله قسيماً لغير المتهاون؛ ولئلا ينافي قوله بعد ذلك: «ولو استمر المرض...» إلى آخره.
ولو ترك ذكر المرض هاهنا وجعل القسم الأوّل من فاته الصَوْم غير متهاون في قضائه كما فعله في غير الكتاب(1) ، وغيره (2) كان أنسب. والفرق بين المريض وغير المتهاون على ما ذكرناه - أنّ المريض استمرَّ مرضُه بعد إمكان القضاء إلى رمضان الثاني، وغير المتهاون كان صحيحاً عازماً على الفعل إلى أن ضاق الوقت وبقي مقدار القضاء فعرض له مانع من مرض وغيره. ومن هنا يظهر الغناء عن قيد المرض.
وأمّا المسافر المعطوفُ عليه فالأولى أخذه مطلقاً بحيث يشمل من استمر سفره إلى رمضانَ الثاني، فإنّ أصح القولين فيه حينئذٍ وجوب القضاء، بخلاف المريض المستمرّ مرضه .
قوله: «ولو تهاون به فعلیه مع القضاء عن عن كلِّ يومٍ فدية...».
هذا التفصيلُ مشهورٌ بين الأصحاب (3)، ومستنده غير واضح. والذي دلّت عليه
ص: 210
النصوص الصحيحة (1) وجوب القضاء مع الفدية على من قدر عليه فلم يقض حتى دخل رمضان الثاني، سواء عزم على القضاء أم لا، وهذا هو الأقوى.
قوله: «ولو فات بالسفر ومات قبل التمكن من قضائه، ففي رواية (2) يجب على الولي قضاؤه».
الأقوى اعتبار التمكَّن من قضائه قبل الموت ولو بالإقامة في أثناء السفر - في وجوب قضائه عنه كغيره، والرواية ضعيفة السند، ويمكن مع ذلك حملها على الاستحباب.
قوله: «ولو كان الأكبر أُنثى لم يجب عليها القضاء وحينئذٍ يَسقُطُ القضاء».
هذا إذا لم يكن له ذكر أصلاً، أو لم يكن بالغاً على قول (3)، أما مع وجوده كاملاً فإنّ القضاء يجب عليه، وإن كانت الأنثى أكبر منه؛ لأنّ المراد بالولي الولد الذكر الذي ليس هناك ولد ذكر أكبر منه لا مطلقاً، وإن كان ظاهر العبارة خلاف ذلك.
380/1 قوله: «قيل يُتصدّق عنه من تركته عن كلّ يوم بمُدّ؛ وكذا لو لم يكن له ولى»(4) . ضعيف.
قوله: «فإن صاماه إلى قوله إشكال».
أي فى أصل وجوبها حينئذٍ إشكال؛ إذ يحتمل الوجوب لصدق الإفطار في قضاء رمضان بعد الزوال وعدمه؛ لأنّ ظاهر النص الدالّ عليها (5) كون الصائم عن نفسه؛ ولأنّ اليومين وقعا في يوم واحد ووجوبها معاً عنه كفائي، ولا يلزم من وجوبها في القضاء
ص: 211
العيني ثبوتها كذلك في الكفائي. وعلى تقدير الوجوب في محلّها منهما أو من أحدهما إشكال؛ إذ يحتمل كونها واحدة عليهما بالسوية أو على كلّ واحد منهما كفّارة، أو كونها عليهما فرض كفاية كأصل الصَوْم؛ لكونهما يومين صورةً وعن كل يوم واحد.
والأقوى عدم وجوب الكفّارة حينئذٍ مطلقاً .
قوله: «وفى القضاء عن المرأة والعبد إشكال».
الأقوى عدم وجوب القضاء عن المرأة، وأنّ العبد كالحُرّ.
قوله: «ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهراً وتصدق عنه من مال الميت عن شهر».
هذا مستثنى من صُوَر القضاء، وفيه تخفيف عن الولى، ومستنده رواية الوشاء عن الرضا وفيها: «أنّه يتصدَّق عن الشهر الأول ويقضي الثاني»(1).
والمستند ضعيف، فوجوب قضائها على الوليّ أقوى.
قوله: «فإنّهم يُفْطِرون رمضانَ ويُفْدُون عن كلّ يوم، فإن أمكن بعد ذلك القضاء وجب وإلا فلا».
الأقوى أنّهم مع العجز الكلي لافِدية عليهم، ومع المشقة التي لا تحتمل عادة يُفطرون ويُفدون كما ذكر.
381/1 قوله: «ولو نسي غُسْل الجنابة حتّى مضى عليه الشهرُ أو بعضُه، قضى الصلاةَ والصَوْمَ على رواية ...»(2).
إنما نسب الحكم إلى الرواية؛ لمعارضتها لرواية «رُفِعَ الخطأ والنسيان» "(3)ومنافاة
ص: 212
ما تضمَّنه من الحكم لما سبق من من أن مَن أصبح جنباً يصح صَوْمُه إذا لم يتعمّد - الشامل للناسي، حتى لو تعمَّد بعد ذلك البقاء على الجنابة مجموع النهار لم يبطل صَوْمه .
ولو فرض نسيانه الغسل بعد ذلك إلى اليوم الثاني، أو لم ينس لكن نام النوْمةَ الأُولى في ليلة الثاني حتى أصبح، صحَ صَوْمه أيضاً بمقتضى تلك القاعدة. فالحكم بقضاء جميع الشهر لناسي الغسل ينافي ذلك، لكنّ الرواية صحيحة، والعمل بها هو المشهور بين الأصحاب.
والجمع بين الحكمين بتخصيص ذلك بالعامد وهذا بالناسي بعيد، بل عكسه أنسب ويمكن تخصيص الرواية بما عدا اليوم الأول للجمع، لكن لا يعلم به قائل .
وكيف كان فلا وجه للرواية الصحيحة مطلقاً كذلك.
قوله: «والأقرب الاختصاص بقضاء رمضان».
هذا هو الأشهر، وفي صحيحة عبدالله بن سنان (1) مايدلّ على التعدي إلى مطلق قضاء الفريضة، و يمكن جعل اللام فيها للعهد الذهني، وهو فريضة رمضان المعهودة.
ص: 213
قوله: «لمن كان بمنى ناسكاً».
الأظهر التحريم لمن كان بها وإن لم يكن ناسكاً؛ لإطلاق النص(1) .
قوله: «ولو نَذَر يوماً فاتفق أحدُها أفطر ولاقضاء على رأي». قويّ.
382/1 :قوله وصَوْم الصبي المميّز صحيح على إشكال».
الأقوى أنه تمريني لاشرعي، ويمكن الحكم بصحته إذا عُرِّف الصحيحُ بأنه ما أسقط القضاء، بمعنى أنه لا يثبت بعده قضاء ذلك الفعل الواقع صحيحاً. ولو قيل (2) بأنه ما وافق الأمر بنى على أنّ الأمر بالأثر هل هو أمر أم لا؟ والأقوى عدمه.
قوله « والأقربُ في المندوب الكَراهِيَّةُ» جَيْدٌ.
قوله: «كالنذر المطلق وقضاء رمضان والنفل - بَطَل الصوم، وكذا في الكفارة - على إشكال- ولا يبطل به التتابع ».
الأقوى، أنه لا يصح في الجميع عدا المندوب، والأحوط في الكفّارة صومه عنها وعدم احتسابه منها.
383/1 قوله: «ویزید اشتراط الخروج قبل الزوال على رأي». قوي.
قوله: «يُشترط التبييت».
أي تبييتُ نيَّةِ السفرِ ليلاً وإلا لم يَجُز القصر وإن خرج قبل الزوال، ولا منافاة على
ص: 214
هذا القول بين نيّة السفر ونيَّة الصَوْم ليلاً، من حيث إنّ السفر نهاراً الموجب للتقصير لا يجامع الصوم؛ لأنّ نيّة السفر غير كافية في القصر، بل مع إنشاء السفر، ولم يحصل، فتجب نيّة الصّوم إلى أن يتحقق موجب القصر وهو إنشاء السفر قبل الزوال ومجاوزة حدود البلد، ومن الجائز الرجوع عن نية السفر قبله وحصول مانع عنه فيستمر على الصوم.
قوله: «ولو أفطر قبل غَيبوبة الجُدران والأذان كفّر».
لا إشكال في ذلك على مذهب المصنّف مع كون السفر اختيارياً، أما مع كونه اضطرارياً فقد تقدَّم (1) أنّ الكفّارة تسقط بإنشائه، وهو ينافي ثبوتها ظاهراً. ويمكن الجمعُ بالحكم بثبوتها بالإفطار قبل مجاوزة الحدودِ ثُمّ سقوطها بعده. وتظهر الفائدة فيما لو رجع عن السفر قبل المجاوزة فإنّ الكفّارة تستقر.
ص: 215
384/1 قوله: «ويجوز التأخير إلى الشتاء».
المراد أنه لا يتأكّد استحبابه فى الصيف تأكُدَه في الشتاء، فلو أخره في الصيف إلى الشتاء، ثمّ قضاه تأدّت الوظيفة المؤكدة؛ بخلاف ما لو أخره في غيره وقضاء، فإنه وإن كان جائزاً وتأدَّت به سُنَّةُ قضاء الأيامِ إِلَّا أَن فضيلته دونَ السابق.
ويمكن أن يكون تأخيره فى الصَيْفِ غير مكروه بناءً على أن ترك المستحب مكروه، وتأخيره فى غيره مكروه، وإنما عبر المصنف بالجواز تبعاً للنصوص (1)، فإنّها تضمَّنت نفي البأس عن تأخيرها كذلك المقتضي للجواز.
قوله: «ومَوْلدِ النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم)».
المشهورُ بين الأصحاب أنَّ مولد النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يوم السابع عشر من ربيع الأول، ولكنّ الرواية (2) به ضعيفة السند جدًّا، والذي ذكره الكليني (رحمه الله) في الكافي أنه يوم
ص: 216
الثاني عشر منه (1)، وهذا هو الذي صححه الجمهور (2)، ولعلّه أثبت.
قوله: «ودَحْوِ الأرض».
دَحْوُ الأرضِ بسطها، والمراد هنا بسط الأرض تحت الكعبة، وهو يقتضي خلق الكعبة قبل بسط الأرض، والمأخوذ في الرواية أنه في يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة (3). وفي بعض الروايات دحو الكعبة لا الأرض(4)، وكلُّها ضعيفة جداً، والحكم بها أيضاً مشكل؛ لما علم من أنّ الله سبحانه وتعالى: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّام)(5). وأن المراد باليوم دَوَرانُ الشمس في فلكها دورةً واحدة، وهو يقتضي خلق السماوات قبل ذلك، فلا يتمُّ عدّ الأشهر في تلك المدَّة، مع أنّ ابن بابويه روى أنّ الكعبة أنزلت يوم التاسع والعشرين من ذلك الشهر (6) . وإثباتُ مثل هذه الأحكام المتناقضة بالأخبار الضعيفة بعيد؛ وإن اشتهرت، فرُبَّ مشهور لا أصل له.
قوله: «ولا يُشترط خُلُوّ الذِمَّةِ من صَوْم واجب على إشكال».
المروي صحيحاً الاشتراط(7) ؛ فالعمل به معتبر .
قوله: «وأيام التشريق لمن كان بمنى حاجاً أو معتمراً...».
قد تقدَّم (8) أنّ الأقوى عدم اشتراط النسك.
قوله: «لو قيد ناذِرُ الدَهْرِ بالسفر، ففي جواز سفره في رمضان اختياراً إشكال...». قوي.
ص: 217
قوله: «وفي وجوب التأخير إلى شعبان إشكال»
الأقوى عدم الوجوب.
قوله: «وكفّارة رمضان وقضائه بعد الزوال - على رأي - وخُلفِ النذر والعهد، والاعتكاف الواجب».
التخيير في الأولى أقوى، وفى الثانية أشهر.
قوله: «وجزاءِ الصَّيْد على رأي». قوي.
386/1 قوله: «وهل تجب المبادَرَةُ بعد زواله؟ فيه نظر ...».
الوجوب قوي.
قوله: «وفي إباحته قولان »(1).
الأجودُ الإباحة.
387/1 قوله: «وبشهادة عدلين مطلقاً على رأي». قويّ.
قوله: «ومع التعدد وتعدّدِ الشهر - إن شهد بالأولية - فالأقرب وجوب الاستفصال والقبول إن أسنداها إليها أو موافق رأي الحاكم».
الأقوى أنّه مع الشهادة بالأولية ليستفصل إن لم يعلم موافقة رأيه لرأي الحاكم سواء تعدّد الشهر أم لا.
ص: 218
قوله: «ولو غُمَّت الشُّهورُ فالأقرب العمل بالعدد».
الأجود مع غُمَّة الشهور الرجوع إلى العدد بمعنى عدّ خمسة من هلال الماضية في غير السنة الكبيسة، وفيها تعدّ ستّة. و مع غُمَّة شهرين وثلاثة يعد كل شهر ثلاثين، وهو معنى آخر من معاني العدد هنا.
388/1 قوله: «ففي وجوب الإمساك نظر».
المتَّجه عدم الوجوب.
قوله: «ثم سار إلى موضع لم يُر فيه، فالأقرب وجوب الصوم يوم واحدٍ وثلاثين وبالعكس يُفْطِر التاسع والعشرين...». جيّد.
ص: 219
قوله: «فيجب الثالث على قول».
هذا هو المشهور.
قوله: «ولو شَرَط في نذره الرجوع متى شاء، كان له ذلك ولاقضاء».
الأقوى تقييد الرجوع (1) مع الشرط بالعارض، وإنّما يسقط القضاءُ حينئذٍ مع تعيين الزمان لا بدونه .
قوله: «وبدون الشرط لو رجع استأنف...».
مشروط التتابع، أو لم يمض منه ثلاثة أيام، وإلا فالأقوى عدم الاستئناف .
389/1 قوله: «ولو عَيّن زمانه بالنذر...».
الأقوى أنّه يأتي بما بقي من الأيام ويقضي ما أهمل وما مضى إن قصر عن ثلاثة، وإلا فلا.
وسيأتي (2) من المصنِّف اختيار ذلك والرجوع عمّا هنا.
ص: 220
قوله: «ويُشترط فيها القصد إلى الفعل على وجهه لوجوبه أو ندبه متقرباً إلى الله تعالى».
المعروف بينهم أنّ المراد بالوجه في النيَّة الوصفُ الذي يقع عليه الفعل من وجوبِ أو نَدْبِ، وقد يطلق نادراً على الحكمة الباعثة عليهما من الأمر أو الشكر أو اللطف في التكليف. وعلى التقديرين لا يعتبر الجمعُ في النية بين الوجه وبين الوجوب أو النذب؛ لأنه على المعنى الأول عينهما، وعلى الثاني يكفي كلّ منهما من الآخر، كما نبه عليه المصنف في نيَّة الوضوء بقوله: «لوجوبه أو ندبه» أو لوجههما.
ولو قال: على وجهه من وجوب أو نذب، كما فعل في التذكرة (1) كان أنسب.
ولعله أراد بقوله: «لوجوبه أو ندبه بيان معنى الوجه، أي معنى وجهه هكذا. قوله: «وينوي الوجوب في الثالث بعد نيّة الندب في الأولين إن قلنا بوجوبه». ظاهره أنّه على هذا القول يقتصر في الابتداء على نية الاعتكاف في اليومين الأولين مندوباً، ويؤخّر نية الثالث إلى حين دخوله. و
يشكل بأنّ الثلاثةَ أقلُّ ما تتحقق به هذه العبادة على مذهب الأصحاب(2) ، وهي متصلة شرعاً، فتفريق النيَّة عليها في موضع النظر إلا أن يُدعى انفصالها، كأيام رمضان وأفعال الوضوء، فيلزم حينئذٍ جواز النيَّة لكلّ يوم على انفراده، ويكون إكمال الثلاثة شرطاً في صحة الجميع، وهذا حَسَن.
وينبه عليه جواز فعل اليوم الواحد المنذور منفرداً عن أمثاله مصاحباً ليومين مندوبين أو واجبين، وكذلك الإتيان بيوم من النذر ويوم من العهد وثالث من غيرهما،
ص: 221
فإنّ ذلك كله يقتضي إفراد كلّ واحد من الأيام المختلفة بنية تناسب سببه. وعلى هذا لا يتوجه في المندوب نيّة أزيد من يومين على القول بوجوب الثالث.
ولو لم يعتبر نيّة الوجه كما هو الوجه استرحنا من هذا الإشكال، واكتفى بنية ماشاء من الأيام. وكان معنى وجوب الثوالث على القول به ترتب الثواب على فعله والعقاب على ترکه بخلاف غیره .
قوله: «فنوى بالصَوْم القضاء أو النذر، فالأقربُ الإجزاء عنه وعن صَوْم الاعتكاف». قوي.
قوله: «وينوي فيهما الوجوب أيضاً ويتخيّر في تعيين القضاء ».
سواء قَدَّمهما أم أخَّرهما أم حقهما به؛ لتوقف الواجب عليهما فيجبان من باب المقدّمة وإن لم يتعيَّنا كالمنذور المطلق.
390/1 قوله: «ولو اعتكف خمسةً قيل(1) : وجب السادس ولا يجب الخامس».
حسن، وكذا القول في باقي الثوالث .
قوله: «وأنّما يصحُ في أربعة مساجد مكة والمدينة، وجامع الكوفة، والبصرة على رأي» (2).
الأصح جوازه في كلّ مسجد جامع.
قوله: «والضابط ما جَمَّعَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو وصيٌّ له».
ينبغي على هذا الضابط أن لا يتقيّد بالأربعة؛ لما ثبت من أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلّى جماعة
ص: 222
في مسجدِ قُبا، وفي مسجد بني سالم (1)، وصلّى الحسن (علیه السّلام) في مسجد المدائن (2).
وأما صلاته (علیه السّلام) في المسجد الأقصى ليلة الإسراء فلم تقع جماعةً.
قوله: «فلو خرج لالضرورة بطل ولو كَرْهاً».
الأقوى أنه مع الخروج كَرْهاً لا يبطل إلا مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفاً.
391/1 قوله: «والمشي تحتَ الظِلال اختياراً».
الأقوى اختصاص المنع بالجلوس تحت الظلال؛ لأنه مورد النص (3).
قوله: «والصلاة خارج المسجد إلا بمكةَ فإنّه يصلّي بها أين شاء».
أو ضيق الوقت بحيث يخرج قبل الوصول إليه وفعلها فيه، وكذا يجوز الخروجُ لصلاة الجمعة لو أُقيمت بغيره دونه حيث يجب عليه ولو تخييراً.
قوله: «ولو هاياه جاز أن يعتكف في أيامه وإن لم يأذن مولاه».
إن كانت المهاياة تفي بأقل الاعتكاف، ولم تضعفه عن العمل في نوبة المولى ، ولم يكن الاعتكافُ في صوم مندوب لم يأذن فيه، وإلّا لم يَجُز.
قوله: «وشَمُّ الطيب والاستمناء».
وكذا الرياحين .
قوله: «وعقد البيع إيجاباً وقبولاً».
مع الاختيار ، فلو اضطر إليه ،جاز، ولا يجب الاقتصار على المعاطاة على الأقوى.
وفي إلحاق غيرِ البيع به من العقود والإيقاعات قول حسن (4).
ص: 223
قوله: «فإن أفسده مع وجوبه كفّر وقضى إن كان بالجماع ولو كان ليلاً، في رمضان وغيره أو كان معيّناً، وإلا فالقضاء خاصةً».
الأقوى أنّه مع تعيينه بنذرٍ وشبهه تجبُ مع إفساده بغير الجماع كفّارة سببه لا كفارة الاعتكاف .
قوله: «ولو جامَعَ في نهار رمضان فكفارتان».
إن كان الاعتكاف فيه واجباً، وإلا فواحدة للصوم، وحيث يتعدّد فالثانية كفّارة سببه.
قوله: «فإن أكره المعتكفة فأربع على رأي».
المشهور تحمُّلُ الزوج المكرِه زوجته كفّارة الاعتكاف كالصوم، فتجب مع إكراهها معتَكِفَةً في شهر رمضان مع وجوبه أربع، ولكن لم نقف على ما يدلُّ عليه، وحينئذٍ فالقولُ بوجوب ثلاث اثنتان عن رمضان وواحدةٌ عن نفسه للاعتكاف أقوى.
قوله: «ولو ارتدَّ بَطَل اعتكافه وأخرج، فإن عاد استأنف مع الوجوب».
إن كان متتابعاً (1)و لم يمض منه ثلاثة وإلا بني.
392/1 قوله: «ولو باع واشترى أثِمَ، والأقربُ الانعقاد» قوي.
قوله: «ولو مات قبل انقضاء الواجب وجب على الوليّ قضاؤه عنه».
إن كان قد استقر في ذمته قبل ذلك وتمكّن من فعله -كما مرَّ في الصَوْم (2)- إذ ليس عليه هنا نص بخصوصه، وحينئذٍ فيشكل وجوب قضائه على الولي مطلقاً؛ لما تقدَّم من أن نذر الاعتكاف لا يستلزم إيجابَ الصّوم وإن اقتضى فعله فيه، فيجوز فعله في صومٍ مستحق كرمضان فينبغي أن لا يجب قضاؤه على الوليّ إلّا أن ينذر بالصومَ معتكفاً؛ ليجب عليه قضاء الصوم المقدور، وهو متوقف على الاعتكاف فيتبعه الاعتكاف من باب المقدّمة.
ص: 224
قوله والأقرب صحة إتيانه بيوم من النذر وآخرين من غيره قوي.
393/1 قوله: «ولا يجب التتابعُ في قضائه، إلا أن يشترط التتابع لفظاً على إشكال».
الأولى(1) قضاءُ المنذور متتابعاً.
قوله: «فلو ظهر يوم الثلاثين العيد فالأقرب البطلان». قوي.
ص: 225
ص: 226
المقصد الأوّل في المقدمات
المقصد الثاني في أفعال التمتع
المقصد الثالث في التوابع
ص: 227
ص: 228
397/1 قوله: «كفاقد الشروط والمتبرع به».
ضمير «فاقد» يرجع إلى الحج، بمعنى أنّ الحجّ إذا لم يجمع شروط الوجوب فهو مندوب .
ما يفعل بعد أداء الواجب، ولهذا جمع بينه وبين فاقد الشروط وإن كان المُتَبَرَّعُ به يشملهما .
وأراد ب«المتبرع به ما يفعل بعد أداء الواجب، ولهذا
قوله «والاستطاعة، ومؤونة عِياله».
العيال من جملة الاستطاعة، أو مشروط فيها؛ لما سيأتي (1) من أنّ المراد بها ملك الزاد والراحلة فاضلاً عن مؤونة عياله والمستثنيات.
قوله: «وشرائط النذر وشبهه أربعة التكليف، والحرية والإسلام، وإذن الزوج».
كما صح نذرُ الزوجة مع إذن الزوج كذلك المملوك مع إذن مولاه، فلا وجه لجعل الحرّيَّةِ شرطاً دون الخُلو من الزوج.
ص: 229
وأمّا اشتراط الإسلام في شبه النذر فمشكل أيضاً؛ لما سيأتي من اختياره صحة اليمين من الكافر(1) ، وأنّ العهد حكمه حكم اليمين (2) ، وإنما يتم ذلك في النذر خاصةً. أو يكون ما يأتي(3) . رجوعاً عما هنا، فإنّ في المسألة خلافاً.
وأمّا احتمال إرادة إيقاع الحج المنذور مع سبق صحة النذر فغير صحيح قطعاً؛ لأنّ البحث في النذر لا في المنذور؛ ولعدم صحته من غير المكلَّف؛ إذ لا يشترط إذن الزوج والمولى في إيقاع المنذور صحيحاً.
398/1 قوله: «وشرائط النيابة ثلاثة: الإسلام، والتكليف، وأن لا يكون عليه حج واجب...».
تُشترط أيضاً عدالته إن استنيب عمَّن وجب عليه، وموتُ المنوب عنه أو عجزه، وإمانه، على تفصيل يأتي(4).
قوله: «فهو فرضُ مَن نأى عن مكةَ بالنّيْ عَشَرَ مِيلاً من كل جانب».
الأقوى اعتبارُ ثمانية وأربعين ميلاً.
400/1 قوله: وهى شوال و ذو القعدة وذو الحِجَّة على رأي». .قوي.
قوله: «فإن تعذَّر استأنف حيث أمكن - ولو بِعَرَفَةً - إن لم يتعمّد، ولا يَسْقُطُ الدم ».
ص: 230
المراد بالدم هنا هدي التمتُّع ونبه بعدم سقوطه على خلاف الشيخ (رحمه الله) حيث حكم بسقوطه(1) عمّن أحرم بحج التمتع من غير مكة وتعذر تمكنه العود إليها، وهو ضعيف جداً، بل لاوجه له؛ لأنّ هدي التمتُّع عندنا نسك كغيره من أفعال الحج لا تعلق له بالإحرام. وعلى القول بأنه جبران لما فات في إحرام حج التمتع من الإحرام من الميقات هو مذهب بعض العامة (2)، وظاهر الشيخ في المبسوط (3). ويمكن سقوط الدم في المسألة المفروضة على بعض الوجوه لا مطلقاً.
وتنقيحه: أنّ القائل بكونه جبراناً حكم بأنه لو لم يحرم به بمكة، بل خرج إلى أحد المواقيت لم يلزمه دم؛ لفوات معنى الجبران. وكذا لو أحرم من مكَّةَ ثُمّ خرج إلى أحد المواقيت، ومنها إلى عرفة، بل لو خرج إلى مسافة تساوي مسافة الميقات أو تزيدُ عليها كفى في سقوطه؛ لقطعه مقدار المسافة مُحرِماً.
وإذا تقرر ذلك ففي مسألتنا يمكنُ فرضُ سقوطِ الدم على ذلك القول بأن لا يحرم من مكَّةَ، مكة، بل من أحد المواقيت، أو يمرُّ عليها مُحرِماً، أو بمسافة مثلها.
وأما إطلاق سقوطه بمجرد كونه لم يحرم من مكَّةَ فلا وجه له على القولين، ولا هو موضع الاشتباه .
نعم، لما كان الإحرام من غير مكة شاملاً بإطلاقه لموضع النزاع، يمكن فرض المسألة في بعض في بعض أفراده، إلّا أنّ الإطلاق بعيد عن تحقق المطلوب. وقد أحسن الشهيد (رحمه الله) حيث قال في الدروس في هذه المسألة: «ولا يسقط عنه دم التمتع، ولو أحرم من ميقات المتعة»(4)، فزاد على المسألة المفروضة ذكر موضع النزاع.
ص: 231
401/1 قوله: «بأن يُعلِّقَ في رقبته نَعلاً قد صَلّى فيه».
الفعل وهو «صلّى» مبنى للمعلوم وضميره يعود إلى السابق كما تشهد به الرواية (1) - فلا تكفي صلاة غيره فيه، ويعتبر مسماها فتكفي الواحدة ولو نافلة.
قوله: «ولو يُجلان لو تركاها على رأى».
الأقوى وجوب تجديدها بعد كلّ طواف عقيب ركعتيه، وبدونها يحلّان.
قوله: «إلّا إذا أقام ثلاث سنين فيصيرُ في الثالثة كالمقيم في نوع الحج ويُحتمل العموم...».
الاحتمال قوي.
403/1 قوله: «وقيل للأُمّ ولاية الإحرام بالطفل (2) ؛ والنَفَقَةُ الزائدة على الولي». قوي.
قوله: «فلو لم يعلم العبد صح حجه، وللمولى أن يُحلّله - على إشكال» .
الأقوى عدم الجواز.
قوله: «والفائدة تَظْهَر فى العتق قبل المشعر وإباحة التحليل (3) للمولى».
الأولى جعل الفائدة مترتبة على صحة الرجوع لا على أن له أن يحلّله؛ لأنا إذا قلنا: إنّ له تحليله كان التحليل مباحاً بغير إشكال فلا يجوز ترتب فائدة الإباحة عليه، والصحة إن لم تكن منطوقة، وإلا فهي مستفادة من الحكم لجواز تحليله، فإنّه يقتضيها.
وبقي تقرير السؤال حينئذٍ أنّه أي فائدة في صحة رجوعه إذا لم يعلم العبد به و حكم بصحة حجه ؟
ص: 232
والجواب: أنّ الفائدة تظهر في العتقِ قبل المشعر وقبل أن يحلّله، فإنّه يجزؤه حينئذٍ عن حَجَّة الإسلام، لوقوعه صحيحاً حيث لم يعلم بالرجوع، ومجرَّد جواز الرجوع لم يوجب بطلانه، فيصير كما لو أعتق حينئذٍ ولم يرجع المولى، وفي جواز تحليله - لأنا نقول : لو لم يحكم بصحة رجوعه - لم يكن له التحليل كما لو لم يرجع.
قوله: «ولو هاياه وأحرم في نوبته فالأقوى «الصحة».
قوي بشرط أن تسع مدته جميع أفعال الحج، ولا يتجه على المولى ضرر، وإلا فلا.
قوله: «وللمولى التحليل مع قصورها عن أفعال الحج، والإجزاء عن حَجَّة الإسلام إن أعتق قبل أحد الموقفين».
الأقوى أنّه مع القصور يقع الإحرام به باطلاً ولا يفتقر إلى التحليل.
404/1 قوله: «وعلى السيّد التمكين على إشكال».
الأقوى أنّ على السيّد تمكينه من القضاء، خصوصاً على القول بأنه فرضه؛ لأنّه حينئذٍ يكون مأذوناً فيه بالإذن الأولي. وبهذا يحصل الفرق بينه وبين كفّارة التطيب واللبس، فإنّ الإذنَ في الحجّ ليس إذناً فيما يترتب على محرمات إحرامه، بل ينافيه.
قوله: «وجب، وإن زاد عن ثمن المثل على رأي». قوي.
405/1 قوله: «وليس الرجوع إلى كفايةٍ من صناعة أو حرفة شرطاً على رأي». قوي.
قوله: «وعَلَفُ البهائم المملوكة ومشروبها كالزاد والراحلة...».
والمراد بالبهائم ما يستصحبه منها في الطريق ليركبه، أو يحمل عليه ما يحتاج إليه، فإنّ نفقته من جملة الاستطاعة كزاده وراحلته ويحتمل أن يريد بها الأعم من ذلك ليشمل ما يتركه في بلده منها ممّا يستثنى له منها لكن جعل مَؤُونَتها كالزاد والراحلة قرينة جليّة على الأوّل؛ لأنّ ما في البلد لايُشبِه مَؤُونَة الزاد والراحلة. وفي التشبيه بهما تنبيه على خلاف ما ذكره في التذكرة(1) ، من الفرق بينهما من جهة أنّه أوجب حمل
ص: 233
الزاد حيث لا يوجد في المنازل، ولم يوجب حمل علف البهائم حيث لا يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة؛ لما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة به وجعل مثله حمل الماء أيضاً. والحقُّ عدم الفرق مع الإمكان؛ لصدق الاستطاعة معه.
قوله: «وهل يجب على المتضرّر الاستنابة؟ الأقرب العدم».
موضعُ الخلافِ ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب عليه مباشرةً، أما لو استقرّ، ثُمّ عَرَضَ المانعُ وجبت الاستنابة قولاً واحداً. والأقوى وجوب الاستنابة في الأوّل أيضاً، وإنّما تجب مع اليأس من البرء وإلا استحبّت.
406/1 قوله: «ولو لم يستمسك خِلْقةً لم يجب الاستنابة - على رأي ».
بل يجب كما مر (1).
407/1 قوله: «ولو كان العدوّ لا يندفع إلا بمال وتمكن من التحمّل به ففي سقوط الحج نظر».
الأولى الوجوب مع التمكُن.
قوله: «ولو وجد بَذْرَقة بأجرة وتمكّن منها فالأقرب عدم الوجوب».
القول بالوجوب هنا أولى من السابق؛ لأن المال هنا عوض عمل محلل وإن كان لدفع العدوّ الظالم، بخلاف دفع المال إلى الظالم. فلا وجه للحكم بعدم الوجوب هنا والتردّد ثَمَّ، والأجود الوجوب هنا أيضاً.
قوله: «من أقرب الأماكن إلى الميقات على رأي »(2).
قوي مع عدم وصيّته بالزائد صريحاً أو بالقرينة الحالية أو المقالية، وإلا اتبعت وصيّته ويكون الزائد من الثلث.
408/1 قوله: «والاستقرارُ بالإهمال بعد اجتماع الشرائط ومُضِيّ زمانِ جميع أفعال الحج أو دخول الحرم على إشكال».
ص: 234
الأقوى أنه لا يكفي دخول الحرم.
قوله: «ولو مات أخرج من صُلْبِ تَرِكَته وإن لم يَتُب على إشكال».
المراد المرتد عن ملّة ليمكن فرضُ استطاعته حال ردَّته ؛ لأنّ الفطري ينتقل ماله عن ملكه بها ولا يقبل الملك حالتها.
ومنشأ الإشكال من عموم وجوب الاستنابة عمّن مات مستطيعاً، ومن أنّ النيابة تابعة لفعل المندوب ومُنزَّلَة منزلته وهو ممتنع فيه؛ ولأنّ فعله على وجهه يوجب الإجزاء واستحقاق الثواب وهما منفيّان عنه. وكونه من قبيل الأسباب والغرض منه استحقاق المسلمين قدر الأجرة و الثواب للوارث بالإخراج، والنائب بالفعل خاصةً - بعيد.
ووجوب الاستنابة عن كلّ مستطيع ممنوع يرشد إليه الكافر وهذا منه - وإن جرى عليه أحكام المسلمين.
قوله: «المخالف لا يُعيد حَجَّه بعد استبصاره واجباً إلّا أن يُخِلَّ بركن، بل يُستحب».
تقييد الحكم بعدم الإخلال بالركن ليس منصوصاً، واعتباره حسن، إلا أنه ينبغي أن يُراد به ما هو ركن عندهم لا عندنا، نظراً إلى معتقدهم و ينبه عليه حكمُهم بعدم إعادة ماصلاه أيضاً إذا كانت صحيحة عندهم وإن لم تكن صحيحة عندنا، ولكنَّه مع ذلك يستغني عن القيد؛ لأنه إذا أخل بركن لا يكون حاجاً. وقد أغرب شيخُنا الشهيد (رحمه الله) هنا حيث اعتبر في الصلاةِ صحتها عندهم(1) ، وفي الحج صحته عندنا(2) ؛ فإنّ اختلافه لا دليل عليه. والأقوى تنزيل النوع منزلة الصحيح من الأفعال، فيجزئ ما فعله من القران والإفراد عن التمتُّع لو كان فرضه عندنا، وبالعكس بطريق أولى.
ص: 235
وكذا لو حجَّ قِراناً بالمعنى المعتبر عندهم، وهو أن يقرن بين النسكين بنية واحدة؛ لإطلاق النصّ (1)، وقيام الشبهة، وصحته عندهم(2) ، بل عند كثير منّا.
409/1 قوله: «وللأب حَلَّ يمينِ الولد».
الأقوى أنّ يمين الولدِ غيرُ منعقدةٍ بدون إذنِ الأب، وحينئذٍ فلا يتوقف على حله لو وقع قبل إذنه.
قوله: «نعم، لو تمكن بعد وجوبه ومات لم يأثِم ويُقضى من صُلْب التركةِ ....».
مع عدم ظنّه الوفاة، وإلا وجب الفور حينئذٍ وأثم بالتأخير.
قوله: «ولو نذر أو أفسد وهو معضوب، قيل(3) : وجبت الاستنابة».
قوله: «وهو معضوب» جملة حالية من ضمير «نذر» و «أفسد» فمقتضى وقوعها حالة العضب، وحينئذٍ فوجوب الاستنابة مع الإفساد قوي، خصوصاً على القول بأنّ الثانية فرضه ووجوب الاستنابة في حَجَّة الإسلام، والمقدّمتان ثابتتان على الأقوى.
وأمّا النذرُ الواقع حالته فالأقوى أنه مع الإطلاق محمول على المباشرة بنفسه فيتوقع الإمكان كما لو نذره صحيحاً، ومع اليأس يبطل.
قوله: «ويَقِفُ مَوضعَ العُبُور».
مستحبّاً على الأقوى، لضعف مستند الوجوب (4).
ص: 236
قوله: «فإن ركب طريقه قضاه».
المراد بالقضاء معناه المتعارف إن كان النذر مقيَّداً بتلك السنة، ومعناه العام - وهو مطلق الإتيان به - إن كان مطلقاً. كما هو الظاهر وبقرينة تقسيمه مع العجز إلى المطلَقِ والمعين، ويختلف الأمران بالكفّارة مع القضاء فإنّها تجب مع تعيينه مضافاً إلى القضاء.
قوله: «ولو ركب البعض فكذلك على رأي».
قوي، لكن مع تقييده بتلك السنة يُكفّر أيضاً.
قوله: «ولو عجز فإن كان مُطْلِقاً توقع المُكْنةَ وإلا سقط على رأي».
الأقوى سقوط ما عجز عنه من المشي خاصةً، ووجوب الحج ولو راكباً، هذا إذا لم يقيد الحج بالمشي بحيث لا يريد غيره، وإلا سقط الحجّ أيضاً، كما اختاره المصنِّفُ.
قوله: «ولو أطلق فكذلك على رأي» .قوي.
قوله: «ولا المميّز على رأي». قويّ.
قوله: «ولا عن المخالف إلا أن يكون أبا النائب».
جواز الحج عن المخالفِ غير الناصب مطلقاً، الناصب مطلقاً، وعنه إذا كان أبا النائب لا يخلو من قوَّة.
قوله: «والأقربُ اشتراط العدالة لا بمعنى عدم الإجزاء لو حجّ الفاسقُ».
أي عدم الإجزاء في نفس الأمر، بل يقع مُجزئاً عن المنوب، لكن لا يقبل إخباره بذلك؛ للأمر بالتثبت عند خبره، فلا يجوز لمن عليه حج تجوز الاستنابة فيه استنابته ولا للوصي عن الميت استئجاره له وبما أشبهه من العبادات المتوقفة على النيَّة. وعلى ، هذا فالعدالة شرط في جواز الاستنابة لا في صحة النيابة، فلو حج الفاسق عن غيره متبرعاً صح، وكذا لو كان فاسقاً في نفس الأمر وعنده ظاهراً فاستأجره من لا يعلم حاله، وفعل فإنه يقع صحيحاً ويستحقُ الأُجرة.
ص: 237
وكذا لو كان الوارث فاسقاً حيث يجب عليه إخراج الحج لمورّثه، أو الوصي حيث لا يشترط عدالته فحج عنه أجزاً. ،
قوله: «ويجوز لمن عليه حج أن يعتمر عن غيره ولمن عليه عُمْرَةً أَنْ يَحُجَّ نيابةً إذا لم يجب عليه النُّسُكُ الآخر».
إن لم تحصل بينهما منافاة وإلا لم يصح.
قوله: «ولو انعكس صحا».
إن لم يكن وجوبُ الثاني فورياً، أو لم يجد مستأجره من يحج عنه قبل السنة التي استأجر لها، وإلا بطل الثاني أيضاً.
قوله: «ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ، وقبلَه يُعيد مُقابِلَ الباقي والعَود».
الأقوى أنّ الطريق لا يوزّع عليها شيء من الأجرة مطلقاً إلا مع شرطها في العقد، فيوزّع مع موته قبل الحكم بإجزاء الحج لما شرط منها.
وما ذكره المصنّف من ردّ ما قابل العود ضعيف جداً، إذ لا مدخل له في الحج ولا في مقدماته أصلاً، بخلاف الذهاب فإنه قديتخيَّل كونه من مقدمات الحج، خصوصاً على القول بوجوب الاستئجار من البلد.
ولمّا حكم فيما سبق بعدمه ضعف القول بالتوزيع له أيضاً بدون شرطه، وكذا القول فيما لو صُدّ مُحْرِماً.
411/1 قوله: (وإن كان طريقاً مع الغرض وعليه ردّ التفاوت لامعه».
يمكن أن يعود ضمير معه إلى «الغرض» فيكون بياناً لحكم ما لو خالف لامع الغرض برد التفاوت بين الطريقين إن كان ويبقي حكم ما لو خالف مع الغرض مسكوتاً عنه. وهو يشعر بكون حكمه ليس لذلك، فيحتمل حينئذٍ أن يكون مذهبه فيه كما أختاره في التذكرة (1) من فَساد المسمّى والرجوع إلى أجرة المثل أو غير ذلك.
ص: 238
ويمكن أن يعود الضمير إلى الامتثال أي بردّ التفاوت بينهما لا مع امتثاله لما شرط المستأجر فيشمل مسمّى الغرض و عدمه، وهذا هو الأنسب، لما فيه من موافقة غيره وبيان حكم القسمين، ومع ذلك فيشمل الحكم في كلا القولين؛ لأنّ الطريق التي استؤجر لسلوكها لم يقطعها، والتي عدل إليها غير مستأجر عليها، فإدخاله في التقسيط غير جيّد. وأمّا ثبوت أُجرة المثل؛ فلأنّ الحجّ نفسه مشترك بين الطريقين وقد فعله فيستحقُ بنسبة من المسمّى على التقديرين لا أجرة مثل عمله وحينئذٍ فالقول باستحقاقه من المسمّى بنسبة ما عمل من المشروط خاصةً أوجه، والرواية(1) لا تنافيه.
قوله: «ولو عدل إلى التمتُّع عن قَسيميه وتعلّق الغرض بالأفضل أجزأ وإلا فلا».
مقتضاه أنّ غرض المستأجر إذا لم يتعلّق بالأفضل لا يصح العدول، وليس كذلك وإنما المراد أنه إذا كان المستأجر مخيَّراً في الأنواع فالعدول إلى التمتع أفضل من حيث إنّه أفضل الأنواع، فيجوز للمستأجر العدول حينئذ ؛ لأنّه زاد خيراً. وإن لم يكن مخيّراً كما إذا كان أحد القسمين فرضه دون التمتُّع - لم يَجُزِ العدول منهما إلى التمتُّع؛ لأنّه حينئذ ليس بأفضل ولا مساءٍ. والتخيير يتحقق في المندوب والناذر للحج مطلقاً، أو ملاحظة التخيير بين الأنواع وذي المنزلين مع تساوي الإقامة فيهما.
ومستند الحكم صحيحة أبي بصير، عن أحدهما (علیهما السّلام) في رجل أعطى رجلاً دراهم يحج بها عنه حجّةً مفردةً، أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: «نعم إنما خالفه إلى الفضل»(2) .
ص: 239
وهذه الرواية كما ترى دالّة على ما قرّرناه وسالمةٌ عما وقع في العبارة، وعلى تقدير أن تريد فى العبارة ظاهرها فالعمل على ما قرّرناه.
قوله: «والحامل والمحمول وإن تعدّد يُحتسبان، وان كان الحمل بأجرة على إشكال».
الأقوى إن استأجره للحمل في طوافه احتسب لهما وإلا فلا ولا إشكال في الاحتساب مع التبرع والجعالة.
قوله: «ولا قضاء عليه وإن كانت الإجارة مطلقةً على إشكال».
الأقوى أنه مع حصول المانع من الحج في السنة الأولى يتخيَّر كلُّ من الأجير والمستأجر في الفسخ، وحينئذٍ فإن فسخ أحدهما هنا فلا قضاء وإلا وجب الحج في السنة الأخرى.
412/1 قوله: «ولو اتسع المعيَّن للحج من بلده وجب وإلا فمن أقرب الأماكن».
«إلّا» هنا هى المركّبة من «إن الشرطية و « لا» النافية، والتقدير وإلا يسع المال من بلده أخرج من أقرب الأماكن. ويشكل بإمكان أن يسع مما بينهما فلا يجوز الاقتصار على الأقرب لوجوب الإتيان من المأمور بما أمكن.
والأولى أن يقول: وإلا فمِن حيث أمكن ولو من أقرب الأماكن.
قوله: «ولو قَصَر عن الأقل عاد ميراثاً على رأى».
قوي إن كان قصوره ابتداءً بحيث لم يمكن إخراجه مطلقاً، أما لوطرأ عليه القصور بعد إن كان ممكناً فصرفه في وجوه البر أقوى. ولو وسع لأحد النسكين فالأقوى وجوبه.
قوله: «لو أوصى بحجّ وغيره قدّم الواجب ...».
هذا إذا كانت الواجبات مالية كالدين والكفّارات والزكاة والحج، أما لو كان بعضها بدنياً كالصلاة والصوم قدّم المال.
قوله: «ولو عُلم قصد التكرار كُرّر حتى يستوفى الثلث».
إن علم منه قصد التكرار مطلقاً أو قدراً يسع الثلث أمّا لو علم منه قصد مجرَّد
ص: 240
التكرار اقتصر عليه وإن لم يبلغ الثلث.
قوله: «جعل ما لسنتين وأزيدَ لسَنَةٍ».
الضابط إخراج أقل ما يكون أجرةً عن حجّة سواء بلغ السنتين أم لا، فينفق منه ما أمكن.
413/1 قوله: «وعلمه بأفعال الحج».
أي علمه بها مفصلة من الإحرام، والطواف، والسعي، وباقي الأفعال، وإن لم يعرف محالها ومقادير حركاتها. ويعتبر استناد العلم إلى اجتهاد أو تقليد لأهله. ولو حج مع مرشد يقول في ذلك فالأقوى الإجزاء.
قوله: «بل مع أوَّل رفقة».
أو مع من يغلب على ظنّه وصوله معهم، ولو اتفق من صحبها وتعذر عليه الوصول فلا إثم، وينزل منزلة تعذر الحج تلك السنة.
قوله: «وفي احتساب المسافة إلى [قوله:] هو الوجه...».
الوجه جيِّد.
قوله « والأقربُ أنّ له من المسمّى بنسبة مافعل». قوي.
414/1 قوله: «ولو أفسد النائب الحج فعليه القضاءُ عن نفسه، فإن كانت معيّنةً انفسخت...» إلى آخره.
ظاهر قوله في المعيَّنة: «انفسخت» مع إيجاب الاستئجار بها ثانياً، أنّه لا يستحقُ على الحجّتين أجرة، ووجهه: أنّ الاستئجار وقع على حج صحيح في السنة الأولى ولم يحصل، والقضاء وجب بسبب الإفساد عن نفسه؛ لأنه أحدث سببه. وذهب جماعة إلى استحقاقه الأجرة وصحة الحج عنهما وإجزاء الحج عنهما(1) ؛ بناءً على أنّ الأولى فرضه، والثانية عقوبة، وقد فعل المستأجر عليه، وتسميتها فاسدة مجاز كما
ص: 241
ذكره الشهيد( رحمه الله) فى الدروس (1) .
ولو قلنا: إن الثانية فرضه أشكل استحقاقه الأجرة حيث إنه قد حجّ في غير المعينة مضافاً إلى ماسبق، والأقوى حينئذٍ عدم الاستحقاق.
وفي الدروس قَوّى إجزاء الحج عنهما في المعيَّنة والمطلقة (2) لإطلاق الرواية (3) بذلك، وهي من الموثق وليس فيها الفرض لاستحقاق الأجرة.
ولو كانت الإجارة مطلقة فقد قطع المصنف بوجوب القضاء ثم حج النيابة بعده.
ووجهه: أنّ الفَساد أوجب القضاء، وحجّ النيابة مطلق، فيقدم القضاء. ولا يجزيان عن النيابة أما الأوّل فلفَساده، وأما الثاني فلوجوبه بسبب الإفساد، فيجب الثالث وهو متجه.
ولو قيل بالاجتزاء بالقضاء كان قويّاً، خصوصاً على القول بأنّ الأولى فرضه ويستحقُ الأُجرة بهما.
قوله: «ولو شرط التأجيل عامين أو أزيد جاز». إن جاز للمستأجر تأخير الحجّ كذلك، بأن يكون مُتَبرّعاً، أو ناذراً مطلقاً، أو لا يجد من الحج قبل ذلك؛ وإلا فلا.
قوله: «فإن رضي النائب به وإلا استؤجر به غيرُه ويُحتمل بأجرة المثل».
الأقوى التفصيل، وهو أنه إن علم من الموصي إرادة تخصيص المعيَّن بذلك القدر من غير أن يكون الحج مقصوراً عليه استؤجر غيره بأجرة المثل، وإن لم يعلم منه إرادة تخصيصه به - على تقدير الامتناع - استؤجر غيره به وإن علم منه قصرهما عليه سقط الإخراج أصلاً إن لم يكن واجباً بحيث يخرج عنه وإن لم يوص به، وإلا استؤجر غيره مع الامتناع بأجرة المثل.
ص: 242
415/1 قوله: «الواجب منها سِتَّةَ عَشرَ - إلى قوله : ونزولُ منى».
نزول منى ليس من أفعال الحج، بل منى مكان للأفعال، كما أنّ مكة مكان فيها من الطواف والسعي ونحوهما ، ومِن ثُمَّ لم يحتج إلى النيّة؛ بخلاف نزول عرفة والمشعر، فإنّه نفسه نسك؛ إذ ليس فيهما أمر آخر يفعل غير الكون بهما، ومِن ثُمّ افتقر إلى النيَّة. وعلى هذا كان ترك نزول منى منها ،أولى بل يقتصر على ذكر أفعالها الثلاثة.
416/1 قوله: «ثُمّ غَمْرَةُ، ثُمّ ذَاتُ عِرْقٍ ...».
الضابط أنّ وادي العقيق بأجمعه ميقات وهو وادٍ طويل أوّله المَسْلخ(1) ، وأوسَطُهُ
ص: 243
غَمْرَةُ، وَآخِرُه ذات عِرْقٍ. وفي بعض الأخبار أن طوله بريدان (1) - أربعة وعشرون ميلاً (2) - وأفضله أوّله(3) . ويليه في الفضل ما قرب منه الأقرب فالأقرب، وآخر الفضل في آخره وهو ذاتُ عِرقٍ.
وفي جعل المصنّف وغيره غَمْرَة بعد المَسْلَخ في الفضل لا يخلو من تجوز، ولعلها لطول الوادي بعد المَسْلَخ فلم يعتد بغيرها لنذور الإحرام منه لذلك. والرواية خالية من هذا التكلُّف؛ لأنه قال فيها: «أوّله المَسْلَخ، وأوسَطُهُ غَمْرَة، وآخِرُه ذاتُ عِرْقٍ»(4).
قوله: «وتُجَرَّدُ(5) الصِبيانُ من فخّ(6) إن حَجُّوا على طريق المدينة، وإلا فمن مواضع الإحرام».
الأقوى جواز تأخير إحرامهم أيضاً إليه لا لأنّ التجريد كناية عنه، بل لدلالة قول الصادق (علیه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمّار: «قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجُحْفَة أو إلى بطن مرّ(7) ، ثمّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم...»(8) إلى آخره؛ مضافاً إلى ما دل على تجريدهم. وكما يجوز تأخير إحرامهم إلى فخّ يجوز إلى مادونه ممّا بينه
ص: 244
وبين الميقات، وفي الرواية(1) إشارة إليه.
417/1 قوله: «ويُحتمل مساواة أقرب المواقيت».
وهو مرحلتان قاصدتان علماً أو ظنّاً، وهذا الاحتمال قوي.
قوله: «ومَن لا يُريد النُسُكَ».
المراد بمن لا يريد النسك لا يريد النسك من لا يجب الإحرام عليه من الميقات بمروره عليه وهو ذلك لا يريده، وذلك كالمتكرّر، ومن دخلها لقتال، ومن لم يكن قاصداً مكة عند مع مروره عليه ثُمّ تجدد له قصدها - وإلا فالواجب على من مرّ على الميقات مريداً مكة الإحرام لأحد النسكين وإن لم يكن مريداً له، ولا يجوز دخولها إلّا مُحرِماً بأحدهما عدا ما استثنى، فإن أخَّره حينئذٍ كان كالعامد وفي حكم من لا يريد النسك غير المكلَّف به كالصبي، والعبد، والكافر؛ إذا بلغ بعد مجاوَزَة الميقات، أو أعتق، أو أسلم.
قوله: «وناسي الإحرام إذا أكمل المناسكَ يُجزئه على رأي». قوي.
قوله: «ولو لم يتمكن من الإحرام لمرض وغيره أحرم عنه وليه».
يتحقق عدم التمكن منه بعروض ما يوجب ارتفاع قصده رأساً كالجنون والإغماء، وإلّا فلو قدر على نية الإحرام وإجراء التلبية على قلبه وجب عليه مباشرته؛ وإن لم يمكن لبس ثوبي الإحرام ونزع المخيط، إذ لادخل لذلك في حقيقته على الأقوى. وتظهر فائدة تولّي الوليّ عنه الإحرامَ حينئذٍ مع عدم وجوبه عليه فيما لو أدرك أحد الموقفين كاملاً فإنّ الحجّ يجزئه، كما سلف(2) ، وإن اتفق فواتُ الموقفين سقط عنه فرضه.
418/1 قوله: «ولو أحدث فإشكال...».
الأجود استحباب الإعادة.
ص: 245
قوله: «وأتُهما المعتَبَرُ ؟ إشكال. وتجب الكفّارة بالمتخلّل بينهما».
مقتضى جزمه بوجوب الكفّارة للمتخلّل بينهما أنّ المعتبر هو الأول، وهو لا يناسب إطلاق الإشكال في أيهما المعتبر وما قيل(1) : من الفائدة المرتبة على الأمرين فيما لو ظهر فَسادُ أحدهما، وفي عد الشهر إذا اعتبر من حين الإهلال، وفي جعلها عمرة التمتُّع إذا كان قد وقع الثاني في أشهر الحج دون الأوّل، مع القطع بوجوب الكفارة للمتخلل غير مستقيم والأقوى أنّ المعتبر الأوّل مطلقاً من حيث الإحكام، والثاني في الكمال خاصةً بمعنى أن تجديده مستحبُّ.
419/1 قوله: ولم يعيّن لا حجّاً ولا عمرةً، أو نواهما معاً فالأقرب البطلان، وإن كان في أشهر الحج».
نبه بذلك على خلافِ جماعةٍ من أصحابنا منهم ابن أبي عقيل (2)، وابن الجنيد (3). والجُعفى(4) ، حيث جوزوا نيتهما معاً، وجعلوه هو القران المقابل للإفراد مع سياق الهدي، واحتجوا عليه بصحيحة الحلبي عن الصادق (علیه السّلام) أنه قال: «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهَدي...»(5) .
وبما رواه العامة والخاصة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حج قارناً(6) ، وعلل عدم نقله إلى التمتُّع كغيره بأنه ساق الهَدْي، مع أنه لم يعتمر بعد حجه عمرة الإفراد المعتبرة في
ص: 246
القران بالمعنى المشهور وأنّ عليّاً (علیه السّلام) قال: «لبيك بحجة وعمرة معاً» (1).
وما يقال من أنّ المراد بالقران بينهما في الرواية الأولى أن يذكرهما في التلبية، بأن يقول: إن لم يكن حَجَّة فعمرة (2)، فأظهر من أن يحتاج إلى الجواب.
وكذا ما قيل: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحجّ كان متمتعاً(3)، فإنه كإنكار المتواتر.
وحجة المشهور قول أبي عبدالله(علیه السّلام) في صحيحة منصور بن حازم: «لا يكون القرآن إلا بسياقِ الهَدْي»(4) حيث نفى سببية غيره. وقوله : «إنّما نُسُك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد وليس بأفضل منه إلا بسياق الهَدْي...» (5)والمماثلة تقتضي اتحاد الأفعال.
وفيه منعُ الدّلالة على مطلوبهم؛ لما عرفت من أنّ مفسِّرَ القِرانِ بما سلف(6) يعتبر أيضاً سياق الهَدْي والأفعال مماثلة على التقديرين ويبقى مع الأوّل أنّ القرآن بالمعنى المشهور غير متحقق لزوماً؛ لأنّهم لا يعينون فيه الهَدْي، بل يخيرون بين عقد إحرامه به وبالتلبية، ويجعلون الآخر مستحبّاً بخلاف القران بالمعنى الذي اعتبره الأولون فإنّه متحقق على التقديرين. ولعله أوجه، وهو مذهب الجمهور أجمع (7).
قوله: «ولو نوى ولبس الثوبين من غير تلبية لم يلزمه كفّارة بفعل المحرَّم ...». إلى آخره.
يظهر من حكمه بعدم الكفّارة دون أن يقول بطل إحرامه، أنّ مقارنة التلبية لنيَّةِ
ص: 247
الإحرام غيرُ لازمة، وإنّما يتوقف عقد الإحرام عليها حيث وقعت. وهذا هو الذي تدلُّ عليه النصوص المتظافرة(1) ، بل في بعضها النهي عن التلبية بعد الإحرام بلا فصل وأنّ السنَّة تأخيرُ التلبية للراكب إلى أن يصل إلى البيداء، وللماشي إلى أن يخطو خطوات(2).
والذي صرّح به جماعة من المتأخرين (3) اعتبار المقارنة بينهما كتكبيرة الإحرام بالنسبة إلى نية الصلاة، وحملوا ما دلّ على التأخير عن نية الإحرام على ما يجهر به منها مع اعتبار مقارنتها للنية بغير جهرٍ، ولا ريب أنه أحوط إلّا أنّه لا دليل على تعيينه من النصوص.
قوله: «والأقرب جواز الحرير للنساء».
قوي على كَراهِيَة.
420/1 قوله: «والنقاب للمرأة».
التحريم أقوى.
قوله: «قبل مُضِيّ شهرٍ من إحرامه أو إحلاله على إشكال».
الأقوى اعتبار الإحلال.
ص: 248
421/1 قوله: «ولو أكمل عمرة التمتُّع المندوبة ففي وجوب الحج إشكال».
الأقوى وجوبه.
قوله: «وقيل(1) : إنّما الاعتبار بالقصد لا التلبية».
ضعيف.
قوله: «وفائدة الشرط جواز التحلُّل على رأي».
سيأتي إن شاء الله في أحكام الصد والحصر أنّ المصدود يتحلل حين الصدِّ بذَبْح هَدْيه وتوابعه، وأنّ المُحْصَر (2) يتحلَّل ببلوغ هَذيه محله كذلك، فجواز التحلل لهما في الجملة ثابت من غير اشتراط.
فقوله: وفائدة الشرط جواز التحلَّل» يفهم منه أنّه لا يجوز بدونه ولا قائل بذلك، وقد حمله ولده على أنّ المراد حينئذٍ جوازه أصالةً إذ بدون الاشتراط يكون رخصةً (3).
قال: «وتظهر الفائدة فيما لو نظر أن يتصدَّق كلَّما فعل رخصة بكذا»(4). ويمكن أن يريد ب«جواز التحلُّل جواز تعجيله للمُحْصَر كما صرح به المحقق (5)؛ لأنّ هذه الفائدة أظهر من تلك، والاحتياج إلى الإضمار متحقق على التقديرين، وليس إضمار جوازه أصالةً أولى من إضمار جوازه معجَّلاً، وحمله على المُحْصَر لازم؛ لأنّه هو الذي يحتاج إلى التعجيل.
وعلى كل حال فلا دليل على هذه الفائدة بالاشتراط، كما لا دليل على سقوط الهَدْي به، ولا عدم وجوب القضاء على المتمتّع لو فاته الوقوفان، وإن قال بكل واحدةٍ قائل. ولا يبعد أن تكون شرعيَّة الاشتراط تعبديَّة، ودعاءً خاصاً يترتب على فعله الثواب.
ص: 249
422/1 قوله: «ولو انتفى الاسمان فإن امتنع جنسه حَرُمَ، وإلا فلا».
المراد أنّه لحق بجنس ممتنع فيلزمه حكمه حيث يطلق اسمه عليه فيصير من جملة أفراده، وهذا يتم على تقدير كون الصيد هو الممتنع بالأصالة مطلقاً، كما عرفه به المصنّف (1). والظاهر من حاله وحال غيره (2) أنّهم لا يريدون ذلك مطلقاً، وأن التعريف غير سديد فإنّهم في أحكام الصيد وتفصيلها يخصون المحرم منه بالحيوان الممتنع بالأصالة المحلّل، ويضيفون إليه من المحرَّم الثعلب والأرنب والضَبَّ واليربوع والقُنْفُذ(3) . وهذا هو الحق؛ لأنّه مورد النص(4)، وما عداه من المحرمات يجوز قتلها عدا الأسد، ففيه خلاف مشهور(5) . وإذا تقرّر ذلك فلا يلزم من امتناع جنسه أن يحرم صَيْده؛ لما ذكرناه، بل لا بد من كونه على صورة المحلَّل أو تلك المحرمات، إلا أن يريد بالممتنع هنا ما يريد به في التعريف من نوع خاص وهو المحلَّل، وتلك الأصناف من المحرَّم. ويمكن على بُعْدِ أن يريد أن الممتنع مطلقاً محرَّم، وإن لم يجب في غيرها ذكر كفّارة؛ نظراً إلى صورة التعريف، إلّا أنّ القائل به صريحاً غير معلوم .
قوله « والأقرب جواز توكيل الجد المحرم مُحِلّاً وشَهادةً عليه».
الأقوى عدم الجواز ولانكتة في تخصيص الجد؛ إذ لا فرق بينه وبين غيره من الأولياء في ذلك. ونقل عن المصنِّف- حين سئل عن وجه التخصيص أنّه لا أنه لا يعلم الوجه فيه.
ص: 250
قوله: «وإقامةً على إشكال...».
قوي، ولا فرق بين إقامتها على محلّين أو محرمين أو التفريق.
قوله: «فإن كان المنكرُ المرأة فالأقرب وجوب المَهْر كَمَلاً ويلزمها توابعُ الزوجية».
قوي، ولا يخفي أنّ ذلك مع اليمين وعدم البينة.
قوله: «وبالعكس ليس لها المُطالَبَةُ مع عدم القبض ولا له المطالبة معه».
إن كان قبل الدخول، أما بعده فلها المطالبة بأقل الأمرين، من المسمّى ومهر المثل مع جعلها إن لم تكن قبضته، ومع علمها بالحال لاشيء لها ظاهراً إلا مع الإكراه فمهر المثل .
قوله: «الطيب مطلقاً على رأي». قوي.
قوله: «الاكتحال بالسواد - على رأى - وبما فيه طيب». قوي.
قوله: «النظرُ فى المِرآة على رأي». .قوي.
قوله: «إخراج الدم اختياراً - على رأي - وإن كان بحك الجلد أو السواك». قوي.
424/1 قوله « والأقرب اختصاص المنع بهذه الصيغة». قوي.
قوله: «وفي دفع دعوى الكاذبة إشكال».
الاقوى جوازه.
قوله: «ويجوز النقل لا الإلقاء إلّا القُرادَ والحَلَمَ».
ظاهره كغيره أنه لافرق في جواز النقل بين كونه إلى موضع مساوٍ للأوّل أو أدنى، ويجب تقييده بما لا يكون معرّضاً معه للسقوط.
قوله: «ولا يَشُقُهما لو اضطر على رأي».
الأقوى وجوب شقّهما حينئذ، وبدونه يكون كلبسهما اختياراً.
قوله: «الحنّاء للزينة على رأى».
فى الكراهة قوَّة.
ص: 251
425/1 قوله: «في الطواف... طهارة الحدَثِ والخبث عن الثوب والبدن».
أطلق اشتراط الطهارة من الخَبَث الشامل لما يقع عنه في الصلاة وغيره، بناءً على مذهبه من تحريم إدخال النجاسة إلى المسجد وإن لم تكن مُلَوِّتَةً فلا يصح الطواف بها لذلك، كما لا تصح الصلاة بها في المسجد عنده وإن جاز في غيره.
والأقوى جواز إدخال غير المُلوّثة فيستثنى منها هنا ما يعفى عنه في الصلاة منها.
قوله: «ولو عَلِم في الأثناء أزاله وتمَّم».
ضمير «أزاله» إن عاد إلى النجاسة - كما هو المناسب - كان على خلافِ القياس الفصيح وإن عاد إلى «الثوب» بمعني نزعه وجب تقييده بما إذا كان عليه ساتر غيره، ولم يحتج إلى فعل يستدعي قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط ولو قال: أزالها، كان أولى .
قوله: «إلى أن ينتهي إلى أوّل الحجر، فمنه يبتدئ الاحتساب إن جدَّدَ النية عنده للإتمام مع احتمال البطلان».
الأولى أن يراد بالنيَّة للإتمام النيَّة لتمام ،الطواف، وهو سبعة أشواط من حين النيَّة. ووجه الصحة حينئذٍ ظاهر؛ لتحقق الطواف الكامل المنوي، ووجه البطلان اشتماله على الزيادة السابقة، وضعفه ظاهر.
وأمّا جعل اللام تعليليّة، أي لأنه أتم الواجب - وهو النية المعتبرة - فيعيد وإن كان محتملاً .
426/1 قوله: «ولو كان يَمُسُّ الجِدارَ بيده في موازاة الشاذروان صح».
ص: 252
علَّله المصنِّف في التذكرة(1) بأنه يصدق حينئذٍ أنه طائف بالبيت . والأقوى عدم الصحة، وهو الذي اختاره في التذكرة ؛ لأنّ بعض بدنِه في البيت كما لو وضع رِجلَه، ويظهر منهم الاتفاق عليه (2).
427/1 قوله: «في مقام إبراهيم... فإن رُوحم صلّى وراءه أو في أحد جانبيه».
في هذه العبارة كغيرها تجوز فاحش فإنّ الواجب اختيار الصلاة خلفه أو إلى أحد جانبيه بحيث لا يتباعد عنه عرفاً، ومع الضرورة يجوز التباعد مع مراعاة الوراء وأحد الجانبين مع الإمكان، وبدونه يسقط.
428/1 قوله: من باب بني شَيْبَةَ بعد الوقوف عندها».
كان الأولى تذكير الضمير؛ لأنّ تأنيث الباب غير مسموع .
قوله: «والاقتصاد فيه بالسكينة على رأي».
قويّ مطلقاً.
قوله: «من تَرَك الطواف عمداً بطل حَجه، وناسياً يقضيه ولو بعد المناسك».
يتحقق تركه بخروج ذي الحجة قبل فعله، فلو لم يخرج أتى به وإن أخره عمداً، بل
ص: 253
نوى عدم فعله رأساً. وإن كان قوله: «وناسياً يقضيه ولو بعد المناسك» قد يدلُّ على تحققه بتأخره إلى بعد المناسك.
والمراد بقضاء الناسي الإتيان به؛ إذ لا يعتبر فيه الأداء ولا القضاء.
429/1 قوله: «وقيل: لا كفّارة إلا على من واقع بعد الذُكر»(1).
قوي وعليه تحمل الرواية (2)، جمعاً بينها وبين ما دلّ على عدم الكفّارة على الناسي فى غير الصيد.
430/1 قوله: «ولو نذر الطواف على أربع فالأقوى بطلان النذر».
قوي مطلقاً.
ص: 254
قوله: «بحيثُ يَجعل كَعبه ملاصقاً له».
إنما يجب ذلك حيث لا يَصْعَدُ على الصفا ولو بدرجة ولا يدخل المروة بحيث یتجاوز حدّها، وإلا لم يعتبر الإلصاق فيهما.
/431 قوله: «ثمّ ذَكَر النقص أتمه، وكفّر ببقرة على رواية وكذا لو قلَّم، أو قصَّ شَعرَه ».
الرواية هي عبدالله موثقة عبدالله بن مسكان عن أبي عبد الله ،(علیه السّلام)(1) ومستند القَلْم والقَصَّ رواية سعيد بن يسار عنه (علیه السّلام)(2).
وإنما نسب الحكم إلى الرواية المخالفة للأصول الشرعيّة - من وجوب الكفّارة على الناسي في غير الصيد، ووجوب البقرة بالجماع، مع أنّ الواجب به مع العمد به بدنة ولا شيء مع النسيان - وكان ينبغي نسبة حكم الآخرين إلى الرواية أيضاً؛ لأنّهما أشدّ مخالفة لها من السابق؛ لأنّ الواجب في تقليم الأظفار شاة مع التعمد، وكذا في حلق الشعر. وإثبات الحكم بهذه الروايات مشكل، لكنّه هو المشهور .
ص: 255
432/1 قوله: «و عمداً تصير حجَّتُه مفردةً على رأي، ويَبْطُل الثاني على رأي».
انقلابها حجّةً مفردةً هو المروي صحيحاً(1) وعليه العمل. والأقوى أنه لا يجزؤه عن فرضه؛ لأنّه عدول ،اختياري، وأن الجاهل بمنزلة العامد.
ص: 256
433/1 قوله: «وعلى الوجوب أو الندب لوجههما».
يمكن أن يريد بالواجب والندب هنا الوصف المميز ، كما هو المستعمل في نيَّة الصلاة من تمييزها بكونها فرضاً أو نفلاً؛ وبالوجه إيقاع الفعل لوجوبه أو ندبه فيكون علَّةً لا مميّزاً، وذلك إشارة إلى ما يقوله المتكلمون من أنّه ينبغي فعل الواجب لوجوبه والمندوب لنديه؛ وأن يريد «بوجههما» هو المعروفُ منه من اللطفِ والشكر والأمر ، أو يريد بهما السبب الموجب له من الإسلام والنذر والتبرُّع وغيرها. والاعتبار الأوّل والأخير بعيدان من حيث الاستعمال، والوسط بعيد من حيث الحكم؛ إذ لا يجب الجمع بين الأقرب.
والأقوى أن الجمع بينهما بالمعنى الأول غير واجب أيضاً، فإن أراد الأخير فاعتباره حَسنُ، وإن كانت العبارة لاتدلّ عليه.
434/1 قوله: «لا ناسياً على رأي». قوي.
قوله: «فيجبُ ما يجب على المُحْرِم من الكفّارة على إشكال».
الأقوى عدم وجوب الكفّارة؛ لعدم تحقق الإحرام الموجب لتحريم تلك الأشياء. وقد صرَّح المصنِّف(1) ، وغيره (2) بأنه لو أحرم ولم يلبّ، ثُمّ فعل ما يوجب الكفّارة على
ص: 257
المُحرِم فلاشيء عليه(1) ، فهنا أولى .
وأما الاستدلال على الوجوب بمثل قوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَج ) (2) من غير تقييد بالإحرام، إن سلم دلالته على النهي لم يدلّ على وجوب الكفّارة بها، وما دلَّ على وجوبها بهذه الأشياء من النصوص صريحة في المُحرِم (3).
قوله: «قيل: ويجدّد التلبية ليَعْقِدبها الإحرام»(4) . قوي.
435/1 قوله: «وحدها من بَطْنِ عُرَنَةَ وتَوِيَّةَ ونَمِرَة إلى ذي المجاز، فلا يجوز الوقوفُ بغيرها كالأراك ولا بهذه الحدود».
هذه المذكورات حدود لعرفة كالأراك (5) - لا يجوز الوقوف بها، فلا وجه لفصلها عن الأراك. وأيضاً فإنّ نَمِرَةَ هي بَطْنُ عُرَنَة، كما صرح به المصنف بعد ذلك بقليل(6) ، ورواه في التذكرة (7) عن الصادق (علیه السّلام) قال: واتَّقِ الأراكَ ونَمِرة - وهي بَطْنُ عُرَنَة - وثَوِيَّةَ وذي المجاز، فإنّه ليس من عرفة، فلا تقف فيه»(8). وحينئذٍ فلا وجه للجمع بينهما.
قوله: ويجوز عند الضرورة الوقوف على الجبل».
أي يجوز من غير كراهية، وإلا فسيأتى جوازه فيه على كراهيّة.
ص: 258
قوله: «وأن يُضرب خِباء بِنَمِرَةً وهي بطنُ عُرَنَةَ».
عند الوصول إليها قبل الزوال، فإذا قرب انتقل إلى عرفةً وجوباً.
قوله: «والوقوفُ في السَهْل».
المراد به ما يقابل الجبل، وهو السَفْح الذي تقدَّم استحباب الوقوف فيه؛ لأنّ «سَفْحَ الجبل: أسفله حيث يَسْفَح فيه الماء» ذكره الجوهري (1). ويمكن المغايرة بينهما حذراً من التكرار، بأن يراد بالسهل ما يقابل الحزن، فإنّ السَفْحَ قد يَشْتَمِلُ على الأمرين، فليكن الوقوف في السهل منه ليسهل الاجتماع والتضَامٌ (2) في ذلك المكان؛ لأنه أمر مندوب إليه.
436/1 قوله: «ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل».
ظاهره عدم جواز الارتفاع اختياراً، والأقوى جوازه، وأن ما أقبل من الجبال من جملة المشعر، كما صرح به غيره (3). ولعله يريد الجواز من غير كراهية، كما مرَّ.
437/1 قوله: «ويُستحبُّ الوقوفُ بعد أنْ يُصلّي الفجر ...».
المراد به هنا الوقوف للدعاء. أما الوقوف بمعنى الكون فيجب من طلوع الفجر ولا يصح تأخيره إلى بعد الصلاة. ومحلّ النيَّة عند تحقق الفجر.
قوله: «ولو أدرك الاضطرارِيَّين فالأقرب الصحة». قوي.
قوله: «ولو أدرك أحد الاضطراريين خاصَّةً بطل».
الأقوى الصحة مع إدراك اضطراري المشعر وحده.
ص: 259
قوله: «ويَتَحلَّلُ مَن فاته الحج بعمرة مفردة ثمّ يَقْضيه واجباً مع وجوبه كما فاته، وإلّا ندباً ...».
إما بأن ينقلب إحرامه إليها بنفسه كما صرح به المصنف سابقاً، أو بقلبه إليها بالنية كما هو الأولى. وعلى التقديرين لا يَتَحَلَّل بدونها وإن طال الزمان، فلو فعل قبل إكمالها فعلاً يوجب الكفارة على المحرم وجبت.
وتظهر فائدة القولين في فعل محظورات العمرة المفردة قبل السعي والحج قبل الوقوف، وعلى هذا فلو رجع إلى بلاده، ثُمَّ عاد لم يحتج إلى إحرام جديد من الميقات وإن بعد العهد، ووجب عليه إكمال العمرة أولاً، ثمّ ينتقل إلى غيرها من النُسُك الذي يريده، حتى لو كان فرضه التمتُّع وجب عليه الخروج إلى أحد المواقيت، فإن تعذر فمِن أدنى الحلّ، كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات.
وإنّما نبَّهنا على ذلك لكثرة البلوى به وخَفاءِ حكمه غالباً.
ص: 260
438/1 قوله: «بما يُسَمّى حَجَراً».
احترز بالحَجَر عن مثل المَدَرِ والخزف والجواهر ولكن يدخل فيه الحَجَر الكبير الذي لا يُسمّى حَصاة، والأقوى عدم إجزائه وهو فتواه في التذكرة (1): محتجاً بقول الصادق (علیه السّلام) «لاترم الجمار إلا بالحصى»(2).
440/1 قوله: «ولا يُجزى الواحد فى الواجب إلا عن واحدٍ ومع الضرورة الصّوْمُ على يُجْزِئُ رأي». قويّ.
قوله: «فإن وُجد وقت الذبح فالأقرب وجوبه...».
بل السقوط أقوى.
قوله: «صام الوليُّ عنه وجوباً العَشَرَةَ على رأي».
قوي مع تمكنه من فعلها قبل الموت، وإلا وجب قضاء ماتَمكَّنَ خاصَّةً.
441/1 قوله: «وقِسْمَتُه أثلاثاً بين الأكل والهَدْي والصَدَقَة، والأقوى وجوب الأكل».
الأقوى وجوب الثلاثة، وأنه يكفي في الأكل مسمّاه، ولا ينقص كل واحد من الآخرين عن الثلث.
ص: 261
442/1 قوله: «ولو ضلَّ الهَدْيُ فَذَبَحه غير صاحبه لم يُجْزِئُ عنه».
الأقوى الإجزاء، ويسقط اعتبار الأكل هنا إذا لم يمكن استدراكه.
قوله: «ولا يَخْرج هَدْيُ القِرآن عن ملك سائقه وله إبداله والتصرف فيه وإن أشعره أو قلَّده، لكن متى ساقه فلابد من نَحْره ...».
الذي دلّ عليه صحيح الحلبي عن الصادق (علیه السّلام)يعتبر نخره مع إشعاره(1) ، والعمل به متعيّن، وهو يدل على عدم جواز إبْداله والتصرُّف فيه بما يَخْرُجُهُ عن المِلْك، ولكن ذلك لا يقتضي خروجه عن مِلْكِهِ؛ لعدم التنافي بين ملكه وتعيين ذبحه. وتظهر الفائدة في جواز التصرُّف فيه بما لا ينافيه، كركوبه، وشُرب لَبَنِه.
وإذا عرفت ذلك فالعبارة قد تدلُّ على خلاف ذلك إن جَعَل قوله: «وَإِنْ أَشْعَرَهُ» غاية لقوله: «وله إبداله» إلى آخره. ومع ذلك ينافيه قوله: ولكن متى ساقَهُ فلابُدَّ من نَحْرِه». ويمكن تنزيلها على ما يوافق الحكم المطلوب، ودفع التناقض عن ظاهرها بأن يراد بالهَدْي الذي لا يخرج عن مِلْك سائقه المترتب عليه جواز إبداله والتصرف فيه، هو الهَدْيِ المُعَدِّ للسياق من غير أن يتعيَّن له بالإشعار أو التقليد مجازاً باعتبار ما يؤول إليه. ويجعل قوله: «وإن أشعره أو قلده» وضليّاً لقوله: «لا يَخْرُجُ عن مِلْكِهِ» وما بينهما معترض.
والمراد بالإشعار والتقليدِ ما هو المعروف منهما: المعقود بهما الإحرام، أو المكمَّل بهما.
والمراد بسياقه في قوله: «لكن متى ساقَهُ فلا بُدَّ من نَحْرِه» تعيينه للسياق بالإشعارِ أو التقليد المتقدّم، وهو في قوَّة قوله: «لكن متى أشْعَرَهُ أو قلده فلابُدَّ من نَحْرِه» وإن
ص: 262
بقي على ملكه؛ لما ذكرناه. وكيف كان فالعبارة معقدة، والمعتبر في حكمها ما أسلفناه.
قوله: «ولا يتعيَّن هَدْيُ السياق للصدقة إلا بالنذر».
مقتضى العبارة لكثير أنّ الواجب في هَذي السياق هو الذبح أو النحر خاصَّةً، فإذا فَعَلَ ذلك صنع به ماشاء إن لم يكن منذور الصدقة. والأقوى أنه يجب فيه ما يجب في هدي التمتّع من الأكل والإهداء والصدقة حيث لا يكون مضموناً.
قوله: «ولوهلك لم يجب بدله».
بغير تفريط، وإلّا ضمنه ووجب إقامة بدله.
قوله: «فيستحبُّ الصدقة بثمنه أو شراء بدله».
إن لم يكن مضموناً كالكفّارات، وإلا وجب إقامه بدله.
قوله: «ولو أقام بدلَه ثم وجده ذَبَحه، ولا يجب ذَبْحُ الأخير ...».
مقتضى ذلك وجوب إقامة البدل. ويفهم من قوله: «ذَبَحَه ولا يجب ذَبَحُ الأخير» أنه لو لم يجده وجب، وهو ينافي بإطلاقه لما تقدَّم من عدم وجوب إقامة بدله لو هلك، إلّا أن يفرّق بين الهلاك والضياع في الحكم، أو يخص الضياع بما وقع بتفريط.
443/1 قوله: «ويُستحبُّ أنْ يأكل من هَدْي السياق ويُهدي تُلْتَه ويتصدق بثلثه...».
الأقوى وجوب الأكل وأخويه (1) منه حيث يكون مُتَبَرِّعاً به.
قوله: «فإن اختلفت أثمانها تصدق بثلث الأعلى والأوسط والأدون».
إن كانت القيم المختلفة ثلاثة، ولو كانت اثنتين تصدق بنصفهما، أو أربعاً فبربعها وهكذا.
قوله: «وزمانه يوم النحر وأيام التشريق».
إن كان الحصر عن الحج، ولو كان عن العمرة فزمانه ما وافق زمان وصوله كيف اتفق
ص: 263
قوله: «وزمانها وقت حصول سببها».
أي أوّل زمانها ذلك، ولا توقيت له في جانب الآخر وإن وجبت المبادرة بها.
قوله: «ففناء الكعبة بالْحَزْوَرَةِ؛ وزمانه كهدي التمتع».
بل مكانه مكّة أين اتَّفق، وأمّا الحَزْوَرَة فعلى تقدير تعينها في نفسها لا يمكن الذبح فيها الآنَ غالباً.
قوله: «ومن نذر نَحْرَ بَدَنَةٍ وَعيَّن مكاناً تعيَّن وإلّا نَحْرها بمكّةَ».
هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ومستنده رواية إسحاق الصائغ عن أبي الحسن (علیه السّلام) (1).
وحال الراوي غير معلوم، ولا إشكال لوجعلها هَدْياً. وفي التذكرة (2) احتج بالرواية على تَعَيُّن نذر الهَدْي المطلق بمكَّةَ.
قوله «خصوصاً لِلْمُلَبِّد (3) والضرورَةِ، ولا يتعيَّن عليهما على رأي» قوي.
قوله: «و يَحْرُم الحَلْق وفى إجزائه نظر».
الأقوى عدم الإجزاء؛ للنهى (4).
قوله: «ويُمِرُّ مَنْ لا شَعْرَ على رأسه المُوسى عليه».
الأقوى الاستحباب مع إمكان التقصير من غيره وإلا وجب، وعلى التقديرين يُجْزِئُ مسماه كالأصل.
ص: 264
445/1 قوله: «إلّا الطيب والنساء والصَيدَ على إشكال».
الإشكال في الصيد والأقوى بقاء تحريمه مادام مُحرِماً عن شيء.
قوله: «فإذا طاف للحج حلّ له الطيب».
والأقوى توقفه على السعى أيضاً.
قوله : «ويَحرُمُ على المرأة الرجلُ لو تَرَكَتُه على إشكال».
الأقوى التحريم.
قوله: «وهل يُشترط مُغايَرَتُه لما يأتي به من طواف النساء في إحرامٍ آخَرَ؟ إشكال».
الأقوى اشتراط المغايرة.
قوله: «و يَحْرُم على المميّز النساء بعد بلوغه لو تركه على إشكال».
في التحريم قوة.
قوله: «فإنْ أَخَره أثِمَ وأجزأ».
الأقوى جواز تأخيره طول ذي الحِجَّة كقسيميه.
ص: 265
447/1 قوله: «ولو ذكر فى أثناء اللاحقة أكمل السابقة أوّلاً وجوباً، ثمّ أكمل اللاحقة مطلقاً».
إن كان رمى على السابقة أربعاً وإلا استأنفهما مرتباً على الأقوى؛ وكذا لو رمي الأخيرة دونَ الأربع ثُمّ قطعه.
قوله: «فلو أغمي عليه لم ينعزل نائبه لأنه زيادة في العجز».
هذا جواب عن سؤال يرد على الحكم بعدم انعزاله من حيث إنّ الاستنابة في معنى الوكالة، وهي تبطل بالإغماء كنظائرها من العقود الجائزة، فلم تبطل هنا كذلك.
وأجاب(1) بأنّ العلة المسوَّغة للاستنابة هنا إنّما هي العجز عن الرمي، والإغماءُ يقوّي هذه العلة؛ لأنّه زيادة في العجز، فلا ينبغي أن يبطل به.
ونمنع أنّ الاستنابة به هنا وكالة وإن كانت بمعناها، ومن ثمّ يقع من غير إذنه، كما لو أُغمي عليه قبلها وخيف فوات وقته، فإنّ الولي يتولاه عنه، فإن تعذر فبعض المؤمنين، وقد رواه رفاعة عن الصادق (علیه السّلام) (2).
448/1 قوله: «ويُستحبُّ الإقامة بمنى أيام التشريق».
ص: 266
في حاشية الشهيد (رحمه الله) :
له تفسیران :
أ : استيعاب الثلاثة حتّى ينفر في الأخير، وإن كان مقام اليومين واجباً [ والثالث مع غروب الشمس؛ تسميةً للشيء ببعض أجزائه، فعلى هذا يكون المقام في بياض النهار واجباً].
ب أنّ المراد ب«الأيام» نفس النهار؛ لأنّ المعلوم وهو وجوب الليل... (1)إلى آخره.
قلت: التفسيران فاسدان .
أمّا الأوّل: فلأنّ حمله على استيعاب الثلاثة، وأنّ مقام اليومين واجباً غير واقع، فإنّ المقام في اليومين لم يقل أحد بوجوبه، وفي تفسير الثاني دلالة عليه، وإنما الواجب من المقام مقدار زمان الرمي وما يتوقّف عليه.
وأمّا الثاني: فلأنّ الإقامة بمنئ مستحبّة فيما لا يجب من الليل أيضاً وهو ما بعد الانتصاف، ولا يصح إطلاق الوجوب على مقام الليل والأولى أن يجعل الاستحباب راجعاً إلى المجموع من حيث هو مجموع، وهو لا ينافي وجوب بعضه، ويراد به مايعمُ الليل والنهار، وإطلاق الاستحباب بهذا المعنى حقيقة لا مجاز، ولو أُريد بها النهار كان المراد ما ذكرناه أيضاً؛ لأنّ مجموع الأيام من حيث هو مجموع مستحبّ وإن كان زمن الرمي منه واجباً. ويمكن بناؤه على حذف المضاف أي الإقامة بقيّة أيام التشريق والمراد بها القدر الزائد على الواجب، وهو مجاز شائع.
قوله: «وإلّا أعاد على ما بعدها بعد الإكمال».
«إلّا» هنا هي المركبة، أي وإن لا يكن كذلك: إما بأن كان عامداً في النقص، أو كان الرمي على الأوليين دون الأربع، أعاد على ما بعدها. والظاهر عود الضمير إلى الأولى
ص: 267
المدلول عليها بالأوليين تضمناً، أي أعاد على ما بعد الأولى بعد إكمالها، بناءً على أنّ رميها لا يبطل وإن نقص عن أربع كالأخيرة لو رماها ناقصة مطلقاً.
والأقوى وجوب استئناف الأولى لو كان رميها دون الأربع مطلقاً، ويبطل ما بعدها مطلقاً، ومع التعمّد يستأنف مطلقاً.
449/1 قوله: «وزيارة فاطمة (علیها السّلام) في الروضة، وبيتها، والبقيع».
الصحيح والمروي أنّها مدفونة في بيتها(1) ، والقول بدفنها في الروضة (2) باطل، وفي البقيع (3) بعيد جداً.
قوله: «كمسجد الأحزاب، والفتح».
في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (علیه السّلام) : «إنّ مسجد الأحزاب هو مسجد الفتح» .(4) وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه يوم الأحزاب واستجيب له، وفتح الله بقتل عَمْرو وانهزم الأحزاب.
وبهذا صرَّح المصنف رحمه الله في المنتهى(5) ، والتحرير(6)، وفي التذكرة (7) ما يقتضي كونهما متغايرين، فقال: «ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح».
ويمكن تنزيل عبارة المصنّف هنا على الصحيح بجعل الفتح معطوفاً على الأحزاب، وكلاهما مضافان إلى المسجد الواحد؛ لأنّ العطف تفسيري، كما قال بعضهم؛ إذ الأحزاب ليس هو الفتح.
450/1 قوله: «ورَفْعُ بِناءِ فوق الكعبة على رأي». قويّ.
ص: 268
قوله: «ومنع الحاج دُورَ مكَّةَ على رأي». قوي.
قوله: «وصَيدُ ما بين الحرَّتين...»(1) .
التحريم ،أقوى، ولا كفارة له سوى الاستغفار.
قوله: «والأيام المعلوماتُ عَشْرُ ذي الحِجَّة، والمعدوداتُ أيَّامُ التشريق».
هذا هو المروي في صحيحة منصور بن حازم(2) ، ومحمد بن مسلم(3) عن أبي عبدالله (علیه السّلام)، ورواه العامة في صحاحهم عن ابن عباس (رضي الله عنه)(4) ؛ ولأنّه المناسب للأمر بالذكر الذي هو التكبير المعلوم فإنّه مختص بتلك الأيام، حتى قال جماعة من العلماء(5) بوجوبه فيها؛ عملاً بمقتضي الأمر.
وفي الدروس (6) أنه المروي في الصحيح عن علي (علیه السّلام)(7)، وعكس المصنف في التذكرة فقال: «الأيام المعدودات عشر ذي الحجة، والمعلومات أيام التشريق»(8) واحتج له بماروي(9) في الصحيح عن علي الدال على ذلك، والأظهرُ الأوّلُ.
ص: 269
451/1 قوله: «ولو استطاع لحج الإفراد دون عمرته فالأقربُ وجوبه خاصةً».
قوي وكذا العكس.
قوله: «بعد انقضاء الحجّ، إن شاء بعد أيام التشريق أو في استقبال المحرَّم».
قد تقدم أن العمرة مطلقاً واجبة على الفور كالحج، وهو يتمُّ في عمرة التمتُّع؛ لأنّها متقدمة على الحج، ولا يصح تأخيرها عن عام الاستطاعة، فتتحقق الفورية.
أمّا عمرة الإفراد فتأخيرُها إلى استقبال المُحَرَّم - مع الحكم بتمام الحج أيام التشريق - قد ينافي الفورية بالمعنى المتبادر منها، وهو فعل الشيء في أوّل أوقات إمكانه.
ويمكن الجواب بأنّ الحجّ وإن كان يتمُّ في أيام التشريق غالباً إلا أن شهر ذي الحِجّة بتمامه من أشهر الحج الثلاثة على الصحيح.
ويمكن وقوع كثير من أفعال الحج و أركانه فيه بعد أيام التشريق، كالطوافين والسعي؛ لما تقدَّم من جواز تأخيرها للقارن والمفرد طول ذي الحجة مطلقاً على ما
ص: 270
اخترناه فكانَ تأخير العمرة إلى أن يُتِمَّ أشهر الحج غير مناف للفورية بها.
أو يقال: إنّ هذا القدر من التأخير غير منافٍ لها عرفاً، ويجري ذلك مجری تأخير السفر إلى الحج الفوري لو تعدّدت القوافل مع علم الإدراك عادةً.
قوله: «ولو كانت عمرة الإسلام أو النذر ففي النقل إشكال».
الأقوى عدم الجواز.
452/1 قوله: «واختلف في الزمان بين العمرتين...».
الأقوى عدم التحديد بينهما مطلقاً.
ص: 271
453/1 قوله: «وهل يكفي هَدْي السياق عن هَدْي التحلّل؟ الأقوى ذلك مع ندبه...».
المراد بالمندوب هنا ما لم يتعيَّن ذَبحه؛ لكونه لم يُشعره ولم يُقلّده ولا وجد منه ما اقتضى وجوب ذبحه، بل ساقه بنيّة أنّه هَدْي. وحينئذ فالاكتفاء به واضح؛ لأنه كباقي أمواله بخلاف ما يجب عليه ذَبحه أو نَحْره بأحد الأسباب.
ويمكن أن يريد بالمندوب ما لم يكن متعيّناً للذبح بغير السوق، احترازاً عن المنذور والكفّارة إذا ساقه، فإنّه يتحقق به المعنى كما سلف، ولكنّه واجب بغيره بخلاف ما تبرع بسياقه، فإنه وإن وجب ذبحه بالسياق إلّا أنّه في أصله مندوب كما مرّ. وإنما كان هذا محتملاً؛ نظراً إلى أصله، وبناءً على أنّ مالا يُشعر ولا يقلّد لا يطلق عليه هَدْي السياق إلّا مجازاً. وكيف كان فالفتوى على الأوّل خاصةً.
قوله: «ولا بدل له على إشكال».
هذا هو الأصحَ. وقيل: إنّ له بدلاً وهو صَوْم ثمانية عشر(1) وقيل عشرة كهدي التمتّع (2)، ولم يثبت.
قوله: «فيبقى على إحرامه مع عَجْزه عنه وعن ثمنه».
الأوّل أن يراد بالعجز عنه العجز عن عينه بأن لا يكون مملوكاً له، وبالعجز عن ثمنه أن لا يكون قادراً على شرائه مع وجوده عند غيره، وحينئذ فلو اقتصر على قوله: «مع
ص: 272
عجزه عنه كفى لشموله للأمرين.
أمّا القدرة على ثمنه مع العجز عن تحصيله مطلقاً فلا أثر لها، ولا مدخل للثمن هنا بصدقة ولا غيرها.
454/1 قوله: «أو يعلم القوات على إشكال».
الأقوى اعتبار العلم العادي دون الظنّ مطلقاً.
قوله: «ثُمّ يَقضي في القابِل واجباً مع وجوبه وإلّا ندباً».
أي مع وجوبه مستقراً قبل عامه، فلو وجب في عامه سقط أيضاً؛ لتبين عدم الاستطاعة التي هي شرط الوجوب. والمراد بالمندوب المُتَبَرَّعُ به ابتداءً، وإن وجب بالشروع فلا يجب قضاؤه بطريق أولى.
قوله: «ويجوز التحلّل من غير هذي مع الاشتراط على رأي».
بل يجب الهَدْئ مطلقاً.
قوله: «ولو كان غير مستحق أو عجز عن المستحق تحلَّل».
الأقوى وجوب دفع غير المستحق مع الإمكان مطلقاً.
قوله: «لو صُدَّ عن مكةَ بعد الموقفين، فإن لحق الطواف والسعي للحج في ذي الحِجَّة صح حجه وإلا وجب عليه العَوْدُ من قابل لأداء باقي المناسكِ، ولو لم يُدرِك سوى الموقفين فإشكال...».
المراد أنه أدرك بعد الموقفين شيئاً من الأفعال بقرينة قوله بعد ذلك: «ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال». وينبغي أن يراد بالشيء من الأفعال بعد الموقفين أفعالُ منى بأسرها؛ ليتحقق التحلُّل الأوّل معها ليتحقق لها أثر فى الجملة. وبقرينة قوله: «فإن لحق الطواف ..... إلى آخره. فإنّه يُشعر بكونه لم يبق عليه غير الطواف وما بعده، وإن كان قوله: «ولو لم يدرك سوى الموقفين» يدلّ على إدراك ماهو أعم من المحلّل في الأول.
قوله: «ولو لم يُدْرِك سوى الموقفين فإشكال».
فإن قلنا : الأُولى حَجَّةُ الإسلام لم تكف الواحدة، إنما لا تكفي الواحدة لوقلنا: إنّ
ص: 273
الأُولى حَجَّةُ الإسلام بتقدير كونها مستقرة؛ ليجب فعلها بعد التحلّل بالصيد وإن لم يفسدها. فإذا أفسدها وجب الإتيان بحجّة الإسلام وحجّة الإفساد.
أما لو كانت غير مستقرة بأن وجبت ذلك العام كفاه الواحدة وهي حجة الإفساد. ووجه الإشكال في الاكتفاء بواحدة لو قلنا: إنّ الأولى عقوبة الشكّ في كون حجّة العقوبة إذا تحلَّل منها يجب قضاؤها أم لا من حيث إنّها واجبة قد صدّ عنها، وكلّ حجّة واجبة صدّ عنها يجب قضاؤها، كما مرّ. ومن أنّ الصدّ والتحلّل مسقطان لها والقضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت فيها هاهنا، ووجوب العقوبة قد زال. وكلية الكبرى في الأوّل ممنوعة.
والأقوى الاكتفاء بالواحدة على هذا التقدير وهي حجة الإسلام.
455/1 قوله: «فإن انكشف العدو والوقت باق وجب القضاء - وهو حج يُقضى لِسَنَتِهِ - على إشكال...».
الإشكال هنا مبني على الخلاف السابق، فإن جعلنا حَجَّةَ الإسلام وكانت مستقرّة لم يكن حجّاً يُقضى لِسَنَتِه؛ لأن الواقع بعد التحلّل في السنة الأُولى حَجَّةُ الإسلام وتبقى حِجَّةُ العقوبة في ذِمَّته. وإن جعلناها عقوبةً وقلنا: إنّ العقوبة تقضى، فكذلك؛ لوجوب قضائها بعد حِجَّةِ الإسلام.
وإن قلنا: يسقط بالتحلّل كان المأتيُّ به حَجَّةَ الإسلام وكان حجّاً يُقضى لِسَنَتِه، بمعنى أنه لا يجب عليه حج آخر غيره.
هذا هو الظاهر من العبارة، وهو الذي فهمه الشهيد (رحمه الله) منها أيضاً(1) . ولولد المصنف (رحمه الله) تفسير آخر(2) ، وهو أنّ المراد بما يُقضى لِسَنَتِه» فِعله ثانياً في تلك السنة وإن وجب عليه بعده آخر.
فإذا قلنا: إن الأولى حَجَّةُ الإسلام - وتمكّن من فعلها ثانياً - فهو حَج يُقضى لِسَنَتِهِ؛
ص: 274
لأنّ هذا الحَجَّ المأتيَّ به قضاءً عن تلك الفاسدة .
وإن قلنا: إن الأولى عقوبة فهذه حَجَّةُ الإسلام؛ لوجوب تقديمها على قضاء العقوبة، فلا تكون قضاء للفاسدة ولا تكون حجّاً يُقضى لِسَنَتِه.
وإن قلنا: إنّ العقوبة تقضى؛ لأنّ قضاءَها يكون بعد فعل حجّة الإسلام، وهذا التوجيه محتمل أيضاً وإن كان الأوّل أجود.
قوله: «ولو طلب مالاً لم يجب بذله ولو تمكَّن منه على إشكال».
الأقوى الوجوب مع التمكن مطلقاً.
456/1 قوله: «ولو عَلِم القوات بعد البَعْث وزوال العذر قبل التقصير، ففي وجوب لقاء مكَّةَ للتحلُّل بالعمرة إشكال».
في الوجوب قُوَّة.
قوله: «ولو تحلّل القارن أتى فى القابل بالواجب».
الأقوى أنّ القضاء يساوي الأداء، فإن كان معيّناً بنوع فعله، وإن كان مخيّراً تخيَّرَ.
ص: 275
457/1 قوله: «وروي(1) فى الأسد إذا لم يُرِدُه كَبْشُ».
الاستحباب أقوى.
قوله: «وفي المُحرم إشكال».
الأقوى الجواز كالمحلل (2).
قوله: «ويُكفِّر في قتل الزنبور عمداً بكفّ من طعامٍ وشبه...».
المروي في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (علیه السّلام) أن فيه مع التعمد شيئاً من الطعام(3) . وعليه العمل، وحينئذٍ فلا يختص بالكفّ ولا يتعدّى إلى شبهه لعدم الدليل عليه .
قوله: «وفضَّ ثمنها على البُرّ».
الأقوى الاجتزاء بمطلق الطعام.
قوله: «وأطعم لكلِّ مسكين نصف صاع».
هذا هو الأفضل، والأقوى الاكتفاء بمُةٍ لكلِّ مسكين، وحكمه في عدم الزيادة على الستين وعدم وجوب الإكمال كالمُدَّين.
ص: 276
458/1 قوله : والأقربُ الصَوْمُ عن الستين وإن نَقَصَ البدل ...».
الأقوى الاجتزاء بما قابل القيمة وإنْ نَقَصَ عن الستين نعم، لو فضل من التقويم ما لأيبلغ المد أو المدين فالأقوى وجوب يوم في مقابله وإن قل.
قوله: «وفي وجوب الأكثر لو أمكن إشكال».
الأقوى عدم الوجوب.
قوله: «ولو عجز بعد صيام شهر فأقوى الاحتمالات وجوبُ تِسْعَةٍ، ثمّ ما قَدر ثُمّ السقوط».
لو قيل بوجوب ثمانية عشر هنا كما تقدّم (1)في الصَوْم - كان حسناً، وإلا فالوجه السقوط. أما غيرهما فضعيف.
قوله: (وفي فَرْخ النعامة صغير من الإبل على رأي».
الأقوى أن فيه كما في الكبير (2).
قوله: «وفي الثَعْلَب والأرنب شاةٌ ...».
المروي أنّ فيهما شاة (3) من غير تعرّض لباقي أبدال الضبي، وهذا هو الأقوى.
ولكنّ الرواية العامة(4) : «إنّ مَن عَجَزَ من الشاة يطعم عَشَرَةَ مَساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام» ثم يصير الحكم إلى أبدال الظَّبي، ولعله مأخذ القول الآخر.
وإنّما يظهر الفرق بين القولين فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عَشَرَةَ مساكين، فعلى الإلحاق يُقتصر على القيمة وعلى الرواية يجب إطعام العشرة.
وأما وجوب إطعام كلّ مسكين مُداً أو مدين فمشترك بين القولين.
ص: 277
قوله: «والأبدال على الترتيب على رأي».
في كونها على التخيير قوة، وموضع الخلاف الثلاثة الأول من الثلاثة.
أما صَوْمِ الثمانية عشر والتسعة والثلاثة فلا خلاف في أنّها مرتبة على العجز عمّا قبلها.
459/1 قوله: «في كَسْر كلّ بَيْضة من القطاة والقبج والدراج من صغار الغَنَم، وقيل: مَخاصُ من الغَنَم...»(1).
المروي صحيحاً أنّ «في بَيْضِ القطاة بكارة من الغَنَم»(2). وعليه العمل والقول بالمخاض مستند إلى رواية مقطوعة (3).
وأما وجوب الصغير من الغَنَم فلا مستند له ،بخصوصه، والبكارة مغايرة له؛ لأنّها جمع لبكر أو بَكْرَة، وهو الفَتيُّ (4).
وظاهر أن الصغير قد يكون فتيّاً وقد لا يكون، كما أنّ الفَتِي قد يكون صغيراً وقد لا يكون، فبينهما عموم من وجه فلا يصح استناده إليه. وفيما اخترناه أيضاً من البكارة فائدة أُخرى، وهو أنه سيأتي (5) أنّ في قتل القطاة نفسها حملاً فطيماً، وهويناسب 1 كفّارة البيض المخصوص، ولا يعدّ في التسوية بينهما ومثله إيجاب صغير الغَنَم كما اختاره المصنّف - بخلاف ما إذا أوجبنا فيه مخاضاً، فإنّه يلزم زيادة كفارة البيض عن كفّارة بائضه، وهو بعيد جداً.
وأمّا إلحاق بَيْض القبج والدرّاج، فهو المشهور بين الأصحاب (6) والأخبار خالية عنه.
ص: 278
ولو قيل (1) بإلحاقه بالحمام؛ لأنه صنف منه، كان أجود.
قوله: «فإن عَجَزَ فكبَيْض النعام. قيل : معناه يجب عن كلِّ بَيْضةٍ شاة» (2).
القول بإلحاقه ببيض النعام للشيخ (رحمه الله )(3)، وتبعه عليه المصنّف وجماعة (4)، ولا شاهد له وقد اختلف في تنزيله (5). والقول الذي ذكره فيه لابن إدريس(6) ، وزاد أنه إن عَجَزَ عن الشاة أطعم عَشَرَةَ مَساكِينَ، فإن عَجَزَ صام ثلاثة أيامٍ كما في نظائره .
وإنما نسبه المصنِّف إلى القيل مع أنّ مقتضى إلحاقه ببيض النعام ذلك استبعاد أن ينتقل من العجز عن الإرسال إلى الشاة، مع أنه أضعف حالاً منها حيث إنّه أخفٌ مؤونةً وأقل قيمةً منه، وغايته أن ينتج صغيراً، فإذا لم تجب الشاة صغيراً، فإذا لم تجب الشاة مع القدرة على الإرسال كيف تجب مع العجز عنه؟! ومن ثَمّ قيل: إنّ المراد به أنّه ثَمّ قيل: إنّ المراد به أنّه يجب مع العجز عنه إطعام عَشَرَة مَساكِينَ، فإن عَجَزَ صامَ ثلاثة أيَّامٍ(7) ، وهذا حسن على تقدير ثبوتِ أصل الحكم.
قوله: «وهذه الخمسة تشترك فى أنّ لها بدلاً على الخصوص وأمثالاً من النّعم».
المراد بالمثل عندنا ما نصَّ(8) الشارع على كونه مثلاً سواء وافق الصيد في الصورة -كالبدنة في النعامة والبقرة في الوحشيّة والشاة في الظَّبي - أم لا، ككفارة البيض المذكور والشاة في الحمام. ولو اقتصر في الممائلة على الثلاثة الأول، وأُريد بها
ص: 279
الممائلة الصورية التفاتاً إلى إطلاق قوله تعالى: (فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )(1) كان أولى؛ إذ لا دليل يدلّ على تسمية غير الثلاثة أمثالاً حتّى يتكلّف لها ما هو خلاف الظاهر.
قال الشهيد (رحمه الله) في حاشيته :
فيه: لا يتعيَّن المثل جزاءً من النعم؛ لأنّ المثل مشترك بين المثل صورة وبين المثل معنىً وهو القيمة، وقد أُريد المعنوي في العصفور والحمامة، ولا يراد المثل صورة في غيره، وإلا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه.
وجوابه- مع قطع النظر عن نص(2) المعصوم - منعُ الاشتراك، بل هو حقيقة في المثل صورة في المجاز. وإنّما حمل على المعنوي؛ لتعذر الحقيقة... إلى آخره.
قلت: الأولى في الجواب - مع قطع النظر عن النص - منعُ كل واحد من الاشتراك والمجاز فإنّ استفادة المثل إنّما هي من الآية الدالة على وجوب الجزاء بمثل ما قتل من النعم، إذ لا نصّ على نفس المثل في غيرها عندهم والآية ليست دالة على حكم قتل مالامثل له من النَعَم حقيقةً عملاً بظاهر الآية، فإنّ العصفور ونحوه ليس داخلاً في مدلول الآية؛ إذ لا مثل له من النعم، وإنما هو مدلول دليل آخر.
وحينئذ فلا اشتراك بين الصوري والمعنوي ولا بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد. وأما مثل بَيْض النعام ونحوه فخارج من رأس ولا دلالة للآية عليه بوجه؛ إذ لا يتحقق معنى القبل فيه، وإنّما حكمه مستند إلى الأثر.
قوله: «في كلّ واحد من العُصْفُور ، والقُبَّرَةِ والصَعْوَة مُدُّ من طعام».
يريد بالعُصْفُور هنا نوعاً خاصاً من العُصْفُور بالمعنى الأعم، ويكون من باب عطف
ص: 280
الخاص على العام، كقوله تعالى: (فِيهِمَا فَكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ )(1) .
وفي رواية (2) ذكر الثلاثة إلا أنه أخَّر العُصْفُور، فكأنه عطف العام على الخاص، وهو شائع أيضاً. وعلى كل حال فجميع أفراد العُصْفُور بالمعنى الأعم حكمه ذلك.
460/1 قوله: «فَنَقص عُشرُ قيمته احتمل وجوبُ عُشْرِ الشاة لوجوبها في الجميع وهو يقتضي التقسيط وعشر ثمنها، والأقرب إن وجد المُشارك في الذبح فالعَينُ وإلّا القيمة».
الأقوى أنّ الأرش جزء من الفداء حيث يعتبر ومن القيمة حيث تعتبر، فيجب مما اعتبر منه مطلقاً حيث يمكن.
وقوله: «إن وجد المُشارك».
يشمل ما لو كان مشاركاً في باقي المجموع وفي بعضه. والظاهر أن مراده الأول وإن كانت العبارة شاملة.
461/1 قوله: «ولو أزمِن صَيْداً وأبطل امتناعه احتمل كمالُ الجَزاء - لأنه كالهالك - والأرش...».
الأقوى الأرش حيث تكون له قيمة وإن قلت أو أمكن حياته، وإلا فالجزاء.
قوله: «وقيل في البَطة والاوَزَّة والكُرْكِي شاة» (3).
نسبه إلى قيل؛ لعدم دليل عليه بخصوصه. نعم في صحيحة ابن سنان عن الصادق (علیه السّلام) وجوب الشاة بذبح الطير مطلقاً (4)، فيشمل المتنازع إلا أنه لا قائل بمدلولها مطلقاً. وتخصيص المذكورات تحكّم.
ص: 281
قوله: «لو فقد العاجز عن البَدَنَة البُرَّ دون قيمته فأقوى الاحتمالات التعديل عند ثقة، ثُمّ شراء غيره».
الأقوى الانتقال إلى الصَوْم حيث يفقد الطعام مطلقاً ولا يتقيد بالبر.
462/1 قوله: «فإن أكله تضاعف الفداء والأقرب أنّه يَفْدي القتيل ويَضْمَن قيمة المأكول».
التضاعف أقوى، ويتحقق الأكل بمسماه.
قوله: «ولو ضَرَبَ بطَيْر على الأرض فمات فعليه دم وقيمتان: إحداهما للحرم والأخرى لاستصغاره ».
هذا الحكم ذكره الشيخ (رحمه الله )(1) و تبعه عليه المصنّف وجماعة (2)، ومستنده على هذا الوجه غير معلوم والذي رواه معاوية بن عمّار عن الصادق (علیه السّلام) : «أنّ عليه ثلاث قيمات قيمة لإحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره إياه»(3).
وأفتى بمضمونها المحقق في النافع (4). والحكم على القولين على إطلاقه مشكل؛ لأنّ من الطير ما يوجب الفِدْيَة كالنعامة بدون الضرب، فكيف ينتقل إلى القيمة أو إلى الدم؟ ومنه ما يوجب كفّاً من طعامٍ على تقدير أخذه عاماً بحسب اللغة كالعصفور، فالانتقال منه إلى الدم كذلك مشكل. ويمكن السلامة من مثل ذلك بحَمْلِ الطير على المعروف منه عرفاً وهو الحمامة ومافوقها، ويبقى الأول. والحكم مختص بمالو كان في الحرم -كما يظهر من التفصيل - فلو كان في الحلّ لم يتعدد وإن قصد الاستصغار.
ويُشترط موتُ الطير بالضرب، فلو ضَرَبه، ثُمّ قَتَله بغيره لم يثبت المذكور و إن أعانه
ص: 282
الضرب، بل يرجع إلى القواعد المستمرة. والأقوى عدم تعدي الحكم إلى غيره من الحيوانات وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، وأنّه لافرق بين قصد الاستصغار بالصيد والحرم وعدم القصد أصلاً.
قوله: «ولو شَرِب لبنَ ظَبْيَةٍ في الحَرَم فعليه دم وقيمةُ اللبن، وينسحب في غيرها».
مورد النص حلب الطبية، ثُمّ شُرْبُ لبنها(1) ، وقد فرضه المصنف وغيره (2) في شُرْب اللبن فقط.
وفيه مع خروجه عن القواعد الشرعيّة نظر، وكذا في تعدّيه إلى غيرها فإنّه قياس في الحكم المخالف للأصل. ولو قيل بقصره على مورده كان حسناً (3).
قوله: «أو جعل فى رأسه ما يَقتُل القُمَّلَ مُحِلّاً فقتله محرماً لم يَضْمَن».
إن لم يتمكن من إزالته حالة الإحرام، وإلا فالأقوى الضمان.
قوله: «وفي كسر قرْنَي الغزال نصفُ قيمته، وفي كلّ واحدٍ الرُبع؛ وفي عينيه القيمة؛ وفي كسر كل يد أو كلِّ رِجل نصفُ القيمة».
الأقوى الأرش في الجميع.
463/1 قوله: ولو كان عنده مَيْتة فإن تمكّن من الفداء أكل الصَّيْدَ وفَداه، وإلّا الميتة».
الأقوى أنّه يأكل من الصيد مطلقاً، ثمّ إن تمكّن من الفداء وجب، وإلا انتقل إلى الأبدال.
قوله: «ضمن أرشه، وقيل(4) رُبعَ القِيمة». ضعيفٌ.
ص: 283
قوله: «فلو وقع الصَيْد في شَبَكة فخلَّصه فعاب أو تَلِف، أو خلَّص صَيْداً من فَمِ هِرَّة أو سَبُعٍ ليُداويه فمات في يده ضمن على إشكال».
في الضمان نظر؛ لأنه محسن (و مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ) (1).
قوله: «ولو نفّر الحمام فعاد فدم شاةٍ، وإن لم يعد فعن كلّ حمامة شاة، ولو عاد البعضُ فعنه شاةٌ، وعن غيره لكلِّ حَمامة شاة».
هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ولا سند له في الأخبار. قال الشيخ في التهذيب: «ذكره علي بن بابويه في رسالته، ولم أجد به حديثاً مسنداً»(2). وفي إثبات مثل هذه الأحكام بمجرّد الشهرة إشكال بين، ومع ذلك فينافي بإطلاقه القواعد المستقرّة من وجوب الفداء على المُحْرِم في الحِلِّ، والقيمة على المُحِلِّ في الحَرَم، والأمرين على المُحْرِم في الحَرَم.
والمقارب لذلك أن يحمل الحكم على ما لو نفّرها المُحْرِم في الحِلِّ تنزيلاً للتنفير منزلة الإتلاف حيث لا يعود، ويتفرع عليه الحكمان الآخران بالقيمة والجمع، ولكن يشكل ذلك مع العود فينبغي أن يقال بوجوب الشاة على الجميع؛ عملاً بالإطلاق مع عدم حصول التلف.
والأقوى عدم التعدّي إلى تنفير غير الحمام- لو قلنا به فيه - وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده (3).
قوله « والأقرب أنّه لاشيء في الواحدة مع الرجوع».
قوي -لو قلنا بالسابق (4) - لئلا يتساوى حالة العود وعدمه؛ ولأنّ مورد الحكم الحمام
ص: 284
وهو جمع إن لم نجعله اسم جنس بحيث يشمل الواحدة.
464/1 قوله: «ولو أمسك المُحِلُّ الأُمَّ فى الحرم فمات الولد في الحِل ففي ضمانه نظر ...».
في الضمان قوّة.
قوله: «وقيل: يضمن بنفس الإغلاق، ويُحْمَل على جَهْل الحال كالرمي»(1) .
هذا القول على إطلاقه ضعيف، وحمله على جهل الحال بعيد؛ لأنّ الأقوال لا تحمل وإنّما تحمل النصوص (2) للجمع أو غيره.
قوله: «وكذا الصيدُ على إشكال».
المراد أنّه حلّه للتخليص الواجب فقتل بعد تخليصه صيداً، ففي ضمانه حينئذٍ نظر من السببية والإحسان، وقد تقدم (3) مثله.
قوله: «ولو كان في ملكه أو مَواتٍ لم يَضْمَن».
ولو حفر في ملكه في الحرم فالأقرب الضمان. وفي الفرق بين الحرم وغيره - حيث لا يكون متعدّياً ولا قاصداً للصيد بالفعل - نظر ؛ لأنّ السببية متحققة في الجميع، وعدم القصد مشترك، فإن اعتبرت السببية وحدها كما يظهر من نظائره - حتى مع الإحسان كما لو هلك بعد التخليص بسببه أو به لزم الضمان في الجميع، وإلا انتفي في الجميع. وحرمة الحرم لا شبهة فيها لكنّها لا تصلح لتأسيس الحكم والفرق بين السببين بمجردها.
465/1 قوله: «ولا يَدْخُلِ الصَيْدُ في مِلكِ المُحْرِم إلى قوله - وشبهه».
الإحرام بالنسبة إلى الصيد غير الثاني من موانع الإرث، وحينئذ فينتقل ملكه إلى غيره من الورثة وإن كان أبعد منه في الدرجة وينتقل ما عداه إلى المخرم وإن لم
ص: 285
يشاركه الآخر. ولو فرض الوارث متعدداً فأحلّ قبل قسمة التركة بينه وبينهم، ففي مشاركته لهم فيه ،نظر من أنّ ذلك قاعدة مانع الإرث إذا زال ،قبلها، ومن أنّه حكم مخالف للأصل فيقتصر فيه على مورده من الإسلام والعتق وقطع في التذكرة (1) بالأول.
قوله: «وإذا أحلّ دخل الموروث في ملكه».
هذا إنّما يتمّ مع تعدّد الوارث وكان إحلاله قبل القسمة أو مع عدمه .
والحكم بكونه للإمام قبل نقله إلى بيت المال على أحد القولين، وإلّا أشكل الحكم بدخوله مطلقاً، وحملها على دخول ما يتجدّد بعد ذلك بعيد.
وعلى تقدير دخوله في ملكه، هل يحكم به من حين الإحلال أو يكون كاشفاً عنه من حين الموت؟ وجهان كما لوزال مانع الإرث بالإسلام والعتق قبل القسمة.
وتظهر الفائدة في تبعية النماء للأصل وعدمه.
قوله: «فإن تعذر فإشكال أقربه الإرسال والضمان».
وجه القُرب أنّ فيه جمعاً بين حق الله تعالى بالإرسال وحق الآدمي بالضمان ويشكل بأنّ التضمين حق عليه فيستلزم تقديم حق الله تعالى، خصوصاً إذا لم يحصل فيه تفريط في دفعه إلى من يسوغ دفعه إليه قبل الإحرام ولا إشكال في الضمان لو فرّط في دفعه. وعلى تقدير ردّه إلى المالك بعد الإحرام لا يسقط عنه الجزاء إلّا أن يرسله المالك، وإنما يفيد سقوط القيمة.
466/1 قوله: «فإن أصابه ودخل الحرم ومات فيه ضَمِنه على إشكال».
الأقوى عدم الضمان.
467/1 :قوله: «باليد الجانية وبغيرها إشكال».
الأقوى عدم الإجزاء بغيرها.
قوله: «وفي تحريم صَيْد حَمام الحَرَم فى الحِلِّ على المُحِلّ نظر».
الأقوى التحريم .
ص: 286
قوله: «حتى يبلغ بَدَنَةٌ فلا يَتضاعف حينئذ».
المراد بلوغ نفس البَدَنة أو قيمتها والقول بعدم التضاعف حينئذ هو المشهور بين الأصحاب والرواية (1) به مرسلة، ومن ثمّ منع ابن إدريس وأوجب التضاعف مطلقاً (2). والنصوص الدالة على التضاعف (3) مطلقة حتى يوجد مقيّد صالح.
قوله: «وفِداءُ المَملوكِ لِصاحِبه وإن زاد على القيمة على إشكال».
المراد بالفداء ما يلزم المُحْرِم بسبب الجناية على الصّيدِ من مال أو صَوم أو إرسال وهو شامل أيضاً لما زاد عن قيمة المملوك ونقص، ولما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصَيْدِ مع المباشر، ولمّا كان للمالك فيه نفع وغيره كالإرسال إذا لم يبح، والصوم، ولما يجتمع فيه الجزء، أو القيمة، كما لو وقع من المُحْرِم في الحرم، ومقتضاه أنّه لا يجب الفداء لله تعالى سوى ما يجب للمالك، وهو بإطلاقه منافٍ للقواعد المستقرة المقتضية لضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان. وكما تقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من المطلوب، قد تقتضي ضمان ما هو أن أقلّ، لكنّ المصنف قد قطع بضمان النقص واستشكل ضمان الزائد، وارتكاب هذه الأمور المخالفة للأصل المتَّفق عليه ليس عليه دليل صالح.
والأقوى ما اختاره المصنف فى التذكرة (4)، والتحرير(5) ، وفيما سبق من أن فداء المملوك لله تعالى، وعليه القيمة للمالك؛ لأنّه قد اجتمع في الصَيْدِ المذكور حقان لله تعالى باعتبار الإحرام أو الحَرَمِ، وللآدمي باعتبار الملك، والأصل عدم التداخل، فحينئذٍ ينزَّل الجاني منزلة الغاصب في كلّ موضع يلزمه الضمان كميّةً وكيفيّةً،
ص: 287
ويجب عليه ما نص الشارع عليه (1) هنا لله تعالى. ولو كان دالاً ونحوه ضمن الفداء لله تعالى خاصةً.
قوله: «ويتضاعف ما لا دم فيه كالعُصْفُور بتضعيف القيمة».
لأنّ العصفور لا يجب فيه القيمة فلا يتضاعف؛ لأنَّ له مقداراً فتجب مع فديته القيمة. والأولى تمثيله بما لا نصَّ فيه؛ لأنّ موجبه القيمة فيتضاعف.
468/1 قوله: «ولو استمنى بيده من غير جماع فالأقرب البدنة خاصة ...».
المراد بالاستمناء استدعاء المنيّ بالعَبَث أو بيده أو بملاعبة زوجته أو غيرها، وقيده المصنّف بكونه بيده والخبر (2) مطلق. والفرق بينه وبين الاستمتاع بغير الجماع تجرّد الاستمتاع عن قصد الاستمناء بخلافه.
واقتصر المصنف على إيجاب البَدَنَة به من دون إفساد الأصل، وضعف متمسك القائل بالإفساد، فإنّه رواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم (علیه السّلام)(3) وهي من الموثق، والمصنّف لا ينكر العمل به غالباً، ولعلّ ما قربه أجود.
469/1 قوله: «ولو أكرهها لم يفسد حجها، وعليه بدنةٌ أُخرى عنها».
عدم الوجوب أقوى؛ اقتصاراً بالتحمّل على موضع النص، وهو ما لو كان محرماً؛ ولأنه مباح حينئذٍ بالنسبة إليه فلا تتعقبه الكفّارة. نعم، لو طاوعته حرم عليها معاً لإعانته حينئذٍ على المُحَرَّم بخلاف الإكراه وعلى التقديرين لا تحمل .
قوله: «ولو كان الغلام مُحْرِماً وطاوع، ففي إلحاق الأحكام به إشكال.
ص: 288
من عدم النص وأصالة العدم، ومن كونه أفحش من النصوص فيتناوله مفهوم الموافقة.
والحقُّ أنّ الكفّارة لا تدخل بذلك؛ لأنّها تتخلّف في الذنب العظيم كثيراً كتكرار الصَيْد متعمّداً وغيره والأصل فيه أنّها مسقطة للذنب أو مخفّفة غالباً، فلا يلزم من ثبوت ذلك في الأضعف ثبوته في الأقوى.
وأمّا الإفساد فيثبت بمفهوم الموافقة؛ لأنّه عقوبة محضة. ويمكن حينئذٍ أن تلزمه الكفّارة؛ لأنّه لا يتخلَّف عنها أصلاً بخلاف العكس.
قوله: «أو المتمتّع بها على إشكال قبل السعي عامداً عالماً بالتحريم بطلت عمرته ووجب إكمالها وقضاؤها وبَدَنَةٌ».
الإشكال في فَساد الحجّ بعدها من حيث انفكاكه عنها، ومن دخوله فيها وكونهما كالنسك الواحد والأقوى سَريان الفساد إليه.
470/1 قوله: «ولو نَظَر إلى غير أهله فأمنى، فَبَدَنةٌ إن كان مُوسِراً ...».
ينبغي تقييد هذه المسائل كلّها بعدم قصد الإمناء وعدم اعتياده عند ذلك الفعل، وإلّا كان بمنزلة المستمني في الجميع.
قوله: «وكذا لو كان العاقدُ مُحِلّاً على رأي».
هذا هو المشهور، ومستنده رواية سماعة في الموثق عن أبي عبدالله (علیه السّلام) (1)، وحكم المصنّف (2) بمضمونها اختيار للعمل به، وقد تقدَّم في مسألة الاستمناء عدمه(3) . وكثيراً ما يتّفق للمصنف اختلاف الرأي فيه، ولعلّ الموجب له النظر إلى قوة الشهرة الجابرة وضعفها. والأقوى عدم الوجوب على المُحِلّ وإن أثم. ويمكن حمل الرواية على الاستحباب.
ص: 289
471/1 قوله: «وبالفواكه كالأترج والتفاح، وبالرياحين كالورد».
الأقوى تحريمُهما على المُحرم وإلحاقهما بالطيب، ويستثنى من الرياحين الخُزَامَى، والإذخر، والشيح والقيصوم.
قوله: «وفي اليد الزائدة أو الناقصة إضبع...».
الأقوى أنّ الناقصة كغيرها ، والمشهور أن الزائدة كالأصلية.
472/1 قوله: «وفي قلع الشجرةِ الكبيرة في الحَرَمِ بقرة وإن كان مُحِلّاً، وفي الصغيرة شاة، وفى أبعاضها قيمة...».
هذا هو المشهور، والمستند (1) ضعيف. وعلى تقديره فيستثنى منه شجر الفواكه، وما أخذ من الحِل وأنبت في الحرم واليابس؛ ومن الأبعاض عود المحالة، والغصن اليابس، وما بحكمه من المنكسر قوله: «وفي قلع الضرس شاة».
هذا هو المشهور، ومستنده(2) ضعيف، ولا بد من تقييده بعدم الضرورة، وإلا فلاشيء ولا يُلحق السن به على الأقوى.
473/1 قوله: «والتحريم في المخيط متعلّق باللبس، فلو توشّح به فلا كفارة على إشكال».
الأجود تحريمه والكفّارة كاللُبْسِ.
ص: 290
المقصد الأوّل في من يجب عليه
المقصد الثاني في من يجب قتاله
المقصد الثالث في كيفية القتال
المقصد الرابع في ترك القتال
المقصد الخامس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ص: 291
ص: 292
477/1 قوله: «وهو واجب في كلِّ سَنَةٍ مرَّة، إلا لضرورة ...».
استثناء الضرورة متناول للزيادة على المرّة، كما إذا اقتضت المصلحة ذلك، أو خيف من العدوّ. ولو اقتصر على المرّة القوّة، أو الهجوم على المسلمين والنقصان، كما إذا كان بالمسلمين ضعف عن القيام به مطلقاً وعلى تقدير انتفاء الأمرين فالأولى تقييد الوجوب بما يراه الإمام صلاحاً سواء زاد في العام عن المرّة أم لا؛ لضعف الدليل الدالّ على الاقتصار عليها، فإنّ الأمر في قوله تعالى: (فَإِذَا أَنسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ )(1) الموجب لقتالهم كلّما انسلخت. وأقله مرةً كما احتج به في التذكرة (2) لا يقتضيها خاصةً سواء جعلنا الأمر للمرة أم التكرار.
478/1 قوله: «وكذا المُوسِر قبل الأجل».
سواء حلّ الأجل قبل عوده عادةً أم لا، وسواء كان له ببلده ما يوفّى به الدين أم لا، على الأقوى.
قوله: «وفي الجَدَّين نظر».
الأقوى أنهما كالأبوين.
ص: 293
قوله: «وإنّما يَتَعيَّنُ بتعيين الإمام أو النائب لمصلحة، أو لعجز القائمين عن الدفع بدونه؛ أو بالنذر و شبهه؛ أو بالخَوْفِ على نفسه مطلقاً...».
لما كان فرض الكفاية لا يجب عيناً على جميع المكلّفين به، بل هو كلّي بالنسبة إلى الأشخاص، ويسقط بقيام مَنْ فيه الكفاية، وقد يصير بمنزلة العيني على بعض الأشخاص بسبب خارجي، نبه على ذلك بقوله: «وإنّما يَتَعيَّنُ...» إلى آخره. وذلك في :مواضع:
أ: أن يعين الإمام بعضهم بخصوصه فَيَتَعَيَّنُ، سواء ظهر لتعيينه مصلحة أم لا، وإن كان حال الإمام يقتضي أن لا يعيّن إلا لمصلحة، وفي حكمه نائبه.
ب: عجز القائمين عن القيام به، فيجب على كل من علم ذلك مساعدتهم وإن لم يأمره الإمام؛ لأنّ ذلك مقتضى فرض الكفاية.
ج: أن يلزمه بالنذر وشبهه حيث ينعقد النذر وإن لم يأمره الإمام كذلك.
إذا تقرر ذلك فالعبارة قاصرة عن بيان هذه الأقسام ظاهراً ونظمها غير جيّد؛ لأنّ الظاهر كون عجز القائمين معطوفاً على قوله: «المصلحة» فيدخل في حيّز تعيين الإمام، ويصير بياناً لوجه جه تعيين الإمام بأحد الأمرين إما المصلحة، أو عجز القائمين، مع أنّ تعيينه حينئذٍ غير شرط.
وأيضاً فعجز القائمين من جملة المصلحة، فعطفه عليها عطف للخاص على العام. ولو قال: أو بعجز القائمين بالباء بدل اللام ليصير معطوفاً على تعيين «الإمام» ومغايراً له كان حسناً.
وأما قوله: «أو بالنذر» فإنّه معطوف على قوله: «بتعيين الإمام» وهو جَيِّدٌ.
479/1 قوله: «ولو تجدّد العذر الذي هو العمى والزَمَن والمرضُ والفقر - بعد الشروع في القتال لم يسقط - على إشكال - فإن عجز سقط».
احترز بوصف العذر بما ذكر عن العذر الخارجي كرجوع الأبوين في الإذن، والمدين حيث يتوقف على إذنه ونحو ذلك، فإنّه لا يسقط الوجوب بغير إشكال. والمراد
ص: 294
بالعذر في الأوّل ما تحصل معه مشقة لاتحتمل عادةً، بحيث لو كانت ابتداءً لم يجب الشروع فيه وإن بقيت القدرة عليه في الجملة؛ ليصح استدراك قوله: «فإن عجز سقط».
قوله: «ويجوز في الحرم».
لقوله تعالى: (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ)(1) . وقال بعض العلماء: إنه كان محرَّماً (2)؛ بقوله تعالى: (وَلَا تُقَتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (3) إلى آخره. فنسخ بهذه الآية ونحوها.
وفيه نظر؛ لأنّ النسخ على خلاف الأصل، ومُنبته يحتاج إلى دليل، وما ذكره لا يدل عليه، بل هو من باب تعارض العام والخاص، وحكمه أن يخصص العام بذلك الفرد، ويجري حكمه في غيره، كما إذا قال: أكرم العلماء ولا تكرم زيداً، فإنه يكون كالمستثنى؛ لأنه يكون ناسخاً للعام. يُؤيده ورود الحكمين في آية واحدة (4)، فإنّ صدرها يَضْمَنُ قتل المشركين حيث وجدوا وعَجُرُها(5) يَضْمَنُ النهي عن قتلهم عند المسجد الحرام حيث لا يقاتلون فيه.
ومن العجب قول بعضهم: إن صدر الآية ناسخ لعَجُزها(6)، فإنّ الناسخ شرطه أن يكون متأخراً عن المنسوخ، والأمر هنا بخلاف ذلك، إلا أن يدعي نزول الآية الواحدة فى وقتين وأنّ أوّلها نزل بعد آخرها.
والمصنّف (رحمه الله) في التذكرة (7) حكم بتحريم القتال في الحرم، وأنكر النسخ
ص: 295
ونسبه إلى بعض (1) العامة، ونسب إلى أصحابنا بقاء الحكم وثبوته فيمن يرى له حرمة، وكذا القول فى الأشهر الحُرُم بتقريب الدليل من الجانبين، وهذا أجود، ويؤيده أيضاً قول النبي : «إنّ الله حَرَّم مكة فلم تحلّ لأحد قبل ولا تحلّ لأحد بعدي، وإنّما أُحِلَّت لي ساعةً من نهار... »(2). وفي حديث آخر «... فلا يحل لامرئ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ، أن يَسْفِك بها دماً، فإنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولَم يَأذَنْ لَكُمْ. وإنّما أذِنَ لي ساعةً من نهارٍ وَقَد عَادَتْ حُرمَتُها اليَومَ كَحُرمَتِها بِالأمْسِ وَلْيُبَلِّغ الشاهِدُ الغَائِبَ» (3).
ص: 296
480/1 قوله: «وهم ثلاثة الحربي وهو غيرُ اليهود والنصارى والمجوس من سائر أصناف الكفّار ...».
مقتضى التقسيم أنّ أهل الكتاب لا يطلق عليهم اسم الحربي، وإن لم يلتزموا بشرائط الذِمَّة، بل وإن قاتلوا المسلمين، وإن كانوا حينئذٍ أهل الحرب. وبعضهم أطلق اسم الحربي على من يجوز قتاله من الكفّار وإن كانوا أهل كتاب، وهو أوفق باسم أهل الحرب، أي أنهم أهل أن يحارَبوا .
481/1 قوله: «ترك إصابتها باسم نكاح، وكذا الصبيان من المسلمين».
بأن يدعي نكاحهم بمعنى العقد أو الوطء وإن لم يكن صحيحاً، وبهذا يفرق بينه وبين الزنى المتقدم.
483/1 قوله: «ما يخالف لونه لون غيره ».
أي من ثياب المسلمين ومنه العمامة. والغرض منه التمييز عن المسلم؛ ليجتنب، أولئلا يكرم أو ليهان.
ص: 297
487/11 قوله: «ويجوز استئجار المسلم للجهاد من الإمام وغيره...».
بشرط أن لا يكون الجهاد واجباً على الأجير بأن لا يعينه الإمام ولا يحتاج إليه في فرض الكفاية وإلا لم يصح كغيره من الواجبات وكذا يشترط في المستأجر غير الإمام أن لا يتعيَّن عليه الجهاد وإلا لم يَجُز له استئجار غيره بحيث ينوب عنه، أما بدونها فيصح مطلقاً.
قوله: «ولو عيّن شخصاً لدفن الميت وغسله فلا أُجرة له وإن كان للميت تركة أو في بيت المال اتساع».
وكذا لو لم يعين مع وجوبه عليه. ولعله أراد هنا بالأُجرة الارتزاق من بيت المال لكنّ ذكر تركة الميت ينافيه.
ص: 298
489/1 قوله: «ويُقضى الدين من ماله المغنوم إن سبق الاغتنام الرقُ على إشكال وقدّم حق الدين على الغنيمة وإن زال ملكه بالرقّ كما يُقضى دين المرتد - ولو استُرقَ بعد الاغتنام تُبع بالدين بعد العتق وقدّم حقُ الغنيمة في ماله...».
قد اختلفت عبارة الكتاب في المسألة لفظاً وحكماً، وبسببه حصل اختلاف الشارحين (1) في تقريرها وتصويبها.
والذي استقر عليه أمره وهو الموجود في النسخ المعتبرة «إن سبق الاغتنام الرق على أن يكون الاغتنام» مفعولاً مقدماً و «الرق» فاعلاً. وبهذا يظهر وجه الحكم؛ لأنه مع سبق الرقّ على اغتنام المال تنزل الاسترقاق منزلة الموت، فينتقل حق الدين إلى التَرِكَة وهي باقية على ملكه حين ،الاغتنام كبقاء التَرِكَة على ملك الميت حينه، فسبق تعلّق حق الديّان على حق الغانمين المتعقب للاسترقاق، ويؤيده قوله: «ويقدّم حق الدين على الغنيمة وإن زال ملكه بالرق». وقوله بعد ذلك: «ولو استرق بعد الاغتنام» فانّه قسيم لقوله: «إن سبق الاغتنام الرق تصريح بكون «الرق» فاعلاً وأنه المتقدّم.
والذي شرح عليه السيد عميد الدين من النسخ في الأوّل كون «الاغتنام» هو الفاعل وهو السابق، وأن قسيمه بعد ذلك، ولو استرق قبل الاغتنام بيع بالدين(2) .
وقوله: «قبل الاغتنام يوجب جعل الفاعل في السابق وهو الاغتنام ليكون السابق في قسيمه الاسترقاق. ولكن الحكم على هذه النسخ غير جيّد؛ لأنّ اغتنام المال
ص: 299
إذا سبق الاسترقاق زال ملك الحربي عنه قبل أن يُسْتَرقَ ويسقط حق الدين عنه، كما لو نقله المديون عن ملكه حينئذٍ باختياره فلا يتوجّه تقدیم حق الدين في هذه الصورة دون السابقة.
نعم، يمكن القول بتساويهما في الحكم.
وعلى كل حال فالمختار ما تضمنته النُسَخ المشهورة من الحكم والفرق.
490/1 قوله: «ولو سُبيت امرأة وولدها الصغيرُ، كُره التفريق بينهما».
لأقوى تحريم التفرقة قبل الحولين مطلقاً، وقبل سبع سنين إن كان الولد أُنثى، كالبيع وغيره.
قوله: «ولو عجز الأسيرُ عن المشي لم يجب قتله؛ للجهل بحكم الإمام فيه فإِنْ قَتَلَهَ مُسلِمٌ فَهَدَر ...».
المراد بالأسير هاهنا المأخوذ والحرب قائمة لا بعد انقضائها؛ لأنّ القتل عن الثاني مرتفع. والتعليل يشعر بذلك، للعلم بأنّ الإمام لا يحكم بقتل هذا النوع. وأما الأول فإنّه لا يعلم ما حكم الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل الذي يقتله به وأيضاً فقتله إلى الإمام فلا يجوز لغيره. وكان حق العبارة نفي الجواز لانفي الوجوب؛ لما عرفته.
ويمكن أن يكون نفي الوجوب على أصله؛ لاحتمال أن يقال: يجب قتله؛ لأنّه متعيّن عليه، فلا يجوز للمسلم أن يتركه وينصرف؛ لما فيه من الإخلال بالواجب وتقوية الكفّار؛ ولأنه يؤدّي إلى جعل ذلك وسيلة إلى التخلّص بالحيلة.
والأقوى عدم جواز قتله، لما بيناه؛ ولقول زين العابدين(علیه السّلام): «إذا أخَذْتَ أسيراً فَعَجَزَ عن المشي، ولم يكن معك مَحْمِلُ، فأرسله ولا تقتله، فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه »(1).
ص: 300
والنهي للتحريم، والأمر يستلزم النهي عن ضده.
قوله: «لأصالتها السالمة عن معارضة يقين النجاسة».
في هذا الدليل نظر بيّن؛ للاتفاق على نَجاسته قبل السبي بمقتضى التبعية؛ فيُستصحب النجاسة ويحكم حينئذٍ بأصالتها بهذا المعنى لسلامتها عن تعيين الطهارة إلى أن يثبت الناقل؛ ولأنه متولّد عن النجسين ومتفرع عنهما، وانفراده عنهما ليس من المطهرات المعدودة، ويؤيده حديث «كلّ مولود يولد على الفطرة وإنّما أبواه يُهوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه»(1) ، فإنّه يقتضي الحكم عليه بذلك بعد الولادة فيستصحب.
وبهذا يندفع الاستدلال به على الطهارة، بل على الإسلام من حيث الحكم بالكفر ماداما معه، فإذا انقطع عنهما زال.
بل يقال: إذا حكم به وهما معه استصحب إلى أن يثبت المزيل مع أنّ الخبر متروك الظاهر؛ لاستلزامه أن لا يكون أحد مرتدّاً عن ملةٍ. ومن ثُمَّ حمله المرتضى (رضي الله عنه على أنّ المراد أنّ كلّ مولود يولد ليكون على الفطرة (2) إلا أن يكون أبواه كافرين. وكيف كان فالدلالة منتفية (3).
قوله: «فإن ادّعى استعجاله بالدواء ففي القبول إشكال».
في القبول قوَّة؛ لقيام الشبهة الدارئة للقتل، وأصالة بقاء الصغر مع الاحتمال.
ص: 301
494/1 قوله: «وكلّ مَنْ أحيا أرضاً مَيِّتة لم يسبقه غيره إليها فهو أولى...».
الأقوى أنّ الأرض المَيِّتَة المسبوق موتها بملك محترم - وإن كانت قد انتقلت إلى ذلك المالك بشراء ونحوه لا تخرج عن ملكه بالموت، ولا يجوز لأحدٍ إحياؤها بغير إذنه مطلقاً. وإن كان ملكه لها بالإحياء زال ملكه عنها بموتها، وصار المحيي لها بعد ذلك أحق بها منه مطلقاً.
495,494/1 قوله: «الغانم» هل يملك حصته من الغنيمة بمجرَّد الاغتنام... هل تملك الغنيمة بالاستيلاء أو القسمة؟ ...».
الخلاف في الموضعين واحد. وقد كان الأولى الاقتصار على أحدهما وتحرير الخلاف والأظهر أنّها تملك بالاغتنام، وأنه لا يصح الإعراض مطلقاً.
496/1 قوله: تجب البَدْأَةُ بالمشروط كالجَعائل والسَلَب(1) والرَضْخ» (2)-إلى قوله : «ثمّ الخُمس».
الأقوى تقديم الخمس على الرضخ دون السلب والجعائل؛ لأنّ الرضخ نوع من قسمة الغنيمة؛ غايته أنه ناقص عن السهام (3) ، وهو غير مانع كما لا يمنع نقصان سهم
ص: 302
الراجل عن سهم الفارس؛ ولإطلاق اسم الغنيمة على الجميع بخلاف الآخرين فإنّهما يستحقان بجعل الإمام لهما مع الفعل، فيقدمان على الخمس.
497/1 قوله: «وفي الإسهام للحطم إلى قوله: نظر».
الأجود الإسهام للجميع.
قوله: «والاعتبار بكونه فارساً عند الحيازة ...».
قد اختلفت نسخ الكتاب هنا، وبسببها حصل الاختلاف في الحكم. ففي بعضها: عند الحيازة إلى القسمة، وفي بعضها: لا القسمة وفي ثالثة: أو القسمة، وفي رابعة عدم ذلك كله. والتفريع ينافي ذلك كله، ويدلّ على أن الاعتبار بكونه فارساً عند القسمة
خاصةً، وهذا هو الأقوى.
وفي حواشي الشهيد (رحمه الله) :
أنّ النسخة التي فيها إلى القسمة» أدخل في تطبيق الكلام، ومعناه، أي وقت وجدت واستمرت إلى القسمة(1) .
وفيه نظر، بل الظاهر من معناها حينئذٍ أنّ المعتبر كونه فارساً عند الحيازة مستمراً إلى القسمة، فلو اختل بينهما ولو لحظة لم يعتبر فرسه وإنما كان ظاهرها ذلك؛ لأنّه اعتبرها عند الحيازة وجعل غايتها القسمة بواسطة «إلى» فيقضي أن لا يكون غيرها غاية. ومع ذلك لا يتمُّ التفريع الذي ذكره بعده في المسألتين؛ لتخلف أوّل الشرط في الأوّل وغايته في الثاني.
قوله: «والأقرب احتساب الأجرة منه».
الأقوى أنّها تحتسب ويجمع له بين الأمرين.
قوله: «ولو كان ذا أفراس فالوجه التقسيط فيأخذ المالك حِصَّتَه مع حضوره». ضمير كان يرجع إلى «الغاصب» بقرينة قوله: «فيأخذ المالك حصته». واعتبار
ص: 303
التقسيط مبني على احتساب الأجرة من السهم ، وهو ضعيف فالتقسيط كذلك، بل إن كان المالك حاضراً فالسهم له مطلقاً و إلا فلا شيء للغاصب باعتباره، كما مرَّ.
قوله: «ولو تعدّدت أفراس المالك خاصةً أو أفراسهما معاً فإشكال».
حيث قلنا بعدم احتساب الأجرة فلا إشكال؛ بل يستحق المالك سهمه بسبب الأفراس التي من جملتها المغصوب وينزل بالنسبة إلى الغاصب منزلة العدم.
498/1 قوله: ورجع الغانم على الإمام مع تفرّق الغانمين».
إن عسر جمعهم لكثرتهم وإلّا نقضت القسمة أيضاً. والمراد بالرجوع على الإمام أخذها من بيت المال لا من خاصته، لكن لمّا كان أمره بيده أطلق الحكم.
قوله: «أما ما يده عليه وليس جُنَّة كالمِنْطَقَةِ والخاتم والنفقة التي معه ففي كونها سلباً أو غنيمة نظر».
في كونها سَلَباً قوَّةٌ.
499/1 قوله: «وأن لا يكون القاتل كافراً».
الأجود الاكتفاء بكونه مستحقاً نصيباً من الغنيمة مِنْ سَهْم أو رَضْخٍ(1) ، وهو اختياره في التذكرة (2)، وفي التحرير (3) جزم باستحقاق الكافر السلب ولم يفصل، والتفصيل حَسَن.
500/1 قوله: «وإلا فسخ الصلح وردّوا إلى مأمنهم...».
الأولى مراعاة مصلحة المسلمين، فإن اقتضت إبقاء الصلح أعطى المجعول له قيمة ماجعل له، وإلا فسخ الصلح، وهو اختياره في المختلف (4).
ص: 304
505/1 قوله: «ولو أسلم الحربي لم يكن لزوجته الكافرة مُطالَبَتُه بالمَهْر الذي في ذِمَّته ولا لوارثها... ».
إنّما لم تكن لها المطالبة بالمهر - مع إسلامه قبلها ولا لوارثها؛ لأنّها من أهل الحرب ولا أمان لها على المهر، فيجوز للزوج منعها منه، كما يجوز له أخذ مالها الذي في يدها؛ ولهذا كان لوارثها المسلم مُطالبته به على تقدير موتها قبل إسلامه؛ لانتقاله إليه قبل الحكم له بجواز تملكه. ومثله ما لو أسلمت قبله؛ لاستقرار المهر في ذِمَّته قبل إسلامه ومصادفته عنده مالكاً محترماً. وشمل قوله ولا لوارثها المسلم والكافر واشتراكهما في الحكم واضح بما قرّرناه؛ لأنّ إسلام الزوج قبلها أوجب جواز استيلائه على ما أمكنه من مالها الذي من جملته المهر، وكونه في ذمته بمنزلة المقبوض في ملكه كغيره من أموال أهل الحرب، وحينئذٍ فلا يزيله ما يتجدد من إسلامها ولا موتها مع كون وارثها مسلماً. وبهذا يظهر ضعف ما حكم به المصنِّفُ في التذكرة (1) ،
ص: 305
والتحرير(1) من أنّ وارثها إذا كان مسلماً يجوز له مطالبته به.
نعم، قد يقال في أصل الحكم إنّه قد تقدّم أنّ إسلام الحربي لا يسقط عن ذمته الأمانات الثابتة لحربي آخر ، وإنّما يسقط ما في ذِمَّته من غير الأمانة كالغصب والإتلاف؛ نظراً إلى وجوب ردّ الأمانة إلى أهلها مطلقاً، فيمكن أن يجعل المهر من هذا القبيل؛ لأنّه كثمن المبيع الثابت في الذمة.
ولعلّ المصنّف (رحمه الله) التفت إلى ذلك في الإرشاد (2) حيث أطلق في باب النكاح أنّ إسلام الحربي يوجب لزوجته الحربية عليه نصف المَهْر إن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بَعْدَه ؛ لأنّ ظاهر الحكم باستحقاقها جواز مطالبتها به على بعض الوجوه، اللهمّ إلّا أن ينازع تناول الأمانة لما في الذمة أو لغير المعاوَضَةِ المَحْضَة كالمَهْر، أو يمنع أصل الحكم فيدّعي استباحة مال الحربي مطلقاً ما لم يسبقه الأمان الخاص. وللبحث في ذلك مجال.
قوله: «فإن مات أحدهم بطل حكم الباقين...».
على تقدير إطلاق الإذن أو شرط الاجتماع، أما لو جعله لمتعدّد مجتمعين ومتفرقين لم يبطل حكم الباقين بموت أحدهم، ولا عروض ما يمنع الحكم كالأوصياء المتعدّدين.
ص: 306
507/1 قوله: «وتسقط عن الهِمّ على رأي».
الأقوى ثبوتها عليه مطلقاً، والرواية بالسقوط ضعيفة (1).
قوله: «ولو كان يُجَنُّ ويفيق قيل : يحكم للأغلب (2)...».
الأقوى سقوطها عن المجنون مطلقاً إلا أن تتفق له الإفاقة سَنَةٌ متوالية فيجب عنها (3).
508/1 قوله: «فإن بذلتها حينئذٍ كانت هبةً لا جزيةً».
سيأتى إن شاء الله تعالى فى باب الهبة أنّها لا تختص بلفظ، بل كلّ ماداً على تمليك الغير بغير عوض من الألفاظ كافٍ فيها، فإذا عرفها الإمام أنّها غير لازمة لها وبذلتها حينئذٍ كانت هبةً ؛ إذ البذل على هذا الوجه لا بد أن يقترن بلفظ يدلُّ عليه عادةً، فيكون ذلك اللفظ الدال على بذلها على وجه التبرع بمنزلة الهبة من جانبها، فإن انضمّ إليه من قِبَل الإمام ومَنْ قام مقامه مايدلّ على القبول تمّت الهبة وليس في العبارة ما يدلُّ على أزيد من ذلك.
وحينئذ يراعى فيه شرائط الهبة جوازاً ولزوماً. وأما دلالة العبارة على الاكتفاء في الهبة بالفعل من دون القول فممنوعة؛ لما ذكرناه. وقد صرّح بعدم الاكتفاء بذلك في بابها (4).
ص: 307
قوله: فسألن بذل الجزية ليسلمن من الرق لم يجب».
بل ولا يجوز؛ لأنّهنَّ لسن من أهل الجزية، وحينئذٍ فيتوصَّل إلى فتح البلد ويُسبَيْنَ. ونبه بنفي الوجوب على خلاف الشيخ (رحمه الله) حيث أوجب عقد الذِمّة لهنَّ على أن تجري عليهن أحكام الإسلام ولا يأخذ منهنّ شيئاً (1).
قوله: «فإن ظهر كذبهم انتقض العهد».
يتحقق كذبهم باعترافهم بأجمعهم أنهم ليسوا أهل ذمة، أو بشهادة عدلين منهم بعد إسلامهما بذلك، لا باعتراف بعضهم مع إنكار الباقين بل يحكم به على المقر خاصة ولا تقبل شهادتهم على الآخرين.
قوله: «ولو ظهر قوم زعموا أنهم أهل الزبور، ففي تقريرهم إشكال».
المُتَّجه العدم.
509/1 قوله: «ولو دخلوا بعد التبديل قبل البعثة احتمل التقرير مطلقا ...».قوي.
قوله: «والأقرب تقرير المتولد بين الوثني والنصراني بالجزية بعد بلوغه إن كان أبوه نصرانياً، وإلا فلا» قوي.
قوله: «ولو توتن نصراني وله ولد صغير، ففي زوال حكم التنصُّر عنه نظر ...».
المتجه عدم الزوال.
قوله: «العاقد وهو الإمام أو من نصبه».
هذا مع ظهور الإمام وبسط يده، أما مع فقد أحدهما فالمعتبر تقرير ذي الشوكة من المسلمين لهم مطلقاً.
قوله: «ويجب عليه القبول إذا بذلوه...».
ضمير «بذلوه» يعود إلى العوض أعنى الجزية المدلول عليها بالمقام، أو إلى «القبول» أعنى قبول الجزية، فيكون إعادة الضمير إلى «القبول» السابق، ضرباً من الاستخدام .
ص: 308
510/1 قوله: «ويصح العقد موقتاً على إشكال».
في الجواز قوّةً.
قوله: «ولا يصح تعليقه بمشيئة الإمام على إشكال».
في الجواز قوة.
قوله: «وله الجمع على رأي».
المتّجه عدم الجواز، ومحلُّ الخلاف وضعها عليهما ابتداءً، أما لو وضعها على أرضِ واحدٍ ورقبةِ آخَرَ ، فاشترى من وضعت على رقبته أرض الآخر اجتمعت عليه فيهما بلا إشكال.
511/1 قوله: «ويشترط أن يكون زائداً على أقل ما يجب عليهم من الجزية لو اقتصر على الضيافة...».
يفهم من قوله: «لو اقتصر على الضيافة جواز اشتراطها عليهم من دون أن يجعل عليهم جزية، فتكون الضيافة المشروطة حينئذٍ جزيةً مشروطةً بكونها ضيافة. ويشكل بأنّ مصرف الجزية ،خاص ، والضيافة لا تختص بمصرف الجزية، بل يجوز شرطها لمن مرّ بهم من المسلمين مطلقاً، إلّا أن يفرّق بين الضيافة المشروطة مع الجزية ومنفردة، فتختص الثانية بأهل الجزية. وهو يخالف الاقتصار عليها ظاهراً، إلا أن يحمل احتسابها منها عند الإطلاق لاعند التصريح بالاقتصار عليها.
وعلى كلّ تقدير فالأقوى أن لا يجوز الاقتصار على شرط الضيافة من دون الجزية، وأنّها لا تحتسب منها مطلقاً؛ للتأسي بالنبي فإنه شرطها معها (1)؛ ولئلا يخلو الحَوْل من الجزية على تقدير أن لا يمرَّ بهم أحد من المسلمين طولَ الحَوْل. وهذا هو الذي اختاره المصنّف في التذكرة(2) ، وإن أوهمت عبارته هنا غيره.
قوله: «فلو قرّر على الغنيّ قدراً، ثمّ علم أنّه غير واجب لم يكن له الرجوع ...
ص: 309
ولو ماكس الإمام بالزيادة فامتنع من بذلها وجب القبول بالأقلّ».
هذا تفريع على كون الجزية مُقَدَّرةً بقَدَرٍ، كما أشار إليه في صدر التفريع، من تقدير علي (علیه السّلام) لها بما ذكر (1)، وحينئذٍ فيمكن الإمام أن يفرض عليه أكثر كبَيْعِ المُغَابَنَة، ويجوز للذمي الامتناع من بذله لو علم ابتداءً بالحال. ولو اتفق فرضه عليه أزيد من المُقَدَّرِ، تُمّ علم به بعد العقد لم يكن له الرجوع؛ لوجود العقد اللازم الذي يجب الوفاء به في شرعنا، واللازم لهم في عقد الذمة التزام شرعنا.
وعليه يتفرع قوله: «ولو ماكس الإمام بالزيادة أي على المقدَّر شرعاً على القول به، بأن طلب منه أزيد منه فامتنع الذمّي من بذل الزيادة وجب على الإمام القبول منه لما بذل الأقل وهو المقدَّر.
وهذا كله لا يتوجّه على مذهب المصنّف (2)، وأكثر الأصحاب، من أنّ الجزية لا تتقدَّر إلا بنظر الإمام، فإنّه حينئذٍ لا يتصوَّر علم الذمّي أنّ ذلك القدر غير واجب عليه، ولا امتناعه من الزيادة عمّا قدّره عليه الإمام على وجه يجاب إليه.
والأصل في هذا التفريع أنّ العامة يرون تقديرها بالدينار على كل رجل؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم (3)، وهو مذهب ابن الجنيد(4) ، منّا، وفرعوا عليه ما ذكره المصنّف هنا، فصدَّر المصنف رحمه الله تفريعه بما وضعه (علیه السّلام) الموهم للتقدير، وفرع عليه ما ذكر مع أنّ الظاهر أنّ ما قدره علي (علیه السّلام) لا يعينه أحد؛ لأنّ المخالف منا على ما ذكره المصنف في المختلف إنّما هو ابنُ الجُنَيْدِ ولم يقدرها بذلك، بل بالدينار(5) ، ومن ثمّ أطلق على اسم الدينار، وقد استعمله المصنف في مواضع على غير أصله.
ص: 310
512/1 قوله « والأقرب في الجُبران مراعاة مصلحة المسلمين...».
المراد بالجبران الواقع زكاة حيث لا يكون عنده السنّ الواجب وعنده ما هو أعلى منها بسنّ أو أخفض، فإنّ مقتضى حكم الزكاة المشروطة عليهم أن يتخيّروا في الدفع كالمسلم مطلقاً. ووجه مراعاة مصلحة المسلمين أنّها ليست زكاة حقيقية بالنسبة إليهم، وإنّما وقع الجبران المدفوع إلى الإمام مساوياً لما يجب عليهم من السن، بأن كانت الشاتان تساويان ما يدفعه من السنّ الأعلى أو تقاربانه، فيلزم الضرر على المسلمين، فكانت مراعاة مصلحتهم أولى.
514/1 قوله: «ويحكم العقد عليهم بأشياء....».
هذا لا يتم على أصولنا (1)؛ لأنا نمنع دخول الكافر مطلقاً المساجد، فلا يكون المنع من أحكام العقد، وإنّما يتم على أُصول العامة (2)القائلين بأنّ المسلم له الإذن للذمي في دخولها، فيكون ذلك من أحكام العقد.
515/1 قوله: «ولا يلزمهم إخفاء العِمارَةِ».
نبه بذلك على خلاف بعض العامة (3) حيث أوجب عليهم إخفاء العِمارَةِ إذا أرادوا بناءً ما يجوز لهم بناؤه كَرَم الكنيسة، بأن يبنوا الجدار أو يطينوه من داخل الجدار الفاسد بحيث لا يطلع عليهم المسلمون و إن احتاجوا إلى ثانٍ وثالث بحيث لا يبقى من الكنيسة شيء؛ أو يجعلون البناء ليلاً بحيث لا يطلع عليهم المسلمون.
والأصح عندهم ما اختاره المصنف من عدم الوجوب(4) .
قوله: «والمراد به: مكة والمدينة...».
الأقوى شمول الحكم لجميع ما يتناوله الحِجاز عرفاً، كالطائفِ واليَمامةِ وحُنَينِ
ص: 311
وينبع وما قاربها من القرى.
517/1 قوله: «ولا يجوز نبذ الجزية بمجرد التهمة».
المراد عقد الجزية بحذف المضاف، والمقصود أنه لا يجوز تبذ عقد الذمة المشتمل على الجزية بمجرد التهمة بالخيانة، بل يتوقف على العلم والفرق بينه وبين عقد الهُدْنَةِ أنّ الأصل في عقد الهُدْنَة مراعاة مصلحة المسلمين لحاجتهم إليها، ومن ثمّ لم يَجُزْ بدونها، بخلاف عقد الذمة، فإنّه مترتب على الاختيار، وقوة المسلمين، وضعف المشركين، فلا يخاف غائلتهم، ومتى علم بها أمكن تدارك حكمها، بخلاف الهدنة فإنّها على الضد، فقد لا يتدارك الضرر المترتب على الخيانة لو توقف على العلم به.
520/1 قوله: «لو شُرط إعادة الرجال مطلقاً بطل الصلح ...».
يمكن أن يريد بالإطلاق التصريح به لفظاً، بأن يصرح في العقد بإعادة كلُّ رجل جاء إلينا مسلماً منهم سواء كان ممن يؤمن افتتانه على الدين أم لا. ووجه بطلان الصلح اشتماله على شرط فاسد وهو ردّ من لا يؤمن افتتانه، فإنه غير جائز، وإذا اشتمل العقد الجائز على شرط فاسد أفسده على أصح القولين.
ويمكن أن يريد بالإطلاق ذكر لفظ الرجال مطلقاً بمن لا يؤمن افتتانه من التقييد بمن فإنّه حينئذ يتناول من يجوز شرط ردّه وغيره من حيث إنّه جمع محلّى، فيُفيد العموم، وهو في شرط إعادة الرجال على العموم باعتبار صيغته وتجوز حينئذ في الإطلاق على العموم مع المغايَرَةِ بينهما ، فإنّ المطلق هو الدال على الماهية من حيث هي لا باعتبار وحدة ولا تعدّد، ولفظ الرجال ليس كذلك إلّا أنّه بتجريده عن قيد من يؤمن افتتانه كأنّه أطلقه ووجه الفساد على هذا التقدير أيضاً يستفاد من السابق، مع احتمال الصحة هنا، حملاً للمطلق على الصحيح، فيتناول ما يصح شرط عوده خاصةً.
وقيل(1) : يصح فيهما ويفسد الشرط خاصةً بناءً على عدم فساد العقد المشتمل على شرط فاسد، وسيأتي ضعفه.
ص: 312
1 524 قوله: «ولمّا لم يقع المنكر إلا على وجه وجه القُبح كان النهي عنه كله واجباً».
يرد على هذا التقسيم خروج المكروه من القسمين فلا يتحقق الأمر به؛ لعدم تناول المعروف له ولا النهي عنه؛ لعدم اتصافه بالقُبح؛ لأنّ القبيح ما ليس للعالم بحاله، القادر عليه أن يفعله، أو الذي على صفة تؤثر في استحقاق الذم، وكلاهما لا يتناولان المكروه. وكان ينبغي إدراجه في أحدهما؛ لأن النهي عنه مستحبّ كالأمر بالمندوب، ولعلّ إهماله لعدم دخوله في اللفظين؛ أعني المعروف والمنكر، واشتهار استعمال العنوان بهذين اللفظين. ويمكن أن يكون التجوّز بإدخاله في المندوب باعتبار استحباب تركه فيتعلق الأمر به.
525/1 قوله: «ویجبان بالقلب مطلقاً، وأقله اعتقاد وجوبِ مايتركه، وتحريم ما يفعله. وعدم الرضى به؛ وكما لو علم الطاعة بضرب من الإعراض وإظهار الكراهية أو الهجران فيجب».
يستفاد من عبارته كغيره (1) أنّ للأمر والنهى القلبتين أفراداً متعدّدة أقلها اعتقاد تحريم المنكر، ووجوب المعروف وما في معناه وإن لم يظهر ذلك لمرتكب المعصية.
ص: 313
وبعده إظهار الكراهة والإعراض رجاءَ أن ينزجر بذلك، وهو مقدم على اللسان واليد، وهذا المعنى أنسب بمقام الأمر والنهي، لإفادته الغاية المطلوبة منهما إلّا أنّه لا يلائم الحكم بإيجابه مطلقا؛ لأنّ الظاهر من الإطلاق أن وجوبه كذلك لا يشترط فيه اجتماع الشرائط الأربعة، مع أنها مشترطة فيه كغيره من المراتب لظهوره للمأمور والمنهي، فيمكن ترتب الضرر وعدمه، وبقيّة الشرائط والمعنى الأوّل أنسب بالإطلاق، لعدم ظهوره فلا يترتب عليه خوف ضرر ولا تأثير ولا غيرهما، لكن لا يلائم مراتب الأمر والنهي؛ لأنه لا يقتضيهما، وإنّما هو من جملة اعتقاد أن الحق الذي هو من مقتضى الإيمان. ولذلك ارتكب بعضهم هنا عدم الاكتفاء بمجرد الاعتقاد، وأوجب معه الابتهال إلى الله تعالى في إهداء ذلك الشخص حتى يكون له مدخل في الأمر والنهي، وهو أمر آخر غير ماذكروه.
وربما فسّر الإطلاق بمعنى وجوب مصاحبة القلبي لباقي المراتب - من اللسان واليد فيعتقد ما ذكر، مضافاً إلى الإعراض وما بعده، ويعرض مع الكلام أو الضرب. وهذا لا يدفع الإشكال مطلقاً؛ لأنه لا يتم في معناه الثاني؛ إذ لا تجب مصاحبته لباقي المراتب، كما لا يجب مصاحبة بعضها لبعض كاللسان لليد.
قوله: «بالأيسر من القول فالأيسر متدرّجاً - مع عدم القبول - إلى الأخشن منه».
«فالایسر» أفعل التفضيل في الأوّل مطلقاً، وفي الثاني إضافي بالنسبة إلى ما بعده، أي ينهاه بأيسر القول وألطفه أولاً، فإن لم ينجع انتقل إلى الأيسر بالنسبة إلى غيره وإن كان أصعب بالإضافة إلى الأوّل، وهكذا القول في مراتب الضرب.
قوله: «فلو افتقر إلى الجراح أو القتل ففي الوجوب مطلقاً أو بإذن الإمام قولان».
القول بالوجوب مطلقاً للمرتضى(1) ، وتبعه عليه المصنّف في المختلف (2) والتحرير (3)؛
ص: 314
لعموم الأدلّة (1). وأمره في القتل بعيد، وتناول الأدلة ممنوع؛ لأنّ القتل يفوت معه الغرض من الأمر والنهي، و يتخلف عنه شرطه وهو تجويز التأثير، فالقول مطلقاً بالمنع فيه قوىٌّ.
أما الجرح، فيمكن ذلك معه، ويتوجه القول بجوازه من حيث إطلاق الأدلة أو عمومها المتناول لغير الإمام.
قوله: «وفي إقامته على ولده وزوجته قول بالجواز (2)».
نَسبه إلى القول؛ لعدم ظهور دليل عليه ؛ ولأنّ إقامة الحدّ من وظيفة الإمام ونائبه. وحينئذٍ فالقول بالمنع (3) إن لم يكن الأب والزوج فقيهاً أظهر.
ويظهر من المصنّف في المختلف(4) ، أنّ موضع النزاع هنا ما لو كانا فقيهين، وإلا فلا إشكال في المنع و هو في موضع الإشكال، بل لاوجه لتخصيص الأب والزوج؛ لأنّ الحكم في إقامة الفقيه الحدّ مسلَّم كلُّه.
قوله: «ففي جواز إقامة الحدّ له بنيّة أنّه نائب عن سلطان الحق نظر...»
موضع النظر هنا ما لو كان المتولي فقيهاً، ووجه النظر على تقدير القول بجواز إقامته في غير هذه المادة كونه هنا بصورة النائب غير الظالم. وهو ضعيف؛ لأنّ مجرد هذه الصورة لا يبلغ حدّ المنع [من] كون المتولى أهلاً، ولو لم يكن فقيهاً لم يصح قطعاً، بل لا معنى لنيّة كونه نائباً عن إمام الحق؛ لأنه لم يستثنه منه.
526/1 قوله: «ولا يقدح في العدالة ولاية القضاء من قبل الظالمين بالإكراه».
فقيهاً وغيره. فغير الفقيه يتوقف جوازه على الإكراه مطلقاً، والفقيه يتوقف عليه
ص: 315
حيث لا يمكنه إجراء الأحكام على وجه الحق بل بمذاهب أهل الخلاف ولو في بعضها .
أما لو تمكّن من إجرائها على وجهها جاز من غير إكراه، بل ربما وجب. ويتحقق الإكراه بالخوف على نفسه أو ماله أو عرضه على تقدير امتناعه، وحينئذ فيجوز له الحكم بمذهب أهل الخلاف حيث لا يتمكن من غيره، ثمّ إن أظهر انتسابه إلى مذهب من مذاهبهم اقتصر عليه وإلا وجب مراعاة الأقرب إلى الحق منها فالأقرب إن أمكن معرفته ذلك، والعمل بمقتضاه.
ص: 316
المقصد الأوّل في المقدمات
المقصد الثاني في البيع
المقصد الثالث في أنواع المبيع
المقصد الرابع في أنواع البيع
المقصد الخامس في لزوم البيع
المقصد السادس في أحكام العقد
ص: 317
ص: 318
قوله: «وهو ما يحتاج الإِنسانُ إليه لقوته وقوت عياله، ولا وجه له سوى المتجر».
ذكر القوت المذكور وقع على سبيل المثال لا الحصر، بناءً على ضعف مفهوم الحصر المستفاد من حصر من حصر المسند إليه في المسند كما هو التحقيق، ولو لا ذلك لا نتقض الحصر بباقي مؤونة المذكورين.
والمراد بالحاجة المأخوذة في الصلة ما استندت إلى حكم الشارع أعم من كونها كذلك في الحِس كحاجته أم لا كحاجة عياله؛ فإنّ الواجب للزوجة أمر زائد على المحتاج إليه حسّاً. ثم إن أريد بالواجب العيني لم يفتقر إلى إدخال دفع حاجة المضطرين حيث إنّها واجبة على الكفاية، وإن أريد الأعمُّ سلم من تركه بالمثال الذي لا يفيد الحصر. وقرينة إرادة العيني هنا - مع كونه الفرد الشائع - قوله بعد ذلك: «ولا سوى المتجر» فإنّه لو كان له وجه غيرُه كان وجوب المتجر حينئذ تخييريّاً لا ساقطاً إن لم يُرِدْ بالمتجر أنواع الاكتساب، كما هو ظاهر هذه الأفراد المذكورة في الأقسام.
ص: 319
قوله: «ومندوب، وهو ما يقصد به التوسعة على العيال أو نفعُ المحاويج مع حصول قدر الحاجة بغيره».
الأولى جعل القيد راجعاً إلى الأمرين السابقين؛ ليتحقق الاستحباب في قصد التوسعة على العيال؛ إذ لولاه للزم استحباب التجارة مع قصد التوسعة عليهم وإن لم يكن عنده ما تندفع به حاجتهم مع أنّ التوسعة تقتضي سبق الكفاية. وإنّما جعل مناط الاستحباب قصد التوسعة دون ما تحصل به التوسعة مطلقاً؛ لأنّ الحكم بكون الفعل مستحبّاً ترتب عليه الثواب لا يتم بدون القصد، ولو أسقط القصد يفسد المعنى.
والكلام في الحصر هنا كالسابق، فإنّ قصد نفع المؤمنين مطلقاً مستحب ولو لم يكونوا محتاجين، مع إمكان تكلّف وصفهم مطلقاً بالحاجة في الجملة، وكون النفع المستحبّ لهم لا يتحقق إلا مع مسمّى الحاجة وقيد حصول قدر الحاجة يشمل نفع الغني منهم. وبهذا يظهر أنهم لا يخرجون عن كونهم محاويج لحصول قدر الحاجة.
قوله: «ومباح، وهو ما يقصد به الزيادة في المال لاغير مع الغنى عنه».
إنما قيَّد بالقصد ليمكن وصفه بالإباحة؛ لما تحقق في الأصول من أنّ الأحكام الخمسة متعلّقة بفعل المكلَّف القاصد وأنّ الذاهل عن الفعل لسهو وغيره لا يوصف فعله بأحدها. وحينئذٍ فلا يرد ما قيل(1) : من أنه لو قال ماكان فيه زيادة في المال كان أولى، وبهذا تظهر فائدة قصد التوسعة في السابق مضافاً إلى ما قرّرناه.
قوله: «و مكروه، وهو ما اشتمل على وجه نهى الشارع عنه نهي نهی تنزیه كالصرف وبَيْع الأكفان والطعام الرقيق...».
المعنى الظاهر فى التنزيه أن يكون المعنى المطلوب عرضه لما الأولى تركه، وهو في أكثر هذه الموارد كذلك، كالصرف المعرض للربا، وبيع الأكفان المعرض لتمني
ص: 320
الوباء، إلى غير ذلك ممّا علّل في الأخبار(1). ويخرج من هذا القسم بيع الرقيق والحياكة (2) وشبههما ممّالم يرد فيه ذلك، بل ورد في بَيْع الرقيق: «إنّ شر الناس من باع الناس»(3) وفي الحِياكة مرجوحيّتها من قبل الشرع. فيحمل كلامه في التنزيه على أنّ ما كرهه الشارع مرجوح وفي تركه ،رجحان فتنزه المكلّف عن المرجوحية إلى الرجحان.
قوله « والحياكة والنساجة».
النساجة أعمّ من الحياكة مطلقاً؛ لشمولها المعزول وغيره من الدقيق كالحرير والغليظ، بخلاف الحياكة فإنّها مختصة ببعض ذلك، فذكرها من عطف العام على الخاص وهو شائع، وإن كان الاقتصار على العام أخصر .
وأما جعلهما مترادفين أو متقابلين بتخصيص الحياكة بالغليظ والنساجة بضدّه، فغير الواقع.
قوله « كلُّ نَجَس لا يقبل التطهير ...».
أراد بالنجس ماكان عين نَجاسة أو منجّساً بها، ولهذا قسمه إلى مانجاسته ذاتية و عرضيّة. وإطلاقه على الأمرين بطريق الحقيقة لغةً وعرفاً، لا أنه حقيقة في الأوّل مجاز في الثاني، فيكون مستعملاً للفظ في حقيقته ومجازه.
قوله: «إلّا الدُهن النجس لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة».
الأقوى جواز الاستصباح به مطلقاً؛ لدلالة النصوص الكثيرة عليه(4) . ولم نقف على ما يوجب التخصيص.
ص: 321
قوله: «ويجوز بيع الماء النجس لقبوله الطهارة».
خصه بالذكر مع جواز بيع ما يقبل الطهارة مطلقاً؛ لينبه على خروجه من عموم المنع من بَيْع المائعات النجسة فيما سبق فإنّها لا تقبل التطهير عنده هنا إلّا الماء. وهو أصحّ الأقوال في المسألة، فأخرجه معلّلاً بقبوله الطهارة من المائعات.
قوله « والأقرب في أبوال ما يؤكل لحمه التحريم للاستخباث إلا بول الإبل للاستشفاء».
الأقوى جواز بَيْع أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه مطلقاً إن فرض لها منفعة مقصودة محلّلة، وإن كان بول الإبل أظهر منها منفعة.
قوله: «كلّ ما يكون المقصود منه حراماً كآلات اللهو... وبيع السلاح».
غاير أسلوب العبارة في جعل المحرم في الأوّل نفس المكتسب به وهو الآلات المذكورة، وفي الثاني وما بعده الاكتساب؛ للتنبيه على المغايرة بينها من حيث إن آلات اللهو والقمار بشكلها المخصوص لا يكون المقصود منها إلا محرّماً، فجعل متعلَّق النهي فيها الذات، والسلاح وما بعده في نفسه صالح للمحلل والمحرم فلا يتمحض للتحريم إلا بالبيع على الوجه المحرّم، فلذلك علّق الحكم فيها على التكتُب ولا يضرُّ هذا الاختلاف؛ لأنّ متعلَّقَ الأحكام الخمسة يجوز كونه كلّ واحد من التكسب والمتكسب به؛ لأنّها أقسام المتاجر وهي محتملة للمصدرية والمحلّ.
7/2 قوله: «ولو قيل بجواز بيع السباع أجمع لفائدة الانتفاع بذكاتها - إن كانت ممّا تقع عليها الذكاة - كان حسناً».
نقل العلّامة قطب الدين الرازي عنه أنه احتاط بقوله: «إن كانت...» إلى آخره بإمكان أن يكون في السباع البحريّة ما لا تقع الذكاة عليه وإن كان غير معلوم(1) .
وفيه نظر؛ لأنّ مثل هذا الإمكان لايُؤثر في الحكم على الموجود من أفرادها؛ ولأنّ
ص: 322
المختار عنده (1) وعند المحققين (2) وقوع الذكاة عليها مطلقاً من غير تقييد؛ ولأنه لا فائدة في التقييد بالبحرية؛ لأنّ الإمكان يتحقق فى البرية أيضاً.
والأولى أن يجعل قوله: «إن كانتْ ممّا تقع الذكاة عليها» إشارة إلى أصل الخلاف في وقوع الذكاة عليها وعدمه، بمعنى جواز بيعها أجمع إن كانتْ ممّا يقال لوقوع الذكاة عليها وعدمه إن قيل بعدمه.
قوله: وبَيْع النحل مع المشاهدة وإمكان التسليم».
المعتبر مشاهدته على وجه ترتفع الجهالة عنه من حيث القلة والكثرة وإن لم يشاهد جميعه، ويختلف ذلك باختلاف الناس من حيث العلم بحاله وعدمه.
9/2 قوله: «أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله».
المراد بالتأثير هنا ما يشمل الفعل والقوة، أو يفعل شيئاً من شأنه أن يؤثّر؛ إذ لا يشترط في تحريمه حصول التأثير بالفعل. وعلى تقدير إرادة التأثير فعلاً يمكن على تكلف إخراجه بقوله: «أو قلبه» بعد قوله: بدنه، فإنّ التأثير في القلب يتحقق بوجود أثره فيه وإن لم يضره، كما إذا تخيّل الحيّات الساعية ونحوها، فإنّه يفيد في القلب تأثيراً في الجملة، وهو خلاف تأثيره في البدن، فإنّ ظاهره كونه محض الضرر.
قوله « والأقرب أنه لاحقيقة له وإنما هو تخييل».
الحق أنّ تأثيره في بدن المسحور أمر محقق وجداني لاشبهة فيه. نعم، كونه موهماً لحيات تسعى ونحوه تخييل، وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على الطرفين مع ضعف دلالة كثير منها (3).
ص: 323
قوله: «ولو وُجد عنده سرقة ضمنها، إلا أن يقيم البينة بشرائها، فيرجع على بائعها مع جهله».
هكذا وردت الرواية عن الصادق (علیه السّلام) بطريق ضعيف (1). والموافق للأصول الشرعيّة أنّه يضمنها على كل حال، بمعنى مطالبته بأدائها إن كانت عينها قائمة، وإلزامه بمثلها أو قيمتها إن كانت تالفة ولكن إن قام بشرائها من غيره جاهلاً بحالها تخيّر المالك بين الرجوع عليه بما ذكر، وبين الرجوع على البائع، كترتب الأيدي على المغصوب.
ويمكن أن يراد بقوله: «ضمنها استقرار الضمان عليه على تقدير أن لا يثبت شراؤه لها من غيره، فإن ثبت ذلك لم يستقرّ، بل يجوز له الرجوع على البائع - مع جهله مع وجود العَين - بالثمن وزائد القيمة على الأقوى، وما غرمه على العين. وكذا مع تلفها على ما يأتي (2)تفصيله، وحينئذٍ فأصل الضمان والرجوع متحققان في الجملة.
10/2 قوله: «والنجش حرام، وهو الزيادة لزيادة مَنْ واطأه البائع».
لاشبهة فى أنّ النّجش المحرَّم ليس هو هذه الزيادة المذكورة، فإنّها واقعة من المخدوع، والتحريم منسوب إلى الخادع ، والمُحَرَّمُ هو زيادة الخادع التي أوجبت انخداع المشتري والتعريف السديد له أنّه الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ؛ ليحض غيره عليه وإن لم يكن بمواطأة البائع، وكلام أهل اللغة موافق لما ذكرناه.
قال الهروي:
أصل النَجْش مَدْح الشيء وإطراؤه. قال: ومعناه لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليسمعه غيره فيزيد (3).
11/2 قوله: «وإن أطلق فالأقرب تحريم أخذه منه».
ص: 324
مستند التحريم صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج الدالة على النهي عن أخذه منه (1)، لكنّ الرواية مقطوعة، ولم يذكر الأصحاب في هذا الباب غيرها. ولكن روى الشيخ في زيادات التهذيب حديثين (2) -أحدهما حسن، والآخر يبلغ مرتبة الصحيح - بجواز أخذه منه لغيره، وهو معتمد.
قوله: «يجوز أكل ما يُنتَرُ في الأعراس مع علم الإباحة، إما لفظاً أو بشاهد الحال، ويُكره انتهابه، فإن لم يعلم قصد الإباحة حَرُمَ».
المراد بالعلم هنا ما يشمل الظنّ الغالب المستفاد من قرائن الأحوال ،والعادات وهو الحكم في جواز الانتهاب فإن وجد فيهما جاز، وإن انتفى فيهما أو في أحدهما امتنع وكذا غير العرس مما أشبهه من الولائم.
قوله: «فإن جهله تصدّق بها عنه».
مع اليأس من معرفته، وإلا بقيت أمانة إلى أن يحصل أحد الأمرين.
12/2 قوله: «إلّا مع الضرورة المخوف معها التلف...».
نبه بقيد الضرورة المخوف معها التلف على عدم الفرق بين الابن في ذلك والأجنبي، إذ الحكم في الأجنبي عند خوف التلف ذلك، وإنّما يجوز فيهما عنده بالعوض لا بدونه. وإنما خص الولد بالحكم؛ للرد على ماورد في بعض الأخبار من أنّ الولد وماله لأبيه(3) ، الموهم جواز أخذ الأب منه مطلقاً، وهو محمول على تأكد استحباب بذله للأب، أو على وقت الحاجة، أو غير ذلك مما تندفع به المنافاة بينه وبين غيره من
ص: 325
الأدلّة المستفادة من الكتاب(1) ، والسنة (2) ، والإجماع (3).
13/2 قوله « وللأب المُعْسِر التناول من مال ولده الموسر قدر مؤونته».
لا فرق في ذلك بين الولد الصغير والكبير، غير أنّ الصغير يتولّى أبوه الأخذ بطريق الولاية، والكبير يتوقف على إذنه، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم؛ ليأخذه منه قهراً، فإنْ تعذَّر استقل بالأخذ وكذا القول في كل من تجب نفقته على غيره.
قوله: «وكتمان العَيْب».
ذلك لا فرق في بين الظاهر والخفيّ، والخفيّ، هذا إذا لم يشتمل العيب على الغش، كمزج اللبن بالماء، وإلا حرم كتمانه.
ص: 326
قوله: «البَيْع انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي ».
فيه تنبيه على أنّ البيع ليس هو نفس العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، بل أثره، وهذا هو الظاهر المتبادر منه عرفاً. وفي المختلف إختار أنه العقد (1)، واحتج له بأنه المتبادر إلى الفهم واختاره ولده وشيخنا الشهيد (رحمه الله) ردّ هذا التعريف إليه بجعله تعريفاً للسبب بالمسبب أو تعريفاً بالغاية (2).
وتبادر هذا المعنى غير واضح. والردّ المذكور مردود بأنّ الأوّل مجاز لا يُصار إليه في التعريفات. وشرط التعريف بالثاني أن لا تحمل الغاية على صاحبها حمل المواطأة أعني هو هو كغيرها من العلل لخروجها عنه، بل أخذ لفظ يمكن حمله عليه يشير إليها، وهو معنى اشتمال التعريف الكامل على العلل الأربع.
ص: 327
إذا تقرّر ذلك فتعريف المصنّف منتقض في عكسه بالبيع الإجباري، وفي طرده بالهبة المشروط فيها عوض مقدّر وبالصلح المشتمل على القيود، وبالإجارة، إذ انتقال العَيْن من شخص إلى آخر أعمّ من كونه على وجه استحقاق عينها ومنفعتها. والاعتذار للأوّل بأنّ البَيْع الإجباري واقع على وجه التراضي من الحاكم ونحوه، وكون الهبة على ذلك الوجه والصلح تبعاً، وأن المراد بانتقال العين على وجه ملكها متكلّف وعرفه الشهيد (رحمه الله) في حاشيته بعد اعتذاره و اعتراضه (1).
وجوابه بما أشرنا إليه بأنّه اللفظ الدال على انتقال الأعيان بصيغتي «بعت» و «اشتريت ومايقوم مقامهما. وهو مع سلامته ممّا ذكر منقوض في طرده بلفظ الإخبار، فإنّه ليس ببيع، وفي عكسه بإشارة الأخرس ونحوه المفيد للبيع، فإنّها ليست لفظاً مع صحة البيع إجماعاً ولا يدفعه قوله: «وما يقوم مقامهما؛ لأنّ المراد به مايقوم مقام «بعت» و «اشتریت» من الألفاظ الدالّة عليه ك- «ملکت» و«شريت» وغيرهما من الألفاظ لاشبه اللفظ كما لا يخفى.
قوله: «بعت وشريت».
هو بالتخفيف لفظ مشترك بين البيع والشراء، ففي الشراء واضح، وجاء منه في البيع قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنِ ) (2) أي باعوه، وحينئذٍ فيصح وقوع العقد به إيجاباً وقبولاً. وقد نبَّه المصنّف منه على الفرد الخفيّ وهو الإيجاب.
ص: 328
17/2 قوله: «وهل يصح له استئجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع».
قويّ إن تعلّقتِ الإجارة بعَيْنه؛ لاستلزامه السبيل(1) ، والعُلُوّ(2)، أمّا لو تعلّقت بذمته صح؛ لأنّه حينئذٍ سبيل له.
وأما الرهن فإن كانتْ تحت يده فكذلك. وكذا إن كان تحت يد مسلم مع كون الكافر وكيلاً في البيع والاستيفاء، ولو انتفى الأمران فالأقوى الجواز، لانتفاء السبيل بذلك.
قوله: «والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده».
قد اختلف (3)كلام الأئمّة في مرجع ضمير «عنده» وفائدة التعبير بالظرف. والأولى كون الضمير عائداً إلى الكافر المستعير للمسلم. ووجه اختيار «عنده» على «له» التنبيه على أنه لا يشترط في صحة إعادته له وضعه على يد مسلم، كما اعتبر في الرهن على بعض الأقوال(4) . وهذا المعنى لا يتأدّى بقوله: «له» ؛ لأنه أعمّ منه. وحاصل الأمر اختياره هنا جواز إعادته مطلقاً. وفي العارية من الكتاب(5) اختار المنع مطلقاً، وهو أجود.
18/2 قوله: وهل يستردّ العبد أو القيمة؟ فيه نظر ...».
الأقوى أنّه يسترد العبد، ويؤمر ببيعه ثانياً.
قوله: «وفي البيع نظر».
ص: 329
الأقوى جواز بَيْعها حينئذٍ إن لم يمكن إعتاقها من بيت المال أو الزكاة ونحوهما.
قوله: «وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحرّ أو العبد لغير مالكه ؟ إشكال».
الأقوى التبعية في الموضعين فيباع على الكافر. وقوله: «لغير مالكه» متعلق بمحذوف صفة للعبد أو حالاً منه. وضمير «مالكه» يرجع إلى «الطفل» وفائدة التقييد بكونه لغير مالكه قليلة.
قوله: «فإن وكله غيره في شراء نفسه من مولاه صح على رأي».
فائدة تفريعه على توقف تصرّفه على إذن مولاه إيجاب مولاه البيع معه يستلزم الإذنَ له والقبول فيصحُ البَيْع بحصول الشرائط. وبهذا تظهر أيضاً فائدة التقييد بشرائه من ،مولاه، فإنّه لو اشترى من وكيل مولاه في البيع لم يصح؛ لفقد الشرط وهو إذن المولى.
19/2 قوله: فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأى».
مقتضى التفريع أن يقال: فبيع الفضولي غير صحيح لفقد الشرط، وهو كون البائع مالكاً أو مافى معناه، لكن لمّا كان المراد بالصحة هنا اللزوم كان قوله: أنه موقوف، في قوة قوله : غير لازم المناسب للتفريع.
وفيه مع إفادته الفائدة التصريح بالحكم المطلوب من بيع الفضولي، وعليه يترتب الرأي المذكور بعده؛ لأنّه أيضاً غير لازم من التفريع لكن اقتضاه الحكم بالوقوف بالقصد الثانى مراعاة للإيجاز.
قوله: «ومع علم المشتري إشكال».
المتبادر كون الإشكال في البيع، ويلزم منه الإشكال في صحة البيع على تقدير لحوق الإجازة. وإنّما يتوجّه الإشكال على مذهب المصنِّف مع تلف الثمن؛ ليحكم بملك البائع له حينئذ، فلا يتوجّه رجوع المالك به على تقدير الإجازة، ولاصحة البيع بغير ثمن أما مع . بقائه فلا. وعلى مذهب الأكثر من عدم الرجوع به مطلقاً يتوجه الإشكال.
والأقوى الصحة وجواز البيع مطلقاً بناءً على أنّ الإجازة كاشفة، فتبين سبق ملكه على التصرّف بالملك لوفرض.
ص: 330
قوله: والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينعقد على إشكال».
المناسب للتفريع على الأقرب أن يحكم بعدم النفوذ بغير إشكال، لكن نقل ولد المصنّف ( رحمه الله) عنه أنه إذا قال في المسألة: على إشكال» يكون حكماً بما ذكر قبل الإشكال، وفائدته التنبيه على الخلاف بخلاف ما لو قال: «فيه إشكال» ونحوه(1) . وهذا هو الظاهر من العبارتين فعلى هذا لا تنافي بين الحكم السابق والتفريع، لكنّه يستغني عن إعادة ما ينبه على الخلاف، والأمر فيه أسهل.
قوله: «وكذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه وأجاز».
الأجود كون المشبه به المشار إليه ب-«ذا هو عدم النفوذ والعطف عليه أي وكذا لا ينفذ لو باع ملك غيره، ثُمّ ملكه، لا من حيث إنّه لا مجيز له في الحال؛ لأنه متحقق هنا، بل لأن ملكه له إن كان فتل من المالك بالبيع ونحوه اقتضى بطلان عقد الفضولي لأنه عقد جائز بالنسبة إليه، فإذا أوقع عقداً لازماً ناقلاً للملك بطل الجائز، كنظائره من العقود الجائزة يلحقها تصرّف العاقد بعقد لازم ولافرق حينئذٍ بين نقله عن ملکه بعدعلمه بوقوع عقد الفضولي وعدمه مع احتمال الفرق.
وإن كان انتقال الملك إلى بائعه الفضولي بسبب الإرث من المالك فالظاهر أيضاً أنّه مبطل لعقد الفضولي قضيّة لحكم العقد الجائز، فإنّ الموت يبطله، إلا أن يدعى الفرق بين الجائز مطلقاً وما يمكن انتقاله إلى اللزوم، ويحكم حينئذ ببقاء أصل الصحة وتوقفه على إجازة الوارث، وهو الآن بائع الفضولي، فيأتي فيه ما تقدم. وهذا هو الذي صرّح به السيد الشارح (2)، ولا يخلو من إشكال بما ذكرناه.
قوله: «وإن كان من ذوات الأمثال، قسط على الأجزاء سواء اتحدث العين أو تكثّرت ».
ص: 331
ليس على إطلاقه، فإنّ تكثير العين من ذوات الأمثال يتناول مختلف الأجناس ومنفعتها مع اختلاف الأوصاف كالحِنْطَة والشعير ورديء الحنطة وجيدها - وفي هذين لا يصح التقسيط على الأجزاء، بل على القيمة كالقيمي.
20/2 قوله: «ولو فسخ تخيّر المشتري في فسخ المملوك والإمضاء، فيرجع من الثمن بقسط غيره».
والاقتضاء به مع جهله بالحال، وإلا لم يكن له الفسخ.
قوله: «أمّا الإقرار فيُبنى على الإشاعة قطعاً، فلو قال: نصف الدار لك... فللمقرّ له ثلثاما في يده».
وجهه أنّ إقراره له بالنصف يقتضي أنّ للمقر الربع خاصّةً، ومجموع الحِصَّتين ثلاثة أجزاء من الدار من أربعة للمقرّ له منها جزءان وللمقرّ جزء، ويزعم أنّ الرابع خاصة للشريك، فإذا أنكر الشريك ذلك فقد ظلمهما في ربع بزعم المقر، فيكون ذهابه عليهما بالسوية. فيبقى النصف بينهما أثلاثاً بنسبة الحقين على الإشاعة، وينزل الذاهب منزلة التالف فيوزّع على استحقاقهما.
وهذا بخلاف ما لو قال: لك نصف ما في يدي ونصف مافي يد شريكي، فإنّه لا يستحق مع إنكار الشريك إلّا الربع.
21/2 قوله: «والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه لِصِغَرٍ أو جنونٍ أو فَلَسٍ أو سَفَهٍ أو الغائب».
مع تجدّدهما بعد البلوغ، أو عدم الأب والجدّ له، وإلا فالولاية عليهما لهما.
قوله: «والوصيّ إنما ينفذ تصرّفه بعد الموت مع صغر الموصى عليه أو جنونه...».
أن يكون جنونه متصلاً بالصغر، وإلا فالولاية عليه للحاكم لا الوصي، وكذا مع السفه.
قوله: «إلّا أن يجعلاه مشتركاً بينهما».
الأجود البطلان مطلقاً.
ص: 332
قوله: «وشرط المعقود عليه: الطهارة فعلاً أو قوّةً».
يدخل فيه العصير العنبي بعد غليانه، فإنّه يقبل التطهير بالقوة، فيصحُ بَيْعه حينئذ، وهو الأقوى بخلاف الخمر المتخذ للتخليل. والفرق - مع تسليم النجاسة - أنّ طهارة العصير مقدورة للإنسان بخلاف تخليل الخمر؛ مضافاً إلى مادلّ على تحريم بيع الخمر بخصوصها من النصوص المتظافرة (1).
22/2 قوله: «ولا السمك في الماء إلا أن يكون محصوراً».
فيصحَ بَيْعه من هذه الحيثية، وإن امتنع من جهة كونه غير مشاهد ونحوه.
وحينئذٍ فلا ينافي إطلاق جواز بيعه كذلك كونه مشروطاً بشرط آخر، ومثله في الباب كثير .
قوله: «والأقرب صحة بَيْعه من غير اختبار ولا وصف».
المراد صحته من هذه الجهة، وهو ينافي اعتبار أمرٍ آخر كالمشاهدة أو الوصف فإنه معتبر فيه قطعاً، كما مر(2).
22/2 قوله: «فلا يَصِحُ بَيْعُ الوقفِ إلا أنْ يؤدّي بقاؤُه إلى خَرابه لخُلفِ أربابه، ويكون البَيْع أعود».
الأقوى الاكتفاء في جواز بيعه بوقوع الخُلفِ الشديد بين أربابه وإن لم يخف خَرابه؛
ص: 333
لدلالة صحيحة علي بن مهزيار(1) عليه؛ معللاً بأنّ ذلك مظنة لتلف الأموال والنفوس، لا أنّ وقوعهما شرط.
ولو استفيد فيها اعتبار خوف خراب الوقف لم يكن بمجرّده شرطاً، بل مع أمر آخر كما لا يخفى، وهم لا يقولون به.
25/2 قوله: «يوم القبض، أو أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف على الخلاف وعليه أرش النقص...».
الأقوى اعتبار قيمته يوم التلف مطلقاً. ومحلّ الخلاف ما لو اختلفت القيمة السوقية، أما لو اختلفت لنقص في العين وجب الأعلى بغير إشكال، كما ينبه عليه قوله: «وأرش النقص ».
26/2 قوله: «ولو أراه أنموذجاً، وقال: بعتك من هذا النوع كذا بطل؛ لأنّه لم يُعيَّن مالاً ولا وَصَفَ».
الفرق بين الأولى والأخيرة - وهي مسألة الأنموذج مع عدم إدخاله التي استشكل فيها مع اشتراكهما في عدم دخول الأنموذج أنّ المبيع في الأولى أمر كلّى موصوف بالأُنموذج المشاهد، وفي الأخيرة شخصي، وهو ما في البيت، وهو سبب الجزم بعدم الصحة في الأولى والاستشكال في الثانية؛ لأنّ المبيع غير موصوف ولامشاهد. وزاد في الأُولى عدم التشخيص، فلو تلف الأنموذج لم يعلم المبيع، بخلاف المشخّص، فإنّه يرجع إليه وإن تلف، فكان أقرب إلى الصحة.
واعلم أنّ في الفرق بين إدخال الأنموذج في البيع وعدمه نظر؛ لأن رؤيته إن قامت مقام وصف الباقي كفت في الموضعين، وإلا لم تكف فيهما. والتعليل برؤية بعض المبيع على تقدير دخوله فيه أنه بمجرَّده غير كاف في الصحّةِ إن لم يستفد منه وصف الباقي، والحق أنه مستفاد من الأنموذج مطلقاً.
ص: 334
والأقوى صحة البَيْع في الجميع.
27/2 قوله: «ولو قال: إلّا ما يخص واحداً، قال: يصح في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن».
الفرق بين ما يساوي واحداً ،وما يخصه، أنّ المراد بالأوّل مايساويه بحسب سعر السِلْعَة الواقع بين الناس، ومعرفته ممكنة قبل البيع غالباً.
والمراد بما يخصه باعتبار توزيع الثمن عليها بحسب ذلك الثمن من غير التفات إلى السعر العام، ومن ثَمّ كانت معرفته دوريّة؛ لتوقف معرفة المستثنى على معرفة مقدار المبيع المتوقف على صحة البيع المتوقف على معرفة المستثنى. وهو دور بعينه، فإنّ مقدار المبيع ومقدار المستثنى يعرفان معاً، وإنما يصح مع معرفتهما بمقدار المبيع وقدر المستثنى حين العقد لترتفع الجهالة، ولا يكفي تمكنهما من استخراجه بعده.
قوله: «فإن علماه بالجبر والمقابلة أو غيرهما، صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن».
طريقه بالجبر: أن يفرض المستثنى المجهول شيئاً، فالمبيع السلعة إلا شيئاً يعدل أربعة أشياء؛ لأنّ الشيء جعل بإزاء الدرهم، فإذا جبرت المستثنى بشيء وأزلت الاستثناء وقابلت الزيادة بمثلها في الثمن صارتِ السِلْعَة تعدل خمسة أشياء، فالشيء خمسها، فيكون المستثنى خمسها والذي صح فيه البيع أربعة أخماسها بأربعة دراهم.
وبطريق الخطأين يفرض المستثنى ربع السلعة -لقول الشيخ (1)- وثلثها، فيقع الخطأ في الأوّل بثلث وفي الثاني بواحد؛ لأنا إذا فرضنا صحة البيع في ثلاثة أرباعها بالأربعة بطل في ربعها وهو مقابل الواحد وثلث، لأنّ الربع ثلث ماصح فيه البيع بأربعة، والتقدير أنه يقابل واحداً.
وإذا فرضنا صحته في ثلثيها بالأربعة بطل في ثلثها وهو مقابل لاثنين؛ لأنه نصف
ص: 335
ماصح فيه البيع بأربعة، والتقدير أنه واحد كذلك، فوقع الخطأ بواحد. وكلاهما زائد، فيسقط أحد الخطأين من الآخر يبقى ثلثان، ويضرب الخطأ الأول وهو ثلث - في العدد الثاني - وهو ستة - لأنّ المجتمع من ستة - لأنّ المجتمع من الأربعة المفروضة والاثنين المقابلة للثلث فبلغ الضرب اثنين. ويضرب العدد الأول - وهو خمسة وثلث - في الخطأ الثاني - وهو واحد - يخرج العدد فإذا أسقطت الأوّل من الثاني بقي ثلثه وثلث يقسمها على فضل ين وهو ثلثان بمعنى نسبتها إليها يكون خمساً؛ لأنّ الثلثين خمس الثلاثة وثلث فالمستثنى من المبيع خمس، والصحيح أربعة أخماسه.
وإن شئت أن تفرضها خالية من الكسر فاجعل المبيع عدداً يخرج منه الكسران وهو اثنا عشر ربعها ثلاثة يقابل واحداً فتكون الأربعة مقابلة لاثني عشر، فهي مع المستثنى خمسة عشر، فأخطأت بثلاثة زائدة عن المجموع؛ لأنه مفروض اثني عشر، وثلثها أربعة يقابل واحداً، فتكون الأربعة مقابلة لستة عشر، فإذا ضممناها إلى المستثنى بلغت عشرين، فأخطأت بثمانية زائدة أيضاً. فاضرب العدد الأول وهو ثلاثة - في الخطأ الثاني يبلغ أربعة وعشرين، والعدد الثاني وهو أربعة - في الخطأ الأوّل يبلغ اثني عشر، يسقط أقلّها من الأكثر يبقى اثنا عشر تقسمها على فصل ما بين الخطأين وهو خمسة تخرج اثنان وخمسان هي المستثنى من مجموع السلعة، وقد فرضناها اثني عشر، وهي خمسها.
وقس على ذلك ما لو كان الخطأين معاً ناقصين. ولو كان أحدهما زائداً والآخر ناقصاً عملت كذلك، إلا أنك تقسم مجموع العددين على مجموع الخطأين، فما خرج بالقسمة تعتبر نسبته إلى ما فرضته من عدد السلعة.
قوله: «ولو باعه بعشرة وثلث الثمن فهو خمسة عشر؛ لأنّ الثمن شيء يعدل عشرة وثلث شيء فالعشرة تعدل ثلثي الثمن».
طريقه بالجبر أن يفرض الثمن شيئاً فالمبيع بعشرة وثلث شيء، يعدل شيئاً كاملاً، يسقط ثلث شيء بمثله تبقى العشرة معادلة لثلثي شيء، فالشيء خمسة عشر، وهو
ص: 336
الثمن المطلوب، أو تفرض ثلث الثمن شيئاً؛ لأنّه أيضاً مجهول فالمبيع بعشرة، وشيء يعدل ثلاثة أشياء، فإذا أسقطت شيئاً بشيء بقيت العشرة تعدل شيئين، فالشيء خمسة، وهو الثلث المطلوب.
وبطريق الخطأين تفرض الثلث ستة يكون الثمن ثمانية عشر، وقد كان بضميمته إلى العشرة ستة عشر عشر، ، فالخطأ باثنين زائدين، ثمّ تفرضه أربعة، فالثمن اثنا عشر، وقد كان بضميمته إلى العشرة أربعة عشر، فالخطأ باثنين ،ناقصين، فتضرب العدد الأول وهو ستة - في اثنتين يبلغ اثني عشر والعدد الثاني وهو أربعة - في الخطا الأوّل - وهو اثنان أيضاً - يبلغ ثمانية وجملة المضروبين عشرون تقسمها على مجموع الخطأين وهو أربعة يخص كلّ واحد خمسة وهي الثلث المجهول، وقس عليه الزائدين والناقصين مراعياً ما سبق.
قوله: «ولو قال: ورُبع الثمن، فهو ثلاثةَ عَشَرَ وتُلتُ...».
لأنا نفرض الثمن شيئاً فالمبيع بعشرة وربع الشيء يعدل شيئاً كاملاً، فإذا أسقطت ربع شيء بربع شيءٍ بقيت العشرة معادله لثلاثة أرباع شيء، فالربع ثلاثة وثلث، يضاف إلى العشرة تبلغ ماذكر.
وبالخطأين نفرض الربع ثلاثة فيكون الثمن اثني عشر، وقد كان مع العشرة ثلاثة عشر فالخطأ بواحد ناقص، ثمّ نفرض اثنين فيكون الثمن ثمانية، وقد كان مع العشرة اثنا عشر فالخطأ بأربعة ناقصة أيضاً. فنضرب العدد الأول - وهو ثلاثة - في الخط الثاني وهو أربعة - يبلغ اثني عشر ، والخطأ الأوّل في العدد الثاني يبلغ اثنين.
وبعد إسقاط أوّلِ العددين من الأكثر يبقى عشرة، وبعد إسقاط أقلّ الخطأين من الأكثر يبقى ثلاثة، إذا قسمت عليها العشرة خصّ كلَّ واحدٍ ثلاثة وثلث، وهو الربع المجهول. وقس على ذلك الزائدين والمختلفين.
قوله: «ولو قال: إلّا تُلتَ الثمن، فهو سبعة ونصف».
لأنا نفرض الثمن شيئاً فالمبيع بعشرة إلا ثلث شيء يعدل شيئاً كاملاً، فأجبر الثلث
ص: 337
المستثنى وقابله بمثله في الثمن تصير العشرة تعدل شيئاً وثلثاً، فالشيء سبعة ونصف. وبالخطأين نفرض الثلاثة اثنين فيبقى الثمن ثمانية، وقد كان باعتبار أن ثلثه اثنان ستة فالخطأ باثنين ناقصين. ثُمّ نفرضه واحداً يبقى الثمن تسعة، ومقتضى الثلث أن يكون ثلاثة فالخطأ سنّة ناقصة أيضاً. فنضرب العدد الأول وهو اثنان - في الخط الثاني يبلغ اثني عشر، والعدد الثاني في الخط الأوّل يبلغ اثنين، ثمّ نقسم الفاضل من المبلغين بعد إسقاط الأقل من الأكثر وهو عشرة، على تفاوت ما بين الخطأين وهو أربعة يخص كلُّ واحدٍ اثنان و نصف وهو الثلث المستثنى. وبالمختلفين نفرضه ثلاثة يبقى الثمن سبعة، و مقتضاه أن يكون تسعة، فالخطأ باثنين زائدين، ثمّ نفرضه اثنين يبقى ثمانية، ومقتضاه أن يكون ستة ، فالخطاً باثنين ناقصين. نضرب اثنين في اثنين واثنين في ثلاثة ونجمعها عشرة، ثمّ نقسمها على مجموع الخطأين وهو أربعة، يخرج اثنان ونصف، وهو الثلث المطلوب.
ص: 338
28/2 قوله: «ولا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم».
ذكراً كان أم أنثى، بشرط إمكان تولده منه عادةً. قوله: «فإن أقرّ بعد بلوغه بالرقيّة حُكم عليه بها مالم يكن معروف النسب، وكذا كلّ من أقرّ بها بالغاً رشيداً مجهولاً ...».
بشرط أن يكون مع ذلك رشيداً على الأقوى، كما ينبه عليه قوله بعد ذلك: «وكذا كلّ من أقرّ بها بالغاً رشيداً».
ولم يعتبر في التذكرة(1) الرشيد؛ بناءً على أنّ متعلّق الإقرار ليس بمال ولا مستلزم له وهو ممنوع .
قوله: «ويملك الرجل كل قريب وبعيد سوى أحد عشر : الأب والأم ...».
ملكاً مستقراً، وإلا فإنّه يملك الجميع في الجملة، ومن ثم أعتق عليه منهم من أعتق، لكن ملكهم غير مستقر فأطلق عليه عدم الملك واستثناه.
ص: 339
29/2 قوله: «ومايؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام فهو للإمام خاصة».
بشرط أن يؤخذ بطريق الجهاد ليصدق عليه اسم الغنيمة، وإلا فهو لآخذه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده. وينبه عليه قوله بعد ذلك: «وكلُّ حربي قهر حربياً...» فإنّه يدخل في الكلية غير من أبيح له ماذكر هنا.
قوله: «أو من ينعتق عليه كابنه وبنته وأبويه على إشكال ينشأ من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر».
الإشكال في صحة بَيْع من ينعتق على قاهره ومنشؤه ممّا ذكر ويفهم من قوله: «دوام القهر المبطل للعتق» عدم وقوع العتق بهذا السبب أصلاً.
وفيه، أنّ القهر لا ينافي أصل الملك قطعاً، ولهذا صح شراء من ينعتق عليه وحكم بملكه، ومن ثم ترتب عليه القطع، وحينئذٍ فيحكم بالملك في أوّل آنات القهر، ويتعقبه العتق في آنٍ ثانٍ. ويمكن حينئذٍ القول بحصول الملك في الآن الثالث، والعتق بعده، وهلم جراً.
وبهذا يظهر أنّ دوام القهر إنّما يبطل استمرار حكم العتق لا أصله، وأن دوام القرابة
لا يرفع أصل الملك بالقهر، وإنما يبطل استمرار الملك، لأنها لاتنافيه، بل تجامعه.
وكيف كان فلا يصح البيع ؛ لعدم تحقق شرطه ويتعيّن كونه استنقاذاً ولا تلحقه أحكام البيع بالنسبة إلى المشتري مطلقاً. أما بالنسبة إلى البائع فإن كان على وجه يحترم ما لحقه أحكام البيع، وإلا فلا. وبهذا يظهر أيضاً أن تنظر المصنف في لحوق أحكام البيع مطلقاً غير جيّد؛ لأنه إذا كان استنقاذاً لا بَيْعاً حقيقياً لم يتوجه النظر في لحوق أحكامه مطلقاً.
قوله: «ويحمل مطلقه على الصحيح».
الظاهر كون المراد بالمطلق هنا ما تقدّم من بيع نصفه وثلثه، فإنّه وقع مطلقاً، أي غير مبين كونه على الإشاعة أو التعيين، فيحمل على الصحيح وهو الإشاعة. ويبقى حكم ما لو صرّح بالإشاعة مسكوتاً عنه لكنّه مستفاد من الحكم بصحة المطلق
ص: 340
بطريق ،أولى، فليس في تركه إخلال.
ويمكن على بعد حمل قوله: «ويصح لوباعه نصفه وثلثه» على التصريح بالإشاعة وقوله: «ويحمل مطلقه» على استئناف مسألة أُخرى وهي حكم ما لو أطلق، وإنّما حمل الإطلاق على الصحيح مع اشتراكه؛ لقيام القرينة على إرادته من حيث ظهور حمل النصف المطلق على الشائع، وإرادته نقل الملك، وصيانة كلامه عن الهذر.
30/2 قوله: «ولو استثنى البائع الرأس والجلد، فالأقرب بطلان البيع، والصحة في المذبوح».
قوي، وكذا لو كان حيّاً وقصدا ذَبحه.
قوله: «ولو اشتركا في الشراء وشرط أحدهما الرأس والجلد، لم يصح وكان له بقدر ماله».
الأقوى البطلان إلا أن يكون مذبوحاً، أو يشترط ذَبحه، كما مر (1).
قوله: «ولو قال له: الربح بيننا ولا خسران عليك، فالأقرب بطلان الشرط».
قوي، ويتبعه بطلان العقد أيضاً.
قوله: «والحمل حال البيع للبائع على رأي إلا أن يشترطه المشتري، فيثبت معه، فإن سقط قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعله قومت في الحالين...».
الفاء في قوله: «فإن سقط» للتفريع على قوله: فيثبت له معه والمراد أنه إذا اشترط الحمل فسقط قبل القبض أو في الثلاثة كان مضموناً على البائع كجملة البيع وأجزائه، بل الحمل على هذا التقدير من جملة أجزاء المبيع. واللام في الحالين للعهد الخارجي، وهما حالة الحمل والإسقاط والمراد أنّها تُقَوَّم حاملاً ومُجْهِضاً (2) لا حاملاً وحائلاً، ويؤخذ بنسبة التفاوت بين الحالين.
ص: 341
ولو فرض كون الحمل غير مشترط فالتقدير كذلك إلّا أنّ اللازم تفاوت مابين كونها حاملاً الحمل لغيره ومُجهضاً كذلك. وفي الحكم بثبوت الأرش هنا جزم - بعد الإشكال السابق - في قوله فيه وفي الأرش نظر». وقوله: «وبالأرش على رأي» لاشتراكهما في العيب الحادث في الثلاثة، وقبل القبض.
31/2 قوله: «و تحمل الرواية (1) بالدفع إلى مولى الأب عبده كما كان على إنكار البيع...».
هذا الحمل ليس بجيّد؛ لأنه صرّح في الرواية مولى الأب يدعي شراءه بماله، فكيف يحمل على إنكاره البيع بل لاوجه لتكلّف تسديد الرواية؛ لأنها ضعيفة السند جداً، ولم تبلغ في الشهرة إلى حدٍّ يوجب تلقيها بالقبول على هذه الحالة.
قوله: « والأقرب تسليمها إلى الحاكم من غير سعي».
قوي، والمراد به مع تعذر الوصول إلى المالك أو وكيله، وإلا قدّم على الحاكم.
قوله: «ولو دفع بائع عبدٍ موصوفٍ في الذمة عبدين ليتخيّر المشتري، فأبق أحدهما ضمنه بقيمته، ويطالب بما اشتراه».
إنّما فرض المسألة في العبدين؛ لأنهما مورد النص (2)، وعدل عمّا تضمنته الرواية من الحكم بكون الموجود بينهما ويرتجع نصف الثمن، بمخالفته للأصول الشرعيّة انحصار الحق الكلّي قبل تعيينه في فردين وثبوت المبيع في نصف الموجود المقتضي للشركة، مع عدم الموجب لها، ثمّ الرجوع إلى التخيير لو وجد الآبق.
وحكم المصنّف بضمان الآبق بقيمته الشامل لحالتي التفريط فيه وعدمه، بناءً على ضمان المقبوض بالسَوْم مطلقاً، وفيه نظر.
وأما مطالبته بما اشتراه مع كون الموجود بغير الصفة واضحة، وأما مع كونه بالصفة فيتعيّن حقه فيه.
ص: 342
وعلى هذا لا فرق بين العبدين والعبيد وغيرهما من الأمتعة، وإنما يحصل الإشكال في التعدي لو عملنا بالرواية.
32/2 قوله: «ويجب على البائع استبراء الموطوءة بحَيْضة، أو خمسة وأربعين يوماً قبل بيعها إن كانت من ذوات الحَيْض».
الحَيْضة على تقدير كونها ممّن تحيض والمدّة على تقدير عدم حَيْضها أصلاً أو استرابتها.
قوله: «وكذا يجب على المشتري قبل وطئها لو جهل حالها».
أو علم كونها موطوءة بطريق أولى، ولعله ترك حكمه لذلك.
قوله: ويحرم وطء الحامل قبلاً قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، ويُكره بعده إن كان عن زني...».
الأقوى اشتراك الجميع في الحكم بالتحريم قبل المدّة المذكورة، والكراهة بعدها.
قوله: «ورؤية المملوك ثمنه في الميزان».
علّق الكراهة على الرواية الشاملة لوقوعها بإراءة المولى له و عدمها؛ تبعاً للنصوص الدالة على ذلك، ففي رواية زرارة عن أبي عبد الله (علیه السّلام): «إذا اشتريت رأساً فلا تريَّن في كفّة الميزان، فما من رأس رأى ثمنه في كفّة الميزان فأفلح»(1). وروى ميسّر عنه(علیه السّلام) : «من نظر إلى ثمنه وهو يوزن لم يفلح »(2).
وفي الدروس يكره أن يريه ثمنه في الميزان (3). واستدلّ عليه برواية زرارة، وقد عرفت أنّها لا تدلُّ على ذلك بخصوصه، وإن كان تعلّق الحكم بالمولى أوضح.
قوله: «والتفرقة بين الطفل وأُمه قبل الاستغناء ببلوغ سبع سنين، أو مدة
ص: 343
الرضاع على خلاف، وقيل(1) : يحرم».
الأقوى التحريم. وغايته سبع سنين في الأُنثى، ومدة الرضاع في الذكر.
قوله: «وفي الرجوع بالعقر وأجرة الخدمة نظر ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض، ومن استيفاء عوضه ».
المراد إباحة البائع للوطء والخدمة بغير عوض يخصهما، فإنّه إنما جعل العوض وهو الثمن في مقابلة الرقيّة، ولهذا كان تقسيطه حيث يحتاج إليه على أجزائها دون منافعها. والمراد بإباحته لذلك إيقاعه المعاوضة المقتضية لها.
والأقوى الرجوع بهما، كما يرجع بنماء المبيع لو رجع به عليه.
ص: 344
33/2 قوله: «ولا يجوز قبله مطلقاً على رأى».
الأقوى جواز بيعها حينئذٍ أزيد من عام، ومع الضميمة، وإن كان الوقوف مع المشهور أولى .
قوله: «ولا تجوز قبل الظهور عاماً ولا اثنين على رأى».
الأقوى الجواز أزيد من عام كالنخل.
35/2 قوله: «وإن منع ضمن وكذا لو تعيَّبت».
وجه الضمان كونه سبباً في التلف مع عدم وجود مباشر يترجح عليه. ويشكل الفرق بينه وبين منع المالك من حفظ دابته، والجلوس على بساطه حتى هلك، مع تحقق السببية فيهما. وما قيل(1) : من الفرق بكون البائع ذا يد على الأصول، فيمنعه المشتري من السقي فيصير ذا يدٍ على الثمن أيضاً باعتبار التبعية، فيضمن كما لو منع صاحب البيت من له صندوق فيه عن حفظه حتى تلف.
فيه، أنّ البائع قد لا يمنع المشتري هنا من التصرف في الثمرة أصلاً ولا يرفع يده عنها، بل هو المفروض، وإنما منعه من السقي خاصةً فلا يتحقق إثبات يد على الثمن بمجرده.
،نعم، قد يقال: إنّه أعم منه فيمكن حمله على تلك الحالة.
وفي الدروس حكم بضمان كل من البائع والمشتري لو منع الآخر من السقي فتلف
ص: 345
ماله أو عاب(1) ، وهو أقوى إشكالاً ممّاهنا. والفرق المذكور لا يتم في منع المشتري البائع مطلقاً .
قوله: وهل يسري المنع إلى ثمر الشجر؟ الأقرب ذلك؛ لتطرق الربا على إشكال».
التعليل بتطرّق الربا غير جيّدٍ ؛ لأنّ الثمرة على الشجرة ليست مكيلة ولا موزونة؛ فلا يدخلها الربا عندنا، وإنما يتم على مذهب العامة الذين يجعلون الربا ثابتاً في مطلق المطعوم (2). ولعلَّ الإشكال الذي ذكره راجع إلى العلّة لذلك لا إلى أصل الحكم. وكيف كان فالأقوى تعدّي التحريم إلى الجميع؛ عملاً بالعلة المنصوصة في بيع الرطب بالتمر (3).
36/2 قوله: «لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها....».
المشهور أنّ المعتبر في ثمن العَرِيّة كونه بقدر ما عليها من التمر، على تقدير صيرورته تمراً، بمعنى أنه لو كان عليها مائة رطل رطباً مثلاً وقدرت بخمسين تمراً، اعتبر بيعها بخمسين تمراً.
وقيل: إن المماثلة المعتبرة بين ثمرتها رطباً وثمنها تمراً فيعتبر بيعها في المثال المذكور بمائة تمراً(4) . وبهذا المعنى صرّح المصنف في التذكرة (5) وجعله مستثنى من بَيْع الرطب بالتمر متساوياً، والأصح الأول، ويمكن تنزيل العبارة على الأمرين، وإن كان الأوّل أولى.
ص: 346
37/2 قوله: «وشرطه التقابض في المجلس...».
المجلس هنا كناية عن عدم التفرق، مثل إطلاقهم خيار المجلس، مع اتفاقهم على ثبوته مالم يفترقا وإن فارقا مجلس العقد، وهو مجاز مشهور أو حقيقة عرفية.
38/2 قوله « والمغشوش يباع بغير جنسه إن جهل ،قدره، وإلا جاز ،بجنسه بشرط زيادة السليم في مقابلة الغشّ».
الضابط أنه متى علم زيادة الثمن على مافيه من مجانسه لتقابل الزيادة الغش، جاز بَيْعه بجنسه سواء علم مقداره أم لا. ولعلّ اشتراطه جهالة قدره مبني على الغالب، من عدم بذل المجانس مع الجهل بقدره على ذلك الوجه.
قوله: «والمصاغ من النقدين إن جهل قدر كلّ واحد بيع بهما أو بغيرهما أو بالأقل إن تفاوتا».
وكذا يجوز بَيْعه بأحدهما مع العلم بزيادته عن مقدار جنسه سواء علم به أم لا، وسواء كان هو الأقل أم الأكثر والتقييد بالأوّل لاوجه له، وكذا القول في المحلى بأحد النقدين.
39/2 قوله: «ولو اختلف الجنسان فله الأرش ماداما في المجلس، فإن فارقاه، فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه، وإن كان مخالفاً صح».
الفرق بين أخذ الأرش من جنس المعيب والسليم غير واضح من حيث الصرف؛ لاشتراكهما في وقوع القبض بعد التفرّق فيبطل والحقُّ أنّه إن أخذ الأرش من أحد النقدين بطل مطلقاً، وإن أخذه من غيرهما صح؛ لأنه حينئذ يكون بمنزلة بيع وصرف
ص: 347
فلا يضرُّ التقابض في البَيع بعد التفرّق.
وقد نقل عنه تلامذته تكلّفات في تصحيح العبارة ولا تتم بشيء منها (1).
40/2 قوله: «لو أخبره بالوزن، ثم وجد نقصاً بعد العقد، بطل الصرف مع اتحاد الجنس».
إنّما يبطل الصرف بتمامه مع تعيين العوضين، كبعتك هذا الدينار بهذا الدينار بظهور الربا بالنقصان، أما لو باعه ديناراً بدينار، ثمّ تقابضا، فظهر النقصان في أحدهما جاز إبداله قبل التفرّق، وبطل في قدر الزيادة خاصةً مع عدم التفرق قبل التقابض فيما قابلها. وبهذا يظهر الفرق بين مسألة الزيادة والنقصان فإنه هنا يصح لتحقق التقابض وزيادة بخلاف النقصان، وينبه على إرادة المعنى الأول في العبارة.
قوله: «ويتخيَّر مع الاختلاف بين الردّ والأخذ بالحصّة».
فإنّه لا يتمّ إلّا مع التعيين، إذ لو كان العوض الناقص مطلقاً تعين إبداله قبل التفرّق وصح الصرف. أمّا مع التعيين فليس له سواه، فلا رباً؛ لاختلاف الجنس، فيجبر النقصان بالخيار. لكن يشكل حكمه بأخذه بالحصة، لعدم وقوع العقد على ذلك، وإنّما وقع على المجموع في مقابلة المجموع الموجود فإما أن يرد للنقص أو يقبل الموجود بالثمن.
وسيأتي (2) في نظير المسألة خلاف واختيار من المصنف لما ذكرناه.
41/2 قوله: «سواء علما وجوده أو ظنّاه أو شكّا فيه، فإن ظهر عدمه بطل الصرف».
ضمیر «وجوده» و «عدمه» يرجع إلى «الوديعة» بتأويل ،مذكّر، كالمال والدينار.
وفي التذكرة (3) فرضها ديناراً وفرع عليه كذلك ولا فرق في البطلان مع تبين عدمه بين كونه مضموناً وعدمه؛ لأنّ البيع إنما وقع على غير المودع فلا يتناول بدله.
ص: 348
قوله: «روي (1)جواز ابتیاع درهم بدرهم وشرط صياغة خاتم، ولا يجوز التعدية».
الرواية لم ترد مطلقة كما ذكر، وإنما وردت بإبدال درهم طازج بدرهم غلة مع جعل الغلة من الصائغ، والطازج الخالص (2)، والغلّة غيره.
وحينئذٍ فالصياغة منضمّة إلى المغشوش مقابلة للزائد من الخالص، وهذا لا محذور فيه بوجه، ولا إشكال في تعديته إلى ما أشبهه.
ص: 349
43/2 قوله: «جاز إن لم يكن شرطه في العقد.
فيبطل مع اشتراطه على المشهور؛ للزوم الدور، حيث إنّ بَيْعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه.
وفيه منع توقف ملكيته على بيعه، وإنما يتوقف على البَيْعِ الأول الناقل للملك إليه ليتحقق البيع منه شرعاً، غايته أنه يملكه مع شرط آخر، وهو غير قادح كغيره من الشروط، خصوصاً بَيْعه من غيره فإنه جائز إجماعاً مع جريان ما ذكر من الدور فيه. وعلّل أيضاً بعدم قصد البائع خروجه عنه. ويضعف بأنّ المعروض قصده إليه، وإنما شرط عوده بعد انتقاله عن ملكه المتوقف على قصده، ملكه المتوقف على قصده، ولو كان ذلك مانعاً لمنع لو قصداه وإن لم يشترطاه في متن العقد مع اتفاقهم على عدم تأثير قصد ذلك من غير شرط.
قوله: «ويجوز البيع نسيئة بزيادة عن قيمته ونقصان مع علم المشتري».
أي علمه بالقيمة. وينبغي أن يراد بالجواز حينئذ اللزوم؛ لئلا يقتضي عدم صحة بَيْع
ص: 350
الجاهل بالقيمة، مع الاتفاق على جوازه، وإن لم يثبت له الخيار. وأما حمل العلم على الرشد ليبقى الجواز على ظاهره فبعيد جداً.
قوله: «ففي صحة البَيْع نظر، فإن قلنا به بطل الشرط على إشكال».
الأقوى عدم الصحة. والقول بصحة البيع دون الشرط ضعيف؛ لمخالفته لقصد المتبائعين الذي هو شرط صحة العقد.
44/2 قوله: «وكذا لو قال: بعتك بلا ثمن أو على أن لا ثمن عليك فقال: قبلت، ففي انعقاده هبة نظر »
في أكثر النُسَخ المعتبرة: «وكذا لو قال...» إلى آخره. وهو ينافي قوله: «ففي انعقاده هبة نظر»؛ لأنّ المعطوف عليه الحكم بانعقاد البيع وهو لا يوافق التوقف بعده، وكأنه عطفه على معنى الأقرب المقتضى للخلاف والمعنى، وكذا الخلاف لو قال: «بعتك...» إلى آخره ثمّ أكمله باحتمال انعقاده هبة.
وكيف كان فهو مستهجن، والأولى حذف قوله: «كذا» كما هو الموجود في بعض النسخ.
ومنشأ النظر ممّا ذكر فإنّ ذكر البيع بغير ثمن دال بحسب المعنى على الهبة وإن كان استعمال لفظ البيع فيها بطريق المجاز، حيث إنّ المتبادر منه غيرها إلّا أنّ الإضافة المذكورة قرينة جليّة على إرادة الهبة وهي لا تنحصر في لفظ كما سيأتي - بل تتأدّى بكلّ لفظ يدلّ عليها، وهذا دالّ.
ومن اقتضاء البيع الثمن، فإخلافه عنه يوجب فساده، وهو الأقوى إلّا أن يصرّح بإرادة الهبة فيقوى صحتها.
قوله: «وهل يكون مضموناً على القابض؟ فيه إشكال».
مقتضى التفريع أن الإشكال في الضمان متفرع على الإشكال في وقوعه هبة أو بيعاً
ص: 351
فاسداً، وليس بمراد؛ لأنه على تقدير كونه هبة لا يتفرّع الضمان، وإنما يتفرع على القول بعدمه. فإنه حينئذٍ يحتمل كونه بيعاً فاسداً؛ نظراً إلى اللفظ فيكون مضموناً، وكونه هبة فاسدة؛ نظراً إلى المعنى، فلا يكون مضموناً. ويظهر من المنشأ الذي ذكره وجه ثالث ، وهو أنّ الإشكال على تقدير كونه بَيْعاً فاسداً خاصة. ووجهه ماذكره من اقتضاء البيع الفاسد الضمان، ومن احتمال خروج هذا الفرد منه، حيث صرّح بعدم الثمن، فإنّه يقتضي عدم الضمان؛ لأنه لم يوقعه على وجه المعاوضة، بل على وجه الإباحة والتمليك فلا يضمن.
والأقوى تفريعاً على عدم وقوعه هبة الضمان عملاً بظاهر اللفظ الدال على كونه بَيْعاً فاسداً.
45/2 قوله: «ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء إلى أن يبلغ الغاية؛ لعسر الوجود، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم».
أراد ب- «عسر الوجود» ما دون عزّته، كما هو الظاهر منه، وحينئذ فالاستقصاء المفضي إلى عسر الوجود - مع إمكانه في الجملة إمكاناً غير نادر - جائز، لكنه غير واجب والمفضي إلى عزّة الوجود غير جائز.
ولو ترك التعليل بالعسر(1) كان أيسر؛ ليبقى عدم الوجوب على ظاهره، إذ العسر قد يؤدّي إلى عدم الجواز كما إذا كان كثيراً يندر معه الوجود.
وفي التذكرة عبر في الموضعين بعزة الوجود (2) ، مع تصديره بعدم الوجود كما هنا. والمناسب حينئذٍ معه عدم الجواز لا الوجوب.
واعلم أن الإطناب في الوصف المفضي إلى عزّة الوجود، قد يمكن وجود الموصوف فينضبط بدونه فيصح السلم فيه مع عدم الاستقصاء، ويبطل معه. وقد لا يوجد إلا بالاستقصاء المفضي إلى العزّة كاللآلئ الكبار، فلا يصح السلم فيها مطلقاً.
ص: 352
وعبارة المصنّف تقتضي ذلك وليس فيها اختلال.
والأقوى أنّ الجارية الحسناء مع ولدها من القسم الأوّل، فوصفها الرافع للجهالة من غير استقصاء ليست معه عزيزة الوجود. وبالاستقصاء في اللون والشكل ووصف الأعضاء الخاصة بعزّ وجودها كما ذكر .
قوله: «والأردأ على إشكال، ينشأ من عدم ضبطه».
ماذكره منشأ البطلان مع وصف الأردأ، ويظهر منه منشأ الصحة مع جوابه ووجه عدم الضبط أنّه ما من فرد رديء إلا ويمكن فرض أردأ منه، بل وجودة، فلا يكون هو الواجب.
وقوله: «ووجوب قبض الجيد...» إلى آخره إشارة إلى منشأ الصحة مع مافيه. و حاصله منع عدم الضبط المفضي إلى المنع؛ لأنّ الفرد الذي يؤدّى به الأرداً إن كان هو المسلم فيه ،فواضح وإلّا فهو أجود منه.
وسيأتي (1) أنّ قبض الأجود عن الرديء واجب حيث يبذله المديون فيمكن تأدي الحق به، بل فيه زيادة الخير وفيه ما أشار إليه المصنّف من أن وجوب قبضه على تقدير بذله لا يقتضي كونه مضبوطاً وقت العقد ومتعيّناً في نفسه، وهو شرط في صحة العقد، فإنّه يجب تعيين المُسلّم فيه بحيث يمكن الرجوع إليه عند الحاجة، ويمكن تسليمه ولو بالقهر، وهذا لا يندفع ببذل المسلم إليه الجيد باختياره فيتعذر التخلُّص عند المماكسة، وحينئذ فالأقوى البطلان.
قوله: «وكلّ ما يمكن ضبط أوصافه المطلوبة يصح السّلّم فيه وإن كان مما تمسه النار...».
نبه بذلك على خلاف بعض العامة، حيث جعل مس النار من موانع السلم (2)، ولعدم
ص: 353
انضباط تأثيرها، ونحن نتكلّم على تقدير الانضباط.
قوله: «أو جارية كذلك على رأي».
مقتضى الحكم بالصحة هنا - مع منعه فيما تقدّم(1) من بطلانه في الجارية الحسناء ذات الولد - أنّ المراد بمطلقها هنا غير الحسناء ممّا لا يعزُّ وجودها، وعلى ما اخترناه فهي على إطلاقها مقيّدة بالقيد.
قوله: «أو حامل على إشكال ينشأ من الجهل بالحمل».
هذا لا يصلح منشأ للمنع، خصوصاً على ما أسلفه (2) من أن المجهول إذا كان تابعاً للمعلوم لا يقدح في الصحة، وهو هنا كذلك، ولهذا صح بَيْعه مع الأم، وهذا هو الأصح.
قوله: «والخَزُّ الممتزج من الإبريسم والوَبَرِ».
المراد بالوَبَر هنا وَبَرُ الخَز والمراد أنّ الخَزَّ الممتزج بالإبريسم يصح السلم فيه مع ضبط أجزائه، ولذلك عدى الامتزاج ب«من»؛ لأنه في قوة الخَز المركب منه ومن الحرير. وفي التذكرة (3) إبدال المزج بالتركيب. وأما تعدية الامتزاج بالباء فمشروط بذكر الممتزج بغيره، فيقال: امتزج كذا بكذا والأمر هنا ليس كذلك، وإنّما يتم لو اقتصر على امتزاجه بالحرير، أو يجعل الوَبَر أمراً خارجاً عن الخَز بأن يمزج الخَزّ بوَبَرٍ آخر.
وهو تكلُّف غیر محتاج إليه. وفي عبارة التذكرة مايدلّ على ما ذكرناه.
46/2 قوله: «والأقرب جواز اشتراط ما لا يَعُزُّ وجودهُ وإن كان استقصاء، كالسِمَن والجُعُودة».
قد تقدّم(4) أنّ الاستقصاء إن أفضى إلى عزّة الوجود لم يصح وإلا صح، وهو شامل لما فيه عسر و عدمه فنبه هنا على الخلاف فيه في الحمل، حيث يمكن الغناء عنه
ص: 354
كالسمن. فإنّ وصف الحيوان بما ذكره من القيود يرفع الجهالة عنه، ويتأدّى الواجب حينئذٍ بالسمين وغيره وبجعد الشعر وغيره، فلا ينبغي التعرّض له لما فيه من العزّ.
ومقابل الأقرب عدم الجواز إلحاقاً للعسر بالعزّة الممكن خلافها ولو نادراً، وربما احتمل كون مقابل الجواز اشتراط ذلك؛ بناءً على أنّ هذه الصفات مقصودة تتفاوت باعتبارها القيمة. ويمنع كون ذلك موجباً لوجوب شرطه؛ لما علم من أنّ الإطلاق محمول على أقلّ مراتب الواجب، وإن بقي هناك أفراد كثيرة متفاوتة في القيمة.
47/2 قوله: «ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه».
ضمير «لونه» يعود إلى النوع والمراد أنّ النوع المعتبر ذكره، والصنف منه إذا اختلفت أفراد النوع إنّما يكتفي به عن ذكر اللون إذا اتحد لون النوع ، أما لو اختلف لونه وجب مع ذلك التعرّض للون في النوع، ثمّ إن اتحد لون الصنف اكتفى بذكره عنه، وإلا وجب ذكره فيه واستغنى عن ذكره في النوع.
قوله: «والنوع كنَعَم بني فلان أو نتاجهم بختي أو عربي ...».
قوله: «بختي أو عربي».
بدل من نَعم بني فلان أو من نتاجهم؛ لأنّ في ذكر البختي والعربي تعييناً للنوع كما يتعين بنعم بني فلان، بل أزيد، حيث يكون لبني فلان نَعَم من النوعين.
والمراد حينئذ أن يذكر النوع بأحد الأمرين: إمّا نَعَم بني فلان ونتاجهم أو بختي أو عربي إلى آخر ما يعتبر. وفي بعض النسخ كبختي أو عربي بزيادة الكاف، والمراد على هذا التقدير أنه يعيّن النوع بنعم بني فلان ونتاجهم، كما يعينه ببختي أو عربي، ولا يخلو من تكلّف .
قوله: «ولا يجب التعرّض للشيات(1) ، كالأغرّ والمُحَجِّل».
هي جمع شية، وهي لون في الشيء يخالف سائر لونه ومثله الوشي، وهما
ص: 355
الأصل مصدر وشاه وَشْياً وشِيَة(1) ، ومنه قوله تعالى في وصف البقرة: لَّا شِيَةَ فِيهَا) (2) أي لا لون لها غير الصُّفْرَة يخالف شيئاً من لونها. والأغر: ذو البياض في وجهه (3). و«المحجّل»: ذو البياض في قوائمه، أو في رجليه، أو في أحدهما مع اليدين أو أحدهما لا في يديه خاصة (4).
وإنّما لم يعتبر التعرّض لذلك؛ لعدم الالتفات إلى ذلك عرفاً على وجه يختلف الثمن باختلافه ويفيد تركه جهالة.
قوله: «ولا نِتاج للبغال والحمير، بل يذكر عوضه النسبة إلى البلد».
أي ليس لها نتاج تنسب إليه، كنتاج بني فلان بحيث يعتد به عرفاً، بخلاف الإبل والخَيْل، فلا يجب التعرّض له، ومثله الغَنَم. وأما البقر فربما اتفق له ذلك في بعض البلاد، فإن استقرّ واتفق السَلَم ثُمَّ اعتبر ذكره وإلا فلا.
قوله: «والصرابة».
هي كونها خالية من الخليط كالشعير مع البُرِّ، وإنّما يعتبر ذكرها في بلد يوجد فيه كذلك، وإلا لم يعتبر.
48/2 قوله: «وإلا كان له بحبّه مع الإطلاق، كالتمر بنواه على إشكال».
الأقوى أنّه إن كان هناك عرف يدلّ على أحد الأمرين عند الإطلاق حمل عليه وإلا وجب التعيين وبطل العقد ،بدونه، بخلاف التمر لاستقرار اللغة والعرف على كونه بنواه عند إطلاقه.
قوله « وفي اشتراط الأنوثة أو الذكورة نظر».
الأقوى الاشتراط إن ظهر بينهما تفاوت تختلف القيمة باختلافه، وإلا فلا.
ص: 356
49/2 قوله: «لو كان أحد طرفيه أغلظ من الشرط فقد زاده خيراً ...».
فيه نظر؛ لأنّ الأغراض تختلف في ذلك، بل الغالب خلافه والأقوى أنّه لا يجب قبوله إلا أن لا يفوت به شيء من الأغراض، ولا يوجب نقص القيمة.
قوله: «وهل تعتبر الاستفاضة أم تكفي معرفة عدلين؟ الأقرب الثاني». الأقوى الاكتفاء بمعرفة العدلين إن وثق بالرجوع إليهما عند الحاجة إليه، وإلّا اعتبر الاستفاضة.
قوله: «الكيل أو الوزن في المكيل والموزون».
التقييد بهما لقصر ،الأمرين بالإضافة إلى الاعتبار بغيرهما كالعدد لا لعدم اعتبار التقدير في غيرهما مطلقاً، وإن صح بَيْعه جزافاً مع المشاهدة لانتفاء الغرر معها، بخلاف السَلَم، فإنّه يفتقر إلى التعدّي مطلقاً، كما يبنى عليه منعه من بَيْعِ الحَطَب والقَصَب حُزَماً وأطناناً.
قوله: «ولا يكفي العَدُّ في المعدودات».
مع تفاوت أفرادها لا مطلقاً؛ لما سيأتي من جواز بيع الجوز واللوز عدداً.
قوله: «وفي جواز تقدير المكيل بالوزن وبالعكس نظر».
الأقوى جواز الأوّل مطلقاً، والثاني حيث ينضبط به دون ما يتجافى في الميزان كقطع الملح الكبار.
50/2 قوله: «ولا يجوز في الأثمان بالأثمان».
هذا هو المشهور بين الأصحاب، وعلّلوه بأنّ السّلَم يقتضي تأجيل المسلم فيه، وهو ينافي قبضه في المجلس. وفيه مع تماثل العوضين مانع آخر، وهو الزيادة الحكمية في الثمن المؤجل باعتبار الأجل، فإنّ له حظاً من الثمن فيوجب الربا.
ويشكل على القول بجوازه حالاً، وبإمكان الجمع بين الأجل والقبض في المجلس، بأن الأجل يجوز كونه لحظةً إلا أن يقال: إنه مع الحلول يكون بَيْعاً بلفظ السَلَم لا سلماً. وما يقال - من أنّ الجمع بين الأجل والتقابض في المجلس وإن كان ممكناً إلا أن الأجل
ص: 357
مانع منه مدته، فيكون العقد معرضاً للبطلان في كلّ وقتٍ من أوقات الأجل - يندفع بأنّ الشرط إذا كان هو التقابض في المجلس فإذا حصل تمّ العقد، والعرضة المذكورة لم يثبت شرعاً كونها قادحةً في الصحة بوجه.
قوله: «وللبائع الامتناع من قبض البعض للتعيب بخلاف الدين».
المراد بالدين ما كان عوض قرض أو بدل متلف ونحوهما، فلو كان تلفاً مطلقاً فلصاحبه الامتناع إلى أن يسلّم الجميع للعلة.
قوله: «وتسليمهما بتسليم العين».
جواب عن سؤال يرد على تجويز جعل المنفعة ثمناً في السلم، حيث إنّ المنفعة ممّا يتجدّد وقتاً بعد وقت، فلا يمكن تسليمها قبل التفرُّق.
وحاصل الجواب أنّ تسليم المنفعة يتحقق بتسليم العين التي تستوفى منها المنفعة فإنّه وإن لم يكن تسليماً لها حقيقةً، لكنّه في معنى التسليم.
وهذا الجواب لا يحسم مادة الإشكال؛ لأنّ حقيقة تسليم الثمن الذي هو المنفعة لم يقع، وإنما حصل بقبض العين المتمكن من استيفائها، وهو أمر آخر غير قبضها.
ويمكن أن يقال: إنّ تسليم كلّ شيء بحَسَبِه، فكما أن قبض المنقول لا يتحقق إلا بنقله، وقبض العقار يتحقق بالتخلية بينه وبينه وإن لم يدخل إليه، كذلك قبض المنفعة يكون بقبض العين المستوفى منها. وهذا لا بأس به.
قوله: «ولو جعل الثمن في العقد ما يستحقه في ذمّة البائع بطل؛ لأنه بَيْعِ دَين بدَيْن على إشكال».
منشأ الإشكال مما ذكر، ومن أنّ ما في الذمة بمنزلة المقبوض، فيتحقق قبض الثمن قبل التفرُّق. وربما نشأ الإشكال من الشك في تحقق بَيْع الدين بالدين في الفرض؛ لأنّ ظاهره كون كلّ من العوضين ديناً قبل العقد، وذلك لا يتحقق إِلَّا بَبَيْعِ دَيْن له في ذمّة زيد بدَيْن له في ذمّته أو في ذمة عمرو، ونحو ذلك. و في الدليل بحث من وجه آخر وهو أنّ المنع من بَيْع الدين بالدين مطلقاً يحتاج إلى دليل، وإن اشتهر النهي عنه على
ص: 358
ألسنة الفقهاء (1) ؛ لأنّ ذلك لم يرد في النص بخصوصه (2)، وإنّما ورد النهي عن بيع الكالي بالكالي(3) ، وقد فَسَّروه بأنّه بَيع النسيئة بالنسيئة(4) ، وهو غير متحقق هنا.
51/2 قوله: «ولو أُجل إلى نفر الحجيج احتمل البطلان، والحمل على الأوّل، وكذا إلى ربيع أو جمادى».
الأجود الصحة في الجميع وحمله على الأوّل؛ لأنه المتبادر منه عرفاً. ولو فرض تعيّن العرف إلى الاشتراك بينهما على السواء وجب القول بالبطلان حينئذ.
قوله: «وتُحمل السنون والشهور على الهلالية وتُعتبر الأشْهرُ بالأهلة...».
المراد بالهلالية في الأوّل ما يقابل الشهور الشمسيّة أعم من كونها مع ذلك عددية أم معتبرة بالأهلة، وإن كانت النسبة ظاهرة في الثاني؛ لإطلاقها عرفاً على العددية أيضاً، ومن ثُمّ احتيج إلى الثاني؛ لبيان اعتبارها بالأهلة لا العدد، إلّا على الوجه المذكور. وبهذا يندفع التكرار عن العبارة، وإن كان التحقيق يقتضى الاكتفاء بأحدهما.
وأما دفعه بإعادة الثاني ليتفرع عليه ما بعده فليس بجيد؛ لأنّ ذلك لا يتم إلا مع تخلل كلام آخر بينه وبين السابق، وهو هنا منتف. وكذا ما قيل من أنه لو اقتصر على الأوّل أوهم قصر الأجل على الشهور التوأم المبتدأة في أوائلها العقود، فزاد الثاني للتنبيه على جواز وقوعه في الأثناء لإزالة الوهم؛ لأنّ ذلك يندفع بالتفريع من غير إعادة ما يوهم التكرار.
ص: 359
52/2 قوله: «ولو قال: إلى أوّل الشهر أو آخره احتمل البطلان؛ لأنه يعبر به عن جميع النصف الأوّل والنصف الأخير، والصحة، فيحمل على الجزء الأول».
قوي. وكذا يحمل الآخر على الجزء الأخير، فكأنه تركه اتكالاً على ما علم من حكم الأول.
قوله: «فإن أطلق حمل على الأجل واشتراط ضبطه».
أي أطلق لفظ السَلَم من غير أن يدل دليل حالٍ أو مقال قبل العقد أو فيه على إرادة أحد الأمرين، فإنّه يحمل على معناه الظاهر وهو السَلَم المؤجل، فيشترط إكمال الصيغة بذكر الأجل المضبوط.
وحينئذٍ فلا تنافي بين الإطلاق في الابتداء والتقييد بالأجل بعد ذلك.
قوله: «أمّا المعيّن فيحلّ بأوّله كما تقدّم».
الفرق بين المعين والمبهم كالشهر والشهرين مع اشتراكهما في الغاية والعرف؛ لأنه المحكم في ذلك حيث لا تكون للفظ حقيقة شرعية، ويزيد المبهم أنه لولا الحمل على آخره لخلا السَلَم من الأجل، وقد صرّحا به والشهيد (رحمه الله) فرق في حاشيته بينهما بأنّ المُغيّى في المبهم مسمّى المدّة، وهو لا يصدق إلّا بالمجموع، والمُغيّى في المعيَّن مسمّى المعيَّن، وهو يصدق بأوّل جزء منه، ضرورة صدق الشهر - كَصَفرٍ مثلاً - بأوّل جزء منه (1).
وفيه نظر؛ لأنّ المبهم لمّا حمل على الشهر المتصل -وهو الهلالي إن اتفق وإلا فثلاثون يوماً - كان مسمّى المدة المبهمة هو المجموع المركب من الأيام المخصوصة المتصل بالعقد، فإن صدقت الغاية بأوّلها ثبت الحكم فيهما؛ وإلّا انتفى فيهما، وإنما المرجع إلى العرف وهو دالّ على العرف كما دلّ على دخول بعض الغايات وخروج ،بعض واتفقت دلالته في الثالث مع اشتراكهما في الغاية.
ص: 360
وفي العرف يظهر حكم ما لو كان الشهر المعيّن متصلاً بالعقد، كما لو قال: إلى رجب عند أوّل هلاله، فإنّ العرف يدلّ على أنهما يريدان آخره كالمبهم نظراً إلى صورة الأجل، وأنّهما لو أرادا الحلول لم يتعرّضا للشهر. وربما احتمل هنا حمله على الحلولِ بناءً على صحته حالاً، وإلغاء القيد؛ نظراً إلى المعنى المستفاد من حال الشهر المعين؛ لما سبق(1) ، وهو حسن إن لم يدلَّ العرف على آخره كما هو الظاهر. ولو اعتبرنا الأجل في السّلَم ولم يدلُّ على إرادة آخره دليل بطل العقد.
54/2 قوله: «ولو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معينة صح».
مع كون النعجات موجودة مشاهدة؛ ليرتفع الغرر ثمّ إن شرط جزها في الحال أو أطلق فلا إشكال و استحقها حالة، ولا يقدح ذلك في السلم وإن اعتبر تأجيله؛ لأنه شرط فيه مصاحب له لاجزء منه. وإن شرط تأجيله إلى مدة السلم أو غيرها، وشرط كون المتجدّد للمشتري أيضاً صح وإن كان بائعاً - وإلا فلا. وإن لم يشترطه كان شريكاً ورجع إلى الصلح، ولم يقدح تأجيل المبيع المعين كالثمن. وقد ادعى عليه في التذكرة (2) الإجماع. واشترط بعضهم جزه في الحال (3)، وادعى الاتفاق على منع تأجيله وهو ممنوع .
قوله: «وعلى قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى».
الأقوى قبول مدّعى التأجيل مطلقاً، لما عرفت من صحته حالاً مشروطة بالتصريح بالحلول، وهو هنا منتف.
قوله: «وكذا لو أقاما بينة؛ لأنّها تضم إلى الصحة الإثبات».
هذا إنّما يتمّ على تقدير تضمّن شهادة مدّعي القبض بعد التفرّق النفي غير المحصور بأن شهدت أنّه ما أقبضه قبل التفرّق، فإنّ ترجيح الإثبات حينئذٍ واضح؛
ص: 361
لأنّ شهادة النفي غير المحصور غير مسموعة. أما لو جعل متعلّق شهادتها مثبتاً أو نفياً محصوراً، بأن شهدت أنّ التقابض وقع بعد التفرّق تعيّناً بأن صحباهما من حين العقد إلى حين التفرّق وتيقنا عدم التقابض ثم شاهداه بعده أو ما في معناه، أشكل ترجيح بينة مدعي الصحة؛ لكونهما مثبتين، ومع الأخرى ترجيح بأن من كان القول قوله فالبينة بينة الآخر، وحينئذٍ فتقديم بينته بناءً على تقديم الخارج أقوى.
55/2 قوله :«ولو قال البائع قبضته ثم رددته إليك قبل التفرّق، قدّم قوله رعاية للصحة».
المراد أنهما اتفقا الآن على كون الثمن عند المشتري ولكن اختلفا في كون ذلك على وجه مفسد للعقد بأن لا يكونا تقابضا أصلاً، أو على وجه مصحح بأن يكون البائع قبضه ثمّ ردّه إليه. وقد تعارض هنا أصلان صحة العقد، وعدم القبض، فيرجح الأوّل، للشكّ في طرق المفسد بتعارضهما.
وهل يقدح حينئذٍ قول البائع في ردّه فيستحق المطالبة به وجهان من اعترافه بالقبض، واتفاقهما على بقاء الثمن عند المشتري. والأقوى عدم القبول
قوله: «فإن وجده معيباً فردّه زال ملكه عنه وعاد حقه إلى الذمة سليماً».
إذا قبض المشتري السلّم فيه فوجد به عيباً فلا أرش له؛ لأنه لم يتعيّن للحق، بل يقع عوضاً عن الحقِّ الكلّي مملوكاً ملكاً متزلزلاً يتخير معه بين الرضى به مجاناً فيستقر ملكه عليه، وبين أن يردّه فيرجع إلى ذمة المسلم إليه سليماً بعد ان كان خرج عنهاخروجاً متزلزلاً.
ونبه بقوله: «عاد» على ذلك، حيث إنّ العود يقتضي الخروج بعد أن لم يكن، فإنّه مصير الشيء إلى ما كان عليه بعد خروجه. وتظهر الفائدة في النماء المنفصل المتجدّد بين القبض والردّ، فإنّه يكون للقابض؛ لأنّه نَماء ملكه كنظائره من النماء المتجدّد زمن الخيار. أما المتصل فيتبع العين.
ويتفرع عليه أيضاً ما لو تجدّد عنده عيب قبل الرد، فإنه يمنع من الرد؛ لكونه
ص: 362
مضموناً عليه ولم يمكنه بعده ردّ العين كما قبضها. وبه قطع المصنف في التذكرة(1) ، وزاد أن له حينئذٍ أخذ أرش العيب السابق، وإن لم يكن ثابتاً لولا الطارئ، فإنّ المنع منه إنّما كان لعدم انحصار الحقِّ فيه، حيث إنّه أمر كلّي، والمعيب غير تام في جملة أفراد الحقِّ، فلمّا طرأ العيب المانع من الردّ تعيّن قبوله كالمبيع المعيّن إذا كان معيباً، فإنّه يجوز أخذ أرشه، ويتعيَّن عند من منع من ردّه.
وقد ظهر ممّا قرّرناه جواب ما قيل على العبارة من أنّ زوال الملك عند ردّه إنما يكون بعد ثبوته و المعيب ليس المسلم فيه، فلا ينتقل عن المسلم إليه، وأن عود الحقِّ إنما يكون بعد زواله وهو مستلزم لأحد محذورين إما الحكم بالشيء مع وجود نقيضه، أو إثبات الحقيقة من دون لوازمها، وذلك ؛ لأن الحكم بالبراءة إن كان صادقاً لزم الأول وإلا لزم الثاني.
فإنّا نلتزم بأنّ المقبوض معيباً يصلح أداءً عن الحقِّ إذا رضي به المستحق؛ لأنه من جنس الحقِّ وعَيْبه ينجبر بالخيار، فيتمُّ الزوال والعود، ومن ثَمّ كان النماء له، كما بيّناه. ولا بعد في تحقق الملك متزلزلاً لمكان العيب فإذا علم به كان له الفشخ وطلب السليم.
وما حققناه أجود ممّا أجاب الشهيد (رحمه الله) في حاشيته (2) عن الإيراد بأن الحكم بالزوال والعود مبني على الظاهر، حيث كان المدفوع من جنس الحقِّ وصالحاً لأنّ يكون من جملة أفراده قبل العلم بالعيب، فإذا علم بالعيب زال ذلك الملك الذي حصل ظاهراً وإن لم يثبت في نفس الأمر ، فصح إطلاق الزوال والعود بهذا الاعتبار. وأنت خبير بأنّه لا ضرورة إلى التزام ذلك، بل الملك حصل ظاهراً وباطناً، غاية أمره التزلزل، وهو غير مانع منه كنظائره.
ص: 363
56/2 قوله: «ولو قال بعتك بما قام عليّ استحق مع الثمن جميع المؤن التي يقصد بالتزامها الاسترباح، مثل ما بذله من دَلالة، وأجرة البيت والكيال والحارس والحمّال والقصار والصبّاغ، مع علم قدر ذلك كلّه».
ظاهره أنه إذا باع بهذا اللفظ يستحق ما ذكر وإن لم يكن فصلها قبل البيع بحيث يعلم بها المشتري، وليس كذلك، بل لابد من تفصيلها قبل لتصير معلومة لهما، وينصرف الثمن إلى أمر مضبوط على تقدير إثباته بإحدى الصيغ المذكورة، ليترتب عليها لازمها وكذا القول في جميع مسائل الباب.
57/2 قوله: «ويخبر بعد أخذ الأرش من العيب السابق بالباقي».
أي السابق على العقد. ومقتضاه أنّ اللاحق له لا يفتقر إلى إسقاطه من الثمن وإن كان مضموناً على البائع، كالواقع قبل القبض أو بعده في زمن الخيار، بل يكون حكمه حكم الجناية. والفرق أنّ السابق كان أرشه ثابتاً حالة العقد وهو جزء من الثمن فكان في قوّة المستثنى منه، بخلاف اللاحق فإنّ الثمن يثبت قبله كاملاً فالإخبار بوقوع العقد به مطابق للواقع. وبهذا يفرق بين العيب والجناية عليه.
والأقوى أنّ العَيْب متى أخذ أرشه لزم إسقاطه من الثمن؛ لاشتراك الجميع في كونها مستحقة بأصل العقد ومقتضاه، فكان المتأخّر منها كالموجود حالته، بخلاف الجناية.
قوله: «ولا بالبائع وإن كان ولده أو غلامه».
المراد به غلامه الحرّ ليمكن الحكم بصحة البيع. ويشترط في الجواز أن لا يقصد بذلك زيادة الثمن ليربح فيه وإلّا ،حرم ولأنّه غش منهي عنه. ولا فرق في ذلك بین
ص: 364
الغلام والولد والأجنبي. ولو باعه والحال هذه تخيّر المشتري مع تجدد علمه بين ردّه وأخذه بالثمن.
قوله: «وكذا الحامل اذا ولدت...».
أي الحامل حالَ الشراء؛ ليكون الحمل بعض المبيع فلا يقسط الثمن عليهما، أما لو تجدّد في يد المشتري جاز الإخبار فيها بجميع الثمن كالثمرة المتجدّدة.
قوله: «فيقول: وليتك أو بعتك وشبهه، فيقول: قبلت التولية أو البيع».
لكن يختلف متعلّق الصيغة فيهما، فإنّ متعلّق التولية العقد، ومتعلّق البيع ونحوه السلعة، كغيره من أفراد البيع. ولو قال في الأولى: وليتك السلعة، ففي الصحة وجهان.
58/2 قوله: «فلو باع غلامه سلعةً، ثمّ اشتراها بزيادة قصداً للإخبار بالزائد جاز إن لم يكن شرط الابتياع».
الأقوى الجواز مطلقاً.
قوله: «وهل يسقط الخيار بالتلف؟ فيه نظر».
الأقوى عدم السقوط.
قوله: «ولا تقبل بيّنة البائع لو ادّعى كثرة الثمن».
إلّا أن يُظهر لكلامه الأوّل تأويلاً محتملاً يخرج عن تعمد الكذب، كقوله: أخبرني وكيلي بذلك فظهر كذبه، أو انتقل نظري في الجريدة من متاع إلى غيره ونحو ذلك، فيقوى حينئذ القبول.
قوله: «وله الإحلاف إن ادّعى العلم».
ضمیر «له» يعود على البائع أي ما أخذه من المشتري على عدم علمه بكثرة الثمن عمّا أخبر به أوّلاً وإن لم يقبل منه؛ لأنّ المشتري لو أقرّ بذلك نفعه فيلزم الثمن لو أنكر. وهل له حينئذ ردّ اليمين على البائع؟ يبنى على أن اليمين المردودة كإقرار المنكر، أو كبينة الحالف. فعلى الأوّل له الردّ؛ لأنه لو أقرّ نفعه. وعلى الثانى لا ، بناءً على عدم سماع بيّنته. وعلى ما اخترناه له الردّ حيث يُظهر لكلامه الأوّل تأويلاً.
ص: 365
وفي حواشي الشهيد (رحمه الله) بنى إحلاف المشتري على القولين.
وكأنه نظر إلى أن توجّه اليمين على المشتري يلزمها الحكم بجواز ردّها، فإذا امتنع اللازم - وهو ردُّها على تقدير كونها كالبينة - امتنع الملزوم. وفيه منع الملازمة، فإنّ من اليمين ما يقبل الردّ ، ومنها ما لا يقبله، بل الحق في وجهه ما ذكرناه.
قوله: «ولو اشتريا ثوباً بعشرين، ثمّ اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد وعشرين».
إنما كان له الإخبار بذلك مع أنه لم يشتر النصيب الأول بعشرة، وإنما وقع العقد على المجموع؛ لأنّ المشتري لمّا كان متعدّداً كان العقد الواحد في قوة المتعدّد، وحينئذٍ فيصدق في العقدين شراء الجميع بأحد وعشرين.
وعلى هذا فلو اشترى جماعة صفقة في عقد واحد، جاز لكلّ منهم أن يخبر عن حصّته أنه اشتراها بما يخصها من الثمن.
قوله: «ولو اشترى أحدهما نصفه بعشرة والآخر بعشرين، ثمّ باعاه صَفْقَةٌ مُرابحةً، فالثمن بينهما نصفان».
بَيْعه لهما مرابحةً مع الحكم بكون الثمن بينهما نصفين يقتضي بيعهما له بأزيد من أربعين ليتحقق مع كلّ من النصفين ربح فلو فرض بيعهما له بثلاثين مثلاً كان بالنسبة إلى الأوّل مرابحةً، وإلى الثاني مواضعة، لكنه خارج عن الفرض .
ص: 366
60/2 قوله « ولا يثبت الربا في غير البيع».
الأقوى ثبوته في كلّ معاوضة لعموم (وَحَرَّمَ الرِّبوا ) (1) وقد تقدّم من المصنف في باب السلم الحكم به في قوله: «ولو اتفقا على أن يعطيه أردأ منه وأزيد فإن كان ربويّاً لم يَجُز على إشكال »(2).
ويأتي في الصلح (3) توقفه فيه، وهاهنا جزم بعدمه.
قوله شمول اللفظ الخاص(4) لهما كالحنطة والأرز، لا كالمطعوم المختلفة أفراده».
يستثنى من ذلك ما وقع النصّ(5) على اتفاقهما مع عدم شمول اللفظ الواحد لهما كالحنطة والشعير، ولا يقدح ذلك في الضابط ؛ لخروجه بدليل خارجي.
ص: 367
قوله: «كردي الدقل».
في الصحاح: الدقل: هو التمر الرديء(1) . فعلى هذا تكون إضافة الرديء إليه في العبارة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها كجُردِ قطيفة بالتأويل. ويمكن تكلّفه على ظاهره بجعل الرديء من الثمر مطلقاً ،دقلاً، ثمّ الرديء على مراتب فتجري فيه
الإضافة.
61/2 قوله: «والتبرُ والمضروب جنس».
المراد بالتبر هنا غير المضروب من الذهب، وإن كان مصفّى ، وقد يقال للفضّة أيضاً. نص عليه الجوهري (2). ووجه الجنسية حينئذ للمضروب ظاهر، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا مساوياً.
قوله: «والمراد هنا جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه، لقلّته كالحبَّة والحبتين، أو لكثرته كالزبرة».
نبه بقوله: «هنا» على خلاف ما يعتبر منهما في أصل البيع، فإنّ الضابط فيه كونه مكيلاً أو موزوناً حيث يدخلاه عادة بخلافه في باب الربا فإنّ المعتبر فيه جنسهما.
وعلى هذا لو باع نحو الحبَّة والحبتين بغير جنسهما جاز من غير كيل ولاوزن ولا يجوز بالجنس للربا. ويشكل أصل المثال بما تقدّم (3) من عدم جواز بيع الحبّة ونحوها مما لا يعتد بالانتفاع به لقلته فينتفى فيه الحكمان معاً.
قوله: «لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافاً ولا مكيلاً، ولا المكيل جزافاً ولا موزوناً».
يمكن أن يريد بالمكيل والموزون ماكان كذلك في عهده ، فلا يجوز اعتبار أحدهما بالآخر.
ص: 368
وقد ثبت أنّ أربعة كانت مكيلة في عهده(صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، وهي الحنطة والشعير والتمر والملح(1) ، فلا يباع بعضها ببعض إلا كيلاً، وإن اختلفت في الوزن. واستثنى المصنف في التذكرة (2) من الملح ما يتجافى في المكيال كالقطع الكبار - فيباع وزناً كذلك. ويمكن أن يريد بهما ما ثبت له ذلك ولو لعادة البلد فإنّها المحكمة فيهما حيث تنتفى العادة الشرعية. وربما قيل بجواز اعتبار الجميع بالوزن؛ لأنه أصل للكيل، ولأنّه أضبط، وبيع المذكورات بالكيل ذلك الوقت لا ينفي ما عداه حيث ينضبط به، وهو متجه (3).
62/2 قوله: «احتمل تحريم البيع بالكيل أو بالوزن للاختلاف قدراً، وتسويغه بالوزن ».
جوازه بالوزن قوي.
قوله: «ولو اشتمل أحد العوضين إلى قوله : والتقسيط».
هذا التفريع على المثال الأخير خاصةً؛ لتقدم صحته مطّرداً في غيره. وبقرينة احتمال الصحة في المخالف؛ لأنّه في المثال الأوّل جميع العوض مخالف للدراهم، وفي الثاني جميعه موافق، فلا يتوجّه الاحتمال وأيضاً المفروض للمصنف - وغيره في غير الكتاب - صريحاً هو التفريع على الثالث خاصةً، وإن أمكن فرضه في المثال الأوّل على تقدير أن يكون قيمة المُدِّ أزيد من درهم، فإنّ احتمال البطلان متوجه حيث إنّ الباقي يقابل أزيد من مُدّ، وحينئذٍ فيحتمل التقسيط أيضاً، ولا يأتى احتمال الصحة في المخالف.
وأما الثاني فبتلف الدرهم يبقى الباقي من الدرهمين في مقابلة المُدّ كيف كان، ولا يتوجه البطلان. فظهر أنّ الاحتمالات الثلاثة ليست إلا في المثال الأخير.
ووجه البطلان في الجميع حينئذٍ أنّ البطلان في الدرهم لكونه تالفاً قبل القبض يستلزم البطلان في مقابله من الثمن، فلو فرض كون نصف المبيع قابل مداً ودرهماً،
ص: 369
فبقي المدّ في مقابلة المد الباقي والدرهم، وهو ربا.
ووجه الثاني أن صحة البيع المذكور منزلة على صرف كلّ إلى مخالفه وإلا للزم الربا ابتداءً، فيكون الحكم كذلك حيث يحتاج إلى التقسيط.
ووجه الثالث أنّ التقسيط هو مقتضى المعاوضة؛ لأنّ أجزاء المبيع مقابلة بأجزاء الثمن، وحينئذٍ فيصح في الباقي وما قابله فلو فرض كون المدّ يساوي درهماً فالتالفُ نصف المبيع، فيقابله درهم ومد. وهو لا يقدح في الزيادة؛ لأنّها حدثت بعد البيع بسبب التقسيط ، وليس بَيْعاً ولا معاوضة، وإنما المعاوضة بالبيع السابق ولم تكن حينئذٍ زيادة .
وتكلّف بعضُهم التقسيط على وجهِ لا يلزم فيه ربا؛ حذراً من صورة الزيادة، بأن يجعل جزءاً من الدرهم بإزاء جزء من مثله في الثمن، وجزءاً من المد بإزاء مثله أيضاً، والباقي من الدرهمين في مقابلة الباقي من المُد، والباقي من المُدَّين في مقابلة الباقي من الدرهم.
فلو فرض جعل نصف الدرهم في مقابلة نصف درهم ونصف المُدّ في مقابلة نصف قد بقي درهم ونصف في مقابلة نصف مد، ومد ونصف في مقابلة نصف درهم، فيكون كلّ من نصفي المبيع مقابلاً لنصف الثمن من الجنسين، ولا يلزم الزيادة في الجنس الواحد.
وعلى هذا فيمكن فرضُ الجزء المذكور نصفاً كما مثلنا وثلثاً وربعاً وغير ذلك، ويختلف بسببه حكم التقسيط وإن حصل الفرض، وهو تحكم محض.
والقول الوسط أوفق بأصول الأصحاب؛ لأنّ فرض مقابلة المخالف هو المصحح عندهم(1).
قوله: «ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا جنساً على إشكال».
ص: 370
وجه التحريم رواية ضعيفة السند وردت بكراهيته(1) ، وحملت على التحريم (2). وهو في غاية البعد، خصوصاً مع كون الحيوان غير مكيل ولاموزون. نعم، لو فرض كونه مذبوحاً توجه التحريم (3)، لا من جهة كونه حيواناً.
قوله: «وكذا يجوز بيع دجاجة فيها بيضة ببيضة أو دجاجة...».
هذه الفروع قليلة الفائدة على أصولنا؛ لأنّ العوضين فيها ليست مكيلة ولا موزونة وإنما تتفرع على مذهب من يجعل الضابط المطعوم ونحوه خصوصاً حيث لا يثبت الربا في المعدود فإنّ البيضة إنّما تكون معدودة بعد انفصالها فلا وجه للتوهّم حينئذٍ. وكذلك اللبن إنّما يعتبر وزنه بعد انفصاله من الضرع. وكأنه نبه بالحكم على خلاف من أثبته فيها من العامة(4) ، تفريعاً على أصله.
ص: 371
64/2 قوله: «الأصل في البيع اللزوم».
اعلم أنّ الأصل في اصطلاح الفقهاء يطلق على معانٍ:
أحدها ما بُني عليه الشيء ووضع عليه، أعني الحالة التي جعل عليها، كقولنا: الأصل في الماء الطهارة، والأصل في فعل المسلم الصحة؛ أي الحالة التي وضع عليها الماء أن يكون طاهراً وإن عرض له منجس، وكذا القول في فعل المُسلم مع عروض المبطل له.
ويعبر عنه بالقاعدة الكلية لذلك الحكم، كما يقال: معنا أصل، وهو أنّ الأصل مقدّم على الظاهر، وإن تخلف ذلك في مواضع.
وثانيها: المستصحب. يقال: تعارض الأصل والظاهر أي الحكم الثابت للشيء قبل تحقق الظاهر، فاستصحب .
وثالثها: الأمر الراجح والغالب. يقال: الأصل في الإطلاق الحقيقة، أي الأمر الراجح فيه وإن خولف في بعض المواضع لعارض. ويطلق على غير ذلك مما لا تعلق لمسألتنا به.
وإذا تقرر ذلك فالمراد من الأصل هنا هو المعنى الأوّل، بمعنى أنّ البيع من العقود التي يقتضي وضعها اللزوم؛ ليتمكن كلّ واحد من المتعاقدين من التصرف فيما أخذه آمناً من نقض صاحبه عليه. والمراد أنه إذا نظر إليه من حيث هو هو، وقطع النظر عن
ص: 372
العوارض العارضة له كان حكمه اللزوم.
وإنما أثبت له الجواز بعوارض خارجية إرفاقاً بالمكلّف ليترؤى أو يتخلّص من ضرر ونحوه، فإن علم ثبوت شيء من الأسباب الموجبة للجواز حكم به، وإلا بقي على حكمه الأصل وهو اللزوم. وكذا القول في أصالة طهارة الماء وفعل المسلم، وغيرهما.
ويظهر من المصنف في التذكرة أنّ المراد من الأصل هنا المعنى الثاني؛ لأنه علله بكون الشارع وضعه مفيداً لنقل الملك، والأصل الاستصحاب إلى أن يثبت المزيل(1) .
وفيه، أنّ خيار المجلس يثبت به ابتداءاً، فليس للزوم حكم سابق ليستصحب حتّى يجيء المزيل، بخلاف القاعدة الوضعية التي يقتضيها المعنى الأول، فإنّها لا تنافي ثبوت المعارض ابتداءاً.
وبعض العلماء جعله من المعنى الثالث، بمعنى أن الغالب من حالات البيع اللزوم، والجواز لا يثبت إلا في الأقل. وهو محتمل، وإن كان التحقيق هو الأول.
وبهذا يظهر فساد ما قيل على الأصل من أنّ البيع لا ينفك عن خيار المجلس، فيكون الأصل في البيع الجواز لا اللزوم؛ لأنا لانريد به عروض الجواز على اللزوم بعد ثبوت اللزوم حتى يرد ما ذكره، بل إن وضعه على اللزوم وإن ابتدأ بالجواز كما حققناه - كما أنّ المُسلِم لو فعل فعلاً باطلاً ابتداءاً لا ينافي كون الأصل في فعله الصحة.
ويمكن دفعه أيضاً بالمعنى الثالث. نعم، يرد على ما ذكره المصنف من الاستصحاب والتحقيق خلافه. وأما تكلّف جواز انفكاك البيع عن خيار المجلس أو مع قطع النظر عنه، فعلى غاية عظيمة من البعد عن التحقيق، كما لا يخفى .
ص: 373
[ الفصل الأوّل في الخيار]
قوله: «ثبوت خيار وظهور عَيْب».
فيه عطف الخاص على العام لمزيد اهتمام بالخاص، فإنّ ظهور العَيْب من أسباب الخيار. وما قيل من أنّه ذكره ليُرتِّب عليه أحكامه الخاصة به (1)، لا معنى له، لأن ذلك يحصل بذكره مندرجاً في أقسام الخيار.
قوله: «ماداما في المجلس، وإن ضرب بينهما حائل، أو فُرّقا كُرْهاً إمّا بالضرب أو الحمل ولم يتمكنا من الاختيار، أو فارقاه مصطحبين».
المجلس هنا كناية عن عدم التفرّق اختياراً، وإن فارقا مكان العقد. وإطلاقه عليه شائع في هذا الباب، وقد تقدّم (2)مثله كثيراً.
وحينئذ فلا ينافي قوله: «وإن فرقا كرهاً، أو فارقاه مصطحبين» دوامه ما في المجلس وفي قوله: «فارقاه ضرب من الاستخدام، حيث أعاد الضمير إلى مجلس العقد، وأراد بلفظه عدم المفارقة على ذلك الوجه.
65/2 قوله: «وخيار العاقد عن اثنين باق بالنسبة إليهما، مالم يشترط سقوطه، أو یلتزم به عنهما بعد العقد، أو يفارق المجلس على قول».
عقد الواحد عن اثنين ليشمل ما لو كانا خارجين عنه كالوكيل عن المتبايعين وما لو كان أحدهما كالأب يعقد للصبي على ماله، أو كان أحدهما وكيلاً عن الآخر، فإنّه يصدق أيضاً أن الواحد عاقد عن اثنين، وقائم مقامهما وإن كان هو أحدهما. والخيار
ص: 374
المحكوم ببقائه أعمّ من كونه لذلك العاقد، أو بالولاية لغيره كالوكيل في العقد خاصة، فإنّ الخيار للمتبايعين لا له إن قلنا به.
وقوله: «ما لم يشترط سقوطه أو يلتزم به عنهما إنّما يتم فيمن له الاشتراط والالتزام كالمالك والوليّ، فلو كان وكيلاً في الصيغة خاصة لم يكن له ذلك، وأيضاً فالالتزام عنهما لا يدخل فيه ما لو كان هو أحدهما إلا بتكلف، ففي العبارة قصور عن تأدية الحكم المطلوب منها.
إذا تقرّر ذلك فأجود الاحتمالات الأخير، وأضعفها الأول.
قوله: «ولومات أحدهما احتمل سقوط الخيار...».
الأقوى ثبوته مادام الميت والعاقد في المجلس، وحينئذٍ فينتقل إلى الوارث حاضراً كان أم غائباً، فإن بلغ الغائب الخبر وأمكنه الفسخ قبل التفرّق المذكور يثبت له ذلك غير تقييد بمجلسه، وإلا فلا.
وما يقال من أنّ المفارقة المسقطة للخيار ما يتمكّن المفارق معها من الاختيار وهي منتفية في حق الميّت، وأن المفارقة الموجبة للسقوط ما كانت من صاحب الخيار أو وكيله، وهنا ليست واقعة من أحدهما مندفع بأنّ الخبر دلّ على تفرّق المتعاقدين مطلقاً، وهو هنا متحقق وما خرج من ذلك بدليل يُقصر عليه.
ويمكن الفرق بين ما خرج وما هنا بأن شرط المتمكن من الاختيار وقوعه من محل قابل ،له بناءً على كون عدمه من باب إعدام الملكة لا العدم المطلق، وحينئذٍ لو حمل الميت وفارق المجلس، فإن كان الحي متمكناً من مصاحبته ولم يصاحبه سقط خياره، وإلا فالخيار باقٍ.
وقول المصنف: «وإن كان غائباً امتد إلى أن يصل إليه الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت قيد في ثبوت الخيار للغائب مطلقاً إلى أن يصل إليه الخبر. وأمّا إذا لم يسقط اعتباره لم يمتد إلى أن يصل إليه مطلقاً، بل مع بقاء الميّت والعاقد في المجلس. وهذا
ص: 375
معنى واضح وبه يضعف ما قيل(1) : إن مقابله أنا إن اعتبرنا الميت لم يكن للورثة خيار، أو لم يكن للغائب خيار، فإنّ العبارة لاتدلّ عليه، بل لا وجه له أيضاً؛ لأنّ اعتبار الميت لا ينافي إثبات الخيار لغيره، كما حرّرناه.
قوله: «وهل يمتدّ بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر؟ نظر».
احتمال امتداده كذلك ضعيف جداً؛ لعدم الدليل عليه. والأقوى تقييده ببقاء المتعاقدين في المجلس، كما مرّ (2).
قوله: «ولو حمل أحدهما ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على إشكال».
الأقوى ثبوت الخيار في الموضعين؛ لعدم صدق التفرّق المستند إليهما. والفرق بين هذه وما تقدّم في قوله: «أو فُرّقا قهراً »(3)أنّ هذه مختصة بتفريق أحدهما كرهاً، وتلك بتفريقهما فلا تكرار .
نعم الإشكال هنا زائد على السابقة لينبه على أنها محلّه، وإن كان قد حكم فيها بعدم السقوط كالسابقة.
66/2 قوله: «و تقديم قوله ترجيحاً للظاهر».
في ترجيح الظاهر هنا على الأصل - حيث تطول المفارقة ويبعد معها بقاء الاصطحاب عادةً - قُوّة.
67/2 قوله: «وفي ثبوته في الصرف إشكال».
في الثبوت قوة؛ لعموم الأدلة(4) ، وعدم تحقق الناقل عنها فيه.
ص: 376
قوله: «ولو دفع الغابن التفاوتَ فلاخيار على إشكال».
الأقوم عدم السقوط.
قوله: «ولا يسقط بالتصرف، إلا أن يخرج عن الملك بالبيع وشبه...».
المراد «بالتصرُّفِ» المُسقِط للخيار ماكان من المغبون في الثمن إن كان هو البائع، أو في العين إن [كان هو ] المشتري. وأمّا تصرّف الغابن فلايُسقط خيار المغبون مطلقاً، لكن إن وجد العين على ملكه بغير مانع من الردّ أخذها وإلا انتقل إلى القيمة.
قوله: «ولو اشترى ما يفسد ليومه فالخيار فيه إلى الليل».
المراد أنّ الخيار يثبت في المذكور بعد دخول الليل ويلزم في النهار الذي وقع البيع فيه. والعبارة لا تؤدي ذلك، بل تدلّ على خلافه. وفيها مع ذلك إشكال آخر؛ لأنّ ما يفسد ليومه والمراد منه النهار، كما هو الظاهر من إطلاقه لغةً وعرفاً، وهو الذي تدلّ عليه الرواية(1) التي هي مستند الحكم - لا وجه لإثباتِ الخيار فيه بعد انقضاء النهار الموجب للفَساد، وإنّما تتمّ الفائدة مع ثبوتِ الخيارِ في وقتٍ يمكن فيه استدراك الضرر، وهو قبل دخول الليل.
ومع ذلك كله فالمستند ضعيفٌ، مرسل لا يصلح لإثبات هذا الحكم المشكل. والأقوى أنه متى خِيفَ فَساده - ولو بنقص الوصف وفوت الرغبة بحيث يمكن تلافيه قبله - ثبت الخيار، سواء في ذلك الليل والنهار واليوم والأيام؛ عملاً بخبر الضرار.
68/2 قوله: «ولو نسج بعض الثوب، فاشتراه على أن ينسج الباقى كالأول بطل».
وجه البطلان أنه بيع بيع عين شخصية مجهولة؛ لأنها غير موصوفةٍ ولا مرئيّة رؤية تامة، ولأنه بَيْعُ معدوم غير معين.
ص: 377
وفيه منع الجهالة فإنّ القدر المرئي كاف في رفعها؛ إذ الغرض رفعها على وجه يرتفع الغرر لامن كل وجه. وهو هنا متحقق، بل أبلغ من رؤية الأنموذج إذا أدخله في البَيْع؛ لأنّ مادّة الباقي مشاهدة، وصفته من الصيغة معلومة من الموجود منها، ونمنع من كونه معدوماً معيناً، بل هو موجود معيّن وإنّما الفائتُ وصف النسج، فكان كشرط النِساجَة المعيّنة أو الخياطة ونحوهما من الصنائع في عقدِ البَيْع.
وبتقدير كون اللحمة غير مرئيّة فهي مضبوطة بالأنموذج الموعود، إذ لا يُشترط في صحة بيع الثوب رؤية جميع أجزائه، بل مايدلُّ عليه، غايته انجباره بالخيار لو ظهر على خلاف المرئي. وحينئذ فالصحة أقوى.
وأمّا احتجاج الشيخ في البطلان بأنّ بعضَه بَيْعٌ غير حاضر وبعضه في الذمة مجهول(1) ، وأنّ المشاهَدَ في الثوب يلزمه فيه البيع بغير خيار، وغير المشاهد يقف على خيار الرؤية، فيجتمع النقيضان على شيءٍ واحد. فضعفه ظاهر؛ لعدم اتحاد الموضوع فإن موضوع اللزوم المنسوج، وموضوع الجواز غيره .
قوله: «إلّا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال أقربه ذلك إن اشترى بالخيار لترث من الثمن».
استثناء الزوجة من الوارث المدلول عليه بالإرث التزاماً. والتقدير أن الخيار موروث لجميع الوُرّاث إلا الزوجة المذكورة، وذلك في قوله: «أقربه ذلك» إشارة إلى الاستثناء المذكور مقيّداً بقوله: «إن اشترى...» إلى آخره فيكون جملته داخلة في حيّز الاستثناء والتقدير: أقربه عدم إرثها من الخيار لو كان الزوج قد اشترى أرضاً بخيار، فأرادت بفشخ البيع بالخيار أن ترث من الثمن؛ لأنه مما ترث منه، وإن لم ترث من الأرض ووجه عدم إرثها منه هنا أنه غير متروك للميت، وإنما ترك الخيار وهي لاترث منه، والثمن مترتب على الخيار المترتب على الأرض وهي لاترث منها فلا ترث من
ص: 378
الخيار المتعلّق بها وإن كانت ترث من الثمن لو رجع إلى الورثة.
ومثله لو باع الأرض بخيار، فإنّها وإن ورثت من الثمن إلّا أنّها لا تملك الفشخ في الأرض بالخيار، وإن كان ذلك عليها لا لها، لما ذكرناه من أن الخيار يترتب على الأرض التي ليس لها فيها حق.
والشارحان (1) حملا العبارةً على أنّ الأقرب إرتُها من الخيار إذا اشترى الأرض بخيار؛ لأنها حينئذٍ تفسخ فترث من الثمن. وهذا الحمل من حيث ظاهر اللفظ موجه، فإنّ تعليل الفسخ بالإرث من الثمن يناسبه؛ لكنّ المعنى لا يساعده، ولا مرجع للإشارة بذلك يدلّ عليه إلا بتكلُّف عوده إلى الإشكال المؤذن بعدم الاستثناء، إلا أن الإشكال أعم من صحة الاستثناء وعدمه؛ لأنه تردّد فيه، فعود الإشارة إلى أحد الأمرين ليس بالوجه.
وأمّا التقييد بالشراء على هذا التقدير فحسن؛ لأنّه احترز به عن بيع الأرض بالخيار، فإنّه لا يُعقل حينئذٍ كونها تفسخ البيع؛ للمنع من الأرض والثمن وإن كان جائزاً لها، بخلاف الشراء، فإنّها تستفيد من الفشخ فائدة الإرث من الثمن، بل يحتمل أن يكون حكمه بعدم الاستحقاق أيضاً؛ لأنّ الخيار حينئذٍ حقٌّ يتعلق بالأرض لتسترد وهي لا تستحقها.
69/2 قوله: «إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، فيرجع المشتري بالثمن لا غير».
بمعنى أنه ينفسخ البيع فيه من حينه، ويرجع إلى ملكه والثمن إلى ملك المشتري فالنماء المتخلّل بین العقد والتلف للمبيع للمشتري، والثمن للبائع. هذا إذا تلف من عند الله تعالى. أما لو أتلفه متلف وإن كان هو البائع تخيّر المشتري بين الفشخ وأخذ الثمن، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة.
ص: 379
قوله: «وإن كان للمشتري خاصةً فمن البائع».
ينبغي أن تكون «الخاصة بالإضافة إلى البائع؛ ليدخل فيه ما لو كان الخيار له ولأجنبي، فإنّ التلف من البائع أيضاً.
70/2 قوله: «وكذا العتق على إشكال».
الأقوى نفوذه والانتقال إلى القيمة إذا فسخ البائع؛ جمعاً بين الحقين.
قوله: «ولو اشترى عبداً بجارية ثم أعتقهما معاً، فإن كان الخيار له بطل العتقان، لأنه بعتق الجارية مبطل للبيع وبعتق العبد ملتزم ، به فعتق كلّ منهما يمنع عتق الآخر، فيتدافعان».
هذا هو الأقوى لما ذكر ، إذ يمتنع الجمع بين النقيضين أو الترجيح من غير مرجّح. والفرق - بين هذه وبين فَشخ أحد المتعاقدين وإجازة الآخر حيث قدم الفاسخ - أنّ إجازة المجيز أوجبت لزوم العقد من طرفه فبقي جائزاً من طرف الآخر فبعد فسخه كما لو كان العقد لازماً من أحد الطرفين وجائزاً من الآخر، بخلاف ما هنا، فإنّ كلاً منهما صدر من واحد بحق فامتنع الحكم بصحة أحدهما دون الآخر. وبهذا يظهر أنّ ترجيح الفشخ على الإجازة ليس بخصوصية كونه فشخاً ليثبت الحكم كلّيّاً، بل لما ذكرناه وبه يحصل الفرق.
:قوله وعتق العبد؛ لأنّ الإجازة إبقاء للعقد، والأصل فيه الاستمرار».
فيه، أنّ هذا الأصل قد انقطع بفعل ما يوجب الفشخ مع ثبوت الخيار، ولا يرد أنّ تعارض الأمرين أوجب ترجيح جانب العبد بالأصل المذكور؛ لأنّ جانب الجارية أيضاً معه أصالة بقاء الخيار.
قوله: «وإن كان الخيار لبائع العبد لم ينفذ عتق الجارية ولا العبد إلا مع الإجازة على إشكال».
الإشكال في صحة عتق العبد خاصةً، وقد تقدّم مثله في عتق المشتري مطلقاً إذا لم يكن له خيار، وأن المتجه الصحة.
ص: 380
قوله: «ولو اشترك الخيار صح عتق الجارية خاصة؛ لأنّ إعتاق البائع مع تضمنه للفشخ يكون نافذاً على رأي».
بناءً على ترجيح الفشخ على الإجازة، أو على أن تصرُّف المشتري في المبيع بالعتق مع ثبوت الخيار للبائع باطل. ولو قلنا بعدم الترجيح وصحة عتق المشتري -كما سلف أنهما أصح القولين - اتجه هنا عدم صحتهما معاً.
71/2 قوله: «ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال».
قد سبق - من قريب - الجزم بجواز الوطء في مدة الخيار، وهنا منع، وهو قوي إن كانتْ مظنة الحمل، وإلا فالجواز أقوى، كغيره من وجوه الانتفاعات التي لا توجب نقل الملك.
قوله: «وهل يجب قبض الثمن في المجلس أو قبضه؟ نظر».
الأصح عدم وجوب أحدهما؛ لأنه لا يدخُلُ في مفهوم بَيْع الدين بالدين، ولابيع الكالي بالكالي المنهي عنه (1).
قوله: «لو شرط الخيار شهراً مثلاً بعدم مضيّ مدّة معيّنة، احتمل بطلان الشرط؛ لأنّ الواجب لا ينقلب جائزاً».
هذا هو الأقوى، ولا يقدح فرض الجواز بعد اللزوم، لوقوعه فيما لو تعيب المبيع قبل القبض مع فرض لزوم البيع، وكذا في المبيع يلزم مع عدم التقابض ثلاثة أيام، ثمّ ينقلب جائزاً ولم يثبت ما يعيبه مثل ذلك. ويتعدّى الجواز إلى جعله كذلك في آجال متعدّدة.
قوله: «ولو فسخ البائع فهي في يد المشتري أمانة على إشكال».
المتجه استصحاب الضمان هنا كالسابق.
ص: 381
72/2 قوله «والإباق».
ظاهره تحقق العيب بمسمّاه وبه صرّح في التذكرة(1) ، فاكتفى بوقوعه مرّة عند البائع. وقيل: يشترط اعتياده (2) وهو أقوى. ويثبت ذلك بوقوعه قبل البيع مرتين، أو عند المشتري في الثلاثة، أو بالتلفيق.
73/2 قوله: «والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري بجلبه».
هو بالجرّ عطف على الصغير أو الأمة، أي ودون المجلوب من بلاد الشرك وإن كان كبيراً، فإنّ عدم الختان فيه ليس عَيْباً مع علم المشتري بكونه مجلوباً عن قرب، وإن لم يعلم بعدم ختانه.
وفي بعض نسخ الكتاب: «مع عدم علم المشتري بجلبه» وعليه يكون معطوفاً على أفراد العيوب السابقة أو على الكبير. والتقدير حينئذ أنّ من العيوب عدم الختان في الكبير مطلقاً، وإن كان مجلوباً من بلاد الشرك إذا لم يعلم المشتري ،بجلبه، أما لو علم فلا خيار له، وإنما خصه بعد دخوله في الكبير لاحتمال أن يقال بعدم كونه عَيْباً في المجلوب مطلقاً.
وهذه النسخة رديئة المعنى؛ فلذا غيرها بحذف «عدم» لأنّ إطلاق كونه عَيْباً الكبير كافٍ عن ذكر المجلوب بعده؛ لأنّ المفروض كونه كبيراً فعطفه عليه يوهم المغايرة .
ص: 382
قوله: «كلّ ما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة ممّا لا يُعدّ فَقْده عَيْباً، يثبت الخيار عند عدمه كاشتراط الإسلام، أو البكارة...».
الخيار في ذلك بين الردّ والإمساك بغير أرش بخلاف المعيب، ويستثنى من ذلك اشتراط البكارة ، فإنّه يثبت بفواتها الأرش أيضاً دون العكس.
قوله: «فإن كانت أمةً تخيّر، وإن كانت دابةً احتمل ذلك؛ لإمكان ارادة حمل ما تعجز عنه حينئذ، وعدمه للزيادة إن قلنا بدخول الحمل كالشيخ»(1) .
الفرق بين الأمة والدابة اشتمال حمل الأمة على الخطر وإن قيل بدخوله - بخلاف حمل الدابة، فإنّه لاخطر فيه. وإن اقتضى الحمل والركوب فعلى تقدير القول بدخوله يكون نقصاً من وجه وزيادة من آخر فيحتمل عدم الخيار لذلك، والأقوى ثبوته من جملة النقصان، فإنّه كاف فيه الزيادة لالجبره.
74/2 قوله «وينبغي إعلام المشتري بالعيب أو التبرؤ مفصلاً فإن أجمل برى». هذا في غير العيب المشتمل على الغش كمزج اللبن بالماء ونحوه، وإلا وجب ذكره ولم يجبره التبرؤ منه مجملاً.
قوله: «فيُحتمل قيمته حين العقد والقبض والأقلّ منهما ويؤخذ من الثمن بنسبة التفاوت بينهما». قوي.
75/2 قوله: «ولو ظهرت الأمة حاملاً قبل العقد كان له الردّ وإن تصرّف بالوطء خاصةً».
المراد بالحمل هنا من غير المولى؛ ليتحقق التخيير بين الردّ وعدمه إذ لو كان المولى تبيّن بطلان البيع من رأس. والحكم بنصف العشر مبني على الغالب من كون الحامل غير بكر، فلو اتفق كونُها بكراً فالأقرب العُشر كما سيأتي (2). ويلحق بالوطء مقدماته من القُبلة، واللمس، وغيرهما على الأقوى.
ص: 383
وهذا الفرد من التصرف مستثنى بالنصوص الكثيرة(1) ، وإن كان مخالفاً للأصول الشرعيّة في كثير من الموارد (2).
قوله: «لو كان المبيع غير الأمة، فحمل عند المشتري من غير تصرف فالأقرب أنّ للمشتري الردّ بالعيب السابق؛ لأنّ الحمل زيادة، ولو كانت حاملاً فولدت عنده ثمّ ردّها ردّ الولد».
قيد بقوله: «غير الأمة» لما عرفت من الفرق بينها وبين غيرها من الحيوان في الحمل، من حيث الخطر الموجب للعيب، ويكون الحمل عند المشتري على ما لو كان قبل القبض، فإنّه يكون مضموناً على البائع.
ونبه بقوله: «من غير تصرف» على أنّه مع التصرّف لاردّ قطعاً.و مع ذلك فلا يتم الحكم إلا على قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملك البائع (3)وأن الحمل كالنماء المتصل لا المنفصل؛ ليتحقق كون الحمل زيادةً. وكلاهما مردود. ولو بنيناه على مذهبه لكان الحمل للمشتري -كما سيأتي (4) - فلا وجه للتعليل بالزيادة. ولو سلّم فقد عرفت أنّه ز ، زيادة من وجه ونقصان من آخر فلا يتم والأقوى أنه لا يردّه على القولين. واعلم أنه على تقدير ردّه إنما يكون بالعيب السابق كما ذكره، وحينئذٍ فلا فرق بين رده في الثلاثة وبعدها؛ لأنّ خيار العيب ليس على الفور، والحمل المذكور ليس بعيب على ذلك التقدير فلا يمنع من الردّ بالسابق مطلقاً.
ص: 384
قوله: «وللمشتري الفشخ مع الجهل فيرجع بالثمن أو الأرش، فإن استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضاً».
يمكن أن يريد بقوله: «فالأرش ثمنه» الثمن المتعارف وهو ما بذله المشتري عوضاً عنه من غير التفات إلى القيمة؛ نظراً إلى أنّ هذا العَيْبَ المستوعب للقيمة لمّا كان مقدَّماً على العيب ومتعلّقاً بحق الغير كان بمنزلة ما لو ظهر مستحقاً يرجع بثمنه، ولأنّ الأرش جزء من الثمن، كما أنه لو كان غير مستوعب للقيمة، فيرجع من الثمن بنسبة النقصان، كذلك يرجع به أجمع مع الاستيعاب. وبهذا المعنى صرّح الشافعية في كتبهم في هذه المسألة (1).
ويمكن أن يريد بالثمن هنا القيمة مجازاً، وهو واقع في كلامهم أيضاً؛ نظراً إلى شأنه أنه إذا بيع يُشترى بقيمته وإن اقتضت العوارض زيادة أو نقصاناً. ووجه حمله عليها أنّ الثمن لا يضمن إذا أجاز المجني عليه البيع، بل المضمون أقلّ الأمرين، وبهذا المعنى صرّح الشارح المحقق(2) ، ولعله الأنسب ؛ وإن كانت العبارة بعيدة الدلالة عليه، إذ كان الوجه حينئذٍ أن يقول: فإن استوعبت الجناية القيمة فهي الأرش.
قوله: «وإلا فقدر الأرش».
أي وإلا تستوعب الجناية القيمة فالواجب قدر الأرش. وفيه أيضاً تكلُّف، فإنّ المتبادر من العبارة كون الأرش حينئذٍ قدر الأرش، ولا يخفى مافيه.
قوله: «ولو ظهر تحريم الجارية مؤبداً عليه، فلا فشخ ولا أرش وإن نقص انتفاعه لبقاء القيمة محفوظة بالنسبة إلى غيره».
قيل عليه: إنّ بقاء القيمة ليس منافياً للعَيْب، فإنّ الخِصِيَّ قيمته محفوظة؛ بل زائدة مع تحقق عيبه.
ص: 385
ويمكن الجواب بأنّ بقاء المالية تعليل لعدم الفشخ والأرش لالعدم العيب، والحكم بالفسخ أعم من كونه معللاً به .
والحق أن التحريم ليس بعيب؛ لعدم دخوله في تعريفه، وقد تقدم حكمه بعدمه.
77/2 قوله: «وتختبر التَصْرِيَة (1) بثلاثة أيام، فإن زالت التصرية قبل انقضائها فلاخيار، ويثبت لو زالت بعدها».
يظهر من قوله: إنّها تختبر بثلاثة أيام ومن قوله ويثبت لو زالت بعدها» أن الخيار على تقدير ثبوتها لا يختص بالثلاثة، بل يمكن أن لا يقع فيها أيضاً؛ لأنه لا يثبت إلا بعد الاختبار في الثلاثة، وهو يوجب تأخُرَ وقته عنها.
ويظهر من عبارة الدروس (2)، وعبارة المصنّف في التحرير (3) أنّ الخيار هنا إنّما هو في الثلاثة لابعدها، بل جعله في الدروس خيار الحيوان نفسه (4)، ونقله عن الشيخ(5) . والأظهر الأوّل إن كان طريق معرفتها الاختبار؛ لأنّ محله مجموع الثلاثة. ويمكن ترجيح الثاني إن علمت بالبينة أو الإقرار وعلى الأوّل يثبت على الفور بعد انقضاء الثلاثة بغير فصل، إلا أن يجهل الفوريّة أو الخيار، وعليه يُنَزّل قوله: ويثبت لو زالت بعدها ».
78/2 قوله: «والزيادة المنفصلة له والمتصلة للبائع».
في حواشي الشهيد (رحمه الله) نقلاً عن بعض الفضلاء ما صورته :
جزم هنا بأنّ الزوائد للمشتري وإن فسخ واستشكل في زوائد المُصَرَّاة. وفي
ص: 386
الفرق نظر إلّا أن نقول: الفَسْخ في التَصْرِيَةِ يجعله(1) من أصله والعيب من حينه، وفيه سؤال اللميّة (2).
قلت: الحكم في الموضعين واحد من جهة كون الفسخ يبطله من حينه لا من أصله، وهو المقتضي لكون الزوائد المنفصلة للمشتري، وإنّما تردّ في اللبن المتجدّد للمُصَرَّاةِ، من حيث إطلاق النص (3) بردّها مع اللبن الشامل بإطلاقه للموجود حال العقد والمتجدّد بعده، ولكنّ الإطلاق محمول على الأوّل، لأنه جزء من المبيع، فالفشخ فيه يقتضي ردّه بخلاف المتجدّد، فإنّه يخص النماء فيرجع إلى القاعدة ومن ثُمَّ حَكَم فيما سَبَق(4) ، بعدم دخوله، وإن عقبه بالإشكال لما ذكرناه، وحينئذ فلامنافاة بين الكلامين.
قوله: «فإن نكل فردّ عليه احتمل عدم ردّه على الموكل لإجرائه مجرى الإقرار، وثبوته لرجوعه قهراً كالبينة».
مبنى الوجهين على أن اليمين المردودة على المدعي بعد نكول المنكر، هل هي كإقامة البينة من المدعي، أو كإقرار المنكر بالحقِّ؟ وجهان: منشؤهما كونه صادراً من المدعي فهو كالبينة من جهته، ومن أنّ سببه النكول وهو من المنكر، فيكون كإقراره، والمشهور(5) ترجيح الأوّل. وقد نبه المصنّف على وجهه بقوله: «لرجوعه قهراً كالبينة أي رجوع المبيع إلى المنكر قهراً - مع كونه غير مقر - فكان ذلك كالبينة، مع أنّها من وظيفة المدعي. فإن قلنا بالأوّل ملك الوكيل ردّه على الموكل ؛ لأنّ
ص: 387
البينة لو قامت بتقدّم العَيْب ملك ردّه عليه، فكذا مع ما قام مقامها وهو حلف المدّعي. وإن قلنا بالثاني لم يملك ردّه عليه ؛ لأنه لو أقرّ به لم ينفعه الإقرار، فكذا مع ما في معناه.
وبما ذكرناه يظهر ضعف ما قيل على البناء المذكور من عدم توجهه، من حيث إنّ البينة في هذه الحالة على سَبْق العَيْب غير مسموعة من الوكيل، ولا موجبة للردّ على الموكل، لأن الوكيل ينكر سبق العيب، فهو معترف بكون المشتري ظالماً و مَن ظلم لا يظلم»(1) ؛ لأنّ هذا الإشكال مبني على أن اليمين كإقامة البينة من المنكر، وليس كذلك كما بيناه (2) وصَرَّحوا به في بابه (3).
79/2 قوله: «ولو ردّها بخيار، فأنكر البائع أنّها سَلْعته احتمل المساواة وتقديم قول المشتري مع اليمين؛ لاتفاقهما على استحقاق الفشخ بخلاف العَيْب».
المساواة قوية لاشتراكهما في إنكار البائع كونها سلعته، والأصل يشهد له فيقدّم قوله فيهما، والخيار المفروض في الثانية لادخل له في هذا النزاع؛ لأنّ استحقاق الفشخ بالعيب ليس بالخيار ، كما أنّ الفشخ بالخيار المتفق عليه لا يتوقف على ثبوت العيب. وعلى هذا فلو أقرّ البائع بعَيْب سَلْعَته في الأوّل وأنكر تعيين المشتري، فالقول قول البائع فيه أيضاً، وإن اتفقا على ثبوت الخيار بالعيب، لما عرفت من أنّ ذلك لا مدخل له في موضع النزاع هنا. فإن اتفق الفشخ بالخيار الثابت بالعيب أو غيره طالب البائع بسَلْعَته؛ لأصالة عدم كون ذلك عين ماله، ولأنه منكر، وقبض المشتري إنما كان المصلحته فلا يترجّح قوله فيه.
ص: 388
قوله: «ولو كان المبيع حَلْياً من أحد النقدين بمساويه جنساً وقدراً، فوجد المشتري عيباً قديماً وتجدد عنده آخَرُ، لم يكن له الأرش ولا الردّ مجاناً ولا مع الأرش، ولا يجب الصبر على المعيب مجاناً».
في هذا التعليل إشارة إلى الجواب عمّا يرد على الحكم بالأرش، حيث إنّه يستلزمه الربا؛ لأنّ الأرش كالجزء من الثمن فيكون الحلي مع الأرش في مقابلة الثمن، وذلك يستلزم الزيادة الموجبة للربا.
فأجاب بأنّ مقتضى أصل المعاوضة كون الحلي في مقابلة الثمن وهو مساوٍ له قدراً، والأرش في مقابلة العيب المضمون، فهو كأرش عَيْب العين المقبوضة بالسوم إذا تجدّد بيد المُستام، وإن كانت ربويّة، فكما لا يعدّ فيه الربا لا يعد في صورة النزاع. وعلى هذا فلا فرق بين دفع الأرش من جنس الحلي وغيره؛ لأنّ الجنس لو امتنع لامتنع غيره؛ لتحقق الزيادة في الموضعين.
فإن قيل: جهة المقابلة بمجردها لا تمنع الربا وإلا لزم جواز شراء الحلي المذكور مع أرش العيب ابتداءاً، وهو معلوم البطلان.
قلنا القدر المجوّز مع الجهة أمر آخر ، وهو لحوق الزيادة لأصل المعاوضة، كما هو الواقع في محلّ النزاع دون ما عورض به. وقد نبه عليه بمسألة المقبوض بالسوم، فإنّ الزيادة فيه لاحقة بسبب الضمان لا بسبب المعاوضة، ومرجعه إلى أنّ الربا إنّما يثبت في المعاوضات لا الضمانات وهذا حسن إن لم نقل بكون الأرش ثابتاً في ذمّة من يلتزم به في ابتداء العقد وإن لم يطالبه به المستحق وإلا كانت المعاوضة في معنى المشتمل عليه ابتداءاً، وهو في موضع النظر.
وفي المسألة وجه ثالث، وهو جواز رجوع المشتري بأرش العيب القديم ولا تقدح الزيادة؛ لأنّ المماثلة في الربوي إنّما تشترط في ابتداء المعاوضة وقد حصلت والأرش حق يثبت بعد ذلك فلا يقدح في العقد السابق. ووجهه واضح بما تقدم. وفيه ما مرّ من البناء على كون الأرش ثابتاً ابتداءاً، أو بعد المطالبة به، فعلى الثاني يتجه ذلك وإلا فلا.
ص: 389
80/2 قوله: «ولا البذر وإن كان كامناً».
لا بد في تحقق معنى البذر لغةً وعرفاً من كمونه تحت الأرض على تقدير كونه فيها، فلو كان قد ظهر بما يُسمّى زرعاً لا بذراً، فالمبالغة بالكمون بملاحظة المجاز بما كان عليه، أو بتكلف شموله لما وضع فى الأرض قبل طمه بالحرث ونحوه، وإنْ بَعد الفرض .
قوله: «لو قال بحقوقها».
هذا وصلي لقوله: «ولا تندرج فيها الأشجار...». إلى آخره. بمعنى أنها لاتدخل. وإن قال: بعتكها بحقوقها؛ لأنّ الأشجار ونحوها ليست من حقوق الأرض فلا يتناولها لفظه.
ونبه به على خلاف الشيخ(رحمه الله) حيث أدخلها بذلك(1) ، وهو ضعيف.
قوله: «أمّا لو قال وما أغلق عليه ،بابه، أو ما هو فيه، أو وما اشتملت عليه حدوده دخل الجميع».
دخول ذلك في كل واحدة من هذه الألفاظ غير مشروط بقوله: «بحقوقها» بل هي مقتضية لدخولها بنفسها، لصراحتها في ذلك، ويشكل الحكم في دخول البذر الكامن
ص: 390
مطلقاً؛ للجهالة والأجود تقييده بضبطه بالوصف أو المشاهدة، أو كونه تابعاً للأرض لا مقصوداً بالذات، كما سلف في أوّل الكتاب (1).
81/2 قوله: «وفي دخول البناء إشكال أقربه عدم الدخول ».
موضع الإشكال في غير الحائط ونحوه من الأبنية المعدودة جزءاً من البستان عرفاً. والأقوى دخول ما دلّت القرينة والعرف على دخوله دون غيره، ويختلف ذلك باختلاف البقاع وأوضاع البناء.
قوله: «والإجانات المُثَبَّتَة».
جمع إجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم - هي ما ينتفع به في غسل الثياب ونحوه (2).
قوله: «ويدخل فيه المجاز ولو قال بحقوقها وتعدّد دخل الجميع، ولو لم يقل فإشكال ».
في حواشي الشهيد (رحمه الله): توقف فيما مرّ إذا كان إلى الشارع أو ملك المشتري. ويمكن اختصاص الإشكال هنا بغير الشارع وملك المشتري (3).
قلت: الموضوع المتقدّم ما لو قال بحقوقها وحكمه ثَمَّة بدخول الجميع على إشكال غير مناف للحكم، ولم يذكر حكم ما لو أطلق وهنا جزم بدخول الجميع لو قال: بحقوقها، فهو غير مناف لما تقدّم، غير أنّ في السابق تنبيهاً على محل الإشكال في بعض أفرادها. وإنّما استشكل هنا مع الإطلاق وهو حكم آخر، فلا وجه لتخصيصه جمعاً بينه وبين ما تقدم.
والأقوى عدم دخول الجميع، فيجب تعيين واحد.
82/2 قوله: «وفي دخول الأشجار النابتة وسطها إشكال، أقربه عدم الدخول».
قوي إلا مع اقتضاء العرف دخولها ، أو دلالة القرينة عليه، كالمساومة على المجموع
ص: 391
مع بذل ثمن لا يقابل عادة إلا المجموع، ونحو ذلك.
قوله: «وليس له الإبقاء في المَغْرِس ميتةً، إلا أن تستخلف عوضاً من فراخها المشترطة».
هذا الاستثناء منقطع؛ لأنّ استخلاف فراخها المشترطة ليس من أفراد إبقائها ميتةً؛ إلّا أنْ يريد يريد جواز إبقائها مع الفراخ المشترطة، ولا يتمُّ بتقدير حاجة الفرخ إلى بقاء الأصل.
83/2 قوله: «فلو انتقلت النخلة بغيره من صلح بعوض أو غيره، أو هبة بعوض وغيره، أوإجارة، أو صداق، أو غير ذلك لم تدخل».
في حواشي الشهيد (رحمه الله) على قوله: «بعوض وغيره» نقلاً عن فخرالدين (1): أي غير عوض والصلح جائز بغير عوض، نقله عن والده.
قلت : الأولى عود الضمير إلى «الصلح» أي وغير الصلح (2). انتهى كلام الشهيد (رحمه الله) .
أقول : لا يظهر وجه الأولوية، بل وجه صحة العبارة على تقديرها فإنّه يلزم استدراك سائر ما بعدهما لدخوله في الغيرية. ويؤيّد ردّها إلى العوض وجوه:
الأوّل: أنّه أقرب.
الثاني: أنّ المراد بغيره بعد عوض الهبة غير العوض، فيكون الأول كذلك بمقتضى السياق.
الثالث استدراك المذكورات بمغايرتها للصلح والمتجه صحة الصلح بغير عوض بناءً على إفادته فائدة الهبة التي لا تقتضي العوض فيكون قوله: صالحتك على كذا، بمنزلة : وهبتك إياه. وصلح الحطيطة يرشد إليه.
وحينئذٍ فلا يرد ما يقال: إنه من عقود المعاوضات وهي تقتضي عوضاً؛ لأن كونه من
ص: 392
عقود المعاوضات ليس ممّا يجب اعتماده مطلقاً، بل لا دليل عليه كذلك، وإنّما هو موضع النزاع.
قوله: «إذا ظهرت الثمرة بعد البيع، فهي للمشتري إذا لم تكن موجودة حال العقد، إلا أن يشترطها البائع».
المفهوم من ظهور الثمرة بروزها إلى الوجود، سواء ظهرت للحسّ أم لا، وقد تقدّم في كلامه عن قريب ما يدلّ على ذلك، وحينئذٍ فلا وجه لاشتراط كونها غير موجودة حال البيع بعد الحكم بتجدّد ظهورها بعده، إلا أن يحمل الظهور على الوجود الحسّي، والوجود على الأعم منه، كما حملها الشهيد رحمه الله في حاشيته(1) ، وهو جيد وإن كان خلاف الظاهر لتستقيم معه العبارة.
وأما حمل الظهور على بُدو الصلاح ففساده أظهر من أن يخفى.
قوله: «أما لو كان بعض طَلْع النخلة مُؤَبَّراً(2) وبعضه غير مُؤَبَّرٍ، احتمل دخول غير المُؤَبَّر خاصةً، وعدم الدخول مطلقاً؛ لعسر التمييز».
الأقوى دخول غير المُؤبَّر خاصّةً مطلقاً.
قوله: «لا يدخل الغصن اليابس ولا السعف (3) اليابس على إشكال».
الأقوى دخولهما معاً.
84/2 قوله: «وفى ورق التوت نظر».
المراد به الخارج من الربيع؛ لأنه هو القائم مقام الثمرة، والأقوى إلحاقه بها. أما غيره فيدخل بغير إشكال.
ص: 393
قوله: «ولو خيف الضرر الكثير فالأقرب جواز القطع، وفي دفع الأرش نظر».
في جواز القطع حينئذٍ قوة من دون الأرش، ولا ينافيه ما تقدّم في الثمار من ترجيح مصلحة المشتري؛ لأنّه مقيّد بما إذا لم يكن الضرر كثيراً بحيث يتناول حكمه خبر الضرار(1) ، وإلا لم يقدّم ثُمَّ أيضاً. ولو فرض إرادته فيما سبق تقديمه مطلقاً كان ما قلنا من التفصيل أجود.
85/2 قوله: «العبد: ولا يتناول ماله الذي ملكه مولاه، إلا أن يستثنيه المشتري إن قلنا إن العبد يملك...».
المراد باستثناء المشتري له اشتراط دخوله في المبيع لا الاستثناء المتعارف؛ لأنه منافٍ للمقصود هنا. ويفهم من العبارة أنّه على القول بملك العبد لا يدخل ماله إلّا مع الشرط وبدونه يكون للبائع، وهو خلاف المعروف من حكم الملك، أن ملك العبد على القول به - على تسلّطه على الانتفاع به لاملك رقبته كما نقله في الدروس (2).
**
في آخر نسخة «س»: هذا ما وجدناه من هذه الحاشية والحمد لله وحده وصلّى الله على محمّد وآله وكتبها لنفسه بيده الفانية الجانية الفقير إلى رحمة ربه الغني المغني حسين بن عليّ بن طعمة الحوارزي تجاوز الله تعالى عنهم بمنه وكرمه وأفاض عليهم سبحانه فضله وجوده ونعمه إنه جواد كريم، وذلك في عشرين جمادى الأولى سنة 1041 من الهجرة على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله ربّ العالمين، اللهم اختم لنا بالصالحات يا كريم إنّك على كلّ شيء قدير. تمّ حاشية قواعد العلّامة (عليه الرحمة والرضوان) بيد العبد الجليل الشيخ زين الدين المشهور بالشهيد الثاني (عليه رحمة الله الملك الجبّار).
ص: 394