موسوعة الشهيد الثاني المجلد 14

هوية الکتاب

موسوعة

الشهيد الثاني

الْجُزءُ الرّابِع عَشَر

حٰاشيَةُ شَرائع الإسْلام

وَ حٰاشيَةُ المُخْتَصَرِ النّافِع

المَركز العَالي للعُلوم وَالثقافةِ الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الرابع عشر (حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأُولى 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 247

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن على، 911 - 966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.

1434ق. = 2013م.

30ج.

978-600-5570-74-8 ISBN-. (دوره)

978-600-5570-89-2 ISBN-. (ج 14)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

کتابنامه.

مندرجات: ج 14. حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع. -

1.اسلام - مجموعه ها. 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام. 3. اسلام و آموزش و پرورش. 4. اخلاق اسلامی. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی. مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

297/08 8م 92ش /6/BP4

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الرابع عشر

حاشية شرائع الإسلام

و

حاشية المختصر النافع

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الرابع عشر (حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأُولى 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 247

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن على، 911 - 966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.

1434ق. = 2013م.

30ج.

978-600-5570-74-8 ISBN-. (دوره)

978-600-5570-89-2 ISBN-. (ج 14)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

کتابنامه.

مندرجات: ج 14. حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع. -

1.اسلام - مجموعه ها. 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام. 3. اسلام و آموزش و پرورش. 4. اخلاق اسلامی. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی. مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

297/08 8م 92ش /6/BP4

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2-6) الرسائل/1 : 2. كشف الريبة ؛ 3. التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ 5. البداية؛ 6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل/2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميّت؛ 9. العدالة؛ 10. ماء البئر؛ 11. تيقّن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة؛ 13. النيّة؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار؛ 18. أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة؛ 19. نيّات الحجّ والعمرة؛ 20. مناسك الحجّ والعمرة؛ 21. طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة؛ 23. الحبوة؛ 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان؛ 25. أجوبة مسائل السيّد ابن طرّاد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيّد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفيّة.

الجزء الرابع = (31-43) الرسائل/3 : 31. تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبوليّة في الواجبات العينيّة؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34. وصيّةٌ نافعةٌ؛ 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37. مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية «خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43. الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47-49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفيّة

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية

الجزء الرابع عشر = (51 و52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ... 39

نماذج من مصوّرات النسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق ... 45

مقدّمة المصنّف ... 3

كتاب الطهارة ... 5

الركن الأوّل في المياه ... 7

ماء البئر ... 8

فروع ثلاثة : ... 9

الماء المضاف ... 10

الأسآر ... 11

الركن الثاني في الطهارة المائيّة ... 12

الفصل الأوّل في الأحداث الموجبة للوضوء ... 12

أحكام الخلوة ... 12

سنن الخلوة ... 13

في كيفيّة الوضوء ... 14

غسل الوجه ... 15

ص: 7

غسل اليدين ... 16

مسح الرأس ... 17

مسح الرجلين ... 17

مسائل: ... 18

سنن الوضوء ... 19

أحكام الوضوء ... 20

الغسل ... 22

الفصل الأوّل في الجنابة ... 22

واجبات غسل الجنابة ... 24

الفصل الثاني في الحيض ... 25

مسائل خمس: ... 27

الفصل الثالث في الاستحاضة ... 28

أحكام الاستحاضة ... 31

الفصل الرابع في النفاس ... 32

الفصل الخامس في أحكام الميّت ... 34

في التغسيل ... 34

في التكفين ... 37

في مواراة الميّت في الأرض ... 40

في لواحق الدفن ... 43

الأغسال المسنونة ... 44

الركن الثالث في الطهارة الترابيّة ... 45

الطرف الأوّل فيما يصحّ معه التيمّم ... 45

الطرف الثاني فيما يجوز التيمّم به ... 46

ص: 8

الطرف الثالث في كيفيّة التيمّم ... 47

الطرف الرابع في أحكام التيمّم ... 48

الركن الرابع في النجاسات ... 50

القول في أحكام النجاسات ... 51

القول في الآنية ... 54

كتاب الصلاة ... 57

الركن الأوّل في المقدّمات ... 57

المقدّمة الأُولى في أعداد الصلاة ... 57

المقدّمة الثانية في المواقيت ... 57

وقت النوافل اليوميّة ... 60

أحكام مواقيت الصلاة ... 61

المقدّمة الثالثة في القبلة ... 63

المستقبِل ... 65

في أحكام الخلل في الاستقبال ... 66

المقدّمة الرابعة في لباس المصلّي ... 67

المقدّمة الخامسة في مكان المصلّي ... 71

المقدّمة السادسة فيما يُسْجَد عليه ... 73

المقدّمة السابعة في الأذان والإقامة ... 74

في ما يُؤذَّن له ويُقام ... 74

في كيفيّة الأذان ... 76

في أحكام الأذان ... 77

الركن الثاني في أفعال الصلاة ... 80

ص: 9

النيّة ... 80

تكبيرة الإحرام ... 81

القيام ... 82

القراءة ... 83

الركوع ... 87

السجود ... 88

التشهّد ... 91

التسليم ... 91

خاتمة في قواطع الصلاة ... 92

1 - ما يبطلها عمداً وسهواً ... 92

2 - مالا يبطلها إلّا عمداً ... 92

الركن الثالث في بقيّة الصلوات ... 95

الفصل الأوّل في صلاة الجمعة ... 95

وقتها ... 95

شروط الجمعة ... 96

من تجب عليه الجمعة ... 98

هاهنا مسائل: ... 98

آداب الجمعة ... 100

الفصل الثاني في صلاة العيدين ... 101

شروطها ... 101

سننها ... 102

الفصل الثالث في صلاة الكسوف ... 103

في كيفيّتها ... 103

ص: 10

الفصل الرابع في الصلاة على الأموات ... 104

من يصلّى عليه ... 104

في المصلّي ... 104

في كيفيّة الصلاة على الميّت ... 105

الفصل الخامس في الصلوات المرغّبات ... 107

صلاة الاستسقاء ... 107

نافلة شهر رمضان ... 109

خاتمة ... 110

الركن الرابع في التوابع ... 111

الفصل الأوّل في الخلل الواقع في الصلاة ... 111

الخلل عن عمد ... 111

فروع: ... 111

الخلل عن سهو ... 112

الخلل عن شكّ ... 114

في سجدتي السهو ... 117

الفصل الثاني في قضاء الصلوات ... 117

سبب القضاء ... 117

حكم القضاء ... 118

مسائل: ... 119

الفصل الثالث في صلاة الجماعة ... 120

إمام الجماعة ... 123

أحكام الجماعة ... 125

خاتمة فيما يتعلّق بالمساجد ... 127

ص: 11

الفصل الرابع في صلاة الخوف والمطاردة ... 130

صلاة الخوف ... 130

شروطها ... 130

كيفيّتها ... 131

أحكامها ... 131

صلاة المطاردة ... 132

الفصل الخامس في صلاة المسافر ... 133

كتاب الزكاة ... 139

القسم الأوّل في زكاة المال ... 139

من تجب عليه ... 139

ما تجب فيه، وما تستحبّ ... 141

القول في زكاة الأنعام ... 142

القول في الفريضة ... 144

اللواحق ... 146

القول في زكاة الذهب والفضّة ... 147

النصاب ... 147

شروط وجوبها ... 148

أحكام زكاة الذهب والفضّة ... 149

القول في زكاة الغلّات ... 150

شروطها ... 150

اللواحق ... 151

القول في زكاة مال التجارة ... 153

ص: 12

شروطها ... 154

أحكامها ... 154

النظر الثالث فيمن تصرف إليه الزكاة ... 156

الفقراء والمساكين ... 156

العاملون ... 157

المؤلّفة قلوبهم ... 158

في الرقاب ... 158

الغارمون ... 159

سبيل الله ... 160

ابن السبيل ... 160

أوصاف المستحقّين ... 160

المتولّي لإخراج الزكاة ... 162

اللواحق ... 163

القول في وقت تسليم الزكاة ... 164

القول في نيّة دفع الزكاة ... 165

القسم الثاني في زكاة الفطرة ... 167

من تجب عليه ... 167

جنسها وقدرها ... 169

وقتها ... 169

مصرفها ... 170

كتاب الخمس ... 171

الفصل الأوّل فيما يجب فيه ... 171

الفصل الثاني في قسمة الخمس ... 174

ص: 13

في الأنفال ... 176

كيفية التصرّف في الأنفال ... 176

كتاب الصوم ... 179

النظر الأوّل في أركانه ... 179

الركن الأوّل في الصوم ... 179

الركن الثاني: ما يمسك عنه الصائم ... 180

القضاء والكفّارات ... 183

فروع: ... 186

المقصد الثالث فيما يكره للصائم ... 188

الركن الثالث: الزمان الذي يصحّ فيه الصوم ... 188

الركن الرابع: من يصحّ منه الصوم ... 188

النظر الثاني في أقسام الصوم ... 191

القول في صوم شهر رمضان ... 191

شروط وجوب الصوم ... 193

أحكام قضاء الصوم ... 194

القول في صوم الكفّارات ... 197

الصوم المندوب والصوم المكروه ... 199

الصوم المكروه ... 200

الصوم المحظور ... 201

النظر الثالث في اللواحق ... 202

كتاب الاعتكاف ... 205

شرائط الاعتكاف ... 205

ص: 14

أقسام الاعتكاف ... 209

أحكام الاعتكاف ... 209

كتاب الحجّ ... 213

الركن الأوّل في المقدّمات ... 213

القول في حجّة الإسلام ... 214

شرائط وجوبها ... 214

مسائل أربع: ... 220

القول في ما يجب بالنذر، واليمين، والعهد ... 221

القول في النيابة ... 222

في أقسام الحجّ ... 228

التمتّع ... 228

الإفراد ... 232

القِران ... 233

المقدّمة الرابعة في المواقيت ... 235

أقسامها ... 235

أحكامها ... 236

الركن الثاني في أفعال الحجّ ... 238

الإحرام ... 238

نيّة الإحرام ... 239

التلبيات الأربع ... 240

لبس ثوبي الإحرام ... 240

أحكام الإحرام ... 241

مندوبات الإحرام ... 243

ص: 15

تروك الإحرام ... 244

خاتمة ... 249

القول في الوقوف بعرفات ... 250

واجباته ... 251

مندوباته ... 252

القول في الوقوف بالمشعر ... 253

كيفيّة الوقوف بالمشعر ... 253

القول في نزول مِنی ومابها من المناسك ... 255

رمي جمرة العقبة ... 256

الهدي ... 256

البدل ... 259

هدي القِران ... 260

في الأُضحيّة ... 262

الحلق والتقصير ... 263

القول في الطواف ... 265

واجبات الطواف ... 266

مندوبات الطواف ... 268

أحكام الطواف ... 268

القول في السعي ... 270

مقدّماته ... 270

كيفيّته ... 271

أحكام السعي ... 272

القول في الأحكام المتعلّقة بمنى بعد العَود ... 273

ص: 16

مسائل: ... 275

الركن الثالث في اللواحق ... 279

المقصد الأوّل في الإحصار والصدّ ... 279

المقصد الثاني في أحكام الصيد ... 284

مالا يتعلّق به كفّارة ... 284

ما لكفّارته بدل على الخصوص ... 285

ما لا بدل له على الخصوص ... 287

الفصل الثاني في موجبات الضمان ... 291

1 - مباشرة الإتلاف ... 291

2- اليد ... 292

3- السبب ... 293

الفصل الثالث في صيد الحرم ... 295

الفصل الرابع في التوابع ... 296

المقصد الثالث في باقي المحظورات ... 298

الاستمتاع بالنساء ... 298

الطيب ... 300

قلم الأظفار ... 301

حلق الشعر ... 301

الجدال ... 301

قلع شجرة الحرم ... 302

خاتمة ... 302

كتاب العمرة ... 303

صورتها ... 303

ص: 17

أقسامها ... 304

كتاب الجهاد ... 305

من يجب عليه الجهاد ... 305

المرابطة ... 307

من يجب جهاده ... 307

كيفيّة قتال أهل الحرب ... 308

الذمام ... 309

خاتمة ... 310

الأسارى ... 310

أحكام الغنيمة ... 311

أحكام الأرضين ... 312

قسمة الغنيمة ... 313

أحكام أهل الذمّة ... 315

من تؤخذ منه الجزية ... 315

كميّة الجزية ... 316

شرائط الذمّة ... 317

حكم الأبنية ... 317

المهادنة ... 319

قتال أهل البغي ... 320

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... 323

شروط النهي عن المنكر ... 324

ص: 18

مراتب الإنكار ... 325

المقيم للحدّ ... 326

كتاب التجارة ... 327

الفصل الأوّل فيما يكتسب به ... 327

مسائل: ... 330

الفصل الثاني في عقد البيع ... 332

العقد ... 332

ما يتعلّق بالمتعاقدين ... 333

ما يتعلّق بالمبيع ... 335

مسألتان: ... 338

آداب التجارة ... 338

الفصل الثالث في الخيار ... 340

خيار المجلس ... 340

خيار الحيوان ... 341

خيار الشرط ... 342

خيار الغبن ... 342

خيار التأخير ... 343

أحكام الخيار ... 344

خيار الرؤية ... 346

الفصل الرابع في أحكام العقود ... 347

النقد والنسيئة ... 347

ما يدخل في المبيع ... 348

ص: 19

فروع: ... 350

التسليم ... 350

بيع مالا يُقبض ... 352

اختلاف المتبايعين ... 353

في الشروط ... 355

لواحق من أحكام العقود ... 357

الفصل الخامس في أحكام العيوب ... 358

أقسام العيوب ... 360

تصرية الشاة ... 361

القول في لواحق هذا الفصل ... 362

الفصل السادس في المرابحة، والمواضعة، والتولية ... 364

المرابحة ... 364

التولية ... 365

المواضعة ... 366

الفصل السابع في الربا والقرض ... 366

الربا ... 366

تتمّة فيها مسائل: ... 368

بيع الصرف ... 369

مسائل عشر: ... 371

الفصل الثامن في بيع الثمار ... 374

النخل ... 374

الأشجار ... 375

الخُضَر ... 376

ص: 20

مسائل: ... 376

الفصل التاسع في بيع الحيوان ... 380

من يصحّ تملّكه ... 380

أحكام الابتياع ... 380

لواحق بيع الحيوان ... 382

الفصل العاشر في السلف ... 386

المقصد الأوّل: بيع السلم ... 386

المقصد الثاني: شرائطه ... 387

المقصد الثالث: أحكامه ... 391

المقصد الرابع في الإقالة ... 394

المقصد الخامس في القرض ... 394

حقيقته ... 394

ما يصحّ إقراضه ... 395

أحكام القرض ... 395

المقصد السادس في دين المملوك ... 398

خاتمة ... 399

كتاب الرهن ... 401

الفصل الأوّل في الرهن ... 401

الفصل الثاني في شرائط الرهن ... 403

الفصل الثالث في الحقّ ... 404

الفصل الخامس في المرتهن ... 405

الفصل السادس في اللواحق ... 407

أحكام متعلّقة بالرهن ... 408

ص: 21

في مسائل النزاع: ... 411

كتاب المفلَس ... 413

القول في منع التصرّف ... 414

القول في اختصاص الغريم بعين ماله ... 415

القول في قسمة ماله ... 417

النظر في حبسه ... 418

كتاب الحجر ... 419

الفصل الأوّل في موجباته ... 419

الفصل الثاني في أحكام الحجر ... 421

كتاب الضمان ... 423

القسم الأوّل في ضمان المال ... 423

الحقّ المضمون ... 426

في اللواحق ... 428

القسم الثاني في الحوالة ... 432

شروطها ... 432

أحكامها ... 434

القسم الثالث في الكفالة ... 437

مسائل: ... 439

كتاب الصلح ... 441

أحكام النزاع في الأملاك ... 445

ص: 22

كتاب الشركة ... 451

الفصل الأوّل في أقسامها ... 451

الفصل الثاني في القسمة ... 453

الفصل الثالث في لواحق الشركة ... 454

كتاب المضاربة ... 457

في العقد ... 457

في مال القراض ... 459

في الربح ... 460

في اللواحق ... 462

كتاب المزارعة والمساقاة ... 465

المزارعة ... 465

شروط المزارعة: ... 466

الأوّل: أن يكون النماء مشاعاً بينهما ... 466

الثاني: تعيين المدّة ... 466

الثالث: أن تكون الأرض ممّا يمكن الانتفاع بها ... 467

أحكامها ... 470

المساقاة ... 473

في العقد ... 473

ما يساقی عليه ... 474

مفاد العمل ... 474

ص: 23

في الفائدة ... 475

في أحكامها ... 476

كتاب الوديعة ... 479

النظر الأوّل في العقد ... 479

النظر الثاني في موجبات الضمان ... 484

التفريط ... 484

التعدّي ... 485

النظر الثالث في اللواحق ... 486

كتاب العارية ... 489

المعير ... 489

المستعير ... 490

العين المُعارة ... 491

في الأحكام المتعلّقة بالعارية ... 492

كتاب الإجارة ... 497

الفصل الأوّل في العقد ... 497

الفصل الثاني في شرائطها ... 498

الفصل الثالث في أحكامها ... 510

الفصل الرابع في التنازع ... 513

كتاب الوكالة ... 515

الفصل الأوّل في العقد ... 515

ص: 24

الفصل الثاني فيما لا تصحّ فيه النيابة وما تصحّ فيه ... 518

الفصل الثالث في الموكّل ... 519

الفصل الرابع في الوكيل ... 521

الفصل الخامس فيما به تثبت الوكالة ... 524

الفصل السادس في اللواحق ... 526

الفصل السابع في التنازع ... 527

كتاب الوقوف والصدقات ... 529

الوقف ... 529

العقد ... 529

في الشرائط ... 530

شرائط الموقوف ... 530

شرائط الواقف ... 530

شرائط الموقوف عليه ... 531

شرائط الوقف ... 535

النظر الثالث في اللواحق ... 537

الصدقة ... 541

کتاب السكنى والحبس ... 543

كتاب الهبات ... 547

حقيقة الهبة ... 547

في حكم الهبات ... 549

ص: 25

كتاب السبق والرماية ... 553

الفصل الأوّل في الألفاظ المستعملة فيه ... 553

الفصل الثاني في ما يسابق به ... 557

الفصل الثالث في عقد المسابقة والرماية ... 558

الفصل الرابع في أحكام النضال ... 559

حاشية المختصر النافع

مقدّمة التحقيق ... 563

نماذج من مصوّرات النسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق ... 567

كتاب الطهارة ... 570

في المياه ... 570

منزوحات البئر ... 570

الماء المضاف ... 571

الأسئار ... 572

الطهارة المائيّة ... 572

مكروهات التخلّي ... 572

كيفيّة الوضوء ... 572

غسل الجنابة ... 573

غسل الحيض ... 574

غسل الاستحاضة والنفاس ... 575

ص: 26

أحكام الاحتضار ... 576

غسل الميّت ... 576

الكفن ... 576

الدفن ... 577

الطهارة الترابيَّة ... 579

النجاسات ... 580

الأواني ... 582

كتاب الصلاة ... 583

عدد النوافل ... 583

أوقات الصلاة ... 583

القِبلة ... 586

لباس المصلِّي ... 586

مكان المصلِّي ... 588

ما يُسْجَدُ عليه ... 589

الأذان والإقامة ... 589

أفعال الصلاة ... 590

التكبير ... 591

القيام ... 591

القراءة ... 592

الركوع ... 593

السجود ... 593

التشهّد ... 594

ص: 27

السلام ... 594

مندوبات الصلاة ... 595

المبطلات ... 595

صلاة الجمعة ... 596

صلاة العيدين ... 597

صلاة الكسوف ... 598

صلاة الجنازة ... 599

صلاة الاستسقاء ... 601

نافلة شهر رمضان ... 602

الخلل الواقع في الصلاة ... 602

قضاء الصلاة ... 604

صلاة الجماعة ... 605

أحكام المساجد ... 607

صلاة الخوف ... 608

صلاة المسافر ... 608

كتاب الزكاة ... 611

زكاة المال ... 611

زكاة الفطر ... 616

كتاب الخمس ... 618

كتاب الصوم ... 620

ما يمسك عنه الصائم ... 620

ص: 28

ما يوجب الكَفّارةَ والقَضاءَ ... 621

مَنْ لا يَصِحّ منه الصوم ... 623

علامة شهر رمضان ... 623

شرائط وجوب الصوم وقضائه ... 623

صوم المندوب ... 624

الصوم المحظور ... 625

كتاب الاعتكاف ... 627

كتاب الحجّ ... 628

شرائط حجّة الإسلام ... 628

القول في النيابة ... 629

في أنواع الحجِّ ... 630

في المواقيت ... 631

في أفعال الحَجّ ... 631

تروك الإحرام ... 633

في الوقوف بعرفات ... 635

في الوقوف بالمشعر ... 635

في مناسك منى ... 636

أحكام الحلق ... 637

في الطواف ... 638

في السعي ... 639

في أحكام منى ... 640

في العمرة ... 641

ص: 29

في الإحصار والصدّ ... 642

في الصيد ... 642

باقي المحظورات ... 646

كتاب الجهاد ... 648

من يجب عليه ... 648

مَن يجب جهادهم ... 649

في التوابع ... 650

في أحكام الأرضين ... 650

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... 651

كتاب التجارة ... 652

فيما يُكتسب به ... 652

البيع وآدابه ... 653

في الخيار ... 654

في لواحق البيع ... 656

في الربا ... 658

في الصرف ... 659

في بيع الثمار ... 660

في بيع الحيوان ... 660

في السلف ... 662

في القرض ... 663

كتاب الرهن ... 665

ص: 30

كتاب الحَجر ... 666

كتاب الضمان ... 667

ضَمان المال ... 667

الحوالة ... 667

الكفالة ... 667

كتاب الصلح ... 668

كتاب الشركة ... 669

كتاب المضارَبة ... 670

كتاب المزارعة والمساقاة ... 672

المزارعة ... 672

المساقاة ... 672

كتاب الوديعة والعاريَّة ... 673

الوديعة ... 673

العاريَة ... 673

كتاب الإجارة ... 674

كتاب الوكالة ... 676

كتاب الوقوف والصدقات والهبات ... 678

الوقف ... 678

الصدقة ... 680

الهِبَة ... 680

ص: 31

کتاب السبق والرمايَة ... 681

كتاب الوصايا ... 682

الوصيَّة ... 682

في الموصي ... 682

في الموصى له ... 682

في الأوصياء ... 683

في الموصى به ... 684

في أحكام الوصيَّة ... 684

كتاب النكاح ... 685

في النكاح الدائم ... 685

في أولياء العقد ... 686

في أسباب التحريم ... 686

في النكاح المنقطع ... 689

في نكاح الإماء ... 689

في العيوب ... 690

في المهور ... 691

في القَسم والشِقاق ... 691

في أحكام الأولاد ... 691

في الرضاع ... 692

في النفقات ... 692

كتاب الطلاق ... 693

ص: 32

في الصيغة ... 693

في أقسام الطلاق ... 693

في اللواحق ... 693

العِدَد ... 694

عدَّة الوفاة ... 694

المفقود ... 694

عدَّة الإماء ... 694

كتاب الخلع والمباراة ... 696

كتاب الظهار ... 697

كتاب الإيلاء ... 699

الكفّارات ... 699

في خصال الكفّارة ... 700

كتاب اللعان ... 701

كتاب العتق ... 702

في الرقّ ... 702

في العتق ... 702

كتاب التدبير والمكاتب والاستيلاد ... 706

التدبير ... 706

المكاتبة ... 707

الاستيلاد ... 708

ص: 33

كتاب الإقرار ... 709

الإقرار ... 709

في المُقرّ به ... 710

في المُقرّ به ... 710

في الاستثناء ... 711

الإقرار بالنسب ... 712

كتاب الأيمان ... 714

ما به تنعقد ... 714

في متعلّق اليمين ... 715

كتاب النذور والعهود ... 716

في الناذر ... 716

في الصيغة ... 716

في متعلّق النذر ... 716

في اللواحق ... 717

كتاب الصيد والذبائح ... 718

الصيد ... 718

الذابح والآلة ... 719

الكيفيّة ... 719

كتاب الأطعمة والأشربة ... 721

ص: 34

في حيوان البحر ... 721

في الطير ... 722

في الجامد ... 722

في المائعات ... 723

في اللواحق ... 723

كتاب الغصب ... 725

الغصب ... 725

في الأحكام ... 726

في اللواحق ... 726

كتاب الشُفْعَة ... 727

ما تثبت فيه ... 727

في كيفيّة الأخذ ... 728

كتاب إحياء الموات ... 730

كتاب اللُقطة ... 732

في اللقيط ... 732

في الضوال ... 733

اللقطة ... 733

في الأحكام ... 734

كتاب المواريث ... 736

موجبات الإرث ... 736

ص: 35

موانع الإرث ... 736

السهام ... 737

في الأنساب ... 739

ميراث الأزواج ... 741

في الوَلاء ... 743

ميراث ابن الملاعنة ... 743

ميراث الخنثى ... 744

في ميراث الغرقى والمهدوم عليه ... 745

في ميراث المجوس ... 746

في حساب الفرائض ... 746

في المناسخات ... 747

كتاب القضاء ... 748

صفات القاضي ... 748

في آداب القضاء ... 748

في وظائف الحاكم ... 749

في جواب المدّعى عليه ... 749

كيفيّة الاستحلاف ... 750

المدّعي ... 751

الاختلاف في الدعوى ... 753

تعارض البيِّنات ... 754

كتاب الشهادات ... 755

صفات الشاهد ... 755

ص: 36

فيما يصير به شاهداً ... 757

في الشهادة على الشهادة ... 758

في اللواحق ... 758

كتاب الحدود ... 760

موجب الزنى ... 760

في حدّ الزنى ... 761

في اللواحق ... 762

في اللواط والسحق والقيادة ... 763

في حدِّ القذف ... 763

في أحكام القذف ... 764

في حدّ المسكر ... 764

في حدِّ السرقة ... 765

في حدّ المحارب ... 766

في إتيان البهائم ووطء الأموات وما يتبعه ... 767

كتاب القِصاص ... 768

في قصاص النفس ... 768

في الشرائط المعتبرة في القصاص ... 769

في كيفيّة الاستيفاء ... 771

في قِصاص الطرف ... 772

كتاب الديات ... 773

في مقادير الديات ... 773

ص: 37

في موجبات الضمان ... 775

في الجناية على الأطراف ... 777

في الجناية على المنافع ... 778

في الشِجاج والجراح ... 778

في دية الجنين ... 779

في الجناية على الحيوان ... 779

في كفّارة القتل ... 779

في العاقلة ... 780

ص: 38

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد النبيّ الأُمّيّ وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

يعدّ كتاب شرائع الإسلام من أهمّ المتون الفقهيّة وأحسنها ترتيباً وأجمعها للفروع عند الإماميّة، حيث إن المحقّق الحلّي جمع فيه لبّ ما في نهاية الشيخ التي كانت طبق مضامين الأخبار. وما في مبسوطه وخلافه اللَذَين كانا على حذو كتب العامّة في جمع الفروع. فهو أوّل من جعل الكتب الفقهيّة بترتيب المتأخّرين.

وممّا يمتاز به هذا الكتاب: الأُسلوب السلس، والعبارة المشرقة، والدقّة في تأدية المعنى، والإيجاز في الألفاظ، والمنهجيّة الفذّة في البحث، والموضوعيّة الأمينة في عرض الآراء.

يقول المتتبّع الكبير الشيخ الطهراني في شأن الكتاب وأهمّيّته:

وقد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلّفه إلى الآن، ولا يزال من الكتب الدراسيّة في عواصم العلم الشيعيّة، وقد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون العديدة فجعلوا أبحاثهم وتدريساتهم فيه، وشروحهم وحواشيهم عليه، وللعلماء عليه حواشٍ كثيرة، وله شروح متعدّدة، بل إنّ معظم الموسوعات الفقهيّة الضخمة التي

ص: 39

ألّفت من بعد عصر المحقّق شروح له كما توضحه أسماؤها، فمنها: أساس الأحكام وتقرير المرام وجامع الجوامع وجواهر الكلام ... (1) .

وللشهيد الثاني شرح كبير عليه معروف، وهو المسمّى بمسالك الأفهام في تنقيح شرائع الإسلام وهو أهمّ وأكبر مصنّفات الشهيد الثاني.

كما له حاشية عليه، ومن أجل معرفة خصوصيّاتها لا بدّ من ذكر أُمور:

الأوّل: ذكر هذه الحاشية مؤلّفها الشهيد في إجازته لتاج الدين ابن الشيخ هلال الجزائري، الصادرة له في الرابع عشر من شهر ذي الحجّة سنة 964ه-، حيث قال فيها: فاستخرت الله تعالى وأجزته جميع ماجرى به قلمي من المصنّفات المختصرة والمطوّلة، والحواشي والفوائد المفردة والفتاوى، وهي كثيرة شهيرة لايقتضي الحال ذكرها، ومن أهمّها كتاب: مسالك الأفهام في تنقيح شرائع الإسلام وفّق الله تعالى لإكماله في سبع مجلّدات، كبيرة، ومنها حواشي الكتاب المذكور مجلّدان (2) .

وذكرها أيضاً تلميذ المصنّف وملازمه في حَلِّهِ وترحاله محمّد بن عليّ بن حسن العودي الجزّيني في رسالة بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد التي حكى قسماً منها حفيد ابن المصنّف الشيخ عليّ بن محمّد بن الحسن بن زين الدين في كتابه الدرّ المنثور (3) .

وتبعهم في ذلك الشيخ الطهراني عند ذكر الحواشي على كتاب شرائع الإسلام (4) علماً بأنّ المصنّف (رحمه الله) عبّر عنها بقوله: «فهذه تعليقة مختصرة وقيود محبّرة على كتاب شرائع الإسلام».

الثاني: لم يذكر الشهيد الثاني تأريخ تأليفه لهذه الحاشية، ولعلّه ألّفها قبل تأليفه لمسالك الأفهام، حيث بدأ بكتابة بعض التعليقات المختصرة على الشرائع، ثمّ بدا له تطويرها وكتابة شرح كامل له. و من الثابت أنّ المصنّف (رحمه الله) قد انتهى من تأليف

ص: 40


1- الذريعة، ج 13، ص 47 - 48، الرقم 161.
2- بحار الأنوار، ج 105، ص 144.
3- الدرّ المنثور، ج2، ص 185.
4- الذريعة، ج6، ص106، الرقم 574.

الجزء الأوّل من المسالك في يوم الأربعاء الثالث من شهر رمضان سنة إحدى و خمسين وتسعمائة. فيكون تأليفه لهذه الحاشية قبل هذا التأريخ.

الثالث: التعرّف على ماهيّة الحاشية يتمّ في عدّة نقاط :

أ : كتب المصنّف (رحمه الله) هذه الحاشية بشكل موجز ومختصر، فهو يذكر أوّلاً قول المحقّق الحلّي ثمّ يعلّق عليه بما تقتضيه الضرورة، وقد يشير إلى أقوال بعض العلماء دون التصريح بأسمائهم، كالشهيد الأوّل والعلّامة الحلّي والمحقّق الكركي.

وقد أشار (رحمه الله) في مقدّمتها إلى طبيعة هذه الحاشية وكونها مختصرة بقوله: «تعليقة مختصرة وقيود مُحبّرة»، وبقوله: «تقيّد ما أطلقه وتُبيّن ما أجمله».

ب: يشير المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام إلى بعض الأقوال بعنوان «قيل» و«يقال»، ويُعلّق الشهيد الثاني على هذه الأقوال بكلمة واحدة مثل «قويّ» و«جيّد» و«ضعيف».

ج: يحكي الشهيد (رحمه الله) في بعض الموارد آراء الماتن المحقّق الحلّي في كتابه المعتبر، سواء كانت هذه الآراء موافقة لما في الشرائع أو مخالفة له.

د: يوضّح معاني بعض المصطلحات أو الكلمات اللغوية دون الإشارة إلى المصدر اللغوي.

ه-:حجم هذه الحاشية مجهول لدينا؛ وذلك ناشئٌ من اختلاف محتوى النسخ الخطيّة لهذه الحاشية، فالمخطوطة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا علیه السلام، في مدينة مشهد المقدّسة - برقم 14046 - تنتهي بكتاب السكنى والحبس، بينما المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران - برقم 4360 - تنتهي بكتاب السبق والرماية، الفصل الرابع في أحكام النضال، عند قول الماتن: «ولو قال: من سبق فله درهمان، ومن صلّى فله درهم، فلو سبق واحد أو أربعة فلهم الدرهمان». ورأى الشيخ الطهراني نسخةً من هذه الحاشية تحتوي على كتاب الفرائض فقط، حيث قال:

ورأيتُ نسخةً من حاشية الشهيد على كتاب الفرائض خاصّة من الشرائع في

ص: 41

مكتبة سيّدنا الشيرازي بسامراء، أوّله قوله: الفرائض هي جمع الفريضة بمعنى مفروضة من الفرض وهو التقدير، وينتهي إلى قوله: الحمل يرث بشرط (1) .

الرابع: ذكرنا قبل قليل أنّ المصنّف (رحمه الله) كتب أوّلاً هذه الحاشية على الشرائع بشكل مختصر، ثمّ بدا له كتابة شرح كامل له، فألّف كتابه الفقهي المعروف مسالك الأفهام، لذلك فإنّنا نجد تشابهاً كبيراً بين عبارات هذه الحاشية والمسالك.

ونكتفي هنا بإيراد خمسة موارد توضّح هذه النسبة بين الكتابين، وهي:

1. قال في الحاشية عند شرح قول المحقّق الحلّي: «وأمّا المحقون»: المراد به غير النابع وإن جرى على وجه وجه الأرض (2).

وذكر في المسالك عين هذه العبارة مضيفاً لها قوله: وإطلاق المحقون عليه تغليب كتغليب الجاري على النابع (3).

2. قال في الحاشية عند شرح قول الماتن: «إلّا أن تغيّر النجاسة أحد أوصافه» أي الثلاثة المشهورة، وهي اللون والطعم والرائحة، لا مطلق الأوصاف، والمعتبر في التغيّر الحسّي لا التقديري على الأقوى (4) .

وقال في المسالك:

المراد بها الثلاثة المشهورة، أعني اللون والطعم والرائحة، لا مطلق الأوصاف كالحرارة والبرودة وغيرهما. ويخرج بتغيير النجاسة له ما لو كان التغيّر بالمتنجّس كالدبس مثلاً، فإنّ انفعال طعم الماء لا ينجّسه، مالم يستند التغيّر إلى النجاسة والمعتبر في التغيّر الحسي لا التقديري (5) .

3. قال في الحاشية عند شرح قول الماتن: «أو ماكان كلُّ واحدٍ من طوله وعرضه

ص: 42


1- الذريعة، ج6، ص 106 - 107، الرقم 574 .
2- حاشية الشرائع، ص 7.
3- مسالك الأفهام، ج1، ص 13.
4- حاشية الشرائع، ص 7.
5- مسالك الأفهام، ج 1، ص 13 - 14.

وعمقه ثلاثة أشبار ونصفاً»: هذا مع تساوي أبعاده، ومع اختلافها يعتبر بلوغ الحاصل من ضرب بعضها في بعض الحاصل من ضرب المتساوية كذلك (1) . وذكر في المسالك عين هذه العبارة مضيفاً لها قوله: وهو اثنان وأربعون شبراً وسبعة أثمان الشبر من أشبار مستوي الخلقة، وهو الغالب في الناس (2) .

4. قال في الحاشية عند شرح قول الماتن: «وبنزح كرّ إن مات فيها دابّة أو حمار أو بقرة»: الأقوى اختصاص الحكم بالبغل والحمار، وإلحاق الدابّة والبقرة بما لا نصّ فيه (3) . وذكر في المسالك عين هذه العبارة مضيفاً لها قوله: وهو خيرة المصنّف في المعتبر؛ لأن ما عداهما خالٍ عن النصّ، ومطلق المماثلة غير كافٍ في الحكم، فإنّ البقرة مثل الثور وليست بحكمه (4) .

5. قال في الحاشية عند شرح قول الماتن: «لموت الطير»: هو الحمامة والنعامة وما بينهما (5) .

وذكر في المسالك عین هذه العبارة دون أيّ زيادة فيها (6) .

وقد طبعت هذه الحاشية لأوّل مرّة سنة 1422ه-، في مركزنا اعتماداً على نسختين خطّيّتين، هما:

الأُولى: المرموز لها ب-«م» وهي المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران برقم 4360، وهي مذكورة في فهرسها 12: 73، كتبها بخطّ النسخ سعد بن محمّد الجزائري في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر جمادى الأُولى سنة 985ه- .

ص: 43


1- حاشية الشرائع، ص7.
2- مسالك الأفهام، ج1، ص14.
3- حاشية الشرائع، ص8.
4- مسالك الأفهام، ج1، ص16.
5- حاشية الشرائع، ص9.
6- مسالك الأفهام، ج1، ص17.

ويوجد في آخرها عبارة: «نقلت هذه النسخة من خطّ الشيخ الشهيد زين الدين قدّس الله روحه ونوّر ضريحه».

الثانية: المرموز لها ب-«ض» وهي المخطوطة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا علیه السلام في مدينة مشهد المقدّسة برقم 14046، مذكورة في الفهرس الألفبائي لهذه المكتبة: 194، وهي مجهولة الكاتب وتأريخ الاستنساخ؛ لأنّ الورقة الأخيرة منها غير موجودة.

ثمّ إنّه لمّا تقرّر طبع آثار الشهيد الثاني في قالب موسوعي، ارتأى مركزنا بإعادة النظر في الكتاب، وتصحيح أو تبديل ما يلزم بما يتواءم والقالب الفنّي الجديد، فندب جمعاً من الإخوة الأفاضل إلى تقديم ما يفيد العمل التحقيقي بجميع جوانبه العلميّة والفنّيّة.

وإذ نثمّن جهود الجميع، الشكر والثناء لكلّ من ساهم في تحقيق وإخراج هذه الحاشية، نخصّ بالذكر الإخوة حجج الإسلام: محمّد الحسّون ومحمّد الباقري ومنصور الإبراهيمي الذين ساهموا معنا في ضبط النصّ وتوزيعه، والأُستاذ الأديب أسعد الطيّب والشيخ علي أوسط الناطقي اللذين ساهما في المراجعة النهائيّة، ومحمّد مهدي عادل نيا وفرج الله جهاندوست ومحسن النوروزي والسيّد حسين بني هاشمي و غلامحسین الدهقان الذين ساهموا في مقابلة النسخ ومراجعة المصادر وتصحيح الموارد.

نسأل الله أن يجعله ذخراً لنا ولهم في يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وأن يوفّقنا لخدمة مدرسة أهل البيت علیهم السلام وأتباعهم ومحبّيهم في كلّ مكان.

مركز إحياء التراث الإسلامي

10 رمضان المبارك 1431ه-

ص: 44

نماذج من مصوّرات النسخ الخطّیّة المعتمدة في التحقیق

الصورة

ص: 45

الصورة

ص: 46

الصورة

ص: 47

الصورة

ص: 48

حاشية شرائع الإسلام

ص: 1

ص: 2

مقدّمة المصنّف

بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين

الحمدُ لله حمداً يليق بجلاله وإفضاله، والصلاة على سيّدنا محمّدٍ نبيّه وآله.

وبعد، فهذه تعليقةٌ مختصرةٌ وقيودٌ مُحبَّرةٌ (1) على كتاب شرائع الإسلام، تُنَظِّمُ ما اعتمد عليه من فتواه، وتُقَيِّد ما أطلقه، وتُبيِّن ما أجمله، وعلى الله سبحانه أعتمد، وهو حسبي ونِعمَ الوكيل.

قوله: «فإنّ رعاية الإيمان تُوجب قضاء حقّ الإخوان».

إشارة إلى ما ورد في الحديث: «لا يكمل إيمانُ المؤمن حتّى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه»، ومن أكمل محبوب النفس قضاء حاجتها، وغير ذلك من الأخبار الدالّة على الحثّ (2) على قضاء حاجة المؤمن (3) .

قوله: «ومن الأصحاب مَن عرفتُ الإيمانَ من شأنه».

الشأن: الخطب والأمر والحال (4) ، والمراد هنا الأخيرةُ.

وهذا الصاحب هو محمّد بنُ محمود الزاهد، على ما وجدتُه بخطّ شيخنا الشهيد (رحمه الله).

قوله: «واستبنتُ الصلاحَ على صفحات وجهه ونفحات لسانه».

ص: 3


1- مُحبَّرة: أي محَسَّنة. انظر الصحاح، 2، ص 620، «خبر».
2- على الحثّ: لم ترد في «م».
3- الكافي، ج 2، ص 192 - 196، باب قضاء حاجة المؤمن.
4- الصحاح، ج 4، ص 2142، «شأن».

أشار بذلك إلى ما روي عن عليّ علیه السلام : «ما أضمر أحدكم شيئاً إلّا أظهره الله على صفحات وجهه ونفحات لسانه» (1) .

قوله: «وهو مبنيّ على أقسامٍ أربعة».

هي عباداتٌ، وعقودٌ، وإيقاعاتٌ، وأحكامٌ.

ووجه حصره في الأربعة: أنّ المبحوثَ عنه فيه إمّا أن يكون غايته الآخرة أو الدنيا، والأوّل العبادات، والثاني إمّا أن لا يتوقّف حكمه على صيغة، أو يتوقّف، والأوّل الأحكام، والثاني إمّا أن يكتفى فيها بواحدٍ أو يعتبر اثنان ولو حُكماً و الأوّل الإيقاعات، والثاني العقود.

واعلم أنّ كثيراً من أبواب هذه الأقسام يدخل في غيره كالقضاء والشهادات والنذور وشبهها والعتق فإنّها من أقسام العبادات، والمكاتبة من أقسام العقود، وباقي العقود قد يقصد بها القربة فيكون منها، والخلع والمباراة من أقسام الإيقاع، وهما بالعقود أليق، وما يكتفى فيه بالقبول الفعلي من العقود هي بباب الإيقاع أليق؛ ومن ثَمّ اختلفت أنظارُهم في الترتيب. قوله: «ونبدأ منها بالأهمّ فالأهمّ».

الأهمّ منها قد يكون باعتبار فضيلته في ذاته كالصلاة، فإنّها أشرف من باقي العبادات؛ فلذا قدّمها عليها .

وقد يكون باعتبار غيره كالطهارة، فإنّها باعتبار كونها شرطاً للصلاة قدّمها عليها؛ لأنّ الشرط متقدّم على المشروط.

وقد يكون باعتبار عموم الحاجة إليه كالصوم، فإنّه لوجوبه كلّ عام قدّمه على الحجّ الذي لا يتكرّر على المكلّف إلّا بسببٍ عَرَضي.

وقد يكون لكثرة شرائطه وعسر (2) وجود اجتماعها كالجهاد المشروط غالباً بإذن الإمام. وقدّم الزكاة على الصوم مع مشاركتها له في علّة التقديم، لاقترانها بالصلاة في الآيات الشريفة (3) .

ص: 4


1- نهج البلاغة، ص 655، الحكمة 26.
2- في «ض»: وعزّة.
3- البقرة (2): 43 و 83 و 110؛ الحجّ (22): 41 و 78؛ النور (24): 56.

كتاب الطهارة

اشارة

قوله: «الطهارة: اسم للوضوء أو الغسل أو التيمّم على وجهٍ له تأثير في استباحة الصلاة». إنّما أتى ب-«تأثير» ليدخل فيه كلّ من الغسل المكمّل بالوضوء، ووضوؤه تامّ، فإنّه لا يستباح بأحدهما، وإنّما له مدخلٌ في التأثير.

وأُورد على التعريف أمورٌ:

أ: اشتماله على الترديد المنافي للتحديد.

وأُجيب بأنّه في أقسام المحدود لا في الحدّ (1) .

ب: نقضه في طرده بالأبعاض.

وأُجيب بخروجها بالمسمّيات الثلاثة، فإنّ دلالة المطابقة هي المعتبرة هنا.

ج: أنّه قد يُستباح بها غير الصلاة كالطواف.

وأُجيب بأنّ ذكرها لا ينفي ما عداها، خصوصاً مع اشتماله على المزيّة من حيث اشتراطها مطلقاً بها، بخلاف غيرها.

د: تعريفه الجنس بالنوع، وهو دور.

وأُجيب بجواز كون معرفة النوع ناقصة بحيث لا يتوقّف على معرفة الجنس، ومعرفة الجنس مستفادة من معرفة النوع الناقصة، فلا دور.

ص: 5


1- هذا الجواب والثلاثة التي تليه للشهيد الأوّل في غاية المراد، ج 1، ص 14 وما بعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).

ويمكن اندفاع الجميع بقوله : «اسم»، فإنّ التعريف الاسمي لا تعتبر فيه السلامة ممّا ذكر.

قوله: «فالواجب من الوضوء: ما كان لصلاة واجبة ... أو لِمَسِّ كتابة القرآن إن وجب». بنذرٍ وشبهه، أو لإصلاحِ غلطٍ لا يتمّ إلّا به.

قوله: «والواجب من الغسل: ما كان ل-... أو لدخول المساجد».

مع اللبث في غير المسجدين، ويستثنى من ذلك غسل المسّ فلا يتوقّف دخول المساجد مطلقاً عليه.

قوله: «وقد يجب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب». أشار بذلك إلى أنّ غسل الجنابة واجب لغيره لا لنفسه، وهو أصحّ القولين. فقبل تضيّق الليل للصوم ووجوبِ عبادةٍ مشروطةٍ به لايجب، فينوي به حينئذٍ الندبَ بناءً على اعتبار نيّة الوجه، ويرتفع الحدث.

قوله: «ولصومِ المستحاضة إذا غَمَسَ دمُها القطنةَ».

سواء سال أم لم يسل، وإنّما يجب للصوم مع وجود الغمس قبل صلاة الفجر، فلو وجد بعده لم يجب إلّا مع السيلان قبل صلاة الظهرين، فيتوقّف عليه صحّة صوم اليوم الحاضر، أمّا لو تجدّد بعدها لم يتوقّف عليه الصوم وإن وجب الغسل لما بعده من الصلوات والصيام.

قوله: «والواجب من التيمّم: ما كان ل-... وللمجنب في أحد المسجدين ليخرج به».

هذا إذا تعذّر الغسلُ داخلهما على وجهٍ يصحّ، وإلّا وجب الغسل، وكذا لو أجنب خارجهما ودخل قبل الغسل، وكذا القول في الحائض والنفساء مع انقطاع دمهما.

قوله: «والمندوب ما عداه».

بل يجب التيمّم لِما تجب له الطهارتان مع تعذّرهما؛ ليدخل فيه الطوافُ الواجبُ، ومسّ كتابة القرآن إن وجبَ، ودخولُ المساجد على التفصيل.

ص: 6

الركن الأوّل في المياه

اشارة

[الركن الأوّل في المياه]

قوله: «أمّا الجاري».

المراد به النابع غير البئر وإن لم يجرِ على الأرض، وعدم انفعاله بدون التغيّر هو الأقوى، سواء دام نبعه أم لا.

قوله: «ويُلحق بحكمه ماء الحمّام إذا كان له مادّة».

الأقوى اشتراط بلوغ المادّة وما اتّصل بها من ماء الحمّام كرّاً، وحينئذٍ فلا فرق بين الحمّام وغيره.

قوله: «وأمّا المحقون».

المراد به غير النابع وإن جرى على وجه الأرض.

قوله: «ولا يطهر بإتمامه كرّاً على الأظهر». قويّ.

قوله: «إلّا أن تُغيّر النجاسةُ أحدَ أوصافه».

أي الثلاثة المشهورة، وهي اللون والطعم والرائحة، لا مطلق الأوصاف، والمعتبر في التغيّر الحسّي لا التقديري على الأقوى.

قوله: «وما كان منه كرّاً فصاعداً لا ينجس... ويطهر بإلقاء كرٍّ عليه فكرٍّ». الأقوى الاكتفاء في طهارته بملاقاته الكرّ بحيث يتّحدان عرفاً، وكذا يطهر بوقوع المطر عليه متقاطراً.

قوله: «والكرّ: ألف ومائتا رطلٍ بالعراقي على الأظهر». هذا هو المشهور.

قوله: «أو ما كان كلُّ واحدٍ من طوله وعَرضه وعُمقه ثلاثةَ أشبارٍ ونصفاً». هذا مع تساوي أبعاده، ومع اختلافها يعتبر بلوغ الحاصل من ضرب بعضِها في

ص: 7

بعضِ الحاصل من ضربِ المتساوية كذلك.

قوله: «ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني على الأظهر». قويّ.

ماء البئر

[ماء البئر]

قوله: «وأمّا ماء البئر».

البئر: مجمعُ ماءٍ نابعٍ من الأرض، لا يتعدّاها غالباً، ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً.

قوله: «وهل يُنجَّس بالملاقاة؟ فيه تردّد، والأظهرُ التنجيسُ».

هذا هو المشهور، وفي عدم انفعاله بدون التغيّر قوّة.

قوله: «بنزح جميعه إن وقع فيها... أو أحد الدماء الثلاثةِ على قولٍ مشهورٍ». جيّد.

قوله: «أو مات فيها بَعيرٌ».

هو من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذكرَ والأُنثى والصغيرَ والكبير، وكذا يُنزح الجميعُ لموت الثور.

قوله: «تراوح عليها أربعة».

أي أربعةُ رجالٍ، فلا يكفي غيرُهم وإن قام بعملهم. والمعتبر يوم الصوم، ولا فرق بين الطويل والقصير.

قوله: «وبنزح كرٍّ إن مات فيها دابّةٌ أو حمارٌ أو بقرةٌ».

الأقوى اختصاصُ الحكم بالبغلِ والحمارِ، وإلحاق الدابّة والبقرة بما لانصّ فيه.

قوله: «وبنزح سبعين إن مات فيها إنسان».

لا فرق فيه بين الصغير والكبير، والذكر والأُنثى. ومثلُه ما لو وقع ميّتاً، ولا بين المسلم والكافر، إلّا أن يقع الكافرُ حيّاً فيلحق بما لا نصّ فيه.

قوله: «وبنزح خمسين إن وقعت فيها عَذِرة فذابت».

هي فضلة الإنسان مطلقاً، والمشهور اعتبار الخمسين.

قوله: «أو كثير الدم كذَبْح الشاة، والمروي من ثلاثين إلى أربعين».

ص: 8

المشهور اعتبار الخمسين.

قوله: «وبنزح أربعين... ولبول الرجل».

دون المرأة، بل هو ممّا لانصّ فيه. أمّا الخنثى فيجب لبوله أكثر الأمرين من الأربعين وموجَبِ مالانصّ فيه.

قوله: «وبنزح سبع لموت الطير».

هو الحمامة والنعامة وما بينهما.

قوله: «ولاغتسال الجنب».

الخالي بدنه من نجاسة خبثيّة، والحكم بالنجاسةِ تعبّدٌ، وإنّما يجب المقدّر مع صحّة الغُسل، ويشكل الحكم بالصحّة مع التعمُّدِ؛ للنهي.

قوله: «وبنزح دلولموت العصفور، وشبهه».

هو مادون الحمامة من الطير.

قوله: «ولبول الصبيّ الذي لم يغتذ بالطعام».

في الحولين اغتذاءً غالباً على اللبن أو مساوياً، فلا يضرّ القليل، ولا تُلحق به الرضيعة.

قوله: «وفي ماء المطر وفيه البول والعذرة وخُرْء الكلاب ثلاثون دلواً».

لا فرق بين بقاء عين هذه النجاسات في الماء وزوالها، وحكم بعضها حكم الجميع إن كان يوجب ذلك منفرداً، وإلّا كفى الاقتصار على مُقدَّرِه منفرداً.

فروع ثلاثة:

[فروع ثلاثة:]

قوله: «الثاني: اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح، وفي تضاعفه مع التماثل تردّد، أحوطه التضعيف».

الأقوى التضعيف مطلقاً.

قوله: «إلّا أن يكون بعضاً من جملةٍ لها مقدَّرٌ، فلا يزيد حكمُ أبعاضها عن جملتها». هذا إذا لم يحصل من اجتماعها ما يوجب انتقال الحكم، كما لو وقع قليل دَمٍ ثمّ مثله

ص: 9

بحيث صار كثيراً، فإنّ الواجبَ حينئذٍ منزوح الكثير.

قوله: «الثالث: إذا لم يقدّر للنجاسة منزوح ... وإذا تغيّر أحدُ أوصافِ مائها بالنجاسة قيل: يُنزَحُ حتّى يزولَ التغيّرُ».

الأقوى أنّ النجاسة المغيِّرة إن كانت منصوصةً وجبَ نزح أكثر الأمرين من المقدّر وما به يزول التغيّر، وإن كانت غير منصوصةٍ وجَبَ نزحُ الجميع، ومع التعذّر التراوح.

قوله: «وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقاً».

أي اختياراً واضطراراً بقرينة التقييد في قَسيمَيه، وهو الأكلُ والشربُ. والمراد بعدم الجواز التحريمُ مع اعتقاد المشروعيّةِ، أو بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدث والخبث مجازاً.

قوله: «ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما، ولو لم يجد غير مائهما تيمَّم».

بخلاف ما لو اشتبه المطلقُ بالمضاف، فإنّه تجب الطهارة بهما معاً.

الماء المضاف

[الماء المضاف]

قوله: «وهو طاهر لكن لا يزيل حَدَثاً إجماعاً، ولا خَبَثاً على الأظهر». قوىٌّ.

قوله: «وتُكره الطهارة بماءٍ أُسْخِنَ بالشمسِ في الآنيةِ».

وكذا غيرُ الطهارة من الاستعمال كالأكل والشرب وإزالةِ النجاسة، ولا فرق بين الآنية المنطبعة (1) وغيرها، ولا بين البلاد الحارّة وغيرها.

قوله: «وماءٍ أُسخن بالنار في غَسل الأموات».

مع الاختيار، فلو اضطرّ إليه لِبَرْدٍ وغيره فلا كراهيةَ.

ص: 10


1- الأواني المنطبعة: هي الأواني المصنوعة من الفلزّات كالحديد والرصاص والنحاس وغيرها عدا الذهب والفضّة ؛ لأنّ الشمس إذا أثّرت فيها استخرجت منها زهومة تعلو الماء، ومنها يتولّد المحذور. وأمّا الذهب والفضّة فلصفاء معدنها لا تؤثّر فيهما الشمس هذا التأثير. وغير المنطبعة: هي الأواني الأُخرى المصنوعة من الخزف أو الخشب وغيرهما. انظر للتفصيل نهاية الإحكام، ج 1، ص 226 ؛ الحدائق الناضرة، ج 2، ص 409.

قوله: «والماء المستعمل في غسل الأخباث نَجِسٌ، سواء تغيّر بالنجاسة أو لم يتغيّر، عدا ماء الاستنجاء، فإنّه طاهرٌ ما لم يتغيّر بالنجاسة، أو تلاقيه نجاسةٌ من خارجٍ». سواء كان الخارج عن محلّه وإن كان من جنسه، أم عن حقيقتِه كالدم وإن كان مستصحباً له. ويشترط أيضاً أن لا تنفصل مع الماء أجزاء من النجاسة مُتميِّزة، ولا فرق بين المخرجين، ولا بين المتعدّي وغيرِه في صدق اسم الاستنجاء عرفاً.

قوله: «وما استعمل في [رفع] الحدث الأكبر طاهر. وهل يُرفَع به الحدثُ ثانياً؟ فيه تردّدٌ، والأحوط المنع».

الأقوى أنّه يُرفَعُ.

الأسآر

[الأسآر]

قوله: «الأسآر». جمع سؤر، وهو ماءٌ قليلٌ باشره جسمُ حيوانٍ.

قوله: «وفي سؤر المُسوخ تردّدٌ، والطهارة أظهر». قويّ.

قوله: «ومَن عدا الخوارجِ والغُلاةِ من أصناف المسلمين طاهرُ الجسد».

المراد بالخوارجِ: أهلُ النهروان ومَن دانَ بمقالتهم، ومِن مقالتهم بغض عليّ علیه السلام، وفي حكمهم النواصب: وهم المُبْغِضون لأحدٍ من أهل البيت علیهم السلام. وكذا المجسّمة بالحقيقة.

والمراد بالغلاة: مَن اعتقد إلهيّة أحدٍ من الناس.

قوله: «ويكره سؤر الجلّال ... والحائضُ التي لا تُؤْمَن».

أي التي لا تتحفّظ من النجاسة، وكذا كلّ مَن لا يتحفّظ منها.

قوله: «وما لايُدرَك بالطرف من الدم لا يُنَجِّسُ الماءَ، وقيل: يُنَجِّسُه وهو الأحوط».

المراد أنّ الطرف لا يُدركه بعد وصوله إلى الماء؛ لقلّته، فيستحيل فيه بسرعةٍ، والأقوى أنّه ينجِّسه كالكثير.

ص: 11

الركن الثاني في الطهارة المائيّة

اشارة

[الركن الثاني في الطهارة المائيّة]

الفصل الأوّل في الأحداث الموجبة للوضوء

[الفصل الأوّل في الأحداث الموجبة للوضوء]

قوله: «وهي ستّة: خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد». أي الموضع الطبيعي لخروج الأحداث، ولا يشترط فيه الاعتياد، بخلاف غيره.

قوله: «ولو خرج الغائط ممّا دون المعدة، نقض في قولٍ».

المراد مع عدم انسداد المعتاد، أمّا معه فينقض مطلقاً، والأصحّ أنّه ينقض مع الاعتياد، ويتحقّق بالخروج منه مرّتين فينقض في الثالثة، والمراد بما دون المعدة ما تحت السرّة.

قوله: «والنوم الغالب على الحاسّتين».

غلبة مستهلكة لا مطلق الغلبة، والمعتبر زوال الإحساس مطلقاً.

قوله: «والاستحاضة القليلة».

التقييد بالقلّة لإخراج ما فوقَها، فإنّه وإن أوجب الوضوءَ في بعض الأحوال إلّا أنّه يوجب الغسل في الجملة، والكلام في مُوجِبِ الوضوء خاصّةً.

قوله: «ولا ينقض الطهارةَ مذي ولا ودي».

المذي: ماءٌ رقيقٌ لِزجٌ يخرج عقيب الشهوةِ، والودي بالمهملة: ماءٌ أبيضُ غليظٌ يخرج عقيب البول، وبالمعجمة [الوذي:] ماءٌ يخرج عقيبَ الإنزال، والثلاثةُ طاهرةٌ غيرُ ناقضةٍ.

أحكام الخلوة

[أحكام الخلوة]

قوله: «ويجب فيه ستر العورة». عن ناظرٍ محترمٍ.

ص: 12

قوله: «ويحرم استقبال القبلةِ واستدبارُها».

بمقاديم البدن على حدِّ ما يعتبر في الصلاةِ، والعورة في ذلك كغيرِها.

قوله: «ويجب غسل موضع البول بالماء، ولا يُجزئ غيره مع القدرةِ». أمّا مع العجز فيجزئ، بمعنى وجوب تجفيف النجاسة بما أمكن لأجل الصلاةِ ونحوِها وإن لم يحكم بطُهر المحلِّ، كما يُجزئ التيمّم عن الطهارة المائيّة عند تعذّرها ثمّ ينتقض بوجود الماء.

قوله: «وأقلّ ما يُجزئ مِثلا ما على المخرج».

الأقوى وجوبُ غَسله مرّتين منفصلتين، وكذا من البول مطلقاً.

قوله: «وإذا لم يتعدّ كان مخيّراً بين الماء والأحجار». وفي حكم الأحجار ما يزيلُ النجاسة من الأجسامِ الطاهرةِ الصلبة الجافّةِ غيرِ المحترمة، كالخِرَقِ والخَزفِ والخَشَبِ.

قوله: «إزالة العين دون الأثر». المراد بالأثر الأجزاء اللطيفة العالقة بالمحلِّ التي لا تزول إلّا بالماء، وليس هو الرطوبةُ ولا اللونُ.

قوله: «ولا يُستعمل الحجرُ المستعمل». مع نجاستِه، فلو طهر أو كان طاهراً كالمكمّل للثلاثة بعد نقاء المحلّ جاز استعماله.

قوله: «ولو استعمل ذلك لم يُطهِّره».

الأقوى أنّ العظمَ والرَوْثَ الصُلب والمطعومِ يُطَهِّرُ وإن أثِمَ الفاعل.

سنن الخلوة

[سنن الخلوة]

قوله: «فالمندوبات: تغطيةُ الرأس».

إن كان مكشوفاً، ويستحبّ التقنّع فوق العمّامة أيضاً.

قوله: «والمكروهات: الجلوس في الشوارع والمشارع».

ص: 13

الشوارع: هي الطُرق، والمشارع: موارد المياه كشطوط الأنهار ورؤوس الآبار.

قوله: «و تحت الأشجار المُثمرةِ».

أي التي من شأنها أن تُثمر وإن لم تكن مثمرةً بالفعل، والكراهةُ مشروطةٌ بعدم استلزامه التصرّف في مال الغير بأن يكون المحلّ له، ولم يستلزم أذى الثمرة ولا الشجرة لو كانت لغيره، وإلّا حرم.

قوله: «ومواضع اللعن».

هي كلُّ موضعٍ يُلعن فاعل الحدث فيه، وروي أنّها أبوابُ الدور.

قوله: «واستقبال الشمس والقمر بفَرجِه».

فلو جعل بينهما حائلاً ولو ثوباً زالت الكراهيّة وإن استقبل الجهة، بخلاف استقبال القبلة واستدبارها فإنّ المعتبر فيهما الجهة.

قوله: «وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه».

أو اسم نبيّ، أو إمامٍ مقصودٍ بالكتابة، هذا إذا لم تُصبه نجاسةٌ، وإلّا حَرُم.

قوله: «والكلام إلّا بذكر الله... أو حاجة يضرُّ فوتها».

بشرط أن لا يمكن تحصيلها بدون الكلام، فلو اندفعت الحاجةُ بالإشارةِ ونحوِها لم تزل الكراهيّةُ. ويستثنى أيضاً ردّ السلام وإن كره السلام على المتخلّي. وحمدُ الله عند العطاس، وحكايةُ الأذان غير الحيعلات من جملة الذكر.

في كيفيّة الوضوء

اشارة

[في كيفيّة الوضوء]

قوله: «وهل تجب نيّة رفع الحدث، أو استباحة شيء ممّا تشترط فيه الطهارة؟ الأظهر أنّه لا تجبُ».

الأحوطُ نيّة أحد الأمرين مع ما ذكر.

قوله: «ولا تُعتبر النيّة في طهارة الثياب، ولاغير ذلك ممّا يقصد به رفع الخبث».

بمعنى زَوال النجاسةِ بدونها ، لكن يتوقّف عليها حصولُ الثواب، كما يتوقّف

ص: 14

عليها ثوابُ كلّ عملٍ.

قوله: «ولو ضمّ إلى نيّة التقرّب إرادة التبرّد، أو غير ذلك كانت طهارتُه مجزئةً».

الأقوى البطلان، ومثلُه إرادة التنظيف والتسخّن بالماء الحارّ ونحوه.

قوله: «ووقتُ النيّةِ عند غَسل الكفّين».

المستحبّ لأجل الوضوء، فلو كان غيره لم يُجزئ عنده.

قوله: «ويجب استدامة حكمِها إلى الفراغ».

المراد ب-«الاستدامة الحكميّة» أن لا ينوي نيّةً تنافي النيّة الأُولى، أو تنافي بعض مميّزاتها قبل الفراغ من الوضوء، ومتى أخلّ بها بطلت النيّةُ بالنسبة إلى باقي الأفعال لا الوضوء فيستأنفها للباقي.

قوله: «وقيل: إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره، ولو نوى غيره لم يُجز عنه».

الأقوى تداخلُ أسباب الغسل مطلقاً، وإجزاء غسلٍ واحد عنها. ثمّ إن كان أحدُ الأسباب الجنابةَ لم يجب مع الغسل وضوءٌ، وإلّا وجب الوضوء، ولو جامعها سبب يُستحبّ له الغسل دخل أيضاً.

غسل الوجه

[غسل الوجه]

قوله: «الفرض الثاني: غسل الوجه، وهو ما بين منابت الشعر... وما خرج عن ذلك فليس من حدِّ الوجه».

بالأصالةِ، لكن يجب غَسلُ جزءٍ من كلِّ حدودِ الوجه؛ لتوقّف الواجب عليه.

قوله: «ولا عبرة بالأنزع ولا بالأغمّ، ولا بِمن تجاوزتْ أصابعُه العِذارَ».

العِذارُ: هو ما حاذى الأُذن يتّصل أعلاه بالصُدغِ، وأسفله بالعارض (1) .

والعارض: هو الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأُذن نابتاً على اللحية (2) ، وتحته

ص: 15


1- لسان العرب، ج 4، ص 550، «عذر».
2- الصحاح، ج 2، ص 1087، «عرض».

الذَقَن - بالفتح -: وهو مجمع اللحيين (1)، بالفتح أيضاً. ولا خلافَ في وجوب غَسل العارِض، والأقوى وجوبُ غَسل العِذار.

قوله: «بل يرجع كلّ منهم إلى مستوي الخلقة فَيَغْسِلُ ما يَغْسِلُه».

بمعنى أنّ كلّاً من الأنزع والأغمّ، ومَن كَبُر وَجْهُه وصَغُر، وطالت أصابعُه وقصرت، يغسل من وجهه مالو قدِّر أنّه مستوي الخلقة لَغَسله، فلا يتجاوز طويلُ الأصابع العِذارَ، ولا يغسل الأنزعُ ما ينبت عليه شَعرُ مستوي الخلقة من رأسه، ويغسل الأغمّ مِن منابت شَعره ما لا ينبت عليه شعرُ مستوي الخلقة، ويغسل كبير الوجه وقصير الأصابع من عَرض وجهه إلى منتهى العذارين والعارضين وإن لم تبلغهما أصابِعُه.

قوله: «ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن، ولو غسل منكوساً لم يُجزِ على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ولا يجب غَسلُ ما استرسل من اللحيةِ ولا تخليلُها، بل يغسل الظاهر». أي لا يجب غَسلُ الشَعر المسترسل منها، ولا إدخال الماء خِلال الشَعر ليصل إلى البَشَرةِ، سواءٌ في ذلك اللحية الخفيفة والكثيفة، بل يغسل صاحبُ الخفيفة ما يظهر من بَشَرَتِه التي يجب غَسلُها قبلَ ظهور الشَعر دون المستورِ منها بالشعر، لكن يجب إدخال جزءٍ من المستور من باب المقدِّمةِ.

غسل اليدين

[غسل اليدين]

قوله: «وإن قُطِعتْ مِن المرفق سقط فرضُ غَسْلِها». هذا إذا قُطِعَ مجموعُ المِرفَق بأن قُطِعت اليدُ من رأس العَضُد لا من المِفصل، فلو قُطعتْ من المِفْصَل وجب غَسل رأس العَضُد؛ لأنّه بعض المرفق - فإنّ المرادَ به كلُّ واحدٍ من رأس العَظْمين المتداخلين، أعني رأسَ الذراع والعضد - بناءً على وجوبِ غَسل المرفق أصالةً، ولو أوجبناه مقدِّمة فقطعت من المِفْصَل سقط غَسل الباقي.

ص: 16


1- الصحاح، ج 4، ص 2119، «ذقن».

قوله: «ولو كان له ذراعان دون المرفق، أو أصابع زائدة، أو لحم نابت، وجب غسل الجميع».

الضابطُ أنّ كلّ ما تحت المِرفق أو فيه يجب غَسلُه، سواء تميّزَ الزائدُ من الأصلي أم لا . وما كان فوقَه لا يجب إلّا اليد، فإنّها تُغسل مطلقاً مع عدم تميّزها عن الأصليّة، ومعه تُغسل الأصليّةُ لا غير على الأقوى.

مسح الرأس

[مسح الرأس]

قوله: «ولو جَفَّ ما على يده أخذ من لحيته وأشفار عينيه».

لا يُشترط في الأخذ من بَلَلِ هذه ولا غيرِها من محالّ الوضوء الواجبةِ والمستحبّةِ جَفافُ ما على اليد الماسحة، بل يجوز الأخذُ من ذلك مطلقاً.

قوله: «والأفضل مسح الرأس مقبلاً، ويُكره مُدبِراً على الأشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو غَسَلَ موضعَ المسح لم يُجزئ».

يتحقَّقُ غَسله بجريان الماء على مَوضِع المسحِ وإن كان من بَلَل الوضوء على الأقوى.

قوله: «ويجوز المسحُ على الشَعر المختصِّ بالمقدَّم».

بشرطِ أن لا يخرج بمدّه عن حدِّ المقدَّم، وإلّا لم يجز على الجزء الخارج بالمدّ عنه، ويجوز على أصله الذي لا يخرج.

[مسح الرجلين]

قوله: «وليس بين الرِجْلَين ترتيبٌ».

بل الأقوى وجوبُ تقديم اليمنى، فلا يجزئ العكسُ ولا المعيّة.

قوله: «فإن قطع من الكعبِ سقط المسحُ على القَدَمِ». هذا إذا قطع مجموع الكعب، وإلّا وجب مسح الباقي.

قوله: «ويجب المسحُ على بشرة القَدَم».

دون الشَعرِ وإن اختصّ به، بخلاف الرأس.

ص: 17

قوله: «ولا يجوز على حائلٍ من خُفٍّ أو غيره إلّا للتقيّة أو الضرورة». فيجوز المسحُ على الخُفِّ للتقيّة لا على غيره، ويُشترط في جواز المسح عليه أن لا تتأدّى بغسل الرِجلين مع إمرارِ اليد على ظاهرهما في محلِّ المسح، وإلّا قُدِّم على مسح الخفّين.

قوله: «وإذا زال السببُ أعاد الطهارةَ على قولٍ، وقيل: لا تجب إلّا لحدثٍ». الأقوى عدم الوجوب.

[مسائل:]

قوله: «الموالاة واجبة، وهي... وقيل: بل هي المتابعةُ بين الأعضاء مع الاختيار». بل الأقوى أنّها مراعاةُ الجَفاف لجميعِ ما تقدّم مطلقاً، والمعتبرُ منه الحسّي لا التقديري مطلقاً.

قوله: «وليس في المسح تكرارٌ».

أي ليس فيه تكرارٌ مشروعٌ بحيث يكون جزءاً من العبادة، فلو فعله غيرَ معتقدٍ مشروعيّتَه كان عابثاً، ومع الاعتقاد يحرم ولا يُبْطِل الوضوءَ.

قوله: «يجزئ في الغسل ما يسمّى به غاسلاً وإن كان مثلَ الدهن».

أقلّ ما يحصل به مسمّاه أن ينتقل كلُّ جزءٍ من الماء عن محلِّه إلى غيره من العضو، أو إلى خارجٍ ولو بمعاون، وتشبيهه بالدهن مبالغةٌ في الاجتزاء بقليلِ الجريان على وجهِ المَجاز، لا أنّه يجزئ نفس الدهن بدونه.

قوله: «مَن كان على بَعضِ أعضاءِ طهارته جبائرُ، فإن أمكنه نزعُها أو تكرار الماء عليها حتّى يصل إلى البشرة وجب».

إنّما يتخيّر بين الأمرين لو كانت في محلّ الغَسل، وإلّا لم يكفِ إيصال الماء إلى ما تحتها.

والحاصلُ أنّها إن كانت في محلّ الغَسل، وأمكن إيصال الماء إلى ما تحتها على

ص: 18

وجه الغَسل، وكان ما تحتها طاهراً وجب غَسل ما تحتها، وإن كان نجساً اشترط قبل ذلك تطهيره.

وإن لم يمكن غسل ما تحتها مسحَ على ظاهرها إن كان طاهراً، وإلّا وضعَ عليها شيئاً طاهراً ومسحَ عليه.

وإن كانت في محلّ المسح وجبَ نزعُها مع الإمكان مطلقاً، ومع تعذّره يمسح عليها كما مرّ. ويجب في المَسْحَين ما كان يجب قبل الجبيرة، من استيعاب المحلّ، والاكتفاء ببعضه. ولا يجب مع المسح إجراء الماء عليها وإن أمكن.

ولو لم يكن على الكسر أو الجرح لَصوقٌ، فإن أمكن غَسْلُه أو مَسْحُه في موضعِ المسح وجبَ، وإلّا غسل ما حوله، والأولى مسحه إن أمكن، أو وضعُ شيء عليه والمسح فوقه.

قوله: «وإذا زال العذرُ استأنف الطهارةَ على تردّدٍ».

الأقوى عدم الاستئناف.

قوله: «لا يجوز أن يتولّى وضوءَه غيرُه مع الاختيار، ويجوز عند الاضطرار».

بل يجب ولو بأُجرةٍ، ويتولّى المكلَّفُ النيّةَ، والأفضل أن ينويا معاً، وينوي كلُّ ما يطابق فعلَه، ولو أمكن تقديمُ ما يغمس فيه المعذورُ العضوَ قُدِّم على التولية.

قوله: «مَن به السَلَسُ، قيل: يتوضّأ لكلّ صلاةٍ». قويّ.

قوله: «وقيل: مَن به البَطنُ إذا تجدّد حدثُه في أثناء الصلاة يتطهَّر ويبني».

قويّ، ولو كانت لهما (1) فترةٌ تسع الطهارةَ والصلاةَ وجب تحرّيها.

[سنن الوضوء]

قوله: «هي وضع الإناء على اليمين والاغتراف بها».

إن كان الإناء يُغترف منه، وإلّا وُضع على اليسار للصبّ منه في اليمين للغَسل بها،

ص: 19


1- أي المسلوس والمبطون.

أو للإدارة إلى اليسار.

قوله: «وغَسل اليدين». من الزَنْدَين.

قوله: «وأن يكون الوضوءُ بمدٍّ».

وماء الاستنجاء من المخرجين منه.

قوله: «ويُكره أن يستعينَ في طهارته».

تتحقّق الاستعانةُ بصبّ المعين الماءَ في اليد ليغسل به المتوضّئ، لابصبّه علی العضو؛ لأنّه توليةٌ. ولا فرق في الكراهية بين طلبها، وقبولِها لو عُرضتْ عليه.

قوله: «وأن يمسحَ بللَ الوضوءِ عن أعضائه».

سواء كان مسحه بمنديلٍ أم غيرهِ وإن كان الأوّلُ أشدَّ كراهةً، ويُلحق به تجفيفه بغير المسح.

[أحكام الوضوء]

قوله: «من تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة، أو تَيقَّنَهما وشكّ في المتأخِّر».

هذا مع جَهله بحاله قبلهما، أو علمه على وجهٍ لا يستفيد من الاتّحاد والتعاقِب كونه متطهراً.

قوله: «وإن شكّ في شيء من أفعال الطهارة - وهو على حاله - أتى بما شكّ فيه، ثمّ بما بعده».

أي حال الوضوء بحيث لم يفرغ منه وإن كان قد تجاوز العضوَ المشكوكَ فيه.

قوله: «ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث أو في شيءٍ من أفعال الوضوء بعدَ انصرافه لم يُعد».

أي انصرافه عن فعل الوضوء وإن لم ينصرف عن محلِّه.

قوله: «من ترك غسل موضع النجو أو البول وصلّى، أعاد الصلاة، عامداً كان، أو جاهلاً».

أي جاهلاً بالحكم، أما جاهلُ الأصل فيعيدُ في الوقت خاصّةً على الأقوى.

ص: 20

قوله: «ولو جدَّد وضوءَه بنيّة الندب، ثمّ صلّى وذكر أنّه أخلّ بعضو من إحدى الطهارتين فإن اقتصرنا على نيّة القربة فالطهارة والصلاة صحيحتان». احترز ب-«نيّة الندب» عمّا لو جدَّده بنذرٍ وشبهِه، فإنّه يرفع حينئذٍ. والأقوى أنّ المجدَّد يرفع مطلقاً، فتصحّ الصلاةُ على التقديرين.

قوله: «وإن أوجبنا نيّةَ الاستباحة أعادهما».

لاحتمال كون الإخلال من الطهارة الأُولى، فلا يرفع الثانيةَ. وكذا لو اشترطنا نيّةَ الوجوب لاغير، كما اختاره المصنِّف سابقاً.

قوله: «ولو أحدثَ عقيبَ طهارةٍ منهما، ولم يعلمها بعينها، أعاد الصلاتين إن اختلفتا عدداً، وإلّا فصلاةً واحدةً».

هذا تفريعٌ على الاكتفاء بنيّة القربة، وعلى القولين الأخيرين يعيد الصلاتين، كما في الإخلال. والفرقُ بين الإخلال والحدثِ: أنّ الإخلال إنّما يُبطل الطهارةَ التي وقع الإخلالُ فيها فتسلم الأُخرى، بخلاف الحدث فإنّه يُبطِلُ ما قبلَه من الطهارات مطلقاً، فلو وقع بعدَ الثانية أبطلهما معاً. قوله: «وكذا لوصلّى بطهارة ثمّ أحدث وجدّد طهارةً ثمّ صلّى أُخرى وذكر أنّه أخلّ بواجب من إحدي الطهارتين».

المرادُ بالتجديد هنا معناه اللغوي - وهو فعلُ الطهارة ثانياً - لا الشرعي؛ إذ الفَرْضُ تخلُّل الحدثِ. والحكمُ بإعادة الصلاتين هنا مع الاختلاف والاكتفاء بواحدةٍ مع الاتّفاق جارٍ على جميع الأقوال؛ لأنّ الطهارتين مُبيحتان.

قوله: «ولو صلّى الخمس [بخمس طهارات] وتيقّن أنّه أحدث عقيب إحدى الطهارات، أعاد ثلاث فرائض».

رباعيّةً مطلقةً إطلاقاً ثلاثيّاً، وصبحاً ومغرباً معيّنَين، ويتخيَّر في تقديم أيِّهما شاء، وفي الرباعيّةِ بين الجهر والإخفات.

قوله: «وقيل: يعيد خمساً؛ والأوّل أشبه». قويٌّ.

ص: 21

[الغسل]

[الفصل الأوّل في الجنابة]

اشارة

قوله: «إذا علم أنّ الخارج منيٌّ فإن حصل ما يشتبه [به] وكان دافقاً تقارنه الشهوة وفتور الجسد، وَجَبَ الغسل».

المراد بالدَفق: خروجُه بدفعٍ وانصبابِ، وبفتور الجسد: انكسار الشهوةِ بعد خروجه. ولا يُعتبر في الحكم بكونه منيّاً اجتماع الأوصاف، بل يكفي أحدُها، لكنّها متلازمةٌ غالباً.

قوله: «وإن وجد على جسده أو ثوبه منيّاً وجب الغُسل إذا لم يَشْرَكه في الثوب غيرُه».

يتحقّق الاشتراك فيه بأن يلبساه دفعةً، أو يناما عليه لا بالتناوب، بل يحكم به لذي النوبة، إلّا أن يُعلم انتفاؤه عنه فينتفي عنهما. ومتى حُكم بكون المني منه لحقه حكمُ الجنابةِ من آخر نومةٍ أو جنابةٍ ظاهرةٍ يمكن كونه منها، والأحوطُ قضاءُ كلِّ صلاةِ لا يعلم سبقها.

قوله: «وإن جامع في الدُبر ولم يُنْزِل وجب الغسلُ على الأصحِّ». قويٌّ.

قوله: «ولو وطئ غلاماً فأوقبه ولم يُنزل، قال المرتضى (رحمه الله): يجب الغسلُ؛ معوّلاً على الإجماع المركّب، ولم يثبت الإجماع».

يتحقّق الإيقابُ هنا بإدخال الحشفة.

والمراد بالإجماع المركّب: ما تَركَّب من قولين بحيث يلزم من مخالفتِهما مخالفةُ الإجماع، بأن ينحصر القولُ فيهما.

ومعناه هنا أنّ كلَّ مَن قال بوجوب الغُسل بالوطء في دبر المرأة قال به في دُبر

ص: 22

الغلام، ومن نفاه نفاه فيه، فالقولُ بوجوبه في دبر المرأة دون الغلام إحداثُ قولٍ ثالثٍ مخالفٍ للإجماع المركّب من القولين.

وردّه المصنّف بأنّه لم يثبت انحصار الأقوال فيما ذكر، مستمسكاً بالأصل، والأقوى ما اختاره المرتضى (1) .

قوله: «ولا يجب الغُسل بوطءِ بَهيمةٍ إذا لم يُنزل».

بل الأقوى الوجوبُ مطلقاً.

قوله: «الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه، ولكن لا يصحّ منه في حال كفره، فإذا أسلم وجب وصحّ منه».

قيل: «وجب» مستدرك؛ لسبقِ ذكره في قوله: «يجب على الكافر». وأُجيب بأنّ الفائدةَ دفع توهّمِ سقوطه بالإسلام، كما يسقط قضاء الصلاة ونحوها، لأنّ «الإسلامَ يَجبُّ ما قبلَه» (2) .

وإنّما لم يسقط؛ لأنّ الحدثَ من باب خطاب الوضع، فلا يسقط أثرُه وإن تخلّف؛ لوجود مانعٍ. فإذا أسلم ودخل وقتُ عبادةٍ مشروطةٍ بالغُسل، وجب الغسلُ بالسبب السابِق وإن حكم بسقوط وجوبه عند الإسلام لغير هذه العبادة.

قوله: «فيحرم عليه... أو شيءٍ عليه اسمُ الله».

أو اسمُ نبيّ، أوإمامٍ مقصودٍ بالكتابةِ، على الأشهر.

قوله: «والجلوس في المساجد».

بل اللبث فيها وإن لم يجلس، دون الجواز فإنّه مكروهٌ لاغير.

قوله: «ووضعُ شيءٍ فيها».

وإن كان من خارجِ المسجد، أو لم يستلزم اللبثَ.

ص: 23


1- قال الماتن في المعتبر، ج 1، ص 181 بعد نقل كلام السيّد المرتضى: لم أتحقّق إلى الآن ما ادّعاه، فالأولى التمسّك فيه بالأصل.
2- مسند أحمد، ج 5، ص 223، ح 17323، وص 231، ح 17357.
[واجبات غسل الجنابة]

قوله: «أمّا الغسل فواجباته خمسة... وتخليلُ مالا يصلُ إليه الماءُ إلّا به».

أي ما لا يصلُ الماء إلى البدن الذي تحت ما يجب تخليلُه - كالخاتم - إلّا بالتخليل.

قوله: «والترتيب».

الواجبُ في الغسل الترتيب بين الأعضاء لا فيها، فيجوز غسل الأسفل منها قبل الأعلى.

والرأس والرقبةُ عضو واحدٌ، ويجب إدخالُ جزءٍ من غير المغسولِ فيه من باب المقدِّمة مع عدم المَفْصِل المحسوس.

قوله: «ويسقط الترتيبُ بارتماسةٍ واحدةٍ».

المراد بالارتماس دخولُه تحت الماء دفعةً واحدة عرفيّةً بحيث يشمل الماءُ البشرةَ في زمانٍ قليلٍ، وفي حكمه الوقوفُ تحت المَجرى والمطر الغزِيرين، والنيّةُ فيه مقارنة لجزءٍ من البدن مع إتباعه الباقي بغير مُهلةٍ.

قوله: «إذا رأى المُغتسل بللاً بعدَ الغُسل مشتبهاً، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يُعِد، وإلّا كان عليه الإعادةُ».

المرادُ بالبَلَل: المشتبه، فلو عَلِمَه نوعاً لحقه حكمُه. وإنّما لا يعيدُ مع الاستبراء خاصّةً إذا لم يمكنه البولُ، وإلّا فلا حكم له.

ومعنى عدم الإعادةِ مع البول عدم إعادة الغُسل، وهو موضع البحث، لكن يجب عليه الوضوء إن لم يكن استَبرأ بعدَه، وحينئذٍ فالصور خمسٌ:

الأُولى: بال واستبرأ بعده، فلا إعادة مطلقاً.

الثانية: عكسه، فيعيد الغسل.

الثالثة: استبرأ ولم يبل مع إمكانه، فيعيد الغسل.

الرابعة: كذلك لا مع إمكانه، فلا إعادة.

الخامسة: بال ولم يستبرئ، فيعيد الوضوء.

ص: 24

قوله: «الثانية: إذا غسل بعض أعضائه ثمّ أحدث، .... وقيل يتمّه ويتوضّأ للصلاة، وهو أشبه». قويٌّ.

[الفصل الثاني في الحيض]

اشارة

قوله: «فالحيض: هو الدم الذي له تعلّقٌ بانقضاء العدَّة، ولقليله حدٌّ».

«الدم» بمنزلةِ الجنس يشمل الدماءَ الثلاثةِ.

و«تعلّقه بانقضاء العدّة» يُخرج الاستحاضةَ كما يُخرج غيرَها من الدماء غير النفاس، فإنّه قد يتعلّق بانقضاء العدَّةِ على بعض الوجوه، كالحامل من زنى في العدّة فإنّها تحتسبُ النفاس حيضة.

ويخرج النفاس بقوله: «ولقليله حدٌّ»؛ إذ لا حدّ لأقلّه.

قوله: «يَخْرج بحُرقَةِ».

هي بضمّ الحاء، والمراد بها اللَذعُ الحاصل للمحلِّ بسبب دَفعه وحرارَته.

قوله: «وقد يُشتبه بدم العُذْرَةِ».

هي - بضمّ العين المهملة وسكون المعجمة -: البَكارة بفتح الباء. وتُعرف بالتطوّق وعدمه بأن تضع قُطنةً بعد أن تستلقي على قفاها وترفع رجليها، ثمّ تصبر هنيئةً ثمّ تُخرجها إخراجاً رفيقاً وتعتبرها.

قوله: «وكلّ ما تراه الصبيّةُ قبلَ بلوغِها تسعاً فليس بحيض».

أي إكمالها التسع، هذا إذا عُلِم سنُّها، فإن اشتبه حُكِمَ لها بالحيض مع اجتماع أوصافه في وقت إمكانه.

قوله: «وكذا قيل فيما يَخرج من الجانب الأيمن».

الأقوى أنّ الجانبَ لا عبرة به في تحقّق الحيض وعدمه.

قوله: «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ... وهل يُشترط التوالي في الثلاثةِ، أو يكفي كونُها في جملةِ عشرةٍ؟ الأظهر الأوّل». قويٌّ.

ص: 25

قوله: «وتيأس المرأةُ ببلوغ ستّين، وقيل: في غير القرشيّةِ والنَبطيّة ببلوغِ خمسین سنةً».

الأقوى أنّه ببلوغ خمسين في غير القرشيّة، وفيها ببلوغ ستّين.

والمرادُ بالقرشيّة: مَن انتسبت بأبيها إلى النضر بن كِنانَة، ومنها بنو هاشم. وأمّا غيرُهم، فإن عُلم انتسابُهم إليه أو عدمه لحقه حكمه، وإلّا تعارض أصلا عدم الانتساب وعدم اليأس، وبقي الحكم السابقُ - وهو وجوب العبادة عند دخول وقتها - مستصحباً إلى أن يُعلم المزيل.

والمراد بالنَبطيّة: المنسوبة إلى النَبط، وهم - على ما ذكره أهل اللغة (1) - قومٌ يسكنون البطائح بين الفراتين.

قوله: «ممّا يمكن أن يكون حيضاً فهو حيضٌ».

الإمكان إمّا بالنسبة إلى المرأة كالبلوغ ونقص السنّ عن اليأس، أو المدّة بأن لا ينقص عن ثلاثةٍ ولا يزيد عن عشرةٍ، أو الاستمرار بأن يتوالى ثلاثة، أو الحال كاللون القويّ مع الضعيف حيث ترجع إلى التمييز. وبالجملةِ فالمرجِعُ إلى اجتماع شرائطه وارتفاع موانعه.

قوله: «وتصير المرأةُ ذات عادةٍ بأن ترى الدمَ دفعةً ثمّ ينقطع أقلّ الطُهر فصاعداً...».

ما ذكره تحصيل العادة العدديّة خاصّةً إن لم يتّفق العددُ الثاني في وقت الأوّل، وإلّا كانت وقتيّةً وعدديّةً. ولو تكرّر الوقتُ من دون العدد، كما لو رأت في أوّل الشهرِ سَبعةً ثُمّ في أوّل الثاني ثمانيةً، تحققّت العادةُ الوقتيّةُ خاصّةً.

والفرق بين الثلاثة: أنّ الأوّلَين ترجع فيهما مع تجاوز العشرة إلى ما تكرّر من العدد دون الأخيرة، وفي الأخيرة تتحيّض برؤية الدم في وقته بخلاف الأُولى، فإنّها بالنسبة إلى وقته بمنزلة المضطربة. أمّا الوسطى فإنّها تحصل فائدتي العادة، وهما: التحيّض برؤية الدم، والرجوع مع تجاوز العشرة إلى العدد.

ص: 26


1- الصحاح، ج 3، ص 1162؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 402، «نبط».
[مسائل خمس:]

قوله: «الأُولى: ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعاً».

هذا في المعتادة بالوقت والعدد، أو بالوقت خاصّةً، أمّا العدديّة خاصّةً فكالمبتدئة في الاحتياط.

قوله: «وفي المبتدئة تردّد، الأظهر أنّها تحتاط للعبادة حتّى تمضي لها ثلاثةُ أيّامٍ». الأقوى أنّ ذلك على وجه الاستحباب، ولها التحيّض برؤيته إذا ظنّته حيضاً.

قوله: «والثاني: يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً».

فيُحكم بكونه حَيضاً؛ لِما تقدَّم من أنّ كلَّ دمٍ يمكن أن يكون حَيضاً فهو حَيضٌ.

قوله: «وذات العادةِ تغتسل بعدَ يومٍ أو يومين من عادتها».

ولها الصبر إلى تمامِ العشرةِ مع الاستمرار.

قوله: «الخامسة: إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدارُ الطهارة والصلاة».

هذا مبنيّ على الأغلب من وجود الشرائط غير الطهارة، فلو فرض فقدها أو بعضها اعتبر مضيّ زمانٍ يسع تحصيله كالطهارة.

قوله: «لا يجوز لها الجلوس في المسجد ويكره الجوازُ فيه».

غير المسجدين، أمّا هما فيحرم كاللبثِ في غيرهما.

قوله: «وتسجد لو تلت السجدة، وكذا إن استمعتْ على الأظهر». قوي، وكذا لو سَمِعتْ.

قوله: «فإن وطئ عامداً عالماً وجب عليه الكفّارة وقيل: لا تجب، والأوّل أحوط». حسن.

قوله: «والكفّارة في أوّله دينار، وفي وسطه نصف، وفي آخره ربع».

المراد بأوّله ووسطه وآخره أثلاثه الثلاثة، فاليومان الأوّلان أوّلٌ لذات الستّة،

ص: 27

والثالثُ والرابعُ وسطٌ، والأخيران آخِرٌ، وعلى هذا القياس.

قوله: «ولو تكرّر منه الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفّارة لم تتكرّر، وقيل: بل تتكرّر».

الأقوى تكرّرها بتكرّر الوطء مطلقاً.

قوله: «لا يصحّ طلاقها إذا كانت مدخولاً بها وزوجها حاضرٌ معها».

أو في حكم الحاضر، وهو الغائبُ دون المدَّة المعتبرة في صحّة الطلاق، كما أنّ الحاضر الذي لا يمكنه العلمُ بحالها لحبسٍ ونحوه في حكم الغائب.

[الفصل الثالث في الاستحاضة]

اشارة

قوله: «كلّ دم تراه المرأة أقلّ من ثلاثة [أيّام]، ولم يكن دم قرح ولا جرح، فهو استحاضة. وكذا كلّ ما... أو يكون مع الحمل، على الأظهر».

الأقوى جوازُ مجامعة الحيض للحمل مطلقاً لكن يشترط في ما تراه في آخره أن يكون بينه وبين النفاس أقلّ الطهر كالحيض.

قوله: «فإن كان لونه لوناً واحداً، أو لم يحصل فيه شريطتا التمييز».

هما: عدم نقصان المشابه عن ثلاثةٍ، وعدم زيادته على عشرةٍ. ويُشترط أيضاً كون الضعيف لا ينقص عن أقلّ الطهر، ويضاف إليه أيّام النقاء إن اتّفق. وإنّما لم يجعل اختلافَ الدم ومجاوزةَ الدم العشرةَ من شرائط التمييز مع أنّهما معتبران فيه؛ لأنّ ماهيّة التمييز لا تتمّ بدون الأوّل، فكأنّه لذلك بمنزلة ماهيّته فلم يجعله شرطاً. والثاني هو الفرض؛ لأنّ وجه الرجوع إلى التمييز مجاوزة العشرةِ.

قوله: «رجعتْ إلى عادة نسائها».

المراد بهنّ أقاربها من الطرفين أو أحدِهما، وتتخيّر في وضع عادتهنّ حيث شاءت من أيّام الدم.

قوله: «وقيل: أو عادة ذوات أسنانها».

ص: 28

المراد مع فقد الأقارب، أو اختلافهنّ على مذهبه. والمراد بأسنانها: المساويات لها في السنّ عرفاً، ويعتبر كونهنّ من بلدها، والأقوى أنّه مع اختلافهنّ ترجع إلى الأكثر، وكذا الحكم في نسائها.

قوله: «تحيّضت في كلّ شهر سبعة أيّام، أو عشرةً من شهر وثلاثة من آخر، مخيّرةً فيهما».

وتتخيّر في وضعها حيث شاءت من أيّام الدم، ومتى أخذَتْ روايةً استمرّتْ عليها.

قوله: «وقيل: عشرة، وقيل: ثلاثة، والأوّل أظهر». قويّ.

قوله: «ذات العادة تجعل عادتها حيضاً وما سواه استحاضةً، فإن اجتمع لها في العادة تمییز، قيل: تعمل على العادة».

المرادُ اجتماعهما على وجهٍ لا يمكن الجمعُ بينهما ، فلو أمكن بأن تخلّل بينهما أقلّ الطهر حكم بهما حَيضاً، والأقوى ترجيحُ العادة مع التعارض مطلقاً.

قوله: «والمضطربة العادة ترجع إلى التمييز فتعمل عليه، ولا تترُك هذه الصلاة إلّا بعد مضيّ ثلاثة أيّام على الأظهر».

الأقوى أنّ ذلك على وجه الاستحباب، وأنّها لو ظنّته حيضاً تحيّضت قبلها. ويستثنى منها ذاكرةُ أوّل الوقت خاصّةً، فإنّها تتحيّض برؤيته إجماعاً كالمعتادة.

قوله: «لو ذكرت العدد ونسيت الوقت، قيل: تعمل في الزمان كلِّه ما تعمله المستحاضةُ».

الأقوى جواز اقتصارها على العدد، وتخصيصه بما شاءت من أيّام الدم، وجعل الباقي استحاضةً.

قوله: «وتغتسل للحيض في كلّ وقتٍ يُحتمل انقطاع الدم فيه». وهو لكلِّ صلاةٍ وعبادةٍ مشروطةٍ بالغُسل، هذا إذا لم تعلم زمانَ الدور كما لو علمت أنّه سبعةٌ، ولا تعلم في كَم أضلّتها. فلو علمتْه، كما لو علمتْ أنّها في كلّ شهرٍ مرّةً، فالسبعةُ الأُولى منه لا يحتمل الانقطاع.

ص: 29

قوله: «وتقضي صومَ عادتها».

وهو العدد الذي حفظتْه إن علمتْ عدمَ الكسر ، وإلّا لزمها زيادة يوم عن العدد.

قوله: «فإن ذَكرتْ أوّل حيضها أكملتْه ثلاثة [أيّام]... ». ذاكرة الوقت دون العدد لا يخلو إمّا أن تذكر أوّله خاصّةً، أو آخره خاصّةً، أو وسطه بمعنى المحفوف بمتساويين، أو وسطه بمعنى أثنائه مطلقاً، أو تذكر وقتاً في الجملة فهنا صورٌ:

الأُولى: أن تذكر أوّله خاصّةً، فتجعل بعدَه يومين آخرَين حيضاً تمام الثلاثة، وتبقى السبعةُ بعده محتملةً للحيض والاستحاضة والانقطاع، فعلى الاحتياط تجمع فيها بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة والمنقطعة، فتغتسل على الثالث لكلِّ عبادةٍ مشروطةٍ بالغسل إلى تمام العشرة، وباقي الشهر طهرٌ.

الثانية: أن تذكر آخرَه، فتجعل قبلَه يومين حيضاً ليكون نهاية الثلاثة المتيقّنة، والسبعةُ قبلَها تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع، فتجمع فيها بين تكليفي الحائض والمستحاضة، ولا غسل للحيض إلّا على الآخر.

الثالثة: أن تعلم وسطَه، بمعنى المحفوف بمتساويين. فإن علمتْه يوماً حفّته بيومين قبله وبعده وجعلتْها حيضاً متيقّناً، وقبلها ثلاثة تجمع فيها بين تكليفي الحائض والمستحاضة، وبعدها ثلاثة كذلك مع زيادة أعمال المنقطعة، وانتفاء العاشر هنا معلوم. ولو علمتْه يومين، حفّتهما بيومين، وجعلت الأربعةَ حيضاً وحفّتها بثلاثة قبلها وثلاثة بعدها كما مرّ. ولو علمتْه ثلاثة، تيقّنت خمسة وحفّتْها بأربعة، يومين قبلها ويومين بعدها. ولو علمتْه أربعة، تيقّنت ستّةً وحفّتها بأربعة أيضاً، وهكذا.

الرابعة: أن تذكر الوسط، بمعنى الأثناء، فتجعل ما علمتْه وقبله يوماً وبعده يوماً حيضاً متيقّناً، والاحتمال في تمام العشرة قبله وتمامها بعده، فلو كان ما علمتْه يوماً فالمتيقّن ثلاثة، وقبلها سبعة تحتمل الحيض والطهر، وبعدها سبعةٌ تحتمل الثلاثة. ولو

ص: 30

كان المتيقّن يومين فالحيض أربعةٌ، وقبلها ستّةٌ تحتمل الأمرين، وبعدها ستّة تحتمل الثلاثة، وهكذا.

الخامسة: أن تذكر وقتاً في الجملة، فهو المتيقّن حيضاً خاصّةً، وقبله تمام العشرة تحتمل الأمرين، وبعده كذلك تحتمل الأُمور، كما سلف. والأقوى أنّها تكملة ما علمتْه إحدى الروايات إن قصر عنها قبله أو بعده أو بالتفريق على حسب ما يمكن، وإن ساوى إحداها أو زاد اقتصرتْ عليه.

قوله: «وتغتسل للحيض في كلّ زمان يفرض فيه الانقطاع، وتقضي صوم عشرة أيّام احتياطاً».

إن علمتْ عدمَ الكسر، وإلّا قضت أحد عشر.

[أحكام الاستحاضة]

قوله: «دم الاستحاضة: إمّا أن لا يثقُب الكُرسُف، أو يثقُبه ولم يَسِلْ، أو يسيل».

المراد بثقبه: غمسه له ظاهراً وباطناً، وبعدمه: أن يبقى منه شيءٌ وإن قلّ، وبالسيلان: خروجه من القُطنة إلى غيرها بنفسه عند عدم المانع.

قوله: «وفي الثاني: يلزمها مع ذلك تغيير الخرقة، والغُسل لصلاةِ الغَداة». بعد الفجرِ إن لم تكن صائمةً، وإلّا قدّمتْه بمقدار فعله ولو ظنّاً إن كان الغَمس سابقاً على ذلك، ولو تجدّد بعد الفجر كفاها غُسل الصلاة، وكذا تقدّمه مريدةً التهجّد ليلاً بالصلاة، وتجتزئ به.

قوله: «وإذا فعلتْ ذلك كانت بحكم الطاهر». إنّما كانت بحكمها دون أن تكون طاهراً؛ لأنّ حدثها مستمرّ، فلا تكون طاهراً حقيقةً، بل بحكمها في استباحة ما تستبيحه مع قيامها بما ذكر.

قوله: «وإن أخلّتْ بالأغسال لم يصحّ صومُها». يُستثنى من ذلك غُسل العشاءين بالنسبة إلى اليوم الماضي، فإنّه ليس بشرطٍ في

ص: 31

صحّته، نعم هو شرطٌ في المستقبل.

[الفصل الرابع في النفاس]

قوله: «النفاس دمُ الولادة».

المراد به الخارج مع خروج جزءٍ ممّا يعدّ آدميّاً، أو مبدأ نشوء آدمي إلى تمام عشرة أيّامٍ.

قوله: «ولو رأتْ قبل الولادة كان طُهراً».

إن لم يمكن كونه حيضاً، كما لو كان بينه وبين آخره وبين الظاهر أقلّ الطهر، وإلّا كان حيضاً على الأقوى.

قوله: «وأكثر النفاس عشرةُ أيّامٍ على الأظهر».

هذا هو الأقوى، والمراد أنّه لا يزيد عليها مطلقاً، لا بمعنى الحكم أنّه عشرةٌ مع وجوده فيها مطلقاً، بل الكلام فيه كالحيض في أنّه مع الانقطاع عليها فما دون يكون الجميع نفاساً، ومع تجاوز العشرة ترجع ذات العادة في الحيض إليها وتجعل الباقي استحاضةً، وحكمها في الاستظهار كالحائض، أمّا المبتدئة والمضطربة فتجعل العشرةَ هنا نفاساً مع التجاوز مطلقاً.

قوله: «ولو كانتْ حاملاً باثنين وتراخَت ولادةُ أحدهما، كان ابتداء نفاسها من وضع الأوّل، وعدد أيّامها من وضع الأخير».

التحقيق أنّهما يكونان نفاسين تامّين، فإن وضعت الثاني لدونَ عشرةٍ أمكن اتّصال نفاسين، ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض استحاضةٍ بينهما حكم بها، بل يمكن فرضُ حيضٍ أيضاً، بأن يتخلّل بينه وبينهما أقلُّ الطهر متقدّماً ومتأخّراً وإن كان الفرض بعيداً.

قوله: «ولو [ولدت و] لم تر دماً ثمّ رأت في العاشر، كان ذلكَ نفاساً».

هذا مع انقطاعه على العاشر، أو كون عادتها في الحيض عشرة أو مبتدئة أو

ص: 32

مضطربة، وإلّا فلا نفاس لها.

قوله: «ولو رأت عقيب الولادة، ثمّ طهرت، ثمّ رأت العاشر أو قبله كان الدمان و ما بينهما نفاساً.

هذا أيضاً مع انقطاعه على العاشر أو كون عادتها عشرة أو مبتدئة أو مضطربة، وإلّا فنفاسها الأوّل لاغير، إلا أن يصادف الدم الثاني جزءاً من العادة.

قوله: «ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض، وكذا ما يكره، ولا يصحّ طلاقها». على الوجه المتقدّم في الحيض، فلو كان الزوج غائباً، أو في حكمه، أوغير داخلٍ بها صحّ.

ص: 33

[الفصل الخامس في أحكام الميّت]

اشارة

قوله: «الاحتضار ويجب فيه توجيه الميّت إلى القبلة ... وهو فرضُ كفايةٍ، وقيل: هو يستحبّ». الوجوب أقوى.

قوله: «ويستحبّ تلقينه الشهادتين و ... ونقلُه إلى مصلّاه».

وهو ما كان يصلّي فيه، أو عليه مع تعسّر خروج روحه واشتداد نَزعه، لا مطلقاً.

قوله: «ويعجّل تجهيزه».

قد ورد استحباب إيذان إخوانه من المسلمين بموته (1) وإن كانوا في قُرى حوله، وينبغي مراعاة الجمع بين السُنّتين، فيؤذن مَن لا ينافي حضوره التعجيل عرفاً.

[في التغسيل]

قوله: «وإذا كان الأولياءُ رجالاً ونساء فالرجال أولى».

فيباشرون الميّت، أو يأذنون لمن يباشره إن أمكنهم المباشرةُ كما لو كان الميّت ذكراً، وإلّا توقّف الفعلُ على إذنهم مع الإمكان، فلو امتنع الوليّ أو كان غائباً سقط اعتبار إذنه.

قوله: «والزوج أولى بالمرأة من كلّ أحدٍ في أحكامها كلّها». لا فرق بين الحرّةِ والأمةِ، المدخول بها وغيرها، الدائم وغيرها. والمطلّقةُ رجعيّة زوجةٌ. والمشهورُ أنّ تغسيل كلّ من الزوجين صاحبه من وراء الثياب.

ص: 34


1- الكافي، ج 3، ص 1، باب أنّ الميّت يؤذن به الناس، ح 166؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452، ح 1470.

قوله: «ويغسِّل الرجلُ محارمَه من وراء الثياب».

المرادُ بالمَحرم: مَن يحرم نكاحه مؤبّداً بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرةٍ.

قوله: «وكلّ مظهر للشهادتين وإن لم يكن معتقداً للحقّ يجوز تغسيله عدا الخوارج والغُلاة».

وكذا النواصب والمجسّمة، ومن أنكر ما عُلم ثبوتُه من الدين ضرورةً.

قوله: و«الشهيد الذي قُتل بين يدي الإمام».

وكذا مَن قُتل في جهادٍ واقعٍ بأمره وإن لم يحضره، ويشترط إسلامُ الشهيد أو حكمه. ولو مات في المعركةِ من غير قتلٍ فليس بشهيدٍ، وكذا من أُصيب ثمّ قُتل بغيرها وإن شارك في الأجر، وكذا المقتولُ في جهادٍ سائغٍ مع عدم حضور الإمام أو نائبه.

قوله: «وكذا مَن وجب عليه القتلُ يُؤمر بالاغتسال قبل قتله».

الغُسل المأمور به هو غُسل الميّت، فيجب فيه الخليطان. ويشترط في سقوطِ الغسل قتلُه بالسبب الذي اغتسل له، فلو قتل بغيره أو مات قبله غُسّل.

قوله: «وإذا وُجد بعضُ الميّت، فإن كان فيه الصدرُ أو الصدر وحدَه غُسّل وكُفّن وصُلّي عليه ودُفن».

[غسّل] بالخليطين، ويكفّن بثلاث لفائف، ويجب تحنيطُ ما فیه من مواضعه.

وحكم القلب حكمه، وكذا عظام الميّت بأجمعها دون الرأس وأبعاضِها.

قوله: «وكذا السقطُ إذا كان له أربعةُ أشهر».

أي حكمُه حكمُ الصدر في الغسل والكفن دون الصلاة.

قوله: «وكذا السقط إذا لم تلجه الروح».

المراد به مَن قصر سنّه عن أربعة أشهرٍ.

قوله: «وإذا لم يحضر الميّت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء دفن بغير غسل، ولا تقربه الكافرة، وكذا المرأة. وروي: أنّهم يغسلون وجهها ويديها». لا عمل عليها.

قوله: «ويجب إزالةُ النجاسة عن بدنه أوّلاً».

ص: 35

المراد بها النجاسة العرضيّة، أمّا المستندة إلى الموت فلاتزول بدون الغسل.

قوله: «ثم يغسّل بماء السدر».

المرادُ به المطروح فيه شيءٌ من السدر وإن قلّ بحيث يصدق مسمّاه، ولا يخرج الماء بمزجه عن الإطلاق، وكذا القول في الكافور.

قوله: «وبماء القَراح أخيراً».

«القَراح» بالفتح: الذي لا يشوبه شيءٌ. والمراد به هنا الخالي من السدر والكافور، والظاهر أنّ المراد به عدم اشتراط ممازجته لشيءٍ، لا خلوصه منهما ومن كلّ شيء ما دام اسم الماء عليه باقياً.

قوله: «كما يُغتسل من الجنابة».

بأن يراعى الترتيب بين الأعضاء الثلاثة، لا فيها إن لم يغمسه في الماء دفعةً واحدةً عرفيّة، وإلّا سقط الترتيب كالجنابة. وتتميّز الغسلات حينئذٍ بالنيّةِ، ووضعِ الخليط حالتها وإن اجتمعتْ في الماء الواحد.

قوله: «وفي وضوء الميّت تردّدٌ».

الأقوى الاستحبابُ، ومحلّه بعد مقدّمات الغسل قبله.

قوله: «ولا يجوز الاقتصار على أقلّ من الغَسَلات المذكورة إلّا عند الضرورة». فيجب ما أمكن منها مقدّماً للأوّل فالأوّل، فيقدّم غسل السدر ثمّ الكافور مع وجودهما.

قوله: «ولو عدم الكافور والسدر غسّل بالماء [القراح]. وقيل: لا تسقط الغسلة بفوات ما يُطرح فيها». قوىٌّ، فيُغسّل بالقَراح ثلاثاً.

قوله: «ولو خيف من تغسيله تناثر جلده، كالمحترق والمجدور، يُيمّم كما يُيمّم الحيّ العاجز».

المراد به العاجز بكلّ وجهٍ حتّى وضع كفَّيه على جَبهته أو إحداهما على الأُخرى باستعانةٍ، فإنّه ييمّم حينئذٍ بيدِ المُعين. ويفترقان مع ذلك بأنّ العاجز يتولّى النيّة، إذ

ص: 36

لا عجز عنها مع بقاء التكليف.

قوله: «وسنن الغسل أن... وأن يُفتق قميصُه». بإذن الوارث إذا كان أهلاً للإذن.

قوله: «وتُستر عورتُه».

إنّما يستحبّ السترُ مع وثوق الغاسل من نفسه بعدم النظر، أو كونه غيرَ مبصرٍ، أوكونه زوجاً، أو زوجةً، أو كون الميّت طفلاً له ثلاث سنين، وإلّا وجب الستر.

قوله: «وتُغسّل يداه». أي يدا الميّت ثلاثاً إلى نصف الذراع قبل كلِّ غَسلةٍ.

قوله: «ويُغسَّل كلّ عضوٍ منه ثلاث مرّاتٍ في كلّ غسلة».

الاستحباب متعلِّق بمجموعِ الثلاث من حيث هو مجموع، وذلك لاينافي وجوبَ بعض أفراده، وهو هنا كذلك؛ فإنّ الغسلةَ الواحدةَ من كلِّ ثلاثٍ واجبةٌ والأخيرتان مستحبّتان.

قوله: «ويكره أن... وأن يغسِّل مخالفاً».

مع إمكان تغسيل غيره له، وإلّا تعيّن عليه من غير كراهةٍ. ويغسله كغُسل أهل الخلاف، فلا يُجزئ غيره مع إمكانه.

[في التكفين]

قوله: «يجب أن يكفّن في ثلاثة أقطاع، منزرٍ وقميص وإزارٍ». يُشترط في كلّ واحدٍ من الثلاثة أن لا يحكي البدن، وفي جنسها التوسّط عادة

بحسب حال الميّت إن لم يتبرّع الوارثُ بالزائد، ولم تنفذ وصيّة الميّت به. وفي المئزر أن يستر ما بين السُرّة والركبة، ويجوز زيادته عنها يسيراً مطلقاً، وإلى القدم من أسفل وإلى الصدر من أعلى بإذن الوارث أو وصيّة الميّت النافذة به؛ فإنّ ذلك أكمله.

ص: 37

وفي القميص وصوله إلى نصف الساق تقريباً، أو إلى القدم.

وفي الإزار شموله لجميع البدن.

قوله: «ولا يجوز التكفين بالحرير».

أي المحض، فلا يضرّ الممتزج به بحيث لا يستهلكه الحريرُ، ولا فرق بين الصغير والكبير والذكر والأُنثى. وكذا لا يجوز التكفين فيما لا يؤكل لحمه، ولا في الجلد مطلقاً.

قوله: «ويجب أن يمسح مساجده بما تيسّر من الكافور ... وأقلُّ الفضل في مقدار درهمٍ».

أي في كافور الحنوط، أمّا كافور الغسل فلا تقدير للفضل فيه.

قوله: «ولا يجوز تطييبه بغير الكافور والذريرة».

قال المصنّف في المعتبر: إنّها الطيبُ المسحوقُ (1) ، والمعروف منها الآن أنّها أخلاط خاصّةٌ من الطيب، والحمل عليه أولى.

قوله: «وسنن هذا القسم أن... وأن يزاد الرجل حِبَرَة عِبريّة».

هي - بكسر الحاء وفتح الباء -: ثوب يمني، «والعبريّة» بكسر العين منسوبة إلى موضعٍ مخصوصٍ منه . ولو تعذّر بعضُ الأوصاف كفت الحِبَرَةُ المجرّدةُ، فإنْ لم تُوجد فلفافةٌ أُخرى.

قوله: «وخرقةٌ لفخذيه، يكون طولها ثلاثة أذرعٍ ونصفاً، وفي عرض شبرٍ تقريباً، فيشدّ طرفاها على حقويه، ويلفّ بما استرسل منها فخذاه لفّاً شديداً».

المراد بشدّ طرفيها في جانب العرض من أحد الطرفين ليمكن شدّ فخذيه بالباقي، وينبغي بعد ذلك أن يثفر ثمّ يُلفّ بالباقي وَرِكاه وما أمكن من فخذيه.

قوله: «وعِمامَةٌ».

يُعتبر في طولها ما يؤدّي هذه الهيئة، وتجوز الزيادة عن ذلك بالمتعارف مطلقاً حيث تجوز العِمامَة، وفي عَرضها ما يطلق عليه اسمها، والظاهر اغتفار المخرّقة ما دام إطلاق اسمها باقياً.

ص: 38


1- المعتبر، ج 1، ص 284.

قوله: «وتزاد المرأةُ على كفن الرجل».

أي كفنُه الواجبُ والندب، غير أنّها تبدّل عن العِمامة قِناعاً كما سنذكره، فهو في قوّة الاستثناء، أو أنّ العِمامة خارجةٌ عن الكفن، كما ذكره بعضُ الأصحاب (1) ، وورد في الأخبار (2) .

قوله: «لِفافَةٌ لثدييها».

يُعتبر فيها عرضاً أن تستر مجموع الثديين، وطولاً أن تلفّ يديها؛ ليتحقّق الوصف.

قوله: «نَمَطاً».

هو لغةً ضربٌ من البُسطِ له خملٌ رقيق (3) ، ومحلّه فوق الجميع.

قوله: «ويكتب على الحِبَرَة و...».

الأصل في استحباب الكتابة ما روي أنّ الصادق علیه السلام كتبَ على حاشية كفن ولده إسماعيل: «إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله» (4) ، ثمّ تجاوز الأصحاب إلى كتابة الشهادتين وأسماء الأئمّة علیهم السلام للتبرّك. واختلفت عباراتُهم فيما يُكتب عليه من قطع الكفن اختلافاً كثيراً حتّى تجاوز بعضهم إلى الجميع، وقد عرفتَ المستند.

قوله: «ويكون ذلك بتربة الحسين علیه السلام فإن لم تُوجد فبالإصبع». بل يقدّم عليها الكتابةُ بالماء والطين خصوصاً الأبيض؛ عملاً بإطلاق النصّ.

قوله: «ولا يبلّ بالريق». قال المصنّف في المعتبر - نقلاً عن الشيخ (رحمه الله) (5) -: رأيت الأصحاب يجتنبونه، ولا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال، ولا بأس ببلّه بغير الريق (6) .

ص: 39


1- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 226.
2- الكافي، ج 3، ص 144 ، باب تحنيط الميّت وتكفينه، ح 706 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 293، ح 586 و 587.
3- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 119، «نمط».
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 842 وص 309 ، ح 898.
5- المبسوط، ج 1، ص 251.
6- المعتبر، ج 1، ص 289 .

قوله: «ويجعل معه جريدتان من سعف النخل، فإن لم يوجد فمن السدر، فإنْ لم يُوجد فمن الخِلاف».

هو - بكسر الخاء وتخفيف اللام -: الصفصاف، ويقدّم بعده الرمّان على غيره من الشجر الرطب.

ولا حدَّ لهما طولاً، والمشهور أنّه قدر عَظْم ذِراع الميّت، ويتخيّر بين شقّها و عدمه، ويعتبر فيهما الخُضرة.

قوله: «إذا خرج من الميّت نجاسة بعد تكفينه فإن لاقت جسده غسلت بالماء، وإن لاقت كفنه فكذلك، إلّا أن يكون بعد طرحه في القبر فإنّها تُقرض، ومنهم مَن أوجب قرضها مطلقاً».

الأقوى الأوّل، وإنّما تُقرض مع عدم تفاحش النجاسة بحيث تؤدّي إلى فَساد الكفن وهتك الميّت، وإلّا فغسلها أولى مع الإمكان، ومع التعذّر يسقط؛ للحرج.

قوله: «كفن المرأة على زوجها». لا فرق بين الدائم والمستمتع بها، ولا بين المُمكِّنة والناشز، ولا بين الحرّة والأمة - والمطلّقة رجعيّة زوجة - ويجب عليه أيضاً مؤونة التجهيز من الحنوط وغيره مع يساره وعدم وصيّتها النافذة به. ويلحق بها المملوك وإن كان مدبّراً أو مكاتباً لم يتحرّر منه شيءٌ، وإلّا فبالنسبة، دون واجبِ النفقة مطلقاً.

قوله: «وكفن الرجل من أصل تركته». المراد به الكفن الواجب خاصّةً، وكذا مؤونة التجهيز من سدرٍ وكافورٍ وغيرِهما.

[في مواراة الميّت في الأرض]

قوله: «وله مقدّمات مسنونة كلّها أن... وأن تُربَّع الجنازةُ». وهو حملها من جوانبها الأربعة بأربعة رجالٍ، والأفضل التناوبُ، وأفضله أن يبدأ

بمقدّم السرير الأيمن الذي يلي يسار الميّت فيحمله بالكتف الأيمن، ثمّ يدور من خلفه

ص: 40

إلى الآخر فيحمله كذلك، ثمّ ينتقل إلى الأيسر فيحمله بالأيسر، ثمّ يختم بمقدّمه الأيسر كذلك دور الرحى.

قوله: «وأن يقول المشاهِدُ للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المُخْتَرم».

السواد: الشخص، ومن الناس عامّتهم.

والمخترم: الهالك مطلقاً، أو على غير بصيرة.

والأمر على الثاني ظاهرٌ، وعلى الأوّل إشارةٌ إلى طلب الزيادة في العمر ليزداد في الطاعة؛ لأنّ بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها. أو حمداً على الواقع رضىً بقضاء الله تعالى كيف كان، والتفويض إليه بحسب الإمكان.

قوله: «وأن ينقله في ثلاث دفعات». هذا هو المشهور، والمراد به وضعه قريباً من القبر ثمّ نقله إليه في دفعتين، ويُنزل في الثالثةِ. والأخبار خاليةٌ عن ذلك كلِّه، بل فيها: «ضعه دونَ القبر بذراعين أو ثلاثة ليأخذ أهبته، ثمّ ضعه في لحده» (1)، وعليه المصنّف في المعتبر (2) .

قوله: «ويكره أن يتولّى ذلك الأقارب». لا فرق في ذلك بين الولد وغيره وإن كان نزول الولد أخفّ كراهةً.

قوله: «إلّا في المرأة». فإنّه لا يكره نزولُ الرحم معها بل يستحبّ؛ لأنّها عورة، وللنصّ (3) . والزوج أولى، ثمّ الرحم، ثمّ امرأة، ثمّ أجنبي صالح وإن كان شيخاً فهو أولى، كلّ ذلك على وجه الاستحباب.

قوله: «والفرض أن... وراكب البحر يُلقى فيه». المراد بالبحر ما يشمل الأنهار العظيمةَ التي يشقّ الخروج منها إلى البرّ عادةً قبل

ص: 41


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 312، ح 907.
2- المعتبر، ج 1، ص 298.
3- الكافي، ج 3، ص 193 - 194، باب من يدخل القبر و من لايدخل، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325، ح 948.

فساد الميّت، ويُشترط فيما يوضع فيه الميّتُ أن ينزل في عمق الماء ولو بتثقيله بأمرٍ خارجٍ عنه مع الإمكان، وأن يستقبل بالميّت حال إلقائه كالدفن.

قوله: «والسنن أن... ويُجعل له اللحد ممّا يلي القبلة». بأن يحفر جانب القبر ممّا يلي القبلة مقدار ما يُوضع فيه الميّت مدفوناً، هذا في

الأرض الصُّلْبة التي يؤمن انهدامها به على طول مكثه غالباً، وإلّا فالشَقُّ أفضلُ.

قوله: «ويُجعل معه شيءٌ من تربة الحسين علیه السلام».

ليس لها موضعٌ خاصّ شرعاً، فيجزئ وضعها معه كيف اتّفق تحت خدّه، وفي كفنه، وتِلقاء وجهه، وغيرها.

قوله: «ويلقّنه، ويدعو له، ثمّ يَشْرج اللبِن».

بأن يسوّى بحيث لا يدخل منه التراب إلى الميّت.

قوله: «ويهيل الحاضرون عليه التراب بظهور الأكُفّ».

وأقلّه ثلاث حثيّات باليدين جميعاً.

قوله: «ويرفع القَبْرُ مقدار أربع أصابع».

مفرجاتٍ إلى شبرٍ، ويكره الزائد.

قوله: «والتعزيةُ مستحبّةٌ».

هي تفعلة من العزاء وهو الصبر، والمراد بها التسلية عن المصاب، والتصبّر على الحزن، والاكتئاب بتذكير المعزّى ما يتسلّى به.

قوله: «ويُكره فرش القبر بالساج». و كذا بغيره من أنواع الفرش التي لا تعدّ مالاً وإلّا حرم.

قوله: «وتجصيص القبور».

خصّه بعض الأصحاب بغير قبور أهل الشرف والفضل الذين تتوفّر الدواعي على زيارتهم وتعهّدهم (1) ، وهو حسن.

ص: 42


1- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 450.

قوله: «وتجديدها». بالجيم، والحاء، والخاء.

فالأوّل: بعد اندراسها عن وجه الأرض رأساً، وبقاء عظام الميّت باطنها، أمّا رمّها قبل الاندارس مخافته فلا كراهة فيه، كما أنّ تجديدها بعد اندراسها رأساً في الأرض المُسَبَّلَةِ حرامٌ؛ لسقوط حقّ الميّت من القبر، فلا يجوز منع غيره.

والثاني: تسنيمها، كما يفعله العامّة.

والثالث: شقّها بعد الدفن لدفنٍ آخر، وهو مكروه فيما أُعدّ لدفن أكثر من واحدٍ، ومحرّمٌ في غيره، إلّا أن يجمع بينهما ابتداءً فيُكره.

قوله: «وأن ينقل الميّت... إلّا إلى أحد المشاهد».

لا فرق بين البلاد المتقاربة والمتباعدة، ولا في المشاهد بين قبور الأنبياء والأئمّة، وأُلحق بها مقبرةٌ فيها قومٌ صالحون (1) . وهذا كلّه إذا لم يؤدّ إلى تغيير صورة الميّت وقُبحِ منظره، ولم يُدفن، ولم يكن شهيداً، وإلّا حرم مطلقاً.

[في لواحق الدفن]

قوله: «لا يجوز نبش القبور».

استثني من ذلك ما إذا صار الميّت رميماً، أو دُفن في أرضٍ مغصوبةٍ، أو في كفنٍ مغصوب، أو وقع في القبر ما له قيمةٌ، أو للشهادة على عَينه حيث يحتاج إليها (2) .

قوله: «الشهيد يدفن بثيابه، وينزع عنه الخُفّان والفرو».

وكذا غيرهما من الجلود، ومن الثياب العمامةُ والقلنسوةُ والسراويلُ، فلا ينزع حیث لا تنزع الثياب.

قوله: «أصابَهما الدمُ أو لم يُصبْهما على الأظهر». قويّ.

قوله: «وإن ماتت هي دونه، شُقّ جوفها من الجانب الأيسر».

ص: 43


1- ألحقه بها الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 395 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- انظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 458 وما بعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

ويتولّاه النساء أو الزوج، ولا يشترط كون الولد ممّن يعيش عادةً، بل يكفي كونه حيّاً.

[الأغسال المسنونة]

قوله: «في الأغسال المسنونة... غسل يوم الجمعة... ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء».

بل يُقدِّمه مَن خاف فواته، سواء كان بعوز الماء أم بغيره، ولينوِ فيه التقديمَ؛ ليتميّز عن قَسيميه (1) .

قوله: «وقضاؤه يوم السبت». بل يقضيه بعد فوات الأداء إلى آخر السبت، ولا فرق بين فواته لعذرٍ وغيره.

قوله: «وغسل المفرّط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر». قويّ، والقول الآخر: أنّه واجبٌ (2) .

قوله: «ما يستحبّ للفعل والمكان يقدّم عليهما».

يُستثنى من ذلك غُسل التوبة، والسعي إلى رؤية المصلوب؛ فإنّ غسلهما مؤخّرٌ عن الفعل.

قوله: «وقيل: إذا انضمّ إليها غُسلٌ واجب كفاه نيّة القربة». قويّ، وكذ لو لم يضمّ إليها واجبٌ كفى عنها واحدٌ بنيّة القربة على الأقوى.

قوله: «قال بعض فقهائنا بوجوب غُسل مَن سعى إلى مصلوبٍ ليراه عامداً بعد ثلاثة أيّامٍ». الأقوى الاستحباب مع رؤيته، وحدّ الثلاثة من حين صَلْبه، ولا فرق بين مصلوبِ الشرع وغيره.

ص: 44


1- أي الأداء والقضاء.
2- قاله السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 82؛ والمفيد في المقنعة، ص 211؛ والشيخ في النهاية، ص 136؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 135.

[الركن الثالث في الطهارة الترابيّة]

[الطرف الأوّل فيما يصحّ معه التيمّم]

قوله: «الأوّل عدم الماء، ويجب عنده الطلب، فيضرب غَلوة سهمين في كلّ جهة من جهاته الأربع».

غَلوة السهم: مقدارُ رميته من الرامي والآلة المُعتدِلَين، والسَهلة: ما لا يمنع مافيها من رؤية ما عنده، والحَزْنة: بخلافها.

ويُراعى المقدارُ من كلّ جانبٍ، ولو اختلفت سهولةً وحزونةً وزّع المقدارُ عليها بحسبها، ولو تيقَّن عدم الماء في بعضها أو جميعها سقط طلبه فيه. وتجوز الاستنابة فيه، ويحتسب لهما مع عدالة النائب، وإلّا فللنائب خاصّةً إلّا مع تعذّر غيره.

قوله: «ولو أخلّ بالضرب حتّى ضاق الوقتُ أخطأ، وصحّ تيمّمه وصلاته على الأظهر».

قويّ مع استمرار الاشتباه وتبيّن عدم الماء، فلو تبيّن وجودُه في موضع الطلب أعاد.

قوله: «بثمنٍ يضرُّ بِهِ في الحال».

الأولى أن يُراد به حال المكلّف ليعمّ الحالَ الزماني والاستقبالي حيث لا يتجدّد ما يدفع الضرورة عادةً.

قوله: «وإن لم يكن مضرّاً به في الحال لزمه شراؤه ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد».

لا فرق فيه بين المُجْحِف وغيره على الأقوى.

قوله: «ولا فرق في جواز التيمّم بين أن يخاف لصّاً أو سَبُعاً».

وكذا لو خاف الفاحشةَ ولو على العِرض، ولا فرق بين قليلِ المال وكثيره هنا،

ص: 45

بخلاف المبذول عوضاً، والفارق النصّ، لاثبوت العوض في الضائع والثواب في العوض؛ لاشتراكهما في الثواب لو تحقّق إذن الشارع.

قوله: «وكذا لو خشي المرض الشديد، أو الشَين باستعماله الماء، جاز له التيمّم». مع كثرته بحيث لا يتحمّل عادةً لا مطلق الشَين، ويرجع فيه وفي المرض إلى ما يجده من نفسه، أو يُخبره به عارفٌ.

قوله: «وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطشَ إن استعمله».

عطشه أو عطش نفسٍ محترمةٍ ولو حيواناً.

[الطرف الثاني فيما يجوز التيمّم به]

قوله: «لا يجوز التيمّم بالمعادن ولا بالرماد». وإن كان أصلُه تراباً؛ لخروجه بالاستحالة عنه.

قوله: «ويجوز التيمّم بأرض النورة والجَصّ». قبل إحراقهما وصيرورتهما أحدهما، وإلّا امتنع.

قوله: «وترابِ القبر». الملاصق للميّت، ولو بعد اندراسه وصيرورته رميماً إذا كان أصله طاهراً، وإلّا امتنع.

قوله: «وبالترابِ المستعمل في التيمّم».

وهو الممسوح به على تقدير بقائه، أو المتساقط عن الكفّين بعد الضرب، لا المضروب عليه وإن اشتركا في الجواز؛ لأنّه ليس محلّ الشبهة.

قوله: «ولا يصحّ التيمّم بالتراب المغصوب». وهو الذي لم يأذن مالكه في استعماله وإن لم ينه عنه، إلّا أن تدلّ القرائن على عدم کراهته كالجدار الخارج إلى المباح والصحراء، فيجوز التيمّم عليه بشاهد الحال كالصلاة.

قوله: «ويُكره بالسبخة».

ص: 46

هي الأرض المالحة النشاشة، لا التي لا تنبت. ويُشترط أن لا يعلو وجهها شيءٌ من الملح، وإلّا امتنع.

قوله: «ويستحبّ أن يكون من رُبى الأرض وعَواليها».

هما بمعنى واحد، والجمع بينهما تأكيدٌ وتفسيرٌ.

قوله: «ومع فقد التراب يتيمّم بغُبارِ ثوبه، أو لِبْدِ سَرجه».

يجب تحرّي أكثرها غُباراً واستخراجه بحيث يعلو وجهها مع الإمكان، ويشترط كونه ممّا يصحّ التيمّم على جنسه، ووجودُه في الجملة، فلو لم يكن عليها غبارٌ لم يصحّ، وفي حكم الثلاثة ما شاركها في الغُبار.

[الطرف الثالث في كيفيّة التيمّم]

قوله: «ولا يصحّ التيمّم قبل دخول الوقت... وهل يصحّ مع سعته؟ فيه تردّد، والأحوط المنع».

بل الأقوى المنعُ مطلقاً، هذا في التيمّم المبتدأ، أمّا المستدام فتصحّ الصلاة به حال السعة مطلقاً. والمعتبر في الضيق الظنّ، فلو انكشف السعة بعده أجزأ.

قوله: «والترتيب: يضع يديه على الأرض، ثمّ يمسح الجبهة بهما».

وكذا الجبينين، والأحوط مسح الحاجبين أيضاً.

ويجبُ مسح جزء آخر من غير محلِّ الفرض من باب المقدِّمة، وكذا في اليدين.

قوله: «ثمّ يمسح ظاهر الكفّين». من الزَنْدَين.

قوله: «وقيل باستيعاب الوجه والذراعين، والأوّل أظهر». قويّ.

قوله: «ولا بدّ فيما هو بدل من الغسل من ضربتين، وقيل: في الكلّ ضربتان، وقيل: ضربة واحدة والتفصيل أظهر». قويّ.

قوله: «ويجب استیعاب مواضع المسح في التيمّم».

أمّا الماسح فلا يجب استيعابه مطلقاً، نعم يعتبر استيعابُه حالةَ الضرب على الأرض

ص: 47

وإن لم يكن المجموع مقارناً للنيّة، بل لو قارن ببعضه كفى.

قوله: «ويُستحبّ نفضُ اليدين بعد ضربهما على الأرض».

بأن يمسحَهما بثوبه، أو يمسحَ إحداهما بالأُخرى، أو بغير ذلك ممّا يُزيل عنهما أثرَ الأرض.

قوله: «ولو تيمّم وعلى جسده نجاسةٌ، صحّ تيمّمه، كما لو تطهَّر بالماء وعليه نجاسة، لكن في التيمّم يراعى ضيق الوقت».

سواء جوّزنا التيمّم مع سعة الوقت أم اعتبرنا الضيق؛ لأنّ المراد بالضيق عدم زيادة الوقت عن الصلاة وشروطها المفقودة من غير اعتبار ترتّبها، وهو المراد بقوله: «يراعى في التيمّم ضيقُ الوقت».

[الطرف الرابع في أحكام التيمّم]

قوله: «من تعمّد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمّم ويصلّي وثمّ يعيد... وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها، والأظهر عدم الإعادة». قويّ في الجميع.

قوله: «يجب عليه طلب الماء فإن أخلّ بالطلب وصلّى، ثمّ وجد الماء في رحله أو مع أصحابه». أو في موضعٍ يجب عليه طلبه فيه.

قوله: «من عدم الماء وما يُتَيمَّمُ به لقيد، أو حبس في موضع نجس قيل: يصلّي ويعيد، وقيل: يؤخِّر الصلاةَ حتّى يرتفع العذر، فإن خرج الوقتُ قَضى». قويّ.

قوله: «إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة ...، وإن وجده وهو في الصلاة، قيل: يرجع مالم يركع، وقيل: يمضي في صلاته ولو تلبّس بتكبيرة الإحرام حسب، وهو الأظهر». قويّ، ولا فرق بين الفرض والنفلِ، ولو اتّفق عدم الماء قبل إمكان استعماله لم ينتقض تيمّمه به.

ص: 48

قوله: «إذا اجتمع ميّت وجنب ومحدث ومعهم من الماء يكفي أحدهم... فالأفضلُ تخصيص الجنب به».

إنّما تتحقّق الأفضليّةُ مع كونه لمالكٍ يبذله للأحوج، أو مباحاً لا يترجّح أحدُهم به. فلو كان متعيّناً للأحوج بنذرٍ وشبهه تعيّن صرفه للجُنب على الأقوى، هذا إذا لم يمكن الجمع بأن يتوضّأ به المحدث ثمّ يجمعه للجُنب ثمّ يجمعه للميّت، وإلّا وجب الجمعُ.

قوله: «إذا تمكّن من استعمال الماء انتقض تيمّمه».

لا فرق بين كونه في وقت عبادةٍ مشروطةٍ به وعدمه، وإنّما يحكم بالنقض بمجرّد التمكّن في ظاهر الحال، ويُراعى في استقراره مضيّ زمانٍ يتمكّن من الطهارة المائيّة، فلو تعذّر استعماله في أثنائه تبيّن عدم الانتقاض.

ص: 49

[الركن الرابع في النجاسات]

اشارة

قوله: «الأوّل والثاني: البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه إذا كان للحيوان نفسٌ سائلةٌ». المرادُ بالنفس هنا: الدم الذي يخرج من العِرْقِ إذا قطع بقوّةٍ، لا مترشّحاً كدم السمك.

قوله: «وفي رَجيع ما لانفس له وبوله: تردّد. وكذا في ذرق الدجاج الجلّال، والأظهر الطهارة». قويّ.

قوله: «وفي منيّ مالانفس له تردّد، والطهارة أشبه». قويّ.

قوله: «لا ينجس من الميتات... وما كان منه لا تحلّه الحياة كالعظم والشعر، فهو طاهر، إلّا أن تكون عينه نجسة، كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر». قويّ.

قوله: ويجب الغُسل على من مسّ ميّتاً من الناس قبل تطهيره وبعد برده».

نبّه بقوله: «تطهيره» على أنّ مَن لا يحتاج إلى تطهيره من الأموات كالشهيد والمعصوم لا يجب بمسّه غسلٌ، وكذا من قدّم غسلَه حيّاً.

وإنّما يتحقّق التطهير فيما يفتقر إليه تمام الغسل جامعاً لما يعتبر فيه من الخليط وغيره، فلو اختلّ بعضها لم يطهر ووجب الغسل بمسّه وإن اجتزأ به اضطراراً.

واحترز ببعديّة البرد عمّا لومسّه بعد الموت وقبل البرد، فإنّه لاغسل، لكن يجب غَسل العضو اللامس كما يجب بعده على الأقوى.

قوله: «وكذا لومسّ قطعةً منه فيها عظم».

سواءٌ أُبينت من حيّ أو ميّتٍ، والأقوى عدم إلحاق العظم المجرّد بها، كما لا يلحق اللحم كذلك، وموضعُ الخلاف ما لو لم يُغسّل ولو ظاهراً كالموجود في مقبرةالمسلمين، وإلّا فلا غسل قطعاً.

ص: 50

قوله: «أومسّ ميّتاً له نفس [سائلة] من غيرِ الناس».

الأقوى اختصاصه بحالةِ الرطوبة، وإلّا لم يجب غَسل اللامس وإن أوجبناه في ميّت الناس.

ولو نزا كلبٌ على حيوان فأولده، روعي في إلحاقه بأحكامه إطلاقُ الاسم. هذا إذا كان الحيوانُ مخالفاً للكلب حكماً، وإلّا تبعهما في الحكم وإن باينهما وكان على صفة محلّل، ومع الاختلاف يراعى إطلاقُ اسمه عليهما وعلى غيرهما، فإن لم يصدق عليه اسم شيءٍ معلومِ الحكم فالأقوى طهارتُه وتحريم لحمه؛ عملاً بالأصل فيهما.

قوله: «وفي الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردّد، والأظهر الطهارة». قويٌّ.

قوله: «المسكرات». أي المائعة بالأصالة دون غيرها.

قوله: «وفي تنجيسها خلاف، والأظهر النجاسة». قويٌّ.

قوله: «وفي حكمها العصير إذا غلى واشتدّ».

المراد بغليانه صيرورة أسفله أعلاه وبالعكس، وباشتداده أخذه في الثَخانة وإن قلّ.

والحكم بنجاسته هو المشهور بين المتأخّرين، والنصوص خاليةٌ عنه.

قوله: «الفقّاع».

المراد به ما يسمّى فقّاعاً عرفاً مالم يعلم انتفاء خاصيّته عنه.

قوله: «الكافر، وضابطه: كلّ من خرج عن الإسلام، أو من انتحله، وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة».

وكذا النواصب والمجسّمة بالحقيقة.

قوله: «وفي عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة والمسوخ خلاف، والأظهر الطهارة». قويٌّ.

[القول في أحكام النجاسات]

قوله «تجب إزالة النجاسة عن الثياب والبدن... وعفي عن الثوب والبدن عمّا يشقّ

ص: 51

التحرّز منه من دم القروح والجروح التي لا ترقأ».

الأقوى بقاء الرخصة وإن رقت إلى أن تبرأ؛ لدلالة النصوص عليه (1) .

قوله: «وعمّا دون الدرهم البغلي سعةً من الدم المسفوح، الذي ليس من أحد الدماء الثلاثة».

قُدِّر سعتُه بعقد الإبهام العليا، وبعقد السبابة، وكلاهما جائزٌ. ويُستثنى منه مع الدماء الثلاثة دمُ الميتة ونجس العين، فلا يعفى عنهما مطلقاً.

قوله: «ومازاد عن ذلك تجب إزالته إن كان مجتمعاً، وإن كان متفرّقاً قيل: هو عفوٌ، وقيل: تجب إزالته، وقيل: لا تجب إلّا أن يتفاحش، والأوّل أظهر».

الأقوى أنّه يُقدَّر مجتمعاً، ويلحقه حكم المجتمع. ويستوي في المفرَّق ماكان منه على الثوب الواحد والثياب المتعدّدة، وعليها وعلى البدن، فيضمّ بعضُها إلى بعضٍ.

قوله: «وتجوز الصلاةُ فيما لا تتمّ الصلاةُ فيه منفرداً، وإن كان فيه نجاسة لم يعف عنها في غيره».

أي لا تتمّ صلاةُ الرجل فيه وإن كانت المصلّيةُ امرأةً، واحترز بقوله: «وإن كان فيه نجاسةٌ» عمّا لو كان نفسه نجاسةً كجلد الميتة، فإنّه لا يعفى عنه مطلقاً، ولا فرق بين الملابس وغيرها.

قوله: «وتعصر الثياب من النجاسة كلّها إلّا في بول الرضيع، فإنّه يكفي صبُّ الماء عليه».

المراد بالصبّ إصابةُ الماء لمجموعِ المحلِّ النجسِ من غير اعتبار الانفصال، وبه يتميّز عن الغَسل وعن الرشّ باشتراط إصابة المجموع، ولا تلحق به الصبيّةُ بل بولُها كغيره من الأبوال.

ص: 52


1- الكافي، ج 3، ص 58، باب الثوب يصيبه الدم والمِدَة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 258، ح 747، وص 259، ح 752؛ الاستبصار، ج 1، ص 177، ح 616؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 433، ح 1، وص 435، ح 7، باب 22 من أبواب النجاسات.

قوله: «وفي البدن يغسل رطباً، وقيل: يُمسح يابساً». ضعيفٌ.

قوله: «إذا أخلّ المصلّي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه. فإن لم يعلم ثمّ علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة، وقيل: يعيد في الوقت». قويٌّ.

قوله: لو رأى النجاسةَ وهو في الصلاة، فإن أمكنه إلقاءُ الثوب وستر العورة بغيره، وجب وأتمّ».

بناءً على ما اختاره من عدم إعادة الجاهل في الوقت، أو مع احتمال وقوعها حالة الرؤية، وإلّا وجب الاستئناف مطلقاً مع إمكان إدراك ركعةٍ في الوقت وإلّا استمرّ.

قوله: «والمربّية للصبيّ إذا لم يكن لها ثوبٌ إلّا واحدٌ غسلته كلَّ يومٍ مرّةً». وكذا المربّيةُ للصبيّةِ، ولو تعدّد الولدُ فأولى بالعفو، وفي حكمها المربّي له، ولو كان لها ثوبان فصاعداً ولو بإعارةٍ أو استئجارٍ لم يُعف عن النجاسةِ مطلقاً مع إمكان إزالتها.

قوله: «وإن كان مع المصلّي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلّى الصلاة الواحدة في كلّ واحدٍ منهما منفرداً، على الأظهر».

قويٌّ، ولو تعدّدت الثيابُ النجسةُ واشتبهتْ وجبَ تكرارُ الصلاة فيما يزيد عن عدد النجس بواحدٍ إذا لم يجد ثوباً طاهراً، وإلّا تعيّن.

قوله: «وفي الثياب الكثيرة كذلك، إلّا أن يضيق الوقتُ فيصلّي عرياناً». بل تتعيّنُ الصلاةُ في أحدها.

قوله: «ويجب أن يُلقي الثوبَ النجس ويصلّي عرياناً إذا لم يكن هناك غيره». بل يتخيّر بين الصلاة فيه وعارياً، والصلاة فيه أفضل.

قوله: «وإن لم يمكنه صلّى فيه وأعاد، وقيل: لا يعيد، وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «والشمس إذا جفّفت البول وغيره من النجاسات عن الأرض والبواري والحصر، طهر موضعه».

نبّه بقوله: «جفّفت» على اشتراط رطوبة النجاسة وتجفيف الشمس لها، ويعتبر كونها بإشراقها ولو بمشاركة الهواء دون حرارتها وإن استقلّت.

ص: 53

قوله: «وكذا كلّ ما لا يمكن نقله».

أي لا ينقل عادةً وإن أمكن نقله، ومنه النبات المقطوع الملقى على الأرض بغير استقلال اليد عليه ونحوه.

قوله: «وتُطهّر النارُ ما أحالتْه».

رَماداً أو دُخاناً، لا خَزَفاً وآجراً على الأقوى.

قوله: «والأرض باطنَ الخُفِّ وأسفلَ القَدَم والنعلِ».

المراد بالباطنِ والأسفل ما تستره الأرضُ حالةَ المشي، وفي حكم التراب باقي أجزاء الأرض من الحجر والرَمْل وغيرهما من أصنافها. والمعتبرُ زوال عين النجاسة بها ولو بالمسح، والأقوى اشتراط طهارتها وجَفافها. ولا فرق بين النجاسة الجافّةِ وغيرها، ولا بين ذات الجِرم وغيره مع زواله.

قوله: «وماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه ولا حالَ جريانه من ميزابٍ وشبهه». مع اتّصاله بالمطر، وإلّا فكالواقف.

قوله: «وكذا القول في الإناء على الأظهر» قويٌّ.

قوله: «وقيل في الذَنوب، إذا أُلقي على الأرض تطهر الأرض مع بقائه على طهارته». مع كرّيته، وإلّا فلا.

[القول في الآنية]

قوله: «ويكره المفضّض، وقيل: يجب اجتنابُ موضع الفضّة». قويٌّ.

قوله: «وفي جواز اتّخاذها لغير الاستعمال تردّد، والأظهر المنع». قويٌّ.

قوله: «وأواني المشركين طاهرةٌ حتّى تُعلم نجاستُها».

وكذا سائرُ ما بأيديهم ممّا لا تُشترط فيه ولا في أصله التذكيةُ، والمراد بالعلم: الاعتقادُ الثابتُ ولو بالخبر المحفوف بالقرائن.

قوله: «ولا يجوز استعمال شيء من الجلود إلّا ما كان طاهراً في حال الحياة ذكيّاً».

ص: 54

هذا إذا قَبِل الذكاةَ وكان له نفس، فلو لم تكن له نفسٌ كالسمك فهو طاهرٌ وإن لم يكن ذكيّاً.

قوله: «ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً، أُولاهُنّ بالتراب على الأصحّ». قويٌّ، والمراد بوُلُوغه شربُه ممّا في الإناء بطرف لِسانه، ويلحق به لَطْعُه دون مباشرته له بسائر أعضائه، بل هي كسائر النجاسات.

ويشترط طهارةُ التراب، وصدق اسمه، فلو مزج بالماء حتّى خرج عنه لم يطهِّر .

وإنّما يعتبر العددُ بالماء فيه وفي غيره في غير الكثيرِ، وإلّا كفت المرّةُ.

قوله: «ومن الخمر والجُرذ ثلاثاً بالماء».

أحوط، وأولى منه غَسله سبعاً.

قوله: «والسبع أفضل ومن غير ذلك مرّةً واحدةً». إلّا لِوُلُوغ الخنزير فسبعٌ بالماء على الأقوى.

ص: 55

ص: 56

كتاب الصلاة

[الركن الأوّل في المقدّمات]

[المقدّمة الأُولى في أعداد الصلاة]

قوله: «ويسقط من كلّ رباعيّة في السفر ركعتان». وكذا الخوف.

قوله: «أربع وثلاثون ركعةً على الأشهر». قويّ.

قوله: «وعقيب العشاء ركعتان من جلوس تُعدّان بركعة».

الأقوى أنّ فعلهما من قيام أفضل.

قوله: «ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر والوتيرة على الأظهر». قويّ.

قوله: «والنوافل كلّها ركعتان بتشهّد وتسليم بعدهما إلّا الوتر». قويّ.

[المقدّمة الثانية في المواقيت]

اشارة

هي كالصبح والظهر (1) كيفيّة وترتيباً، ووقتها يوم الجمعة عند ارتفاع النهار. قوله: «فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت الظهر والعصر وتختصّ الظهر من أوّله بمقدار أدائها».

ص: 57


1- في «ض»: والظهرين.

المعتبر في أدائها بحال المصلّي في ذلك الوقت قوّة وضعفاً، حضراً وسفراً، خوفاً وأمناً، وغيرها من الأحوال، ويعتبر مع ذلك مقدار فعل شرائطها المفقودة عنه مطلقاً.

قوله: «وكذلك العصر من آخره وما بينهما من الوقت مشترك».

بمعنى صحّة وقوع كلّ واحدة فيه بوجه لا مطلقاً؛ لأنّ الظهر قبل العصر مع الذكر، وإنّما يُغتفر الترتيب مع النسيان.

قوله: «وتختصّ العشاء الآخرة من آخر الوقت بمقدار أربع».

على تقدير كونه متمّاً، وإلّا فمقدار اثنتين والضابط أنّ المعتبر مقدار أدائها على الحالة التي يكلّف بها ذلك الوقت.

قوله: «وما بين طلوع الفجر الثاني - المستطير في الأُفق - إلى طلوع الشمس وقت الصبح».

أي المنتشر فوق الأُفق مُعترِضاً، واحترز به عن الأوّل الكاذب.

قوله: «بزيادة الظلّ بعد نقصانه».

بناءً على الغالب من أنّه لا يعدم الظلّ أصلاً حينئذٍ، ولو أضاف إلى ذلك «أو حدوثه بعد عدمه» ليشمل سائر الفصول والبلاد كان أولى.

قوله: «ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة».

أي قبلة أهل العراق، سواء في ذلك الركن العراقي وغيره. والقدر الضابط منها ما كان على خطّ الجنوب كقبلة طرفه الغربي بالموصل وما والاها. أمّا غيره فإنّه وإن كان كذلك، إلّا أنّ الزوال لا يعلم به إلّا بعد مضيّ زمان كثير كما لا يخفى. والعلامة الضابطة في ذلك استقبال نقطة الجنوب، فإذا مالت الشمس إلى الحاجب الأيمن تبيّن الزوال.

وأمّا قبلة الشامي فقد يتبيّن بها الزوال أيضاً إذا صارت الشمس على طرف الحاجب ممّا يلي الأُذن، غير منضبطة كقبلة العراقي بغير اعتبار نقطة الجنوب.

قوله: «والغروب: باستتار القرص، وقيل: بذهاب الحمرة من المشرق».

ص: 58

أي ذهابها من جهة المشرق، وهو ممّا يُعدّ مشرقاً عرفاً (1) ، وحدّه في العلوّ وسط السماء المعروف بمحاذاة قمّة الرأس، لا الحقيقي منه، ولا نصف السماء الشرقي المتميّز عن الغربي بدائرة نصف النهار.

قوله: «والغروب باستتار القرص، وقيل: بذهاب الحمرة من المشرق، وهو الأشهر». قويٌّ.

قوله: «وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتّى يصير الظلّ مثليه. والمماثلة بين الفيء الزائد والظلّ الأوّل، وقيل: بل مثل الشخص».

القول المحكيّ (2) هو الصحيح، وما اختاره المصنِّف في غاية الضعف، بل يكاد يكون باطلاً صرفاً، لأنّ الظلّ الأوّل غير منضبط، بل تارةً يكون عند الزوال معدوماً وأُخرى يكون موجوداً بمقدار تكبيرة الإحرام، وأُخرى زائداً على ذلك بمقدار بعض الصلاة إلى أن يصير بمقدارها خاصّة، ثمّ يزيد عنها يسيراً إلى أن ينتهي، وذلك في كثير من البلاد في بعض الفصول، وعلى تقدير وجوده فهو في فصل الشتاء، ووقت قصر النهار أطول منه في وقت طوله.

وعلى هذا فلونيط وقت الظهر به لزم التكليف بعبادة في غير وقتٍ، أو في وقتٍ يقصر عنها وعن مقدار ركعة منها، وأن يكون وقتها في النهار القصير أزيد منه في الطويل، وأن تكون نافلتها ساقطة في كثير من الأوقات، بل التكليف بها على بعض الوجوه، وهذا كلّه على خلاف الإجماع.

قوله: «وقيل: أربعة أقدام للظهر وثمانٍ للعصر».

المراد بالأقدام: أسباع الشخص ذي الظلّ، طويلاً كان أم قصيراً. والمراد أنّ الزيادة - على تقدير عدم انعدام الظلّ، أو حدوث الظلّ على تقدير

ص: 59


1- عرفاً: لم ترد في «ض».
2- نسبه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6) إلى المشهور ؛ والماتن المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 50؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 15 إلى الأكثر.

عدمه - متى صارت بقدر أربعة أسباع الشخص خرج وقت الاختيار للظهر، ومتى صارت بقدر ثمانية أسباعه - وهو قدره - وسبعه خرج وقت العصر.

قوله: «وعندي أنّ ذلك كلّه للفضيلة».

أشار ب-«ذلك» إلى جميع ما تقدّم من قوله: «وقال آخرون... إلى آخره»، وهذا هو الأقوى.

[وقت النوافل اليوميّة]

قوله: «وللعصر أربعة أقدام، وقيل: مادام وقت الاختيار باقياً».

المراد ب- «وقت الاختيار»ما مرّ من المثل للظهر والمثلين للعصر، وهو الأقوى.

قوله: «فإن خرج [الوقت] وقد تلبّس من النافلة ولو بركعةٍ زاحمَ بها الفريضة مخفّفة». تتحقّق الركعة بإكمال سجودها وإن لم يرفع رأسه منه، والمراد بتخفيفها: الاقتصار على أقلّ ما يعتبر في صحّتها.

قوله: «وإن لم يكن صلّى شيئاً بدأ بالفريضة ولا يجوز تقديمها على الزوال إلّا يوم الجمعة، ويزاد في نافلتها أربع ركعات».

وتبقى العشرون نافلة يوم الجمعة، فينوي بها كذلك، وله إبقاء الستّ عشرة على حالها بتقدير أن يصلّي الظهر، وإبقاء ثمان العصر خاصّة. وعلى تقدير اختيار جعلها أجمع للجمعة يتخيّر في تقديمها على الزوال وتأخيرها. والضابط جعلها يوم الجمعة، والأفضل تفريقها سُداس كما سيأتي في باب الجمعة.

قوله: «ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربيّة. فإن بلغ ذلك، ولم يكن صلّى النافلة أجمع بدأ بالفريضة».

إلّا أن يكون قد شرع في ركعتين، فيكملهما مخفّفتين.

قوله: «وصلاة الليل بعد انتصافه. وكلّما قربت من الفجر كان أفضل. ولا يجوز تقديمها على الانتصاف، إلّا لمسافر يصدّه جدّه، أو...».

وكذا يقدّمها خائف البرد الشديد، والجنابة، ومريدها اختياراً حيث يشقّ الغسل،

ص: 60

وغيرها من الأعذار. والمراد بنافلة الليل: ما يشمل الشفع والوتر.

قوله: «وإن كان قد تلبّس بأربع تمّمها مخفّفةً ولو طلع الفجر».

لا فرق بين تأخير مازاد على الأربع اختياراً أو اضطراراً، والمراد بتخفيفها: الاقتصار على أقلّ ما يجزئ فيها من القراءة والأذكار.

قوله: «ويصلّي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة».

أي النوافل المطلقة، أمّا الراتبة فقد عرفتَ أنّها تصلّى في وقت الفرائض، وهذا مبنيّ على المنع من النافلة لمن عليه فريضة، والأقوى الجواز ما لم يضرّ بها.

[أحكام مواقيت الصلاة]

قوله: «إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة، كالجنون والحيض وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة، وجبَ عليه قضاؤها».

بل مقدار الفريضة مع شرائطها المفقودة، فلو كان متطهّراً مستتراً عارفاً بالقبلة جامعاً لباقي الشرائط، اعتبر مضيّ مقدار الصلاة خاصّة، كما أنّه لوكان فاقداً لها أجمع اُعتبر مضيّ مقدار فعلها مع الصلاة. والمعتبر منها أخفّ ما يمكن من فعلها على حالته ذلك الوقت، وكذا القول في وسط الوقت.

قوله: «ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها».

بل الشرائط المفقودة مع الركعة، وإنّما يكتفي بالركعة في آخره على تقدير سلامته بعد الوقت من موانع الوجوب، فلو عرض الجنون أو الحيض ونحوهما بعده قبل إمكان فعلها فكالأوّل.

قوله: «ويكون مؤدّياً على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ولو أهمل قضى».

بشرط الخلوّ عن المانع كما مرّ، وإلّا فلا.

قوله: «وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمته الفريضتان».

ص: 61

وكذا لو أدرك الخمس قبل الانتصاف، ولا يكفي هنا الأربع وإن بقي منها للعشاء ركعة.

قوله: «الصبيّ المتطوّع بوظيفة الوقت إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة والوقت باقٍ يستأنف على الأشبه».

قويّ، وكذا يستأنف الطهارة فيعتبر مقدار وقتها، وفي حكمه الصبيّة.

قوله: «إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز [له] التعويل على الظنّ فإن فقد العلم اجتهد». في تحصيل الوقت ولو ظنّاً بالأوراد وغيرها، سواء في ذلك الأعمى وغيره. ويجوز له حينئذٍ الرجوع إلى المخبر عن علم إن أفاده الظنّ، وإلى المؤذّن مع العدالة.

قوله: «إن كان الوقت قد دخل وهو متلبّس ولو قبل التسليم لم يُعد على الأظهر». قويّ.

قوله: «فلو دخل في فريضة فذكر أنّ عليه سابقة عدَلَ بنيّته ما دام العدول ممكناً».

يتحقّق الإمكان بعدم الركوع لركعة زائدة على عدد المعدول إليها، والمعتبر في العدول أن ينوي بقلبه أنّ هذه الصلاة هي السابقة المعيّنة.

قوله: «وإلّا استأنف المرتّبة».

أي السابقة بعد إكمال ما هو فيها، وإلّا اجتزأ بها.

قوله: «تكره النافلة المبتدأة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها».

المراد بالمبتدأة: غير ذات السبب مطلقاً، وتمتدّ الكراهة بعد الطلوع إلى أن تذهب الحمرة ويستوي شعاع الشمس.

والمراد بغروبها: ميلها إلى الغروب وهو اصفرارها، ويمتدّ إلى ذهاب الحمرة المشرقية.

وبقيامها انتهاء ارتفاعها، ووصولها إلى قرب دائرة نصف النهار.

قوله: «وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر».

وتمتدّ الكراهة في الأوّل إلى الطلوع، وفي الثاني إلى الغروب.

ص: 62

قوله: «الأفضل في كلّ صلاة أن يؤتى بها في أوّل وقتها إلّا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات».

هذا الاستثناء غير حاصر؛ لخروج صور كثيرة مع ما ذكر من الكلّيّة، كتأخير العصر حتّى يصير ظلّ كلّ شيء مثله، وتأخير الصبح حتّى يصلّي نافلتها إن لم يكن قدّمها على الفجر، والمتيمّم إلى آخر الوقت عند المصنّف (1) وجماعة (2) . وكذا غيره من ذوي الأعذار كمزيل النجاسة عن ثوبه وبدنه إذا لم يقدر عليه في أوّل الوقت، ومنتظر الجماعة ما لم يخرج وقت الفضيلة، ومنتظر إمام المسجد وإن أمكن الجمع مع غيره وتأخير الظهر في الحرّ للإبراد، وغير ذلك.

قوله: «لو ظنّ أنّه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيّته». سواء وقعت المعدول عنها في المختصّ بالمعدول إليها أم في المشترك، ومن ثمّ أطلق.

قوله: «وإن لم يذكر حتّى فرغ، فإن كان قد صلّى في أوّل وقت الظهر».

إنّما قيّد بالظهر لأنّ العشاء لا يأتي فيها ذلك؛ لدخول وقتها وهو فيها، إلّا أن يفرض سهوه عن مقدار ركعة ممّا لا تبطل الصلاة، فتساوي الظهر حكماً. ويمكن في العصر ذلك، بأن يطوّلها بالمندوبات إلى أن يدخل المشترك.

قوله: «أعاد بعد أن يصلّي الظهر على الأشبه». قويٌّ.

[المقدّمة الثالثة في القبلة]

اشارة

قوله: «وهي الكعبة لمن كان في المسجد». الأقوى أنّ القبلة هي الكعبة لمن أمكنه مشاهدتها وإن لم يكن في المسجد، ومع التعذّر أو المشقّة البالغة فجهتها، وهو القدر الذي يجوز على كلّ جزء منه كون الكعبة

ص: 63


1- قاله في المعتبر، ج 1، ص 382 أيضاً.
2- منهم: المفيد في المقنعة، ص 61؛ والسيّد المرتضى في الانتصار، ص 122، المسألة 23؛ وجمل العلم والعمل، ص 54 ؛ والمسائل الناصريّات، ص 156، المسألة 51؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 31؛ والنهاية، ص 47؛ والخلاف، ج 1، ص 146، المسألة 94.

فيه، ويقطع بعدم خروجها عنه لأمارة شرعيّة.

قوله: «ولو صلّى على سطحها، أبرز بين يديه منها ما يصلّي إليه، وقيل: يستلقي على ظهره ويصلّي مومئاً إلى البيت المعمور». ضعيف.

قوله: «ولو استطال صفّ المأمومين في المسجد حتّى خرج بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض».

وكذا لو استطال خارج المسجد حتّى خرج عن سمته، أو خارج الحرم كذلك على مذهب المصنّف والأكثر (1).

قوله: «وأهل كلّ إقليم يتوجّهون إلى سمت الركن الذي على جهتهم فأهل العراق إلى العراقي».

توجّه أهل العراق إلى الركن العراقي على وجه المجاز؛ إطلاقاً لما قرب منه عليه؛ لأنّ قبلتهم الباب وما قاربه لا الركن، ومع ذلك لا يطابق مذهبه؛ لأنّ قبلة البعيد عنده الحرم لا الكعبة.

قوله: «وأهل العراق ومن والاهم يجعلون الفجر على المنكب الأيسر».

هذه العلامة منتشرة جدّاً، والتعويل عليها مطلقاً مشكل، والأمر الضابط لها جعل مشرق الاعتدال على اليسار لأهل الطرف العراقي الغربي كالموصل، وغيره يحتاج إلى تغريب عن ذلك، وتختلف باختلاف البعد عنه، فيحتاج إلى ضرب من الاجتهاد.

قوله: «والجدي على محاذي المنكب الأيمن».

هذه العلامة مختصّة بأوساط العراق كبغداد والحلّة والمشهدين؛ لاستلزامها الانحراف نحو المغرب عن نقطة الجنوب، وذلك لا يطابق العراق مطلقاً، كما أنّ جعل الشمس عند زوالها على الحاجب الأيمن تقتضي استقبال نقطة الجنوب، وهو لا يناسب

ص: 64


1- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 11، ذيل المسألة 139؛ وقواعد الأحكام، ج 1، ص 251؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 101؛ والدروس الشرعيّة، ج 1، ص 80 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 51.

علامة الجدي كما لا يخفى.

وإنّما تكون الشمس كذلك في قبلة أطرافه الغربيّة كما مرّ، وأمّا طرفه الشرقي كالبصرة فتحتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب عن وسطه. وهذه العلامات الثلاث ليس منها منصوص غير الجدي، وكان السائل كوفياً، وهو مطابق لما قرّرناه.

قوله: «ويستحبّ لهم التياسر إلى يسار المصلّي منهم قليلاً».

بناءً على توجّههم إلى الحرم، وهو مختلف عن يمين الكعبة وشمالها بالنسبة إلى العراق، فالتياسر القليل يوجب التوسّط فيه. ولمّا كان المبنيّ عليه ضعيفاً فالمبنيّ أولى بالضعف، بل الأقوى عدم جواز الانحراف فضلاً عن استحبابه.

[المستقبِل]

قوله: «ويجب الاستقبال في الصلاة مع العلم بجهة القبلة».

يتحقّق العلم بالجهة بمراعاة العلامات المستقرّة كالنجوم، وأمّا العلامات المفيدة للظنّ فالمراد بها نحو الأهوية ومنازل القمر؛ لاختلافهما كثيراً وعدم انضباطها غالباً.

قوله: «إذا اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده، قيل: يعمل على اجتهاده».

قويٌّ مطلقاً، والمراد بالمجتهد هنا: العارف بأمارات القبلة المذكورة هنا وغيرها.

قوله: «ولو لم يكن له طريق إلى اجتهاده فأخبره كافر، قيل: لا يعمل بخبره».

قويٌّ مطلقاً، وكذا الفاسق والمجهول.

قوله: «ويعوّل على قبلة البلد إذا لم يعلم أنّها بنيت على الغلط».

المراد بها المنصوبة في المساجد، والمستفادة من قبور المسلمين ونحوها. وكما يجوز التعويل عليها يجوز الاجتهاد فيها ومخالفتها في التيامن والتياسر إذا أدّى اجتهاده إليه، لا في الجهة الكاملة، ولو علم صلاة معصوم إلى تلك القبلة ولو بالاستفاضة تعيّن وإن دلّ اجتهاده على خلافه.

قوله: «ومَن ليس متمكّناً من الاجتهاد كالأعمى يعوّل على غيره».

لا فرق في غير المتمكّن بين مَن يرجو زوال عذره سريعاً كوقت الغيم وعدمه

ص: 65

كالأعمى، ولا بين العالم بالأمارات والجاهل بها حيث يتعذّر عليه التعلّم أو يضيق الوقت، لا مطلقاً. وحيث يجوز التعويل على الغير تعتبر فيه العدالة، والمعرفة بأدلّتها عن يقين أو اجتهاد. ولو أمكن العدلان قدّما على الواحد، كما أنّه لو أمكن تحصيلها بمحراب ونحوه قدّم على التقليد.

قوله: «من فقد العلم والظنّ، فإن كان الوقت واسعاً صلّى... إلى أربع جهات».

ويعتبر كون الجهات على خطّين مستقيمين متقاطعين على زوايا قوائم؛ ليتحقّق بالصلاة إليها كون الصلاة إمّا إلى القبلة أو إلى ما لا يبلغ اليمين واليسار، وهو مخيّر مع العذر.

قوله: «ولو لم يتمكّن من ذلك أجزأته الصلاة وإن لم يكن مستقبلاً، وكذا المضطرّ إلى الصلاة ماشياً مع ضيق الوقت».

ويجب الاقتصار منه على ما تتأدّى به الحاجة، وكذا الراكب. فإن زاد عنه بطلَ، ولو تعارضا قدّم أكثرهما استيفاءً لما يعتبر فيهما.

قوله: «وهل يجوز له الفريضة على الراحلة اختياراً؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه».

الأقوى عدم الجواز، ولا فرق بين المطلقة والمعقولة، وفي حكمها السفينة المتحرّكة والأرجوحة ونحوها.

قوله: «وأمّا النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها».

الأقوى اشتراطه فيها لغير الماشي والراكب.

[في أحكام الخلل في الاستقبال]

قوله: «الأعمى يرجع إلى غيره؛ لقصوره عن الاجتهاد».

يعتبر في المرجوع إليه العدالة والمعرفة كما مرّ.

قوله: «فإن عوّل على رأيه مع وجود المبصر لأمارة وجدها [صحّ]، وإلّا فعليه الإعادة».

المراد بالأمارة: نحو محراب المسجد، وما نصبه له المبصر الذي يجوز التعويل

ص: 66

عليه. ومحراب المسجد مقدّم، ولا فرق في إعادته بدون ذلك بين مصادفته القبلة وعدمها.

قوله: «فإن كان منحرفاً يسيراً فالصلاة ماضية».

المراد باليسير: مالا يبلغ حدّ اليمين واليسار، والأقوى إعادة مازاد عليه في الوقت خاصّة مطلقاً.

قوله: «فأمّا إن تبيّن الخلل وهو في الصلاة فإنّه يستأنف على كلّ حال».

إن حصل بالاستئناف إدراك ركعة في الوقت، وإلّا استمرّ مستقيماً.

قوله: «إذا اجتهد لصلاة ثمّ دخل وقت أُخرى».

وكذا لو كان وقت الأُخرى داخلاً قبل الاجتهاد، وبالجملة فلا يتعدّد الاجتهاد بتعدّد الصلاة، إلّا أن يتجدّد له شكّ في السابق.

[المقدّمة الرابعة في لباس المصلّي]

قوله: «وما لا يؤكل لحمه... إذا ذُكّي كان طاهراً، ولا يستعمل في الصلاة. وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه». قويٌّ، سواء استعمله في مائع أم جامد.

قوله: «وما كان نجساً في حال حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ولا تصحّ الصلاة في شيء من ذلك إذا كان ممّا لا يؤكل لحمه».

استثني من ذلك ما يسقط على الثوب من شعر الإنسان للحرج.

قوله: «ولو أُخذ من مذكّى إلّا الخزّ الخالص».

مِن ممازجة ما لا تصحّ الصلاة فيه، لا مطلق الخلوص، ولا فرق في جواز الصلاة بوبره بين المذكّى وغيره.

قوله: «وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان، أصحّهما المنع». قويٌّ.

قوله: «تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنّه [دابّة] لا تأكل اللحم».

ص: 67

هذا لفظ الحديث (1) ، والمراد به ليس بسبع؛ لأنّ السباع تأكل اللحم. ويشترط في جواز الصلاة في جلده تذكيته، لأنّه ذونفس.

قوله: «وقيل: لا يجوز، والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «وفي الثعالب والأرانب روايتان، أصحّهما المنع». قويٌّ.

قوله: «لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال».

المراد بالمحض: الخالي عن الامتزاج بغيره ممّا تصحّ الصلاة فيه على وجه يسلبه الاسم، فلو امتزج بغيره بحيث لا يصدق عليه اسم الحرير لكثرة الخليط جازت فيه وإن كان الخليط عشراً والقزّ نوعاً منه، ويجوز إلباسه الصبيّ والصلاة فيه تمريناً كالمرأة، والخنثى كالرجل هنا.

قوله: «وفيما لا يتمّ الصلاة فيه منفرداً، كالتكّة والقلنسوةِ تردّد، والأظهر الكراهية». قويٌّ.

قوله: «ويجوز الركوب عليه وافتراشه على الأصحّ». قويٌّ، وفي حكمه التدثّر به والتوسّد عليه.

قوله: «وتجوز الصلاة في ثوب مكفوف به».

ومثله ما يجعل في رؤوس الأكمام والذيل ونحوه، وقدّر عرضه بأربعة أصابع مضمومة فما دون.

قوله: الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه». ومثله القيام فوقه والسجود عليه.

قوله: «ولو أذن مطلقاً جاز لغير الغاصب على الظاهر».

أي أذن بلفظ يشمل الغاصب، سواء كان بلفظ عامّ أم مطلق، فإنّ الغاصب لا يدخل فيه؛ لأنّ ظاهر حال المالك أن لا يقصده بالإذن، فيكون لفظ المطلق أو العامّ مقيداً أو مخصّصاً لغيره بالقرينة.

قوله: «لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشُمِشْك».

ص: 68


1- الكافي، ج 3، ص 397 - 398، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه و...ح3، وص 401، ح 16.

الأقوى الجواز على كراهة، والشُمِشْك بضمّ الشين الأُولى وكسر الميم ثمّ سكون الثانية، والمراد بالساق ما ستر شيء منه وإن قلّ.

قوله: «كلّ ماعدا ما ذكرناه تصحّ الصلاة فيه بشرط أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه».

المراد به ما يشمل ملك العين والمنفعة كالمستأجر، ولا فرق في الإذن بين الصريحة في الصلاة وبين الإذن في اللبس مطلقاً، ولا يكفي شاهد الحال هنا بخلاف المكان.

قوله: «لا يجوز للمرأة إلّا في ثوبين درع وخمار، ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين وظاهر القدمين، على تردّد في القدمين».

الأجود استثناؤهما، وحدّهما مفصل الساق، ويجب ستر شيء من الحدود مطلقاً من باب المقدّمة.

قوله: «يجوز أن يصلّي الرجل عرياناً إذا ستر قبله ودبره على كراهية». والمراد بالقبل القضيب والأنثيان، وبالدبر نفس المخرج دون الأليين.

قوله: «وإذا لم يجد ثوباً سترهما بما وجده ولو بورق الشجر». وفي معناه الحشيش، ومع تعذّرهما يستر بالطين ثمّ بالماء المكدّر.

قوله: «مع عدم مایستر به يصلّي عرياناً قائماً، إن كان يأمن أن يراه أحد. وإن لم يأمن صلّى جالساً وفي الحالين يومئ عن الركوع والسجود». بالرأس قائماً في الأوّل، وجالساً في الثاني، وينحني للركوع والسجود ما أمكن بحيث لا تبدو العورة. ويجب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين في السجود على المعهود مع الإمكان، ورفع شيء يسجد عليه بجبهته كالمريض.

قوله: «والأمة». المراد بها المحضة، فلو انعتق بعضها فكالحرّة.

قوله: «فإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وجب عليها ستر رأسها، فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت».

مع اتّساع الوقت بحيث تدرك منه ركعةٌ، وإلّا استمرّت، أمّا الصبيّة فتستأنف مطلقاً

ص: 69

إلّا أن يقصر الوقت عن ركعة.

قوله: «وتكره الصلاة في الثياب السود».

وأمّا غير السواد من الألوان فالصلاة فيه خلاف الأولى؛ لأنّ الفضل في البياض.

قوله: «عدا العمامة والخفّ».

والكساء: وهو ثوب من صوف منه العباءة، وهذه الثلاثة لا تكره سوداً؛ لأنّ في سوادها فضلاً.

قوله: «ويكره أن يأتزر فوق القميص وأن يشتمل الصمّاء».

المشهور في تعريفه: أنّه الالتحاف بالإزار وإدخال طرفيه تحت إحدى اليدين، وجمعهما على منكب واحد (1) .

قوله: «أو أن يصلّي في عمامة لا حنك لها».

يتحقّق الحنك بإدارة جزء من العمامة تحته، لا بغير العمامة وإن أفاد فائدته.

قوله: «وتكره الصلاة في قباء مشدود». وكذا يكره شدّ الوسط حالة الصلاة، ولعلّ شدّ القباء بمعناه؛ إذ لا نصّ عليه بخصوصه.

قوله: «وأن يؤمّ بغير رداء».

هو ثوب أو ما في معناه، يُجعل على المنكبين ثمّ يرفع ما على الأيسر على الأيمن، ويكره سدله، وهو مستحبّ للإمام وغيره، ولا يكره تركه لغيره.

قوله: «وفي ثوب يُتّهم صاحبه».

بالتساهل في النجاسة، أو الحرام في لباسه.

قوله: «ويكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة».

المراد بالتماثيل: ما يشمل صور الحيوان والأشجار، وبالصورة: ما كان مثالاً لحيوان. وقيل: هما بمعنى واحد وهو الصورة، والأجود كراهتها فيهما.

ص: 70


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 126؛ والنهاية، ص 97 - 98؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 87-88؛ والماتن المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 96.

[المقدّمة الخامسة في مكان المصلّي]

قوله: «أو بالفحوى، كإذنه في الكون فيه». الإذن في الكون في معنى الصريح؛ لدلالته على الصلاة فيه ضمناً؛ لأنّها من جملة

الأكوان. والأولى التمثيل للفحوى بإدخال الضيف منزله للضيافة، كما صنع غيره (1) .

قوله: «كما إذا كان هناك أمارة تشهد أنّ المالك لا يكره».

وذلك في الصحاري، والأماكن المأذون في غشيانها كالحمّام والخان وإن لم يعلم مالكها، أو كانت لمولّى عليه.

قوله: «المكان المغصوب لا تصحّ فيه الصلاة للغاصب... وإن ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحّت صلاته... ولو حصل في ملك غيره بإذنه ثمّ أمره بالخروج وجب فيه».

الأقوى أنّه مع الإذن له في الصلاة، ثمّ رجوعه بعد التلبّس، لا التفات إليه مطلقاً. وإن كان الرجوع قبل التلبّس، أو كان الدخول بغير الإذن الصريح، وجب الخروج على الفور مطلقاً. ثمّ إن كان الوقت واسعاً أخّر الصلاة إلى أن يخرج أو قطعها، وإن كان ضيّقاً تشاغل بالخروج مصلّياً، مومئاً للركوع والسجود، مستقبلاً ما أمكن، قاصداً أقرب الطرق.

قوله: «ولا يجوز أن يصلّى وإلى جانبه امرأة تصلّى أو أمامه... وقيل: ذلك مكروه، وهو الأشبه».

الكراهة أقوى، ولا فرق بين الرجل والمرأة، وإنّما يكره أو يحرم مع صحّة صلاتهما لولا المحاذاة.

قوله: «ويزول التحريم أو الكراهية إذا كان بينهما حائل». يعتبر كونه جسماً حائلاً في جميع الأحوال، فلا تكفي الظلمة والعمى وغضّ البصر.

قوله: «ولو كان وراءه بقدر ما يحصل موضع سجودها محاذياً لقدمه، سقط المنع».

ص: 71


1- هو الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 73 - 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

بل يعتبر تأخيرها عنه في جميع الأحوال، بحيث لا تحاذي جزءً منه. هذا كلّه مع الاختيار، أمّا مع الاضطرار - ولو لضيق الوقت - فيسقط التحريم أو الكراهة.

قوله: «ولا بأس أن يصلّي في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدّى إلى ثوبه ... وكان موضع الجبهة طاهراً».

هذا إذا كانت النجاسة غير معفوّ عنها ابتداءً، وإلّا اغتفرت استدامته بطريق أولى على الأقوى، والمعتبر من موضع الجبهة القدر الواجب في السجود منها خاصّة.

قوله: «وتكره الصلاة في الحمّام».

هو بيت الاغتسال دون مسلخه وسطحه.

قوله: «ومبارك الإبل».

سواء كانت معاطنها - وهي مباركها - حول الماء لتشرب، أم لا.

قوله: «وبين المقابر» (1) .

وإليها، لا قدّامها ومع أحد جانبيهما على الأقوى.

قوله: «وبيوت النيران».

وهي ما أُعدّت لإضرامها فيها وإن لم يكن موضع عبادتها - كالأتّون (2) - وما في معناه وإن كانت النار غير موجودة فيها حالة الصلاة، ولا كراهة في سطحها.

قوله: «وبيوت الخمور».

وغيرها من المسكرات وما في معناها كالفقّاع.

قوله: «وجوادّ الطرق».

سواء كانت مشغولة بالمارّة أم لا، إلّا أن يضرّ المارّة أو يعطّلهم بصلاته فتبطل.

قوله: «ويكره أن يكون بين يديه نار مضرمة».

بل مطلق النار وإن لم تكن مضرمة.

ص: 72


1- هذا القول وشرحه لم يردا في «م».
2- الأتّون: الموقد، والعامّة تخفّفه. الصحاح، ج 4، ص 2067، «أتن».

قوله: «وفي بيت فيه مجوسي». وإن لم يكن بيته.

قوله: «ويكره بين يديه مصحف مفتوح».

وكذا ما أشبهه ممّا يشغل المصلّي عن الإقبال في العبادة. ولا فرق بين القارئ وغيره، نعم يعتبر كونه مبصراً.

قوله: «وقيل: تكره إلى إنسان مواجه».

هذا هو المشهور، ومستنده غير معلوم.

[المقدّمة السادسة فيما يُسْجَد عليه]

قوله: «لا يجوز السجود على... ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدناً، كالملح والعقيق والذهب والفضّة».

بعد تصفيتها، أمّا قبله فإن صدق على ترابه اسم الأرض جاز السجود، وإلّا فلا، وكذا غيرهما من المعادن المتوقّفة على التصفية.

قوله: «ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولاً بالعادة».

لا يعتبر عموم الاعتياد، فلو اعتيدَ في بلدٍ [عمَّ] (1) ولا كونه مأكولاً أو ملبوساً بالفعل، بل تكفي القوّة القريبة منه، فلا يقدح توقّفه على طبخ أو غزل ونحوه.

قوله: «وفي القطن والكتّان روايتان، أشهرهما المنع».

هذا هو الأقوى، ولا فرق فيهما بين المغزول وغيره من الحالات.

قوله: «ولا يجوز السجود على الوحل».

وهو ما خرج من الأرض بممازجة الماء عن اسمها، فلو لم يخرج جاز وإن كانت الأرض رطبة.

قوله: «ويجوز السجود على القرطاس».

ص: 73


1- في النسختين الخطّيتين المعتمدتين في التحقيق «ض ، م»: بلدهم. وهو غير صحيح قطعاً؛ إذ لا جواب له في هذه العبارة. وما أثبتناه أنسب في المقام.

الظاهر عدم الفرق بين المتّخذ منه ممّا يصحّ السجود عليه وغيره؛ لخروجه بممازجة النورة له وانبثاثها فيه عن مسمّاه وإن كان ترك السجود على المتّخذ من الملبوس أولى.

قوله: «ويكره إذا كان فيه كتابة».

ظاهرة للمصلّي، وإلّا لم يكره مع وقوع ما يعتبر من الجبهة على غير المكتوب، وإلّا لم يجز، ومثله ما صبغ من الأجسام حيث لا يكون الصبغ مجرّد لون.

قوله: «فإن منعه الحرّ عن السجود على الأرض سجد على ثوبه، وإن لم يتمكّن فعلى كفّه».

وليكن السجود على ظهره؛ ليحصل الجمع بين المسجدين.

قوله: «أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه».

على حدّ ما يعتبر في المكان من الصريح والفحوى وشاهد الحال.

قوله: «إذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت و شبهه وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شيء منه».

المرجع في المحصور وغيره إلى العرف وإن أمكن حصر ما عدّ عرفاً غير محصور دفعاً للحرج.

[المقدّمة السابعة في الأذان والإقامة]

[في ما يُؤذّن له ويُقام]

قوله: «هما مستحبّان في الصلوات الخمس المفروضة، أداء وقضاء، للمنفرد والجامع، للرجل والمرأة، لكن يشترط أن تسرّ به المرأة».

إن سمعها مَن يحرم إسماعه صوتها، وإلّا تخيّرت فى السرّ والجهر وإن كان السرّ أفضل، وحيث وقع مشروعاً اعتدَّ به الرجال القائلون به، والخنثى كالمرأة هنا.

قوله: «وقيل: هما شرطان في الجماعة».

ص: 74

أي في تحقّق فضيلتها لا في انعقاد الصلاة.

قوله: «والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «ولا يؤذّن لشيء من النوافل، ولا لشيء من الفرائض عدا الخمس، بل يقول المؤذِّن: الصلاة، ثلاثاً». بنصب الأوّلين ورفعهما والتفريق.

قوله: «ويصلّي يوم الجمعة [الظهر] بأذان وإقامة، والعصر بإقامة».

وكذا لو صلّى الجمعة سقط أذان العصر، والضابط أنّه متى استحبّ الجمع فالأذان لغير صاحبة الوقت بدعة. ولو كان الجمع في وقت الثانية قدّم الأذان على الأُولى بنيّة الثانية، ثمّ أقام لكلّ واحدة، وكذا سقط الأذان للثانية حيث تبلغ الجمع.

قوله: «ولو صلّى الإمام جماعة وجاء آخرون، لم يؤذّنوا ولم يقيموا ما دامت الأُولى لم تتفرّق».

لا فرق في الآخرين بين أن يصلّوا جماعة وفرادى، ولا بين كون الصلاة في مسجد وغيره مع اتّحاد المكان عرفاً. نعم يشترط كون الأُولى جماعة، واتّحاد الصلاة إن تغاير الوقت، وعدم العلم بكون الأُولى لم تؤذّن ولم تقم. ويتحقّق عدم التفرّق ببقاء واحد معقّب.

قوله: «إذا أذّن المنفرد ثمّ أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة».

هذا هو المشهور، ومستنده خبر ضعيف (1) . ومن ثمّ ردّه المصنّف في المعتبر واجتزأ بالأذان الأوّل، كما يجتزئ مريد الجماعة بأذان غيره مطلقاً فبأذانه أولى (2) .

وأُجيب بأنّ الغير المجتزئ بأذانه أذّن للجماعة أو لم يؤذّن ليصلّي وحده، بخلاف صورة الفرض (3) ، ولاريب أنّ المشهور أولى وإن كان مختار المعتبر قوّياً أيضاً.

ص: 75


1- الكافي، ج 3، ص 304، باب بدء الأذان والإقامة و ...، ح 13؛ الفقيه، ج 1، ص 394، ح 1170؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 277 ، ح 1101.
2- المعتبر، ج 2، ص 137.
3- المُجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 173-174.

قوله: «ولو صلّى مُنفرداً ولم يؤذّن ساهياً رجع إلى الأذان، مستقبلاً صلاته مالم يركع».

وكذا لو صلّى جماعة بطريق أولى، وكذا يرجع ناسيهما معاً دون ناسي الإقامة وحدها.

قوله «وفيه رواية أُخرى».

هي رواية زرارة عن الصادق علیه السلام المتضمّنة عدم إعادة الناسي (1) ، وفي معناها غيرها (2) ، والأشهر العود.

قوله: «ويعطى الأُجرة من بيت المال إذا لم يوجد مَن يتطوّع به».

المشهور بين الأصحاب تحريم أخذ الأُجرة عليه مطلقاً، نعم يجوز الارتزاق من بيت المال. والفرق بينه وبين الأُجرة: أنّ تقديره مفوّض إلى رأي الإمام (3) دونها، فإنّه يعتبر ضبطها قدراً ووصفاً كغيرها من مال الإجارة: نعم ذهب المرتضى إلى كراهة الأُجرة (4)، فما ذكره هنا إمّا كمذهب المرتضى، أو أراد بها الرزق مجازاً.

[في كيفيّة الأذان]

قوله: «لا يؤذّن إلّا بعد دخول الوقت، وقد رخّص تقديمه على الصبح، لكن يستحبّ إعادته بعد طلوعه».

والأفضل المغايرة بين مؤذّن الصبح وقبله؛ ليتميّز للناس حالهما، وتحصل الفائدة المطلوبة من تعدّده. ولا حدّ للتقديم، بل ما قارب الفجر، ولكن ينبغي أن يجعل له ضابط ليرجع إليه السامع، ولا فرق بين شهر رمضان وغيره.

قوله: «والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلاً...».

ص: 76


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 279، ح 1106؛ الاستبصار، ج 1، ص 302-303، ح 1121.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 285، ح 1139 و 1140؛ الاستبصار، ج 1، ص 304، ح 1130، وص 305، ح 1131.
3- في «م»: الحاكم.
4- حكاه عنه الماتن المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 134؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 81، المسألة 184.

هذا هو المذهب، وما سواه شاذّ.

قوله: «والترتيب شرط في صحّة الأذان والإقامة».

في فصولهما وبينهما، وفائدة الاشتراط - مع كونهما مستحبّين - عدم الاعتداد بهما بدونه، ويأثم معتقدهما أذاناً وإقامة؛ لأنّه تشريع محرّم.

قوله: «ويستحبّ فيهما سبعة أشياء: ... وأن يقف على أواخر الفصول».

المراد بالوقوف: ترك الإعراب وما في معناه، ولو أعربَ فعلَ مكروهاً.

قوله: «ويحدر في الإقامة».

الحدر: الإسراع في اللفظ مع تحقيق الوقف مراعياً لترك الإعراب.

قوله: «وأن لا يتكلّم في خلالهما».

ومع الكلام يعيد الإقامة دون الأذان، إلّا أن يخرج بالكلام في خلاله عن موالاته.

قوله: «وكلّ ذلك يتأكّد في الإقامة».

عدا رفع الصوت بها، فإنّ السنّة التقصير بها عنه وإن اشتركا في أصل الرفع.

قوله: «ويكره الترجيع في الأذان إلّا أن يُريد الإشعار».

هو تكرار الشهادتين، وإنّما يكره مع عدم اعتقاد شرعيّته، وإلّا كان حراماً .

قوله: «وكذا يكره قول: الصلاة خير من النوم».

بل الأقوى التحريم، إلّا للتقيّة.

[في أحكام الأذان]

قوله: «من نام في خلال الأذان أو الإقامة ... استحبّ له استئنافه».

إن لم يخلّ بالموالاة، وإلّا بطل. وكذا لو سكت أو تكلّم خلاله بكلام أجنبى.

قوله: «ولو ارتدّ في أثناء الأذان ثمّ رجع استأنف على قول».

مع إخلاله بالموالاة، وإلّا فلا.

قوله: «يستحبّ لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه».

بمعنى عدم استحباب الجهر بالحكاية، لكن لو جهر لم يخلّ بالسنّة. والمراد

ص: 77

بالحكاية: أن يقول السامع كما يقول المؤذّن معه أو بعده، ورُوي إبدال الحيّعلات بالحوقلة (1)، ويتعيّن لو كان في الصلاة إن أراد الحكاية.

قوله: «إذا تشاحّ الناس في الأذان قُدّم الأعلم».

إنّما يقدّم بعضهم على بعض حيث يقع التعارض، كطلب الارتزاق من بيت المال، فلو تبرّعوا أجمع أذّنوا جميعاً مجتمعين ومتفرّقين (2) في سعة الوقت. والمراد بالأعلم هنا: الأعرف بأحكام الأذان وأوقاته، وإنّما يقدّم مع تساويه لغيره عدالة أو فسقاً، فلو كان غيره هو العدل قدّم مطلقاً. قوله: «إذا كانوا جماعة جاز أن يؤذّنوا جميعاً، والأفضل إذا كان الوقت متّسعاً أن يؤذّن واحداً بعد واحد».

المراد باتّساع الوقت هنا: عدم اجتماع ما يُطلب من الجماعة في ذلك المسجد من الإمام والمأموم، وبقاء وقت فضيلة (3) الصلاة. ويضيّقه اجتماعهم، أو ضيق وقته لا وقت الصلاة مطلقاً.

قوله: «إذا سمع الإمام أذان مؤذّن جاز أن يجتزئ به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذّن منفرداً».

المراد بالمنفرد هنا: المنفرد بصلاته لا بأذانه؛ ليجامع ما سبق من إعادة المؤذّن منفرداً إذا أراد الجماعة، فإنّ اعتداد الإمام بأذان غيره إذا كان منفرداً يقتضي اعتداده بأذانه بطريق أولى. فلذا حمله على المنفرد بصلاته مع كونه غير منفرد بأذانه، بل قاصداً به الجماعة أو البلد. ولو أراد الإمام إعادة الأذان حيث يجتزئ به جاز علی الأقوى؛ لأنّه من جملة أفراد تعدّد المؤذّنين مع سعة الوقت. واستثني من ذلك تكرار أذان المؤذّن للجماعة، فلا يستحبّ تكراره من الإمام معه للتأسّي.

ص: 78


1- دعائم الإسلام، ج 1، ص 145، ذكر الأذان والإقامة؛ مستدرك الوسائل، ج 4، ص 58، ح 5.
2- في «م»: ومنفردين.
3- فضيلة: لم ترد في «م».

قوله: «من صلّى خلف إمام لا يقتدى به أذّن لنفسه وأقام».

بمعنى عدم اعتداده بأذان الإمام لجماعته، إمّا لإخلاله ببعض الفصول، أو لأنّه لم يؤذّن لغيره كما سبق. أمّا لو سمع أذان مؤذّن صحيح للبلد اجتزأ به، كما يجتزئ به الإمام بطريق أولى.

قوله: «فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين و... قد قامت الصلاة».

أي خشي بالاشتغال بتمام الأذان والإقامة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة وغيرها، اقتصر على ما ذكر. والمراد أنّه حينئذٍ يقول: قد قامت الصلاة، مرّتين إلى آخر الإقامة مرتّباً، والرواية مصرّحة به (1)، ولكن عبارة المصنّف وغيره وقعت قاصرة عن تعيين المراد. ويستفاد من ذلك عدم الاعتداد بأذان المخالف، فلا يكفي إسلام المؤذّن مطلقاً كما سبق.

ص: 79


1- الكافي، ج 3، ص 306، باب بدء الأذان والإقامة و... ، ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 281، ح 1116.

[الركن الثاني في أفعال الصلاة]

[النيّة]

قوله: «وهي ركن في الصلاة».

الأظهر ما اختاره المصنّف في النافع أنّ النيّة متردّدة بين الشرط والركن (1)، وهي بالشرط أشبه منها بالركن؛ لوجود خواصّ الشرط فيها، وعدم منافاة ما فيها من خواصّ الركن له، بخلاف العكس. وكيف كان فتبطل الصلاة بتركها عمداً وسهواً، والخلاف قليل الجدوى.

قوله: «وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن، والقصد بها إلى اُمور أربعة:

الوجوب أو الندب، والقربة والتعيين».

التحقيق أنّ النيّة هي القصد إلى فعل الصلاة، لكن لمّا كان القصد متعلّقاً بمقصود، فلابدّ من العلم بالمقصود أوّلاً؛ ليتعلّق به القصد، فيحضر المصلّي في نفسه الصلاة التي يُريد فعلها، ويميّزها بما يزيل الاشتراك بينها وبين غيرها من أفراد الصلاة الذي يمكن وقوعه ذلك الوقت، وذلك كلّه خارج عن حقيقة النيّة، ثمّ يقصد فعل الحاضر المذكور لله تعالى. فهذا القصد هو النيّة، والقربة غاية الفعل المقصود، والمتقدّم هو

المقصود لا النيّة، ولا يخفى بُعد ما ذكره المصنّف عن تحرير ذلك ومنافرته لما يراد منه.

قوله: «ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر».

الأقوى البطلان، سواء نوى الخروج في الحال أم بعده في أثناء الصلاة، وكذا لو نوى فعل المنافي مطلقاً.

ص: 80


1- المختصر النافع، ص 79.

قوله: «وكذا لو نوى بشيء من أفعال الصلاة الرياءَ، أو غير الصلاة».

بأن كبّر تكبيرة الافتتاح ونوى بها تنبيه غيره على شيء، أو هوى للركوع أو السجود بنيّة أخذ شيء، ونحو ذلك. وأولى منه لو نوى بشيء من أفعالها ما ينافي القربة كالرياء، فإنّ ذلك كلّه غير الصلاة. ومنه ما لو نوى بفعل واجب الندب أو بالعكس، سواء كان ذكراً أم غيره. ولا يشترط في البطلان به بلوغ حدّ الكثرة مطلقاً على الأقوى، بل يبطل بمسمّاه للنهي.

قوله: «يجوز نقل النيّة في موارد».

أي في مواضع خاصّة لا مطلقاً؛ للنهي عن قطع العبادة، والفعل بمعناه. والموارد كثيرة:

منها: النقل من فرض إلى فرض، كما لو اشتغل باللاحقة أداء أو قضاءً ناسياً أو معتقداً فعله السابقة، فذكر في أثنائها السابقة ولم يتجاوز محلّ العدول، فإنه ينقل النيّة إليها كما تقدّم.

ومنها: النقل من النفل إلى النفل كذلك.

ومنها: النقل من الفرض إلى النفل، كخائف فوت الركعة من الإمام وهو في فريضة، فيعدل بها إلى النافلة كما سيأتي، ونقل الظهر إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي سورتها كما ذُكر، ولا يجوز العكس إلّا عند من يجوّز إكمال صلاة الصبيّ لو بلغ في أثنائها بغير المبطل فيجدّد نيّة الفرض حينئذٍ، وهو في معنى النقل لكنّه ضعيف.

[تكبيرة الإحرام]

قوله: «والأخرس ينطق بها على قدر الإمكان فإن عجز عن النطق أصلاً عقد قلبه بمعناها».

المراد بمعناها هنا: كونها تكبيراً لله تعالى يفتتح به الصلاة، لا المعنى الموضوع لها وضعاً، ويجب مع الإشارة بالإصبع تحريك اللسان. وفي حكم الأخرس مَن يتعذّر

ص: 81

عليه النطق لعارض، ولو عجز عن البعض أتى بالممكن وعوّض عن الفائت.

قوله: «ولو كبّر ونوى الافتتاح، ثم كبّر ونوى الافتتاح بطلت صلاته».

إنّما تبطل الصلاة بالتكبير الثاني مع عدم نيّة الخروج منها قبله، وإلّا انعقدت به وإنّما تنعقد بالثالث مع مقارنته للنيّة المعتبرة. واحترز بنيّة الافتتاح به عمّا لو كبّر مطلقاً، فإنّه يقع ذكراً لله تعالى ولا تبطل الصلاة، وإنّما تبطل إذا جعله بصورة الواجب. والضابط أنّه مع عدم نيّة الخروج ومصاحبة النيّة فعلاً، ونيّة الوجوب به تبطل الصلاة في كلّ شفع وتنعقد بالوتر أبداً.

قوله: «والمسنون فيها أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مدّ».

في حرف المدّ الذي فيها وهو الألف زيادة على القدر الطبيعي فيه، أمّا مدّ غيره كالهمزة فإنّه يبطلها لتغيّر المعنى به وإن لم يقصده.

قوله: «وبلفظ أكبر على وزن أفعل».

الأقوى أنّ ذلك واجب وإن لم يقصد خلافه، إلّا أن يريد بخلافه ما لا يبلغ حدّاً يغيّر معناه، بأن لا يبلغ مدّ الباء إلى صيغة الجمع ونحوه.

[القيام]

قوله: «وهو ركن مع القدرة».

ليس مطلق القيام ركناً؛ لعدم بطلان الصلاة بزيادته ونقصانه على كثير من الوجوه، بل الأمر الكلّي منه، وإنّما يتحقّق مع إضافة الركوع إليه، ومعه يكفي في البطلان زيادة ونقصاناً الركوع؛ لأنّه ركن، ولكن لمّا أجمعوا على كون القيام ركناً في الجملة مع عدم بطلان الصلاة بزيادته ونقصانه على بعض الوجوه، حملوه على هذا المعنى، وغايته أن يستلزم اجتماع معرّفات كثيرة للبطلان، وهو غير ضائر.

قوله: «إذا أمكنه القيام مستقلّاً وجب». المراد بالاستقلال هنا: أن يكون غير مستند إلى شيء، بحيث لو أُزيل الإسناد سقط.

ص: 82

قوله: «وروي: جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة».

الرواية (1) محمولة على اعتمادٍ لا يبلغ حدّ الاستناد مجازاً، جمعاً بينها وبين غيرها. قوله: «ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته وإلّا صلّى قاعداً. وقيل: حدّ ذلك أن لا يتمكّن من المشي بقدر زمان صلاته».

الأقوى وجوب القيام متى أمكن ولو ماشياً ولو بمعاون زمن القراءة أو بعضها، ومع تعذّر ذلك رأساً يسقط، ويجب اعتماد ما بينه وبين الجلوس من الحالات المتوسّطة مقدّماً للأعلى فالأعلى بحسب الإمكان.

قوله: «وإن عجز عن القعود صلّى مضطَجِعاً».

مقدّماً للجانب الأيمن، مستقبلاً بوجهه القبلة، فإن تعذّر الأيمن فالأيسر كذلك.

قوله: «فإن عجز صلّى مستلقياً، والأخيران يومئان لركوعهما وسجودهما».

بالرأس، فإن تعذّر فبالعينين. ويجب رفع ما يسجد عليه، وتمكين باقي المساجد مع الإمكان.

قوله: «والمسنون في هذا الفصل شيئان: أن يتربّع المصلّي قاعداً في حال قراءته ويثني رجليه في حال ركوعه».

المراد بالتربيع هنا: أن ينصب فخذيه وساقيه ويعتمد على أليته، وبثني الرجلين: أن يفترشهما ويجلس على صدورهما، وبالتورّك: أن يجلس على وركه الأيسر ويخرج قدميه من تحته.

قوله: «وقيل: ويتورّك في حال تشهّده». قويٌّ.

[القراءة]

قوله: «ولا تصحّ الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمداً حتّى التشديد».

ص: 83


1- مسائل عليّ بن جعفر، ص 235، ح 547؛ قرب الإسناد، ص 204 - 205، ح 792؛ الفقيه، ج 1، ص 364، ح 1046.

وفي حكمه المدّ المتّصل والطبيعي والإدغام وما في معناه، أمّا المنفصل وباقي الصفات من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق والغنّة فمستحبّ.

قوله: «وكذا إعرابها». المراد به هنا ما يشمل البناء، ولا فرق فيهما بين المغيّر للمعنى وغيره.

قوله: «فلو خالف عمداً أعاد، وإن كان ناسياً استأنف القراءة ما لم يركع».

إن لم يحصل منها ما يمكن البناء عليه أو مع الإخلال بالموالاة، وإلّا جاز البناء على ما سبق.

قوله: «من لا يحسنها يجب عليه التعلّم. فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسّر منها».

مع تسميته قرآناً، وإلّا لم يعتدّ به. ويجب في العوض من غيرها مساواته للمعوّض حروفاً، ومراعاة الترتيب بينه وبين ما يعلمه منها.

قوله: «وإن تعذّر قرأ ما تيسّر من غيرها، أو سبّح الله تعالى وهلّله وكبّره بقدر القراءة».

بالتسبيحات الأربع الواجبة في الأخيرتين، ويجب تكرّره بقدر الفاتحة حروفاً، ولو أمكن الائتمام بالقارئ قدّم على التسبيح، وكذا يقدّم قراءة الفاتحة من المكتوب، ولا يجزئ اختياراً على الأقوى.

قوله: «والأخرس يحرّك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه».

بأن ينوي بقلبه ويحرّك لسانه كونهما بدلاً منها، ويجب الإشارة بإصبعه أيضاً، وكذا باقى الأذكار الواجبة.

قوله: «وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأُوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعلّم للمختار. وقيل: لا يجب والأوّل أحوط». الأوّل أقوى.

قوله: «ولو قدّم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد». إن لم يتعمّد، وإلّا بطلت، والجاهل عامد.

قوله: «ولا يجوز أن يقرأ فى الفرائض شيئاً من سُوَر العزائم، ولا ما يفوت الوقت بقراءته».

ص: 84

فتبطل مع العلم بمجرّد الشروع، ولو ظنّ السعة فتبيّن الضيق بعد الشروع عدل مطلقاً.

قوله: «ولا أن يقرن بين سورتين وقيل: يكره وهو الأشبه».

قويٌّ، ويتحقّق بقراءة أزيد من سورة بنيّة الوجوب أو الإطلاق، أمّا لو قرأ الزائد بنيّة الندب كان كغيرها من القراءة والذكر فى أثناء الصلاة.

قوله: «وأقلّ الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع».

لا بدّ معه من اشتمال الصوت على جهريّة عرفيّة على وجه لا يجتمع مع الإخفات في مادّة؛ لأنّ التفصيل يقطع الاشتراك، وبالجملة فهما حقيقتان متضادّتان والحوالة فيهما على العرف.

قوله: «وليس على النساء جهر».

أي واجب، لكن لو جهرن صحّ إذا لم يسمعهنّ مَن يحرم إسماعه صوتهنّ، والخنثى هنا كالمرأة.

قوله: «والمسنون في هذا القسم الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات».

جعلَ الجهر من السنن مع أنّه كيفيّة للقراءة الواجبة لا يمكن تأديتها إلّا به أو بالسرّ، وذلك يقتضي وجوبهما تخييراً؛ نظراً إلى أنّه أفضل الفردين الواجبين على التخيير، فاستحبابه عيناً لا ينافي وجوبه تخييراً؛ لتغاير الموضوع، ولا فرق في استحباب الجهر بهاتين الأُولتين والأخيرتين على الأقوى.

قوله: «وترتيل القراءة».

فسّره المصنّف في المعتبر بأنّه تبيين الحروف من غير مبالغة (1)، والمراد به التبيين زيادة على الواجب الذي يتحقق به النطق بها ليتمّ الاستحباب.

قوله: «ومنهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين (2)، وليس بمعتمد».

ص: 85


1- المعتبر، ج 2، ص 181.
2- حكاه الماتن المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 183 عن الشيخ الصدوق في كتابه الكبير.

الأقوى الاستحباب.

قوله: «وأن يقرأ: «قل يا أيّها الكافرون» في المواضع السبعة».

هي الأُولى من نافلة الزوال والمغرب، ونافلة الليل، وركعتي الفجر والصبح إذا ظهرت الحمرة، وسنّة الإحرام، وركعتي الطواف.

قوله: «ويقرأ في أُوليي صلاة الليل: «قل هو الله أحد» ثلاثين مرّةً».

قد تقدّم أنّها أحد المواضع السبعة التي يقرأ فيها بالجحد، وطريق الجمع بينه وبين ما هنا باستحباب كلّ منهما على الانفراد، أو الجمع لجواز القِران في النافلة.

قوله: «لا يجوز قول «آمین» آخر الحمد».

وكذا في غيره من أحوال الصلاة ولو حالة الدعاء، ويجوز قول: «اللهمّ استجب»، وإن كان بمعناه، كلّ ذلك لغير تقيّة، ولها يجوز بل قد يجب.

قوله: «وقيل: هو مكروه». الأظهر التحريم.

قوله: «الموالاة في القراءة شرط في صحّتها، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة».

إن لم يتعمّد، وإلّا بطلت الصلاة، وتتحقّق الغيريّة بقراءة ما لا محلّ لقراءته في تلك الحالة.

قوله: «وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت».

إن لم يخرج به عن كونه قارئاً، وإلّا أعاد القراءة. أو عن كونه مصلّياً، وإلّا أعاد الصلاة، ولا فرق هنا بين العمد والنسيان.

قوله: «أمّا لو سكت في خلال القراءة لا بنيّة القطع، أو نوى القطع ولم يقطع، مضى في صلاته».

أي نوى قطع القراءة لا قطع الصلاة، وإلّا بطلت مطلقاً. وإنّما يمضي في صلاته مع السكوت خلالها لا بنيّة القطع إذا لم يخرج عن كونه قارئاً ولا مصلّياً، وإلّا أعاد القراءة في الأوّل والصلاة في الثاني.

ص: 86

قوله: «وروى أصحابنا أنّ «الضحى» و«ألم نشرح» سورة واحدة، وكذا «الفيل» و«الإيلاف»، فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كلّ ركعة. ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر».

الأقوى وجوبها، ورعاية الترتيب بينهما على الوجه المتواتر.

قوله: «إذا خافت في موضع الجهر أو عكس، جاهلاً أو ناسياً لم يُعد». سواء علم بالحال قبل الركوع أم بعده على الأقوى.

قوله: «يجزئه عوضاً عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: ... وقيل: يجزئه عشر، وفي رواية تسع، وفي رواية أربع».

الأحوط الأوّل، والأقوى الاجتزاء بالجميع خصوصاً لو أكمل واحدة من الأربع في إحدى الثلاث على تقدير اختيار التسع أو العشر بنيّة الوجوب مع الزيادة على الأربع بشيء منها لا بالمجموع.

قوله: «المعوِّذتان من القرآن».

هما - بكسر الواو - اسم فاعل؛ لأنّهما نزلتا ليعوّذ بهما الحسنان علیهما السلام، ولا خلاف في كونهما من القرآن.

[الركوع]

قوله: «الواجب فيه خمسة أشياء: الأوّل أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه... وإذا لم يتمكّن من الانحناء لعارض أتى بما يمكن منه».

اللام في «الانحناء» للعهد، وهو المذكور سابقاً للبالغ حدّاً يصل به كفّاه ركبتيه، وحينئذٍ فلا ينافي قوله: «أتى بما يمكن منه» وإنّما يرد لو اُريد بالانحناء مطلقه.

قوله: «فإن عجز أصلاً». أي عجز عن مطلق الانحناء استقلالاً واعتماداً ولو بأُجرة، فإنّه يومئ له برأسه مع الإمكان، وإلّا فبعينيه كغيره.

ص: 87

قوله: «ولو كان كالراكع خلقة، أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه یسیر انحناء».

إن لم تؤدّ الزيادة إلى الخروج عن حدّ الراكع، وإلّا سقط.

قوله: «ولو كان مريضاً لا يتمكّن سقطت عنه».

ويجب عليه الانحناء إلى حدّه ليأتي بالذكر حالته ولو بالزيادة عن أقلّه؛ ليوقع الذكر هاوياً ورافعاً في حدّه.

قوله: «التسبيح فيه، وقيل: يجزئ الذكر».

وهو المتضمّن للثناء على الله تعالى من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو تحميد ونحوه، وهذا هو الأقوى.

قوله: «والمسنون في هذا القسم... وأن يدعو أمام التسبيح وأن يسبّح ثلاثاً أو خمساً، أو سبعاً فما زاد».

إن لم يكن إماماً، وإلّا اقتصر على الثلاث، نعم لو انحصر المأمومون وأحبّوا الإطالة استحبّ له الزيادة كغيره.

قوله: «وأن يقول بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده».

سمع هنا بمعنى استجاب، ومن ثمّ عدّى باللام، وهو دعاء باستجابة الله تعالى لمن يحمده، لاثناء على الله تعالى بذلك.

قوله: «ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه».

بل تكونان بارزتين أو في كمّه على المشهور.

[السجود]

قوله: «هو واجب في كلّ ركعة سجدتان، وهما ركن في الصلاة».

جعل الركن مجموع السجدتين يقتضي فواته بالإخلال بأحدهما وعدم تحقّقه بدونهما، مع أنّ السهو عن السجدة الواحدة غير مبطل والسهو عن الركن مبطل، إلّا ما استثني. وطريق الجمع إمّا التزام فواته بفوات الواحدة وجعل هذا من جملة المستثنى،

ص: 88

وإمّا جعل الركن مسمّى السجود، ولا يتحقّق الإخلال به إلّا بترك السجدتين معاً ليتمّ في جانب النقصان، ويفسد من جانب الزيادة لا بجعله مستثنى كما ذكرناه.

قوله: «واجبات السجود ستّة: الأوّل: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة والكفّان والركبتان وإبهاما الرجلين».

والواجب في كلّ منها مسمّاه حتّى الجبهة على الأقوى، ولا يكفي وضعها مطلقاً، بل يعتبر معه الاعتماد عليها وإن اختلف.

قوله: «الثاني: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، فلو سجد على كَوْر العمامة لم يُجزِ».

هو بفتح الكاف: دورها، والمنع من السجود عليه مبنيّ على الغالب من كونها من جنس ما لا يصحّ السجود عليه، فلو كانت منه صحّ عندنا.

قوله: «أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه، إلّا أن يكون علوّاً يسيراً بمقدار لبنةٍ لا أزيد».

هي بفتح اللام وكسر الباء، أو بكسر اللام وسكون الباء. ويعتبر فيها المعتاد شرعاً، وقدّرت بأربع أصابع مضمومة تقريباً، وفي حكم العلوّ الانخفاض. ويعتبر ذلك في جميع المساجد، ولا فرق هنا بين الأرض المنحدرة والمختلفة بسبب البناء.

قوله: «الرابع: الذكر فيه، وقيل: يختصّ بالتسبيح».

الأقوى الاجتزاء بمطلق الذكر كالركوع، ويظهر من العبارة اختلاف مذهب المصنّف فيها.

قوله: «الخامس: الطمأنينة إلّا مع الضرورة المانعة».

فيه مع الإمكان، أمّا مع الضرورة فتسقط كما مرّ، ويبقى وجوب الذكر بحسبه.

قوله: «السادس: رفع الرأس من السجدة الأُولى حتّى يعتدل مطمئنّاً، وفي وجوب التكبير للأخذ فيه والرفع منه تردّد، والأظهر الاستحباب». قويٌّ.

قوله: «ويستحبّ فيه أن... وأن يرغم بأنفه ويدعو».

ص: 89

الإرغام مأخوذ من الرغام - بالفتح - وهو التراب، والمراد به هنا السجود علی الأنف مضافاً إلى بقيّة الأعضاء، واضعاً له على ما يصحّ السجود عليه، وأفضله التراب فيهما.

قوله: «ويزيد على التسبيحة الواحدة ما تيسّر».

إلى الثلاث مطلقاً، وزائداً ما لا يبلغ السأم من زوج أو وتر، إلّا أن يكون إماماً فما أحبّه المأموم.

قوله: «ويكره الإقعاء بين السجدتين».

هو أن يعتمد بصدور قدميه، ويجعل أليته على عقبيه كما يقعد الكلب.

قوله: «من به ما يمنع [من] الجبهة على الأرض، كالدمّل إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض».

المعتبر وقوع السليم على ما يصحّ السجود عليه بحفرة ونحوها، ويعتبر منه صدق اسمه كحالة الاختيار فما دونه، ولو تعذّر الجميع ينتقل معه إلى أحد الجبينين مخيّراً فيهما وإن كان تقديم الأيمن أحوط. وحيث ينتقل إلى الذقن يجب كشف شعره لتقع البشرة على ما يصحّ السجود عليه مع الإمكان، ومع التعذّر يسقط كما يسقط السجود أصلاً لو تعذّر الذقن وينتقل إلى الإيماء.

قوله: «والسجود واجب في العزائم الأربع، للقارئ والمستمع ويستحبّ للسامع علی الأظهر».

الأقوى وجوبه، والمراد به: مَن يتّفق له السماع من غير إنصات، وبالمستمع: المنصت له. ويجب على الفور، ويجوز التراخي به إلى آخر الآية المشتملة عليه، ويتكرّر بتكرّر السبب ولو للتعليم. نعم لو اجتمعت هذه الأسباب، بأن قرأ واستمع إلى غيره في سجدة واحدة، فالظاهر عدم التعدّد اتّحاد الموجب، ومع تغايره إشكال، والتعدّد حينئذٍ أجود.

قوله: «وليس في شيء من السجدات تكبير، ولا تشهّد، ولا تسليم، ولا يشترط فيها

كتاب الصلاة

ص: 90

الطهارة، ولا استقبال القبلة على الأظهر».

قويٌّ، وكذا غيره من شروط الصلاة، والأقوى أنّه لا يجب فيه سوى وضع الجبهة وإن كان ضميمة باقي واجبات السجود أحوط.

والنيّة مقارنة للوضع أو حالة استدامته، ويجب اشتمالها على قصد الفعل واجباً أو ندباً، وتعيين ما يسجد له من سماع وقسيميه متقرّباً.

ولو نوى سجود العزيمة مطلقاً، فإن كان في ذمّته نوعان فصاعداً لم يجز، وإلّا فالأقرب الإجزاء، ولو أخلّ بالفوريّة بقيت أداءً مدّة العمر، والظاهر عدم وجوب التعرّض فى نيّته له أيضاً، ويستحبّ فيها الذكر المخصوص ويجزئ مطلقه.

قوله: «سجدتا الشكر مستحبّتان عند تجدّد النِعَم، ودفع النِقَم، وعقيب الصلوات، ويستحبّ بينهما التعفير».

أي تعفير الجبينين، وهو وضعهما على العَفَر - بالفتح - وهو التراب، وكذا الخدّين. وفي تأدّي السنّة بوضعها على ما يصحّ السجود عليه وجه وإن كان التراب أولى؛ ليتحقّق معنى الاشتقاق.

[التشهّد]

قوله: «من لم يحسن التشهّد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه». ويجب فعل الباقي بالترجمة إن أحسنها، كما يجب لو لم يحسن شيئاً.

[التسليم]

قوله: «وهو واجب على الأصحّ». أحوط.

قوله: «ومسنون هذا القسم أن يسلّم المنفرد إلى القبلة تسليمةً واحدةً ويومئ بمُؤْخِر عينيه إلى يمينه».

هو - بضمّ الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء - قبال مؤخّر طرفيها الذي يلي الصدغ،

ص: 91

واستحباب الإيماء كذلك هو المشهور.

قوله: «وكذا المأموم ثمّ إن كان على يساره غيره».

من الناس وإن لم يكن مصلّياً، وليكن الإيماء بعد «السلام عليكم» إلى القبلة أفضل.

قوله: «وفي الجمعة قنوتان».

وكذا في ركعة الوتر قبل الركوع وبعده.

قوله: «في الأُولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع، ولو نسيه قضاه بعد الركوع».

إن ذكره قائماً، وإلّا قضاه بعد التسليم جالساً مستقبلاً، فإن لم يذكر حتّى انصرف قضاه ولو في الطريق مستقبلاً.

[خاتمة في قواطع الصلاة]

[1 - ما يبطلها عمداً وسهواً]

قوله: «وقيل: لو أحدث ما يوجب الوضوء سهواً تطهّر وبنى». الأقوى البطلان مطلقاً.

[2 - مالا يبطلها إلّا عمداً]

قوله: «وهو وضع اليمين على الشمال، وفيه تردّد».

الأشهر التحريم، وبطلان الصلاة به مع التعمّد وعدم التقيّة، ولا فرق بين وضعهما على الهيئة المشروعة عند المخالف وغيرها.

قوله: «والالتفات إلى ما وراءه». بجميع بدنه، أمّا بوجهه خاصّة فيكره على الأقوى.

قوله: «والكلام بحرفين فصاعداً».

وفي حكمه الحرف الواحد المفيد فائدة الكلام كالأمر من الأفعال المعتلّة الطرفين مثل «قِ» «عِ»، وفي معنى الحرفين الحرف بعده مَدّة ناشئة من إشباع حركته.

ص: 92

قوله: «والقهقهة».

هي الضحك المشتمل على الصوت وإن قلّ، أو وقعت على وجه لا يمكن دفعها على الأقوى وإن انتفى عنها الإثم.

قوله: «وأن يفعل فعلاً كثيراً ليس من أفعال الصلاة».

المعتبر في الكثرة العرف لا اللغة، وضابطه ما يخيّل للناظر إليه أنّ فاعله معرض عن الصلاة. وإنّما يتقيّد البطلان فيها بالعمد إذا لم يوجب انمحاء صورة الصلاة به، وإلّا أبطل مطلقاً.

قوله: «والبكاء لشيء من أُمور الدنيا».

ومنها البكاء على الميّت وإن كان لصلاحه، أمّا البكاء من خوف الله تعالى فلا، إلّا أن يتبيّن منه حرفان. والمعتبر من البكاء المبطل ما اشتمل على انتحاب وصوت، لا مجرّد خروج الدمع.

قوله: «والأكل والشرب على قول».

الأقوى إلحاقهما بالفعل الخارج عن الصلاة، فلا يبطلان بمجرّدهما، بل مع الكثرة.

قوله: «إلّا في صلاة الوتر لمن أصابه عطش».

بشرط أن لا يستلزم فعل مناف آخر غير الشرب، ولا فرق في الوتر والصوم بين الواجب والمندوب.

قوله: «وفي عقص الشعر للرجل تردّد، والأشبه الكراهة». قويٌّ، والمراد بالعقص جمع الشعر في وسط الرأس وشدّه.

قوله: «ويكره الالتفات يميناً وشمالاً». بالوجه، أمّا بالبدن فيبطل مع التعمّد.

قوله: «أو يفرقع أصابعه أو يتأوّه، أو يئنّ بحرف واحد».

أصل التأوّه قول «أَوَّه» الشكاية، والمراد هنا النطق بذلك على وجه لا يستبين منه حرفان، وفي معناه الأنين إلّا أنّه مختصّ بالمريض.

ص: 93

قوله: «أو يدافع البول أو الغائط أو الريح».

هذا إذا عرضت قبل الشروع في سعة الوقت، أمّا بعده أو مع ضيقه فلا، وفي معناها النوم، ولا يجبر هذا المكروه فضيلة الائتمام ولا شرف البقعة حيث يستلزم دفعها فواتهما.

قوله: «إذا عطس الرجل في الصلاة يستحبّ له أن يحمد الله، وكذا إن عطسَ غيره يستحبّ له تسميته».

تسميت العاطس - بالمهملة والمعجمة - أن يقول له: يرحمك الله. ويجب ردّ العاطس عليه بلفظ الدعاء مثل قوله، ولو قصد بغير المنصوص مجرّد الردّ فالأقوى البطلان.

قوله: «إذا سلّم عليه يجوز أن يردّ عليه مثل قوله: سلام عليكم».

إنّما عبّر بالجواز؛ لأنّه موضع النزاع بيننا وبين مَن خالفنا. والمراد هنا معناه الأعم، والمراد منه الوجوب. وإنّما يجوز الردّ بمثل قوله إذا سلّم بقوله: «سلام عليكم»، كما نبّه عليه المصنّف بقوله: «سلام عليكم»، فلو سلّم بغيره اقتصر في الردّ على ما ذكر هنا وإن خالفه.

ولا فرق في المسلّم بين الصغير المميّز والكبير، ولا بين الذكر والأُنثى. ويجب إسماعه الجواب، ولو ترك الردّ أثم، والأقرب عدم بطلان الصلاة مطلقاً. ولو حيّاه بغيره من التحيّات العرفيّة كالصباح والمساء وغيرهما، وجب الردّ عليه بما يتضمّن الدعاء بقصده أو بجواب السلام المعهود.

قوله: «يجوز للمصلّي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مالٍ».

المراد بالجواز هنا معناه الأعمّ كما سبق، ثمّ قد يجب إذا كان المال الذي يخاف تلفه ممّا يضرّه فوته، والطفل المتردّي محترماً، وقد يكون مستحبّاً كما إذا كان المال كثيراً غير مضرّ فواته، ومباحاً إذا كان قليلاً دون ذلك مع تموّله، ومكروهاً إذا كان غير متموّل كالحبّة والحبّتين، ويحرم قطعها لغير سبب مجوّز، فهو منقسم إلى الأحكام الخمسة.

ص: 94

[الركن الثالث في بقيّة الصلوات]

[الفصل الأوّل في صلاة الجمعة]

[وقتها]

قوله: «ولو خرج الوقت وهو فيها أتمّ جمعةً».

الأقوى اعتبار إدراك ركعة في وقتها كغيرها من الصلوات.

قوله: «وتفوت الجمعة بفوات الوقت، ثمّ لا تقضى جمعةً، وإنّما تُقضى ظهراً».

ضمیر «تقضى» لا يناسب عوده إلى «الجمعة»؛ إذ لا قضاء لها، ولأنّ القضاء يجب مساواته للمقضي كميّةً، والظهر لا يناسب الجمعة كذلك، بل قال المصنّف في المعتبر: إنّه عائد إلى وظيفة الوقت يوم الجمعة وهو أحد الأمرين الجمعة أو الظهر مع فواتها (1) . والمراد بقضاء الوظيفة ظهراً الإتيان بها كذلك من باب (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) (2) ، (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَنسِكَكُمْ) (3).

قوله: «لو تيقّن أنّ الوقت يتّسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة وإن تيقّن أو غلب على ظنّه أنّ الوقت لا يتّسع لذلك فقد فاتت الجمعة».

الأقوى الاكتفاء في وجوبها بإدراك ركعة بعد الخطبتين، ووجوب الشروع فيها متى احتمل ذلك. ثمّ إن طابق ما يحصل به إدراكها صحّت، وإلّا فلا.

قوله: «فأمّا لو لم يحضر الخطبة وأوّل الصلاة، وأدرك مع الإمام ركعة، صلّى جمعةً».

ص: 95


1- المعتبر، ج 2، ص 277.
2- الجمعة (62): 10.
3- البقرة (2): 20.

لكن يأثم بتفويت سماع الخطبة اختياراً؛ لوجوب الحضور عندها والاستماع، وإن صحّت الصلاة.

قوله: «وكذا لو أدرك الإمام راكعاً في الثانية على قول».

قويّ، والمعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع وإن لم يجتمعا في الذكر.

[شروط الجمعة]

قوله: «الجمعة لا تجب إلّا بشروط: الأوّل: السلطان العادل أو من نصبه، فلو مات في أثناء الصلاة لم تبطل، وجاز أن يقدّم الجماعة مَن يتمّ بهم الصلاة».

إن كان فيهم صالح للإمامة، وحينئذٍ فيجب عليهم التقديم وعليه التقدّم. ولو تعدّد صالح وجبَ كفايةً، ويجب عليهم تجديد نيّة القدوة، ثمّ إن كان في أثناء القراءة ابتدأ من حيث قطعَ الإمام إن كان قطع على رأس آية أو جملة تامّة، وإلّا فمن أوّلها. ولو ابتدأ من أوّل القراءة مطلقاً كان أولى، ولو تعذّر الاقتداء أتمّوا فرادى.

قوله: «الثاني: العدد، وهو خمسة الإمام أحدهم، وقيل: سبعة، والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو انفضّوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبّس بالصلاة سقط الوجوب».

سقوطاً مراعى بعدم عود مَن تنعقد به الجمعة، ثمّ إن عادوا بعد الانفضاض بنی على ما سبق منها، وفي معناه انفضاض مَن ينقص به العدد المعتبر.

قوله: «وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلّا واحد».

بل وإن لم يبق غير الإمام فيتمّ فرادى، كما يتمّ المأموم كذلك إذا تعذّر إتمامها (1) مؤتمّاً.

قوله: «الثالث: الخطبتان، ويجب في كلّ واحدةٍ منهما: الحمد لله والصلاة على النبيّ وآله علیهم السلام والوعظ».

ويتعيّن الحمد والصلاة والوعظ بتعيّن الحمد والصلاة بلفظهما، ولا ينحصر الوعظ في

ص: 96


1- في «م»: كمالها.

لفظٍ، ويجب الترتيب كما ذكر، وإيقاعها بالعربيّة مع الإمكان.

قوله: «وقراءة سورة خفيفة، وقيل: يجزئ ولو آية». قويٌّ.

قوله: «ويجوز إيقاعها قبل زوال الشمس حتّى إذا فرغ زالت، وقيل: لا يصحّ إلّا بعد الزوال». أولى.

قوله: «ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة».

المراد بها هنا إمكان القيام حالة الخطبة أو بعضها بدون مشقّة لا تتحمّل عادة، فلو أمكن القيام في بعضها وجب، ولو تعذّر فيها أجمع أو في بعضها أجزأ المعجوز عنه من جلوس، وكذا القول في باقي مراتب العجز كالصلاة. وإنّما يجزئ كذلك لو تعذّر خطبة غيره ممّن هو أعلى حالاً منه، وإلّا وجب الأكمل.

قوله: «ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة». إذا وقعتا حالة القيام، أو ما دونه من الحالات التي لا تبلغ الجلوس. ولو أوقعهما جالساً فصلَ بينهما بسكتة حالته، ولو تعذّر الجلوس بينهما سقط كتعذّر القيام فيهما.

قوله: «وهل الطهارة شرطٌ فيهما؟ فيه تردّد، والأشبه أنّها غير شرط». الأقوى اشتراطها من الحدث والخبث.

قوله: «ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعداً، وفيه تردّد».

الأقوى وجوب إسماع مَن لا يشقّ إسماعه عادةً وإن زاد عن العدد المعتبر، لكن إنّما يشترط في صحّتها إسماع العدد خاصّة، فيأثم بترك إسماع الزائد خاصّة.

قوله: «الرابع: الجماعة، فلا تصحّ فُرادى».

تتحقّق الجماعة بنيّة المأموم الاقتداء بالإمام، ويعتبر في انعقادها نيّة العدد المعتبر الاقتداء، وإنّما تشترط الجماعة في ابتدائها لا في استدامتها كما مرّ.

قوله: «الخامس: أن لا يكون هناك جمعة أُخرى... وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة ولو لم تتحقّق السابقة أعاد ظهراً».

عدم تحقّق السابقة يشمل ما لو عُلمت ابتداءً ثمّ اشتبهت، وما لو ابتدأ مع العلم بها في

ص: 97

الجملة، وما لو شكّ في السبق والاقتران. والأقوى في الأخير إعادة الجمعة لاغير، إمّا باجتماعهم عليها، أو يفرقهم المسافة المعتبرة في صحّة المتعدّدة.

[من تجب عليه الجمعة]

قوله: «النظر الثاني: فيمن تجب عليه، ويراعى فيه شروط سبعة: التكليف، والذكورة، والحريّة ...، والمرض».

الذي يتعذّر معه حضور محلّ الجماعة، أو يشقّ بما لا يتحمّل عادة، ويوجب زيادة أو بطء برئه، وفي حكمه معلّل المريض حيث لا يكون غيره.

قوله: «والعرج». البالغ حدّ الإقعاد، أو المستلزم لمشقّة في السعي لا يتحمّل عادة، ومثله القول في الهِمّ.

قوله: «وكلّ هؤلاء إذا تكلّفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم، سوى من خرج عن التكليف، وفي العبد تردّد».

الأقوى وجوبها عليه وانعقادها به مع إذن المولى.

[هاهنا مسائل:]

قوله: «ولو اتّفقت في يوم نفسه على الأظهر» قويٌّ.

قوله: «إذا زالت الشمس لم يجز السفر؛ لتعيّن الجمعة».

إنّما يحرم السفر الاختياري غير الواجب المضيّق، فالمضطرّ إليه الواجب كسفر الحجّ إذا استلزم التأخير فواته تلك السنة لا يحرم، وحيث يحرم السفر يكون عاصياً به إلى أن تفوت الجمعة، وتغتفر المسافة حينئذٍ.

قوله: «الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردّد».

الأقوى وجوب إصغاء مَن يمكن في حقّه سماع الخطبة أو بعضها.

قوله: «وكذا تحريم الكلام في أثنائها».

ص: 98

الأقوى تحريم الكلام في أثنائهما وبينهما للخطيب وغيره، إلّا ما يضطرّ إليه كتنبيه الأعمى وردّ السلام وتسميت العاطس.

قوله: «الخامسة: يعتبر في إمام الجمعة كمال العقل ... وهل يجوز أن يكون أبرص أو أجذم؟ فيه تردّد، والأشبه الجواز». قويٌّ على كراهيّة.

قوله: «الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة، وقيل: مكروه، والأوّل أشبه».

الأقوى التحريم، والمراد به ما وقع ثانياً بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت من مؤذّن واحد أو قاصداً كونه ثانياً، سواء كان على المنارة أم بين يدي الخطيب أم غيرهما.

قوله: «يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان».

بل بعد الزوال مطلقاً، ويلحق بالبيع ما أشبهه من العقود والإيقاعات.

قوله: «وكان البيع صحيحاً على الأظهر» قويّ.

قوله: «ولو كان أحد المتعاقدين ممّن لا يجب عليه السعي، كان البيع سائغاً بالنظر إليه، حراماً بالنظر إلى الآخر». الأقوى تحريمه عليهما.

قوله: «وأمكن الاجتماع والخطبتان، قيل: يستحبّ أن يُصلّى جمعة، وقيل: لا يجوز، والأوّل أظهر».

الأقوى الاستحباب، والمراد به كون الجمعة أفضل الفردين الواجبين على التخيير، وهما الجمعة والظهر، وذلك لا ينافي كونها واجبة تخييراً؛ لأنّ الاستحباب العيني لا ينافي الوجوب التخييري، لا بمعنى رجحان فعلها مع جواز تركها لا إلى بدل؛ لأنّ ذلك لم يقل به أحد. وعلى هذا فينوي بها الوجوب وتجزئ عن الظهر، وشرطها ما ذكره المصنّف من إمكان الاجتماع، أي اجتماع العدد المعتبر جماعة وإن لم يكن فيهم الإمام أو مَن نصبه، والخطبتان على الوجه المعتبر وإن انضمّ إليهما ذكر أئمّة الجور والثناء عليهم تقيّة.

ص: 99

قوله: «إذا لم يتمكّن المأموم من السجود مع الإمام في الأُولى، فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع [صحّ]، وإلّا اقتصر على متابعته في السجدتين وينوي بهما الأُولى».

ولو أطلق أجزأ وانصرفا إلى الأُولى أيضاً.

قوله: «فإن نوى بهما الثانية قيل: تبطل الصلاة». قويٌّ.

[آداب الجمعة]

قوله: «أمّا آداب الجمعة: فالغسل، والتنفّل بعشرين ركعة، ستّ عند انبساط الشمس».

هو انتشارها على وجه الأرض، وهو كمال ظهورها.

قوله: «وستّ قبل الزوال». عند كون الشمس في وسط السماء بحيث يفرغ منها قبل الزوال.

قوله: «وركعتان عند الزوال». بعد تحقّقه.

قوله: «ولو أخّر النافلة إلى بعد الزوال جاز».

أي أخرّ مجموع نافلة الجمعة، والحاصل أنّ وقتها يوم الجمعة مطلقاً، لكنّ الأفضل تفريقها أسداساً كما ذكر، ثمّ جعل السنّة فيها بين الفرضين.

قوله: «وأن يكون على سكينة ووقار».

السكينة في الأعضاء بمعنى اعتدال حركاتها، والوقار في النفس بمعنى طمأنينتها وثباتها على وجه توجب الخشوع والإقبال على الطاعة.

قوله: «وأن يكون الخطيب بليغاً».

بمعنى جمعه بين الفصاحة - التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات والتعقيد وكونها غريبة وحشية - وبين البلاغة: وهي ملكة توجب القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف والإنذار والإعلام بفضيلة الوقت وغيرها بحسب حال السامعين.

ص: 100

قوله: «ويكره له الكلام في أثناء الخطبة». الأقوى التحريم.

قوله: «إذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى «الجمعة». وكذا في الثانية يعدل إلى سورة «المنافقون» ما لم يتجاوز نصف السورة».

بل ما لم يبلغ نصفها.

قوله: «إلّا في سورة «الجحد» و«التوحيد»».

الأقوى جواز العدول عنهما إلى الجمعة هنا كغيرهما.

قوله: «ويستحبّ الجهر بالظهر في يوم الجمعة».

الأجود تركه فيها.

[الفصل الثاني في صلاة العيدين]

[شروطها]

قوله: «لو اختلّت الشرائط سقط الوجوب... إلى آخره».

لا فرق هنا بين حضور الفقيه وعدمه في ظاهر كلام الأصحاب، بخلاف الجمعة حيث يختلّ شرط الوجوب. ولا يشترط التباعد بين نفليها بفرسخ، ولا بين فرضها ونفلها.

قوله: «كيفيّتها أن يكبّر للإحرام، ثمّ يقرأ «الحمد» وسورةً، والأفضل أن يقرأ «الأعلى». والشمس.

قوله: «ثمّ يكبّر بعد القراءة على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ثمّ يكبّر أربعاً ويقنت بينها أربعاً».

في العبارة تجوّز؛ لأنّ التكبيرات إذا كانت أربعاً لم يكن القنوت بينها أربعاً، بل ثلاثاً، والأولى أن يقال: ويقنت بعد كلّ تكبير.

قوله: «فيكون الزائد عن المعتاد تسعاً. خمس في الأُولى وأربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوعين».

ص: 101

هذه التكبيرات ليست زائدة عن المعتاد، فلا يفتقر إلى ذكرها، ولو أراد بذلك التوضيح كان تركه أوضح.

[سننها]

قوله: «وسنن هذه الصلاة الإصحار بها إلّا بمكّة، والسجود على الأرض».

دون غيرها ممّا يصحّ السجود عليه، ويستحبّ مباشرة الأرض بما يمكن من أعضاء المصلّى زيادةً على ما ذكر.

قوله: «وأن يَطْعَم قبل خروجه في الفطر».

هو بفتح الياء وسكون الطاء وفتح العين، مضارع طَعِمَ كعَلِمَ، أي يأكل.

قوله: «وفي الأمصار عقيب عشر يقول: الله أكبر الله أكبر. وفي الثالثة تردّد». وفي استحبابها قوّة.

قوله: «يكره الخروج بالسلاح، وأن يتنفّل قبل الصلاة أو بعدها إلّا بمسجد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بالمدينة، فإنّه يصلّي ركعتين قبل خروجه».

إلى الصلاة، فيصلّى ثمّ يخرج إلى المصلّى تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.

قوله: «التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردّد».

الأقوى وجوب التكبيرات، والقنوت حيث تجب الصلاة، واشتراطها بهما حیث يستحبّ.

قوله: «وبتقدير الوجوب هل يتعيّن فيه لفظ؟ الأظهر أنّه لا يتعيّن». قويٌّ وإن كان المأثور أفضل.

قوله: «إذا اتّفق عيد وجمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة ...، وقيل: الترخيص مختصّ بمن كان نائياً».

الأقوى عموم الرخصة؛ لعموم الخبر (1) . وكما يجب على الإمام إعلامهم في خطبة

ص: 102


1- الكافي، ج 3، ص 461، ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 509 - 510، ح 1475؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 137، ح 306.

العيد، يجب عليه الحضور لصلاة الجمعة، فإن اجتمع معه مَن تنعقد به الجمعة صلّاها، وإلّا فلا.

قوله: «لا ينقل المنبر من الجامع، بل يعمل شبه المنبر من طين استحباباً». أو من غيره.

قوله: «إذا طلعت الشمس حرم السفر حتّى يصلّي صلاة العيد إن كان ممّن تجب عليه وفي خروجه بعد الفجر وقبل طلوعها تردّد، والأشبه الجواز» قويٌّ.

[الفصل الثالث في صلاة الكسوف]

اشارة

قوله: «فتجب عند كسوف الشمس، وخسوف القمر، والزلزلة، وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل: نعم، وهو المرويّ».

الأقوى وجوبها لجميع الأخاويف السماويّة؛ للرواية الصحيحة. والمراد بالسماء هنا: ما يشمل العلوّ مطلقاً؛ ليدخل فيه نحو الصواعق والظلمة الشديدة والريح المخوفة. والمراد بالمخوف: ما يخاف منه أكثر العقلاء بمقتضى حدوثه عادةً، لا ما يتّفق منه الخوف لواحدٍ، كما لا اعتبار بخوف الجميع.

قوله: «ووقتها في الكسوف من حين ابتدائه إلى حين انجلائه، فإن لم يتّسع لها لم تجب، وكذا الرياح والأخاويف إن قلنا بالوجوب».

الأقوى عدم اعتبار سعة وقتها لصلاتها مطلقاً كالزلزلة، وتبقى أداء وإن وجب الفور بها.

[في كيفيّتها]

قوله: «أمّا كيفيّتها فهو أن يحرم ثمّ يقرأ «الحمد» وسورةً، ثمّ يركع، ثمّ يرفع [رأسه]. فإن كان لم يتمّ السورة قرأ من حيث قطع».

الأقوى الاكتفاء في كلّ قيام بآية فما فوقها متّصلة بالسابق أو منفصلة عنه مع تحقّق قراءة سورة تامّة بعد الحمد في الخمس مجتمعة ومتفرّقة، ولا يجب الحمد في

ص: 103

غير القيام الأوّل والسادس إلّا مع إكمال سورة قبله، وفيهما يجب مطلقاً.

قوله: «إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيّراً في الإتيان بأيّهما شاء ما لم تتضيّق الحاضرة فيكون أولى».

ثمّ إن أدرك الكسوف بعدها أو ركعة منها قبل تمام الانجلاء أتى بها، وإن خرج وقتها؛ فإن كان قد أخّر الحاضرة مع وجوبها اختياراً قضى الكسوف، وإلّا فلا.

قوله: «وقيل: الحاضرة أولى، والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «يجوز أن يصلّي صلاة الكسوف على ظهر الدابّة وماشياً وقيل: لا يجوز ذلك إلّا مع العذر، وهو الأشبه».

قويٌّ، وكذا غيرها من الصلوات الواجبة.

[الفصل الرابع في الصلاة على الأموات]

[من يصلّى عليه]

قوله: «الأوّل من يصلّى عليه، وهو كلّ مَن كان مظهراً للشهادتين».

إذا لم يحكم مع ذلك بكفره كالخارجي، والمجسّم، والمرتدّ بإنكار بعض الواجبات أو استحلال المحرّمات، وإلّا لم تصحّ الصلاة عليه كغيره من الكفّار.

قوله: «أو طفلاً له ستّ سنين ممّن له حكم الإسلام».

بأن يكون متولّداً من مسلم، أو ملقوطاً في دار الإسلام، أو دار الكفر وفيها مسلم صالح لإلحاقه به، أو مسبيّاً تابعاً للمسلم حيث يحكم بإسلامه بذلك.

[في المصلّي]

قوله: «الثاني في المصلّي وأحقّ الناس بالصلاة عليه أولاهم بميراثه».

بمعنى أنّ الوارث أولى ممّن لا يرث مطلقاً، ثمّ إن اتّحد الوارث اختصّ بالولاية، وإن تعدّد كالأب والابن فالأب أولى، والزوج أولى مطلقاً، والذكر أولى من الأُنثى،

ص: 104

ولا ترجيح بكثرة النصيب على الأقوى.

قوله: «وكذا الولد أولى من الجدّ والأخ والعمّ».

هذا كالتفريع على القاعدة السابقه بالأولويّة وكالمستغني عنه؛ لأنّ الجدّ والأخ والعمّ لا يرثون مع الولد.

قوله: «والأخ من الأب والأُمّ أولى ممّن يمتّ بأحدهما».

هو بتشديد التاء: أي يتّصل بأحدهما خاصّة. وأولويّته على مَن يمتّ بالأب خاصّة واضح؛ لعدم إرثه معه. أمّا على مَن يمتّ بالأُمّ فليس بواضح؛ لاشتراكهما في الإرث. وكذا القول في ترجيح الأكثر نصيباً كالعمّ على الخال، وولده على ولده، والأخ من الأب على الأخ من الأُمّ، لكنّ المشهور الترجيح بذلك.

قوله: «والزوج أولى بالمرأة من عَصَباتها».

بل من جميع أقاربها، وخصّ العصبة لأنّهم أقوى القرابة. ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها، ولا بين الحرّة والمملوكة.

قوله: «وإذا تساوى الأولياء قدّم الأفقه».

المشهور تقديم الأقرأ كغيرها من الصلوات، وإنّما قدّم المصنّف هنا الأفقه؛ لسقوط القراءة في هذه الصلاة، فلا ترجيح لمزاياها.

قوله: «فالأسنّ». في الإسلام.

قوله: «فالأصبح». وجهاً أو ذكراً.

قوله: «والهاشمي أولى من غيره إذا قدّمه الوليّ».

لا شبهة في أولويّة مقدّم الوليّ وإن كان ناقصاً، وإنّما الكلام في أولويّته بحيث يستحبّ للوليّ تقديمه، والمشهور استحباب تقديمه مطلقاً، لكن لا دليل عليه بعينه، ولا بأس به؛ لما فيه من صلة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم.

[في كيفيّة الصلاة على الميّت]

قوله: «الثالث في كيفيّة الصلاة، وهي خمس تكبيرات، والدعاء بينهنّ غير لازم».

ص: 105

الأقوى وجوب الشهادتين والصلاة على النبيّ وآله في الأُوليين، والاجتزاء في الدعاء للمؤمنين والميّت بما سنح وإن كان المنقول أفضل.

قوله: «وإن كان منافقاً اقتصر المصلّي على أربع وانصرف».

المراد به هنا المخالف مطلقاً، والاقتصار على الأربع واجب، وينبغي الدعاء عليه بعد الرابعة إن كان ناصبيّاً.

قوله: «وتجب فيها النيّة، واستقبال القبلة، وجعل رأسه إلى يمين المصلّي».

ويعتبر مع ذلك كونه بين يديه، وعدم التباعد عنه بما يعتدّ به. هذا إذا كان المصلّي منفرداً أو إماماً، أمّا المأموم فيُغتفران فيه إذا كان الإمام كذلك والتباعد بواسطة الصفوف. وإنّما يعتبر ذلك كلّه مع إمكانه، فلو تعذّر كالمصلوب صُلّي عليه بحسب الإمكان.

قوله: «وسُترت عورته وصلّي عليه بعد ذلك».

هذا إذا لم يمكن ستره خارج القبر، وإلّا قدّم عليه. هذا إن منع القبر مشاهدته، وإلّا تخيّر، ولا فرق بين وجود ناظر وعدمه.

قوله: «ولو كان طفلاً جُعل من وراء المرأة».

إن لم تجب الصلاة عليه، وإلّا قدّم عليها، وكذا يقدّمه على الخنثى كما تقدّم الخنثى على المرأة.

قوله: «ويرفع يديه في أوّل تكبيرة إجماعاً، وفي البواقي على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ويستحبّ عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمناً... وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك».

المراد بالمستضعف: مَن لا يعتقد الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه.

قوله: «وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتّى ترفع الجنازة».

سواء في ذلك الإمام وغيره، نعم يستثنى من المصلّين مَن يتحقّق بهم رفع الجنازة إن لم يتّفق من غيرهم.

قوله: «وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين».

ص: 106

من المصلّي الواحد، أو مع منافاة التعجيل، أو مع القدرة على جعلها صلاة واحدة، وإلّا لم يكره كلّ ذلك قبل الدفن.

قوله: «من أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه، فإذا فرغ أتمّ ما بقي عليه ولاء».

أي من غير دعاء بينها، هذا إذا خيف رفعها واختلال شرط من شرائطها، وإلّا أتى بوظيفة الدعاء أو بالممكن منه.

قوله: «إذا سبق المأموم بتكبيرة أو مازاد، استحبّ له إعادتها مع الإمام».

أي سبقه سهواً، أو ظنّاً أنّه كبّر. أمّا لو تعمّد استمرّ متأنّياً حتّى يلحقه الإمام، وتابع كاليوميّة.

قوله: «يجوز أن يصلّي على القبر يوماً وليلةً من لم يصلّ عليه، ثمّ لا يصلّى بعد ذلك».

الأقوى جواز الصلاة لمن لم يصلّ على الميّت مطلقاً من غير تحديد وإن كان الاقتصار على ميّت لم يصلّ عليه أصلاً أحوط.

قوله: «إذا صلّي على جنازة بعض الصلاة ثمّ حضرت أُخرى كان مخيّراً إن شاء استأنف الصلاة عليهما، وإن شاء أتمّ الأُولى على الأوّل واستأنف للثاني».

الأقوى انحصار تخيّره بين تأخير الثانية إلى أن يفرغ من الأُولى إن لم يخف عليها، وبين إدخالها حينئذٍ بالنيّة وتشريكهما في التكبير، وتخصيص كلّ واحدةٍ بذكرها مخيّراً في تقديم أيّهما شاء إلى أن يكمل الأُولى ثمّ يتمّ على الثانية، ولو خيف عليها بالتأخير تعيّن هذا الوجه. أمّا قطع الصلاة أو استئنافها عليهما فليس بجيّد؛ لما فيه من إبطال العمل المنهيّ عنه من غير ضرورة.

[الفصل الخامس في الصلوات المرغّبات]

[صلاة الاستسقاء]

قوله: «ويتخيّر من الأدعية ما تيسّر له، وإلّا فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت علیهم السلام».

«إلّا» هي المركّبة من «إن» الشرطيّة و «لا» النافية، وجملة الشرط محذوفة مدلول

ص: 107

عليها بما سبق من الفعل، وهو «يتخيّر» أو «تيسّر». وتقديرها على الأوّل: وإلّا يراد التخيير، بل يراد الأفضل، فليقل ما نقل عن أهل البيت علیهم السلام، وهذا معنى صحيح لا مزيّة فيه. وعلى الثاني: وإلّا تيسّر له شيء فليقل المنقول، ويكون من باب القلب، والتقدير: وإلّا تيسّر المنقول فليقل ما تيسّر. والقلب باب حسن في أساليب كلام العرب يوجب له لطفاً وملاحة، وهو كثير في الكتاب والسنّة وعالي الكلام.

قوله: «ويستحبّ أن يكون ذلك الثالث الاثنين، فإن لم يتيسّر فالجمعة».

قدّم الاثنين على الجمعة؛ لأنّه المنصوص نصّاً خصوصاً (1)، وأمّا الجمعة فإنّما دخل عموماً لمزيد شرفه وإجابة الدعاء فيه.

قوله: «وأن يخرجوا إلى الصحراء حُفاة على سكينة ووقار». ونعالهم بأيديهم، مطرقي رؤوسهم، في ثياب بذلتهم.

قوله: «ويفرّقوا بين الأطفال وأُمّهاتهم».

استجلاباً لبكائِهم وخشوعِهم، وينبغي في ذلك مراعاة حفظ الأطفال الواجب، فيدفع كلّ طفل إلى غير أُمّه.

قوله: «فإذا فرغ الإمام من صلاته حوَّل رداءه».

بأن يجعل ما على المنكب الأيمن على الأيسر، وبالعكس؛ للتأسّي والتفاؤل. ووقت التحويل عند الفراغ من الصلاة، وقيل: عند الفراغ من الخطبة (2). ولا بأس بالجمع، والأولى عموم الاستحباب لغير الإمام.

قوله: «وهم يتابعونه في كلّ ذلك».

أي في الذِكْرِ لا في الجهة، بل يستمرّون على الاستقبال.

ص: 108


1- الكافي، ج 3، ص 462، باب صلاة الاستسقاء، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 148 - 149، ح 322.
2- نسبه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 142 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) إلى بعض الأصحاب.
[نافلة شهر رمضان]

قوله: «والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادةً على النوافل المرتّبة». حسن.

قوله: «يصلّي في كلّ ليلة عشرين ركعةً ثمان بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء على الأظهر». قويٌّ، ويجوز العكس.

قوله: «وروي: أنّه يقتصر في ليالي الأفراد على المائة». كلاهما حسن.

قوله: «ويصلّي في كلّ جمعة عشر ركعات». أي في يوم الجمعة وهو النهار.

قوله: «وفي آخر جمعة عشرين ركعة بصلاة عليّ علیه السلام».

المرويّ ليلة آخر جمعة (1)، وعليه العمل.

قوله: «وفي عشيّة تلك الجمعة عشرين [ركعة] بصلاة فاطمة علیها السلام».

أي ليلة السبت، ولو اتّفقت ليلة العيد جعلها ليلة آخر سبت من الشهر، هذا كلّه إذا اتّفق في الشهر أربع جمع كما هو الغالب، فلو اتّفق فيه خمس جمع تخيّر في إسقاط واحدة، وبسط العدد عليها كيف اتّفق بحيث لا يزيد في كلّ جمعة عمّا وظّف لها.

قوله: «صلاة أمير المؤمنين علیه السلام أربع ركعات بتشهّدين وتسليمين». لا وقت لهذه الصلاة مخصوصاً وإن كان الأفضل فعلها يوم الجمعة، وكذا صلاة فاطمة، ويجوز نسبة كلّ من الصلاتين إلى كلّ منهما علیهما السلام نيّة وحكماً.

قوله: «صلاة جعفر».

نُسبت إليه؛ لأنّه السبب في شرعيّتها، لما حباه بها النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم حين قدومه من الحبشة، ولذلك سميّت صلاة الحبوة، وتُسمّى أيضاً صلاة التسبيح؛ لما تشتمل عليه من زيادة على غيرها.

ص: 109


1- رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 3، ص 66، ح 218؛ والاستبصار، ج 1، ص 466، ح 1802.
[خاتمة]

قوله: «كلّ النوافل يجوز أن يصلّيها الإنسان قاعداً، وقائماً أفضل».

الأقوى أنّ الاستحباب عامّ لا يستثنى منه الوتيرة وإن لم يكن القيام فيها مؤكّداً تأكيده في غيرها، والسرّ فيه أنّ النافلة الراتبة ضعف الفريضة، وبدون الوتيرة تنقص عنه بركعة يفعلها جالساً يحصل المطلوب من العدد، وقائماً يحصل فضيلة ركعة زائدة على الراتبة فيكون أفضل.

قوله: «وإن جعل كلّ ركعتين من جلوس مقام ركعة كان أفضل».

أي أفضل من جعل كلّ ركعة من جلوس بركعة من قيام، وروي أنّه لو قام المتنفّل جالساً فركع قائماً أحرز فضل القائم (1)، خصوصاً لو أبقى آية فركع بعد قراءتها قائماً.

ص: 110


1- الكافي، ج 3، ص 411 باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 364، ح 1047؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 170، ح 675 و 676.

[الركن الرابع في التوابع]

[الفصل الأوّل في الخلل الواقع في الصلاة]

[الخلل عن عمد]

قوله: «أمّا العمد فمن أخلّ بشيء من واجبات الصلاة عامداً فقد أبطل صلاته، شرطاً كان ما أخلّ به أو جزءاً، أو كيفيّة أو تركاً».

جعل الترك من جملة أفراد الواجب في الصلاة على وجه المجاز من حيث وجوب تركه، فهو واجب في الجملة من هذه الحيثيّة، ويتحقّق الإخلال بواجبه بأن يفعله فيها، وهو تجوّز بعيد.

قوله: «كذا لو فعل ما يجب تركه، أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه إلّا الجهر والإخفات في مواضعهما».

هذا القسم داخل في السابق، فإنّه من جملة الإخلال بشيء من واجبات الصلاة عمداً، فإنّ الجاهل عامد، فهو تخصيص بعد التعميم؛ ليترتّب عليه قوله بعد ذلك «إلّا الجهر والإخفات» فإنّهما مستثنيان من الواجبات المتروكة جهلاً لا مطلقاً.

قوله: «ولو جهل غصبيّة الثوب الذي يصلّي فيه، أو المكان، أو نجاسة الثوب، أو البدن، أو موضع السجود، فلا إعادة».

الأقوى إعادة جاهل النجاسة في الوقت.

[فروع:]

قوله: «إذا لم يعلم أنّ الجلد ميتة فصلّى فيه ثمّ علم لم يُعد إذا كان في يد مسلم، أو شراه من سوق المسلمين».

ص: 111

أي من مسلم معلوم الإسلام، وأمّا شراؤه من سوق المسلمين فيكفي فيه عدم العلم بكفر ذي اليد وإن لم يعلم إسلامه. والمراد بسوق المسلمين: ما كان أغلب أهله مسلمين وإن كان حاكمهم كافراً، ومع التساوي أو أغلبيّة الكفّار فهو سوق كفر لا يحلّ فيه ما يفتقر إلى التذكية إلّا ما أُخذ من يد معلوم الإسلام، ولا يعتبر في تحقّق سوق الإسلام وضدّه أغلبيّة الحكّام ولا نفوذ الأحكام.

قوله: «إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه، وصلّى، أعاد». لا فرق فيه بين ما تتمّ الصلاة فيه منفرداً وغيره كالخاتم المتّخذ من عظم ما لا يعلم أصله.

[الخلل عن سهو]

قوله: «فإن أخلّ برُكنٍ أعاد».

أي إخلالاً لا يتدارك على وجهه، لا مطلق الإخلال كما ينبّه عليه بالفروع الآتية.

قوله: «وقيل: يُسْقِط الزائد ويأتي بالفائت - إلى قوله -: والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «وكذا لو زاد في الصلاة ركعة سهواً».

إنّما تبطل بزيادة ركعة سهواً إذا لم يكن جلس آخرها بقدر التشهّد، وإلّا صحّت، وكذا القول في زيادة أكثر من ركعة، ويتخيّر حينئذٍ بين هدم الزائد، وإكماله ركعتين وجعلهما نافلة إن لم تبلغهما الزيادة. ولو ذكر الزيادة قبل الركوع هدم الركعة وسلّم، وبعد الركوع الأقوى إلحاقه بزيادة الثانية.

قوله: «وقيل: لو شكّ في الركوع فركع، ثمّ ذكر أنّه كان قد ركع، أرسل نفسه - إلى قوله - والأشبه البطلان». قويٌّ.

قوله: «وإن نقص» (1).

أي نقص ركعة، أمّا لو نقص ركوعاً أو سجدتين بطلت مطلقاً على الأقوى.

ص: 112


1- في «م»: «وإن نقص ركعة». وهو مطابق لبعض طبعات «شرائع الإسلام».

قوله: «وإن كان يبطلها عمداً لا سهواً كالكلام، فيه تردّد، والأشبه الصحّة». قويٌّ.

قوله: «وكذا لو ترك التسليم ثمّ ذكر».

الأولى كون المشبّه به الحكم بالصحّة المتّصل به لا التفصيل بتمامه؛ لأنّ التسليم غير ركن، فلا تبطل الصلاة بتركه نسياناً مطلقاً.

قوله: «لو ترك سجدتين ولم يدر أهما من ركعتين أو ركعة؟ رجّحنا جانب الاحتياط».

وهو إعادة الصلاة؛ لاحتمال كونها من ركعة واحدة، والعمل بالاحتياط هنا متعيّن عند المصنِّف والجماعة، مع احتمال صحّة الصلاة؛ عملاً بأصالتها مع الشكّ في المبطل.

قوله: «ولو كانتا من ركعتين ولم يدرِ أيّتهما هي؟ قيل: يعيد - إلى قوله - والأظهر أنّه لا إعادة، وعليه سجدتا السهو». قويٌّ.

قوله: «من نسي القراءة، أو الجهر، أو الإخفات في موضعه، أو قراءة «الحمد»، أو قراءة السورة حتّى ركع».

ظاهره كون الركوع غاية لعدم التدارك في الجميع، وهو كذلك في غير الجهر والإخفات، أمّا فيهما فالأقوى عدم العود إليهما وإن لم يركع، والمراد بالركوع: بلوغ حدّه وإن لم يطمئنّ أو يسبّح فيه.

قوله: «أو السجود على الأعضاء السبعة».

غير الجبهة، فإنّ نسيان السجود عليها إذا اتّفق في السجدتين موجب للإعادة في محلّه مطلقاً؛ لعدم تحقّق السجدة بدونها.

قوله: «أو السجود على الأعضاء السبعة». غير الجبهة كما مرّ.

قوله: «من نسي قراءة «الحمد» حتّى قرأ سورةً استأنف «الحمد» وسورة».

نكّر السورة؛ للتنبّه على أنّه لا يتعيّن عليه قراءة السورة السابقة، ولو عرّفها لأفهم إعادة ما قرأه سهواً وليس بمتعيّن.

قوله: «وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قامَ فركع ثمّ سجد».

هذا إن نسي الركوع قائماً بحيث هوى ابتداءً بنيّة السجود، أمّا لو هوى للركوع ثمّ

ص: 113

نسيه قبل تحقّقه لم يجب القيام قبله، بل لم يجز. وإنّما يقوم منحنياً إلى حدّ الراكع، أو إلى محلّ حصل عنده النسيان.

قوله: «وكذا من ترك السجدتين أو إحداهما، أو التشهّد وذكر قبل أن يركع».

ويجب هنا الجلوس قبل السجدة المنسيّة إن لم يكن جلس بعد قيامه من السجدة ولو بقرينة الفصل بين السجدتين، ولو شكّ في الجلوس بنى على الأصل وهو العدم.

قوله: «ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو، وقيل: يجب». قويٌّ.

[الخلل عن شكّ]

قوله: «مَن شكّ في عدد الواجبة الثنائيّة أعاد».

الضابط أنّ الشاكّ يجب عليه عند عروض الشكّ التروّي، فإن غلب ظنّه على شيء بنى عليه مطلقاً، وإن تساوى الاحتمالان فذلك حكم الشكّ الذي تترتّب عليه هذه الأحكام وما بعدها.

قوله: «إذا شكّ في شيء من أفعال الصلاة [ثمّ ذكر] فإن كان موضعه أتى به وأتمّ».

موضع القراءة القيام وما بعده إلى أن يصير في حدّ الراكع، وكذا موضع الركوع إلى أن يصير ساجداً، والسجود والتشهّد إلى أن يصير قائماً، ولا يكفي الشروع فيه على الأقوى.

قوله: «وإن انتقل مضى في صلاته، سواء كان ذلك الفعل ركناً أو غيره، وسواء كان في الأُوليين أو الأخيرتين على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «إذا تحقّق نيّة الصلاة وشكّ هل نوى ظهراً أو عصراً مثلاً، أو فرضاً أو نفلاً استأنف».

إذا لم يدرِ ما قام إليه، وإلّا بنى عليه؛ عملاً بالظاهر. والأقوى أنّه مع وجوبهما عليه مرتّبتين يكفيه نيّة أنّه في الظهر؛ لأنّها إن كانت المنويّة فهي فرضه، وإلّا فالعدول إليها جائز حيث وقعت نيّة ما بعدها سهواً. ولو كان الشكّ بعد الفراغ ولم يعلم ما قام إليه،

ص: 114

كفاه صلاة عدد يطابق المشتبهتين مردّداً بينهما.

قوله: «مَن شكّ بين الاثنتين والثلاث بنى على الثلاث».

هذا إذا وقع الشكّ بعد إكمال السجدتين، ويتحقّق بالفراغ من ذكر السجدة الثانية من الركعة الثانية ليحرز الأُوليين، وكذا كلّ شكّ يتعلّق بالثانية.

قوله: «مَن شكّ بين الثلاث والأربع بنی على الأربع».

الشكّ في هذه الصورة يصحّ حيث وقع؛ لإحرازه الأُوليين والسلامة من محذور الزيادة.

قوله: «مَن شكّ بين الاثنتين والأربع بنى على الأربع ثمّ أتى بركعتين من قيام». ولا تجزئه هنا الصلاة من جلوس مطلقاً.

قوله: «مَن شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع ... ثمّ أتى بركعتين من قيام، وركعتين من جلوس».

مقدِّماً لركعتي القيام كما ذكر، ولا يجزئ بدل الركعتين من جلوس ركعة من قيام على الأقوى فيهما.

قوله: «لو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه بنى على الظنّ وكان كالعلم».

سواء وقع الظنّ ابتداءً أو بعد التروّي، بخلاف الشكّ كما تقدّم. ومعنى البناء على المظنون تنزيله منزلة الواقع، وترتيب الحكم عليه من صحّة وبطلان وزيادة ونقصان، حتّى لو كان الشكّ بين الأربع والخمس فغلب ظنّه على الأربع فلا سجود، أو على الخمس فكما لو زاد ركعة آخرها، وكذا غيره.

قوله: «هل يتعيّن في الاحتياط «الفاتحة» أو يكون مخيّراً - إلى قوله - والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط، قيل: تبطل الصلاة - إلى قوله - وقيل: لا تبطل». قويٌّ وإن أثم مع فعله اختياراً.

قوله: «مَن سها في سهوٍ لم يلتفت وبنى على صلاته».

ص: 115

أي سها في موجب السهو أو شكّ فيه، بأن يسهو في سجدتي السهو عمّا لا يتلافى بعده كالذكر والطمأنينة ممّا يوجب السجود في غيره، فلا يجب فيه. أو سها عن ذلك في صلاة الاحتياط، أو شكّ في فعل أو عدد فيهما في محلّه، فإنّه يبني على وقوعه. ولو سها عن فعل وذكرَ في محلّه أتى به، أو بعده ممّا يوجب التلافي بعده كالسجدة والتشهّد أتى به من غير سجود للسهو، ولو استلزم البناء على فعله زيادة في الواجب بنی على المصححّ.

قوله: «ولا شكّ على الإمام إذا حفظ عليه مَن خلفه».

بمعنى أنّه يرجع إلى حفظ مَن خلفه لو عرض له شكّ في فعل أو عدد، سواء كان عدلاً أم لا. وكذا يرجع مع الشكّ إلى ظنّ المأموم، ومع الظنّ إلى نفسه، وبالعكس. ولو اشترك الشكّ بينهما: فإن اتّفقا فيه لزمهما حكمه، وإن اختلفا وجمعتهما رابطة رجعا إليها، كمالو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع، فيرجعان إلى الثلاث.

ولو لم تجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلّ منهما شكّه كما لو شكّ أحدهما كذلك والآخر بين الأربع والخمس. ولو كانت الرابطة شكّاً، رجعا إليها ولزمهما حكمها. ولو تعدّد المأموم واختصّ الحفظ ببعضهم، رجع إليه الإمام، ورجع الباقون إلى الإمام.

قوله: «ولا حكم للسهو مع كثرته».

بمعنى عدم ترتّب حكمه لو لا الكثرة معها، فلا تجب سجدتا السهو لو فعل ما يقتضيها لولاها، ولا يلتفت لو شكّ في فعل وإن كان في محلّه، بل يبني على وقوعه، ويبنى على الأكثر لو شكّ في عدد الركعات، إلّا أن يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح. نعم لو سها عن ركن مبطل بطلت، أو عن فعل يتلافى مع السجود تلافاه من غیر سجود. والمرجع في الكثرة إلى العرف، ويزول الحكم بخلوّ السهو من فرائض يتحقّق فيها كثرته أيضاً، وهكذا.

قوله: «ويرجع في الكثرة إلى ما يسمّى في العادة كثيراً، وقيل: أن يسهو ثلاثاً في

ص: 116

فريضة، وقيل: أن يسهو مرّة في ثلاثة فرائض». الظاهر تحقّقه بكلّ واحد منهما؛ لدلالة العرف عليه.

[في سجدتي السهو]

قوله: «هما واجبتان حيث ذكرنا، وفي من تكلّم ساهياً، أو... وقيل: في كلّ زيادة و نقيصة إذا لم يكن مبطلاً». قويٌّ.

قوله: «وموضعها بعد التسليم للزيادة والنقصان، وقيل: قبله، وقيل: بالتفصيل، والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردّد». الوجوب قويٌّ.

قوله: «ولو وجب هل يتعيّن بلفظٍ؟ الأشبه لا».

الأقوى تعيين مارواه الحلبي وهو «بسم الله وبالله والسلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» أو «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» (1). أو بحذف حرف العطف من «السلام عليك» وإبدال «وصلّى الله» بقوله: «اللهمّ صلّ»، ولا يجزئ غيرها.

[الفصل الثاني في قضاء الصلوات]

[سبب القضاء]

قوله: «أمّا السبب فمنه ما يسقط معه القضاء وهو سبعة: الصغر، والجنون، والإغماء على الأظهر». قوىٌّ.

قوله: «والحيض والنفاس».

ولا فرق بين عروضهما بسبب من الله ومنهما، بخلاف الإغماء.

ص: 117


1- الكافي، ج 3، ص 356 - 357، باب من تكلّم في صلاته أو ...، ح 5؛ الفقيه، ج 1، ص 342، ح 998؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 773.

قوله: «وعدم التمكّن من فعل ما يستبيح به الصلاة ... وقيل: يقضي عند التمكّن». قويٌّ.

قوله: «وما عداه يجب معه القضاء كالإخلال بالفريضة ... وكذا النوم وإن استوعب الوقت».

إلّا أن يخرج عن العادة حدّاً فيلحق بالإغماء.

قوله: «ولو أكل غذاءً مؤذياً فآل إلى الإغماء لم يقض».

مع جهله بكونه مؤذياً، أو اضطراره إليه، أو إكراهه عليه، وإلّا وجب القضاء.

قوله: «وإذا ارتدّ المسلم أو أسلم الكافر ثمّ كفر، وجب عليه القضاء زمان ردّته». لا فرق في ذلك بين الفطري والملّي؛ لقبول توبة الفطري باطناً على الأقوى فيمكنه القضاء، ولو قتل قبله بقي في ذمّته.

[حكم القضاء]

قوله: «فإن فاتت لمرض لا يزيل العقل لم يتأكّد الاستحباب. ويستحبّ أن يتصدّق عن كلّ ركعتين بمدّ».

فإن عجز فعن كلّ أربع، فإن عجز فمدّ لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار، فإن عجز فعن كلّ يوم.

قوله: «ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر».

المراد بالفائتة هنا المتّحدة، فإنّ مذهبه وجوب تقديمها على الحاضرة مع السعة مطلقاً، والأقوى أنّها كغيرها في سعة وقت قضائها.

قوله: «ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر، و... بترتيب السابقة على اللاحقة، كالظهر على العصر».

المراد أنّ السابقة من الفوائت يجب تقديمها في القضاء على اللاحقة منها، فإذا فاته ظهر وعصر وجب تقديم الظهر في القضاء على العصر، وهكذا. والمعروف من الترتيب أنّ المرتّب متأخّر عن المرتّب عليه، خلاف ما يظهر من العبارة، وحينئذٍ فيحتاج في

ص: 118

تحصيل المراد من العبارة إلى تكلّف يتضمّن الترتّب معنى التقدّم ونحوه.

قوله: «فإن فاتته صلوات لم تترتّب على الحاضرة، وقيل: تترتّب، والأوّل أشبه».

الأقوى عدم ترتّبها عليها مطلقاً، نعم يستحبّ تعجيل القضاء مع سعة وقت الحاضرة وتقديمها عليها، والعدول منها إليها لو شرع فيها ناسياً، ولا فرق بین فائتة يومها وغيرها، ولا بين المتّحدة والمتعدّدة.

قوله: «ولو كان عليه صلاة فنسيها وصلّى الحاضرة لم يُعِد. ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة».

وجوباً عند موجب تقديم الفائتة، واستحباباً على القول الآخر. وإنّما يجوز العدول مع تساوي الصلاتين عدداً، أو عدم تجاوز محلّه بأن لا يركع في ركعة تزيد مع ما قبلها على عدد المعدول إليها. ونيّة العدول أن ينوي بقلبه نيّة الانتقال ممّا هو فيها إلى السابقة المعيّنة. ولو صلّى الحاضرة مع الذكر أعاد بناءً على وجوب تقديم الفائتة، وإلّا لم يعد.

قوله: «ولو دخل في نافلة فذكرَ [في أثنائها] أنّ عليه فريضةً استأنف الفريضة».

بناءً على عدم جواز النافلة لمن عليه فريضة، والأقوى الجواز ما لم يضرّبها، وعلى القولين لا يجوز العدول منها إليها مطلقاً.

[مسائل:]

قوله: «من فاتته فريضة من الخمس غير معيّنة قضى صبحاً ومغرباً وأربعاً عن ما في ذمّته».

ولا ترتيب بينها، ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر والإخفات في محلّه.

قوله: «وقيل: يقضي صلاة يوم، والأوّل مرويّ، وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو فاتته من ذلك مرّات لا يعلمها قضى ...».

أي فاتته فريضة مجهولة من الخَمس متعدّدة مجهولة العدد، كرّر القضاء كما ذكر إلى أن يظنّ الوفاء، كما يجب تكرار قضاء كلّ ما لا يعلم عدده، والأقوى اعتبار العلم

ص: 119

بدخول ما في ذمّته فيما فعله مطلقاً.

قوله: «مَن ترك الصلاة مستحلّاً قُتل إن كان وُلِد مسلماً».

هذا إذا كان ذكراً، أمّا المرأة فلا تُقتل بل تُحبس وتُضرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب أو تموت كما لو ارتدّت بغير ترك الصلاة، والأجود إلحاق الخنثى بها. وفي حكم ترك الصلاة ترك شرط مُجمع عليه عُلم ثبوته ضرورة كالطهارة أو جزء كالركوع، دون المختلف فيه كالفاتحة.

قوله: «فإن عاد ثالثةً قُتل، وقيل: بل في الرابعة، وهو الأحوط». حسن.

[الفصل الثالث في صلاة الجماعة]

اشارة

قوله: «وتدرك صلاة الجماعة بإدراك الركوع، وبإدراك الإمام راكعاً». أي اجتماعه معه في حدّ الراكع وإن لم يدرك الذكر أو بعضه.

قوله: «على الأشبه». قويٌّ.

قوله: «ولا تصحّ مع حائل... يمنع المشاهدة».

أي يمنعها في جميع الصلاة، فلو شاهده في بعضها كفى. ويعتبر في الحائل المانع كونه جسماً غير مأموم، ولا فرق بين الأعمى وغيره.

قوله: «إلّا أن يكون المأموم امرأةً».

والإمام رجل، ويشترط مع ذلك علمها بانتقالات الإمام إلى الركوع والسجود ومنهما؛ لتتحقّق المتابعة الواجبة. والخنثى كالرجل إذا كان مأموماً، وكالمرأة إذا كان إماماً.

قوله: «ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم، بما يعتدّ به كالأبنية، على تردّد».

هذا هو الأشهر، والمرجع في الاعتداد إلى العرف، وقدّر بما لا يتخطّى عادة، وهو قريب منه.

قوله: «ويجوز أن يقف على علوّ من أرض منحدرة».

ص: 120

مع مساواة موضع مساجد كلّ منهما بالنسبة إليه، أو ما في حكمها.

قوله: «ولو كان المأموم على بناءٍ عالٍ كان جائزاً».

مع عدم أدائه إلى البعد المفرط عادةً، ولا عبرة بتقدير البناء واقعاً في التقدّم والتأخّر.

قوله: «ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة».

ويُعتبر ذلك بين صفوف المؤتمّين أيضاً، فتبطل صلاة الصفّ المتباعد بذلك ومَن خلفه، وإنّما يُغتفر [التباعد بين] (1) الصفوف المتّصلة إذا لم يؤدّ إلى تخلّف المتأخّر عن الإمام بما يخرج عن اسم القدوة عرفاً.

قوله: «ويكره أن يقرأ المأموم خلف الإمام إلّا إذا كانت الصلاة جهريّةً ثمّ لا يسمع ولا همهمة، وقيل: يحرم، وقيل: يستحبّ أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه، والأوّل أشبه».

قويٌّ، وحينئذٍ فيقرأ الفاتحة وحدها سرّاً، ولو سبّح جاز مطلقاً ما لم يمنعه عن سماع القراءة فيكره.

قوله: «ولو كان الإمام ممّن لا يُقتدى به وجبت القراءة». بأن كان مخالفاً، فصلّى معه تقيّة، وحينئذٍ فتجب عليه القراءة لنفسه، وإنّما يتابعه صورة. ثمّ إن فرغ من القراءة معه فذاك، وإن سبقه بقي ذاكراً مسبّحاً إلى أن يركع. وإن سبقه الإمام، فإن كان قد أكمل الفاتحة اجتزأ بها وركع معه، وإن لم يكملها استمرّ قارئاً إلى أن يبلغ حدّ الراكع ويسقط عنه الباقي.

قوله: «وتجب متابعة الإمام».

بمعنى أن لا يسبقه بالأفعال، بل إمّا أن يقارنه، أو يتأخّر عنه وهو الأفضل. ولا تجب المتابعة في الأقوال على الأقوى، نعم يستحبّ مع سماعها منه مؤكّداً. ويستثني منها تكبيرة الإحرام، فلا يكبّر حتّى يكبّر الإمام وجوباً.

قوله: «فلو رفع المأموم رأسه عامداً استمرّ».

ص: 121


1- أضفناها لاقتضاء السياق.

قائماً على حالته إلى أن يلحقه الإمام، ولا يجوز له الرجوع إليه، فلو رجع بطلت صلاته.

قوله: «وإن كان ناسياً أعاد».

وجوباً على الأقوى، ولو لم يعد لم تبطل وإن أثم، والظانّ كالناسي.

قوله: «ولا يجوز أن يقف المأموم قدّام الإمام».

يتحقّق التقدّم عليه بتقدّم عقبه على عقبه وأصابعه على أصابعه قائماً وراكعاً، والمعتبر في حال الجلوس بمؤخّر بدنه كالألية، ومضطجعاً بالجنب.

قوله: «ولو صلّى اثنان فقال كلّ منهما: كنتُ إماماً صحّت صلاتهما».

هذا إذا كان ذلك بعد تمام الصلاة، أمّا في الأثناء؛ فإن كان قبل القراءة تعيّن الانفراد، وبعد الركوع تبطل الصلاة حيث تبطل بعدها.

قوله: «ويجوز أن يأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان، والمتنفّل بالمفترض، والمتنفّل والمفترض بالمتنفّل في أماكن، وقيل: مطلقاً».

الأقوى اختصاصه بأماكن خاصّة كما في الصور الثلاث، فموضع اقتداء المتنفّل بالمفترض ما لو كان الإمام مبتدئاً للصلاة والمأموم مُعيداً، وبالعكس في العكس، والمتنفّلين في المعيدين، وفي صلاة العيد المندوبة والاستسقاء.

قوله: «ويستحبّ أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلاً». أو امرأة مؤتمّة بمثلها، والخنثى هنا كالمرأة المقتدية برجل.

قوله: «وخلفه إن كانوا جماعةً». المراد بها هنا ما فوق الواحد.

قوله: «أو امرأةً».

إن كان إمامها رجلاً أو خنثى، وإلّا وقفت عن اليمين كما مرّ.

قوله: «إذا صلّى العاري بالعراة جلس وجلسوا في سمته، لا يبرز إلّا بركبتيه».

مع عدم أمن المطّلع ولو منهم، فلو كانوا في ظلمة مانعة منها، أو فاقدي البصر

ص: 122

وأمنوا اطّلاع غيرهم، صلّوا قياماً مومئين للركوع والسجود كالعاري المنفرد.

قوله: «ويستحبّ أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلّي تلك الصلاة جماعةً».

وكذا يستحبّ لمن صلّى جماعة إذا وجد جماعة أُخرى وإن لم تكن أكمل إماماً ومأموماً، ويتراسل الاستحباب على الأقوى.

قوله: «ویکره تمكين الصبيان منه».

بل يكره لغير أهله مع وجودهم، كما يكره لهم التأخّر، ولو لم يكملوا الصفّ جاز لغيرهم إكماله من غير كراهة.

قوله: «ويكره أن يقف المأموم وحده، إلّا أن تمتلئ الصفوف».

المراد به الذكر والأُنثى مع كون الإمام مماثلاً، فلا يكره للأُنثى إذا لم يكن معها مثلها، وكذا الخنثى.

قوله: «ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذّن: «قد قامت الصلاة» على الأظهر». قويٌّ.

[إمام الجماعة]

قوله: «يعتبر في الإمام الإيمان و... والبلوغ على الأظهر». قويٌّ، إلّا أن يؤمّ مثله.

قوله: «وأن لا يكون قاعداً بقائمٍ».

وكذا كلّ ذي مرتبة دنياً بمن هو أعلى منه.

قوله: «لا أُمّياً بمن ليس كذلك».

المراد به هنا: مَن لا يُحسن قراءة مجموع الفاتحة وسورة، وبغيره مَن يحسنهما. ولو اتّفقا في الأُمّية جاز اقتداء أحدهما بالآخر مع اشتراكهما في شخص مجهول، وضيق الوقت عن التعلّم، وتعذّر الأكمل. ولو زاد أحدهما عن الآخر جاز اقتداء الناقص بصاحبه دون العكس، وكذا لو كان أحدهما لا يحسن تمام الفاتحة والآخر يحسنها ولكن لا يحسن تمام سورة جاز ائتمام الأوّل بالثاني دون العكس.

قوله: «ولا يشترط الحرّيّة على الأظهر». قويٌّ.

ص: 123

قوله: «ويشترط الذكورة إذا كان المأموم ذُكراناً». أو خنثى.

قوله: «ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء، وكذا الخنثى». أي يجوز أن تؤمّ الأُنثى لا الخنثى.

قوله: «ولو كان الإمام يلحن في قراءته لم تجز إمامته بِمُتقِنٍ على الأظهر». قويٌّ، ولا فرق بين اللحن المغيّر للمعنى وغيره.

قوله: «وكذا من يبدل الحرف كالتمتام وشبهه».

المراد به: مَن لا يُحسن تأدية التاء على وجهها، وقد يُطلق على مَن يكرّرها إذا أراد التلفّظ بها، كما يقال لمن يكرّر الفاء: فأفاء، وبهذا المعنى يكره إمامته خاصّة. ومثله بالمعنى الأوّل الألثغ بالمثلّثة: وهو مَن يُبدّل حرفاً بغيره، وبالمثناة من تحت: وهو الذي لا يبيّن بعض الحروف.

قوله: «وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولى بالتقدّم».

المراد بصاحب المسجد: الإمام الراتب فيه، وبصاحب المنزل: ساكنه وإن لم يكن مالكاً، والثلاثة أولى من غيرهم وإن كان أكمل منهم من جهة أُخرى.

قوله: «والهاشمي أولى من غيره».

المراد بغيره: غير الثلاثة السابقة، والأقوى أنّ الأفقه والأقرأ أولى منه أيضاً.

قوله: «فإن اختلفوا قدّم الأقرأ فالأفقه، فالأقدم هجرة، فالأسنّ».

المراد بالأقرأ: الأعلم بجودة الأداء وإتقان القراءة وإن لم يكن حافظاً، وبالأفقه: الأعلم بفقه الصلاة، فإن تساووا فيه فالأعلم بمطلق الفقه، وبالأقدم هجرة: المنتقل من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام قبل الآخر، وبالأسنّ: الأكبر سنّاً في الإسلام.

قوله: «إذا مات الإمام أو أُغمي عليه استنيب مَن يتمّ الصلاة».

ويجب على المأموم نيّة إتمام الصلاة مؤتمّاً بالنائب، سواء كان المستنيب الإمام أو المأموم على الأقوى.

قوله: «وكذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز أن يستنيب، ولو فعل ذلك اختياراً جاز».

ص: 124

نبّه ب-«ذلك» على خلاف أبي حنيفة حيث منع من الاستخلاف هنا؛ لبطلان الصلاة، فيبطل حكمها على الجماعة. بخلاف ما لو سبقه الحدث، فإنّ الصلاة لا تبطل عنده، وإذا بقي حكمها بقي حكمها على الجماعة (1). وهذا عندنا باطل؛ لبطلان أصله. وقد اشتبه معنى هذه العبارة على قوم، فخبطوا فيها خبط عشواء، حيث نظروا إلى عدم جواز قطع الصلاة اختياراً، فحملوا ذلك على ما لو كان قبل الشروع في الصلاة، أو على ما إذا انتهت صلاة الإمام لكونه مقصّراً والمأموم متمّماً فسمّى الانتهاء قطعاً، أو على ما إذا عزل نيّته عن الجماعة مع بقائه على الصلاة منفرداً للمأموم أن يقيم غيره حتّى يتمّ إماماً ويتمّ معه الصلاة، وهذا كلّه مع فساده لا يُطابق العبارة.

قوله: «ويكره... وأن يؤمّ الأجذم ... والأغلف». مع تعذّر الختان عليه ولو لضيق الوقت، وإلّا لم تصحّ صلاته.

قوله: «وإمامة مَن يكرهه المأموم».

أي يكره كونه إماماً، بل يريد الاقتداء بغيره، فتقدّم هو على ذلك الغير بحيث منعه من الإمامة وإن كان المتقدّم أكمل؛ لأنّ مختار المأموم مقدّم على كمال الإمام. وهذا أجود ممّا قيل: إنّ كراهته إن كانت لدين لم تُكره، وإن كانت لدنيا كرهت (2).

قوله: «وأن يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين».

المراد بالأعرابي هنا: ساكن البادية مع عدم وجوب الهجرة عليه، وربما أُطلقت على مَن تلزمه المهاجرة فيترك، وعلى مَن لا يعرف منهم محاسن الإسلام، وواجب الأحكام بهذين المعنيين تمتنع إمامته.

[أحكام الجماعة]

قوله: «إذا ثبت أنّ الإمام فاسق، أو كافر، أو على غير طهارة بعد الصلاة... ولو علم في

ص: 125


1- بدائع الصنائع، ج 1، ص 226؛ المبسوط، السرخسي، ج 1، ص 180.
2- قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 305، المسالة 579.

أثناء الصلاة قيل: يستأنف، وقيل: ينوي الانفراد ويتمّ، وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «ويجوز أن يمشي في ركوعه حتّى يلحق بالصفّ».

بشرط أن لا يستلزم الفعل الكثير، وأن يكون في غير وقت الذكر الواجب، وينبغي أن يجرّ رجليه ولا يرفعهما.

قوله: «إذا وقف الإمام في محراب داخل، فصلاة مَن يقابله ماضية، دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه».

المراد به الداخل في المسجد؛ لعدم مشاهدة من يشاهده. أمّا الداخل في الحائط فإنّ الصلاة خلفه جائزة مطلقاً؛ لعدم المانع، فإنّ مَن على يمينه ويساره يشاهدون مَن وراءه ولو بواسطة بأطراف أعينهم.

قوله: «لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر، فإن نوى الانفراد جاز».

إذا نوى الانفراد جاز له المفارقة في جميع أحوال الصلاة، ثمّ إن كان قبل القراءة قرأ لنفسه، أو فيها قرأ من حيث فارق والأولى استئنافها، أو بعدها كفته قراءة الإمام، حتّى لو دخل في جزء منها وفارق بعده أجزأ وإن فاته ثواب الجماعة، هذا إذا لم تجب الجماعة، وإلّا حرم الانفراد.

قوله: «الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدّة». مع مراعاة الشرائط التي من جملتها عدم البعد والتقدّم على الإمام وغيرهما، وفي معناه ما لو كان أحدهما في السفينة والآخر على الشاطئ.

قوله: «إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشي الفوات».

الأولى أن يُراد به فوات جزء من الصلاة مع الإمام وإن أدرك الركعة، وفي بعض الأخبار قطعها متى أُقيمت الصلاة وإن لم يدخل فيها (1)، وهو حسن.

قوله: «وإن كانت فريضةً نقل نيّته إلى النفل ... وأتمّ ركعتين».

ص: 126


1- الكافي، ج 3، ص 379 - 380، باب الرجل يصلّي وحده ...، ح 1، 3 و 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 51، ح 177، وص 274، ح 792.

إن لم يكن تجاوزهما، وإلّا استمرّ، وحيث يعدل إلى النافلة يجوز له قطعها كما لو نواها ابتداءً.

قوله: «إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة كبّر وسجد معه، فإذا سلّم قام فاستأنف».

الأقوى تخيّره بين السجود معه، والجلوس من غير سجود، وانتظاره قائماً إلى أن يقوم أو يكمل الصلاة، ولا يستأنف في الأخيرين وإن كان الأوّل أفضل ثمّ ما يليه، وكذا لو أدركه بين السجدتين. ولا فرق بين الركعة الأخيرة وغيرها.

قوله: «وقيل: بنى على التكبير الأوّل، والأوّل أشبه». حسن.

قوله: «يجوز أن يسلّم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وغيرها».

مع نيّة الانفراد، وبدونها على الظاهر؛ بناءً على عدم وجوب المتابعة في الأقوال.

قوله: «إذا وقف النساء في الصفّ الأخير فجاء رجال وجب أن يتأخّرن إذا لم يكن للرجال موقف أمامهنّ».

إن لم تجوز المحاذاة، وإلّا كان تأخّرهنّ على الاستحباب. وإنّما يجب حيث یجب إذا لم يكن المكان ملكاً لهنّ، وإلّا استحبّ أيضاً.

[خاتمة فيما يتعلّق بالمساجد]

قوله «يستحبّ اتّخاذ المساجد مكشوفةً غير مسقّفة».

جمعَ بينهما، للتنبيه على أنّ المراد بالأوّل هو الثاني لا مطلق الكشف، فلو وضع عليه عريشاً (1) ونحوه لم يكره، كما فعل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بمسجده. كلّ ذلك مع عدم الحاجة إلى السقف، وإلّا انتفت الكراهة، وينبغي الجمع بين الفرضين بتسقيف بعضه وكشف بعض.

قوله: «وأن تكون الميضأة على أبوابها».

ص: 127


1- العريش: ما يُستظلّ به. الصحاح، ج 2، ص 1010، «عرش».

هي المطهرة، وإنّما يستحبّ وضعها خارجه ابتداءً، أمّا بعد وضعه فلا يجوز جعلها وسطه، وهو المراد من قول مَن عبّر بتحريم جعلها وسطاً (1).

قوله: «والمنارة مع حائطها لا في وسطها».

هذا إن وضعت ابتداءً، وإلّا حرم توسيطها كالميضأة.

قوله: «وأن يتعاهد نعليه» (2).

وكذا ما في معناه من مظنّات النجاسة كالعصا.

قوله: «ويجوز نقض ما استهدم».

أي ما أشرف على الانهدام، وكذا يجوز نقضه لتوسعته، لكن يؤخّر هدمه حينئذٍ إلى أن تتمّ العمارة، إلّا مع الاحتياج إلى الآلة فيؤخّر بحسب الإمكان.

قوله: «ويجوز استعمال آلته في غيره».

مع استغنائه عنها، أو تعذّر استعمالها فيه؛ لخرابه، أو كون الآخر أحوج منه؛ لكثرة المصلّين ونحوه.

قوله: «ويستحبّ كنس المساجد والإسراج فيها».

ولا فرق في استحباب إسراجها بين إقامة أحد فيها وعدمه، ومحلّه الليل أجمع.

قوله: «ويحرم زخرفتها». أي نقشها بالزخرف وهو الذهب، أمّا نقشها بغيره فيكره على الأقوى.

قوله: «ونقشها بالصور». ذوات الأرواح، وإلّا كره.

قوله: «وبيع آلتها». مع غناها عن بيعها وعدم المصلحة، وإلّا جاز.

قوله: «ولا يجوز إدخال النجاسة إليها».

ص: 128


1- هو ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 279.
2- هذا القول وشرحه لم يردا في «م».

مع تعدّيها إليها أو إلى آلاتها، وإلّا فلا على الأقوى.

قوله: «ولا إزالة النجاسة فيها».

مع استلزامها تنجيس ما يحرم تنجيسه منها، وإلّا فلا على الأقوى.

قوله: «ولا إخراج الحصى منها».

إن كانت فرشاً أو جزءاً منها، أمّا لو كانت قمامة استحبّ إخراجها، وكذا التراب.

قوله: «ويكره تعليتها، وأن يعمل لها شرف، أو محاريب داخلة في الحائط».

أي داخلة كثيراً، وكذا يكره الداخلة في المسجد.

قوله: «وأن تجعل طريقاً».

إن لم يستلزم انمحاء صورة المسجديّة، وإلّا حرم، وهو الفارق بين جعلها طريقاً - المكروه - وجعلها في طريق المحرّم.

قوله: «ويستحبّ أن يتجنّب: ... وإنفاذ الأحكام». دائماً إذا كثر، لا نادراً.

قوله: «وتعريف الضوالّ». إنشاداً ونشداناً.

قوله: «وإنشاد الشعر».

استثني منه ما يكثر منفعته مع قلّته، كبيت حكمة، وشاهد على لغة في كتاب أو سنّة، ونحوه ممّا يعدّ عبادة.

قوله: «ورفع الصوت». ولو في قراءة القرآن.

قوله: «ویکره: ... وكشف العورة».

مع أمن المطّلع المحترم، وكذا يكره كشف السرّة والركبة وما بينهما.

قوله: «إذا انهدمت الكنائس والبيع فإن كان لأهلها ذمّة لم يجز التعرّض لها. وإن كانت في أرض الحرب، أو باد أهلها جاز استعمالها في المساجد».

لا في غيرها، وكذا لا يجوز نقضها، إلّا ما لا بدّ منه في تحقّق المسجديّة كالمحراب.

قوله: «الصلاة المكتوبة في المساجد أفضل من المنزل، والنافلة بالعكس».

إلّا أن يرجو تأسّي غيره به ممّن لا يصلّيها فيستحبّ إيقاعها في المسجد، وغيره

ص: 129

ممّا يظهر حاله. وإنّما تستحبّ الفريضة في المسجد في حقّ الرجال، أمّا النساء فبيتهنّ أفضل مطلقاً.

قوله: «الصلاة في [المسجد] الجامع بمائة».

المراد بالجامع: ما يجتمع فيه أهل البلد غالباً وإنّ تعدّد، ومسجد المحلّة في البلد الكبير بمنزلة مسجد القبيلة.

قوله: «وفي السوق».

فيه حذف المضاف، أي مسجد السوق.

[الفصل الرابع في صلاة الخوف والمطاردة]

[صلاة الخوف]

قوله: «صلاة الخوف مقصورة سفراً، وفي الحضر، إذا صلّيت جماعةً. فإن صلّيت فرادی قيل: تقصّر». قويٌّ.

قوله: «إذا صلّيت جماعة فالإمام بالخيار، إن شاء صلّى بطائفة ثمّ بأُخرى... وإن شاء يصلّي كما صلّى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بذات الرقاع».

هو موضع على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر أروما (1)، سمّيت بذلك لاشتمال المكان على جُدَد (2) حمر وصفر كالرقاع، أو لأنّ الصحابة كانوا أو أكثرهم حفاة فلفّوا على أرجلهم الجلود والخرق من حرّ الرمضاء، أو لأنّ أرجلهم نقبت من المشي فلفّوا عليها ذلك، أو لرقاع كانت في ألويتهم، أو أنّ الرقاع اسم شجرة في موضع الرقعة.

[شروطها]

قوله: «أمّا الشروط: فأن يكون الخصم في غير جهة القبلة».

ص: 130


1- معجم البلدان، ج 2، ص 64 - 65، «الرقاع».
2- الجُدَد: جمع جُدَّة وهي طرائق ملوّنة في الأرض والجبال. الصحاح، ج 1، ص 453، «جدد».

الأقوى عدم اشتراط ذلك فيها وإن كان الأولى حينئذٍ صلاة عسفان؛ للتأسّي بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم .

قوله: «وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين».

إن لم تكن الصلاة أكثر من ركعتين، وإلّا جاز التفريق بحسب الركعات كالمغرب.

[كيفيّتها]

قوله: «فإن كانت الصلاة ثُنائيّةً صلّى بالأُولى ركعةً وقام إلى الثانية فينوي مَن خلفه الانفراد».

ولو لم ينو جاز؛ لانتهاء ما نوى الائتمام فيه ابتداءً.

قوله: «وإن كانت ثُلاثيّةً فهو بالخيار إن شاء صلّى بالأُولى ركعة وبالثانية ركعتين، وإن شاء بالعكس».

والأوّل أفضل؛ لفعل عليّ علیه السلام (1)، وتقارب الفرقتين في إدراك الأركان والقراءة المتعيّنة.

[أحكامها]

قوله: «كلّ سهو يلحق المصلّين في حال متابعتهم لا حكم له».

هذا مبنيّ على تحمّل الإمام سهو مَن خلفه، والمصنّف لا يقول به، ولا خصوصيّة لصلاة الخوف هنا. ويمكن أن يريد بالسهو الشكّ مجازاً، فيتمّ على مذهبه.

قوله: «أخذ السلاح واجب في الصلاة، ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على قول، والجواز أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو كان ثقيلاً يمنع شيئاً من واجبات الصلاة لم يجز».

إلّا مع الضرورة فيجب، ويصلّي بحسب الإمكان ولو بالإيماء.

قوله: «إذا سها الإمام سهواً يوجب السجدتين، ثمّ دخلت الثانية معه».

ص: 131


1- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 262، المسألة 1451؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 2، ص 133.

لم يجب عليها اتّباعه؛ بناءً على وجوب متابعة المأموم إمامه فيه في غيره، كما اختاره الشيخ (1). وعليه فالواجب السجود على الفرقة الأُولى خاصّة، وعلى ما اختاره المصنّف لا يجب عليهما.

[صلاة المطاردة]

قوله: «وأمّا صلاة المطاردة وتسمّى صلاة شدّة الخوف».

هذه الصلاة من جملة أقسام صلاة الخوف فعطفها عليها من باب (2) عطف الخاصّ على العامّ لمزيد الاهتمام، وإلّا فشدّة الخوف من أفراد الخوف.

قوله: «ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايفة».

ضابط فعلها أن لا يمكن فعل الصلاة على الوجه المعتبر في أحد أنواع صلاة الخوف المقرّرة على وجه يأمنون من الضرر.

قوله: «إذا لم يتمكّن من النزول صلّى راكباً، ويسجد على قَربوس سرجه».

هو بفتح أوّله وثانيه، وإنّما يسجد عليه إذا كان من جنس ما يسجد عليه أو تعذّر وضع شيء منه عليه، وإلّا وجب مراعاته.

قوله: «وإن لم يتمكّن أومأ إيماء».

برأسه، فإن تعذّر فبعينيه كغيره ممّن فرضه الإيماء.

قوله: «وإن خشي صلّى بالتسبيح».

القدر المجوّز له تعذّر الإيماء مع الإتيان بباقي الأفعال، ويجب مع التسبيح النيّة والتكبير قبله، والتشهّد والتسليم بعده.

قوله: «إذا صلّى مومئاً فأمن أتمّ صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها، ولا يستأنف، وقيل: ما لم يستدبر [القبلة] في أثناء صلاته».

ص: 132


1- المبسوط، ج 1، ص 234.
2- في «ض»: جهة.

الأقوى عدم الاستئناف مطلقاً.

[الفصل الخامس في صلاة المسافر]

قوله: «أمّا الشروط فستّة، الأوّل: اعتبار المسافة، وهي مسير يوم».

معتدل الزمان والسير والأرض.

قوله: «بریدان: أربعة وعشرون إصبعاً (1)»

معتبرة بست قبضات بالأصابع المعتدلة المضمومة المنفردة عن الإبهام.

قوله: «والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، الذي طوله أربع وعشرون إصبعاً، تعويلاً على المشهور بين الناس، أو مدّ البصر من الأرض».

من المبصر المتوسّط على وجه يميّز الفارس من الراجل.

قوله: «ولو كانت المسافة أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه فقد كمل مسير يوم ووجب التقصير».

أو لليلته، أو ذهب ليومه وأراد الرجوع لليلته، أو بالعكس مع اتّصال السفر عرفاً.

قوله: «ولو كان للبلد طريقان، والأبعد منهما مسافة، فسلك الأبعد، قصّر».

ذاهباً وعائداً، ولو سلك الأقصر أتمّ، إلّا أن يعود في الأبعد فيقصّر فيه.

قوله: «الشرط الثاني: قصد مسافة».

لا فرق في ذلك بين التابع والمتبوع، كالعبد والزوجة، والولد والأسير، نعم يكفي في التابع قصد المتابعة إذا علم مقصد المتبوع إلى المسافة.

قوله: «ولو خرج ينتظر رفقةً، إن تيسّروا سافر معهم».

منتظر الرفقة إمّا أن يكون قبل تجاوز حدود البلد، أو بعده قبل بلوغ المسافة، أو بعده. ثمّ إمّا أن يعلّق سفره عليها، أو يجزم بالسفر من دونها على تقدير عدم مجيئها. ثمّ إمّا أن يعلم، أو يظنّ مجيئها، أو يشكّ.

ص: 133


1- في شرائع الإسلام: «ميلاً» بدل «إصبعاً».

فإن كان توقّعه في محلّ التمام أتمّ مطلقاً، وإن كان بعده قبل بلوغ المسافة: فإن علم أو ظنّ مجيئها أو جزم بالسفر من دونها قصّر مطلقاً إلى أن يمضي ثلاثون يوماً، وإن شكّ وعلّقه عليها أتمّ.

ولو كان بعد بلوغها قصّر مطلقاً إلى أن يمضي ثلاثين يوماً.

قوله: «الثالث: أن لا يقطع السفر بإقامةٍ في أثنائه. فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستّة أشهر أتمّ في طريقه وفي ملكه».

المراد بالملك هنا: العقار الثابت في محلّ الاستيطان أو ما في حكمه وإن لم يصلح للسكنى، ويعتبر ملك عينه. ويستمرّ الحكم ما دام الملك باقياً، فلو انتقل عنه انتقل الحكم، ولو تعدّد اعتبر وجود أحدها على ملكه ذلك القدر وإن خرج السابق. وفي حكمه البلد المتّخذ للمقام على الدوام، ولو تعدّدت البلدان على التناوب اشترط في كلّ واحد استيطان المدّة كالملك.

قوله: «ولو كان له عدّة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأوّل».

كما تعتبر المسافة بين كلّ موطنين تعتبر بين آخر المواطن وغاية مقصده في القصر منها إلى الغاية وإن قصر في العود، إذ لا يضمّ أحدهما إلى الآخر. وكذا القول فيما نوى فيه الإقامة، سواء وقعت النيّة في ابتداء السفر أو بعد الوصول إلى محلّها.

قوله: «والوطن الذي يتمّ فيه هو كلّ موضع له فيه ملك قد استوطنه ستّة أشهر فصاعداً».

يشترط في الاستيطان الصلاة تماماً بنيّة الإقامة، لا مطلق الإقامة، ولا مطلق التمام.

قوله: «الرابع: أن يكون السفر سائغاً».

أي جائزاً بالمعنى الأعمّ وإن كان واجباً.

قوله: «ولو كان معصيةً لم يقصّر».

تتحقّق المعصية به بكونه نفسه معصية كسفر الآبق والناشز، أو تكون غايته أو بعضها معصية كتابع الجائر على جوره والساعي على ضرر مسلم، ولا يعتبر عدم المعصية فيه إذا سلمت ذاته وغايته.

ص: 134

قوله: «كاتّباع الجائر».

في جوره، إمّا في الطريق، أو ليعمل له عملاً محلّلاً، فلا يقدح.

قوله: «ولو كان للتجارة قيل: يقصّر في الصوم دون الصلاة».

الأقوى القصر فيهما.

قوله: «الخامس: أن لا يكون سفره أكثر من حضره... وضابطه أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام».

بل ضابطه أن يسافر إلى مسافة ثلاث سفرات يتخلّل بينها حكم الإتمام بعد الأُولى والثانية، ولا يقيم بينها عشرة أيّام في بلده مطلقاً، أو في غيره مع النيّة، أو عشرة بعد التردّد ثلاثين مطلقاً. وحينئذٍ تحصل الكثرة في الثالثة، فيلزمه الحكم فيها، ويستمرّ ما دام مسافراً إلى مسافة إلى أن يتحقّق أحد الثلاثة، فإن تحقّق انقطعت الكثرة وافتقر إلى ثلاث كذلك، وهكذا، ولو ثبتت الكثرة عرفاً قبل ذلك لحقه الحكم كذلك أيضاً.

قوله: «وقيل: ذلك مختصّ بالمكاري، فيدخل في جملته الملّاح والأجير، والأوّل أظهر».

أي يختصّ حكم قطع الكثرة بإقامة العشرة بالمكاري ومَن في معناه، وغيره يبقى على التمام وإن أقامها وما في معناها، والأقوى انقطاع الكثرة بها في الجميع.

قوله: «ولو أقام خمسة قيل: يتمّ، وقيل يقصّر نهاراً صلاته دون صومه ويتمّ ليلاً، والأوّل أشبه». الأشبه أشبه.

قوله: «السادس: ... لا يجوز للمسافر التقصير حتّى تتوارى جدران البلد، الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان».

الأقوى اعتبار خفائهما معاً ذهاباً وعوداً في القصر، فينقطع في العود بإدراك أحدهما. والمعتبر صورة الجدار لا شبحه، وسماع صوت الأذان وما في معناه وإن لم يميّز فصوله أو يفهم كلامه. ولو اتّسع البلد حدّاً اعتبر أذان محلّته وجدرها، ويعتبر منهما المتوسّط من السامع والمبصر المتوسّط والأرض والوقت المعتدلين.

ص: 135

قوله: «وقيل: يقصّر عند الخروج من منزله ويتمّ عند دخوله، والأوّل أظهر». الأظهر أظهر.

قوله: «وإذا نوى الإقامة في غير بلده عشرة أيّام أتمّ».

يعتبر كونها تامّة ولو ملفّقة بما يحصل من يومي الدخول والخروج.

قوله: «وإن تردّد عزمه قصّر ما بينه وبين شهر».

بل ثلاثين يوماً، فلا يكفي الشهر الناقص.

قوله: «ثمّ يتمّ ولو صلاة واحدةً. ولو نوى الإقامة ثمّ بدا له رجع إلى التقصير، ولو صلّى صلاةً واحدةً بنيّة التمام لم يرجع».

المراد صلّى رباعيّة بنيّة التمام، واحترز ب- «النيّة» عمّا لو صلّاها بسبب شرف البقعة كأحد المواطن الأربعة، أو أتمّ ناسياً، فإنّه لا يؤثّر وإن أجزأت، والأقوى الاكتفاء بالشروع في الركعة الثالثة وإن لم يركع عنها. والصوم الواجب والندب إن عيّنا من المسافر، والنافلة المقصورة. ومعنى عدم الرجوع إلى القصر بعد الصلاة تماماً وما في حكمها البقاء عليه إلى أن يخرج إلى مسافة مقصودة جديدة.

قوله: «أمّا القصر، فإنّه عزيمة إلّا أن تكون المسافة أربعاً، ولم يرد الرجوع ليومه على قول». الأشهر أنّه يتمّ.

قوله: «أو في أحد المواطن الأربعة».

الأولى اختصاص الحكم بالمساجد الثلاثة، والمراد بالحائر: مادار عليه سور الحضرة الحسينيّة دون سور البلد، والتخيير فيها مختصّ بالصلاة، أمّا الصوم فيتعيّن فيه القصر.

قوله: «ولو كان جاهلاً بالتقصير فلا إعادة».

وكذا لو جهل المسافة فأتمّ ثمّ تبيّنت وإن كان في الوقت.

قوله: «ولو قصّر المسافر اتّفاقاً لم يصحّ».

فسّر الاتّفاق بقصر قاصد المسافة جاهلاً بوجوبه، وبقصر الجاهل ببلوغ المقصود مسافة ثمّ تبيّن المطابقة، وبنيّة الصلاة تماماً مع العلم بالمسافة ووجوب القصر ثمّ سلّم

ص: 136

على اثنتين ناسياً، والكلّ صحيح.

قوله: «وإذا دخل الوقت وهو حاضر، ثمّ سافر والوقت باق، قيل: يتمّ».

قويٌّ مع مضيّ مقدار الصلاة وشرائطها المفقودة قبل بلوغ محلّ الترخّص.

قوله: «كذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باقٍ، والإتمام هنا أشبه».

قويٌّ مع إدراك ركعة مع الشرائط المفقودة بعد بلوغ حدود البلد.

قوله: «ويستحبّ أن يقول عقيب كلّ فريضة ثلاثين مرّةً: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».

المرويّ أنّ الاستحباب هنا مقصور على المقصورة (1)، ولكن ورد استحباب ذلك بعد كلّ فريضة وإن كان حاضراً (2)، فيدخل المسافر ويبقى الاستحباب عقيب مقصورة مؤكّداً.

قوله: «إذا خرج إلى مسافة فمنعه مانع اعتبر فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان قصّر». إلى ثلاثين يوماً.

قوله: «لو خرج إلى مسافة فردّته الريح، فإن بلغ سماع الأذان أتمّ، وإلّا قصّر».

المراد بالأذان هنا: أذان بلده، فلو كان غيره بقي على القصر وإن كان قد نوى نيّة المقام عشرة وصلّى تماماً.

قوله: «إذا عزم على الإقامة في غير بلده عشرة أياّم ثمّ خرج إلى ما دون المسافة، فإن عزم على العود والإقامة أتمّ ذاهباً وعائداً وفي البلد».

المراد أنّه خرج بعد الصلاة تماماً، أو ما في حكمها، وإلّا رجع إلى القصر بمجرّد الرجوع عن النيّة مطلقاً.

وبالإقامة: إقامة عشرة مستأنفة، وحينئذٍ فيتوقّف القصر على السفر إلى مسافة ولم يحصل.

ص: 137


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 230، ح 594.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 107، ح 406.

ولا فرق هنا بين نيّة الإقامة العشرة في بلد الإقامة الأُولى وغيرها ممّا هو دون المسافة، ولا بين تعليق إقامتها على وصوله إلى المحلّ، أو بعد تردّد إليه، أو إلى غيره ممّا يقصر عنها مرّة ومراراً.

ولو عزم على العود من دون الإقامة أتمّ ذاهباً وفي ما خرج إليه، وقصّر عائداً إن قصد مسافة، وإلّا فلا.

وكذا لو عزم على عدم العود، أو تردّد فيه أو في الإقامة معه، أو ذهل عن القصد.

قوله: «من دخل في صلاة بنيّة القصر، ثمّ عنّ له الإقامة أتمّ، ولو نوى الإقامة عشراً ودخل في صلاته فعنّ له السفر، لم يرجع إلى التقصير، وفيه تردّد».

الأقوى الرجوع إلى القصر ما لم يركع في الثالثة.

قوله: «أمّا لو جدّد العزم بعد الفراغ لم يجز التقصير ما دام مقيماً».

وكذا لو جدّده بعد الركوع من الثالثة وإن لم يتمّ كما تقدّم.

قوله: «الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة - إلى قوله - والأوّل أشبه».

الأقوى أنّ القضاء تابع للأداء فيهما، فيكون الاعتبار بحال الوجوب في الأوّل، وبحال الفوات في الثاني.

قوله: «إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم يصلّ وسافر استحبّ له قضاؤها، ولو في السفر».

المراد بالقضاء هنا الفعل، فإن كان وقتها باقياً صلّاها أداء، وإلّا قضاء.

ص: 138

كتاب الزكاة

[القسم الأوّل في زكاة المال]

[من تجب عليه]

قوله: «فالبلوغ يعتبر في الذهب والفضّة إجماعاً. نعم، إذا اتّجر له من إليه النظر استحبّ له إخراج الزكاة من مال الطفل وإن ضمنه واتّجر لنفسه وكان مليّاً كان الربح له».

المراد بضمانه له: نقله إلى ملكه بوجه شرعي كالقرض، وبملائه: أن يكون له مال بقدر مال الطفل المضمون فاضلاً عن المستثنيات في الدين.

قوله: «أمّا لو لم يكن مليّاً، أو لم يكن وليّاً، كان ضامناً، ولليتيم الربح».

إنّما يكون الربح لليتيم مع الشراء بالعين وكون المشتري وليّاً، أو مع إجازته وحصول الغبطة للطفل، وإلّا بطل البيع مع انتفاء أحد الأمرين، ووقع للمشتري مع انتفاء الأوّل، فالزكاة عليه.

قوله: «وتستحبّ الزكاة في غلّات الطفل ومواشيه، وقيل: تجب».

الأقوى عدم الوجوب.

قوله: «قيل: حكم المجنون حكم الطفل، والأصحّ أنّه لا زكاة في ماله إلّا في الصامت».

المراد بالصامت من المال: الذهب والفضّة، ويقابله الناطق: وهو المواشي والغلّات.

قوله: «والمملوك لا تجب عليه الزكاة... ولو ملّكه سيّده مالاً وصرّفه فيه لم تجب عليه

ص: 139

الزكاة، قيل: يملّك وتجب عليه الزكاة، وقيل: لا يملّك والزكاة على مولاه». قويٌّ.

قوله: «وكذا لو أُوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول».

وتمكّنه من بعضه، وإلّا فمن حين التمكّن.

قوله: «ولو اشترى نصاباً جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة».

مع تمكّنه من قبضه، وإلّا فمن حين التمكّن.

قوله: «ولو شرط البائع، أو هما، خياراً زائداً على الثلاثة بني على القول بانتقال الملك، والوجه أنّه من حين العقد». قويٌّ.

قوله: «ولا تجري الغنيمة في الحول إلّا بعد القسمة».

وقبض الغانم أو وكيله، ولا يكفي قبض الإمام، نعم لو عزلها قابضاً عنه تمّ الملك.

قوله: «لو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول».

المراد أنّه نذر أن يتصدّق به، فإنّ الزكاة لا تجب وإن بقي على ملكه إلى حين التصدّق؛ لمنعه من التصرّف فيه، وأولى منه ما لو نذر جعله صدقة، والفرق بينهما احتياج الأوّل إلى ارتفاع صيغة التصدّق في خروجه عن ملكه، بخلاف الثاني فإنّه يصير صدقة بمجرّد الصيغة. أمّا لو نذر الصدقة بمال في الذمّة لم يكن مانعاً من وجوب الزكاة في ماله وإن كان بصفة المنذور كالدين.

قوله: «وإمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب». فتجب الزكاة بحول الحول وإن لم يجد المستحقّ، لكن لو تلف النصاب قبل التمكّن من أداء الزكاة سقطت، ولو تلف البعض سقط بحسابه.

قوله: «فلا تجب الزكاة في المال المغصوب».

هذا إذا كان المال ممّا يعتبر فيه الحول، أمّا ما لا يعتبر فيه كالغلّات، فإن استوعب الغصب مدّة شرط الوجوب - وهو نموّه في ملكه بأن لم يرجع حتّى بدا الصلاح - لم تجب، ولو عاد قبله وجبت، كما لو انتقلت إلى ملكه حينئذٍ.

قوله: «ولا الرهن على الأشبه».

ص: 140

إن لم يتمكّن مالكه من فكّه، وإلّا وجبت.

قوله: «ولا الوقف».

ولو نتج زكّي النتاج؛ لأنّه بمنزلة النماء، إلّا أن يشرط الواقف دخوله.

قوله: «ولا الضالّ ولا المال المفقود».

المراد بالضالّ الحيوان، وبالمفقود غيره من الأموال. ويشترط في مدّة الضلال والفقدان إطلاق الاسم عرفاً، فلو ضلّ يوماً في الحول لم ينقطع.

قوله: «ولا الدين حتّى يقبضه، فإن كان تأخيره من جهة صاحبه، قيل: تجب الزكاة على مالكه، وقيل: لا».

قويٌّ، إلّا أن يعيّنه المديون ويمكّنه منه في وقته، فيجري في الحول حينئذٍ.

[ماتجب فيه، وماتستحبّ]

قوله: «وتستحبّ في كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن، عدا الخضر كالقَتّ».

هو - بفتح القاف والتاء المثنّاة من فوق - نوع من الخضر يُطعم للدوابّ، وهو الفصّة والرطبة والقضب (1)، وأمّا الفتّ - بالفاء - فهو نبت يُخبز حبّه ويُؤكل في الجدب، قاله إبن دريد (2)، لكنّه ليس من الخضر.

قوله: «وفي مال التجارة قولان: أحدهما الوجوب، والاستحباب أصحّ». قويٌّ.

قوله: «ولو تولّد حيوان بين حيوانين أحدهما زكاتي روعي في إلحاقه بالزكوي إطلاق اسمه».

إذا أُطلق عليه اسم الزكوي وجبت وإن لم يكن أحد أبويه كذلك؛ نظراً إلى قدرة الله تعالى، كما أنّه لو انتفى عنه فلا زكاة وإن كانا معاً زكویّين.

ص: 141


1- انظر الصحاح، ج 1، ص 261؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 11؛ لسان العرب، ج 2، ص 71، «قتت» ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 363.
2- جمهرة اللغة، ج 1، ص 83، «فثث»، ولم يرد فيها «الفتّ» بل ورد «الفثّ».

[القول في زكاة الأنعام]

قوله: «أمّا الشرائط فأربعة: الأوّل، اعتبار النصب، وهي في الإبل اثنا عشر نصاباً... فإذا بلغت مائةً وإحدى وعشرين فأربعون أو خمسون أو منهما».

الضابط حينئذٍ أن يقدّر بما يحصل معه استيعاب العدد، فإن حصل بأحدهما تعيّن كمائة وخمسين ومائة وستّين، وإن حصل بهما تخيّر كمائتين، وإن أمكن بهما وجب الجمع كمائة وسبعين، وإن أمكن بهما أو بأحدهما تخيّر في الثلاثة كأربعمائة، ولو لم يستوعب ذلك منهما تحرّى أكثرهما استيعاباً كمائة وإحدى وعشرين، فيقدّر بالأربعين.

قوله: «وفي البقر نصابان ثلاثون وأربعون دائماً».

ويعتبر فيه ما يستوعب بأحدهما أو بهما كالإبل، فيعتبر الستّين بالثلاثين، والثمانين بالأربعين، والسبعين بهما، ويتخيّر في المائة والعشرين.

قوله: «حتّى يبلغ أربعمائة فيؤخذ من كلّ مائة شاة». وهو الأشهر.

قوله: «وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان».

هذا جواب عن سؤال مقدّر، وهو أنّه إذا كان على القولين يجب في أربعمائة أربع فأيّ فائدة للخلاف؛ وبوجه آخر أنّه إذا كان يجب في الثلاثمائة وواحدة أربع كالأربعمائة فأيّ فائدة في الزائد؟

وجوابه: أنّ الفائدة تظهر في الوجوب، أيّ في محلّ الوجوب، فإنّه إذا كانت أربعمائة فمحلّ الوجوب مجموعها على المشهور، ولو نقصت عن الأربعمائة ولو واحدة كان محلّ الوجوب الثلاثمائة والواحدة والزائد عفو.

ويتفرّع عليه الضمان، فإنّه إذا تلف من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة، ولو كانت ناقصة عن الأربعمائة ولو واحدة وتلف منها شيء لم يسقط شيء ما دامت ثلاثمائة وواحدة؛ لوجود النصاب الموجب للأربع.

قوله: «قد جرت العادة بتسمية ما لا تتعلّق به الفريضة من الإبل شنَقاً». بفتح النون.

ص: 142

قوله: «ومن البقر وقَصاً».

بفتح القاف، ما بين الفريضتين.

قوله: «ولا يضمّ مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخِلطة».

هي - بكسر الخاء - العشرة، وشرائطها اتّحاد المسرح والمراح والمشرع والفحل والحالب والمحلب.

قوله: «الشرط الثاني: السوم».

السوم: هو الرعي، يقال: سامت الماشية تسوم سوماً إذا رَعت.

قوله: «فلا تجب الزكاة في المعلوفة، ولا في السخال، إلّا إذا استغنت عن الأُمّهات بالرعي».

الأقوى أنّ ابتداء حولها من حين النتاج؛ لصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام (1).

قوله: «ولا بدّ من استمرار السوم جملة الحول فلو علفها بعضاً ولو يوماً استأنف الحول عند استئناف السوم».

عشر شهراً».

الأقوى أنّ اليوم لا يؤثّر في السنة ولا في الشهر، والمرجع في ذلك إلى العرف، فمتى خرجت عن كونها سائمة عرفاً استؤنف الحول، وإلّا فلا. قوله: «لا اعتبار باللحظة عادةً، وقيل: يعتبر في اجتماع السوم والعلف، الأغلب». ضعيف.

قوله: «الشرط الثالث: الحول... وحدّه أن يمضي [له] أحَد عشر شهراً».

أي حدّ الحول شرعاً أحد عشر شهراً، فتجب الزكاة بتمامه وإن لم يكمل الحول لغة وهو اثنا عشر شهراً، لكن حقّ استقرار الوجوب مشروط ببقاء شرائط الوجوب إلى آخره، فلو اختلفت في أثنائه - وإن كان في الثاني عشر - سقطت. ثمّ إن كان قد دفعها إلى المستحقّ رجع بها مع علم القابض بالحال أو بقاء عينها، وإلّا فلا.

قوله: «واختلّ أحد شروطها في أثناء الحول بطل الحول. مثل: إن نقصت عن النصاب

ص: 143


1- الكافي، ج 3، ص 533، باب صدقة الإبل، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 41، ح 104؛ الاستبصار، ج 2، ص 24، ح 66.

فأتمّها أو عاوضها بجنسها أو بمثلها على الأصحّ».

قويٌّ، والمراد بالجنس هنا: النوع كالغنم الشامل لصنفيه، وبالمثل: الحقيقة الصنفيّة كالضأن بالضأن.

قوله: «وقيل: إذا فعل، ذلك فراراً وجبت الزكاة، وقيل: لا تجب، وهو الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ولا تعدّ السخال مع الأُمّهات، بل لكلّ منهما حول بانفراده».

هذا إذا كانت السخال نصاباً مستقلّاً بعد نصاب الأُمّهات، كما لو ولدت خمسُ من الإبل خمساً. أمّا لو كان غير مستقلّ بعد الأوّل فالأقوى أنّه لا يبتدئ الحول لها حتّى يكمل حول الأُمّهات، ثمّ يستأنف لهما، وكذا لو ملك عدداً بعد جريان الأوّل في الحول.

قوله: «فإن فرّط المالك ضمن، وإن لم يكن فرّط سقط من الفريضة بنسبة التالف من النصاب».

يتحقّق التفريط بوجود المستحقّ والقدرة على دفعها إليه، وعدمه بعدمه.

قوله: «ولو ارتدّ المسلم قبل الحول لم تجب الزكاة».

احترز به عن المسلمة، فإنّ ارتدادها لا يقطع الحول كالمرتدّ عن ملّة.

قوله: «ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقياً».

ويتولّى الإمام أو الساعي النيّة، ويجزئ عنه وإن عاد إلى الإسلام، بخلاف ما لو أدّاها بنفسه، إلّا أن تكون العين باقية والقابض عالماً بالحال.

قوله: «أن لا تكون عوامل».

المرجع في كونها عوامل إلى العرف كالسوم، فلا تقدح الساعة ولا اليوم في الحول، ولا في الشهر.

[القول في الفريضة]

قوله: «ولو أمكن في [كلّ] عدد فرض كلّ واحد من الأمرين، كان المالك بالخيار في إخراج أيّهما شاء».

ص: 144

كمائتين، فإنّه يتخيّر في إخراج أربع حقق أو خمس بنات لبون، وأشار بذلك إلى أنّه يتعيّن التقدير بما لا يحصل به نقص على الفقراء كما مرّ. قوله: «الثاني في الأبدال. من وجب عليه بنت مخاض وليست عنده أجزأه ابن لبون».

فلو كانت عنده لم يجزئ ابن اللبون وإن كان عنده على الأقوى.

قوله: «من وجبت عليه سنّ وليست عنده وعنده أعلى منها بسنّ، دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهماً».

وكذا يجوز دفع شاة وعشرة دراهم وأخذها، ثمّ إن كان المالك هو الدافع أوقعَ النيّة على المجموع، وإن كان الآخذ أوقعَها عليه كذلك واشترط على المعطي ما يجبر به الزيادة، فيكون نيّة وشرطاً لا نيّة بشرط.

قوله: «ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة لم يتضاعف التقدير الشرعي، ورجع في التقاصّ إلى القيمة السوقيّة على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «وكذا ما فوق الجذع من الأسنان».

وكذا لا يجزئ عن الواجب بدون الجبر، بل يعتبر بالقيمة السوقيّة.

قوله: «الثالث في أسنان الفرائض، بنت المَخاض».

هو - بفتح الميم - اسم للحوامل، وهو اسم جنس لا واحد له من لفظه، والمراد ببنت المخاض: ما من شأنها أن تكون حاملاً، سواء لقحت أم لا.

قوله: «وبنت اللَبون».

اللبون - بفتح اللام - أي ذات لبن ولو بالصلاحيّة.

قوله: «والحِقّة».

هي - بكسر الحاء - الأُنثى من الإبل إذا كمل لها ثلاث سنين.

قوله: «والجَذَعة».

بفتح الجيم والذال، وجمعها جَذَعات - بالفتح أيضاً -: اسم لما في تلك السنّ.

قوله: «والشاة التي تؤخذ في الزكاة، قيل: أقلّه الجذع من الضأن».

ص: 145

قويٌّ، وسنّ الجذع سبعة أشهر إلى سنة.

قوله: «ولا تؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار».

هذا إذا كان في النصاب صحيح أو فتيّ أو سليم من العوار، أمّا لو كان جميعه كذلك أجزأ الإخراج منه، ولو اختلفت قسّط إن لم يتبرّع بالجيّد.

قوله: «قيل: يُقرع».

بل يتخيّر المالك مطلقاً.

[اللواحق]

قوله: «ولو أمهر امرأةً نصاباً وحال عليه الحول في يدها فطلّقها قبل الدخول وبعد الحول كان له النصف موفَّراً».

بمعنى أنّه لا ينقص النصف عليه بسبب الزكاة وإن كان لها الإخراج من عينه، فتغرم له حينئذٍ نصف المخرج. ولا فرق في وجوب الزكاة عليها بين أن يكون الطلاق قبل تمكّنها من الإخراج وبعده، ولا يلحق الأوّل بتلف النصاب بغير تفريط؛ لرجوع عوضه إليها وهو البضع، بخلاف التالف.

قوله: «فلو كان عنده ستّ وعشرون من الإبل فإن مضى عليها حولان وجب عليه بنت مخاض وخمس شياه».

هذا إذا كان في النصاب بنت مخاض أو ما في معناها؛ ليسلم للحول الثاني خمس وعشرون تامّة من غير زيادة. أمّا لو فرض كونها زائدة عليها في السنّ والقيمة، أمكن أن يفرض خروج بنت المخاض عن الحول الأوّل من جزء واحدة من النصاب، ويبقى من المخرج منه قيمة خمس شياه، فيجب في الثالث خمس أُخرى، بل يمكن تعدّد الخمس أيضاً، ويمكن العكس، بأن يكون النصاب بأجمعه ناقصاً عن بنت المخاض، كما لو كانوا ذكراناً، ينقص قيمة كلّ واحد ثمنها، فينقص من الحول الأوّل عن خمس وعشرين، فلا يجب للثاني خمس، وهذا كلّه وارد على إطلاق العبارة.

ص: 146

قوله: «والنصاب المجتمع من المعز و... وكذا من الإبل العراب والبَخاتي».

العراب بكسر العين، والبَخاتي - بفتح الباء - جمع بُختي بضمّها.

قوله: «والمالك بالخيار في إخراج الفريضة من أيّ الصنفين شاء».

هذا مع تساويهما قيمة أو بذله الأجود، وإلّا فالأجود التقسيط.

قوله: «لو قال ربّ المال: لم يحل على مالي الحول، أو قد أخرجت ما وجب عليّ قبلُ منه، ولم يكن عليه بيّنة ولا يمين ولو شهد عليه شاهدان قُبلا».

إنّما تقبل شهادتهما بعدم الإخراج إذا انحصرت على وجه ينضبط؛ إذ الشهادة على النفي الصرف غير مسموعة، وضبطها بأن يدّعي إخراج شاة معيّنة في وقت معيّن، فيشهد الشاهدان بموتها قبل ذلك، أو أنّه أخرج دينه على فلان فيشهدان ببراءته قبله، ونحو ذلك.

قوله: «ولا تُؤخذ الرُبِّى: وهي الوالد إلى خمسة عشر يوماً».

الرُبّى - بضمّ الراء وتشديد الباء -: العنز الوالد عن قرب بمنزلة النفساء من الإنسان، والمانع من إخراجها المرض، فلا تجزئ وإن رضي المالك بدفعها على الأقوى.

قوله: «وقيل: إلى خمسين». وهو ضعيف.

قوله: «لا الأكولة».

هي بفتح الهمزة، ولو دفعها المالك جاز.

قوله: «ولا فحل الضراب».

المراد به القويّ المحتاج إليه لضرب الإناث التي عنده عادةً، فلو استغنى عنها أو عن بعضها كان كغيره.

[القول في زكاة الذهب والفضّة]

[النصاب]

قوله: «ولا تجب الزكاة في الذهب حتّى يبلغ عشرين ديناراً».

ص: 147

المراد بالدينار هنا المثقال.

قوله: «وقيل: لا زكاة في العين حتّى تبلغ أربعين ديناراً». ضعيف.

قوله: «وليس فيما ينقص عن الأربعين زكاة.

هذا إذا نقص في جميع الموازين، أمّا لو نقص في بعضها وكمل في بعض مع كونها غالبة في المعاملة وجبت.

قوله: يكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل».

أراد بذلك بيان قدر المثقال؛ إذ لم يسبق له ذكر، وقد استفيد منه أنّ الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم، وأنّ الدرهم نصف الدينار وخمسه، فيكون النصاب الأوّل من الذهب ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم.

[شروط وجوبها]

قوله: «فلو نقص في أثنائه، أو تبدّلت أعيان النصاب بغير جنسه أو بجنسه لم تجب الزكاة».

المراد بالجنس هنا: الحقيقة النوعيّة، كما لو أُبدل الذهب بالذهب. وبغير الجنس: النقد الآخر، كالذهب بالفضّة.

قوله: «وكذا لو منع من التصرّف فيه سواء كان المنع شرعيّاً كالوقف».

بناءً على جواز وقف الدراهم والدنانير، والمصنّف لا يراه، ومع ذلك فهو مستغن عنه بما ذكر في أوّل الكتاب عامّاً.

قوله: «ولا تجب الزكاة في الحلّي... وقيل: تستحبّ فيه الزكاة».

المرويّ أنّ زكاة الحليّ إعارته استحباباً (1).

قوله: «لا زكاة في السَبائك والنِقار والتبر».

ص: 148


1- الكافي، ج 3، ص 3: 518، باب أنّه ليس على الحليّ و...، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 9، ح 26؛ الاستبصار، ج 2، ص 8، ح 23.

السَبائك أعمّ من الذهب والفضّة والتبر. والنِقار - بكسر النون - جمع نُقرة بضمّها: السبيكة، وقيل: قطع الفضّة (1). والتبر ما كان من الذهب غير مضروب، وبعضهم يجعله كذلك من الفضّة أيضاً (2)، ومن هنا يظهر تداخل الأقسام.

قوله: «وقيل: إذا عملهما كذلك فراراً وجبت الزكاة ولو كان قبل الحول، والاستحباب أشبه». قويٌّ.

[أحكام زكاة الذهب والفضّة]

قوله: «إذا كان معه دراهم مغشوشة، فإن عرف قدر الفضّة، أخرج الزكاة عنها فضّة خالصة وعن الجملة منها».

كما لو كان عنده ثلاثمائة درهم والغش ثلثها، فإن شاء أخرج خمسة جياداً، وإن شاء سبعة ونصفاً منها.

قوله: «ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض ... وقيل: لا يلزم، وهو الأشبه». جيّد.

قوله: «من دفن مالاً وجَهِل موضعه، أو ورث مالاً ولم يصل إليه».

المراد بوصوله إليه تمكّنه من قبضه وإن لم يكن في يده، وفي حكم وصوله إليه وصوله إلى يد وكيله.

قوله: «إذا ترك نفقة لأهله - فهي معرّضة للإتلاف - تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك، وتجب لو كان حاضراً، وقيل: تجب فيها على التقديرين».

التعليل بكونها معرّضة للإتلاف لا يصلح دليلاً لإسقاط الزكاة، فقد وجبت في كثير ممّا هو معرّض له حيث يكون الملك تامّاً، وإنّما الاعتماد على النصوص الواردة بذلك، وعمل بمضمونها الكثير، وفيه مع ذلك (3).

ص: 149


1- كتاب العين، ج 5، ص 145؛ أساس البلاغة، ص 651، «نقر».
2- الصحاح، ج 2، ص 600، «تبر».
3- كذا في «ض»، وفي «م» غير واضحة كأنّها «ونبه».

[القول في] زكاة الغلّات

اشارة

قوله: «لكن يستحبّ فيما عدا ذلك من الحبوب: ممّا يدخل المكيال والميزان، كالذرة والأرزّ والعدس والماش والسُلْت والعَلَس».

السلت - بضمّ السين وسكون اللام - ضرب من الشعير (1)، والعَلَس - بفتح العين واللام - ضرب من الحنطة (2)، وقيل: بالعكس (3). والأصحّ وجوب الزكاة فيهما، وضمّ كلّ منهما إلى صنفه لو اجتمعا .

[شروطها]

قوله: «والحدّ الذي تتعلّق به الزكاة من الأجناس أن يسمّى حنطةً أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً، وقيل: بل إذا احمرّ ثمر النخل أو اصفرّ أو انعقد الحصرم، والأوّل أشبه».

القول الثاني هو الأشهر، وعلى القولين فوقت الإخراج التصفية والتشميس. وتظهر الفائدة في عدم جواز التصرّف فيها بعد الانعقاد وما في معناه حتّى يخرصها ويضمن حقّه الواجب على الثاني دون الأوّل، وفيما لو نقلها إلى غيره بين الوقتين.

قوله: «وقت الإخراج في الغلّة إذا صفت، وفي التمر بعد اخترافه». هو - بالخاء المعجمة - اجتناؤه، كالاقتطاف للعنب، وفي جعل ذلك وقت الإخراج

تجوّز، وإنّما وقته بعد يبس الثمرة وصيرورتها تمراً أو زبيباً.

قوله: «ولا تجب الزكاة في الغلّات إلّا إذا مُلكت بالزراعة، لا بغيرها من الأسباب كالابتياع والهبة».

المراد بالزراعة هنا انعقاد الثمرة على ملكه أو احمرارها أو اصفرارها، فالمنفي في

ص: 150


1- الصحاح، ج 1، ص 253، «سلت».
2- الصحاح، ج 2، ص 952، «علس».
3- قاله الأزهري في تهذيب اللغة، ج 2، ص 96، «علس» ؛ و ج 12، ص 354، «سلت».

قوله: «لا بغيرها من الأسباب كالابتياع» يريد به وقوعه بعد تحقّق الوجوب بحصول أحد الأمور المذكورة قبل البيع وشبهه.

قوله: «ولا تجب الزكاة إلّا بعد إخراج حصّة السلطان، والمؤن كلّها، على الأظهر».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وخالف فيه الشيخ في أحد قوليه، فذهب إلى أنّها على المالك مطلقاً (1). وليس في النصوص ما يدلّ على المشهور، وعموم: «فيما سقت السماء العشر» (2) ينفيه.

والمراد بالمؤن: ما يغرمه المالك على الغلّة، ممّا يتكرّر كلّ سنة، كالحرث والسقي وأُجرة الأعمال والأرض ومؤونة العامل حيث يشترط، وما نقص بسببه من الآلات والعوامل، ولو اشترك بينها وبين غيرها وزّع. ومنها عين البذر إن كان من ماله، ولو اشتراه تخيّر بين إخراج المثل وثمنه وثمن الزرع والثمرة لو اشتراهما، ويعتبر النصاب بعد المؤن المتقدّمة على الوجوب وقبل المتأخّرة عنه كالحصاد.

[اللواحق]

قوله: «كلّ ما سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ففيه العشر، وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العشر».

السيح: ما سقي بالماء الجاري و نحوه ممّا لا مؤونة له، سواء كان قبل الزرع كالنيل (3) أم بعده.

والبعل: ما شرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها.

والعذي - بالكسر -: ما سقته السماء.

والدوالي - جمع دالية -: وهي التي تديرها البقر فترفع الماء، وبحكمها الناعورة.

ص: 151


1- المبسوط، ج 1، ص 304؛ الخلاف، ج 2، ص 67، المسألة 78.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 14 و 15، ح 35 و 38؛ الاستبصار، ج 2، ص 14 و 16، ح 40 و 45.
3- النيل: نهر بمصر؛ لأنّه يفيض ثمّ يزرعون. انظر لسان العرب، ج 11، ص 686 «نيل»؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 394.

والنواضح - جمع ناضح -: وهو البعير يستقى عليه.

قوله: «وإن اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر».

إمّا في عدد السقي، أو في مدّة العيش، أو في كثرة النفع والنموّ. فإن تقابلت فالأولى ترجيح الأخير، ولو أُشكل الأغلب فكالاستواء.

قوله: «إن سبق ما لا يبلغ نصاباً تربّصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصاباً سواء أطْلَع الجميع دفعةً، أو أدرك دفعةً، أو اختلف الأمران».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث فرّق بين الأمرين على اختلاف بينهم في ذلك (1)، وهذه التسوية ترجع إلى أصل الحكم المدلول عليه بما ذكر، فالمسألة من اتّحاد الملك إذا ظهر في السنة.

والمراد أنّ هذا الحكم - وهو ضمّ بعضها إلى بعض - ثابت عندنا مطلقاً، سواء اتّفقا في الإدراك والإطلاع، أو بالإطلاع، أو بالتفريق. ولكنّ المصنّف (رحمه الله) فرض في المسألة إدراك بعضها قبل بعض، ثمّ أردفها بالتسوية بين الأمرين، فظهرت العبارة غير جيّدة، والمراد منها ما ذكرناه.

قوله: «إذا كان له نخل تطلع مرّةً، وأُخرى تطلع مرّتين، قيل: «لا يضمّ الثاني إلى الأوّل ... وقيل: يضمّ، وهو الأشبه». الأشبه أشبه.

قوله: «لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر».

هذا إذا أخذه أصلاً، أمّا لو أخذه قيمة صحّ ولا رجوع وإن نقص.

قوله: «إذا مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت نصاباً لم يجب على الوارث زكاتها».

هذا إذا كان الدين مستوعباً للتركة، ولا فرق حينئذٍ بين اتّحاد المالك وتعدّده، وكذا لو لم يستوعب لكن لم يفضل منها للوارث ما يبلغ النصاب. قوله: «ولو قُضي الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة؛ لأنّه على حكم مال الميّت».

ص: 152


1- حكاه عن الشافعي والقاضي ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 594، المسألة 1877.

الأقوى أنّ التركة تنتقل إلى ملك الوارث، لكن يمنع منها حتّى يوفي الدين، وعلى هذا فلو فضل منها عن الدين نصاب واتّحد الوارث أو بلغ نصيبه نصاباً زكّيت، وقيل: لا تجب مطلقاً (1).

قوله: «ولو ضاقت التركة عن الدين، وقيل يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان، وقيل: تقدّم الزكاة لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدين بها، وهو الأقوى». جيّد.

قوله: «إذا ملك نخلاً قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه وكذا إذا اشترى ثمرةً على الوجه الذي يصحّ».

أي مع الشرط المعتبر في بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح وهو ظهورها، أو الضمّ إليها، أو كون المبيع أزيد من عام، أو بشرط القطع على ما يختاره المصنّف (رحمه الله) في باب البيع.

قوله: «فإن ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك».

هذا إذا ضمن حصّة المستحقّين، وإلّا بطل في قدرها.

[القول في زكاة مال التجارة]

اشارة

قوله: «فهو المال الذي ملك بعقد معاوضة، وقصد به الاكتساب عند التملّك».

أراد بالمال: ما يعمّ العين والمنفعة، فلو استأجر عقاراً للتكسّب تحقّقت التجارة؛ وبالمعاوضة: ما كانت محضة، وهي ما يقوّم طرفاها بالمال كالبيع. والأقوى أنّ قصد المالك عند التمليك غير شرط، بل لو تجدّد قصدها بعده كفى، وهو خيرة المصنِّف في المعتبر (2).

قوله: «وكذا لو اشتراه للتجارة ثمّ نوى القنية».

هذا إشارة إلى شرط آخر غير ما ذكره في التعريف، وهو بقاء قصد الاكتساب طول

ص: 153


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 306.
2- المعتبر، ج 2، ص 548.

الحول، فينتفي الوجوب أو الاستحباب بتجدّد قصد القنية في أثناء الحول كما ينتفي لو وقع ابتداءً.

[شروطها]

قوله: «أمّا الشروط فثلاثة: الأوّل: النصاب».

المعتبر هنا من النصاب أحد النقدين دون غيرهما وإن كان مال التجارة من جنس آخر، فلو اشترى أربعين من الغنم للتجارة اعتبر بلوغ قيمتها النصاب الأوّل من أحد النقدين، ويعتبر في الزائد عنه بلوغ النصاب الثاني كذلك، والمخرج ربع العشر عيناً أو قيمة كالنقدين.

قوله: «الثاني: أن يطلب برأس المال أو زيادة. فلو كان رأس ماله مائةً، فطلب بنقيصة ولو حبّة، لم تستحبّ».

لمّا كان المعتبر هنا نصاب أحد النقدين كان اعتبار الحبّة من أحدهما، ويتحقّق كونها متموّلة عرفاً؛ إذ لا اعتبار بنقصان نحو حبّة الحنطة، وإنّما ينتفي الاستحباب ما دام كذلك، فلو عاد إلى أصله أو زاد استؤنف الحول حينئذٍ.

قوله: «وروي أنّه إذا مضى عليه - وهو على النقيصة - أحوال زكّاه لسنة واحدة استحباباً». حسن.

قوله: «ولو كان بيده نصاب بعض الحول فاشترى به متاعاً للتجارة، قيل: كان حول العرض حول الأصل، والأشبه استئناف الحول».

موضع الخلاف ما إذا كان النصاب الأوّل من أحد النقدين، والأقوى الاستئناف مطلقاً.

[أحكامها]

قوله: «زكاة التجارة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه، ويقوّم بالدنانير أو الدراهم».

هذا إذا كان رأس المال عروضاً، أمّا لو كان أحد النقدين تعيّن تقويمه به، فإن بلغ به

ص: 154

النصاب ثبتت، وإلّا فلا، ولو كان منهما معاً قوّم بهما بالنسبة، ولو كان نقداً وعرضاً قسّط أيضاً على قيمته، وقوّم ما يخصّ النقد به.

قوله: «إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر، تعلّقت بها الزكاة».

هذا إذا اشتريت بعرض أو بما بلغت به من النقد، وإلّا فلا.

قوله: «وقيل: تجتمع الزكاتان هذه وجوباً، وهذه استحباباً». ضعيف.

قوله: «لو عاوض أربعين سائمةً بأربعين سائمةٍ للتجارة، سقط وجوب الماليّة والتجارة، واستأنف الحول فيهما».

الأقوى أنّ الأربعين الأُولى إن كانت للتجارة سقطت الماليّة بالمعارضة دون التجارة، وإن كانت للقنية سقطت الماليّة أيضاً، واستؤنف الحول للماليّة والتجارة، فإن بقيت الشرائط إلى آخر الحول وجبت الماليّة، وإن اختلّت شرائط الماليّة ثبتت التجارة.

قوله: «وهل تخرج قبل أن ينضّ المال؟ قيل: لا؛ لأنّه وقاية لرأس المال، وقيل: نعم؛ لأنّ استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية، وهو أشبه».

المتّجه عدم ثبوت الزكاة قبل الإنضاض مطلقاً.

قوله: «العقار المتّخذ للنماء تستحبّ الزكاة في حاصله».

الأقوى إلحاقه بالتجارة في استحباب الزكاة في حاصله، وعدم اشتراط النصاب والحول فيه، وعلى هذا فلو أجّره بالنقد وبلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الماليّة، ولم يمنعها الإخراج الأوّل.

قوله: «الخيل إذا كانت إناثاً سائمةً وحال عليها الحول».

يشترط مع ذلك أن لا تكون عوامل، وأن تكمل للمالك الواحد فرس كاملة وإن كانت بالشركة كنصف اثنين.

قوله: «ففي العتاق عن كلّ فرس ديناران، وفي البراذين عن كلّ فرس دينار استحباباً».

المراد بالفرس العتيق: الذي أبواه عربيّان كريمان، وبالبرذون - بكسر الباء - خلافه، سواء كان أبواه معاً غير كريمين، وهو البرذون بالمعنى الأخصّ أم أبوه خاصّة، وهو

ص: 155

المقرف، أم أُمّه خاصّة، وهو الهجين.

[النظر الثالث فيمن تصرف إليه الزكاة]

اشارة

قوله: «أصناف المستحقّين للزكاة سبعة».

بناءً على اتّحاد معنى الفقراء والمساكين، وعلى الأقوى من تغايرهما فالأصناف ثمانية. وتظهر الفائدة فيما لو أراد المخرج بسط الزكاة على الأصناف استحباباً أو وجوباً حيث يجب، فإنّه يقسّمها على ما يختار من الأقسام.

[الفقراء والمساكين]

قوله: «وهم الذين تقصر أموالهم عن مؤونة سنتهم، وقيل: مَن يقصر ماله عن أحد النصب الزكويّة». الأقوى الأوّل.

قوله: «ومنهم من فرّق بينهما في الآية، والأوّل أشبه».

الأقوى أنّ الفرق حيث يجتمعان كآية الزكاة، وأنّ المسكين أسوأ حالاً من الفقير؛ لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «الفقير الذي لا يسأل الناس، والمسكين أجهد منه» (1).

وعلى القولين فلا ثمرة مهمّة في تحقيق ذلك؛ للاتّفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث يجتمعان، ودخول أحدهما في الآخر، حيث يذكر أحدهما، وإنّما تظهر الفائدة نادراً في مثل الوقف على أسوأهما حالاً، ونحوه.

قوله: «ومن يقدر على اكتساب ما يموّن به نفسه وعياله لا يحلّ له؛ لأنّه كالغني».

يعتبر في الكسب كونه لائقاً بحاله عادةً، فلا يكلّف غيره، ولو منعه منه الاشتغال بطلب علم ديني جاز له أخذها وإن قدر عليه لو ترك، نعم لو أمكن الجمع من غير منافاة له، أو لبعضه بحيث يعتدّ به منع.

ص: 156


1- الكافي، ج 3، ص 501 باب فرض الزكاة و...، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 104، ح 297.

قوله: «ولو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها، وقيل: يعطى ما يتمّ به كفايته».

قويٌّ، إن أخذها على التعاقب، فيمنع ممّا زاد عن المرّة إن حصل بها التتمّة، أمّا لو أخذ منها دفعة ما يزيد عن التتمّة جاز.

قوله: «و يعطى الفقير ولو كان له دار يسكنها، أو خادم يخدمه إذا كان لا غناء له عنهما».

يتحقّق عدم الغَناء في الخادم بعادة المخدوم لذلك، وعجزه عن الخدمة لزمانة ونحوها. وعلى التقديرين يستثنى له ما تقتضيه العادة، وتدفع به الحاجة وإن زاد على الواحد، ويعتبر فيه وفي الدار ما يليق بحاله عادة كميّة وكيفيّة، فالزائد فيهما يستحبّ من جملة المال كغيره، وفي حكمهما ثياب التجمّل لأهله، والدابّة والكتب كذلك.

قوله: «ولو ادّعى الفقر فإن عرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف به». وكذا غيره من أسباب الاستحقاق كالعيال والاشتغال بالعلم المانع من التكسّب.

قوله: «وكذا لو كان له أصل مال وادّعى تلفه، وقيل: بل يحلف على تلفه».

الأقوى قبول قوله بغير يمين مطلقاً.

قوله: «ولا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، فلو كان ممّن يترفّع عنها وهو مستحقّ جاز صرفها إليه على وجه الصلة».

والنيّة عند وصولها إليه أو وكيله، أو بعده مع بقائها على ملكه.

قوله: «ولو دفعها إليه على أنّه فقير فبان غنيّاً ارتجعت مع التمكّن، فإن تعذّر كانت ثابتةً في ذمّة الآخذ، ولا يلزم الدافع ضمانها».

مع اجتهاد الدافع في البحث عن حاله، وإلّا ضمن.

قوله: «وكذا لو بان أنّ المدفوع إليه كافر، أو فاسق أو ممّن تجب عليه نفقته».

ولا فرق بين كونه عبداً للدافع وغيره على الأقوى.

[العاملون]

قوله: «وهم عمّال الصدقات».

أي الساعون في تحصيلها وتحصينها بأخذ وكتابة وحفظ ونحوه.

ص: 157

قوله: «ويجب أن يستكمل فيهم أربع صفات: التكليف، و... والفقه».

إنّما يشترط الفقه في العامل على العموم، أو فيما يتوقّف عليه، والمراد الفقه بأحكام ما يتولّاه من الزكاة، ويكفي التقليد لأهله.

قوله: «وفي اعتبار الحريّة تردّد». في عدم اعتباره قوّة.

[المؤلّفة قلوبهم]

قوله: «وهم الكفّار الذين يستمالون إلى الجهاد، ولانعرف مؤلّفة غيرهم».

نبّه بذلك على خلاف جماعة من الأصحاب حيث قسّموهم إلى مسلمين وكفّار، وجعلوا المسلمين أربعة أقسام: قوم لهم نظراء من المشركين إذا أُعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام، وقوم في نيّاتهم ضعف فتقوى به نيّاتهم، وقوم بإزائهم آخرون من أصحاب الصدقات إذا أُعطوا جبوها وأغنوا الإمام عن عامل، وقوم في أطراف بلاد الإسلام إذا أُعطوا منعوا الكفّار من الدخول (1).

ويمكن ردّ هذه الأربعة إلى سبيل الله والعاملة؛ فلذا نفاها المصنّف، والأقوى ثبوتها أصالة فاضلاً عن مؤنة الحاجة.

[في الرقاب]

قوله: «وهم ثلاثة: المكاتبون، والعبيد الذين تحت الشدّة».

المرجع في الشدّة إلى العرف، ولا بدّ من صيغة العتق بعد الشراء، ونيّة الزكاة مقارنة للعتق أو الشراء.

قوله: «العبد يشترى ويعتق، وإن لم يكن في شدّة، لكن بشرط عدم المستحقّ».

إنّما يشترط ذلك إذا اشتري من سهم الرقاب، أمّا لو اشتري من سهم سبيل الله حيث يقول بشموله لكلّ قربة لم يشترط.

ص: 158


1- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 457.

قوله: «وروي: رابع، وهو مَن وجبت عليه كفّارة ولم يجد».

الأجود أن يعطى ثمن الرقبة ليشتري هو ويعتق عن نفسه.

قوله: «والمكاتب إنّما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته».

المراد أنّ كسبه قاصر عن مال الكتابة فاضلاً عن مؤنته، فإنّه يعطى ما يتمّ به الحاجة، والأقوى حينئذٍ تخييره بين إخراج ما أخذه على نفقته وأداء النجوم من كسبه وبالعكس.

قوله: «ولو صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه».

المراد أنّه صرفه في غير ما يجوز له صرفه فيه كما بيّنّاه، والأولى أن يراد بالجواز هنا معناه الأعمّ؛ إذ لا يجزئ ذلك عن الزكاة مع تعيّنه لها بالدفع إليه؛ لوقوعه في محلّه وإنّما عرض له فساد التصرّف، وحينئذٍ فيتّجه عدم جواز إخراجها من غيره، فيجب ارتجاعه.

قوله: «ولو ادّعى أنّه كوتب، قيل: يقبل، وقيل: لا، إلّا بالبيّنة أو بحلف، والأوّل أشبه».

قويٌّ، وموضع الخلاف ما لم يكذّبه مولاه.

[الغارمون]

قوله: «نعم، لوتاب صرف إليه من سهم الفقراء».

إنّما يدفع إليه من سهم الفقراء لو كان فقيراً؛ فإنّ الغرم لا يستلزم الفقر، وإنّما يشترط التوبة لو اشترطنا العدالة، أو مجانبة الكبائر حيث تكون المعصية كبيرة، وإلّا لم يتوقّف على التوبة.

قوله: «ولو جهل في ما ذا أنفقه قيل: يمنع، وقيل: لا، وهو الأشبه».

الأقوى جواز إعطائه؛ حملاً لتصرّف المسلم على الصحّة.

قوله: «ولو كان الغارم ميّتاً، جاز أن يقضي عنه وأن يقاصّ».

أي يقضي عنه مَن عليه الزكاة بأن يدفعها إلى صاحب الدين، ولو كانت الزكاة عليه

ص: 159

قاصّه بها بأن يحتسبها عليه ويأخذها مقاصّة، ولو احتسب ما في ذمّة الميّت جاز ولم تتحقّق المقاصّة، ويشترط في الميّت استحقاق الزكاة حيّاً بأن يكون فقيراً أو غارماً كما ذكر.

ولكن نزيد هنا أنّ الغارم الحيّ يستثنى له ما يستثنى في وفاء الدين من الدار والخادم ونحوهما، بخلاف الميّت فإنّ جميع تركته يحتسب منها الدين، فإن قصرت عن ذلك جازت المقاصّة، ولو تعذّر استيفاؤه من تركته - إمّا لعدم إمكان إثباته أو لغير ذلك - فالأقوى جواز احتسابه عليه من الزكاة وإن كان غنيّاً.

قوله: «ولو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه على الأشبه» .قويٌّ.

قوله: «وكذا لو تجرّدت دعواه عن التصديق والإنكار، وقيل: لا يقبل، والأوّل أشبه». قوىٌّ.

[سبيل الله]

قوله: «وهو الجهاد خاصّةً. وقيل: يدخل فيه المصالح، كبناء القناطر، و...» قويٌّ.

[ابن السبيل]

قوله: «ولو فضل منه شيء أعاده، وقيل: لا».

الأقوى وجوب إعادته إلى مالكه أو وكيله، فإن تعذّر فإلى الحاكم، ويحتمل قويّاً جواز دفعه إلى الحاكم ابتداءً، ولا فرق بين النقدين والدابّة وغيرهما من المتاع وإن كان مأكولاً.

[أوصاف المستحقّين]

قوله: «الأوّل: الإيمان، فلا تعطى كافراً».

يستثنى من ذلك المؤلّفة وبعض أفراد سبيل الله، فلا يعتبر الإيمان فيهما قطعاً.

قوله: «ومع عدم المؤمن يجوز صرف الفطرة خاصّةً إلى المستضعفين».

ص: 160

الأقوى المنع من غير المؤمن مطلقاً.

قوله: «الثاني: العدالة، وقد اعتبرها كثير».

إنّما تعتبر عند معتبرها في غير المؤلّفة ومَن في معناهم كما مرّ في الإيمان، والمراد بالعدالة هنا على ما ذكره الشهيد: هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى (1)، ولا تعتبر المروءة فيها كما تعتبر في الشهادة، والأقوى عدم اعتبارها مطلقاً وإن كان تخصيص العدل أولى، نعم تعتبر في الساعي قطعاً.

قوله: «الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك».

واجب النفقة غنيّ مع بذل المنفق لا مطلقاً بالنسبة إلى غير المالك، أمّا هو فلا يجزئه الدفع إليه مطلقاً.

قوله: «ولو كان مَن تجب نفقته عاملاً جاز أن يأخذ من الزكاة».

الضابط أنّ القريب إنّما يمتنع دفعه لقريبه من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرّاً في وطنه، فلو كان من باقي الأصناف أو زادت نفقة السفر عن الحضر جاز الدفع إليه، وكذا نفقة زوجته وخادمه.

قوله: «الرابع: أن لا يكون هاشميّاً. فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره، وتحلّ له زكاة مثله في النسب.

المراد بالمثل مطلق الهاشمي، ويتخيّر مع وجود الخمس بينه وبين زكاة مثله وإن كان الخمس أفضل.

قوله: «ولو لم يتمكّن الهاشمي من كفايته من الخمس، جاز له أن يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي، وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة».

المراد بقدر الضرورة هنا قوت يوم وليلة لا مؤونة السنة، أو ما يملكه. نعم هذا إذا أمكن تحصيل قوت اليوم كلّ يوم إلى أن يحصّل الخمس، فلو علم تعذّره في بعض الأوقات جاز له أخذ مؤونة تلك المدّة المظنون فقدها فيها إلى تمام السنة.

ص: 161


1- غاية المراد، ج 1، ص 184 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).

قوله: «ويجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره».

وكذا الواجبة كالمنذورة، والكفّارة غير الزكاتين على الأقوى. ولا يخفى أنّ المراد بالهاشمي هنا غير النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والأئمّة علیهم السلام، فتحرم عليهم الصدقة مطلقاً.

قوله: «والذين تحرم عليهم الصدقة الواجبة، من ولد هاشم على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «وهم الآن أولاد أبي طالب، والعبّاس، والحارث وأبي لهب».

احترز ب-«الآن» عن مثل زمن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فقد كانوا أزيد من ذلك ثمّ انقرضوا، منهم حمزة علیه السلام فإنّه لم يخلّف إلّا بنتاً.

[المتولّي لإخراج الزكاة]

قوله: «ولو طلبها الإمام وجب صرفها إليه، ولو فرّقها المالك والحال هذه، قيل: لا يجزئ، وقيل: يجزئ وإن أثم، والأوّل أشبه».

قويٌّ، وحينئذٍ فيسترجعها المالك من المستحقّ مع بقاء العين أو علم القابض بالحال، وإلّا فلا.

قوله: «ويجب على الإمام أن ينصب عاملاً لقبض الصدقات، ويجب دفعها إليه عند المطالبة».

أي مطالبة العامل بها، ولو أخرجها المالك بنفسه حينئذٍ فالأقوى عدم الإجزاء، كما لو طلبها الإمام.

قوله: «وإذا لم يكن الإمام موجوداً دفعت إلى الفقيه المأمون».

أي المجتهد العدل الذي لا يتوصّل إلى أخذها بالحِيل الشرعيّة.

قوله: «ولا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجود، ولا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحقّ في البلد».

هذا هو الأحوط، والأقوى جواز نقلها مطلقاً خصوصاً الأفضل، والتعميم.

قوله: «ولا أن يؤخّر دفعها مع التمكّن».

الأقوى جواز تأخيرها شهراً أو شهرين خصوصاً للبسط، ولا يجوز الزائد مطلقاً.

ص: 162

قوله: «ولو لم يجد المستحقّ جاز نقلها ... ولا ضمان عليه».

وأُجرة النقل على المالك في الحالين، وعلى ما اختاره المصنِّف يجب الاقتصار به على الأقرب فالأقرب، فإن تجاوزه فكأصل النقل.

قوله: «ولو نقل الواجب إلى بلده ضمن».

يتحقّق نقل الواجب بعزله في مال خاصّ بقدره بالنيّة، وإلّا فهو ماله، فلا يتحقّق الضمان، وهذا يتمّ مع عدم المستحقّ، وإلّا ففي تعيّنه بذلك بدون قبض المستحقّ نظر؛ لأنّ الزكاة حينئذٍ كالدين لا تتعيّن إلّا بقبض المستحقّ، أو من يقوم مقامه، وكذا القول في تعيين زكاة الفطرة.

[اللواحق]

قوله: «إذا قبض الإمام أو الساعي الزكاة برئت ذمّة المالك».

وكذا لو قبضها الفقيه الشرعي، بخلاف قبض وكيل المالك؛ إلّا أن تتلف بغير تفريط مع عزلها بالبيّنة وعدم المستحقّ.

قوله: «إذا لم يجد المالك لها مستحقّاً فالأفضل له عزلها».

ويتعيّن بذلك للزكاة، فلا يصحّ إبدالها، ولا يضمنها لو تلفت بغير تفريط، ونماؤها المتّصل تابع لها، وكذا المنفصل على الأقوى.

قوله: «المملوك الذي يُشترى من الزكاة، إذا مات ولا وارث له، ورثه أرباب الزكاة، وقيل: بل يرثه الإمام، والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأُجرة على المالك، وقيل: تحتسب من الزكاة، والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «إذا اجتمع للفقير سببان أو مازاد يستحقّ بهما الزكاة».

تظهر الفائدة على تقدير البسط، وفيما لو اندفعت الضرورة المعتبرة في أحد الوجوه فإنّه يجوز أن يزاد بالسبب الآخر، كما لو أُعطي ما يفي بدينه وكان عاملاً، ونحوه.

قوله: «أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل... وقيل: ما يجب في النصاب

ص: 163

الثاني ... والأوّل أكثر».

الأقوى الأوّل، وأنّه على وجه الاستحباب حيث يمكن امتثاله، فلو لم يكن عنده سوی النصاب الأوّل والثاني، فأعطى الأوّل الواحد، جاز إعطاء الثاني لآخر من غير كراهة.

قوله: «إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها وجوباً، وقيل: استحباباً، وهو الأشهر».

الأقوى الوجوب، وكذا يجب على نائبه خصوصاً كالساعي وعموماً كالفقيه، ويستحبّ من الفقير، والأولى اختصاصه بلفظ الصلاة للتأسّي (1).

قوله: «يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختياراً، واجبةً كانت أو مندوبةً، ولا بأس إذا عادت إليه بميراث وما شابهه».

من المشابه شراء الوكيل ودفعه إليه من دينه مع موافقته له في الجنس والوصف، فإنّه يجب عليه قبوله فلا يكره.

قوله: «يستحبّ أن يوسم نَعَمُ الصدقة... ويكتب في المِيْسَم ما أُخذت له».

هو - بكسر الميم وفتح السين - المِكواة بكسر الميم أيضاً، ويستحبّ أن يضيف إلى ما ذكر اسم الله تعالى أيضاً.

[القول في وقت تسليم الزكاة]

قوله: «إذا أهلّ الثاني عشر وجب دفع الزكاة. ولا يجوز التأخير إلّا لمانع».

قد تقدّم أنّ الأقوى جواز التأخير شهرين وإن لم يعزلها اختياراً (2).

قوله: «ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب».

أي تقديمها زكاة بالنيّة، فإنّ ذلك غير مجزئ، وهو المراد من عدم الجواز، وحيث وقع الدفع فاسداً لم يستبح القابض التصرّف فيها مع علمه بالحال.

ص: 164


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 572، ح 1796؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 4، ص 157؛ مصنّف عبد الرزّاق، ج 4، ص 58، ح 6957.
2- تقدّم في ص 162.

قوله: «ولو كان النصاب يتمّ بالقرض لم تجب الزكاة، سواء كانت عينه باقيةً أو تالفةً على الأشبه».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ (1) حيث ذهب إلى أنّ المقترض لا يملك العين إلّا بالتصرّف، فمع بقاء عينها تكون باقية على ملك المقرض فلا يثلم النصاب بالقرض لو تمّ بها، والأقوى ملكه بالقبض فينثلم بالتصرّف مطلقاً.

قوله: «لو دفع إليه شاة فزادت زيادة متّصلة كالسمن لم يكن له استعادة العين مع ارتفاع الفقر».

اعلم أنّ قابض الزكاة المعجّلة على وجه القرض يملكها بالقبض، سواء زادت أم لا، سواء بقي على الاستحقاق أم لا. ثمّ إن كانت مثليّة فعليه مثلها، وإلّا فقيمتها، ولا يتعيّن عليه دفع العين لو طلبها المالك مطلقاً. نعم لو قلنا بأنّ الواجب المثلي مطلقاً، وانحصرت أفراده في العين، وطلبها المالك، تعيّن دفعها إليه مالم تزد زيادة متّصلة. وحينئذٍ فتقييد المصنّف عدم استعادة العين بالزيادة وارتفاع الفقر مستغنى عنه، إلّا أن ينزّل على ما ذكرناه من وجوب المثل وتعذّره في غيرها، وإن استعادها على تقدير بقائه على الاستحقاق لاثمرة له، فيتمّ الكلام، لكنّه فرض نادر جدّاً.

قوله: «لونقصت قيل: بردّها ... والوجه لزوم القيمة حين القبض». الوجه حسن.

قوله: «إذا استغنى بعين المال... وإن استغنى بغيره استعيد القرض».

يتحقّق الغنى بغيره بالغني بنمائه، وبه مع غيره، كما أنّ استغناءه بعينه أو به وبغيره لا يخرج عن الفقر؛ لأنّه لو أُخذ منه صار فقيراً.

[القول في نيّة دفع الزكاة]

قوله: «والمراعى نيّة الدافع إن كان مالكاً».

ص: 165


1- المبسوط، ج 1، ص 320.

نيّة الزكاة قد تكون عند دفع المالك لها إلى المستحقّ وإلى الساعي وإلى الإمام، وعند دفع الساعي إلى الإمام، وعند دفعه أو دفع الإمام لها إلى المستحقّ، وعند دفع المالك لها إلى وكيله، ومن وكيله عند دفعها إلى أحد الثلاثة. والصور كلّها مجزئة، إلّا عند دفعها إلى وكيله خاصّة على الأقوى.

قوله: «وتتعيّن عند الدفع، ولو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه».

قويٌّ مع بقاء العين، أو تلفها وعلم القابض بالحال وهو أنّها زكاة غير منويّة.

قوله: «لو قال: إن كان مالي الغائب باقياً فهذه زكاته، وإن كان تالفاً فهي نافلة صحّ، ولا كذا لو قال: أو نافلة».

الفرق بين المسألتين: أنّ الجزم في النيّة متحقّق في الأُولى على التقديرين، وإنّما التردّد في بقاء المال وعدمه، وذلك غير قادح. بخلاف الثانية فإنّ الترديد فيها حاصل بين الزكاة وغيرها على تقدير واحد، وهو حالة بقاء المال، فلم تقع النيّة صحيحة.

قوله: «ولو كان له مالان متساويان - حاضر وغائب - فأخرج زكاة ونواهاعن أحدهما أجزأته. وكذا لو قال: إن كان مالي الغائب سالماً».

يمكن كونه تتمّة للمسألة السابقة، بمعنى جواز إخراج بعض الحقّ عن مال غائب وحاضر وإن ضمّ إلى ذلك تقييد الغائب بكونه سالماً، وأن تكون مسألة برأسها. والمراد أنّه نوى الإخراج عن ماله الغائب إن كان سالماً، وأن يكون المراد أنّه لو كان له مالان متساويان - حاضر وغائب - فنوى بالمخرج عن الغائب إن كان سالماً، وإلّا فعن الحاضر، والحكم في الثلاثة صحيح وإن كان حمل العبارة على الأخير أبعد.

قوله: «ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالماً ثمّ بان تالفاً جاز نقلها إلى غيره، على الأشبه».

قويٌّ مع بقاء العين، أو علم القابض بالشرط.

قوله: «وإن أخذها طوعاً قيل: لا يجزئ، والإجزاء أشبه». قويٌّ.

ص: 166

[القسم الثاني في زكاة الفطرة]

[من تجب عليه]

قوله: «الثاني: الحريّة. فلا يجب على المملوك... ولا على المكاتب المشروط».

و تجب على مولاه إذا لم يعله غيره، وكذا المطلق.

قوله: «الثالث: الغنى، فلا تجب على الفقير ... وقيل: مَن تحلّ له الزكاة».

هذا هو الأقوى، والمراد به: مَن تحلّ له الزكاة لفقره.

قوله: «ويستحبّ للفقير إخراجها، وأقلّ ذلك أن يدير صاعاً على عياله ثمّ يتصدّق به». معنى الإدارة: أن يأخذ صاعاً ويدفعه عن نفسه إلى أحد عياله بالنيّة، ثمّ يدفعه الآخذ عن نفسه إلى الآخر إن كان مكلّفاً، وإلّا تولّاه الوليّ، وهكذا، ثمّ يدفعه الأخير إلى المستحقّ الأجنبي.

قوله: «ومع الشروط يخرجها عن نفسه، وعن جميع من يعوله، فرضاً أو نفلاً، من زوجة وولد، وما شاكلهما».

يشترط في الزوجة وجوب نفقتها عليه، ولا يشترط الدخول، والمطلّقة رجعيّة زوجة.

قوله: «وضيفٍ».

المعتبر إطلاق اسمه عليه عرفاً وإن لم يكن قد أكلَ عنده قبل الهلال إذا تحقّق وصفه قبلُ واتّصل به، ولو تعدّد المضيّف وجبت عليهم بالنسبة، وإنّما تجب على المضيّف مع يساره، ومع إعساره تجب على المضيّف الموسر، ولو تبرّع المعسر بإخراجها عنه أو ضيفه الموسر بإخراجها عن نفسه اعتبر في إجزائها إذن مَن خوطب بها، وكذا حكم مَن في حكمه.

ص: 167

قوله: «من بلغ قبل الهلال، أو... وجبت عليه. ولو كان بعد ذلك ما لم یصلّ استحبّت»

المراد بصلاة العيد هنا وقتها مجازاً، والمراد أنّه متى اجتمعت الشرائط قبل الزوال استحبّت.

قوله: «الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما، ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره، وقيل: لا تجب إلّا مع العيلولة». ضعيف.

قوله: «وإن لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره».

هذا إذا كان المعيل مخاطباً بها بأن كان موسراً، وإلّا فالزكاة على المولى والزوج.

قوله: «كلّ مَن وجبت زكاته على غيره سقطت عن نفسه».

لا فرق بين علمه بإخراج المخاطب بها وعلمه بعدمه، وعدمه على الأقوى.

قوله : «إذا كان له مملوك غائب يعرف حياته».

لا فرق بين المملوك وغيره ممّن تجب نفقته كالزوجة والولد، ولا يعتبر علمه بحياته، بل عدم الحكم بموته شرعاً.

قوله: «إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما فإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل».

فيجب على كلّ واحد من الصاع بنسبة ملكه منه وإن اختلف جنس المخرج منهم، ولا فرق بين اتّحاد قوتهم واختلافه على الأقوى. والمراد بعيلولة أحدهما له تبرّعاً، لا ما يتّفق في نوبته.

قوله: «لو مات المولى وعليه دين، فإن كان بعد الهلال، وجبت زكاة مملوكه في ماله».

وكذا غيره ممّن تجب فطرته.

قوله: «وإن مات قبل الهلال لم تجب على أحد».

الأقوى وجوبها على الوارث؛ لانتقال التركة إليه وإن منع من التصرّف فيها قبل وفاء الدين، فإنّه غير مانع من زكاة الفطرة وإن منع الماليّة.

ص: 168

قوله: «إذا أُوصي له بعبد ثمّ مات الموصي، فإن قبل الوصيّة قبل الهلال وجبت عليه، وإن قبل بعده سقطت، وقيل: تجب على الوارث، وفيه تردّد».

المشهور وجوبها على الموصى له؛ بناء على أنّ القبول المتأخّر عن الموت كاشف عن سبق الملك من حين الموت.

قوله: «ولو مات الواهب كانت على ورثته، وقيل: لو قبل ومات ثمّ قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم، وفيه تردّد».

الأقوى بطلان الهبة بموته قبل القبض، فتجب الفطرة على الواهب.

[جنسها وقدرها]

قوله: «والضابط: إخراج ما كان قوتاً غالباً».

الأقوى أنّ الأُصول الستّة المذكورة يجوز إخراجها أصلاً وإن لم تكن قوتاً غالباً، وغيرها تخرج أصلاً مع غلبته في القوت، وإلّا اعتبر بقيمة أحدها. قوله: «والفطرة من جميع الأقوات المذكورة صاع ... ومن اللبن أربعة أرطال، وفسّره قوم بالمدني».

الأقوى وجوب الصاع من اللبن كغيره.

قوله: «وقدّره قوم بدرهم». ضعيف.

[وقتها]

قوله: «وتجب بهلال شوّال».

المراد به أوّل ليلة من شوّال، وتتحقّق بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان وإن رؤي الهلال قبله.

قوله: «ولا يجوز تقديمها قبله إلّا على سبيل القرض، على الأظهر».

في جواز تقديمها في شهر رمضان قوّة.

ص: 169

قوله: «تأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل. فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجباً بنيّة الأداء».

المراد بالعزل تعيّنها في مال خاصّ بقدرها في وقتها بنيّته، وحينئذٍ فلا يفتقر إلى نيّة الأداء والقضاء عند دفعها إلى المستحقّ بعد ذلك وإن كان الثاني أولى.

قوله: «وإن لم يكن عزلها، قيل: سقطت، وقيل: يأتي بها قضاء، وقيل أداء، والأوّل أشبه». الأوسط أوسط.

قوله: «ولا يجوز حملها إلى بلد آخر، مع وجود المستحقّ».

الأقوى الكراهة مع إخراجها في وقتها كالماليّة.

[مصرفها]

قوله: «ولا يُعطى غير المؤمن أو المستضعف مع عدمه».

الأقوى وجوب الاقتصار على المؤمن مطلقاً.

قوله: «ولا يُعطى الفقير أقلّ من صاع».

الأقوى أنّ ذلك على وجه الاستحباب، ولا فرق بين الصاع المخرج به عن نفسه وغيره.

قوله: «ويستحبّ اختصاص ذوي القرابة بها ثمّ الجيران».

مع اتّصافهم بالاستحقاق، ويستحبّ تفضيل الأفضل منهم بالعلم والزهد وغيرهما، و ترجيحه في سائر المراتب.

ص: 170

كتاب الخمس

[الفصل الأوّل فيما يجب فيه]

قوله: «الثاني: المعادن... ويجب فيه الخمس بعد المؤونة، وقيل: لايجب حتّى يبلغ عشرين ديناراً، وهو المرويّ».

العمل على المرويّ، وفي معناه بلوغ ما قيمته ذلك، ولا يكفي بلوغ مائتي درهم على الأقوى، ولو تعدّد ضمّ بعضه إلى بعض مطلقاً، واعتبر النصاب في المجموع، ولو افتقر إخراجه إلى مؤونة اعتبر النصاب بعدها.

قوله: «الثالث: الكنوز وهو كلّ مال مذخور تحت الأرض».

يعتبر مع ذلك كون الادّخار مقصوداً، فلا عبرة باستتار المال اتّفاقاً بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، وقد يعلم الفرق بالقرائن.

قوله: «ولو وجده في ملك مبتاع عرّفه البائع فإن عرفه فهو أحقّ به».

يجب تعريف كلّ بائع معلوم للمالك مبتدئاً بالأقرب فالأقرب، ويقدّم قوله من غير بيّنة ولا يمين ولا وصف، وفي حكمه الواهب والمصالح وغيرهم ممّن انتقل عنه، ولو تعدّد في المرتبة الواحدة تساووا فيه مع دعواه، وإلّا اختصّ بالمدّعي، إلّا أن تقتضي دعواه الاشتراك فيقتصر على نصيبه، ويبقى الباقي بحكم ما لو لم يعترف به معترف، وإنّما يحكم به مع انتفاء ذلك للواجد مع عدم وجود أثر الإسلام عليه، وإلّا كان لقطة كما لو وجد في المباح.

ص: 171

قوله: «وكذا لو اشترى دابّةً فوجد في جوفها شيئاً له قيمته».

الفرق بين الدابّة والسمكة: أنّ الدابّة ملك للغير في الأصل، وله عليها يد تقتضي الملك لأجزائها كالأرض، وإنّ الظاهر أنّ ما في بطنها له. بخلاف السمكة فإنّها في الأصل مباحة لا تملك إلّا بالحيازة والنيّة، وما في بطنها لم ينو تملّكه لعدم العلم به.

ويشكل بأنّ الدابة كما تكون مملوكة بالأصل قد تكون وحشيّة فتملك كالسمكة، والسمكة قد تكون مملوكة بالأصل كما لو كانت في ماء محصور مملوك بحيث يكون منشؤها فيه، فتكون كالدابّة بالمعنى الأوّل، فلابدّ من التقييد في المسألتين.

هذا كلّه إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، وإلّا كان لقطة في الموضعين حيث لا يحكم به لأحد.

قوله: «إذا وجد كنزاً في أرض موات من دار الإسلام، فإن لم يكن عليه سكّة، أو كان عليه سكّة عاديّة أخرج خمسه».

الأصل في العاديّة أن تكون منسوبة إلى عاد، والمراد هنا ما ليس عليه منها أثر الإسلام، وخصّها بناءً على الغالب من أنّ ما لا يكون عليه سكّة الإسلام يكون قديماً.

قوله: «وإن كان عليه سكّة الإسلام قيل: يعرّف كاللقطة، وقيل: يملكه الواجد، والأوّل أشبه». قوىٌّ.

قوله: «الرابع: كلّ ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر والدرر ... ولو أخذ منه شيء من غير غوص لم يجب الخمس فيه».

أي من حيث الغوص، وذلك لا ينافي وجوبه من جهة أُخرى ككونه من المكاسب فيلحقه حكمه، أو من المعادن فبحكمه.

قوله: «العنبر إن أُخرج بالغوص رُوعي فيه مقدار دينار».

العنبر يمكن إلحاقه بالأنواع الثلاثة، مع الاستخراج من تحت الماء غوصٌ، ومن وجهه مع بلوغه نصاب المعدن معدنٌ، ومع قصوره مكسبٌ، فيلحقه حكم ما أُلحق به.

قوله: «الخامس: ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات و...».

ص: 172

المراد بالمؤونة ماينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم حتّى الضيف، وما يغرمه في السنة ممّا يليق بحاله عادة من هديّة ومصانعة وصلة، وما يلزمه من نذر وكفّارة ومؤونة تزويج، وما يشتريه للقِنْيَة من دابّة ومملوك وثوب لائق بحاله، فإن أسرف حسب عليه، وإن قتّر حسب له ما نقص. ولو استطاع الحجّ اعتبرت نفقته من المؤن، ولو اجتمعت الاستطاعة من فضلات أحوال وجب خمس ما عدا عام

الاستطاعة.

قوله: «إذا اشترى الذمّي أرضاً من مسلم وجب فيها الخمس، سواء كانت ممّا فيه الخمس، كالأرض المفتوحة عنوةً».

يتصوّر بيع المفتوحة عنوة تبعاً لآثار المتصرّف من بناء وشجر فتملك تبعاً له، ويخرج خمسها.

قوله: «الحلال إذا اختلط بالحرام ولا يتميّز وجب فيه الخمس».

هذا إذا جهل قدر الحرام ومالكه، فلو عرفهما تعيّن دفع الحقِّ إلى المالك، زاد عن الخمس أم نقص. ولو علم القدر خاصّة تصدّق به على مستحقّ الزكاة لحاجته، ولو علم زيادته عن الخمس ولم يعلم قدره ففي إخراجه صدقة أو خمساً وجهان، وفي ثالث إخراج الخمس لمستحقّه والزائد لمستحقّ الصدقة. ولو علم نقصانه عن الخمس اقتصر عليه كذلك، ولو علم المالك خاصّة صالحه، ولو كان الخليط ممّا يجب فيه الخمس خمّسه ثانياً.

قوله: «لا يعتبر الحول في شيء من الخمس ولكن يؤخّر ما يجب في أرباح التجارات احتياطاً للمكتسب».

بل يجب في غير الأرباح بتحقّقه وجوباً مضيّقاً، وفيها يجب موسّعاً طول الحول؛ لاحتمال زيادة المؤونة، وحينئذٍ فلا يمكن الفرار منه بعد تحقّقه بنقل الملك مطلقاً.

قوله: «إذا اختلف المالك والمستأجر في الكنز، فإن اختلفا في ملكِه فالقول قول المؤجر مع يمينه».

ص: 173

بل قول المستأجر، وكذا يقدّم قول كلّ ذي يد مرتّبة على غيرها، كالمعير (1) والمستعير، إلّا أن تشهد القرائن بتقدّمه على زمان ذي اليد فيعمل بها مع اليمين.

قوله: «الخمس يجب بعد المؤونة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن، من حفر وسبك وغيره».

ويعتبر النصاب بعدها هاهنا مطلقاً على الأقوى.

[الفصل الثاني في قسمة الخمس]

اشارة

قوله: «وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل، وقيل: بل يقسّم خمسة أقسام، والأوّل أشهر».

الأقوى الأوّل، وعلى الثاني فالسهم الساقط الآن هو سهم الله، فينقص من سهم الإمام علیه السلام، ويجعل له خمسا الخمس.

قوله: «يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطّلب بالأُبوّة. فلو انتسبوا بالأُمّ خاصّة لم يعطوا من الخمس شيئاً على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «مستحقّ الخمس... وفي استحقاق بني المطّلب تردّد، أظهره المنع». قويٌّ.

قوله: «هل يجوز أن يخصّ بالخمس طائفة؟ قيل: نعم».

المراد غير حصّة الإمام علیه السلام، والأقوى الجواز.

قوله: «يقسّم الإمام على الطوائف الثلاث قدر الكفاية مقتصداً. فإن فضل كان له، وإن أَعوز أتمّ من نصيبه».

المراد: أنّ الخمس يدفع إليه مع حضوره، ثمّ هو يقسّم عليهم قدر الكفاية، والمراد به مؤونة السنة متوسطة بحسب اللائق بحال المدفوع إليه، وقضاء الدين من جملة

ص: 174


1- كذا في النسختين الخطّيتين المعتمدتين في التحقيق، والظاهر أنّ الصحيح «كالمُعمّر» فإنّه مثال لذي اليد دون «المعير» وقد صرّح به الشهيد في البيان، ص 338 - 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12) حيث قال: لو اختلف مالك الدار ومستأجرها، أو مستعيرها أو معمّرها في ملكيّة الكنز، عمل بقرينة الحال مع اليمين.

الكفاية، والحكم بكون الفاضل له والمعوز عليه هو المشهور بين الأصحاب، ومستنده ضعيف.

قوله: «ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر ... وهل يراعى ذلك في اليتيم؟ قيل: نعم، وقيل: لا، والأوّل أحوط».

المراد باليتيم: الطفل الذي لا أب له، ووجه اشتراط فقره ظاهر إن اعتبر قسمته على الطوائف بقدر الكفاية، وإن لم تتمّ أشكل اعتباره؛ لأنّه قسيم للمسكين في الآية (1) فتقتضي المغايرة، وإلّا لتداخلت الأقسام، ولاريب أنّ اعتبار فقره أحوط كما ذكره المصنف.

قوله: «لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحقّ».

الأقوى جواز الحمل كالزكاة خصوصاً مع طلب المساواة، وهذا في حال الغَيبة، أمّا مع حضور الإمام فينتقل إليه مطلقاً.

قوله: «الإيمان معتبر في المستحقّ على تردّد». الأولى اعتباره.

قوله: «والعدالة لا تعتبر على الاظهر». قويٌّ.

ص: 175


1- التوبة (9): 60.

[في الأنفال]

اشارة

قوله: «الأنفال».

جمع نفل - بسكون الفاء وفتحها - وهو الزيادة، ومنه النافلة، والمراد هنا ما يختصّ بالإمام زيادة على قبيله.

قوله: «والأرضون الموات... ثمّ باد أهلها، أو لم يجر عليها ملك كالمفاوز و...».

التي لا يعرف لها مالك، كما يستفاد من قوله: «سواء ملكت ثمّ باد أهلها...» (1)، والمراد بإبادتهم: هلاكهم، ولا فرق بين كونهم مسلمين وكفّاراً.

قوله: «وسيف البحار».

هو - بكسر السين - ساحل البحر، قاله الجوهري (2) .

قوله: «ورؤوس الجبال وما يكون بها».

المراد بها: ما كان في غير أرضه علیه السلام، والمرجع في الجبال والأودية إلى العرف.

قوله: «وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع وصفايا».

فسّرت القطائع بمالا ينقل ولا يحوّل، والصفايا بما ينقل، والضابط أنّ ما كان لسلطان الكفر من مال غير مغصوب من محترم المال فهو لسلطان الإسلام.

[كيفيّة التصرّف في الأنفال]

قوله: «لا يجوز التصرّف في ذلك بغير إذنه».

ص: 176


1- شرائع الإسلام، ج 1، ص 166.
2- الصحاح، ج 3، ص 1379، «سيف».

أشار ب-«ذلك» إلى الأنفال المذكورة، ومنها ميراث مَن لا وارث له عندنا، وظاهر العبارة تحريم التصرّف في ذلك إلّا ما سنسميّه. ويمكن حمل العبارة على حال حضوره، والأقوى إباحة الأنفال حال الغيبة مطلقاً، وميراث فاقد الوارث لفقراء المؤمنين مطلقاً، واختصاص المنع بالخمس إلّا ما يستثنى.

قوله: «ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة».

المراد بالمناكح: السراري المغنومة من أهل الحرب حال الغَيبة، فإنّه يباح لنا شراؤها ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام، ويمكن أن يريد به ما يعمّ مهر الزوجات كما مرّ استثناؤه في المؤونة.

وبالمساكن: ما يتّخذه منها في الأرض المختصّة به علیه السلام، وبما يشتريه من المساكن والمكاسب، وهو راجع إلى المؤونة أيضاً.

وبالمتاجر: ما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة، أو ممّن لا يعتقد الخمس.

قوله: «ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده. ومع عدمه، قيل: يكون مباحاً وقيل: يجب حفظه... وهو الأشبه».

هذا هو المشهور، ووجوبه على القول به غیر معیّن، فلو حفظه المالك أو الحاكم كان جائزاً أيضاً، إلّا أن يطلبه الحاكم من المالك فيتعيّن عليه دفعه إليه.

قوله: «يجب أن يتولّى صرف حصّة الإمام في الأصناف الموجودين، مَن إليه الحكم بحقّ النيابة.

المراد به: الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى، ولو تولّى ذلك غيره كان ضامناً.

ص: 177

ص: 178

كتاب الصوم

[النظر الأوّل في أركانه]

[الركن الأوّل في نيّة الصوم]

قوله: «الصوم: وهو الكفّ عن المفطرات مع النيّة». الكفّ مع النيّة يرجع إلى توطين النفس على ذلك، فلا يرد أنّ الكفّ أمر عدمي لا يكلّف به.

والمراد بالمفطرات: الأُمور المخصوصة المعدودة في كتب الفقه، لا ما أفسد الصوم مطلقاً؛ لئلّا يرد الدور من حيث توقّف فهم الصوم على المضطرّ، والمضطرّ عليه؛ لأنّه مفسدة، ومع ذلك يرد عليه الكفّ عنها ليلاً أو بعض النهار، وأنّ النيّة شرط إذا شبّه به فلا يدخل في مفهومه.

قوله: «وهل يكفي ذلك في النذر المعيّن؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه». الأقوى أنّه كرمضان.

قوله: «ولونسيها ليلاً جدّدها نهاراً، ما بينه وبين الزوال - إلى قوله - والأوّل أشهر».

الأقوى امتداد نيّة المندوب إلى أن يبقى للغروب بعد النيّة آناً يسيراً، ولكن إن وقعت قبل الزوال أُثيت على صوم جميع اليوم، وإن نوى بعده أُثيت على ما بقي خاصّة؛ لصحيحة هشام عن الصادق علیه السلام.

قوله: «وقيل: يختصّ رمضان بجواز تقديم نيّته عليه». ضعيف.

قوله: «وكذا قيل: يجزئ نيّة واحدة لصيام الشهر كلّه».

ص: 179

الأجود تعدّدها لكلّ يوم، ولو نواه في أوّله جملة ثمّ نوى لكلّ يوم كان أحوط.

قوله: «ولا يقع في رمضان صوم غيره، ولو نوى غيره - واجباً كان أو ندباً - أجزأ عن رمضان دون ما نواه».

الأقوى اختصاصه بالجاهل والناسي، أمّا العامد فلا يقع صومه عنهما.

قوله: «ولو صام على أنّه إن كان من رمضان كان واجباً وإلّا كان مندوباً، قيل: يجزئ، وقيل: لا يجزئ، وهو الأشبه».

الأولى الاقتصار على نيّة الندب حيث لا يتحقّق الهلال؛ لإجزائه حينئذٍ إجماعاً.

قوله: «ولو أصبح بنيّة الإفطار ثمّ بان أنّه من الشهر جدّد النيّة واجتزأ به، فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء».

الإمساك على سبيل الوجوب، وتجب نيّته، ولو أخلّ بها فلا شيء، ولو أفطره وجبت الكفّارة كما لو أفسد الصوم، ولو كان قد صام ندباً جدّد نيّة الوجوب مطلقاً، وأجزأ على التقديرين.

قوله: «لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثمّ جدّد قبل الزوال، قيل لا ينعقد وعليه القضاء، ولو قيل بانعقاده كان أشبه».

الأقوى عدم الانعقاد.

قوله: «لو عقد نيّة الصوم ثمّ نوى الإفطار ولم يفطر ثمّ جدّد النيّة كان صحيحاً». الأقوى البطلان.

قوله: «نيّة الصبيّ المميّز صحيحة، وصومه شرعي».

لا إشكال في صحّة نيّته، أمّا شرعيّة صومه ففيه خلاف، والأظهر أنّه تمريني لا شرعي.

[الركن الثاني: ما يمسك عنه الصائم]

قوله: «يجب الإمساك: عن كلّ مأكول... وعن الجماع في القبل إجماعاً، وفي دبر المرأة على الأظهر». قويٌّ.

ص: 180

قوله: «وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابّة تردّد». الأقوى الإفساد بهما.

قوله: «وعن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة علیهم السلام. وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه».

قويٌّ وإن تضاعفت به العقوبة.

قوله: «وعن الارتماس».

هو ملاقاة الرأس لمائع غامر له دفعة عرفيّة وإن بقي البدن، والأقوى تحريمه من غير أن يفسد الصوم.

قوله: «وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف، الأظهر التحريم وفساد الصوم».

قويٌّ، ولا فرق بين الغليظ وغيره.

قوله: «وعن البقاء على الجنابة عامداً حتّى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر». قويٌّ.

قوله: «ولو أجنب فنام غير ناوٍ للغسل فطلع الفجر فسد الصوم».

الفرق بين هذه وبين تعمّد البقاء على الجنابة فرق ما بين العامّ والخاصّ، فإنّ تعمّد البقاء على الجنابة يقتضي العزم على عدم الغسل، وغير ناوي الغسل أعمّ من ناوي عدمه، فيصدق بالغفلة عن الأمرين معاً. والحاصل أنّ الجنب ليلاً لا يصحّ له النوم إلّا مع نيّة الغسل ليلاً، واحتماله الانتباه بحيث يغتسل قبل الفجر.

قوله: «ولو انتبه ثمّ نام ناوياً للغسل فأصبح نائماً فسد صومه، وعليه قضاؤه».

قد تقدّم أنّ النومة الأُولى إنّما تصحّ مع نيّة الغسل واحتمال الانتباه، فإذا نام كذلك ثمّ انتبه ليلاً حرم عليه النوم ثانياً وإن حصل الشرطان، لكن لو خالف أثم، ووجب عليه القضاء خاصّة على تقدير استمراره نائماً إلى الفجر، والأقوى أنّ الجنابة المتجدّدة لا تهدم العدد.

قوله: «ولو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه».

ص: 181

لا فرق في ذلك بین المحلّلة وغيرها، ولابين معتاد الإمناء بذلك وغيره، ولا بين قاصده به وغيره، وفي حكم اللمس مطلق الملاعبة.

قوله: «ولو احتلم بعد نيّة الصوم نهاراً لم يفسد صومه».

ولا تجب المبادرة إلى الغسل لأجل الصوم، وإنّما يجب حينئذٍ للصلاة. وحيث يجب فلو تركه طول النهار لم يفسد الصوم، ويجب حينئذٍ للصوم المقبل كالصلاة.

قوله: «وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر».

قويٌّ، إلّا مع قصد الإمناء به، أو اعتياده فيفسد، وتجب الكفّارة وإن كان إلى محلّل.

قوله: «والحقنة بالجامد جائزة، وبالمائع محرّمة، ويفسد بها الصوم على تردّد».

الأقوى عدم الإفساد بها وإن حرمت.

قوله: «كلّ ما ذكرنا أنّه يفسد الصيام إنّما يفسده إذا وقع عمداً، سواء كان عالماً أو جاهلاً».

لا إشكال في تحقّق الفساد مع الجهل ووجوب القضاء، وإنّما الخلاف في إلحاق الجاهل بالعالم مطلقاً حتّى في الكفّارة، والمرويّ أنّه لاكفّارة على الجاهل (1) .

قوله: «وكذا لو أُكره على الإفطار».

الأقوى وجوب القضاء وإن أُبيح له الفعل، ومثله الإفطار قبل الغروب أو في بعض الأيّام للتقيّة، ويجب الاقتصار فيهما على تناول ما يدفع الضرر، فلو زاد علیه فكالمتعمّد، ومثله ما لو تأدّت بالأكل فشرب معه أو بالعكس.

قوله: «أو وُجِرَ في حلقه».

هو بتخفيف الجيم مبنيّاً للمجهول، أي وضع في حلقه بغير اختياره، ولا خلاف هنا في عدم الفساد به.

قوله: «لابأس بمصّ الخاتم...».

الضابط جواز كلّ ما لا يتعدّى إلى الحلق، وحدّه مخرج الخاء المعجمة.

ص: 182


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 208، ح 603.

قوله: «ويستحبّ السواك للصلاة بالرطب واليابس».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ حيث كرهه بالرطب للرواية (1)، ولا يخفى أنّ الجواز فضلاً عن الاستحباب مقيّد بما إذا لم يتعدّ إلى الحلق شيء من أجزائه المتخلّلة، وإلّا حرم، وحينئذٍ فلا فرق بين الرطب واليابس.

[القضاء والكفّارات]

قوله: «تجب مع القضاء الكفّارة بسبعة أشياء... والاستمناء».

هو طلب الإمناء بأيّ شيء كان مع حصول إمناء به، لا مطلق طلبه وإن كان الطلب أيضاً محرّماً، لكنّه لا يوجب الكفّارة بمجرّده.

قوله: «وإيصال الغبار إلى الحلق».

لا فرق بين غبار المحلّل كالدقيق وغيره كالتراب، ولا يشترط كونه غليظاً كما مرّ، ومن ثمّ أطلق خلافاً لجماعة حيث قدّره به.

قوله: «من أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً فسد صومه وعليه قضاؤه وفي وجوب الكفّارة تردّد، الأشبه الوجوب».

هذه المسألة جزئيّة من جزئيّات أحكام الجاهل، وقد تقدّم أنّ المرويّ فيه عدم الكفّارة (2) وإن كان ما اختاره المصنّف أولى.

قوله: «ولو خوّف فأفطر وجب القضاء على تردّد ولا كفارة».

الأقوى وجوب القضاء.

قوله: «الكفّارة في رمضان: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين

ص: 183


1- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 194 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)؛ ولعلّه استفاده من حمل خبر النهي على الكراهة في تهذيب الأحكام، ج 4، ص 323، ح 992، وإلّا فقد أطلق الحكم باستحبابه في الخلاف، ج 2، ص 220 المسألة 82؛ وصرّح بعدم الفرق بين الرطب واليابس في المبسوط، ج 1، ص 273؛ والنهاية، ص 156.
2- تقدّم في ص 182.

مسكيناً، مخيّراً في ذلك، وقيل: بل هي على الترتيب».

الأقوى أنّها مخيّرة.

قوله: «وقيل: يجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث كفّارات».

قويٌّ، ولا فرق بين المحرّم بالأصل والعارض.

قوله: «إذا أفطر زماناً نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء، وكفّارة كبرى مخيّرة، وقيل: كفّارة يمين، والأوّل أظهر».

الأقوى أنّ كفّارة خلف النذر ككفّارة رمضان مطلقاً.

قوله: «الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة علیهم السلام حرام على الصائم وغيره وإن تأكّد في الصائم، لكن لا يجب به قضاء ولا كفّارة على الأشبه». قويٌّ

قوله: «الارتماس حرام على الأظهر ولا تجب به كفّارة ولا قضاء». قويٌّ.

قوله: «وقيل: يجبان به، والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «لاباس بالحقنة بالجامد على الأصحّ». قويٌّ.

قوله: «ويجب به القضاء على الأظهر».

الأقوى عدم الوجوب.

قوله: «من أجنب ونام ناوياً للغسل، ثمّ انتبه ثمّ نام كذلك، ثمّ انتبه ونام ثالثة ناوياً حتّى طلع الفجر، لزمته الكفّارة على قول مشهور، وفيه تردّد».

منشأ التردّد ضعف متمسّك القائل بوجوب الكفّارة مع اعتضاده بأصالة البراءة، ولكنّ المشهور وجوبها حتّى كاد يكون إجماعا، وكثير من الأصحاب لا ينقل في المسألة خلافاً.

قوله: «يجب القضاء في الصوم الواجب المتعيّن بتسعة أشياء: فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة».

احترز بالقدرة عمّا لو كان عاجزاً عنها كالأعمى والمحبوس فلا شيء عليهما مع عدم ظنّ الطلوع، ولا فرق على التقديرين بين الاستناد إلى مخبر بعدم الطلوع

ص: 184

وعدمه، إلّا أن يكون المخبر بعدمه عدلان فيقوى عدم القضاء.

قوله: «وترك العمل بقول المخبر بطلوعه».

لا فرق بين كونه عدلاً أو فاسقاً، إلّا أن يكون عدلان فيجب القضاء والكفّارة؛ لأنّهما حجّة شرعيّة.

قوله: «وكذا الإفطار تقليداً أنّ الليل دخل، ثمّ تبيّن فساد الخبر».

الأقوى أنّ المفطر تقليداً إن كان عاجزاً عن المراعاة وكان المقلّد عدلاً لا شيء عليه، وإن كان غيره وجب القضاء، وإن كان قادراً على المراعاة لم يجز له الإفطار مطلقاً، ويجب القضاء مع استمرار الاشتباه أو ظهور المخالفة، ويقوى وجوب الكفّارة معه على الثاني، إلّا أن يجهل تحريم الإفطار حينئذٍ فيبني على وجوبها على الجاهل وعدمه، ولو ظهرت الموافقة فالإثم لاغير.

قوله: «والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، فلو غلب على ظنّه لم يفطر».

الأقوى أنّ المتناول مع الوهم الاصطلاحي - وهو الجانب المرجوح من الاحتمالين - أو مع الشكّ يجب عليه القضاء، سواء انكشف بعد ذلك بقاء النهار أم استمرّ الاشتباه، وسواء كان له طريق إلى العلم أم لا.

ثمّ إن علم أنّ مثل ذلك لا يجوّز الإفطار وجبت عليه الكفّارة أيضاً، وإن جهل بنى على حكم الجاهل، ولو ظهر بعد ذلك أنّ الليل كان قد دخل وقت التناول فالأقوى سقوط القضاء والكفّارة. وكذا لو ظنّ الدخول وله طريق إلى العلم، ولو ظنّه ولا طريق له إلى العلم جاز له الإفطار. ثمّ إن تبيّنت المطابقة أو استمرّ الاشتباه فلاقضاء، وإن ظهرت المخالفة فقولان، أجودهما، أنّه كذلك.

قوله: «وتعمّد القيء، ولو ذَرَعه لم يفطر».

ذرعه القيء أي سبقه بغير اختياره، وإنّما ينتفي الإفطار من حيث القيء، أمّا لو ابتلع شيئاً ممّا خرج منه فصار إلى فضاء الفم اختياراً وجب القضاء والكفّارة.

قوله: «والحقنة بالمائع».

ص: 185

قد تقدّم أنّ الأقوى عدم القضاء بها وإن حرمت.

قوله: «ودخول الماء إلى الحلق للتبرّد».

مع عدم تقصيره في التحفّظ، وإلّا وجب القضاء والكفّارة.

قوله: «دون التمضمض به للطهارة».

الأقوى اختصاص الحكم بالطهارة لصلاة الفريضة، فلو كانت لصلاة نافلة وجب القضاء. هذا كلّه إذا لم يستند السبق إلى تقصيره في التحفّظ، وإلّا قضى وكفّر، والظاهر أنّ الاستنشاق بحكم المضمضة.

قوله: «ومَن نظر إلى مَن يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى قيل: [يجب] عليه القضاء، وقيل: لايجب، وهو الأشبه. وكذا لو كانت محلّلة لم يجب».

قويٌّ، إلّا مع قصد الإمناء أو اعتياده، ولا فرق بين المحلّلة والمحرّمة.

[فروع]

قوله: «لو تمضمض متداوياً، أو... ولو فعل ذلك عبثاً قيل: عليه القضاء، وقيل: لا، وهو الأشبه».

الأقوى وجوب القضاء.

قوله: «ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم، فإن ابتلعه عمداً وجب عليه القضاء، والأشبه القضاء والكفّارة».

قويٌّ مع العلم، ومع الجهل يبني على ما تقدّم.

قوله: «وفي السهو لاشيء عليه».

إلّا أن يقصّر في التخليل فيقوى وجوب القضاء.

قوله: «وقيل: صبّ الدواء في الإحليل حتّى يصل إلى الجوف يفسده، وفيه تردّد».

الأقوى عدم الإفساد به، ومثله ما لو طعن نفسه برمح، أو أدخل شيئاً في موضع الطعنة، أو داوى جرحه كذلك.

قوله: «لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق».

ص: 186

المراد بهما هنا ما يخرج من الصدر؛ لأنّ ما ينزل من الدماغ يأتي حكمه، والأقوى فيهما معاً فساد الصوم بابتلاعهما إذا صارا في الفم، وحدّه مخرج الحاء المعجمة، وعدم تحریم ازدرادهما قبل ذلك.

قوله: «ماله طعم كالعلك قيل: يفسد الصوم، وقيل: لا يفسده، وهو الأشبه».

قويٌّ، ومحلّ الخلاف ما إذا لم ينفصل مع الريق أجزاء فابتلعه الصائم، وإلّا فسد مع تعمّده قطعاً، ووجب القضاء والكفّارة.

قوله: «فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شيء، وإن أهمله فعليه القضاء».

لكن تجب عليه المبادرة إلى التخلّص منه بنيّته، فلو نوى بالنزع الجماع فكمبتدئه.

قوله: «تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب... وقيل: لا تتكرّر، وهو الأشبه».

الأظهر التكرّر مطلقاً.

قوله: «من فعل ما تجب به الكفّارة ثمّ سقط فرض الصوم بسفر أو حيض وشبهه قيل: تسقط الكفّارة، وقيل: لا، وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «من وطئ زوجته في شهر رمضان و... وكذا لو كان الإكراه لأجنبيّة، وقيل: لا يتحمّل هنا، وهو الأشبه».

قويٌّ، وكذا لا يتحمّل عن الأمة ولا عن النائمة، وكذا لا تتحمّل المرأة لو أكرهته، ولا المكره لو كان غيرهما.

قوله: «كلّ من وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوماً».

هذا مع انحصار الوجوب في الشهرين، أمّا لو كان مخيّراً بينهما وبین غیرهما ككفّارة رمضان كان وجوب الثمانية عشر مشروطاً بالعجز عن غيره من الخصال، ولا يجب تتابع صوم الثمانية عشر على تقدير وجوبها وإن كان أولى.

قوله: «ولو تبرّع متبرّع بالتكفير عمّن وجبت عليه الكفّارة جاز، لكن يراعى في الصوم الوفاة».

الأقوى المنع من التبرّع بالصوم عن الحيّ مطلقاً، وتوقّف غيره على إذن مَن وجب عليه.

ص: 187

[المقصد الثالث فيما يكره للصائم]

قوله: «وهو تسعة أشياء: [مباشرة] النساء تقبيلاً ولمساً وملاعبةً».

يستثنى من ذلك الشيخ الكبير المالك لإربه (1)، ومن لا تُحرّك القبلة شهوته فلا يكره له.

قوله: «والاكتحال بما فيه صبر».

هو - بفتح الصاد وكسر الباء - الدواء المرّ المخصوص.

قوله: «والسَعُوط بما لا يتعدّى الحلق».

هو - بفتح السين وضمّ العين - ما يصل إلى الدماغ من الأنف.

قوله: «ويتأكّد في النرجس».

هو - بفتح النون وسكون الراء وكسر الجيم - ولا يكره غير الرياحين من الأطياب، بل روي استحبابه له.

قوله: «وجلوس المرأة في الماء».

وكذا الخنثى، ولا يكره للرجل وإن كان أكثر تبريداً من بلّ الثوب عليه.

[الركن الثالث: الزمان الذي يصحّ فيه الصوم)

قوله: «ولو نذر يوماً معيّناً فاتّفق أحد العيدين لم يصحّ صومه. وهل يجب قضاؤه؟ قيل: يجب قضاؤه، وقيل: لا، وهو الأشبه».

قويّ، لكن يستحبّ.

[الركن الرابع: من يصحّ منه الصوم]

قوله: «وهو العاقل المسلم. فلا يصحّ صوم الكافر وإن وجب عليه، ولا المجنون، ولا

ص: 188


1- الإرب - بكسر الهمزة وسكون الراء، وقيل بفتحتين أيضاً -: الحاجة، وقد يكنى به عن الهوى أو العضو التناسلي. انظر الصحاح، ج 1، ص 87؛ لسان العرب، ج 1، ص 208، «أرب».

المغمى عليه، وقيل: إذا سبقت من المغمى عليه النيّة كان بحكم الصائم، والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «ويصحّ من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال».

أي جميع الأغسال بالنسبة إلى الصوم المقبل، أمّا الحاضر فيشترط فيه الإتيان بالأغسال النهاريّة خاصّة. وحيث تخلّ بالغسل المعتبر في الصوم يفسد، ويجب القضاء إجماعاً، وفي وجوب الكفّارة قولان، أظهرهما العدم، وكذا القول في الحائض والنفساء. ولو تعذّر الغسل تيمّمت، فلو تركته وجب القضاء، وعدم الكفّارة هنا أولى. وكذا يجب على المجنب التيمّم لو تعذّر الغسل، فلو تركه فالظاهر وجوب القضاء خاصّة للأصل.

قوله: «والنذر المشروط سفراً وحضراً على قول مشهور».

قويٌّ ولا فرق بين وقوع النذر حاضراً ومسافراً.

قوله: «وهل يصوم مندوباً؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وقيل: يكره، وهو الأشبه». جيّد.

قوله: «ويصحّ ذلك ممّن له حكم المقيم».

وهو مَن نوى إقامة عشرة في غير بلده أو مضى عليه ثلاثون يوماً متردّداً في الإقامة، وكثير السفر، والعاصي به.

قوله: «ولو استيقظ جنباً [بعد الفجر] لم ينعقد صومه قضاءً عن رمضان وقيل: ولاندباً».

في جوازه قوّة.

قوله: «ويصحّ من المريض مالم يستضرّ به».

يتحقّق الضرر المجوّز للإفطار بخوف زيادته بسبب الصوم، أو بطء برئه، أو بحصول مشقّة شديدة لا تتحمّل عادة، أو بحدوث مرض آخر. والمرجع في ذلك إلى ما يجده من نفسه، أو يخبره به من يظنّ صدقه.

قوله: «البلوغ الذي يجب معه العبادات: الاحتلام، أو الإنبات، أو بلوغ خمس عشرة

ص: 189

سنة في الرجال على الأظهر».

قويٌّ، وكذا الخنثى، والمراد ببلوغ السنة إكمالها، فلا يكفي الدخول فيها، ولو شكّ في البلوغ فالأصل عدمه.

قوله: «يمرَّنُ الصبيّ والصبيّة على الصوم قبل البلوغ».

التمرين تفعيل من المرانة وهي الصلابة والعادة، أي يكلّف به ليعتاده ويُصَلَّب عليه، فلا يجد فيه مشقّة بعد البلوغ، وكذا غيره من العبادات كالصلاة، ولو أطاق بعض النهار خاصّة فعل به. والأولى اقتصاره في النيّة على التقرّب، ولو أضاف إليه الوجه وجوباً أو ندباً على وجه التمرّن أجزأ.

ص: 190

[النظر الثاني في أقسام الصوم]

اشارة

قوله: «الواجب ستّة: صوم شهر رمضان و... والاعتكاف على وجه».

كما لو وجب بنذرٍ وشبهه، واليوم الثالث إذا اعتكف يومين ندباً وما أشبهه.

[القول في صوم شهر رمضان]

اشارة

قوله: «فيعلم الشهر برؤية الهلال... ومن لم يره لا يجب عليه الصوم إلّا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوماً، أو يُرى رؤيةً شائعةً».

المراد بالشياع: إخبار جماعة برؤيته، تأمن النفس من تواطئهم على الكذب، ويحصل بإخبارهم الظنّ المتاخم للعلم. ولا ينحصر في عدد، نعم يشترط كونهم ثلاثة فما زاد. ولا فرق بين الصغير والكبير، والذكر والأُنثى، والمسلم والكافر إذا حصل الوصف. ومتى حصل الشياع وجب الصوم على مَن علم به وإن لم يحكم به حاكم، ولا فرق في ثبوته بين هلال رمضان وغيره.

قوله: «فإن لم يتّفق ذلك وشهد شاهدان قيل: لا يقبل، ... وقيل: يقبل مطلقاً، وهو الأظهر». قويٌّ.

قوله: «وإذا رُئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيها أجمع، دون المتباعدة كالعراق وخراسان».

المرجع في القرب والبعد إلى اختلاف المطالع المؤثّر في رؤية أهل البلدين وذلك يعرفه أهل التقويم، ولا شبهة في كون ما مثّل به المصنّف للقرب والبعد مطابقاً، إنّما الكلام في غيره.

ص: 191

قوله: «ولايثبت بشهادة الواحد على الأصحّ».

قويٌّ، والقائل به لا يثبت غير الصوم، فلو كان الشهر منتهى أجل أو عدّة أو مدّة ظهار لم يثبت إجماعاً، نعم قد ثبت شهر شوّال تبعاً إذا مضى ثلاثون يوماً بتلك الشهادة فيجب الإفطار، ويحكم بدخول شوّال، وتجب الفطرة.

قوله: «ولا بشهادة النساء».

أي من حيث هي شهادة، أما لو حصل بهنّ الشياع كفى كغيرهنّ.

قوله: «ولا اعتبار بالجدول».

هو حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر، ومرجعه إلى عدّ شهر تامّاً وشهر ناقصاً في جميع السنة، مبتدئاً في التامّ بالمحرّم.

قوله: «ولا بالعدد».

العدد يُطلق على خمسة معان: عدّ شعبان ناقصاً ورمضان تامّاً أبداً، وعدّ شهر تامّاً وشهر ناقصاً في جميع السنة، وعدّ خمسة من هلال الماضية وجعل الخامس أوّل الشهر المطلوب في هذه السنة، وعدّ تسعة وخمسين من هلال رجب، وعدّ كلّ شهر ثلاثين.

والكلّ لا عبرة به على الأقوى، إلّا مع غمّة الشهور فيعمل بالثالث كما سيأتي.

قوله: «ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق، ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال، ولا بتطوّقه».

ذهب بعض الأصحاب إلى اعتبار ذلك، بمعنى الحكم به لليلة الماضية في الثلاثين (1) وهو ضعيف.

قوله: «يستحبّ: صوم الثلاثين من شعبان بنيّة الندب... ولو صامه بنيّة رمضان لأمارة قيل: بجزئه، وقيل: لا، وهو الأشبه».

المراد بالأمارة نحو شهادة الواحد، وإخبار العدد الذي لا يثبت به الشياع، وبذلك يتحقّق كونه شكّاً لا بدونه، والأقوى عدم إجزاء نيّته عن رمضان مطلقاً.

ص: 192


1- منهم: الشيخ الصدوق في المقنع، ص 183 - 184؛ والسيّد المرتضى في المسائل الناصريّات، ص 291، المسألة 226.

قوله: «ولو غمّت شهور السنة عدّ كلّ شهر منها ثلاثين وقيل: ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة، وقيل: يعمل في ذلك برواية الخمسة».

الأقوى اعتبار عدّ ثلاثين ثلاثين في نحو الشهرين والثلاثة، والرجوع فيما زاد إلى رواية العدد في غير السنة الكبيسيّة، وفيها تعدّ ستّة.

قوله: «من كان بحيث لا يعلم الشهر، كالأسير والمحبوس صام شهراً تغليباً».

أيُّ شهرٍ يغلب على ظنّه أنّه شهر رمضان، فإن لم يظنّ شهراً تخيّر في كلّ سنة شهراً، مراعياً المطابقة بين الشهرين فى السنتين. وحيث يُعيّن للصوم شهراً، يلحقه حكم الشهر في وجوب النيّة والمتابعة وأحكام القضاء والكفّارة وغيرها.

[شروط وجوب الصوم]

قوله: «الأوّل: ... البلوغ وكمال العقل، فلا يجب على الصبيّ، ولا على المجنون إلّا أن يكملا قبل طلوع الفجر ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «وكذا المغمى عليه، وقيل: إن نوى الصوم قبل الإغماء صحّ، وإلّا كان عليه القضاء، والأوّل أشبه».

الأقوى أنّه كالصبيّ والمجنون.

قوله: «فلا يجب على المسافر... ولو صام لم يجزه مع العلم، ويجزئه مع الجهل».

المراد: أنّه جهل وجوب الإفطار حتّى خرج الوقت، فلو ذكر في أثناء النهار وجب الإفطار والقضاء، والناسي هنا كالجاهل.

قوله: «ولو حضر بلده أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشرة أيّام كان حكمه حكم بُرء المريض».

بمعنى أنّ نيّة الإقامة إن حصلت قبل الزوال ولم يتناول وجب عليه تجديد نيّة الصوم وأجزأه، وإلّا فلا، ولو تقدّمت نيّة الإقامة على الوصول كان الاعتبار بوصوله إلى حدود البلد قبل الزوال.

قوله: «والكافر وإن وجب عليه لكن لا يجب القضاء إلّا ما... ويصوم إذا أسلم قبل

ص: 193

الزوال، وإن ترك قضى، والأوّل أشبه». قويٌّ.

[أحكام قضاء الصوم]

قوله: «من فاته شهر رمضان،... فلاقضاء عليه وكذا إن فاته لإغماء، وقيل: يقضي ما لم ينو قبل إغمائه، والأوّل أظهر».

قويٌّ، وهذا وما قبله ليس تكراراً لما سبق في شرائط الوجوب؛ إذ لا ملازمة بين عدم الوجوب وعدم القضاء، فقد يجب القضاء على مَن لا يجب عليه الأداء؛ فلذا أعاده.

قوله: «ويجب القضاء على المرتدّ... وكلّ تارك له بعد وجوبه عليه، إذا لم يقم مقامه غيره».

وذلك في الشيخ والشيخة وذي العطاش ومَن استمرّ به المرض إلى رمضان آخر، فإنّ الفدية تقوم مقام القضاء كما سيأتي.

قوله: «يستحبّ الموالاة في القضاء احتياطاً للبراءة، وقيل: بل يستحبّ التفريق للفرق - إلى قوله - والأوّل أشبه». قوىٌّ.

قوله: «وإن استمرّ به المرض إلى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «وكفّر عن كلّ يوم ... بمدّ من طعام».

ولا تتكرّر الفدية بتكرار السنين، ومحلّها مستحقّ الزكاة لحاجته، ولا يجب تعدّده، وكذا القول فى كلّ فدية هنا. ولا يلحق السفر المستمرّ بالمرض على الأقوى، بل يجب على المؤخّر به اختياراً القضاء والفدية، وعلى المعذور القضاء خاصّة.

قوله: «وإن برئ بينهما وأخّره عازماً على القضاء قضاه ولا كفّارة، وإن تركه تهاوناً قضاه، وكفّر عن كلّ يوم من السالف بمدّ من الطعام».

هذا هو المشهور، والمراد بالتهاون: عدم العزم على القضاء، سواء عزم على الترك أم لا. وغير المتهاون: هو الذي عزم على القضاء في حال السعة، فلمّا ضاق الوقت عرض له مانع منه كالحيض والمرض والسفر الضروري. والأقوى وجوب القضاء مع الفدية

ص: 194

على مَن قدر على القضاء ولم يقض حتّى دخل الثاني، سواء عزم عليه أم لا.

قوله: «لا يقضي الوليّ إلّا ما تمكّن الميّت من قضائه وأهمله، إلّا ما يفوت بالسفر فإنّه يُقضى ولو مات مسافراً على رواية».

الأقوى اعتبار تمكّنه من القضاء في وجوب القضاء عنه كغيره ولو بالإقامة في أثناء السفر.

قوله: «والوليّ هو أكبر أولاده الذكور».

المراد بالأكبر: مَن ليس هناك ذكر أكبر منه، فلو لم يكن إلّا واحد فهو الوليّ، ولو تعدّد فالمعتبر الأكبر بالسنّ مع الاشتراك في البلوغ، فإن تعارضا قدّم البالغ.

قوله: «ولو كان الأكبر أُنثى لم يجب عليها القضاء».

هذا هو الأقوى، وقيل: يجب مع عدم الذكر الأكبر على غيره من الوارث حتّى المعتق وضامن الجريرة والزوج والزوجة (1) . ويقدّم الأكبر فالأكبر من الذكور، ثمّ الإناث في كلّ طبقة، وهو أحوط.

قوله: «ولو كان له وليّان، أو أولياء متساوون في السنّ تساووا في القضاء، وفيه تردّد».

الأقوى وجوب القضاء ويقسّط عليهم بالسويّة، فإن كان يوماً أو بقي منه يوم وجب عليهم كفاية، ولو تبرّع أحدهم بالجميع أو استأجر ثالثاً أو أحدهما فالأقرب جوازه.

قوله: «ولو تبرّع بالقضاء بعضٌ سقط». لا فرق بين تبرّع الأجنبي عن الوليّ وتبرّع بعض الأولياء عن بعض على تقدير وجوب التقسيط، ولا فرق بين إيفائه بإذن الوليّ وعدمه وإن كان استئذانه أولى.

قوله: «وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردّد».

الأقوى عدم الوجوب وإن كان أولى، وحيث لا يجب على الوليّ القضاء لو أوصى به الميّت وجب إنفاذه، ولو لم يوص به لم يجب، بخلاف الحجّ فإنّه يجب قضاؤه مطلقاً. والفرق أنّ الحجّ حقّ مالي وإن كان فيه شائبة البدن، فهو متعلّق بالمال مع الذمّة،

ص: 195


1- قاله الشيخ المفيد في المقنعة، ص 353.

بخلاف الصوم فإنّه حقّ بدنيّ محض فلا يتعلّق بالمال ما لم يوص به. ومن القسم الأوّل الزكاة والخمس والكفّارة، ومن الثاني الصلاة اليوميّة.

قوله: «إذا لم يكن له وليّ، أو كان الأكبر أُنثى، سقط القضاء، وقيل: يتصدّق عنه عن كلّ يوم بمدّ من تركته».

إنّما يسقط القضاء مع كون الأكبر أُنثى إذا كان الذكر الذي دونها غير بالغ على قول، فأمّا مع بلوغه فيثبت عليه قطعاً. فكلامه محمول على الأوّل، أو على ما لو كانت الأكبر مع عدم وجود ذكر أصلاً، كما عبّروا بأنّ الوليّ أكبر الأولاد الذكور، وجعلوه شاملاً لما لو لم يكن غيره، أو قول بأنّ الذكر متى كان أصغر من الأُنثى لاقضاء عليه مطلقاً، وإن كان الأجود خلافه.

قوله: «ولو كان عليه شهران متتابعان صام الوليّ شهراً، وتصدّق من مال الميّت عن شهر».

لا فرق في الشهرين بين كونهما واجبين عليه عيناً كالمنذورين وكفّارة الظهار مع قدرته على الصوم، أو تخييراً ككفّارة رمضان على تقدير اختيار الوليّ الصوم. ومستند التخيير رواية الوشّاء عن الرضا علیه السلام (1)، وهي ضعيفة السند، فالأقوى تعيين صوم الشهرين.

قوله: «القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال، لعذر وغيره».

هذا إذا كان الوقت متّسعاً، فلو تضيّق برمضان الثاني حرم عليه الإفطار مطلقاً، لكن لایجب به قبل الزوال الكفّارة، ومثله ما لو ظنّ الوفاة قبل فعله بعد ذلك. والضابط أنّ كلّ مَن دخل في صوم متعيّن يجب عليه الاستمرار عليه، وغير المتعيّن يجوز الخروج منه اختياراً إلّا في قضاء رمضان بعد الزوال.

قوله: «إذا نسي غسل الجنابة ومرّ عليه أيّام أو الشهر كلّه، قيل: يقضي الصلاة والصوم، وقيل: يقضي الصلاة حسب، وهو الأشبه».

ص: 196


1- الكافي، ج 4، ص 124، باب الرجل يموت و عليه من صيام شهر رمضان أو غيره، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 249، ح 742.

الأقوى وجوب قضاء الصوم والصلاة، ولا فرق بين اليوم والأيّام وجميع الشهر. وفي حكم الجنابة الحيض والنفاس، وفي حكم رمضان المنذور المعيّن.

[القول في صوم الكفّارات]

قوله: «الأوّل: ما يجب فيه الصوم مع غيره، وهو كفارة القتل العمد... وأُلحق بذلك مَن أفطر على محرّم في شهر رمضان عامداً على رواية».

قويٌّ، وقد تقدّم.

قوله: «الثاني: ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره، وهو ستّة: ... وفي كفّارة جزاء الصيد تردّد، وتنزيلها على الترتيب أظهر».

المراد بالصيد هنا: النعامة والبقرة الوحشيّة والظبي وما أُلحق بها، لا مطلق الصيد؛ لأنّ منه ما هو مرتّب قطعاً، والأقوى أنّ الكفّارة المذكورة مخيّرة.

قوله: «وأُلحق بهذه كفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده».

بناءً على المشهور من أنّ كفّارته كفّارة يمين، فيكون صومها مرتّباً على غيره، والمراد خدشها وشقّها في المصاب لا مطلق الأحوال، وإنّما أجمله لأنّ الكلام فيه يأتي في باب الكفّارات، والغرض هنا مجرّد ذكر الصوم وترتّبه.

قوله: «وأُلحق بذلك كفّارة جزّ المرأة [شعر] رأسها في المصاب».

بناء على أنّها حينئذٍ كفّارة رمضان، وقيل: إنّها كفّارة ظهار (1)، فتكون من القسم الثاني. وإنّما عبّر في هذه المواضع بالإلحاق؛ لينبّه على الخلاف فيها، فإنّ مستند الأقوال روايات ضعيفة (2)، أو شهرة بين الأصحاب مرجّحة، ولا يخفى ما فيه.

قوله: «الرابع: ما يجب مرتّباً على غيره مخيّراً بينه وبين غيره، وهو كفّارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه».

ص: 197


1- قاله سلّار في المراسم، ص 187؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 78.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 325، ح 1207.

فإنّ كفّارته بدنة أو بقرة أو شاة مخيّر في الثلاثة، فإن عجز عن الأوّلين فشاة أو صيام ثلاثة أيّام، فالصيام فيها مرتّب على غيره وهو البدنة والبقرة، مخيّر بينه وبين غيره وهو الشاة.

قوله: «وكلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله».

يستثنى من الكلّيّة ثلاثة مواضع: صوم كفّارة اليمين، وقضاء رمضان، وكفّارة الاعتكاف؛ فإنّ الإفطار فيها يوجب الاستئناف مطلقاً.

قوله: «ثمّ أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء أيّام التشريق».

لا فرق في ذلك بين مَن يعلم دخول العيد قبل الإكمال وغيره على الأقوى.

قوله: «وأُلحق به مَن وجب عليه صوم شهر في كفّارة قتل الخطأ أو الظهار؛ لكونه مملوكاً، وفيه تردّد».

في الإلحاق قوّة.

قوله: «فمن وجب عليه شهران متتابعان، لا يصوم شعبان إلّا أن يصوم قبله ولو يوماً».

مقتضاه أنّ انكسار الشهر الأوّل لا يوجب عدّة ثلاثين ممّا بعده، وهذا هو الأقوى، ولو قيل بعده ثلاثين - حينئذٍ - يشترط مع ذلك تماميّة شعبان، وإلّا لم يجز مع اليوم السابق، وكذا القول في جميع الآجال.

قوله: «وكذا الحكم في ذي الحجّة مع يوم من آخر».

أي لا يصحّ الاقتصار عليه، وظاهره أنّه لوضمّ إليه يومين صحّ كغيره، وليس كذلك؛ لانّ العيد هنا متوسّط فلا يسلم معه العدد، بل لا بدّ من تتابع شهر ويوم كغيره.

قوله: «وقيل: القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها، ولو دخل فيهما العيد».

المراد أنّه يصوم شهرين من أشهر الحرم، وإن دخل بينهما العيد وأيّام التشريق صامها وأجزأت عنه وإن كان صومها محرّماً لو لا ذلك، وإن كانت العبارة لا تدلّ على هذا المعنى، وكيف كان فالأصحّ المنع.

ص: 198

[الصوم المندوب والصوم المكروه]

قوله: «والندب من الصوم قد لا يختصّ وقتاً، كصيام أيّام السنة».

لا يخفى أنّ المراد غير الواجب منها والمحرّم، ويجوز إدخال ماكره صومه؛ لأنّ مكروه العبادة راجح في الجملة لاينافي الاستحباب.

قوله: «فإنّه جنّة من النار».

الجنّة - بالضمّ - السترة، قاله الجوهري (1).

قوله: «وصوم أيّام البيض».

فيه حذف الموصوف، وتقديره أيّام الليالي البيض، سمّيت بذلك لبياضها أجمع بضوء القمر، هذا هو المعروف لغةً، وروي أنّها سمّيت بذلك لتوبة الله تعالى بسب صيامها على آدم، فابيضّ بكلّ يوم ثلثه بعد أن كان أسود بسبب أكله من الشجرة (2) ، وحينئذٍ فالكلام جار على إضافة الموصوف إلى الصفة.

قوله: «يوم مولد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم». هو عندنا سابع عشر ربيع الأوّل.

قوله: «ويوم مبعثه». هو اليوم السابع والعشرون من رجب.

قوله: «ويوم دحو الأرض».

أي بسطها من تحت الكعبة، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة.

قوله: «وصوم عاشوراء على وجه الحزن».

أشار بذلك إلى أنّه ليس بصوم شرعي، بل هو كإمساك الحزين عن الطعام بدون نيّة الصوم، وهو معنى قول الصادق علیه السلام: «صمه من غير تبييت، وافطره من غير تشميت، وليكن فطرك بعد العصر» (3).

ص: 199


1- الصحاح، ج 4، ص 2094، «جنن».
2- علل الشرائع، ج 2، ص 80، الباب 111، ح 1.
3- مصباح المتهجّد، ص 782.

قوله: «ويوم المباهلة».

هو الرابع والعشرون من ذي الحجّة، وقيل: الخامس والعشرون.

قوله: «وأوّل ذي الحجّة».

هو مولد إبراهيم الخليل علیه السلام، وكذا يستحبّ صوم بقيّة العشر إلى العيد.

قوله: «وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار».

وكذا الطاهر إذا حاضت ونفست.

قوله: «ولایجب صوم النافلة بالدخول فيه... ويكره بعد الزوال».

لغير المدعوّ إلى طعام، وإلّا لم يكره كما سيأتي.

[الصوم المكروه]

قوله: «المكروهات أربعة ... والأظهر أنّه لا ينعقد مع النهي».

الأقوى الكراهة مطلقاً، وكذا العكس.

قوله: «والصوم ندباً لمن دعي إلى طعام».

لا فرق بين دعائه قبل الزوال أو بعده، ولا بين من هيّئ لأجله وغيره، ولا بين من يشقّ عليه المخالفة وغيره ؛ لإطلاق النصّ (1). نعم يشرط كونه مؤمناً، وأن يكون دعاؤه على وجه الميل القلبي، فلو اتّفق ذلك بالعرض على وجه لا يبالي الداعي بعدم إجابة المدعوّ كما يتّفق ذلك كثيراً لم يكره، والمرجع في ذلك إلى قرائن الأحوال.

والحكمة في كراهة الصوم - حينئذٍ - إجابة دعوة المؤمن وعدم ردّ قوله وقضاء حاجته، لا مجرّد الأكل. ومعنى كراهته أنّه ناقص الثواب عنه لولا الدعوة، وفي الخبر: «أنّ إجابة الدعوة أفضل من الصوم سبعين ضعفاً» (2).

ص: 200


1- الكافي، ج 4، ص 150، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله.
2- الكافي، ج 4، ص 151 باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله، ح 6؛ الفقيه، ج 2، ص 84، ح 1799.

[الصوم المحظور]

قوله: «والمحظورات تسعة: ... وأيّام التشريق لمن كان بمنى على الأشهر».

يمكن كون الخلاف إشارة إلى ما تقدّم من الخلاف في أنّ القاتل في أشهر الحرم لا يحرم عليه صوم العيدين وأيّام التشريق في كفّارته إلى عموم التحريم لمن كان بمنى، سواء كان ناسكاً أم لا، فإنّ فيه قولاً باختصاصه بالناسك، والأقوى التحريم مطلقاً.

قوله: «وصوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة الفرض».

يمكن أن يريد بتحريمه عدم انعقاده مجازاً، وأن يريد معناه المتعارف، وهو الإثم بفعله، نظراً إلى اعتقاد شرعيّته، فإنّه تشريع محرّم.

قوله: «وصوم نذر المعصية».

كأن ينذر الصوم عند فعله المحرّم شكراً، أو تركه زجراً، وبالعكس في الطاعة.

قوله: «وصوم الصمت».

هو أن ينوي الصوم ساكتاً وإن كان ترك الكلام في مجموع النهار بغير ضمّه إلى نيّة الصوم غير محرّم.

قوله: «وصوم الوصال، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر».

الأقوى تحقّقه بالأمرين، وإنّما يحرم مع نيّة ذلك. أمّا لو أخّر الصائم عشاءه بغير نيّته ابتداءً جاعلاً له جزءاً من صوم لم يحرم، وكذا لو ترك الإفطار ليلاً.

قوله: «وأن تصوم المرأة ندباً بغير إذن زوجها، أو مع نهيه لها».

لا فرق بين كون الزوج والمولى حاضرين أو غائبين، ولا بين أن يضعف المملوك عن حقّ مولاه وعدمه.

قوله: «وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني».

المستثنى ستّة: المنذور سفراً وحضراً، والثلاثة في بدل الهدي، والثمانية عشر في بدل البدنة، وصوم كثير السفر، وناوي الإقامة عشراً، والعاصي به.

ص: 201

[النظر الثالث في اللواحق]

قوله: «الأُولى: المرض الذي يجب معه الإفطار، ما يخاف به الزيادة بالصوم».

تتحقّق الزيادة بزيادة المرض، وزيادة مدّة بقائه، وهو بطء برئه، وقد تقدّم.

قوله: «الثانية: المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب. ولو صام عالماً بوجوبه قضاه، ولو كان جاهلاً لم يقض».

وفي إلحاق الناسي بالعامد أو الجاهل وجهان، أجودهما الأوّل.

قوله: «الثالثة: الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة، معتبرة في قصر الصوم ويزيد على ذلك تبييت النيّة».

المراد بتبييت النيّة نيّة السفر ليلاً ولو قبل الفجر بلحظة، والأقوى اعتبار خروجه قبل الزوال مطلقاً بحيث يتجاوز موضع خفاء الأذان والجدران قبله.

واعلم أنّه على القول الأوّل لا منافاة بين نيّة السفر ليلاً ووجوب نيّة الصوم؛ لأنّ مجرّد نيّة السفر غير كاف في جواز الإفطار، وإنّما هو أحد جزئي السبب، وحينئذٍ فيجب الصوم إلى أن يخرج؛ إذ من الممكن عدم السفر وإن نواه.

قوله: «وكلّ سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم وبالعكس إلّا الصيد للتجارة على قول».

القول للشيخ (رحمه الله)، وهو أنّه يقصر الصوم حينئذٍ دون الصلاة (1)، والأقوى وجوب قصرهما كغيره.

ص: 202


1- المبسوط، ج 1، ص 197؛ النهاية، ص 122.

قوله: «الرابعة: الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفراً يلزمهم الصوم... وقيل: يلزمهم الإتمام مطلقاً عدا المكاري».

الأشهر عدم الفرق بين المكاري وغيره.

قوله: «لا يفطر المسافر حتّى تتوارى عنه جدران بلده، أو يخفى عليه أذان مصره».

الأقوى اعتبار خفائهما ذهاباً وإياباً، وحكم البلد الذي لزمه فيه الإتمام حكم بلده في ذلك.

قوله: «فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفّارة».

الإشكال في وجوب الكفّارة بالإفطار قبل الخفاء مع العلم بتحريم الإفطار، ولا يؤثّر فيه ما يتعقّبه من السفر؛ لعدم وقوعه حال الإفساد، إذ من الممكن أن يرجع عنه قبل بلوغ حدّ الترخّص فتستقرّ الكفّارة، وإنّما الكلام في سقوطها بعد الخفاء ووجوب الإفطار، وقد تقدّم، وأنّ الأقوى عدم السقوط.

قوله: «السادسة: الهِمُّ والكبيرة وذو العُطاش يفطرون في رمضان».

العُطاش - بضمّ أوّله - داء لا يروى صاحبه، ولا يتمكّن من ترك شرب الماء طويلاً. والأقوى في حكمه وحكم الشيخ والكبيرة أنّهم إن عجزوا عن الصوم أصلاً بحيث خرجوا عن حدّ القدرة عليه - ولو بمشقّة شديدة - يسقط عنهم أداء وقضاء ولا كفّارة، وإن أطاقوه بمشقّة شديدة لا يتحمّل مثلها عادة فعليهم الكفّارة للإفطار عن كلّ يوم بمدّ.

قوله: «السابعة: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في شهر رمضان، وتقضيان مع الصدقة عن كلّ يوم بمدّ من طعام». هذا إذا خافتا على الولد، أمّا لو خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا من غير كفّارة كالمريض وغيره ممّن يخاف على نفسه بالصوم. ولا فرق في ذلك بين الجوع والعطش، ولا بين الولد النسبي والرضاعي، ولا بين المستأجرة والمتبرّعة، إلّا أن يقوم غيرها مقامها متبرّعاً، أو آخذاً مثلها، والفدية من مالها وإن كان لها زوج هو أبو الولد.

قوله: «من نام في رمضان واستمرّ نومه فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه، وإن

ص: 203

لم ينو فعليه القضاء، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء... وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه».

قويٌّ، والمخالف الشيخ (رحمه الله)، فأوجب القضاء بالإخلال بالنيّة من المجنون والمغمى عليه وبمعالجتهما بالمفطر إذا بلغ الحلق (1).

قوله: «من يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملّي من الطعام والشراب، وكذا الجماع، وقيل: يحرم، والأوّل أشبه».

قويٌّ، والخلاف في الجماع خاصّة.

ص: 204


1- المبسوط، ج 1، ص 364 - 365.

كتاب الاعتكاف

اشارة

قوله: «الاعتكاف: هو اللبث المتطاول للعبادة».

هذا التعريف لفظي لاصناعي؛ إذ يدخل فيه مطلق اللبث الطويل لأجلها ولو في غير المسجد من غير صيام، ولابنيّة الاعتكاف. والأولى في تعريفه: أنّه اللبث وما في معناه في مسجد جامع ثلاثة أيّام فصاعداً صائماً للعبادة على وجه مخصوص.

[شرائط الاعتكاف]

قوله: «الأوّل: النيّة، ويجب فيه نيّة القربة... وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر، وجدّد نيّة الوجوب».

هذا هو الأشهر، ومحلّ التجديد بعد دخول ليلة الثالث عند الغروب، ووجوب تجديد النيّة يظهر حيث تعتبر نيّة الوجوب، وإلّا اتّجه الاكتفاء بنيّة القربة السابقة، وتكون فائدة الوجوب المتجدّد ترتّب أحكامه من تحريم قطعه ووجوب الكفّارة فيه على ما سيأتي من التفصيل.

قوله: «الثاني الصوم».

المعتبر كون المعتكف صائماً، سواء كان الصوم لأجل الاعتكاف أم لا، فيجوز جعله في صوم مستحقّ وإن كان الاعتكاف واجباً بنذر وشبهه.

قوله: «الثالث: [العدد] لا يصحّ الاعتكاف إلّا ثلاثة أيّام، فمن نذر اعتكافاً مطلقاً وجب

ص: 205

عليه أن يأتي بثلاثة».

مبدأ الثلاثة طلوع الفجر على الأقوى، فيكفي ثلاثة أيّام بينها ليلتان، والأحوط ابتداؤه من الغروب؛ لتكمل الليالي ثلاثاً كالأيّام، بناء على القول بدخولها في مسمّاه.

قوله: «وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكافٍ، اعتكفَ ثلاثة ليصحّ ذلك اليوم».

الضابط أنّه متى وجب عليه اعتكاف يوم ولو بنذر، إمّا لكونه لم ينذر سواه حيث لم ينفِ الزائد، أو لكونه قد نذر أربعة فاعتكف ثلاثة خاصّة وأخّر الرابع، فإنّه يضمّ إليه يومين. ولو وجب عليه يومان ضمّ إليهما ثالثاً، ويتخيّر بين تقديم الزائد على الواجب وتأخيره عنه وتوسيطه.

قوله: «وكذا لو اعتكف ثلاثاً ثمّ اعتكف يومين بعدها، وجب السادس».

هذا مبنيّ على وجوب الثالث، والأقوى وجوب ثالث كلّ ثلاثة فيتعدّى إلى التاسع والثاني عشر وما بعدها.

قوله: «ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها قيل: يصحُّ، وقيل: لا؛ لأنّه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم».

الأقوى عدم الصحّة حيث يصرّح بإخراج الليالي، أمّا لونذر ثلاثة ولم يتعرّض لليالي بنفي ولا إثبات، دخلت الليلتان المتوسّطتان تبعاً من باب المقدّمة.

قوله: «ولا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة بل لابدّ أن يعتكف ثلاثةً ثلاثةً فمازاد إلّا أن يشترط التتابع لفظاً أو معنى».

اشتراط التتابع لفظاً بأن يقول: لله عليّ أن أعتكف عشرة أيّام مثلاً متتابعة، واشتراطه معنى: أن يعيّن له زماناً مخصوصاً - كشهر رجب - من غير أن يصرّح بالتتابع، فإنّ اعتكافه أجمع بمقتضى النذر لا يتحقّق إلّا مع متابعته؛ لأنّه مركّب من الأيّام المذكورة، فإذا أخلّ ببعضه لم يتحقّق المركّب، فيكون نذره كذلك في معنى اشتراط التتابع.

وقد يجتمع اشتراط التتابع لفظاً ومعنى بأن ينذره كذلك متتابعاً، ومن ذلك يظهر

ص: 206

مثال الخالي عن قيد التتابع لفظاً ومعنى، بأن ينذر اعتكاف عشرة أيّام مثلاً مطلقاً. وهذا القسم هو الذي يجوز تعريفه ثلاثة ثلاثة، فإن فضل منه ما يقصر عن الثلاثة ضمّه إلى أحدها إن شاء، وإن أفرده افتقر إلى ضميمة ما يتمّ به الثلاثة.

قوله: «الرابع: المكان، فلا يصحّ إلّا في مسجد جامع».

هذا هو الأقوى، والمراد به ما صُلّي فيه في البلد جمعة أو جماعة وإن تعدّد.

قوله: «المملوك إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيّامه، وإن لم يأذن له مولاه».

هذا إذا كانت المهاياة تفي بأقلّ مدّة الاعتكاف، ولم يضعفه عن الخدمة في نوبة المولى، ولم يكن الاعتكاف في صوم مندوب، وإلّا لم يجز إلّا بالإذن.

قوله: «إذا أُعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضيّ فيه إلّا أن يكون شرع فيه بإذن المولى».

ومع ذلك لا يلزمه المضيّ فيه إلّا مع وجوبه بنذر وشبهه أو مضيّ يومين.

قوله: «السادس: استدامة اللبث في المسجد. فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه، طوعاً خرج أوكرهاً».

إنّما يبطل مع الخروج كرهاً مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفاً، وإلاّ فلا.

قوله: «لو نذر اعتكاف أيّام معيّنة ثمّ خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع ويستأنف».

هذا هو المتتابع لفظاً ومعنى، والأصحّ أنّه يأتي بما بقي من الأيّام، ويقضي ما أهمل وما مضى إن قصر عن ثلاثة، وإلّا فلا، وإنّما يستأنف مطلقاً لو كانت مشروطة التتابع لفظاً فقط .

قوله: «ويجوز الخروج للأُمور الضروريّة، كقضاء الحاجة».

لا فرق بين كون الحاجة له أو لغيره من المؤمنين، ويجب تحرّي أقرب الطرق إليها، والمبادرة إلى العود متى زالت، فإن توانى بطل، ولو خرج عن كونه معتكفاً لطول الحاجة بطل مطلقاً.

ص: 207

قوله: «وشهادة الجنازة».

الأقوى عدم الفرق بين تعيّن أحكامها عليه وعدمه، خلافاً للتذكرة حيث اشترط تعينّها (1).

قوله: «وتشييع المؤمن».

هذا الحكم يختصّ بالمؤمن كما ذكر، وكذا قضاء الحاجة، أمّا عيادة المريض فلا، والفارق النصّ (2).

قوله: «وإقامة الشهادة».

سواء تعيّنت عليه أم لا، وسواء تحمّلها معتكفاً أم قبله. هذا إذا لم يمكن إقامتها بدون الخروج، وإلّا لم يجز، وفي حكم الإقامة التحمّل.

قوله: «وإذا خرج لشيء من ذلك لم يجزله: الجلوس، ولا المشي تحت الظلال».

مع الاختيار، فلو لم يكن له طريق سواه وإن بعد جاز.

قوله: «ولا الصلاة خارج المسجد إلّا بمكّة».

إذا لم يضق الوقت عن فعلها فيه، وإلّا صلّاها حيث كان، ولا يبطل اعتكافه بذلك.

قوله: «ولو خرج من المسجد ساهياً لم يبطل اعتكافه».

إذا لم يطل الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفاً، وإلّا بطل، وحيث لا يبطل تجب عليه المبادرة إلى العود حين الذكر، فإن أخّر لحظة بطل.

قوله: «إذا نذر اعتكاف شهر معيّن ولم يشترط التتابع ... ولو تلفّظ فيه بالتتابع استأنف».

هذا إذالم يعيّنه بسنة خاصّة، وإلّا كفاه إتمامه، وقضى ما حكم ببطلانه خاصّة، كما مرّ.

قوله: «إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد».

المراد أنّه جعل نفي الزيادة قيداً في اعتكاف اليوم بمعنى اعتكافه وحده، أمّا لو

ص: 208


1- تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 292، المسألة 213.
2- الكافي، ج 4، ص 178، باب المعتكف لا يخرج من المسجد إلّا لحاجة، ح 3؛ الفقیه، ج 2، ص 187، ح 2101؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 288، ح 871.

جعله قيداً في النذر خاصّة صحّ، وضمّ إليه يومين، كما مرّ.

[أقسام الاعتكاف]

قوله: «فإنّه ينقسم إلى واجب وندب... فالأوّل: يجب بالشروع، والثاني: لا يجب المضيّ فيه حتّى يمضي يومان فيجب الثالث: وقيل: لا يجب، والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك».

وإلّا قضى محلّ الاشتراط حال النذر، وإنّما يسقط القضاء مع كونه مندوباً أو واجباً معيّناً، أمّا المطلق فالأقوى وجوب قضائه وفاقاً للمصنّف في المعتبر (1).

قوله: «ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه».

هذا إذا كان مطلقاً مشروط التتابع، أمّا المعيّن والمطلق بعد مضيّ ثلاثة فلا يجب الاستئناف، بل يكمل باقي المعيّن ويقضي ما فات منه، والمطلق بعد الثلاثة.

[أحكام الاعتكاف]

قوله: «إنّما يحرم على المعتكف ستّة... وشمّ الطيب على الأظهر».

قويّ، وكذا الرياحين.

قوله: «والبيع والشراء».

وكذا غيرهما من العقود والإيقاعات، ويستثنى منه ما تمسّ الحاجة إليه، كشراء ما يضطرّ إليه من المأكول والملبوس ونحوهما، وبيع مايشتري به ذلك، ولو أمكن بالمعاطاة، فهو أولى.

قوله: «والمماراة».

المراد بها هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني؛ لمجرّد إثبات الغلبة أو الفضيلة كما

ص: 209


1- المعتبر، ج 2، ص 740.

يتّفق ذلك لجهلة طب العلم، وهي محرّمة في غير الاعتكاف، لكنّها فيه أفحش.

قوله: «وقيل: يحرم عليه ما يحرم على المحرم، ولم يثبت».

هذا القول ليس عامّاً كما أطلقه المصنّف، فقد قال في التذكرة: إنّه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعاً، ولا إزالة الشعر، ولا أكل الصيد، ولا عقد النكاح (1). وهذا يدافع تفريع المصنّف عليه، وكيف كان فالقول ضعيف.

قوله: «من مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب قيل: يجب على الوليّ القيام به، وقيل: يستأجر مَن يقوم به، والأوّل أشبه».

إن نذر الصوم معتكفاً واستقرّ في ذمّته قبل ذلك، أو تمكّن من قضائه فلم يفعل كما هو المعتبر في الصوم، وإلّا لم يجب على الوليّ؛ إذ لانصّ على الاعتكاف بخصوصه، وإنّما هو تابع للصوم.

قوله: «كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف، كالجماع والأكل والشرب والاستمناء. فمتى أفطر في اليوم الأوّل أو الثاني لم يجب به كفّارة إلّا أن يكون واجباً، وإن أفطر في الثالث وجبت الكفّارة ومنهم من خصّ الكفّارة بالجماع حسب... وهو الأشبه».

الأقوى أنّ إفساد الواجب بالجماع يوجب كفّارة الاعتكاف، وأمّا إفساده بغيره فإن كان معيّناً بنذر وشبهه وجب سببه من نذر أو عهد أو يمين، لا من جهة كونه اعتكافاً، وإن كان غير متعيّن وجب قضاؤه خاصّة.

قوله: «وتجب كفّارة واحدة إن جامع ليلاً، وكذا لو جامع نهاراً في غير رمضان، ولو كان فيه لزمه كفّارتان».

إنّما تجب الواحدة في رمضان إذا لم يكن الصوم متعيّناً بنذر وشبهه، وإلّا وجب عليه كفّارتان كرمضان إحداهما للاعتكاف، والأُخرى للصوم، لكن كفّارة الصوم تجب بحسب سببها.

وإنّما تجب فيه كفّارتان مع وجوب الاعتكاف فيه بالنذر وشبهه، أو كونه ثالثاً، وإلّا

ص: 210


1- تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 262، المسألة 186.

فواحدة لأجل الصوم خاصّة، وأمّا الإفساد ينافي مفسدات الصوم، فيجب بها نهاراً كفّارة واحدة، ولاشيء ليلاً.

قوله: «الارتداد موجب للخروج من المسجد ويبطل الاعتكاف، وقيل: لا يبطل، وإن عاد بنى، والأوّل أشبه».

قويٌّ، ثمّ إن مضى ثلاثة بنى عليها، وإلّا بطل الجميع، وكذا لو كان مشروط التتابع لفظاً.

قوله: «قيل: إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهاراً في شهر رمضان لزمه أربع كفّارات، وقيل: يلزمه كفّارتان، وهو الأشبه».

الأشهر تحمّل كفّارة الاعتكاف كرمضان، وعلى ما اختاره من عدم تحملّها فاللازم وجوب ثلاث كفّارات، إحداها يتحملّها عن صومها واثنتان عنه.

قوله: «إذا طُلّقت المعتكفة رجعيّةً خرجت إلى منزلها».

هذا إذا كان الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير معيّن، أو مع شرطها الحلّ عند العارض، وإلّا اعتدّت في المسجد زمن الاعتكاف.

قوله: «إذا باع أو اشترى قيل: يبطل اعتكافه، وقيل: يأثم ولا يبطل، وهو الأشبه».

قويٌّ، وكذا لا يبطل العقد أيضاً على الأقوى.

قوله: «إذا اعتكف ثلاثة متفرّقة قيل: يصحّ، ... وقيل: لا، وهو الأصحّ».

المراد بالتفريق هنا أن يعتكف النهار خاصّة في الثلاثة ويترك الليل، فإنّ الشيخ يجيزه مع الإطلاق (1)، وقد تقدّم، والأقوى عدم الصحّة.

ص: 211


1- الخلاف، ج 2، ص 239، المسألة 115.

ص: 212

كتاب الحجّ

[الركن الأوّل في المقدّمات]

اشارة

قوله: «الحجّ وإن كان في اللغة القصد، فقد صار في الشرع اسماً لمجموع المناسك المؤدّاة في المشاعر المخصوصة».

نبّه بقوله: «وإن كان» وقوله: «فقد صار...» على أنّ الحجّ من المنقولات الشرعيّة عن معناه اللغوي، فإنّه كان في أصل اللغة اسماً لمطلق القصد، ثمّ نقل إلى المناسك المخصوصة على وجه لا يتبادر عند الإطلاق ،غيره، وهو علامة الحقيقة.

ثمّ اختلف القائلون بنقله في تعريفه، فمنهم مَن جعله اسماً للقصد الخاصّ، وهو قصد مكّة ومشاعرها لأداء مناسك مخصوصة فيها لها؛ بناء على أنّ التخصيص خير من النقل، وأنّ النقل لمناسبة أولى منه؛ لأنّها وإن ثبت النقل.

والمصنِّف (رحمه الله) - مع اختياره النقل - عرّفه بما لا مناسبة بينه وبين المعنى المنقول عنه أصلاً؛ بناء على أنّ المتبادر من معناه شرعاً هو ذلك، كما أنّ المتبادر من باقي العبادات هو المعاني الشرعيّة دون اللغويّة، وأنّ التخصيص إنّما يكون خيراً من النقل حيث لا يثبت النقل، والحال أنّه ثابت بدليل مبادرة الذهن إلى معناه المنقول إليه، وهو من علامات الحقيقة، والنقل لمناسبة غير لازم، ولاتركه معيب.

والمراد بالمناسك العبادات المخصوصة، وبالمشاعر محالّها، ومع ذلك ينتقض في

ص: 213

طرده بالعمرة، بل بكلّ عبادات مقيّدة بمكان.

ويمكن اندفاعها بالمخصوصة، فإنّ هذا القيد يستعمل في التعريف لإخراج ما يناسب المعرّف، لا مشاعر العمرة وإن كانت أخصّ مطلقاً، لكنّ المغايرة حاصلة بينها وبين مشاعر الحجّ في الجملة، وفي عكسه بما لو أخلّ ببعض أفعاله على وجه لا يبطل الحجّ، فإن المجموع يفوت بفوات بعض أجزائه مع بقاء الحجّ شرعاً، والجواب بأنّ الكلام في الماهيّة المعرّفة لا المجزّأة تكلّف.

قوله: «وتجب على الفور، والتأخير مع الشرائط كبيرة موبقة».

أي مهلكة، وهو كناية عن شدّة العذاب على التأخير في الآخرة، أو المؤاخذة عليها في الدنيا، فيصير المؤخّر بمنزلة الهالك.

قوله: «يستحبّ لفاقد الشروط، كمن عدم الزاد والراحلة إذا تسكّع».

التسكّع لغة: التردّد. والمراد به هنا تكلّف الحجّ مع تحمّل المشقّة فيه؛ لعدم اجتماع شرائطه، كأنّه يصير بسبب ذلك متردّداً في أمره، متحيّراً في اكتساب قدر حاجته.

[القول في حجّة الإسلام]

[شرائط وجوبها]

قوله: «لودخل الصبيّ المميّز والمجنون في الحجّ ندباً ثمّ كمل كلّ واحد منهما فأدرك المشعر أجزأ عن حجّة الإسلام على تردّد».

هذا هو الأشهر، ولا بدّ من اعتبار اجتماع باقي الشرائط التي منها ملك الزاد والراحلة من بلده والمراد أنّ هذا الشرط يكفي وجوده في هذا الحالة، وغيره يبقى على أصل اعتباره.

قوله: «ويصحّ أن يُحرِم عن غير المميّز وليّه ندباً، وكذا المجنون».

المراد بإحرامه عنهما أن يجعلهما محرمين بعقده لهما الإحرام، لا بمعنى كونه نائباً عنهما، سواء كان محلّاً أم محرماً، فيقول: اللهمّ إنّى أحرمت بابني هذا إلى آخر النيّة،

ص: 214

ويكون المولّى عليه حاضراً عنده، ويأمره بالتلبية إن أحسنها، وإلّا لبّى عنه، ويلبسه الثوبين، ويجنّبه تروك الإحرام، فإذا أراد الطواف فعل به صورة الوضوء، ثمّ طاف به ولو في حال طوافه إن لم يمكنه المشي، وكذا يأمره بإيقاع صورة الصلاة إن أمكن، وإلّا صلّى عنه، وهكذا القول في جميع الأفعال.

قوله: «وقيل: للأُمِّ ولاية الإحرام بالطفل». قويٌّ.

قوله: «ونفقته الزائدة تلزم الوليّ دون الطفل».

المراد بها ما يغرمه زائداً على ما يغرمه لو كان حاضراً في بلده، وكذا يغرم الوليّ كفّارات الإحرام اللاحقة له كالصيد؛ لوجوبها عمداً وسهواً دون اللازمة عمداً؛ لأنّه عمده خطأ.

قوله: «فإن أدرك الوقوف بالمشعر معتقاً أجزأه».

هذا إذا قلنا بأنّه يملك، وكان مالكاً لما تحصل به الاستطاعة، وإنّما المتخلّف من شرائط الوجوب الحرّيّة، كما ذكرناه في كمال الصبيّ والمجنون، ولو قلنا بعدم ملكه أو لم يكن مالكاً أشكل الإجزاء من حيث تخلّف شرط الاستطاعة، وربما قيل باشتراط استطاعته من حين العتق إلى أداء المناسك؛ لأنّ ذلك هو الممكن هنا، وأطلق الأكثر.

قوله: «الزاد والراحلة، وهما معتبران فيمن يفتقر إلى قطع المسافة». احترز به عن مثل أهل مكّة ممّن يمكنه السعي من غير راحلة بحيث لا يشقّ عليه عادة، فإنّ الراحلة غير معتبرة في حقّه، ولو لم يتمكّن بدونها اعتبرت كغيره، أمّا الزاد فيعتبر في الجميع.

قوله: «ولا تباع ثياب مهنته».

المهنة - بالفتح - الخدمة، وقيل: - بالكسر - أيضاً (1)، والمراد بها ما يبتذل غالباً خلاف ثياب التجمّل. والأقوى استثناء ما يليق بحاله منهما معاً، والزائد ولو في وصفه يباع، والناقص يستثنى قدر ثمنه.

ص: 215


1- الصحاح، ج 4، ص 2209، «مهن».

قوله: «ولا خادمه ولادار سكناه للحجّ».

إذا كان من أهل الخدمة لشرف أو زمانة، ويعتبر فيهما اللائق بحاله كالثياب. وكذا يستثنى له دابّة الركوب إن كان من أهلها، وأُلحق بها كتب علمه كذلك.

قوله: «والمراد بالزاد ... وبالراحلة راحلة مثله».

المعتبر في مثله حاله في القوّة والضعف، لا في الشرف والضعة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

قوله: «ويجب شراؤها ولو كثر الثمن مع وجوده، وقيل: إن زاد عن ثمن المثل لم يجب، والأوّل أصحّ».

الأقوى الوجوب مطلقاً مع القدرة.

قوله: «لو كان له دين وهو قادر على اقتضائه وجب عليه فإن منع منه وليس له سواه يسقط الفرض».

المراد بسقوطه عدم تحقّقه على هذه الحالة إلى أن يقدر عليه؛ لأنّه كان واجباً فسقط، كما يدلّ عليه ظاهر العبارة.

قوله: «ولا يجب الاقتراض للحجّ إلّا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عمّا استثناه».

هذا الاستثناء منقطع؛ لأنّه إذا كان له مال على هذا الوجه لا يجب الاقتراض أيضاً، بل يتخيّر بينه وبين بذل ماله، ولعلّ الاقتراض حينئذٍ أحد أفراد الواجب المخيّر، فيصدق الاستثناء متّصلاً.

قوله: «ولو كان له قدر ما يحجّ به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن شقّ تركه وكان عليه الحجّ».

إلّا أن يبلغ مشقّة لا تتحمّل عادةً، أو يخاف الوقوع في الزنى، فيقدّم النكاح.

قوله: «ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة، له ولعياله، وجب عليه».

لا فرق بين وجوب البذل بنذر وشبهه وعدمه، ولا بين الوثوق بالباذل و عدمه؛ عملاً

ص: 216

بإطلاق النصّ (1). نعم، يشترط بذل عين الزاد والراحلة، فلو بذل أثمانها لم يجب القبول، وإنّما يتوقّف على بذل جميع ما ذكر إذا لم يملك المبذول له شيئاً زائداً على المستثنيات، وإلّا كفى بذل ما يحصل به الكفاية مضافاً إلى ماله. ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل، وكذا لو وهبه مالاً بشرط الحجّ به.

قوله: «ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله».

أي مال غير الزاد والراحلة، فإنّ قبوله غير واجب كما تقدّم، أمّا لو بذل له هبة عين الزاد والراحلة فهو في معنى البذل.

قوله: «أن يكون له ما يموّن عياله حتّى يرجع فاضلاً عمّا يحتاج إليه».

المراد بالمؤونة هنا ما يشمل الكسوة، وما يجب على المنفق من الآلات. والمعتبر وجود ما يموّنهم قوّة وفعلاً، فلو حصلت إدراراً من غلّة ونحوها كفى.

قوله: «الخامس: إمكان المسير. وهو يشتمل على الصحّة، وتخلية السَرْب».

هو - بفتح السين المهملة والراء الساكنة - الطريق. والمراد عدم المانع من سلوكها من لصّ وعدوّ وغيرهما، والمرجع فيه إلى العلم والظنّ المستند إلى قرائن الأحوال.

قوله: «ولو منعه عدوٌّ أو كان معضوباً لا يستمسك على الراحلة، أو عدم المرافق مع اضطراره إليه، سقط الفرض».

المعضوب - بالعين المهملة ثمّ الضادّ المعجمة - الضعيف (2). وإنّما يسقط عنه مع عجزه عن الاستمساك عليها، وعجزه عن المحمل ونحوه، وإلّا وجب. ومثله الشيخ الكبير، ومقطوع الأعضاء ونحوها.

قوله: «وهل تجب الاستنابة مع المانع من مرض أو عدوّ؟ قيل: نعم، وهو المرويّ».

قويٌّ، وموضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب، أمّا لو استقرّ ثمّ

ص: 217


1- الكافي، ج 4، ص 266، باب استطاعة الحجّ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3، ح 3 و 4؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 456.
2- الصحاح، ج 1، ص 184، «عضب».

عرض المانع وجبت الاستنابة قولاً واحداً، وإنّما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء، ومعه فالوجوب فوري كأصل الحجّ، ولو لم يحصل اليأس استحبّت.

قوله: «ولو كان لا يستمسك خلقة، قيل: يسقط الفرض عن نفسه وماله، وقيل: يلزمه الاستنابة، والأوّل أشبه».

الأقوى وجوب الاستنابة كما سبق.

قوله: «ولو كان له طريقان فمنع من إحداهما سلك الأُخرى».

إنّما يجب سلوك الأُخرى مع وفاء استطاعته بمؤونتها، أمّا لو وفى بالأقرب خاصّة توقّف الوجوب على إمكان سلوكها.

قوله: «ولو كان في الطريق عدوّ لا يندفع إلّا بمال، قيل: يسقط وإن قلّ، ولو قيل: يجب التحمّل مع المكنة كان حسناً».

الأجود الوجوب مع الإمكان، ولا فرق بين طلبه قبل إنشاء الإحرام وبعده، ولا بين المجحف وغيره.

قوله: «ولو بذل له باذل وجب عليه الحجّ لزوال المانع، نعم، لو قال له: اقبل وادفع أنت، لم يجب».

المراد أنّه لم يكن مالكاً لما يحتاج إليه مع هذا المال، وإنّما لم يجب؛ لأنّ قبوله تحصيل للاستطاعة واكتساب؛ إذ لا يمكن إلّا بالقبول، والاكتساب غير واجب للحجّ، بخلاف المبذول عنه.

قوله: «وطريق البحر كطريق البرّ، فإن غلب ظنّ السلامة، وإلّا سقط».

تشبيهه البحر بالبرّ يقتضي وجوب سلوكه متى جوّز السلامة، أو لم يغلب على ظنّه العطب وإن لم يغلب على ظنّه السلامة، فما فرّعه عليه من الحكم غير جيّد فيهما، والأقوى الاكتفاء فيهما بعدم ترجيح العطب.

قوله: «ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمّته، وقيل: يجتزئ بالإحرام، والأوّل أظهر».

ص: 218

الأقوى اشتراطه دخول الحرم، ولا فرق بين موته بعد ذلك في الحلّ أو الحرم محرماً ومحلّاً، كما لو مات بين الإحرامين.

قوله: «ويستقرّ الحجّ في الذمّة إذا استكملت الشرائط وأهمل».

الأقوى أنّ استقرار الحجّ لا يتحقّق إلّا بمضيّ زمان يتمكّن فيه من مباشرة الحجّ بجميع أفعاله بأقلّ الواجب مستجمعاً للشرائط ولم يفعل، ثمّ يموت، أو يزول عنه الإمكان. واحترزنا بجميع الأفعال عن مضيّ زمان يمكن فيه البعض كالإحرام ودخول الحرم؛ فإنّه غير كافٍ وإن كان إدراكه يجزئ.

قوله: «ولو أحرم بالحجّ وأدرك الوقوف بالمشعر لم يجزه، إلّا أن يستأنف إحراماً [آخر]. وإن ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات».

الأولى أن يقول: أحرم ولو بالمشعر؛ لأنّه أزيد ما يمكن فرض الإحرام منه للمضطرّ، فيحسن دخول «لو» الدالّة على أنّ ماسكت عنه أولى بالحكم من المنطوق بخلاف عرفة.

قوله: «ولو حجّ المسلم ثمّ ارتدّ لم يعد على الأصحّ». قويٌّ.

قوله: «ولو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ».

قويٌّ، ويستفاد منه أنّ الاستدامة الحكميّة ليست معتبرة في صحّة الإحرام.

قوله: «المخالف إذا استبصر لا يعيد الحجّ إلّا أن يخلّ بركن منه».

لا فرق في ذلك بين من حكم بكفره من فِرَق المسلمين وغيرهم، والتقيّد بعدم إخلاله بركن هو المشهور بين المتأخّرين (1)، والنصوص خالية عنه (2) ، وفسّره الشهيد (رحمه الله) (3) وجماعة (4) بما هو ركن عندنا لا عندهم، وأطلق الباقون.

ص: 219


1- منهم العلّامة في منتهى المطلب، ج 13، ص 97.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9، ح 23؛ الاستبصار، ج 2، ص 145، ح 472.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 230 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
4- منهم العلّامة في منتهى المطلب، ج 13، ص 97.

قوله: «وهل الرجوع إلى الكفاية من صناعة أو مال أو حرفة شرط في وجوب الحجّ؟

قيل: نعم؛ لرواية أبي الربيع، وقيل: لا، عملاً بعموم الآية وهو الأولى».

الأقوى عدم الاشتراط، وليس في الرواية ما يدلّ عليه مع ضعف سندها.

[مسائل أربع:]

قوله: «إذا استقرّ الحجّ في ذمّته ثمّ مات قضي عنه من أصل تركته. فإن كان عليه دين وضاقت التركة قسّمت على الدين وعلى أُجرة المثل بالحصص».

لا فرق في وجوب قضائه من أصل تركته بين أن يوصي به وعدمه، ثمّ إن قامت حصّة الحجّ من التوزيع أو من جميع التركة على تقدير عدم الدين بأُجرة الحجّ ولو بأقلّ ما يمكن تحصيله بها فواضح، وإن قصرت على الحجّ والعمرة معاً ووسعت لأحدهما وجب، ولو قصرت عن جميع ذلك صرف الجميع في الدين إن كان، وإلّا عاد ميراثاً.

قوله: «يقضى الحجّ من أقرب الأماكن، وقيل: يستأجر من بلد الميّت، وقيل... والأوّل أشبه».

قويٌّ، وموضع الخلاف ما إذا لم يوص به من البلد، أو تدلّ القرائن الحاليّة أو المقاليّة على إرادته، وكذا القول فيما لو أوصى بحجّ غير حجّ الإسلام.

قوله: «من وجب عليه حجّة الإسلام لا يحجّ عن غيره لافرضاً ولا تطوّعاً».

إنّما تمتنع حجّته عن غيره مع قدرته على الحجّ عن نفسه، أمّا مع عجزه وضيق الوقت بحيث لا يمكنه تحصيل المقدّمات عادة فيجوز له إيجار نفسه للحجّ عن غيره، بل قد يجب إذا أدّى إلى التكسّب للحجّ عن نفسه حيث يكون مستقرّاً.

قوله: «لا يشترط وجود المحرم في النساء، بل يكفي غلبة ظنّها بالسلامة».

بل المعتبر عدم خوفها على بضعها أو عرضها بتركه، ومعه يشترط سفره معها في الوجوب عليها، ولا يجب عليه إجابتها إليه تبرّعاً ولا بأُجرة، وله طلب الأُجرة والنفقة، فتكونان حينئذٍ جزءاً من استطاعتها.

ص: 220

والمراد بالمحرم: من يحرم عليه نكاحها مؤبّداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة، وفي معناه الزوج.

[القول في ما يجب بالنذر، واليمين، والعهد]

قوله: «ولو نذر الحجّ، أو أفسد حجّه وهو معضوب، قيل: يجب أن يستنيب، وهو حسن».

قويٌّ في المعضوب، أمّا الناذر فكذلك إن لاحظ الاستئجار في نذره وإلّا توقّع المكنة، وبطل مع تعذّرها.

قوله: «إذا نذر الحجّ فإن نوى حجّة الإسلام تداخلا، ... وإن نوى غيرها لم يتداخلا، وإن أطلق قيل: إن حجّ ونوى النذر أجزأه عن حجّة الإسلام وإن... وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «إذا نذرالحجّ ماشياً وجب».

من بلد الناذر؛ لأنّ ذلك هو المتعارف من حجّ فلان ماشياً، إلّا أن يقصد غيره.

ويسقط المشي بعد الفراغ من أفعاله الواجبة، لا بطواف النساء على الأقوى.

قوله: «ويقوم في مواضع العبور».

أي يقف في السفينة لو اضطرّ إلى ركوبها؛ للرواية (1) . والأقوى أنّ ذلك مستحبّ؛ لضعف مستند الوجوب.

قوله: «وإن ركب طريقه قضى، وإن ركب بعضاً قيل: يقضي ويمشي مواضع ركوبه، وقيل: بل يقضي ماشياً، لإخلاله بالصفة المشترطة، وهو الأشبه».

الأقوى أنّه مع تعيين السنة يقضي ماشياً ويكفّر، ومع الإطلاق يعيد ماشياً.

قوله: «ولو عجز قيل: يركب ويسوق بدنة، وقيل: يركب ولا يسوق وقيل: إن كان مطلقاً توقّع المكنة من الصفة، وإن كان معيّناً بوقت سقط فرضه لعجزه، والمرويّ الأوّل».

الأقوى أنّه مع الإطلاق يتوقّع المكنة، ومع التعيين يحجّ راكباً، ويسوق استحباباً.

ص: 221


1- الكافي، ج 7، ص 455، باب النذور، ح 6؛ الفقيه، ج 3، ص 374، ح 4319؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 478، ح 1693؛ الاستبصار، ج 4، ص 50، ح 171.

[القول في النيابة]

قوله: «فلا تصحّ نيابة الكافر؛ لعجزه عن نيّة التقرّب».

أي لعجزه ما دام كافراً، فإنّ الفرض أنّ النائب كافر، وذلك لا ينافي قدرته عليها بتقديم الإسلام، فإنّه خروج عن الفرض، وحينئذٍ فليس في العبارة تساهل؛ بناء على أنّه قادر على الإسلام؛ لامتناع الجبر.

قوله: «ولا عن المسلم المخالف إلّا أن يكون أبا النائب».

الأشهر المنع من النيابة عن المخالف غير الأب مطلقاً، وجوازها عنه وإن كان ناصباً، وفي حكمه الجدّ للأب لا للأُمّ.

قوله: «وهل تصحّ نيابة المميّز؟ قيل: لا، لاتّصافه بما يوجب رفع القلم». وقيل: نعم؛ لأنّه قادر على الاستقلال بالحجّ ندباً».

الأقوى المنع مطلقاً، وجواز استقلاله بالمندوب لايدلّ عليه؛ لأنّه تمرين ولا فرق بين الواجب والندب، والمتبرّع به والمعوّض عنه.

قوله: «ولا بدّ من نيّة النيابة وتعيين المنوب عنه بالقصد».

المراد بنيّة النيابة قصد كون الحجّ نيابة لا أصالة، وذلك أعمّ من كونه عن شخص معيّن، فمن ثمّ احتيج إلى تعيين المنوب عنه مع ذلك، فينوي في كلّ فعل من أفعاله المفتقرة إلى النيّة كونه نيابة عن فلان، ولو اقتصر على تعيين المنوب ابتداء فينوي أنّه عن فلان أجزأ عن الأمرين.

قوله: «ولا تصحّ نيابة مَن وجب عليه الحجّ واستقرّ إلّا مع العجز عن الحجّ ولو مشياً».

استطاعة من استقرّ عليه الحجّ عقليّة لاشرعيّة، فيجب عليه ولو بالمشي مع الإمكان، ويمتنع حينئذٍ نيابة عن غيره، ومع عجزه عنه بكلّ وجه يجوز، لكن يراعى ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة عادة، فلو استؤجر حينئذٍ فاتّفقت الاستطاعة على خلاف العادة لم ينفسخ، وكذا لو تجددت الاستطاعة لحجّ الإسلام

ص: 222

بعدها، فيقدّم حجّ النيابة، ويراعى في وجوب حجّ الإسلام في الثاني بقاؤها إلى القابل.

قوله: «ولو تطوّع قيل: يقع عن حجّة الإسلام، وهو تحكّم».

الأقوى عدم وقوعه عنهما.

قوله: «ويجوز لمن حجّ أن يعتمر عن غيره إذا لم تجب عليه العمرة، وكذا لمن اعتمر أن يحجّ عن غيره إذا لم يجب عليه الحجّ».

الأجود أن يقال: إنّ مَن لم يجب عليه الحجّ في وقت معيّن وجوباً مضيّقاً يجوز استئجاره له، وكذا العمرة سواء كان قد فعل ما استؤجر عليه أم لا. فيجوز لمن وجب عليه العمرة المفردة قبل الحجّ أن يستأجر للحجّ بعدها، وكذا لمن وجب عليه حجّ الإفراد أن يؤجر للعمرة بعده إذا لم تكن واجبة عليه، ويتصوّر ذلك في النذر وشبهه، ولو لم يكن فوريّاً جاز له أن يؤجر نفسه مطلقاً.

قوله: «وتصحّ نيابة من لم يستكمل الشرائط وإن كان حجّه صرورة».

الصَرورة - بفتح الصاد - الذي لم يحجّ، والمراد أنّ عدم الحجّ ليس مانعاً من جواز النيابة بشبهة أنّه لا يعلم تفاصيل الأفعال ومحالّ الحركات، فإنّ العلم الإجمالي كافٍ ابتداء، ثمّ يجب التعلّم ولو بمصاحبة مرشد عدل.

قوله: «ومَن استؤجر فمات في الطريق، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمّن حجّ عنه، ولو مات قبل ذلك لم تُجز».

واستحقّ الأُجرة كلّها، هذا مع استئجاره على الحجّ مجملاً كقوله: استأجرتك لتحجّ عن فلان... إلى آخره. أمّا لو استأجره على الأفعال مفصّلاً، بأن يقول: استأجرتك لتحرم بكذا، وتطوف بكذا إلى آخره استحقّ أُجرة ما عمل.

قوله: «ومن استؤجر فمات في الطريق فإن أحرم ... وعليه أن يعيد عن الأُجرة ما قابل المتخلّف من الطريق ذاهباً وعائداً».

الأقوى أنّ الطريق لا يوزّع عليه شيء من الأُجرة إلّا أن يدخل في الإجارة، وحينئذٍ فيوزّع على ما ذكر منه، فإن شرط الذهاب من البلد والعود إليه وزّع عليهما كما ذكر،

ص: 223

وإن عيّن أحدهما اختصّ به، وإن أطلق وزّع على أفعال الحجّ خاصّة.

قوله: «ومن الفقهاء مَن اجتزأ بالإحرام، والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «وروي: إذا أُمر أن يحجّ مفرداً أو قارناً فحجّ متمتّعاً جاز؛ لعدوله إلى الأفضل، وهذا يصحّ إذا كان الحجّ مندوباً، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل».

الأقوى جواز العدول إلى الأفضل حيث يكون المستنيب مخيّراً في الأنواع، كالناذر مطلقاً، وذي المنزلين المتساويين، وإلّا لم يجز، ولا فرق في ذلك بين قصد المستأجر الإتيان بالأفضل وعدمه.

قوله: «ولو شرط الحجّ على طريق معيّن لم يجز العدول إن تعلّق بذلك غرض، وقيل: يجوز مطلقاً».

التفصيل أقوى، ثمّ على تقدير العدول فالأقوى صحّة الحجّ مطلقاً، ثمّ إن ظهر بين الطريقين تفاوت ردّ من الأُجرة ماقابله إن كان نقصه، وإن كان زاده استحقّ الجميع.

قوله: «وإذا استؤجر لحجّة لم يجز أن يؤجر نفسه لأُخرى حتّى يأتي بالأُولى، ويمكن أن يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأُولى».

هذا الإمكان قويٌّ، ويتصوّر استئجاره لسنة غير الأُولى من المتبرّع والناذر مطلقاً.

قوله: «فلو صدّ قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الأُجرة بنسبة المتخلّف». بناء على أنّ الأُجرة موزّعة على الطريق وأفعال الحجّ كما سبق من مختاره، وقد عرفت أنّ الأقوى عدم التوزيع للطريق إلّا مع إدخاله في الإجارة، ولو صدّ بعد الإحرام ودخول الحرم أو بينهما وزّع كذلك وإن أفهمت العبارة خلافه بخلاف الميّت.

قوله: «ولو ضمن الحجّ في المستقبل لم يلزم إجابته، وقيل: يلزم».

الأقوى عدم لزوم إجابته، بل يتسلّط على الفسخ في المطلقة، وتنفسخ الإجارة في المقيّدة بتلك السنة.

قوله: «ولا يجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر إلّا مع العذر، كالإغماء والبطن وما شابههما».

ص: 224

البطن - بالتحريك - علّة البطن بالإسكان، والمراد البالغ حدّاً لا يمكنه التحفّظ أو الطواف بنفسه، وفي معناه المُستحاضة التي لا يمكنها التحفّظ، وكذلك السلس، ويدخل فى مشابههما المريض العاجز بنفسه ولو بالطواف به.

قوله: «ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكلّ منهما طوافه عن نفسه».

هذا إذا كان الحامل متبرّعاً أو بجعالة أو مستأجراً للحمل في طوافه، وإلّا لم يحتسب للحامل.

قوله: «ولو تبرّع إنسان بالحجّ عن غيره بعد موته برئت ذمّته».

لا فرق في المتبرّع بين كونه وليّاً وغيره، ولا بين كونه عدلاً وفاسقاً وإن لم تجز استنابة الفاسق ابتداءً. فعلى هذا لو كان هو الوارث وقعت عن مورّثه وبرئت ذمّته من استئجار غيره إن لم يكن الميّت قد أوصى إلى غيره به، فلا يقبل حينئذٍ خبر الفاسق بفعله.

قوله: «وكلّ ما يلزم النائب من كفّارة ففي ماله. ولو أفسده حجّ من قابل وهل تعاد الأُجرة عليه؟ يبنى على القولين».

القولان هما: أنّ المفسد إذا قضى هل تكون الأُولى فرضه والثانية عقوبة، أو بالعكس؟ فإن قلنا بالأوّل لم تُعد الأُجرة؛ لأنّه فعل ما استؤجر عليه في وقته، وإن قلنا بالثاني وهو الأقوى لم يستحقّ. هذا إذا كانت السنة معيّنة أو مطلقة، وقلنا بعدم جواز التأخير فيها عن السنة الأُولى كما اختاره جماعة، وإلّا استحقّ الأُجرة مطلقاً.

قوله: «ولا يصحّ أن ينوب عن اثنين في عام. ولو استأجراه لعام صحّ للأسبق. ولو اقترن العقدان وزمان الإيقاع بطلا».

ولو اختلف زمان الإيقاع صحّا إلّا مع فوريّة وجوب الحجّ المتأخّر وإمكان استنابة مَن يعجّله في ذلك العام، فيبطل العقد المؤخّر.

قوله: «ويستحبّ أن يذكر النائب مَن ينوب عنه باسمه في المواطن كلّها، وعند كلّ فعل من أفعال الحجّ والعمرة».

ص: 225

أي يستحبّ ذكره لفظاً وإن وجب نيّة فيقول: «اللهمّ ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدّة أو بلاء أو شعث فآجر فلاناً فيه وآجرني في قضائي عنه»، ومحلّ هذا القول بعد نيّة الإحرام وكلّ فعل.

قوله: «وأن يعيد المخالف حجّه إذا استبصر وإن كانت مجزئة».

الإتيان بقوله: «وإن كانت مجزئة» يقتضي استحباب الإعادة لو كانت غير مجزئة بطريق أولى، وربما أشكل ذلك بأنّ شرط اجتزائه بالحجّة السابقة وقوعها مجزئه، فإذا لم تكن مجزئة كانت الإعادة واجبة لامستحبّة. ويمكن حمله بأن يريد بالإجزاء هنا التنبيه على الخلاف في أنّ عدم وجوب الإعادة هل هو لصحّة العبادة في نفسها، أو تخفيف وإسقاط تكليف كما في الكافر إذا أسلم؟ فعلى القول بفسادها وسقوط القضاء تخفيفاً تظهر فائدة الاستحباب، وعلى الأوّل قد يشكل استحباب إعادته كغيره ممّن صحّ حجّه، فنبّه على اختصاصه بذلك، وخصّ الفرد الأخفى، فإنّه على تقدير الإجزاء أخفى منه على تقدير عدمه.

قوله: «إذا أوصى أن يحجّ عنه ولم يعيّن الأُجرة انصرف ذلك إلى أُجرة المثل».

المراد بأُجرة المثل: ما يبذل في الغالب للفعل، وهو الحجّ هنا لمن استجمع شرائط النيابة في أدنى مراتبها. وإنّما ينصرف إلى أُجرة المثل إذا لم يوجد مَن يأخذ أقلّ منها، وإلّا اقتصر عليه ويعتبر الحجّ من أقرب الأماكن، إلّا مع إرادة خلافه صريحاً، أو بالقرينة كما مرّ.

قوله: «ويستحقّها الأجير بالعقد».

أي يملكها، حتّى لو نمت فنماؤها له، لكن لا يجب تسليمها إلّا بعد العمل، ولا يجوز ذلك للوصيّ ونحوه إلّا مع الإذن صريحاً أو بشاهد الحال.

قوله: «وإن خالف ما شرط قيل: كان له أُجرة المثل، والوجه أنّه لا أُجرة».

الوجه حسن، لكن يستثنى منه ما سبق من المخالفة في الطريق والنوع.

قوله: «من أوصى أن يحجّ عنه ولم يعيّن المرّات... وإن علم إرادة التكرار حجّ عنه

ص: 226

حتّى يستوفي الثلث من تركته».

هذا إذا علم منه إرادة تكرار يسع الثلث فصاعداً، فلو علم منه إرادة تكرار يقصر عن الثلث اقتصر عليه. وكذا لو كان في الحجّ الموصى به واجب بالنذر أو الإسلام لم يحتسب من الثلث، بل يخرج من الأصل أوّلاً، ثمّ يكرّر الحجّ الباقي من الثلث حسب ما تقرّر.

قوله: «إذا أوصى [الميّت] أن يحجّ عنه كلّ سنة بقدر معيّن فقصر، جمع نصيب سنتين واستؤجر به لسنة».

الضابط أنّه حينئذٍ يجمع ممّا زاد على السنة ممّا يكمل به أُجرة المثل لسنة، ثمّ يضمّ الباقي إلى ما بعده، وهكذا، ولا يتقدّر بجمع سنتين ولا أزيد كما ذكر.

قوله: «لوكان عند إنسان وديعة، ومات صاحبها، وعليه حجّة الإسلام، وعرف أنّ الورثة لا يؤدّون ذلك، جاز أن يقتطع قدر أُجرة الحجّ فيستأجر به؛ لأنّه خارج عن ملك الورثة».

لا فرق في ذلك بين الوديعة وغيرها من الحقوق الماليّة كالدين والغصب، ولافي الحجّة اللازمة للميّت بين كونها حجّة الإسلام وغيرها ممّا يجب إخراجه عن الميّت وإن لم يوص به كالنذر والعمرة والدين والزكاة والخمس والكفّارة وغيرها. والأجود استئذان الحاكم إن أمكن إثبات ذلك عنده، وإلّا فلا.

ويتخيّر مَن يُخاطب بذلك بين فعل الحجّ ونحوه بنفسه، والاستنابة. ولو تعدّد مَن بيده المال وعلم بعضهم ببعض توازعوا الأُجرة إن شاؤوا، ولو استقلّ به بعضهم بإذن الباقين أجزأ، وإن لم يعلم بعضهم ببعض فأخرجوا جميعاً فلا ضمان مع الاجتهاد على الأقوى، وإلّا ضمنوا ما زاد على الواحدة. ولو علم أنّ بعض الورثة يؤدّي دون بعض، فإن كان نصيبه يفي بالحقّ بحيث يحصل الغرض وجب الدفع إليه، وإلّا فلا، والمراد بالعلم هنا الظنّ الغالب المستند إلى قرائن الأحوال.

قوله: «إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه، ثمّ نقل النيّة إلى نفسه لم يصحّ. فإذا أكمل الحجّة وقعت عن المستأجر عنه ويستحقّ الأُجرة ويظهر لي أنّها لا تجزئ عن أحدهما». قويّ.

ص: 227

قوله: «إذا أوصى أن يحجّ عنه وعيّن المبلغ فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقلّ صحّ واجباً كان أو مندوباً. وإن كان أزيد وكان واجباً... وإن كان ندباً حجّ عنه من بلده إن اتّسع الثلث، وإن قصر حجّ عنه من بعض الطريق».

الأقوى الحجّ من الميقات مطلقاً، إلّا أن يعيّن البلد ولو بالقرائن الحاليّة أو المقاليّة كالواجب.

قوله: «وإن قصر عن الحجّ حتّى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البرّ، وقيل: يعود ميراثاً».

الأقوى أنّ قصوره إن كان ابتداءً بحيث لم يمكن صرفه في الحجّ في وقت ما، عادَ ميراثاً، وإن كان ممكناً ثمّ طرأ القصور بعد ذلك صرف في وجوه البرّ، ولو أمكن استنماؤه وصرفه في الحجّ بعد مدّة فهو أولى، وكذا لو رجا إخراجه في وقت آخر.

قوله: «إذا أوصى في حجّ واجب وغيره قدّم الواجب، فإن كان الكلّ واجباً وقصرت التركة قسّمت على الجميع بالحصص.

هذا إذا كانت الواجبات كلّها ماليّة كالدين والحجّ، أمّا لو كان بعضها بدنيّاً كالصلاة والصوم قدّم المالي على غيره.

قوله: «ومنهم من سوّى بين المنذورة وحجّة الإسلام في الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور التركة، وهو أشبه». قوىٌّ.

قوله: «وفي الرواية: إن نذر أن يُحِجّ رجلاً ومات وعليه حجّة الإسلام أُخرجت حجّة الإسلام من الأصل، وما نذره من الثلث، والوجه التسوية بينهما؛ لأنّهما دين». قويٌّ.

[في أقسام الحجّ]

[التمتّع]

قوله: «أمّا التمتّع، فصورته أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها».

أي المنتفع بها إلى الحجّ، أي الانتفاع بثوابها إلى وقت الحجّ، فيجتمع التقرّبان، أو

ص: 228

المنتفع بها إذا فرغ منها باستباحة ما كان محرّماً إلى وقت التلبّس بالحجّ. وإنّما اختصّت مع حجّها بهذا الاسم؛ لأنّهما كالشيء الواحد، فإذا حصل بينهما تمتّع فكأنّه قد حصل في الأثناء.

قوله: «ثمّ ينشئ إحراماً آخر للحجّ من مكّة يوم التروية على الأفضل».

هو اليوم الثامن من ذي الحجّة، سمّي بذلك لأنّ الحجيج كانوا يتروّون فيه الماء، ويحملونه إلى عرفة؛ لأنّه لم يكن بعرفات ماء كاليوم، فكان بعضهم يقول لبعض: تروّيتم تروّيتم ليخرجوا، رواه الحلبي عن الصادق علیه السلام (1).

قوله: «وإن أقام إلى النفر الثاني جاز أيضاً وعاد إلى مكّة للطوافين والسعي»

هذا هو الأقوى، وسيأتي بعد ذلك اختيار المصنّف عدم الجواز.

قوله: «هذا القسم فرض من كان بين منزله و [بين] مكّة اثناعشر ميلاً فما زاد من كلّ جانب، وقيل: ثمانية وأربعون ميلاً».

هذا هو الأقوى.

قوله: «فإن عدل هؤلاء إلى القران، أو الإفراد في حجّة الإسلام اختياراً لم يجز، ويجوز مع الاضطرار».

كخوف الحيض المتقدّم على طواف العمرة إذا خيف ضيق وقت الوقوف الاختياري بعرفة، أو خيف التخلّف عن الرفقة إليها حيث يحتاج إليها، ونحو ذلك.

قوله: «وشروطه أربعة: النيّة».

قد تكرّر ذكر النيّة هنا في كلامهم، وظاهرهم أنّ المراد بها نيّة الحجّ جملة، والأقوى عدم وجوبها كذلك ويمكن أن يريدوا بها نيّة الإحرام، ولا وجه لتخصيص نيّته من بين الأفعال المفتقرة إلى النيّة.

قوله: «ووقوعه في أشهر الحجّ، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، وقيل: وعشرة من ذي الحجّة، وقيل: وتسعة من ذي الحجّة، وقيل: إلى طلوع الفجر من يوم النحر».

ص: 229


1- الفقيه، ج 2، ص 196، ح 2127؛ علل الشرائع، ج 2، ص 141، الباب 171، ح 1.

المرويّ (1)والأقوى هو الأوّل، وعند تحقيق الأقوال يظهر أنّ النزاع لفظي، فإنّ من أفعال الحجّ ما يقع في مجموع ذي الحجّة كالطوافين. فإن أُريد بأشهره ما يمكن وقوع بعض أفعاله فيها فلاشكّ أنّها الثلاثة، ولكن لا يمكن إنشاؤه في جميع ذي الحجّة، بل لا بدّ في إجزائه من إدراك الوقوفين أو أحدهما على ما يأتي تفصيله. وحينئذٍ فإن أُريد بأشهر الحجّ ما يمكن إنشاؤه فيها فلا إشكال في فواته بطلوع الشمس من يوم النحر أو بزواله، فالاعتبارات التي قد رتّبت عليها الأقوال لا مشاحّة فيها.

قوله: «وأن يحرم بالحجّ له من بطن مكّة وأفضلها المسجد».

المراد ببطن مكّة: ما دخل عن شيء من بنائها.

قوله: «وأفضله المقام».

ويليه في الفضل الحجر، وأقلّه من تحت الميزاب.

قوله: «ولو أحرم بالعمرة المتمتّع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتّع بها».

ظاهره أنّها تنعقد مفردة، وبه صرّح العلّامة (2)، ولا يخلو من إشكال؛ لعدم وقوع المقصود، وعدم قصد الواقع.

قوله: «ولو أحرم بحجّ التمتّع من غير مكّة لم يجزئه ولو دخل مكّة بإحرامه علی الأشبه وجب استئنافه منها».

هذا هو المذهب، والمخالف في ذلك من أصحابنا غير معلوم، وإنّما الخلاف فيه مع العامّة.

قوله: «ولو تعذّر ذلك قيل: يجزئه، والوجه أنّه يستأنفه حيث أمكن - ولو بعرفة - إن لم يتعمّد ذلك».

الوجه قويٌّ مع الجهل أو النسيان، وأمّا المتعمّد فيجب عليه العود إلى مكّة، فإن

ص: 230


1- الكافي، ج 4، ص 289، باب أشهر الحجّ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 51، ح 155؛ الاستبصار، ج 2، ص 161، ح 527.
2- منتهى المطلب، ج 10، ص 153.

تعذّر فلاحجّ له.

قوله: «وهل يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردّد».

المراد بالدم هنا هدي التمتّع، ووجه التردّد في وجوبه من جهة الخلاف في أنّه جبران أو نسك، والصحيح عندنا الثاني، فيجب مطلقاً. ومَن قال إنّه جبران فمعناه أنّه جبران لما فات من الإحرام من أحد المواقيت، وعنده أنّه لو خرج من مكّة بعد الإحرام فمرّ بأحد المواقيت إلى عرفة يسقط عنه الدم؛ لدخول مسافة الإحرام في ضمن تلك المسافة، ومثله ما لو أحرم من الميقات. وعبارة المصنّف لا تفي بالدلالة على محلّ النزاع، وكيف كان، فالمذهب عدم سقوط الدم.

قوله: «ولو جدّد عمرة تمتّع بالأخيرة».

وتصير الأُولى مفردة فيكمّلها بطواف النساء.

قوله: «ولو دخل بعمرته إلى مكّة وخشي ضيق الوقت، جاز له نقل النيّة إلى الإفراد، وكان عليه عمرة مفردة».

يفهم من قوله «نقل النيّة» أنّه لا ينتقل إلى الإفراد بمجرّد العذر، وحينئذٍ فينوي العدول من إحرام عمرة الإسلام عمرة التمتّع مثلاً إلى حجّ الإفراد حجّ الإسلام؛ لوجوبه قربة إلى الله، ويبني على إحرامه الأوّل.

قوله: «ولو تجدّد العذر وقد طافت أربعاً صحّت متعتها، وأتت بالسعي وبقيّة المناسك وقضت بعد طهرها ما بقي من طوافها».

وكذا غيرها من ذوي الأعذار، والمراد ببقيّة المناسك التقصير، ولو عبّر به كان أقصر. والمراد بقضاء ما بقي الإتيان به، لانيّة القضاء به؛ إذ لا تفتقر نيّة الطواف إلى الأداء والقضاء، ويجب تقديم ما بقي من طواف العمرة على طواف الحجّ عند زوال العذر، وكذا صلاته.

قوله: «وإذا صحّ التمتّع سقطت العمرة المفردة».

سقوطها حقيقة إنّما يتحقّق مع وجوبها، وذلك في ذي الوطنين بمكّة وناءٍ، وفي ناذر

ص: 231

الحجّ مطلقاً، ومجازاً فيمن فرضه التمتّع ابتداءً؛ إذ لم يجب عليه حينئذٍ حتّى يسقط.

[الإفراد]

قوله: «وصورة الإفراد أن يحرم من الميقات، أو من حيث يسوغ له الإحرام بالحجّ».

وهو دويرة أهله، وحيث أمكن في حقّ تارك الإحرام أو جاهله من الميقات حيث يتعذّر عليه العود إليه.

قوله: «وعليه عمرة مفردة بعد الحجّ والإحلال منه. ويأتي بها من أدنى الحلّ».

أي من خارج الحرم وإن لم يكن أدنى الحلّ حقيقةً، ولو خرج إلى أحد المواقيت أجزأ، بل ربما كان أفضل.

قوله: «هذا القسم أو القران فرض أهل مكّة ومن بينه وبينها دون اثني عشر ميلاً من كلّ جانب».

قد تقدّم أن الأصحّ اعتبار ثمانية وأربعين ميلاً، ومبدأ التقدير من منتهى عمارة مكّة إلى منزله.

قوله: «فإن عدل هؤلاء إلى التمتّع اضطراراً جاز».

کخوف الحيض المتأخّر عن النفر، وخوف فوت الرفقة قبل أن تطهر، وخوف عدوّ بعد الحجّ، ونحوه.

قوله: «وهل يجوز اختياراً؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأكثر».

الأشهر تعيّن القران أو الإفراد عليهم، ومحلّ الخلاف حجّة الإسلام، أمّا الندب والمنذور المطلق فيتخيّر بين الثلاثة.

قوله: «ولو قيل: بالجواز لم يلزمهم هدي».

بل الأقوى وجوب الهدي على المتمتّع مطلقاً ومنشأ الخلاف من قوله تعالى في حقّ مَن يلزمهم الهدي: (ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (1) فمن

ص: 232


1- البقرة (2): 196.

أوجبه أعاد الإشارة إلى النوع، ومن لم يوجبه أعادها إلى الهدي.

[القِران]

قوله: «وإذا لبّى استحبّ له إشعار ما يسوقه من البدن، وهو أن يشقّ سنامه من الجانب الأيمن، ويلطّخ صفحته بدمه».

أي صفحة سنامه من جانب الشقّ، لا صفحة الهدي.

قوله: «وإن كان معه بُدنٌ دخل بينها وأشعرها يميناً وشمالاً».

لا بمعنى أنّه يشعر هذه في يمينها وهذه في شمالها من غير أن يرتّبها ترتيباً يوجب الإشعار في اليمين للجميع، وهذا في قوّة الاستثناء ممّا قبله، كأنّه قال: يشعرها في الأيمن إلّا أن يكون بدناً، وهو نوع تخفيف.

قوله: «والتقليد أن يعلّق في رقبة المسوق نعلاً قد صلّى فيه».

أي قد صلّى السائق في ذلك النعل، فلا يكفي صلاة غيره. ويعتبر في الصلاة مسمّاها، فيكفي الواحدة ولو نافلة.

قوله: «ولو دخل القارن أو المفرد مكّة، وأراد الطواف جاز».

أي طواف الحجّ بأن يقدّماه على الوقوف، وكذا يجوز لهما تقديم صلاته دون طواف النساء إلّا مع الضرورة.

قوله: «لكن يجدّدان التلبية عند كلّ طواف؛ لئلّا يحلّا على قول، وقيل: إنّما يحلّ المفرد دون السائق».

الأقوى توقف انعقاد الإحرام على تجديد التلبية بعد الطواف، وينبغي الفوريّة بها عقيبه، وبدونها يحلّان، ولا يفتقر إلى إعادة نيّة الإحرام قبلها، ولو أخلّا بالتلبية صار حجّهما عمرة، وانقلب تمتّعاً، ولا يجزئ عن فرضه. ولا فرق في الطواف بين الواجب والندب، ولو قدّم المتمتّع طوافه اضطراراً وجب عليه تحديد التلبية كذلك.

قوله: «ويجوز للمفرد إذا دخل مكّة أن يعدل إلى التمتّع، ولا يجوز ذلك للقارن».

ص: 233

المشهور اختصاص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد وقسيميه كالمندوب والمنذور المطلق، والنصّ مطلق.

قوله: «ولو أقام من فرضه التمتّع بمكّة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه، وكان عليه الخروج إلى الميقات إذا أراد حجّ الإسلام، ولو لم يتمكّن من ذلك خرج إلى خارج الحرم فإن تعذّر أحرم من موضعه».

لا يتعيّن عليه الخروج إلى ميقات بلده بل يكفيه الخروج إلى أيّ ميقات شاء، والمراد بعدم التمكّن من الخروج حصول مشقّة لا تتحمّل عادة من فعل أو قول.

قوله: «فإن دخل في الثالثة مقيماً ثمّ حجّ انتقل فرضه إلى القران أو الإفراد».

لا فرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنيّة الدوام وعدمه، والأقوى انتقال حكم الاستطاعة أيضاً، هذا إذا تجدّدت الاستطاعة في زمن الإقامة، فلو كانت سابقة في النائي لم ينتقل الفرض وإن طالت المدّة، والمعتبر في انتقال الفرض شرط إقامة

سنتين بمكّة وإن لم تدخل الثالثة، فلو أحرم بالحجّ بعد إكمال السنتين بلافصل كفى.

قوله: «ولو كان له منزلان بمكّة وغيرها من البلاد لزمه فرض أغلبهما عليه».

المراد بغير مكّة ماكان نائياً عنها بحيث يوجب مغايرة حكمه لحكمها في نوع الحجّ. ولا فرق في الإقامة بالمنزلين بين ما وقع منهما حال التكليف وغيره، ولا بين ما أتمّ الصلاة فيه منها وعدمه، ولا بين الإقامة الاختياريّة والاضطراريّة، ولابين المنزل المملوك والمغصوب، ولا بين أن يكون بين المنزلين مسافة القصر وعدمه. ومسافة السفر إلى كلّ منهما لا تحتسب منهما، ومتى حكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت الاستطاعة منه، ولو اشتبه الحال فلم يدر أيّهما أغلب واحتمل التساوي تخيّر، والأولى حينئذٍ تقديم التمتّع.

قوله: «ويسقط الهدي عن القارن والمفرد وجوباً».

المراد أنّه لا يجب عليهما هدي، لا أنّه كان واجباً فسقط والتقييد بالوجوب يخرج هدي القران؛ فإنّه مستحبّ للقارن.

ص: 234

قوله: «لا يجوز القران بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة، ولا إدخال أحدهما على الآخر».

بأن ينوي الإحرام بأحدهما قبل التحليل من الآخر، وحينئذٍ فيقع الثاني باطلاً؛ للنهي، إلّا أن يحرم بالحجّ بعد السعي وقبل التقصير منها، فإنّه یصحّ في المشهور، وتصير الحجّة مفردة كما سيأتي.

قوله: «ولا بنيّة حجّتين ولا عمرتين على سنة واحدة ولو فعل قيل: تنعقد واحدة، وفيه تردّد».

الأقوى بطلانهما معاً.

[المقدّمة الرابعة في المواقيت]

[أقسامها]

قوله: «المواقيت ستّة لأهل العراق: العقيق، وأفضله المسلخ، ويليه غمرة، وآخره ذات عرق».

الضابط أنّ جميع الوادي ميقات، فيجوز الإحرام من جميعه، وكلّما بعدت مسافة الإحرام كان أفضل.

قوله: «ولأهل المدينة مسجد الشجرة».

فيحرم من داخله مع الإمكان، والجنب والحائض يحرمان مجتازين به، فإن تعذّر أحرما من خارجه.

قوله: «ولأهل الشام الجحفة».

هي مدينة خَرِبَتْ، فيجب الإحرام من محلّها إن مرّ بها، وإلّا فعند محاذاتها.

قوله: «ولأهل اليمن يلملم».

هو جبل على مرحلتين من مكّة، وكذلك قَرْن المنازل، وهو - بفتح القاف وسكون الراء - جبل صغير، وفي الصحاح: أنّه بفتح الراء (1)، وأنّ أُويساً منسوب إليه، وهما معاً

ص: 235


1- الصحاح، ج 4، ص 2181، «قرن».

خطأ، وإنّما أُويس منسوب إلى قرن - بالفتح - بطن من مراد (1) .

قوله: «وميقات مَن منزله أقرب من الميقات منزله».

أي أقرب إلى مكّة من المواقيت، سواء في ذلك الحجّ والعمرة.

قوله: «ولو حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت قيل: يحرم إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة».

موضع الخلاف ما إذا لم يحاذ ميقاتاً، وإلّا أحرم عند محاذاته علماً أو ظنّاً.

ومعنى غلبة الظنّ بمحاذاة أقرب المواقيت حينئذٍ بلوغ محلّ بينه وبين مكّة بقدر ما بين مكّة وأقرب المواقيت إليها، وهو مرحلتان علماً أو ظنّاً.

قوله: «وكلّ من حجّ على ميقات لزمه الإحرام منه... وتجرّد الصبيان من فخّ».

هو بئر على نحو فرسخ من مكّة، والأولى إحرامهم من الميقات، وتأخير التجريد إلى فخّ، ولو أخّروا الإحرام أيضاً جاز على لأقوى. والحكم مخصوص بمن مرّ على تلك الطريق، وإلّا كانوا كغيرهم.

[أحكامها]

قوله: «مَن أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه. إلّا لناذر بشرط أن يقع إحرام الحجّ في أشهره».

هذا هو الأقوى، ولا فرق بين النذر وأخويه، ولا يجب حينئذٍ تجديد الإحرام عند بلوغ الميقات ومافي حكمه وإن كان أولى.

قوله: «ولو أخّره عن الميقات لمانع ثمّ زال المانع عاد إلى الميقات، فإن تعذّر جدّد الإحرام حيث زال».

إنّما يجب العود إليه إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، وإلّا أجزأه الإحرام منه. وإنّما يجوز تأخيره عن الميقات مع العذر إذا لم يتمكّن من نيّته فيه أصلاً وإن كان

ص: 236


1- الأنساب، السمعاني، ج 4، ص 481.

الفرض بعيداً، فلو تمكّن منها وجب أن يأتي بها، وأخّر ما يتعذّر إلى حيث يمكن.

قوله: «لو تعذّر أحرم من مكّة. وكذا لو ترك الإحرام ناسياً».

وفي حكمه الجاهل بوجوب الإحرام.

قوله: «أو لم يرد النسك. وكذا المقيم بمكّة إذا كان فرضه التمتّع».

مع عدم وجوب الإحرام عليه، كالمتكرّر، ومن دخل مكّة لقتال، أو لم يكن قاصداً مكّة عند مروره على الميقات ثمّ تجدّد له قصدها، ونحو ذلك.

قوله: «لو نسي الإحرام ولم يذكر حتّى أكمل مناسكه قيل: يقضي إن كان واجباً، وقيل: يجزئه، وهو المرويّ».

يتحقّق نسيان الإحرام بنسيان النيّة لابنسيان التلبية، ولا لُبْس ثوبي الإحرام على الأقوى، والأقوى إلحاق الجاهل بالناسي.

ص: 237

[الركن الثاني في أفعال الحجّ]

اشارة

قوله: «ويستحبّ أمام التوجّه: الصدقة، وصلاة ركعتين، وأن يقف على باب داره ويقرأ فاتحة الكتاب».

وليكن مستقبلاً بوجهه الوجه الذي يتوجّه إليه، وهو الطريق.

[الإحرام]

اشارة

قوله: «توفير شعر رأسه من أوّل ذي القعدة إذا أراد التمتّع».

لا فرق في ذلك بين التمتّع وغيره من الأنواع، ولو أراد العمرة المفردة استحبّ توفيره شهراً.

قوله: «ويزيل الشعر عن جسده وإبطيه مطّلياً. ولو كان قد اطَّلى أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوماً».

الاطّلاء أفضل مطلقاً، لكن لو قصرت المدّة عن خمسة عشر يوماً لم يتأكّد الاستحباب.

قوله: «والغسل للإحرام، وقيل: إن لم يجد ماء تيمّم له».

المشهور استحباب التيمّم حينئذٍ.

قوله: «ويجوز له تقديمه على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه».

وينبغي في التقديم الاقتصار على موضع الحاجة، ومتى قدّمه لبسَ ثوبي الإحرام بعده إلى الميقات، فلو لبس المخيط اختياراً بطل حكمه.

قوله: «ويجزي الغسل في أوّل النهار ليومه، وفي أوّل الليل لليلته ما لم ينم».

ص: 238

أو يحدث حدثاً غيره.

قوله: «ولو أحرم بغير غسل أو صلاة، ثمّ ذكر تدارك ماتركه، وأعاد الإحرام».

على وجه الاستحباب، والمعتبر هو الأوّل على الأقوى، فتجب الكفّارة في المتخلّل بينهما من المحظورات.

قوله: «وأن يحرم عقيب فريضة الظهر، أو فريضة غيرها، وإن لم يتّفق صلّى للإحرام ستّ ركعات، وأقلّه ركعتان».

السنّة في ذلك أن يصلّي ستّة الإحرام أوّلاً، ثمّ يصلّي الظهر أو غيرها من الفرائض، ثمّ يحرم، فإن لم يتّفق ثَمَّ فريضة اقتصر على ستّة الإحرام، وأحرم عقيبها، والعبارة قاصرة عن إفادة ذلك.

قوله: «يقرأ في الأُولى: «الحمد» و «قل يا أيّها الكافرون»، وفي الثانية: «الحمد» و«قل هو الله أحد»، وفيه رواية أُخرى».

هي أنّه يقرأ في الأُولى من ستّة الإحرام التوحيد، وفي الثانية الجحد (1) عكس الأوّل، وكلاهما حسن.

قوله: «ويوقع نافلة الإحرام تبعاً له وإن كان وقت فريضة».

أي تابعة للإحرام، فلا يكره ولا يحرم فعلها في وقت الفريضة قبل أن يصلّيها، كما لا يحرم ولا يكره فعل النوافل التابعة للفرائض كذلك.

[نيّة الإحرام]

قوله: «ولو أخلّ بالنيّة عمداً أو سهواً لم يصحّ إحرامه». مقتضاه أنّ الإحرام أمر آخر غير النيّة، كما هو المعلوم في غيره من العبادات، وكأنّه يريد به حينئذٍ ترك الأُمور الآتية، أو إيجاد نقيضها، ونحو ذلك، وهو في معنى نسيان الإحرام فيما سبق، إلّا أن يجعل الإحرام مركّباً من النيّة والتلبية واللبس كما ذهب إليه

ص: 239


1- الكافي، ج 3، ص 316 باب قراءة القرآن، ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 74، ح 274.

بعضهم وإن ضعف.

قوله: «ولو أحرم بالحجّ والعمرة، وكان في أشهر الحجّ كان مخيّراً بين الحجّ والعمرة ... وإن كان في غير أشهر الحجّ تعيّن للعمرة، ولو قيل بالبطلان في الأوّل ... كان أشبه».

الأقوى بطلانهما معاً في أشهر الحجّ وغيرها.

قوله: «ولو قال: كإحرام فلان وكان عالماً بماذا أحرم صحّ. وإن كان جاهلاً قيل: يتمتّع احتياطاً».

الأشهر بطلان الإحرام.

[التلبيات الأربع]

قوله: «والقارن بالخيار، إن شاء عقد إحرامه بها، وإن شاء أشعر أو قلّد على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «وبأیّهما بدأ كان الآخر مستحبّاً».

المراد أنّه إن بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبّاً، وإن بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبّة، ففي إطلاق أنّ البدأة بأحد الثلاثة توجب استحباب الآخر إجمالٌ.

قوله: «وصورتها أن يقول: لبّيك اللهمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك. وقيل يضيف إلى ذلك: إنّ الحمد والنعمة لك، والملك [لك]، لا شريك لك. وقيل... والأوّل أظهر».

الأقوى أنّ لواجب هو التلبيات الأربع بالعبارة الأُولى، وإضافة الباقي أحوط.

[لبس ثوبي الإحرام]

قوله: «ولا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لُبسه في الصلاة».

كجلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكّي ودبغ، والحرير للرجال، وما يحكي العورة، ويدخل فيه النجس بما لا يعفى عنه في الصلاة على الأقوى.

قوله: «وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل: نعم، ... وقيل: لا، وهو أحوط».

الأقوى الكراهة.

ص: 240

قوله: «وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء جاز لُبسه مقلوباً، بأن يجعل ذيله على كتفيه».

للقلب تفسيران:

أحدهما: جعل ذيله على الكتفين.

والثاني: جعل باطنه ظاهره، ولا يخرج يديه من كمّيه.

والأقوى الاجتزاء بكلّ واحد منهما وإن كان الأوّل أولى، وأكمل منه الجمع بينهما. وكما يجوز لبسه كذلك لفاقدهما يجوز لفاقد أحدهما، خصوصاً الرداء، أو كما يجوز لبسه يجب؛ لأنّه بدل عن الواجب، ولو أخلّ بالقلب أو أدخل يده في كمّه لزمه كفّارة لبس المخيط.

[أحكام الإحرام]

قوله: «فلو أحرم متمتّعاً ودخل مكّة وأحرم بالحجّ قبل التقصير ناسياً لم يكن عليه شيء، وقيل: عليه دم، وحمله على الاستحباب أظهر». قويٌّ.

قوله: «وإن فعل ذلك عامداً قيل: بطلت عمرته وصارت حجّة مبتولة ... والأوّل هو المرويّ».

الأشهر العمل بالمرويّ، وحينئذٍ فيكمل حجّ الإفراد ويأتي بعمرة مفردة بعده، ولا يجزئه عن فرضه، والجاهل عامد.

قوله: «لو نوى الإفراد ثمّ دخل مكّة جاز أن يطوف و... فإن لبّي انعقد إحرامه، وقيل: لا اعتبار بالتلبية وإنّما هو بالقصد».

في تفسير القصد احتمالان:

أحدهما: أن يريد أنّ الاعتبار بقصده أوّلاً إلى المتعة، ولا عبرة بالتلبية الواقعة بعد ذلك.

والثاني: أنّ الاعتبار بقصد الإهلال بالتلبية لا بالتلبية وحدها، فإذا لبّي قاصداً إلى عقد الإحرام بالتلبية بطلت المتعة حينئذٍ، لا بدون ذلك.

ص: 241

وفيهما معاً تحكّم ومصادرة للنصّ الصحيح، والأقوى التفصيل المذكور.

قوله: «ولو فعل الصبيّ ما يجب به الكفّارة لزم ذلك الوليّ».

أي فعل ما يجب به الكفّارة على المكلّف، كما لو قتل صيداً مطلقاً، وتعمّد لبس المخيط ونحوه، وجبت الكفّارة على الوليّ، ولو فعل ذلك سهواً أو جهلاً فلا شيء.

قوله: «وروي إذا كان الصبيّ مميّزاً جاز أمره بالصيام عن الهدي، ولو لم يقدر على الصيام صام الوليّ عنه مع العجز عن الهدي».

بل يجب على الوليّ الهدي مع قدرته عليه، نعم، لو عجز عنه جازالصوم عنه، وفي جواز أمره به حينئذٍ وجه قويٌّ.

قوله: «وهل يسقط الهدي؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه».

الأقوى عدم السقوط.

قوله: «إذا اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه ثمّ أحصر تحلّل. وهل يسقط الهدي؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار، وقيل: يجوز التحلّل من غير شرط، والأوّل أظهر».

جواب عن سؤال مقدّر هو: أنّ هدي التحلّل إذا كان يجب على المعذور وإن اشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه، فأيّ فائدة للاشتراط مع أنّها مشروعة بالنصّ (1)؟

وأجاب بأنّ فائدته جواز التحلّل، أي تعجيله للمحصر عند الإحصار من غير تربّص إلى أن يبلغ الهدي محلّه، فإنّه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل.

وبهذا التفسير صرّح المصنّف في النافع (2)، ويدلّ عليه من العبارة تخصيصه الحكم بالمحصر، فإنّ المصدود يجوز له التعجيل من غير شرط اتّفاقاً.

وقيل: مراده بالفائدة ثبوت أصل التحلّل، بمعنى أنّه كان مع العذر بدون الشرط

ص: 242


1- الفقيه، ج 2، ص 517، ح 3110.
2- المختصر النافع، ص 108.

رخصة على خلاف الأصل، وبالشرط صار ثابتاً بالأصل (1).

وفيه أنّ تخصيص الحصر يدلّ على خلافه، فإنّ ما ذكروه آت فيهما، وبأنّه جعل الفائدة نفس التحلّل لاثبوته أصالة، ومع ذلك فثبوت التحلّل بالأصل أو بالعارض لا مدخل له في الحكم، ويبقى في الفائدة الأُولى أنّها مخصوصة بالمحصر، والاشتراط مستحبّ له ولغيره، وفي الثانية ما ذكرناه، ومن الجائز كونه تعبّداً ودعاءً مأموراً به يترتّب على فعله الثواب.

قوله: «إذا تحلّل المحصور لا يسقط الحجّ عنه في القابل إن كان واجباً».

أي واجباً مستقرّاً قبل عام الحصر، وإلّا تبيّن انتفاء الوجوب بالحصر.

[مندوبات الإحرام]

قوله: «والمندوبات رفع الصوت بالتلبية للرجال، وتكرارها عند نومه واستيقاظه، وعند علوّ الآكام ونزول الأهضام».

الآكام: هي التلول والجبال.

والأهضام، جمع هضم: وهو المطمئن من الأرض وبطن الوادي.

قوله: «وإن كان بعمرة مفردة قيل: كان مخيّراً في قطع التلبية عند دخول الحرم، أو... والكلّ جائز». التفصيل قويٌّ.

قوله: «ويرفع صوته بالتلبية إذا حجّ على طريق المدينة إذا علت راحلته البيداء».

البيداء على ميل من مسجد الشجرة عن يسار الطريق، وهي الأرض التي تخسف بجيش السفياني. ولو حجّ على غير طريق المدينة رفع صوته من موضع إحرامه كالراجل، ولو أخّره يمشي خطوات كان أفضل للنصّ (2) .

قوله: «ويرفع صوته بالتلبية إذا حجّ على طريق المدينة... ويستحبّ التلفّظ بما يعزم عليه».

ص: 243


1- قاله فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 292.
2- الفقيه، ج 2، ص 321، ح 2565.

أي التلفّظ به في التلبية، فيقول من جمله التلبيات المستحبّة: «لبّيك بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ لبّيك» ولو كان غيرها ذكره بلفظه أيضاً استحباباً، والواجب القصد إليه في النيّة.

قوله: «والاشتراط أن يحلّه حيث حبسه، وإن لم يكن حجّة فعمرة».

محلّه قبل النيّة متّصلاً بها، ولفظه المرويّ: «اللهمّ إنّي أُريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك صلی الله علیه و آله و سلم فإن عرض لي شيء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة أحرمَ لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والثياب والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة» وفي الرواية: «ثمّ قُم فامش هنيئة ثمّ لبّ» (1).

[تروك الإحرام]

قوله: «فالمحرّمات عشرون شيئاً: مصيد البرّ اصطياداً أو أكلاً ولو صاده مُحلّ، وإشارة ودلالة».

الدلالة أعمّ من الإشارة مطلقاً؛ لتحقّقها بالإشارة والكتابة والقول وغيرها، واختصاص الإشارة بأجزاء البدن كاليد والرأس. ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرماً أو محلّاً، ولا بين الدلالة الواضحة والخفيّة، وإنّما تؤثّر مع جهالة المدلول بالصيد، فلو لم تفده زيادة انبعاث فلا حكم لها.

قوله: «وشهادة على العقد وإقامة ولو تحمّلها محلّاً».

أي إقامة للشهادة على النكاح وإن كان العقد لمحلّ، وإنّما يحرم عليه إقامتها إذا لم يترتّب على تركها محرّم، فلو خاف الوقوع في الزنى وجب عليه تنبيه الحاكم أنّ عنده شهادة؛ ليوقف الحكم إلى إحلاله، فإن لم يندفع إلّا بالشهادة جازت.

ص: 244


1- الكافي، ج 4، ص 331، باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه؛ الفقيه، ج 2، ص 318 - 319، ح 2560؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 77، ح 253.

قوله: «إذا اختلف الزوجان في العقد فادّعى أحدهما وقوعه في الإحرام وأنكر الآخر... لكن إن كان المنكر المرأة كان لها نصف المهر لاعترافه بما يمنع من الوطء، ولو قيل: لها المهر كلّه كان حسناً».

ما حسّنه المصنّف حسن؛ لثبوت المهر بالعقد، وتنصيفه بالطلاق على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق. وكذا تثبت لها النفقة وإن حكم بتحريمها عليه بالنسبة إلى دعواه، ويلزمها أيضاً من الأحكام ما يختصّ بها ممّا يترتّب على دعواها قبل الطلاق من التزوّج بغيره، وتوقّف الأفعال المتوقّفة على إذن الزوج على إذنه، ويجوز له التزوّج بأُختها وبخامسة، هذا بحسب الظاهر، وأمّا فيما بينهما وبين الله تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في نفس الأمر.

قوله: «ويجوز مراجعة المطلّقة الرجعيّة، وشراء الإماء في حال الإحرام».

سواء قصد بشرائهنّ الخدمة أم التسرّي، لأنّ المحرّم هو نفس النكاح وعقده.

قوله: «والطيب على العموم».

المراد بالطيب: ما اتّخذ للشمّ غالباً غير الرياحين، والمراد بالعموم هنا الإطلاق مجازاً، فإنّ لفظ الطيب مطلق لا عامّ، وما اختاره من تحريمه مطلقاً هو الأقوى.

قوله: «ما عدا خَلوق الكعبة».

الخَلوق - بفتح الخاء - أخلاط خاصّة من الطيب منها الزعفران، فلو كان طيب الكعبة غيره حرم أيضاً، لكن لا يحرم الجلوس فيها وعندها، وإنّما يحرم الشمّ، بخلاف الجلوس عند المتطيّب فإنّه محرّم.

قوله: «ولو في الطعام».

مع بقاء كيفيّته، من لون وطعم ورائحة، فلو استهلكت فيه جاز.

قوله: «ولو اضطرّ إلى أكل ما فيه طيب، أولمس الطيب قبض على أنفه».

وجوباً، ولو لم يقبض فكالمتطيّب في وجوب الكفّارة.

قوله: «وقيل: إنّما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والوَرس».

ص: 245

الوَرس - بفتح الواو - نبت أحمر يوجد على قشور شجر باليمن.

قوله: «ولبس المخيط للرجال».

المعتبر مسمّاها وإن لم يحط بالبدن، ويلحق به ما أشبهه كالدرع المنسوج كذلك، وجبّة اللبد ونحوهما، وبالخياطة ما أشبهها من العقد والزرّ والخلال للرداء، ويجوز عقد الإزار والهميان.

قوله: «وفي النساء خلاف، والأظهر الجواز». قويٌّ.

قوله: «أمّا الغِلالة للحائض فجائزة إجماعاً».

هي - بكسر الغين - ثوب رقيق يلبس تحت الثياب يجوز لبسه للحائض وإن منعناها من لُبس المخيط.

قوله: «وكذا لبس طيلسان له أزرار، لكن لايزرّه على نفسه».

الطيلسان: ثوب منسوج محيط بالبدن مستثنى من جواز لبس المخيط، لكن لا يجوز زرّه، فلو زرّه أو عقد الثوب فكلبس المخيط.

قوله: «والاكتحال بالسواد على قول».

قويٌّ، ولكن لا فدية له.

قوله: «وكذا النظر في المرآة على الأشهر».

قويٌّ، ولا فدية له، والمرآة بكسر الميم وبعد الهمزة ألف.

قوله: «ولبس الخفّين، وما يستر ظهر القدم. فإن اضطرّ جاز، وقيل: يشقّهما، وهو متروك».

الأقوى وجوب شقّهما مع الإمكان، ولا فدية في لبس الخفّ عند الضرورة.

قوله: «والفسوق وهو الكذب».

ومثله سباب المسلم، وذلك محرّم على المحرم وغيره، لكن فيه آكد، ولا فدية له.

قوله: «والجدال: وهو قول: لا والله».

إنّما يحرم مع الغنى عنه، فلو اضطرّ إليه لإثبات حقّ أو نفي باطل فالأقوى جوازه ولا كفّارة.

ص: 246

قوله: «وقتل هوامّ الجسد».

هو - بالتشديد - جمع هامّة، ولا فرق في تحريم قتلها بين المباشرة والتسبيب كوضع الزئبق لقتل القمّل.

قوله: «ويجوز إلقاء القراد والحَلَم».

الحَلَم - بفتح الحاء واللام - واحده حَلمة - بالفتح - أيضاً، ويجوز إلقاؤه عن نفسه وبعيره، وكذا القراد، لاقتلهما، بخلاف القملة فإنّه لا يجوز إلقاؤها أيضاً.

قوله: «يحرم لبس الخاتم للزينة، ويجوز للسنّة».

المرجع في كونه للزينة أو السنّة إلى قصد الفاعل، وكذا الحليّ.

قوله: «ولبس المرأة الحليّ للزينة، وما لم يعتد لبسه منه على الأولى، ولا بأس بما كان معتاداً لها، لكن يحرم عليها إظهاره للزوج».

وكذا غيره من المحارم، ولا كفّارة في المحرّم منه سوى الاستغفار.

قوله: «واستعمال دهن فيه طيب محرّم بعد الإحرام. وقبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام».

المراد ببعديّة الإحرام ما بعد نيّته قبل الإحلال منه، وإنّما يتحقّق التحريم قبله مع وجوبه على الفور، أو تصميم العزم على فعله قبل زوال ريحه.

قوله: «وإزالة الشعر: قليله وكثيره، ومع الضرورة لا إثم».

من الضرورة إزالة النابت في عينه، فإنّه جائز ولا فدية عليه. وكذا لو كان التأذّي لكثرته في الحرّ أو كثرة القمّل فيه، لكن يجب الفدية في الأخير؛ لأنّه ليس نفس المؤذي بل محلّه.

قوله: «وتغطية الرأس».

لا فرق بين كونه بقلنسوة وثوب وغيرهما حتّى بالحنّاء والطين وحمل متاع يستره أو بعضه، ويستثنى وضع عصام القربة لحملها، والعصابة للصداع، والتوسّد بوسادة، وحكّ رأسه بيده ودلكه، والمراد بالرأس هنا منابت الشعر المخصوصة حقيقة أو حكماً.

ص: 247

قوله: «وفي معناه الارتماس».

المراد به هنا إصابة الماء للرأس دفعة عرفيّة وإن بقي البدن، ويجوز غسله بغيره إجماعاً.

قوله: «ولو غطّى رأسه [ناسياً] ألقى الغطاء واجباً، وجدّد التلبية استحباباً. ويجوز ذلك للمرأة، لكن عليها أن تُسفر عن وجهها».

ويستثنى منه ما يتوقّف ستر الرأس عليه من حدوده.

قوله: «التظليل محرّم عليه سائراً».

يتحقّق التظليل بكون ذي الظلّ فوق رأسه كالمحمل، فلا يحرم المشي في ظلّه عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه، وإنّما يحرم حال الركوب، فلو مشى تحت المحمل أو الحمل جاز مع الاختيار، فلو اضطرّ إليه جاز أيضاً لكن مع الفدية.

والمراد بالمحرّم [عليه] هنا الذكر البالغ، فلا يحرم على المرأة ولا الصبيّ.

قوله: «وإخراج الدم: إلّا عند الضرورة، وقيل: يكره، وكذا قيل في حكّ الجلد المفضي إلى إدمائه، وكذا في السواك والكراهيّة أظهر».

الأقوى تحريم إخراج الدم مطلقاً وإن كان بحكّ الجسد والسواك، ولا فدية له على الأقوى، ومع الضرورة كبطّ الجرح وشقّ الدمّل لا فدية إجماعاً.

قوله: «وقصّ الأظفار».

قصّها أي قطعها بالمقصّ، وليس الحكم مقصوراً عليه، بل يحرم مطلق إزالتها ولو بالكسر، ولا فرق بين الجزء والكلّ كالشعر.

قوله: «وقطع الشجر والحشيش إلّا أن ينبت في ملكه، ويجوز قلع شجر الفواکه، ،والإذخر، والنخل، وعودي المحالة على رواية».

إنّما يحرم قطع الأخضر من الحرمين مباشرة لا تسبيباً، فيجوز ترك إبله ترعاه. والإذخر - بكسر الهمزة - نبت معروف، والمحالة - بفتح الميم - البكرة العظيمة، وعوداها اللذان تجعل عليهما ليستقى بها، والمشهور العمل بالرواية.

ص: 248

قوله: «وتغسيل المحرم - لو مات - بالكافور».

بل يغسل مرّة بالسدر ومرّتين بالقراح، وكذا لايجوز تحنيطه به بطريق أولى.

قوله: «ولبس السلاح لغير الضرورة، وقيل: يكره».

المشهور التحريم.

قوله: «والمكروهات، عشرة: الإحرام... في الثياب الوسخة».

إذا كان الوسخ قبل الإحرام، أمّا لو عرض بعد لبسهما لم يغسل ما داما طاهرين.

قوله: «ولبس الثياب المعلَمة».

الثوب المعلَم المشتمل على علم، وهو لون يخالف لونه، ولا فرق بين علمه مع الثوب وبعده.

قوله: «والنقاب للمرأة على تردّد».

التحريم أقوى.

قوله: «وتلبية من يناديه».

بأن يقول له:لبّيك، بل يجب بغيرها، ويخصّها حينئذٍ بالله تعالى.

قوله: «واستعمال الرياحين».

الأقوى التحريم عدا الشيح والخزامى والإذخر والقيصوم.

[خاتمة]

قوله: «كلّ من دخل مكّة وجب أن يكون محرماً».

يستثنى منه العبد فإنّ إحرامه موقوف على إذن المولى.

قوله: «إلّا أن يكون دخوله بعد إحرام قبل مضيّ شهر».

من حين الإحلال، لا الإهلال على الأقوى.

قوله: «وقيل: مَن دخلها لقتال جاز أن يدخل مُحلّاً».

هذا هو المشهور.

ص: 249

قوله: «إحرام المرأة كإحرام الرجل إلّا فيما استثنيناه».

استثني من ذلك جواز لبس المخيط والحرير لها على أحد القولين، وستر الرأس والقدم والتظليل، ووجوب كشف الوجه، وسقوط استحباب رفع الصوت بالتلبية.

[القول في الوقوف بعرفات]

اشارة

قوله: «الوقوف بعرفات».

المراد بالوقوف هنا الكون بها كما سيأتي، وإنّما عبّر بالوقوف - كغيره - تبعاً للقرآن العزيز (1)، وإطلاقاً لأشرف أفراد الكون وأفضلها هناك، وهو الوقوف عليه.

قوله: «فيستحبّ للمتمتّع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلّي الظهرين».

خصّ المتمتّع؛ لأنّ استحباب خروجه يومئذٍ موضع وفاق بخلاف قسیمیه، فلا تصريح من الأكثر بحكمهما في ذلك، وقيل: إنّهما يلحقان به في ذلك. ويوم التروية هو ثامن ذي الحجّة، وكما يستحبّ الخروج فيه يستحبّ الإحرام أيضاً.

قوله: «والواجب النيّة، والكون بها إلى الغروب».

ووقتها بعد الزوال في أوّل أوقات تحقّقه؛ ليقع الوقوف الواجب - وهو ما بين الزوال والغروب - بأسره بعد النيّة، ولو تأخّرت عنه أثم وأجزأ.

قوله: «فلو وقف بنَمِرَة أو عُرَنَة أو ثَوِيّة أو ذي المجاز أو تحت الأراك لم يجزه».

هذه الأماكن الخمسة حدود عرفة، وهي راجعة إلى أربعة؛ لأنّ نمرة بطن عرنة. ونَمِرَة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء، وعُرَنَة بضمّ العين المهملة وفتح الراء والنون، وثَوِيّة بفتح الثاء المثلّثة وكسر الواو وتشديد الياء المثنّاة من تحت المفتوحة، والأَراك بفتح الهمزة.

ص: 250


1- البقرة (2): 198.
[واجباته]

قوله: «فالواجب النيّة والكون بها إلى الغروب... ولو أفاض قبل الغروب جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه».

إذا لم يعلم بالحكم قبل الغروب، فلو علم وجب العود مع الإمكان، فإن أخلّ به فهو عامد.

قوله: «ولو كان عامداً جبره ببدنة».

إن لم يعد إلى عرفة قبل الغروب، وإلّا فالأقوى سقوطها.

قوله: «الوقوف بعرفات ركن».

الركن منه هو مسمّى الوقوف في الوقت، وأمّا استيعابه فهو واجب غير ركن.

قوله: «الوقوف بعرفات ركن، فمن تركه عامداً فلا حجّ له».

هذا حكم ترك الركن في الحجّ، ويستثنى منه الوقوفان، فإنّ الإخلال بهما معاً مبطل وإن لم يكن عمداً، والجاهل عامد.

قوله: «وقت الاختيار لعرفة من... وقت الاضطرار إلى طلوع الفجر».

الواجب من هذا الأمر مسمّى الكون بها فيه، ولا يجب الاستيعاب، بخلاف الوقوف الاختياري. وهذه الليلة أيضاً وقت اضطراري للوقوف بالمشعر، بل فيه شائبة من الوقوف الاختياري، لجواز الإفاضة قبل الفجر للمرأة والراعى ونحوهما.

قوله: «من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها... إذا عرف أنّه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس».

المراد بالعلم هنا الظنّ الغالب المستند إلى قرائن الأحوال، وقد نبّه عليه بقوله: «ولو غلب ظنّه الفوات اقتصر على إدراك المشعر». قوله: «إذا لم يتّفق له الوقوف بعرفات نهاراً فوقف ليلاً ثمّ لم يدرك المشعر حتّى تطلع الشمس فقد فاته الحجّ».

اعلم أنّ أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية، أربعة مفردة وهي كلّ واحد من الاختياريين والاضطراريين، وأربعة مركّبة وهي الاختياريّان

ص: 251

والاضطراريّان، واختياري عرفة مع اضطراري المشعر، وبالعكس، والصور كلّها مجزئة على الأقوى إلّا اضطراري عرفة وحده.

قوله: «وقيل: يدركه ولو قبل الزوال، وهو حسن». قويٌّ.

[مندوباته]

قوله: «والمندوبات: الوقوف في ميسرة الجبل في السفح».

المراد ميسرته بالإضافة إلى القادم إليه من مكّة، وسفح الجبل أسفله، حيث يسفح فيه الماء، وهو مضجعه.

قوله: «وأن يضرب خِباءه بنمرة».

الخِباء - بكسر أوّله والمدّ - الخيمة ونحوها، وقد تقدّم أنّ نمرة من حدود عرفة خارجة عنها، فيضربه بها قبل الزوال، ثمّ ينتقل عنده إلى عرفة تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلم (1).

قوله: «وأن يقف على السهل».

المراد به هنا ما يقابل الجبل، فيكون هو الوقوف بالسفح، وقد تقدّم.

قوله: «وأن يجمع رحله».

أي يضمّ أمتعته بعضها إلى بعض ليأمن عليها الذهاب، ويتوجّه بقلبه إلى الدعاء.

قوله: «ويسدّ الخلل به وبنفسه».

المراد بسدّ الخلل أن لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة ولا بين متاعه، بستر الأرض التي يقفون عليها، وقيل: المراد سدّ الخلل الكائن بنفسه وبرحله بأن يأكل إن كان جائعاً، ويشرب إن كان عطشاناً، وهكذا يصنع ببعيره، ويزيل الشواغل المانعة عن الإقبال على الله تعالى، والتفسير الأوّل هو المرويّ (2)، والثاني مستحبّ أيضاً وإن لم يدخل في العبارة.

ص: 252


1- الكافي، ج 4، ص 245، باب حجّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 454، ح 1588.
2- الكافي، ج 4، ص 463، باب الوقوف بعرفة وحدّ الموقف، ح 4؛ الفقيه، ج 2، ص 464 - 465، ح 2982؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 180، ح 604.

[القول في الوقوف بالمشعر]

اشارة

قوله: «فيستحبّ الاقتصاد في سيره إلى المشعر».

هو افتعال من القصد، وهو التوسّط في السير بين السرعة والبطء.

قوله: «وأن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر».

هو تلّ من رمل عن يمين الطريق للمفيض من عرفة إلى المشعر.

قوله: «وأن يؤخّر المغرب والعشاء إلى المُزْدَلِفة».

هي - بضمّ الميم وسكون الزاء وفتح الدالّ وكسر اللام - اسم فاعل من الازدلاف: وهو التقدّم، سميّت بذلك لأنّ الناس يزدلفون إليها من عرفات، وتسمّى أيضاً جَمْعاً - بفتح الجيم وسكون الميم - للجمع فيها بين المغرب والعشاء.

قوله: «ولو صار إلى ربع الليل».

وإلى ثلثه، وينبغي أن يصلّي قبل حطّ الرحل للتأسّي (1).

[كيفيّة الوقوف بالمشعر]

قوله: «فالواجب: النيّة والوقوف بالمشعر وحدّه ما بين المأزمين».

المأزم - بالهمزة الساكنة والزاء المعجمة المكسورة - الطريق الضيّق بين جبلين، ومنه يسمّى الموضع المخصوص بالمأزمين.

قوله: «وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر».

ووقت النيّة عند تحقّق طلوعه، وكذا تجب النيّة عند الوصول إليه ليلاً للمبيت، ولو نوى حينئذٍ الكون به إلى طلوع الشمس أجزأ نيّة واحدة.

قوله: «ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل».

للمرأة والخائف، بل يجوز لكلّ مضطرّ إليها كالراعي والمريض الذي يخاف الزحام،

ص: 253


1- جامع الأُصول، ج 4، ص 78، ح 1545.

وللمرأة والصبيّ مطلقاً، ولرفيق المرأة الذي تضطرّ إلى صحبته.

قوله: «فلو أفاض قبله عامداً بعد أن كان به ليلاً ولو قليلاً لم يبطل حجّه».

هذا إذا كان قد نوى الوقوف ليلاً، وإلّا كان كتارك الوقوف بالمشعر.

قوله: «ويستحبّ الوقوف بعد أن يصلّي الفجر».

المراد بهذا الوقوف القيام للدعاء والذكر، أمّا الوقوف بمعنى الكون فيجب من أوّل الفجر، ولا يجوز تأخير نيّته إلى أن يصلّي.

قوله: «وأن يطأ الصرورة المشعر برجله، وقيل يستحبّ الصعود على قزح».

بأن يعلو عليه بنفسه، فإن لم يكن فبغيره.

وقُزَح - بضمّ القاف وفتح الزاي المعجمة والحاء المهملة - قال الشيخ: هو المشعر الحرام، وهو جبل هناك يستحبّ الصعود عليه وذكر الله عنده (1) فعلى هذا تكون المزدلفة أعمّ من المشعر (2) وفي الدروس: الظاهر أنّه المسجد الموجود الآن (3).

قوله: «من فاته الحجّ تحلّل بعمرة مفردة».

المراد أنّه ينقل إحرامه بالنيّة من الحجّ إلى العمرة المفردة ثمّ يأتي ببقيّة أفعالها، وكذا القول في المنتقل من المتمتّع إلى قسميه عند ضيق الوقت كالحائض.

قوله: «ثمّ يقضيه إن كان واجباً».

إنّما يجب قضاؤه إذا كان وجوبه مستقرّاً قبل عامه أو مع تفريطه فيه، فلو حجّ عام الوجوب ففاته الحجّ بغير تفريط لم يجب القضاء.

قوله: «إذا ورد المشعر استحبّ له التقاط الحصى منه، وهو سبعون حصاةً، ولو أخذه من غيره جاز لكن من الحرم عدا المساجد، وقيل: عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف».

ص: 254


1- المبسوط، ج 1، ص 493.
2- من المشعر: لم ترد في «م».
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 337 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

الأقوى تحريم أخذها من جميع المساجد، حيث يكون فرشاً لها أو جزءاً منها.

قوله: «ويجب فيه شروط ثلاثة: أن يكون ممّا يسمّى حجراً، ... وأبكاراً».

أي لم يرم بها قبل ذلك رمياً صحيحاً، فلو رُميَ بها بغير نيّة أو لم تصب الجمرة لم تخرج عن كونها بكراً.

قوله: «ومن الحرم».

ذكره ثانياً مع استفادته ممّا سبق؛ لينبّه على شرطيّته بخصوصها، إذ الأوّل أعمّ منها.

قوله: «ويستحبّ أن تكون بُرشاً رخوة، ... كُحليَّةً مُنقَّطةً ملتقَطَةَ».

المراد بالبَرَش في الحصى: اختلاف ألوانها، وبالمنقّطة: أن يكون اللون المخالف في نفس الحصاة بأن تشتمل على لونين فصاعداً، وبالكُحليَّة: أن لا تكون بيضاً ولا حمراً، وبالملتقطة: أن تكون كلّ واحدة مأخوذة على حِدّتها من الأرض، واحترزبها عن المكسّرة بأن يأخذ حجراً فيكسره حصىً.

قوله: «والسعي بوادي محسِّر».

أي الهرولة للماشي، والراكب. بتحريك الدابّة، وروي أنّ قدرها مائة ذراع (1).

[القول في نزول مِنى ومابها من المناسك]

اشارة

قوله: «مِنی».

هو بكسر الميم والقصر، سمّي به المكان المخصوص؛ لأنّ جبرئيل علیه السلام قال هناك لإبراهيم علیه السلام : «تمّن على ربّك ما شئت» (2).

قوله: «والمستحبّ فيه ستّة: الطهارة».

هذا هو المشهور، والمرويّ صحيحاً اشتراط الطهارة (3)، وهو أولى.

ص: 255


1- الكافي، ج 4، ص 471، باب السعى في وادي محسّر، ح 8؛ الفقيه، ج 2، ص 468، ح 2991.
2- علل الشرائع، ج 2، ص 142، الباب 172، ح 1 - 2.
3- الكافي، ج 4، ص 1482، باب رمي الجمار في أيّام التشريق، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 197، ح 659.
[رمي جمرة العقبة]

قوله: «وأن يرميها خذفاً».

هو وضع الحصاة على بطن إبهام اليد اليمنى ودفعها بظفر السبابة، وفي الصحاح: الخذف بالحصى: الرمي به بالأصابع (1).

[الهدي]

قوله: «ولا يجزئ واحد في الواجب إلّا عن واحد وقيل: يجزئ مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خِوانٍ واحدٍ».

الخوان - بكسر الخاء المعجمة ككتاب وبضمّها كغراب - ما يؤكل عليه الطعام، والمراد بكونهم أهل خوانٍ واحدٍ: أن يكونوا رفقة مختلطين في المأكل.

والأصحّ عدم إجزاء الواحد عن غير الواحد مطلقاً في الواجب، نعم لو كان مندوباً كالأُضحية، والمبعوث من الآفاق، والمتبرّع به في السياق إذا لم يتعيّن بالإشعار أو التقليد أجزأ عن أهل الخوان، وهو المراد بقوله: «ويجوز ذلك في الندب». وليس المراد به الهدي في الحجّ المندوب؛ لأنّه يجب بالشروع فيه، فيكون الهدي واجباً فلايجزي إلّا عن واحد.

قوله: «ولا يجب بيع ثياب التجمّل، بل يقتصر على الصوم».

ليس الصوم حينئذٍ واجباً عينيّاً، بل يتخيّر بينه وبين الهدي بأن يبيع الثياب فيه وإن لم يجب عليه ذلك، وكذا لو استدان له حينئذٍ.

قوله: «ولو ضلّ الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجزِ عنه».

الأقوى الإجزاء إذا ذبحه عن صاحبه؛ لدلالة الأخبار الصحيحة عليه (2).

ص: 256


1- الصحاح، ج 3، ص 1347، «خذف».
2- الكافي، ج 4، ص 495، باب الهدي يعطب أو يهلك قبل أن يبلغ محلّه والأكل منه، ح 8؛ الفقيه، ج 2، ص 499 - 500، ح 3072؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 219، ح 739.

قوله: «الثاني: السنّ... ويجزئ من الضأن الجذع لسنته».

هو من الضأن ما كمل له سبعة أشهر ودخل في الثامن.

قوله: «الثالث: أن يكون تامّاً، فلا تجزئ العوراء».

سواء كان العور بيّناً كمنخسفة العين، وغير بيّن كالبياض غير المستوعب.

قوله: «ولا التي انكسر قرنها الداخل».

وهو الأبيض الذي في وسط الخارج، أمّا الخارج فلا عبرة به.

قوله: «ولا المقطوعة الأُذن».

ولو بعضها، بخلاف مثقوبتها ومشقوقتها إذا لم يذهب منها شيء، وكذا المكويّة عليها أو على غيرها وفاقدتها وصغيرتها وفاقدة القرن، فإنّها مجزئة. ومن العیب الجرب والمرض وإن قلّ.

قوله: «ولا الخصيّ من الفحول».

هو مسلول الخصيتين، بخلاف الموجوء: وهو مرضوض عروقهما، فإنّه يجزئ على كراهية في الأقوى.

قوله: «ولا المهزولة، وهي التي ليس على كليتيها شحم».

المرجع في ذلك إلى ظنّ أهل الخبرة. وإنّما يشترط السلامة مع الإمكان، فلو تعذّر إلّا المعيب ففي إجزائه أو الانتقال إلى الصوم قولان، أجودهما الأوّل.

قوله: «فلو اشتراها على أنّها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزه، ولو خرجت سمينة أجزأت، وكذا لو اشتراها على أنّها سمينة فخرجت مهزولة». صور المسألة ثمان؛ لأنّه إمّا أن يشتريها على أنّها سمينة أو مهزولة، ثمّ إمّا أن تظهر الموافقة أو المخالفة قبل الذبح أو بعده.

فمتى اشتراها على أنّها سمينة فخرجت كذلك أجزأت مطلقاً، وكذا لو خرجت مهزولة بعد الذبح. ولو اشتراها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزه مطلقاً، وإن خرجت سمينة قبل الذبح أجزأت.

ص: 257

ولو ظهرت سمينة بعد الذبح، أو السمينة مهزولة قبله، ففي إجزائها قولان، أجودهما ذلك.

قوله: «ولو اشتراها على أنّها تامّة فظهرت ناقصة لم يجزه».

لا فرق هنا بين ظهورالمخالفة قبل الذبح وبعده، والفرق بین العیب و الهزال ظهور الأوّل وخفاء الثاني، فإنّه مبنيّ على الظنّ والتخمين.

قوله: «والمستحبّ أن تكون سمينة، تنظر في سواد، وتبرك في سواد، وتمشي في مثله، أي يكون لها ظلّ تمشي فيه».

أي سمناً زائداً على القدر المعتبر فيها، أو يريد به السمن الخاصّ وهو كونها بحيث تنظر في سواد، وتمشي في سواد، وتبرك في سواد. والمراد بقوله: «أي لها ظلّ تمشي فيه» أي ظلّ عظيم باعتبار عظم جنّتها وسمنها، لا مطلق الظلّ فإنّه لازم للجسم الكثيف مطلقاً.

قوله: «وأن يكون ممّا عرِّف به».

أي يكون حضر عرفات في وقت الوقوف، ويكفي قول بائعه في ذلك.

قوله: «وأن ينحر الإبل قائمة، قد ربطت بين الخفّ والركبة».

فى تفسيره وجهان مرويّان: أحدهما: أن يربط يداها معاً مجتمعتين من الخفّ إلى الركبة ليمتنع من الاضطراب (1)، والثاني: أن يعقل يدها اليسرى من الخفّ إلى الركبة ويوقفها على اليمين (2).

قوله: «ويطعنها من الجانب الأيمن».

أي يقف الذابح من جانبها الأيمن ويطعنها في موضع النحر، فإنّه متّحد لا أيمن له إلّا بتكلّف.

قوله: «ويترك يده مع يد الذابح».

ص: 258


1- الكافي، ج 4، ص 497، باب الذبح، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 221، ح 744.
2- الكافي، ج 4، ص 498، باب الذبح، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 221، ح 745.

وينويان معاً استحباباً، ولو نوى الذابح وحده أجزأ.

قوله: «ويستحبّ أن يقسِّمه ثلاثاً يأكل ثُلثُه، ويتصدّق بثُلثه، ويهدي ثُلثُه» إلى آخره.

الأصحّ وجوب الأُمور الثلاثة، والاكتفاء بمسمّى الأكل، وإهداء الثلث، والصدقة بالثلث. ويشترط في المهدى إليه الإيمان، وفي المتصدّق عليه الفقر معه، ويكفي دفعهما إلى الواحد الجامع للوصفين.

[البدل]

قوله: «من فقد الهدي ووجد ثمنه، قيل: يخلفه عند مَن يشتريه طول ذي الحجّة». قوىٌّ.

قوله: «وإذا فقدهما صام عشرة أيّام».

أي الهدي وثمنه، ويتحقّق العجز عن الثمن بأن لا يقدر على تحصيله بتكسّب يليق بحاله، أو ببيع مازاد على المستثنى في الدين.

قوله: «ويجوز تقديمها من أوّل ذي الحجّة بعد أن يتلبّس بالمتعة».

يتحقّق التلبّس بها بالشروع في العمرة.

قوله: «ولو خرج ذو الحجّة ولم يصمها تعيّن الهدي».

أي استقرّ في ذمّته إلى حين التمكّن منه، سواء كان تأخير الصوم عن ذي الحجّة لعذر أم غيره، والضمير في «يصمها» يعود إلى الثلاثة.

قوله: «وصوم السبعة بعد وصوله إلى أهله ولا يشترط فيها الموالاة على الأصحّ». قويٌّ.

قوله: «فإن أقام بمكّة انتظر قدر وصوله إلى أهله مالم يزد على شهر».

المراد بقدر وصوله مضيّ مدّة يمكن فيها وصوله إليهم عادةً، وإنّما يكفي الشهر إذا كانت إقامته بمكّة، وإلّا تعيّن الانتظار مقدار الوصول إلى أهله خاصّة.

قوله: «ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم وجب أن يصوم عنه وليّه الثلاثة دون السبعة، وقيل بوجوب قضاء الجميع، وهو الأشبه».

قويٌّ، لكن لا يجب قضاء إلّا ما تمكّن من فعله فلم يصمه. ويتحقّق التمكّن بوصوله

ص: 259

إلى أهله، أو مضيّ المدّة المشترطة إن أقام بغير بلده، ومضيّ زمان يمكنه فيه الصوم، ولو تمكّن من البعض وجب قضاؤه خاصّة.

هدي القِران

قوله: «لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه، وله إبداله والتصرّف فيه وإن أشعره أو قلّده، ولكن متى ساقه فلابدّ من نحره بمنى إن كان لإحرام الحجّ».

المراد أنّه لا يخرج عن ملك سائقه بمجرّد إعداده للسوق، وتسميته سائقاً مجازاً باعتبار ما يؤول إليه، وحينئذٍ له إبداله والتصرّف فيه.

وقوله: «وإن أشعره أو قلّده» وَصْليٌ لقوله: «لا يخرج عن ملكه» لا لقوله: «وله إبداله والتصرّف فيه» وما بينهما معترض، والتقدير أنّه لا يخرج عن ملكه وإن أشعره أو قلّده، وتعيّن ذبحه، وتظهر الفائدة في جواز ركوبه ونحوه. والموجب لتعبيره كذلك محاولة الجمع بين الحكمين المختلفين أعني جواز التصرّف فيه قبل الإشعار، وعدم الخروج عن ملكه بعده، فاتّفق تعقيد العبارة.

وقوله: «لكن متى ساقه - أي عيّنه للسياق بالإشعار أو التقليد المذكورين - فلا بدّ من نحره». أي تعيّن لذلك وإن لم يخرج عن ملكه، كما مرّ.

قوله: «وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة بالحَزْوَرَة».

الفِناء - بكسر الفاء والمدّ - ما امتدّ من جوانب الدار، والحزورة - مثل قسورة - وهي التلّ، خارج المسجد بين الصفا والمروة.

قوله: «ولو هلك لم تجب إقامة بدله؛ لأنّه ليس بمضمون».

هذا إذا كان تلفه بغير تفريط، وإلّا ضمنه ووجب إقامة بدله.

قوله: «ولو عجز هدي السياق عن الوصول، جاز أن ينحر أو يذبح ويُعلِم بما يدلّ على أنّه هدي».

المراد بالجواز هنا الوجوب، فإنّ هدي السياق إذا تعيّن للذبح يجب التوصّل إلى ما يجب، وهو ذبحه في مكانه، فإذا تعذّر بقي مطلق الذبح.

ص: 260

والعلامة بما يدلّ على أنّه هدي بأن يغمس نعله في دمه ويضرب بها صفحة سنامه، أو يكتب رقعة ويضعها عنده يؤذن بحاله، وذلك عند تعذّر المستحقّ عنده، ويجوز التعويل عليها في الحكم بالتذكية وإباحة الأكل، ولا تجب الإقامة عنده وإن أمكنت.

قوله: «ولو أصابه كسر جاز بيعه والأفضل أن يتصدّق بثمنه أو يقيم بدله».

هذا إذا لم يكن مضموناً كالكفّارات والمنذور، وإلّا وجب إقامة بدله. وإنّما جاز بيعه حينئذٍ؛ لأنّ الواجب كان ذبحه لمحلّه لاغير، والصدقة به أو فعل ما يفعل بهدي التمتّع مستحبّ عند المصنّف، فإذا تعذّر فِعْلُ ما وجب سقط، فيجوز بيعه. واستحبّ الصدقة بثمنه، كما يستحبّ الصدقة بلحمه.

قوله: «ولا يتعيّن هدي السياق للصدقة إلّا بالنذر». مقتضى العبارة وكلام الأكثر أنّ الواجب في هدي السياق هو النحر أو الذبح خاصّة، فإذا فعل ذلك صنع به ما شاء إن لم يكن منذور الصدقة. وقيل: يجب فيه ما يجب في هدي التمتّع (1)، وهو أقوى.

قوله: «ولو سُرق من غير تفريط لم يضمن».

هذا إذا لم يكن مضموناً في الذمّة، وقد خصّصه بالمعيّن، فإنّه بتلفه يرجع الواجب إلى الذمّة، ولو كان المنذور هو المعيّن سقط.

قوله: «ولو ضلّ فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه».

لا فرق في ذلك بين المتبرّع به والمضمون بالنذر وشبهه والكفّارة؛ لإطلاق النصّ (2) . واحترز بذبح الواجد له عن صاحبه عمّا لو ذبحه لا عنه، إمّا عن نفسه أو لا، فإنّه لا يجزئ عنهما.

قوله: «ولو ضاع فأقام بدله ثمّ وجد الأوّل ذبحه، ولم يجب ذبح الأخير، ولو ذبح

ص: 261


1- قاله الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 358 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- الكافي، ج 4، ص 494 - 495، باب الهدي يعطب أو يهلك قبل أن يبلغ محلّه و ... ، ح 5، 8؛ الفقيه، ج 2، ص 499 - 500، ح 3072؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 217 و 219، ح 731 و 739؛ الاستبصار، ج 2، ص 272، ح 962.

الأخير ذبح الأوّل ندباً».

هذا إذا كان ضياعه بتفريط ليجب إقامة بدله؛ لكونه حينئذٍ مضموناً عليه، وإلّا فقد تقدّم أنّ هدي السياق إذا هلك لا تجب إقامة بدله، إلّا أن يفرّق بين الضياع والهلاك، كما يظهر من إطلاق العبارة، وليس ببعيد بعد ورود النصّ (1) كذلك مطلقاً.

قوله: «ويجوز ركوب الهدي ما لم يضرّ به وشرب لبنه ما لم يضرّ بولده».

هذا في الهدي المتبرّع به بعد تعيينه بالسياق؛ لعدم خروجه عن ملكه، فيجوز له الانتفاع بما لا ينافي الذبح، ولا ينقصه ولا يضرّ به ولا بولده. ولو كان الهدي مضموناً كالكفّارات والنذور لم يجز تناول شيء منه، ولا الانتفاع به مطلقاً، فإن فعل ضمن قيمته أو مثله لمستحقّ أصله.

قوله: «وكلّ هدي واجب كالكفّارات لا يجوز أن يعطى الجزّار منها شيئاً».

أي الهدي الذي تعيّن وجوبه كالكفّارات بأن يكون خارجاً عن الملك، فإنّه يتعيّن الصدقة بجميعه كما ذكر، وإلّا فقد تقدّم أنّ هدي السياق الواجب المتعيّن بالإشعار أو التقليد لا يجب فيه سوى الذبح أو النحر. ولا يخفى أنّ المراد بإعطاء الجزّار الممنوع منه ما كان على وجه الأُجرة أو التبرّع، أمّا إعطاؤه صدقة إذا كان مستحقّاً، فإنّه جائز.

قوله: «ويستحبّ أن يأكل من هدي السياق».

بناءً على ما تقدّم من أنّ الواجب الذبح خاصّة، والأقوى وجوب ذلك كهدي التمتّع. والمراد بهدي السياق المتبرّع به، أمّا الواجب بكفّارةٍ أو بنذرٍ إذا جعله سياقاً، فلا يجوز تناول شيء منه.

[في الأُضحيّة]

قوله: «في الأُضحيّة».

هي - بضمّ الهمزة وكسرها وتشديد الياء مفتوحة - ما يذبح يوم عيد الأضحى

ص: 262


1- الكافي، ج 4، ص 494، باب الهدي يعطب أو يهلك قبل أن يبلغ محلّه و ...، ح 7؛ الفقيه، ج 2، ص 501، ح 3077؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 218 - 219، ح 737 و 738.

تبرّعاً، وهي مستحبّة مؤكّداً، بل قيل بوجوبها (1).

قوله: «ووقتها بمنى أربعة أيّام، أوّلها يوم النحر».

في العبارة تجوّز، فإنّ أوّل وقتها يوم النحر بعد طلوع الشمس بقدر صلاة العيد والخطبتين، سواء صلّاها أم لا.

قوله: «ومن لم يجد الأُضحيّة تصدّق بثمنها، ولو اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدنى، وتصدّق بثلث الجميع».

هذا إذا كانت القيم ثلاثاً، وإلّا لم تنحصر في الثلث. والضابط الشامل لجميع أفراد الاختلاف أن تجمع القيمتين أو القيم المختلفة، ويتصدّق بقيمة نسبتها إليها نسبة الواحد إلى عددها، فمن الاثنين النصف، ومن الثلاث الثلث، ومن الأربع الربع، وهكذا.

قوله: «ويكره أن يأخذ شيئاً من جلود الأضاحي، وأن يعطيها الجزّار والأفضل أن يتصدّق بها».

يمكن عود الضمير إلى الجلود، فإنّ الصدقة بها مستحبّة. وإلى الأُضحيّة، فقد قيل: إنّ الصدقة بجميعها أفضل (2)، والأجود استحباب الأكل منها؛ للآية (3)، والتأسّي (4)؛

[الحلق والتقصير]

قوله: «إذا فرغ من الذبح فهو مخيّر: إن شاء حلق، وإن شاء قصّر، والحلق أفضل. ويتأكّد في حقّ الصرورة ومَن لبّد شعره.

تلبيد الشعر أن يأخذ عسلاً وصمغاً، ويجعله في رأسه؛ لئلّا يقمل أو يتّسخ بسبب الإحرام، والأقوى تخييرهما كغيرهما.

ص: 263


1- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 299، المسألة 250.
2- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 502؛ والنهاية، ص 261.
3- الحجّ (22): 36.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 223، ح 752.

قوله: «وليس على النساء حلق».

بل يحرم عليهنّ، ولا يجزئهنّ على الأقوى.

قوله: «ويجزئهنّ ولو قدر الأنملة».

حاشية شرائع الإسلام

لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، وإنّما خصّ النساء؛ لأنّهنّ مورد النصّ (1). والواجب ما يقع عليه اسمه عرفاً، والتقدير بالأنملة كناية عنه. والمراد بالتقصير إبانة مسمّى الشعر أو الظفر، بحلق أو نتف أو قرض بما اتّفق من الآلة.

قوله: «ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحجّ والسعي ولو قدّم ذلك على التقصير عامداً جبره بشاة، ولو كان ناسياً لم يكن عليه شيء، وعليه إعادة الطواف على الأظهر».

قويٌّ، والمشار إليه ب-«ذلك» هو الطواف والسعي، وتجب إعاده السعي حيث تجب إعاده الطواف.

قوله: «ويجب أن يحلق بمنى، فلو رحل رجع فحلق بها، فإن لم يتمكّن حلقَ أو قصَّرَ مكانه، وبعثَ شعره ليُدفن بها».

الحلق أو التقصير واجب، وبعث الشعر ليدفن بها مستحبّ، وهو في قوّة مستحبّين:

البعث والدفن، فلو اقتصر على أحدهما تأدّت سنّته خاصّة.

قوله: «ومَن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه».

ويجب التقصير من غيره؛ لأنّه واجب اختياري قسيم للحلق، والإمرار بدل اضطراري، ولا يجزئ الاضطراري مع القدرة على الاختياري، والأولى الجمع بينهما.

قوله: «مواطن التحليل ثلاثة، الأوّل: عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كلّ شيء، إلّا الطيب والنساء والصيد».

هذا إذا وقع أحدهما عقيب الرمي والذبح، أمّا إذا وقع قبلهما أو بينهما توقّف على فعل الثلاثة على الأقوى.

ص: 264


1- الكافي، ج 4، ص 503، باب الحلق والتقصير، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 244، ح 824.

قوله: «الثاني: إذا طاف طواف الزيارة حلّ له الطيب».

الأصحّ توقّف حلّ الطيب على السعي بعد طواف الحجّ.

قوله: «إذا قضى مناسكه يوم النحر فالأفضل المضيّ إلى مكّة للطواف والسعي ليومه فإن أخّره فمن غده. ويتأكّد ذلك في حقّ المتمتّع، فإن أخّره أثم ويجزئه».

أي أخّره عن الغد، وهو الحادي عشر. وقد تقدّم في كلام المصنّف جواز تأخيره إلى النفر الثاني، وأنّ الأقوى جواز تأخيره طول ذي الحجّة على كراهة.

[القول في الطواف]

اشارة

قوله: «فالواجبات: الطهارة وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن».

لا فرق هنا بين الواجب والمندوب. بخلاف الطهارة الحدثيّة، فإنّها من كمال المندوب على الأقوى. ولو كانت النجاسة ممّا يُعفى عنها في الصلاة، عفي عنها هنا على الأقوى.

قوله: «وأن يكون مختوناً».

مع إمكانه، فلو تعذّر ولو بضيق الوقت صحّ بدونه.

قوله: «المندوبات ثمانية: الغسل لدخول مكّة... والأفضل أن يغتسل من بئر ميمون أو من فخّ».

بئر ميمون بالأبطح، وفخّ على رأس فرسخ من مكّة للقادم من المدينة.

قوله: «وأن يدخل مكّة من أعلاها».

للتأسّي (1)، ولا فرق في ذلك بين المدني وغيره على الأقوى.

قوله: «وأن يكون حافياً».

ونعله بيده.

قوله: «ويدخل من باب بني شيبة».

ص: 265


1- الكافي، ج 4، ص 245، باب حجّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 454، ح 1588.

هو الآن داخل في المسجد بإزاء باب السلام، فليدخل من باب السلام على الاستقامة إلى أن يجاوز الأساطين ليصادفه. وقد علّل استحباب الدخول منه بأنّ هبل - أعظم الأصنام - مدفون تحت عتبته، فإذا دخل منه وطأه برجله.

[واجبات الطواف]

قوله: «فالواجب سبعة: النيّة، والبدأة بالحَجَر».

بأن يكون أوّل جزء منه محاذياً لأوّل جزء من مقاديم بدنه، بحيث يمرّ عليه بعد النيّة بجميع بدنه علماً أو ظنّاً. والأفضل أن يستقبله حال النيّة بوجهه، ثمّ يأخذ في الحركة على يساره بعدها بغير فصلٍ، ولو جعله على يساره ابتداءً جاز.

قوله: «والختم به».

بأن يحاذيه في آخر شوط كما ابتدأ أوّلاً؛ ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان، ولا فرق في الختم بين كونه على المحلّ الذي ابتدأ به وغيره ممّا شاركه في المعنى.

قوله: «وأن يُدخل الحِجر في الطواف».

للتأسّي، لا لكونه من البيت. وعلّل في بعض الأخبار بكون أُمّ إسماعيل علیه السلام مدفونة فيه، وفيه قبور أنبياء (1).

قوله: «وأن يكون بين البيت والمقام».

وتجب مراعاة النسبة من جميع الجهات، ومن جهة الحِجر يحتسب المسافة من خارجه كغيره وإن كان خارجاً عن الكعبة.

قوله: «ولو شقّ قضاهما حيث ذكر».

المرجع في المشقّة إلى العرف. ولا يشترط التعذّر.

قوله: «يجب أن يصلّي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن، ولا يجوز في غيره فإن منعه زحام صلّى وراءه، أو إلى أحد جانبيه».

ص: 266


1- الكافي، ج 4، ص 210، باب حجّ إبراهيم وإسماعيل و ...، ح 15؛ الفقيه، ج 2، ص 193، ح 2119.

الأصل في المقام أنّه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم علیه السلام يقوم عليه حين بنائه البيت، وأثر قدميه فيه إلى الآن. وهو لا يصلح ظرفاً مكانيّاً للصلاة حقيقة؛ لعدم إمكان الصلاة عليه، وأنّما يصلّى خلفه أو إلى أحد جانبيه.

ففي قوله: «يجب أن يصلّي في المقام» تجوّز، وكذا في قوله: «ولا يجوز في غيره» فإنّ الصلاة خلفه وعن أحد جانبيه جائزة، بل متعيّنه اختياراً. والمراد أنّه تجب الصلاة خلف المقام أو إلى أحد جانبيه بحيث يكون قريباً منه عرفاً، فإن منعه زحام جاز التباعد عنه مع مراعاة الجانبين والوراء.

قوله: «من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصحّ طوافه وإن لم يعلم ثمّ علم في أثناء طوافه أزاله وتمّم».

ضمير «أزاله» إن عاد إلى النجاسة كان على خلاف القياس الفصيح، وإن عاد إلى الثوب بمعنى نزعه وجب تقييده بما إذا كان عليه ساتر غيره، ولم يحتج إلى فعل يستدعي قطع الطواف، ولمّا يكمل أربعة أشواط.

وكان الأولى أن يقول: «أزالها».

قوله: «مَن نقص من طوافه، فإن جاوز النصف رجع فأتمّ».

من موضع القطع، ولو شكّ فيه أخذ بالاحتياط، وليس له البدأة من الركن لو كان النقص بعده، والمراد بمجاوزة النصف أن يكمل أربعة أشواطٍ.

قوله: «ولو رجعَ إلى أهله أمر من يطوف عنه».

أي يطوف ما بقي، وتجوز الاستنابة هنا اختياراً.

قوله: «وكذا لو أحدث في طواف الفريضة».

أي يبني مع بلوغ الأربعة بعد الطهارة، ومثله ما لو عرض له حاجة، ويجب الاقتصار على قدر الحاجة، ولا يجب التخفيف زيادة على المعتاد، فلو زاد فكالقطع لغير عذر.

قوله: «لو دخل في السعي فذكر أنّه لم يتمّ طوافه رجع فأتمّ طوافه إن كان تجاوز النصف، ثمّ تمّم السعي».

ص: 267

ولو لم يكن تجاوز النصف أعاد الطواف والسعي وإن كان قد تجاوز نصف السعي.

والضابط أنّه يبني على السعي حيث يبني على الطواف، ويستأنفه حيث يستأنفه.

[مندوبات الطواف]

قوله: «الندب خمسة عشر ... واستلام الحجر على الأصحّ (1)».

قويٌّ، والاستلام - بغير همز - افتعال من السِلام - بالكسر - وهي الحجارة - فإذا مسّ الحجر بيده ومسحه بها قيل: استلمه، أي مسَّ السلام. وقيل بالهمز من اللأمة: وهي الدرع، كأنّه اتّخذه جُنّة وسلاحاً.

قوله: «أن يكون في طوافه داعياً ذاكراً لله سبحانه على سكينة ووقار مقتصداً في مشيه، وقيل: يَرْمَل».

الاقتصاد: التوسّط بين الإسراع والبطء، والرَمل - بفتح الميم - هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، دون الوثوب والعدو، ويسمّى الخبب، والأشهر القصد مطلقاً.

قوله: «وأن يلتزم المستجار في الشوط السابع».

المستجار جزء من حائط الكعبة بحذاء الباب، دون الركن اليماني بقليل. ويستحبّ بسط اليدين عليه، وإلصاق البطن والخدّ به، والإقرار لله بالذنوب مفصّله ليغفرها الله له.

ومتى استلم أو التزم حفظ الموضع الذي انتهى إليه طوافه بأن يثبت رجليه فيه؛ لئلّا يتقدّم بهما حالتهما أو يتأخّر، حذراً من الزيادة والنقصان في الطواف.

قوله: «ومَن زاد على السبعة سهواً أكملها أُسبوعين».

إن لم يذكر حتّى بلغ الحجر، وإلّا قطع وجوباً، فلو زاد حينئذٍ بطل.

[أحكام الطواف]

قوله: «الطواف ركن، مَن تركه عامداً بطل حجّه».

ص: 268


1- في «م»: على الأقوى.

المراد به غير طواف النساء فإنّه ليس بركن إجماعاً، وترك الطواف بخروج ذي الحجّة قبل فعله.

قوله: «ولو تركه ناسياً قضاه».

المراد بالقضاء هنا الإتيان بالفعل من باب (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَسِكَكُمْ) (1)، لا القضاء المتعارف؛ إذ لا توقيت هنا للطواف حقيقيّاً.

قوله: «ولو تعذّر العود استناب فيه».

المراد بالتعذّر هنا المشقّة الكثيرة التي لا تحتمل عادة، ويحتمل العجز الكلّي.

قوله: «وإن كان في أثنائه وكان شكّاً في الزيادة قطعَ ولاشيء عليه».

إنّما يقطع مع الشكّ في الزيادة إذا كان على منتهى الشوط، أمّا لو كان في أثنائه بطل طوافه؛ لتردّده بين محذورين في القطع المحتمل للنقيصة، والإكمال المحتمل للزيادة.

قوله: «مَن نسي طواف الزيارة - حتّى رجع إلى أهله وواقع، قيل: عليه بدنة والرجوع إلى مكّة للطواف، وقيل: لاكفّارة عليه، وهو الأصحّ - ويُحمَل القول الأوّل على من واقع بعد الذكر».

فيه تسامح؛ لأنّ الذي ينبغي حمله على ذلك الرواية الواردة بالحكم مطلقاً (2)، لا القول، فإنّ قائله إنّما يريد الإطلاق نظراً إلى ما فهمه من إطلاق الرواية، وحمل الرواية على ما ذكر من الموافقة بعد العلم حسن.

قوله: «ولو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب».

وإن أمكن العود بغير مشقّة بشرط أن لا يتّفق عوده، وإلّا تعيّن عليه المباشرة، ولو تعمّد تركه وجب العود مع الإمكان كغيره.

قوله: «من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد، ثمّ لا يجوز مع القدرة».

ص: 269


1- البقرة (2): 200.
2- الكافي، ج 4، ص 378 - 379، باب المحرم يأتي أهله وقد مضى بعض مناسكه، ح3 و 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 321، ح 1104 و 1105.

الأقوى عدم جواز تأخير السعي إلى الغد أيضاً، نعم يجوز تأخيره ساعة وساعتين للراحة ونحوها.

قوله: «يجب على المتمتّع تأخير الطواف والسعي حتّى يقف بالموقفين ويقضي مناسكه يوم النحر، ولا يجوز التعجيل إلّا للمريض».

بل يجوز لكلّ مضطرّ.

قوله: «قيل: لا يجوز الطواف وعلى الطائف بُرْطُلَّة».

هي - بضمّ الباء والطاء وإسكان الراء وتشديد اللام المفتوحة - قلنسوة طويلة، والأقوى كراهة لبسها في غير طوافٍ يحرم ستر الرأس فيه.

قوله: «ومنهم من خصّ ذلك بطواف العمرة». قويٌّ.

قوله: «مَن نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان».

الأقوى بطلان النذر كذلك مطلقاً.

قوله: «ولا بأس أن يعوِّل الرجل على غيره في تعداد الطواف».

ويشترط في المعوَّل عليه البلوغ والعقل، لا العدالة. ولا فرق بين كونه طائفاً وعدمه، ولا بين الرجل وغيره.

قوله: «طواف النساء واجب في الحجّ والعمرة المفردة دون المتمتّع بها».

إنّما خصّه بالذكر مع أنّ غيره كذلك؛ لدفع توهّم اختصاصه بمن يباشر النساء، بخلاف غيره فإنّه ليس موضع الوهم. وإنّما عدل إلى قوله: «لازم» (1) ليشمل الواجب وغيره؛ لأنّ الصبيان لا يخاطبون به على وجه الوجوب، بل يلزمون به تمريناً، فلو أخلّوا به حرمت عليهم النساء بعد البلوغ.

[القول في السعي]

[مقدّماته]

قوله: «مقدّماته عشرة، كلّها مندوبة: الطهارة و... و أن يخرج من الباب المحاذي للحجر».

ص: 270


1- وهو قوله بعد: وهو لازم للرجال والصبيان والخناثي.

هو الآن في داخل المسجد بسبب توسعته، إلّا أنّه معلّم بأُسطوانتين، فليخرج من بينهما؛ للتأسّي (1).

قوله: «وأن يصعد على الصفا».

بحيث يرى البيت من بابه، ويحصل ذلك بالدرجة الرابعة.

قوله: «وأن يطيل الوقوف على الصفا».

بقدر قراءة سورة البقرة مترسّلاً؛ للتأسّي (2).

[کیفیّته]

قوله: «والواجب فيه أربعة: النيّة».

يعتبر مقارنتها للصفا بأن يصعد إلى بعض درجاته، فيجزئ أيّ جزء كان منه، أو يلصق عقبه به إن لم يصعد، فإذا وصل إلى المروة ألصق أصابع رجليه بها، أو دخلها كذلك ليستوعب المسافة التي بينهما، فإذا عاد إلى الصفا ألصق عقبه بالمروة إن لم يكن في داخلها، وهكذا القول في كلّ شَوْطٍ ذهاباً وعوداً.

قوله: «والمستحبّ أربعة: أن يكون ماشياً، ... والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطّارين ماشياً كان أو راكباً».

المراد بالهرولة السرعة في المشي، وعلّل استحبابها ثَمَّ بأنّ مكانها شعبة من وادي محسّر، فاستحبّ قطعه بالهرولة (3). والحكم مختصّ بالرجل، وفي حكمه الصبيّ دون المرأة.

قوله: «ولو نسي الهرولة رجع القَهْقَرى وهرول موضعها».

هي - بفتح القافين والراء وإسكان الهاء - المشي إلى خلف من غير التفات بالوجه.

ص: 271


1- الكافي، ج 4، ص 431، باب الوقوف على الصفا والدعاء، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 145، ح 481.
2- الكافي، ج 4، ص 431 و 433، باب الوقوف على الصفا و الدعاء، ح 1، 6؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 145، ح 481.
3- علّله بذلك العلّامة في منتهى المطلب، ج 10، ص 412؛ وتذكرة الفقهاء، ج 8، ص 135، المسألة 495.
[أحكام السعي]

قوله: «السعي ركن، من تركه عامداً بطل حجّه ولو كان ناسياً وجب عليه الإتيان به. فإن خرج عاد ليأتي به، فإن تعذّر عليه استناب فيه».

المراد بالتعذّر المشقّة البالغة، كما تقدّم في الطواف.

قوله: «ولا بأس بالزيادة سهواً».

لكن إن تذكّر قبل إكمال الشوط الثامن وجب القطع حينئذٍ، فإن لم يقطع بطل سعيه.

وإن لم يذكر حتّى أكمل الثامن تخيّر بين القطع وإهدار الثامن، وبين إكمال أُسبوعين، ويكون الثاني مستحبّاً، ولم يشرع استحباب السعي إلّا هنا، ولا يشرع ابتداؤه مطلقاً.

قوله: «ومَن تيقّن عدد الأشواط وشكّ فيما به بدأ، فإن كان على المُزْدَوج على الصفا فقد صحّ سعيه لأنّه بدأ به».

هذا إنّما يكون شكّاً في ابتداء الأمر، وإلّا فبعد العلم بكون عدده زوجاً وهوعلی الصفا تتحقّق البدأة به، فلا يكون من الشكّ في شيء إلّا بالاعتبار الذي ذكرناه.

قوله: «وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض».

المراد بانعكاس الفرض والحكم أنّه إن كان في المفرد على الصفا أعاد، وإن كان على المروة صحّ سعيه؛ لأنّه يكون قد بدأ بالمروة في الأوّل، وبالصفا في الثاني.

قوله: «مَن لم يحصّل عدد سعيه أعاده».

المراد أنّه شكّ في عدده، سواء علم ما به بدأ أم لا، فإنّه يعيد. ويستثنى من ذلك ما لو شكّ بين الإكمال والزيادة على وجه لا ينافي ابتداءه بالصفا، كما لوشكّ بين السبعة والتسعة وهو على المروة فإنّه لا يعيد، ولو كان على الصفا أعاد.

قوله: «ومَن تيقّن النقيصة أتى بها».

سواء ذكرها في الحال أم بعد حين، فإنّه يقتصر على إعادتها وإن كانت أكثر من نصفه؛ لعدم اشتراط الموالاة فيه.

قوله: «ولو كان متمتّعاً بالعمرة وظنّ أنّه أتمَّ فأحلّ وواقع النساء».

ص: 272

هذا الحكم مستنده روايات عن الصادق علیه السلام (1)، وهو مخالف للأُصول الشرعيّة من حيث وجوب كفّارة غير الصيد على الناسي، ووجوب البقرة في تقليم الأظفار، وبالجماع؛ ولذلك حملها بعضهم على الاستحباب. وفي الحكم إشكال، وإن كان ما اختاره المصنّف أولى.

قوله: «ولو ذكر في أثناء السعي نقصاناً من طوافه، قطع السعي وأتمّ الطواف ثمّ أتمّ السعي».

إنّما يتمّ الطواف مع تجاوز نصفه بأن يكون قد طاف أربعة أشواط، فحينئذٍ يتمّه ثمّ يبني على ما مضى من السعي وإن كان شوطاً. ولو لم يبلغ الطواف الأربعة أعاده، ثمّ استأنف السعي وإن أكمله.

[القول في الأحكام المتعلّقة بمنى بعد العَود]

قوله: «فيجب عليه أن يبيت [بها] ليلتي الحادي عشر والثاني عشر. فلو بات بغيرها كان عليه عن كلّ ليلة شاة».

هذا مع الاختيار، أمّا لو اضطرّ إلى الخروج منها لمانع خاصّ أو عامّ أو حاجة سقط وجوب المبيت.

قوله: «إلّا أن يبيت بمكّة مشتغلاً بالعبادة».

الواجبة والمندوبة، ويجب استيعاب الليلة بها، إلّا ما يضطرّ إليه من أكلٍ وشربٍ وقضاء حاجةٍ ونومٍ يغلب عليه، ومنه الاشتغال بالطواف والسعي. قوله: «وقيل: يشترط أن لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر». ضعيف.

قوله: «أو من لم يتّق الصيد والنساء».

المراد باتّقاء الصيد عدم قتله، وباتّقاء النساء عدم جماعهنّ في حال الإحرام. وفي إلحاق باقي المحرّمات المتعلّقة بهما وجهان. ويعتبر الاتّقاء في عمرة التمتّع أيضاً؛ لارتباطها بحجّها.

ص: 273


1- الفقيه، ج 2، ص 413، ح 2851؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 153، ح 504 و 505.

قوله: «ومَن حصل له رمي أربع حُصيات، ثمّ رمى على الجمرة الأُخرى، حصل الترتيب».

مع الجهل أو النسيان، أمّا مع العمد فيجب إعادة ما بعد التي لم تكمل؛ لتحريم الانتقال عن الجمرة قبل إكمال رميها، فيفسد ما بعدها. والضابط على الأوّلين أنّه متى رمى واحدة أربعاً وانتقل منها إلى الأُخرى كفاه إكمال الناقصة، وإن كان أقلّ استأنف التالية، وكذا لو رمى الأخيرة أربعاً ثمّ قطعه.

قوله: «ولو نسي رمي يومٍ قضاه من الغد».

ويجب كون القضاء في وقت أداء الرمي، وينوي فيه القضاء.

قوله: «ويستحبّ أن يكون ما يرميه لأمسِهِ غدوةً».

المراد بالغدوة هنا بعد طلوع الشمس، وبعنديّة (1) الزوال بعده.

قوله: «فإن خرج من مكّة لم يكن عليه شيء إذا انقضى زمان الرمي».

المراد بزمان الرمي أيّام التشريق، والأقوى وجوب القضاء في القابل في أيّامه، لكن إن اتّفق حضوره وجبت عليه المباشرة، وإلّا جازت الاستنابة وإن أمكن العود.

قوله: «ويستحبّ أن يقيم الإنسان بمنى أيّام التشريق».

إطلاق استحباب الإقامة في أيّام التشريق - مع وجوب الإقامة فيها ليلاً وزمن الرمي - إمّا محمول على مازاد على ذلك بتقدير حذف المضاف أي بقيّة أيّام التشريق، أو إطلاق اسم الجزء على الكلّ مجازاً، أو يكون الاستحباب متعلّقاً بالمجموع من حيث هو مجموع، وذلك لا ينافي وجوب بعض أجزائه، ويمكن إخراج الليالي بحمل الأيّام على النهار.

قوله: «وأن يرمي الجمرة الأُولى عن يمينه».

أي يمين الرامي، وليكن على يسارها في بطن المسيل. والمراد بیسارها جانبها

ص: 274


1- إشارة لقوله بعد: عند الزوال.

اليسار بالإضافة إلى المتوجّه إلى القبلة، فيجعلها حينئذٍ عن يمينه، فيكون ببطن المسيل؛ لأنّه عن يسارها، ويرميها منه.

قوله: «والتكبير بمنى مستحبّ، وقيل: واجب».

الأقوى الاستحباب.

[مسائل:]

قوله: «مَن أحدث ما يوجب حدّاً أو تعزيراً أو قصاصاً ولجأ إلى الحرم، ضُيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يخرج».

فسّر التضييق فيهما بأن يطعم ويسقى ما لا يتحمّله مثله عادة، بأن لا يباع الزائد إن أراد الشراء، ولا يمكّن من ماله إن كان له مال كذلك، ولا يتبرّع عليه به.

قوله: «يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكّة، وقيل: يحرم، والأوّل أصحّ».

الكراهة أقوى.

قوله: «يحرم أن يرفع أحدٌ بناءً فوق الكعبة، وقيل: يكره، وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «لا تحلّ لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة».

الكراهة مطلقاً أقوى، ولا بأس بتملّك ما نقص عن الدرهم، وبضمان ما زاد لو تصدّق به فكره المالك كغيرها.

قوله: «إذا ترك الناس زيارة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أُجبروا عليها؛ لما يتضمّن من الجفاء المحرّم».

أشار بالتعليل إلى ما روي عنه صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «مَن حجّ ولم يزرني فقد جفاني» (1) وجفاؤه محرّم، فيكون ترك زيارته - وإن كانت في الأصل مستحبّة - مؤذناً بالتحريم بسبب استلزامه الجفاء، كذا قيل (2).

ص: 275


1- الكافي، ج 4، ص 548، باب زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ح 5؛ الفقيه، ج 2، ص 565، ح 3159؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 4، ح 5.
2- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 515؛ والنهاية، ص 285؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 388 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

وفيه نظر؛ لأنّ ترك زيارته إذا كان يتضمّن الجفاء يقتضي التحريم فتجب الزيارة، وهم لا يقولون به فاللازم إمّا القول بوجوبها، أوترك التعليل بالجفاء.

ومن ثَمَّ ذهب بعضهم إلى عدم الإجبار (1)؛ لأنّ المندوب لا يُجبر على فعله.

وفيه أنّ المندوب إذا آذن بالاستهانة يجبر على فعله كما يُجبر أهل البلد على الأذان، بل يقاتلون مع أنّه سنّة، فلتكن زيارته صلی الله علیه و آله و سلم كذلك، وحديث الجفاء يحتاج إلى تحقیق سنده.

قوله: «ويستحبّ التحصيب لمن نفر في الأخير».

المراد به النزول في مسجد الحصباء بالأبطح؛ للتأسّي (2)، وليس لهذا المسجد أثر الآن، فتتأدّى السنّة بالنزول بالمحصب، وهو ما بين العقبة ومكّة، أو ما بين الجبل الذي عنده المقابر والجبل الذي يقابله، وليست المقبرة منه. واشتقاقه من الحصباء وهي الحصى المحمولة بالسيل، وإنّما يستحبّ التحصيب لمن نفر في الأخير.

قوله: «ويستحبّ خروجه من باب الحنّاطين».

هو بإزاء الركن الشامي، سمّي بذلك لبيع الحنطة أو الحنوط عنده.

قوله: «ويشتري بدرهم تمراً ويتصدّق به احتياطاً لإحرامه».

المراد بالدرهم: الشرعيُ، وليتصدّق به قبضة قبضة؛ ليكون كفّارة لما لعلّه لحقه في إحرامه من حكّ أو قملة سقطت أو نحو ذلك، ولو ظهر له موجب يتأدّى بالصدقة فالوجه الإجزاء.

قوله: «لمن حجّ أن يعزم على العود، والطواف أفضل للمجاور من الصلاة وللمقيم بالعكس».

هذا في السنة الأُولى، وفي الثانية يتساويان في الفضيلة، وفي الثالثة تصير الصلاة أفضل.

ص: 276


1- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 647.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 275، ح 941.

قوله: «يكره المجاورة بمكّة».

بمعنى الإقامة بها بعد قضاء المناسك وإن لم يكن سَنَة، وعلّل بأنّ المقام بها يقسي القلب، وبمضاعفة العذاب بسبب ملابسة الذنب فيها؛ ولخروج النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم منها قهراً، وعدم عوده إليها إلّا للنسك، وإسراعه الخروج منها حين عاد؛ ولخوف الملالة وقلّة الاحترام؛ وليدوم شوقه إليها. وهذه التعليلات مرويّة (1)، وروي أيضاً استحباب المجاورة بها (2)، وهو حسن مع الوثوق بالسلامة من تلك العلل.

قوله: «ويستحبّ النزول بالمُعَرَّس على طريق المدينة».

هو - بضمّ الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المفتوحة - اسم مفعول من التعريس، وهو النزول في آخر الليل للاستراحة إذا كان سائراً ليلاً. ويقال - بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء - وهو بذي الحليفة مسجد بقرب مسجد الشجرة بإزائه ممّا يلي القبلة (3). يستحبّ النزول به والصلاة فيه والاضطجاع؛ للتاسّي (4) ولا فرق فيه بين الليل والنهار.

[مسائل:]

قوله: «للمدينة حرم، وحدّه من عاير إلى وَعير».

هما جبلان يكتنفان المدينة من المشرق والمغرب، ووَعير - بفتح الواو -، وقيل: بضمّها مع فتح العين المهملة، والحرّتان موضعان أدخل منهما نحو المدينة، وهما حرّة ليلى وحرّة واقِم - بكسر القاف - وهذا الحرم بريد في بريد، والأقوى تحريم قطع شجره وصيد ما بين الحرّتين.

ص: 277


1- الكافي، ج 4، ص 230، باب شجر الحرم، ح 1، 2؛ الفقيه، ج 2، ص 254، ح 2340 - 2342؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 448، ح 1563.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1681.
3- معجم البلدان، ج 5، ص 155.
4- الكافي، ج 4، ص 565، باب معرّس النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ح 1؛ الفقيه، ج 2، ص 560، ح 3147.

قوله: «يستحبّ أن تزار فاطمة علیها السلام من عند الروضة».

الروضة جزء من مسجده صلى الله عليه و آله و سلم، بل هي أشرفه، وهي ما بين قبره الشريف ومنبره إلى طرف الظِلال. والقول بكون قبرها بها في غاية الضعف، والأقوى أنّه في بيتها خلف أبيها حيث هو مشخص الآن.

قوله: «ويستحبّ... وأن يصلّي ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لبابة».

هي ما بين القبر والمنبر تلي رأس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، وهي أُسطوانة التوبة.

قوله: «وأن يأتي المساجد بالمدينة، كمسجد الأحزاب ومسجد الفتح».

في صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق علیه السلام: «إنّ مسجد الأحزاب هو مسجد الفتح» (1)، وكذلك ذكره جماعة (2)، وهو الصحيح. سمّي مسجد الأحزاب؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم دعا فيه يوم الأحزاب، فاستجاب الله له وفتح عليه بقتل عمرو وانهزام الأحزاب.

قوله: «ومسجد الفضيخ».

هو - بالضاد والخاء المعجمتين - سمّي بذلك لنخل يسمّى الفضيخ. أو لأنّهم كانوا يفضخون فيه التمر قبل الإسلام أي يشدخونه.

ص: 278


1- الكافي، ج 4، ص 560، باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 17، ح 38.
2- منهم العلّامة في منتهى المطلب، ج 2، ص 889؛ وتحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 119، الرقم 2650؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 434 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

[الركن الثالث في اللواحق]

[المقصد الأوّل في الإحصار والصدّ]

قوله: «في الإحصار والصدّ».

اعلم أنّ الحصر والصدّ اشتركا في ثبوت أصل التحلّل عند المنع من إكمال النسك في الجملة، وافترقا في أُمور:

أ) عموم التحلّل وعدمه، فإنّ المصدود يحلّ له بالمحلّل كلّ شيء حرّمه الإحرام، والمحصر ما عدا النساء، بل يتوقّف حلّهنّ على طوافهنّ.

ب) في اشتراط الهدي وعدمه، فإنّ المحصر يجب عليه الهدي إجماعاً، وفي المصدود قولان، وإن كان الأقوى مساواته له فيه.

ج) في مكان الهدي، فإنّ المصدود يذبحه أو ينحره حيث وجد المانع، والمحصر يختصّ مكانه بمكّة إن كان في إحرام العمرة، وبمنى إن كان في إحرام الحجّ.

د) في قدر التحلّل، فإن المحصر لا يحلّ إلّا بالهدي والحلق أو التقصير، وفي افتقار المصدود إلى أحدهما قولان، وإن كان الأقوى الافتقار.

ه-) أنّ تحلّل المصدود يقينِي لفعله في مكانه، والمحصر تحلّله بالمواعدة الممكن غلطها.

و) فائدة الاشتراط بأنّها في المحصر تعجيل التحلّل، وفي المصدود ما تقدّم من الخلاف.

قوله: «ولو خشي الفوات لم يتحلّل، وصبر حتّى يتحقّق، ثمّ يتحلّل بعمرة».

المراد أنّه لو أمكن سلوك طريق بعيدة لم يجز أن يتحلّل بالهدي، وإن خشي فوات

ص: 279

الحجّ بسلوكه، لفقد الصدّ حينئذٍ، بل يجب عليه سلوكه إلى أن يتحقّق الفوات ثمّ يتحلّل بالعمرة. نعم لو قصرت نفقته بسلوكه جاز له التحلّل؛ لأنّه حينئذٍ مصدود، ولا طريق له سوى موضع المنع.

قوله: «ثمّ يقضي في القابل إن كان الحجّ واجباً».

وجوباً مستقرّاً قبل عام الفوات، أو بتقصيره في السفر بحيث لولاه لما فاته الحجّ، وإلّا لم يجب القضاء وإن كان الحجّ واجباً.

قوله: «ولا يحلّ إلّا بعد الهدي ونيّة التحلّل».

الأقوى وجوب الحلق أو التقصير بعد ذلك فلا يحلّ بدونه، وموضعه مكان الصدّ. ويحلّ بذلك من كلّ ما أحرم منه حتّى النساء من غير توقّف على طوافهنّ، بخلاف المحصر.

قوله: «وكذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكّة. ولو كان ساق، قيل: يفتقر إلى هدي التحلّل، وقيل: يكفيه ما ساقه، وهو الأشبه».

الأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجباً بنذرٍ وشبهه، أو بالإشعار وما في حكمه.

ولو كان مندوباً - بمعنى أنّه لم يتعيّن ذبحه؛ لأنّه لم يشعره ولم يقلّده ولا وجد منه ما اقتضى وجوبه، بل ساقه بنيّة أنّه هدي - كفى.

قوله: «ولا بدل لهدي التحلّل، فلو عجز عنه وعن ثمنه بقي على إحرامه».

إلى أن يتحقّق الفوات، فيتحلّل حينئذٍ بعمرة إن أمكن، وإلّا بقي على إحرامه إلى أن يجد الهدي، أو يقدر على العمرة.

قوله: «إذا حُبس بدين، فإن كان قادراً عليه لم يتحلّل، وإن عجز تحلّل، وكذا لو حُبس ظلماً».

يمكن كون المشبّه به مجموع حكم المحبوس بدَين بقسميه، وكونه القسم الأخير منه، وهو قوله: «تحلّل». والمراد حينئذٍ جواز تحلّل المحبوس ظلماً، سواءً قدر على دفع المطلوب منه أم لا. والمسألة موضع خلاف؛ فلذلك احتملت العبارة الأمرين.

ص: 280

والأقوى وجوب دفعه مع الإمكان مطلقاً، فيكون الحكم فيه كالحقّ.

قوله: «إذا صابر ففات الحجّ لم يجز له التحلّل بالهدي، وتتحلّل بالعمرة ولا دَمَ».

لا فرق في ذلك بين رجاء زوال العذر قبل خروج الوقت مع المصابرة وعدمه، بل يجوز الصبر إلى أن يفوت الوقت مطلقاً، ويتحلّل حينئذٍ بعمرة لأجل الفوات مع الإمكان، لانتفاء الصدّ حينئذٍ، ويسقط عنه دم التحلّل. ولو استمرّ المنع عن مكّة بعد الفوات تحلّل من العمرة بالهدي كالأوّل.

قوله: «وعليه القضاء إن كان واجباً».

أي وجوباً أصليّاً مستقرّاً كما تقدّم في نظيره، أو مع التفريط في السفر بحيث لو بادر لم يحصل المانع، فلا يجب قضاء ما وجب في عامه وفات بغير تقصير.

قوله: «لو أفسد حجّه فصدّ كان عليه بدنة ودم التحلّل والحجّ من قابل».

لا إشكال في وجوب الحجّ من قابل؛ لأنّ الإفساد موجب لذلك، وإنّما الكلام في وجوب حجّة أُخرى بعد القابل.

وتحريره: أنّا إن قلنا: إنّ الأُولى فرضه والثانية عقوبة، لم يكف الحجّ الواحد، بل يجب عليه حجّتان؛ لأنّ حجّ الإسلام إذا تحلّل منه بسبب الصدّ وجب الإتيان به بعد ذلك إذا كان وجوبه مستقرّاً كما مرّ، وحجّ العقوبة بعد ذلك بسبب الإفساد، وإن لم يكن مستقرّاً لم يجب سوى العقوبة.

وإن قلنا: إنّ الأُولى عقوبة، والحال أنّه قد تحلّل منها، فيبني على أنّ حجّ العقوبة إذا تحلّل منه بالصدّ هل يجب قضاؤه أم لا؟ وفيه خلاف، فإن قلنا بوجوب قضائه وجب عليه حجّان آخران أيضاً، أحدهما حجّ الإسلام، والآخر قضاء العقوبة، ويجب تقديم حجّ الإسلام على العقوبة. وإن قلنا بعدم قضائه كفاه حجّ الإسلام، ولعلّه أقوى. فعلى هذا لو لم يكن الوجوب مستقرّاً لم يكن عليه قضاء أصلاً.

قوله: «ولو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء وجب، وهو حجّ يُقضى لسَنَتِهِ وعلى ما قلناه فحجّة العقوبة باقية».

ص: 281

هذا من تتمّة المسألة السابقة، وحاصله أنّه لو أفسد حجّه ثمّ تحلّل للصدّ، فانكشف العدوّ وفي الوقت سعة بحيث يمكنه أن يأتي بأفعال الحجّ المعتبرة في صحّته، وجب عليه ذلك. ثمّ إن قلنا: إنّ إكمال الأُولى التي قد فسدت عقوبة، استأنف عند زوال العذر حجّة الإسلام؛ وإن قلنا بعدم وجوب قضاء حجّة العقوبة، فهو حجّ يقضى لسَنَتِهِ، بمعنى أنّه لا يجب عليه حجّ آخر غيره، وليس معنى حجّ يقضى لسنته إلّا هذا. وإن قلنا: إنّ الفاسدة حجّة الإسلام، أوقلنا: إنّ حجّ العقوبة يقضى إذا أفسد، وجب عليه حجّ الإسلام في الوقت الذي تبيّن سعته، ويبقى حجّ العقوبة واجباً عليه في القابل، ولم يكن حجّاً يقضى لسنته بالمعنى الذي قدّمناه.

قوله: «لولم يندفع العدوّ إلّا بالقتال لم يجب، سواء غلب على ظنّه السلامة أو العطب».

لا فرق بين كون العدوّ مسلماً أو كافراً على الأقوى، ولو بدأ العدوّ بالقتال وجب دفاعهم مع المكنة، فإن لبس جُنّةً للقتال ساترةً للرأس أو محيطة فعليه فدية، كما لو لبس للضرورة. ولو قتل نفساً أو أتلف مالاً لم يضمن، ولو قتل صيد الكفّارة كان عليه الجزاء لله، ولا قيمة لهم.

قوله: «ولو طلب مالاً لم يجب بذله، ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسناً».

قد تقدّم أنّ الأقوى وجوبه مع الإمكان مطلقاً.

قوله: «والمحصر: ... فهذا يبعث ما ساقه، ولو لم يسق بعث هدياً أو ثمنه».

الكلام في الاكتفاء بالهدي المسوق، أو عدمه، أو التفصيل الأقوى بكونه واجباً فلا يجزئ أو مندوباً فيجزئ كما مرّ».

قوله: «فإذا بلغ قصّر وأحلّ إلّا من النساء خاصّة».

المراد ببلوغ محلّه حضور الوقت الذي وافق أصحابه للذبح أو النحر فيه في المكان المعيّن. فإذا حضر ذلك الوقت أحلّ بالتقصير أو بالحلق في غير عمرة التمتّع، وتوقّف حلّ النساء على طوافهنّ يتمّ مع وجوب طوافهنّ في النسك، فلو كان عمرة التمتّع فالأقوى الإحلال منهنّ أيضاً.

ص: 282

والمراد بالواجب المستقرّ كما مرّ، فلو لم يكن مستقرّاً لم يجب العود للحجّ، وجازت الاستنابة في الطواف كما لو لم يكن واجباً، وكذا لو تعذّر عليه العود في المستقرّ.

قوله: «والمعتمر إذا تحلّل يقضي عمرته عند زوال العذر، وقيل: في الشهر الداخل».

مرجع الخلاف إلى الخلاف في الزمان الذي يجب أن يكون بين العمرتين مطلقاً، وسيأتي. والأقوى عدم تحديده، وإنّما يجب قضاؤها مع استقرارها أو التفريط، كما مرّ.

قوله: «والقارن إذا أُحصر فتحلّل لم يحجّ في القابل إلّا قارناً، وقيل: يأتي بما كان واجباً، وإن كان ندباً حجّ بما شاء من أنواعه».

الأقوى أنّ القضاء يساوي الأداء، فإن كان متعيّناً بنوع فَعَله، وإن كان مخيّراً، تخيّر، وكذا المندوب لو أراد قضاءه.

قوله: «وروي أنّ باعث الهدي تطوّعاً يواعد أصحابه وقتاً لذبحه أو نحره، ثمّ يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم. فإذا كان وقت المواعدة أحلّ، لكن هذا لايُلبّي».

هذه الكيفيّة وردت بها روايات صحيحة، وفي بعضها: «ما يمنع أحدكم أن يحجّ كلّ سنة»؟ فقيل له: لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال: «أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أُضحيّة ويأمره أن يطوف عنه أُسبوعاً بالبيت ويذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيّأ وأتى المسجد فلايزال في الدعاء حتّى تغرب الشمس» (1).

وحاصل هذه العبارة أنّ من أراد ذلك وهو في أُفق من الآفاق أن يبعث هدياً أو ثمنه مع بعض أصحابه، ويواعده يوماً لإشعاره أو تقليده، فإذا حضر ذلك الوقت اجتنب ما يجتنبه المحرم، فيكون ذلك بمنزلة إحرامه، لكن لا يلبّي، فإذا كان يوم عرفة اشتغل بالدعاء من الزوال إلى الغروب، كما يفعله مَن حضرها، ويبقى على إحرامه إلى يوم النحر حين المواعدة لذبحه، فيحلّ ويكون ذلك له بمنزلة الحجّ.

ص: 283


1- الفقيه، ج 2، ص 518، ح 3112.

[المقصد الثاني في أحكام الصيد]

اشارة

قوله: «الصيد هو الحيوان الممتنع».

هذا التعريف غير جامع ولا مانع، والتعريف الجامع له: أنّه الصيد المحلّل الممتنع بالأصالة، ومن المحرّم الثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والزنبور والقمّل والأسد والعضاية.

قوله: «وقيل: يشترط أن يكون حلالاً».

لا يشترط؛ لما تقدّم من تحريم تلك المحرّمات.

[ما لا يتعلّق به كفّارة]

قوله: «فالأوّل... وهو ما يبيض ويُفرخ في الماء».

يُفرِخ - بضمّ الياء وكسر الراء، وبفتح الفاء وتشديد الراء - يقال: أفرخ الطائر وفرّخ، المراد أنّ الماء محلّ (1) بيضه وإفراخه معاً كالسمك، فما يلازم الماء ولا يبيض فيه كالبطّ ليس ببحري.

قوله: «ومثله الدجاج الحبشي».

أي مثل صيد البحر في عدم تحريم صيده، وهو طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي أصله من البحر.

قوله: «ولا كفّارة في قتل السباع».

المراد من عدم الكفّارة في قتلها عدم تحريم صيدها، والأقوى أنّه لا شيء في قتلها

ص: 284


1- في «ض»: موضع.

مطلقاً، والرواية (1)- مع ضعف سندها - يمكن حملها على الاستحباب.

قوله: «كذا لا كفّارة فيما تولّد بين وحشي وإنسي، أو بين ما يحلّ للمحرم وما يحرم. ولو قيل: يراعى الاسم كان حسناً». قويٌّ.

قوله: «ولابأس بقتل الأفعى و... وبرمي الحدأة والغراب رمياً».

ولا يجوز قتلهما، ولا فرق في الغراب بين المحلّل منه على قول وغيره.

والحدأة: بكسر الحاء وفتح الدال مع الهمز المتحرّك، مثال عنبة.

قوله: «وفي الزنبور تردّد، والوجه المنع». جيّد.

قوله: «ويجوز شراء القَماري والدباسي وإخراجها من مكّة على رواية».

القَماري - بفتح القاف - جمع قُمري - بضمّه - طائر مطوّق منسوب إلى طيرٍ قُمرٍ.

والدباسي جمع دبسي - بضمّ الدال - منسوب إلى طيرٍ دُبسٍ - بضمّها - وقيل: إلى الدِبس - بكسرها - وهو ما يسيل من الرطب، وهما مستثنيان من الصيد باعتبار جواز شرائهما وإخراجهما من الحرم لا مطلقاً.

[ما لكفّارته بدل على الخصوص]

قوله: «ما لكفّارته بدل على الخصوص، وهو كلّ ما له مِثْل من النَعَم».

المراد المماثلة باعتبار الصورة، فإنّ النعامة تشابه البدنة، وبقرة الوحش تشابه الأهليّة، والظبي يشابه الشاة. وهذا يتمّ في الثلاثة، لا في غيرها من ذوات الأمثال كالبيوض، فإنّها ليست مماثلة لفدائها صورة ولا قيمة. والأولى أن يراد بالمثل ما نصّ الشارع على مثليّته، سواء وافق صورة أم لا، وإنّما عبّر بالمثل تبعاً للآية (2).

قوله: «الأوّل: النعامة، وفي قتلها بدنة».

ص: 285


1- الكافي، ج 4، ص 237، باب صيد الحرم وماتجب فيه الكفّارة، ح 26؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 266، ح 1275؛ الاستبصار، ج 2، ص 208، ح 712.
2- المائدة (5): 95.

البدنة من الإبل الناقة، وهي ما كمل لها خمس سنين ودخلت في السادسة، ولا يجزئ الذكر. ولا فرق بين كبير نعامة وصغيرها، ذكرها وأنثاها. قوله: «ومع العجز تقوّم البدنة، ويُفضّ ثمنها على البرّ، ويتصدّق به لكلّ مسكين مدّان».

الأقوى إجزاء الطعام مطلقاً والاكتفاء بمدٍّ لكلّ مسكين، ولا تجب الزيادة على إطعام الستّين ولو فضل، ولا إكمالها لونقصت عنها.

قوله: «ولو عجز صام عن كلّ مدّين يوماً».

الكلام فيه كالإطعام، فلا يجب صوم الستّين لو نقصت عنها. ولو فضل ما لا يبلغ المدّ تصدّق به على مسكين، وصام بدله يوماً كاملاً.

قوله: «وفي فراخ النعامة روايتان: إحداهما مثل ما في النعامة، والأُخرى من صغار الإبل، وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «وفي [قتل] كلّ واحد منهما بقرة أهليّة، ومع العجز تقوّم الأهليّة، ويفضّ ثمنها على البرّ، ويتصدّق به لكلّ مسكين مدّان. ولا يلزم ما زاد على الثلاثين».

الكلام هنا في البدل، كما تقدّم في النعامة، فلا يجب الزائد عن ثلاثين، ولا إكمال ما نقص عنها، وكذا القول في الظبي.

قوله: «وفي الثعلب والأرنب شاة، وهو المرويّ، وقيل: فيه ما في الظبي».

العمل على المرويّ، ويجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام، كما في كلّ شاة لا نصّ على بدلها. والفرق حينئذٍ بينه وبين إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة، وعلى الرواية يجب إطعام العشرة.

قوله: «والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير، وقيل: على الترتيب».

التخيير أقوى، وموضع الخلاف من الثلاثة الثلاثة الأُول. أمّا الصوم الأخير في الثلاثة، وهو الثانية عشر والتسعة والثلاثة، فلا خلاف في أنّها مرتّبة على المتقدّم.

قوله: «في كسر بيض النعام إذا تحرّك فيها الفرخ بِكارة من الإبل، لكلّ واحدة واحد».

ص: 286

البِكارة - بالكسر - جمع بَكر وبَكرة - بالفتح - والمراد به الفتي من الإبل، ذكراً كان أم أُنثى.

قوله: «وقبل التحرّك إرسال فحولة الابل في إناث منها بعدد البيض».

المراد أنّ الإناث بعدد البيض، أمّا الذكر فيعتبر منه ما احتاجت إليه الإناث عادة. ولا بدّ مع الإرسال من مشاهدة كلّ واحدة قد طرقت من الفحل، وصلاحيّة الإناث للحمل.

قوله: «في كسر بيض القطا والقَبْج إذا تحرّك الفرخ من صغار الغنم، وقيل: عن البيضة مخاض من الغنم».

القبْج - بسكون الباء - الحَجَل، والمخاض: الحوامل من النوق، والأقوى مع التحرّك وجوب بكارة من الغنم.

قوله: «فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام».

هذا لفظ الشيخ (1)، وقد اختلف في تفسيره، فالظاهر منه - وهو الذي فسّره به ابن إدريس - أنّ المراد أنّه يجب عن كلّ بيضة شاة (2)، فإن عجز عنها أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام.

وقيل: المراد أنّه يطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام (3) وإنّما لم يعتبر الشاة هنا؛ لأنّها لاتجب مع إمكان الإرسال، وإنّما الواجب نتاجها حين يولد إن اتّفق، وهو أقلّ قيمة منها وأخفّ مؤونةً، فكيف يجب مع الحالة الاضطراريّة، ولم نقف على نصّ يكون سنداً للحكم لنعتبر منه ما يوافق الأمرين.

[ما لا بدل له على الخصوص]

قوله: «ما لا بدل له على الخصوص، وهو خمسة أقسام: الأوّل الحمام: وهو كلّ طائر

ص: 287


1- النهاية، ص 227.
2- السرائر، ج 1، ص 565.
3- قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 415، المسألة 333؛ وفي تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 116، الرقم 2360.

يهدر ويعبّ الماء، وقيل: كلّ مطوّق».

معنى يهدر: يوالي صوته. ويعُبّ - بالعين المهملة - يشرب من غير مصّ كما تعبّ الدوابّ، ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج. وأقرب التعريفين هو الثاني. ولا بدّ من إخراج القطا والحجل من التعريف؛ لأنّ لها كفّارة معيّنة غير كفّارة الحمام، مع مشاركتها لها في التعريف.

قوله: «وفي قتلها شاة على المحرم».

أي على المحرم في الحلّ بقرينة قسيميه، لا مطلق المحرم، فإنّه لو كان في الحرم اجتمع عليه الأمران كما سيأتي.

قوله: «وفي فرخها للمحرم حَمَل».

الحَمَل - بالتحريك - من أولاد الضأن ما له أربعة أشهر فصاعداً، «اللام» في قوله: «للمحرم» و «للمحلّ» بمعنى «على»، ومنه قوله تعالى: (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (1) أي فعليها.

قوله: «ولو كان محرماً في الحرم اجتمع عليه الأمران».

اسم «كان» ضمير عائد إلى الفعل المتقدّم المشتمل على الأقسام كلّها، فيجب عن الحمامة فيه شاة ودرهم، وعن الفرخ حمل ونصف درهم. قوله: «وفي بيضها إذا تحرّك الفرخ حَمَل. وقبل التحرّك على المحرم درهم، وعلى المحلّ ربع درهم. ولو كان محرماً في الحرم لزمه درهم وربع».

تفصيله حكم البيض قبل تحرّك الفرخ بالحرم وغيره، وإطلاقه حكمه بعد التحرّك يقتضي استواء الأقسام الثلاثة فيه.

والحقّ أنّ ما ذكره حكم المحرم في الحلّ، فلو كان محلّاً في الحرم فنصف درهم، ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم.

قوله: «ويستوي الأهلي وحمام الحرم في القيمة إذا قتل في الحرم».

أي قتل كلّ واحد منهما، فالجارّ يتعلّق ب-«يستوي»، ويتصوّر الحمام الأهلي في

ص: 288


1- الإسراء (17): 7.

الحرم في القماري والدباسي. والمراد بالقيمة ما يعمّ الدرهم والفداء؛ ليدخل حكم بيضه وفرخه وغيرهما، وإنّما يستويان في ذلك مع إذن المالك في إتلاف الأهلي، أو كان المتلف هو المالك، وإلّا افترق الحكم؛ اذ يجتمع على المتلف الأهلي القيمة للمالك والفداء لله، كما سيجيء.

قوله: «لكن يُشترى بقيمة الحرمي عَلَف لحمامه».

العَلَف - بالتحريك - مأكول الحيوان، وليكن قمحاً؛ للرواية (1).

قوله: «في كلّ واحد من القطا والحجل والدرّاج حَمَلٌ قد فُطِم ورعى».

قد تقدّم أنّ المراد به ما سنّه من الغنم أربعة أشهر، وظاهر ما يجب في فرخها وفيها التنافي؛ فإنّ وجوب المخاض في فرخها أو بكرة يقتضي وجوب ذلك فيها بطريق أولى، فكيف يجب فيه أقلّ ما يجب في فرخها؟!

وأجاب في الدروس بإمكان حمل المخاض هنا على بنت المخاض، أو أنّ فيه دليلاً على أنّ في القطاة أيضاً مخاضاً بطريق أولى، أو يجمع بين الأخبار بالتخيير (2)، وفي الكلّ تعسّف.

وأُجيب أيضاً بأنّ مبنى شرعنا على اختلاف المتماثلات واتّفاق المختلفات، فجاز أن يثبت في الصغير أزيد ممّا يثبت في الكبير وإن كان ذلك خلاف الغالب (3).

وأجود ما هنا ما أسلفناه من أنّ الواجب في الفرخ إنّما هو بكارة من صغار الغنم؛ لأنّ ذلك هو مدلول النصّ الصحيح، وهي غير منافية للحمل، وغايتها المساواة له، وهو أمر سائغ عقلاً، فإنّ مساواة الصغير للكبير في الحكم أمر واقع.

قوله: «في قتل كلّ واحد من القنفذ والضبّ واليربوع جدي».

ص: 289


1- الكافي، ج 4، ص 390، باب كفّارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 353، ح 1228.
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 312.

وجوب الجدي فيها هو المشهور، وقيل: فيها حمل فطيم (1)، والظاهر إجزاؤهما.

قوله: «في كلّ واحد من العصفور والقبّرة والصعوة مدّ من طعام».

وقد تقدّم في الطهارة أنّ العصفور ما دون الحمامة، ويظهر منه ومن غيره أنّ هنا صنف خاصّ منه، لأنّ القبّرة والصعوة ممّا دون الحمامة، فجعلهما قسيمين له يؤذن بالمغايرة، إلّا أن يكون من باب عطف الخاصّ على العامّ.

والقبّرة - بالقاف المضمومة والباء المشدّدة بغير نون بينهما - قال في الصحاح: والعامّة تقول: القنبرة بالنون (2).

والصعوة: عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به.

قوله: «في قتل الجرادة تمرة، والأظهر كفّ من طعام».

والأقوى إجزاء تمرة، وتمرة خير من جرادة.

قوله: «وكذا في القملة يلقيها عن جسده».

المشبّه به هو الحكم بالكفّ من الطعام، وحكم قتلها حكم إلقائها. وأمّا البرغوث فلا شيء فيه وإن منعنا من قتله.

قوله: «وفي قتل الكثير من الجراد دم شاة».

المرجع في الكثرة إلى العرف، ويجب لما دونه لكلّ واحدة تمرة أوكفّ طعام كما مرّ.

قوله: «وإن لم يمكنه التحرّز من قتله بأن كان على طريقه فلا إثم ولا كفّارة».

المراد بعدم الإمكان هنا المشقّة البالغة في تركه، بحيث لا يتحمّل عادة.

واعلم أنّ جميع ما ذكر من الفداء هو حكم المحرم في الحلّ، أمّا المحلّ في الحرم فعليه القيمة فيما لم ينصّ على غيرها، ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم.

قوله: «وكلّ ما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته».

ص: 290


1- قاله أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 206؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 163.
2- الصحاح، ج 2، ص 785، «قبر».

إن كان محرماً في الحلّ أو محلّاً في الحرم، ولو اجتمع الوصفان تضاعفت القيمة ما لم تبلغ البدنة.

قوله: «وقيل: في البطّة والأوزّة والكُركي شاة، وهو تحكّم».

الأقوى القيمة كغيره.

قوله: «إذا قتل صيداً معيباً كالمكسور والأعور فداه بصحيح، ولو فداه بمثله جاز».

إنّما يجزئ مثله مع تساويهما في نوع العيب، بأن يفدي الأعور بالأعور والأعرج بالأعرج مع تساويهما في مقداره أيضاً، أمّا مع الاختلاف فلا.

قوله: «الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج، وفيما لاقيمة لفديته وقت الإتلاف».

الفرق أنّ الواجب في الأوّل هو المثل ما دام لا يريد الإخراج فلا حاجة إلى العدول إلى القيمة، وإنّما ينظر إليها عند إرادة الإخراج كسائر المثليّات؛ وفي الثاني ابتداءً هو القيمة، وهي تثبت في الذمّة وقت الجناية، فحينئذٍ يعتبر قدرها.

[الفصل الثاني في موجبات الضمان]
[1- مباشرة الإتلاف]

قوله: «أمّا المباشرة: فنقول: قتل الصيد موجب لفديته، فإن أكله لزمه فداء آخر، وقيل: يفدي ماقتل ويلزمه قيمة ما أكل، وهو الوجه».

بل الوجه هو الأوّل.

قوله: «لو رمى صيداً فأصابه ولم يؤثّر فيه فلا فدية. ولو جرحه ثمّ رآه سويّاً ضمن أرشه، وقيل: ربع القيمة».

الأقوى الأرش.

قوله: «وروي في كسر قرني الغزال نصف قيمته، وفي كلّ واحد ربع، وفي عينيه كمال قيمته، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته، وكذا في إحدى رجليه، وفي الرواية ضعف».

الأقوى الأرش في الجميع.

ص: 291

قوله: «ولو اشترك جماعة في قتل صيد ضَمِن كلّ واحد منهم فداءً».

لا فرق بين كونهم مُحرمين ومُحلّين وبالتفريق، فيلزم كلّ منهم حكمه، ويجتمع على المحرم في الحرم الأمران. ولو اشتركا فيه في الحلّ فلا شيء على المحلّ، وعلى المحرم تمام الفداء إن أصاباه دفعة أو تقدّم المحرم، ولو تقدّم المحلّ فعلى المحرم جزاء مجروح.

قوله: «ومن ضرب بطير على الأرض كان عليه دم وقيمة للحرم وأُخرى لاستصغاره».

هذا هو المشهور، ومستنده غير واضح، وحكمه على الإطلاق مشكل، فإنّ من الطير ما يوجب أزيد من الدم كالنعامة، ومنه ما يوجب أقلّ. والمرويّ: «أنّ عليه ثلاث قيم: قيمة لإحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره إيّاه» (1).

قوله: «ومن شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللبن».

المراد به لو كان محرماً في الحرم، فلو كان في الحلّ أو محلّاً في الحرم فعليه القيمة؛ لأنّه ممّا لا نصّ على فدائه.

قوله: «ولورمى الصيد وهو محلّ، فأصابه وهو محرم لم يضمنه. وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمّل ... ثمّ أحرم فقتله».

إن لم يتمكّن من إزالته حالة الإحرام، وإلّا ضمن على الأقوى.

[2- اليد]

قوله: «من كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه، ووجب إرساله. فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه».

مع تقصيره في الإرسال بأن تمكّن منه وترك، وإلّا لم يضمن. ولو لم يرسله حتّى أحلّ أثم، ولا يجب إرساله بعد ذلك على الأقوى.

قوله: «ولو أمسك المحرم صيداً فذبحه محرم... ولو كانا محلّين في الحرم لم يتضاعف.

ص: 292


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 370، ح 1290.

ولو كان أحدهما مُحرماً تضاعف الفداء في حقّه».

معنى تضاعف الفداء في الحرم وجوب المثل المنصوص والقيمة، وإطلاق التضاعف عليه مجاز؛ إذ لم يتكرّر أحدهما. ومثله قوله: «فلو كانا محلّين في الحرم لم يتضاعف».

قوله: «ولو نقل بيض صيد عن موضعه ففسد، ضمنه».

الأقوى ضمانه ما لم يتحقّق خروج الفرخ منه سليماً.

[3- السبب]

قوله: «من أغلق على حمام من حمام الحرم و [له] فراخ وبيض ضمن بالإغلاق».

هذا الحكم ذكره جماعة من الأصحاب كذلك مطلقاً (1)، ومستنده رواية يونس بن يعقوب عن الصادق علیه السلام (2). و فيها - مع تسليم السند - منافاة لما تقدّم من وجوب الجمع بین الفداء والقيمة على المحرم في الحرم، حيث إنّ الظاهر كون ذلك في الحرم، لأنّ حمام الحرم فيه غالباً، إلّا أن يحلّ ذلك على المحلّ في الحرم والمحرم في الحلّ، ويحكم على المحرم في الحرم بالأمرين.

قوله: «قيل: إذا نفّر حمام الحرم، فإن عاد فعليه شاة واحدة، وإن لم يعد فعن كلّ حمامة شاة».

إنّما نسب ذلك إلى القيل؛ لعدم ظهور مستنده، مع عدم مناسبته للقواعد الماضية من وجوب الفداء على المحرم في الحلّ، والقيمة على المحلّ في الحرم، والأمرين على جامع الوصفين. والذي يطابقها منه أن يحمل الحكم المذكور على ما لو نفّرها المحرم في الحلّ، فلو كان محلّاً في الحرم وجبت القيمة، أو محرماً في الحرم وجبت القيمة والشاة، خصوصاً إذا لم يعد، فإنّه منزّل منزلة الإتلاف.

ولو كان المنفَّر حمامة واحدة ولم تعد لزم مساواة حكمها عائدة لعدمه، وهو بعيد،

ص: 293


1- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 461؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 189؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 464.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 350، ح 1216.

وكذا لو كان اثنتان فعادت واحدة وبقي واحدة.

قوله: «إذا أوقد جماعة ناراً فوقع فيها صيد، لزم كلّ واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد، وإلّا ففداء واحد».

إطلاقه كغيره يشمل المحلّين والمحرمين في الحرم وفي الحلّ، والذي دلّت عليه الرواية (1)- التي هي مستند الحكم - أنّهم كانوا محرمين في غير الحرم، وعلی هذا فيتضاعف الواجب لو كانوا محرمين في الحرم. ولو اختلفوا في القصد وعدمه تعدّد الجزاء على من قصد، وعلى من لم يقصد فداء واحد. ويشكل مع اتّحاده؛ لاستلزام مساواة القاصد لغيره. ولو كان الموقد واحداً وقصد فعليه الجزاء، ولو لم يقصد فإشكال كالسابق.

قوله: «السائق يضمن ما تجنيه دابّته، وكذا الراكب إذا وقف بها. وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها».

هذا الحكم غير مختصّ بالصيد، بل ضمان جناية الدابّة كذلك على كلّ حالٍ.

قوله: «إذا أمسك صيداً له طفل فتلف بإمساكه ضمن، وكذا لو أمسك المحلّ صيداً له طفل في الحرم».

المحكوم بضمانه هو الطفل؛ لأنّ المفروض تلفه بالسببيّة، وأمّا الممسك فإن تلف ضمن أيضاً، وإلّا فلا. والمفروض كون الممسك مُحرماً، سواء كان في الحلّ أو الحرم، والمضمون بحسب حاله، وإطلاقه الضمان كذلك يشمل ما لو أمسكه في الحرم فتلف الولد في الحلّ، والحكم فيه كذلك على الأقوى.

قوله: «إذا وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمن».

مع التعدّي أو التفريط، أمّا مع عدمهما وقصد الإحسان بتخليصه، ففي الضمان نظر من حيث إنّه محسن، ومثله ما لو خلّصه من فم المفترس ونحوه.

قوله: «مَن دلّ على صيدٍ فقُتل ضمنه».

ص: 294


1- الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 4.

المراد بالدالّ هنا المحرم، سواء كان في الحلّ أم الحرم، ومثله المحلّ في الحرم، أمّا لو كان محلّاً في الحلّ فدلّ محرماً ضمن المحرم خاصّة، وأثم المحلّ على الأقوى.

[الفصل الثالث في صيد الحرم]

قوله: «يحرم من الصيد على المحلّ في الحرم ما يحرم على المحرم في الحلّ».

استثني من ذلك القمّل والبراغيث، فإنّ قتلهما لا يحرم على المحلّ في الحرم.

قوله: «فمن قتل صيداً في الحرم كان عليه فداؤه».

المراد بالقاتل هنا المحلّ بقرينة المقام، والمراد بالفداء هنا القيمة؛ لأنّها هي الواجب على المحلّ في صيد الحرم، وإن كان الغالب إطلاقه على غيرها.

قوله: «ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كلّ واحد فداء، وفيه تردّد».

الأقرب وجوبه على كلّ واحد.

قوله: «وهل يحرم وهو يؤمّ الحرم؟ قيل: نعم، وقيل: يكره، وهو الأشبه».

المراد بما يؤمّ الحرم الخارج عنه في الحلّ مع كونه قاصداً ومتوجّهاً إليه بحيث تدلّ

القرائن على إرادته دخوله، والأقوى كراهة قتله واستحباب الكفّارة عنه.

قوله: «لكن لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه، وفيه تردّد».

هذا كالمستثنى ممّا تقدّم، بمعنى أنّ ما يؤمّ الحرم لا يضمن إلّا أن يموت في الحرم، والأقوى عدم الضمان. وموضع الخلاف ما لو رمى في الحلّ فمات في الحرم، سواء كان، آمّاً للحرم أم لا، فكان الأولى التعميم؛ لئلّا يوهم اختصاصه بالإثم حيث فرّعه عليه.

قوله: «ويكره الاصطياد بين البريد والحرم».

هذا البريد خارج الحرم محیط به من كلّ جانب، وهو حرم الحرم، والمراد بالاصطياد بينه وبين الحرم الاصطياد في نفس البريد.

قوله: «وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحلّ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأحوط».

ص: 295

الأقوى المنع.

قوله: «ومَن نتف ريشةً من حمام الحرم كان عليه صدقة، ويجب أن يسلّمها بتلك اليد».

ليس في العبارة مايدلّ على أنّه نتفها بيده حتّى يشير إليها، بل هي أعمّ، فلو اتّفق النتف بغير اليد تصدّق كيف شاء. ومورد النصّ الريشة (1)، فلو نتف أكثر منها فالأرش على الأقوى إن كان النتف دفعة، وإلّا تعدّدت الصدقة بتعدّده، ولو لم يوجب نقصاً تصدّق بشيء كالواحدة. ولو أحدثت الريشة نقصاً ضمن أرشه أيضاً، ولا يجب تسليمه باليد الجانية.

قوله: «ولو ذبح المحلّ في الحرم صيداً... ولا يدخل في ملكه شيء من الصيد على الأشبه، وقيل: يدخل وعليه إرساله إن كان حاضراً معه».

هذا شرط لقوله: «ولا يدخل في ملكه شيء من الصيد» أو لمجموع ما سبق ليكون مخصّصاً لمحلّ الخلاف؛ إذ لا إشكال في عدم خروج الثاني عن ملكه، وما اختاره المصنِّف قويٌّ.

[الفصل الرابع في التوابع]

قوله: «كلّما يتكرّر الصيد من المحرم نسياناً وجب عليه ضمانه. ولو تعمّد وجبت الكفّارة أوّلاً، ثمّ لا يتكرّر، وهو ممّن ينتقم الله منه، وقيل: يتكرّر، والأوّل أشهر».

موضع الخلاف تكرّر الصيد عمداً في الجميع، فلو كان الثاني خطأً لم يتكرّر وإن كان بعد عمد، وإن كانت العبارة تشعر بخلافه، والأقوى عدم التكرّر.

قوله: «ولو اشترى مُحلّ بيض نعام لمحرمٍ فأكله، كان على المحرم عن كلّ بيضة شاة، وعلى المحلّ عن كلّ بيضة درهم».

ص: 296


1- الكافي، ج 4، ص 235، باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفّارة، ح 17؛ الفقيه، ج 2، ص 261، ح 2365؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348، ح 1210.

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، وهو مخالف للقواعد السالفة من عدم ضمان المحلّ في غير الحرم ما يحرم على المحرم وإن أعانه، ووجوب الإرسال لكسر بيض النعام قبل التحرّك، لا الشاة، وإنّما يتمّ وجوب الشاة إذا اشتراه المحلّ مكسوراً أو كسره هو.

ولو انتقل إلى المحلّ بدون الشراء، أو كان المشترى غير البيض ففي لحوق الأحكام للمحلّ نظر: من عدم النصّ، والمشاركة في الغاية، ولو قيل بالاقتصار على مورد النصّ كان حسناً.

قوله: «ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد، ولا ابتياع، ولا هبة، ولا ميراث، هذا إذا كان عنده، ولو كان في بلده فيه تردّد، والأشبه أنّه يملك». قويٌّ.

قوله: «ولو اضطرّ المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه، ولو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء، وإلّا أكل الميتة».

الأقوى أنّه يأكل الصيد مطلقاً، ثمّ إن قدر على الفداء وإلّا انتقل إلى الأبدال. هذا إذا كان الصيد مذكّى، أو أمكن تذكيته بأن يذبحه مُحلّ في الحلّ، وإلّا تعيّن أكل الميتة، ويجب الاقتصار في التناول منهما على ما تندفع به الضرورة.

قوله: «وإذا كان الصيد مملوكاً ففداؤه لصاحبه».

الأقوى أنّ فداء المملوك لله تعالى وعليه القيمة لمالكه، ولو كان سبباً والمباشر غيره كالدالّ ضمن الفداء لله تعالى خاصّة.

قوله: «ولو لم يكن مملوكاً تصدّق به».

إن لم يكن حيواناً، وإلّا وجب ذبحه أوّلاً بنيّة الكفّارة، ثمّ يتصدّق به على الفقراء والمساكين بالحرم، ولا يجب التعدّد وتجب الصدقة بجميع أجزائه.

قوله: «وروي أنّ كلّ مَن وجب عليه شاة في كفّارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام».

العمل على الرواية.

ص: 297

[المقصد الثالث في باقي المحظورات]

[الاستمتاع بالنساء]

قوله: «وهي سبعة: الأوّل الاستمتاع بالنساء فمن جامع زوجته في الفرج ... عالماً عامداً بالتحريم فسد حجّه».

احترز بالقيدين عن الجاهل والناسي، فلايجب عليهما شيء. ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها، ولا بين الحرّة والأمة. وفساد الحجّ يحصل بوقوع الفعل قبل المشعر وإن وقف بعرفة على الأصحّ، وإنّما أطلقه لما سيأتي من التنبيه عليه.

قوله: «ولو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك، وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتّى يقضيا المناسك إذا حجّا على تلك الطريق».

أراد ب-«المكان» الذي أوقعا فيه الخطيئة، والمراد بالافتراق في حجّ القضاء.

وكذا يجب عليهما الافتراق في بقيّة الحجّ الفاسد، ويعتبر في الثالث أن يكون محترماً، ولو توقّفت صحبته على عوض وجب عليهما، ولو حجّا على غير تلك الطريق فلا تفريق.

قوله: «وإن جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف طواف النساء، أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دونه، أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجّه صحيحاً، وعليه بدنة لا غير».

التعبير ب-«لو» الوصليّة تقتضي أنّه لو طاف طواف النساء تجب عليه البدنة، وليس كذلك، بل إنّما تجب لو وقع قبل طواف النساء، فإنّهن يحللن به، فكان الأولى ترك «ولو» لتفيد تخصيص محلّ البدنة، والمراد بالجماع في غير الفرج نحو التفخيذ مجازاً.

ص: 298

قوله: «وفي الاستمناء بدنة، وهل يفسد به الحجّ ويجب القضاء؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه».

المراد بالاستمناء استدعاء المنيّ بالعبث أو بيده ونحوه، والفرق بينه وبين الاستمتاع بغير الجماع تجرّد الاستمتاع عن قصد الاستمناء، والاستمناء بخلافه.

قوله: «ولو جامع أمته محلّاً وهي محرمة بإذنه، تحمّل عنها الكفّارة بدنة، أو بقرة، أو شاة».

المراد أنّه جامعها مكرهاً لها؛ بقرينة التحمّل عنها، فلو كانت مطاوعة وجبت عليها الكفّارة، وصامت عوض البدنة ثمانية عشر يوماً، ووجب عليها القضاء، وعليه مؤونته والتمكين منه. كلّ ذلك مع العلم بالتحريم والتعمّد، فلو كانت هي خاصّة جاهلة، فلا شيء عليها ووجبت عليه. والمراد بإعساره هنا إعساره عن البدنة والبقرة، وبالصيام ثلاثة أيّام، كما هو الواقع في أبدال الشاة، والمرجع في الموسر والمعسر إلى العرف.

قوله: «إذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثمّ واقع، لم تلزمه الكفّارة، وبنى على طوافه، وقيل: يكفي في ذلك مجاوزة النصف، والأوّل مرويّ».

الأقوى وجوب البدنة وإن اكتفى ببلوغ الأربعة في البناء عليه.

قوله: «وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل [بها] المحرم، فعلى كلّ منهما كفّارة. وكذا لو كان العاقد محلّاً على رواية سماعة».

احترز بدخول المحرم عمّا لو لم يدخل، فإنّه لا شيء عليهم سوى الإثم. والمراد بالكفّارة البدنة، ووجوبها على المحلّ هو المشهور.

وفي المستند نظر، ومن ثَمَّ نسبه إلى الرواية، وقد تضمّنت وجوب الكفّارة على المرأة المحلّة أيضاً مع علمها بإحرام الزوج.

ولو كان الثلاثة مُحرمين وجبت على الجميع، ولو كانت المرأة والعاقد محرمين والزوج محلّاً وجبت الكفّارة على المرأة مع الدخول والعلم بسبب الدخول، لا بسبب العقد.

ص: 299

والضابط أنّ الزوجين لا يجب عليهما إلّا مع إحرامهما والدخول والعلم، والعاقد لا يجب عليه شيء إلّا مع إحرام الزوج ودخوله، وفيه ما مرّ.

قوله: «و من جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاؤها».

هذا مع علمه وعمده، وتلحق بها الأجنبيّة، ويجب إتمامها أيضاً، ولو كانت عمرة التمتّع وجب إكمال الحجّ أيضاً على الأقوى. ولو طاوعته المحرمة وجب عليها مثله، ولو أكرهها تحمّل عنها البدنة، ولا قضاء عليها. ولو كان الجماع بعد السعي لم يفسد، وعليه البدنة ما لم يكملها.

قوله: «ولو نظر إلى غير أهله فأمنى، كان عليه بدنة».

المرجع في المفهومات الثلاثة إلى العرف بالنسبة إلى الفاعل في حاله ومحلّه، وهذا الحكم إذا لم يكن معتاداً للإمناء عند النظر فقصده أو قصد الإمناء به، وإلّا كان حكمه حكم مستدعي المنيّ، وكذا الحكم فيما سيأتي.

[الطيب]

قوله: «المحظور الثاني: الطيب، فمن تطيّب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغاً أو إطلاءً».

الصبغ ما يصطبغ به من الإدام، قاله الجوهري (1).

قوله: «لابأس بخلوق الكعبة ولو كان فيه زعفران، وكذا الفواكه كالأُترجّ والتفّاح، والرياحين كالورد والنيلوفر».

الظاهر أنّه معطوف على «خلوق الكعبة» فيفيد جواز شمّه، ويمكن كونه معطوفاً على «الطيب»؛ لأنّ الأقوى تحريمه أيضاً، لكن يستثنى منه الشيح والخزامی والإذخر والقيصوم.

ص: 300


1- الصحاح، ج 3، ص 1322، «أدم».
[قلم الأظفار]

قوله: «الثالث: القَلْم. وفي كلّ ظفر مدّ من الطعام».

إنّما يجب الدم والدمان إذا لم يتخلّل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حدّ يوجب الشاة، وإلّا تعدّد المدّ خاصّة بحسب تعدّد الأصابع.

قوله: «ولو أفتى بتقليم ظفر فأدماه لزم المفتي شاة».

لا فرق في المفتي بين كونه محلّاً ومحرماً، ولا يشترط اجتهاده. نعم يشترط صلاحيته للإفتاء بزعم المستفتي، ولو تعمّد المستفتي الإدماء فلا شيء.

[حلق الشعر]

قوله: «الخامس: حلق الشعر. وفيه شاة، أو إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ، وقيل: ستّة لكلّ منهم مدّان».

الأجود التخيير.

[الجدال]

قوله: «السادس: الجدال، وفي الكذب منه مرّة شاة، ومرّتين بقرة، وثلاثاً بدنة، وفي الصدق ثلاثاً شاة».

إنّما تجب البقرة عن الاثنتين كذباً إذا لم يسبق بالتكفير عن الواحدة، وإلّا وجبت الشاة للثانية أيضاً. وكذا البدنة إنّما تجب للثلاثة إذا لم يسبق التكفير عن الأُولى، فيجب للأخيرتين بقرة، أو عن الثانية بالبقرة، فيجب عن الثالثة شاة. والضابط أن ينظر عند التكفير إلى العدد السابق الذي لم يكفّر عنه بحسب عدده، وكذا القول في اليمين صادقاً بمعنى أنّه إن كفّر على كلّ ثلاث تعدّدت الشاة، وإن لم يكفّر حتّى زاد عنها فشاة

واحدة.

ص: 301

[قلع شجرة الحرم]

قوله: «السابع في قلع شجرة الحرم. وفي الكبيرة بقرة ولو كان مُحِلّاً، وفي الصغيرة شاة، وفي أبعاضهما قيمته، وعندي في الجميع تردّد».

التفصيل المذكور هو المشهور بين الأصحاب، ومستنده غير صالح، فمن ثَمَّ تردّد.

والمرجع في الكبيرة والصغيرة إلى العرف، ويستثنى منها شجر الفواكه.

قوله: «ومن استعمل دهناً طيِّباً في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول».

الأقوى أنّ كفّارته كفّارة الطيب، أمّا الدهن الذي لاطيب فيه فلا كفّارة له.

قوله: «وكذا قيل فيمن قلع ضرسه، وفي الجميع تردّد».

الأقوى عدم الكفّارة، ولا يلحق السنّ بالضرس على القول بالوجوب على الأقوى.

[خاتمة]

قوله: «ولو كرّر الحلق، فإن كان في وقت واحد لم تتكرّر الكفّارة، وإن كان في وقتين تكرّرت».

المرجع في اختلاف الوقتين إلى العرف.

قوله: «ولو تكرّر منه اللبس أو الطيب، فإن اتّحد المجلس لم يتكرّر، وإن اختلف تكرّر».

الأقوى اعتبار تعدّد الفعل فيهما دون المجلس، فإن لبس المتعدّد وتطيّب به دفعة، بأن جمع الثياب جملة ووضعها على بدنه لم تتعدّد الكفّارة، وإن لبسها مترتّبة تعدّدت مطلقاً.

قوله: «كلّ مُحرم لبس أو أكل مالا يحلّ له أكله أو لبسه كان عليه دم شاة». المراد به فيما لا نصّ في فديته كلبس الخُفّ وأكل لحم البطّة والإوزّة، وإلّا وجب مقدّره.

ص: 302

كتاب العمرة

[صورتها]

قوله: «وصورتها أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام منه، ثمّ يدخل مكّة فيطوف ويصلّي ركعتيه، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة ويقصّر».

في عود ضمير «وصورتها» التباس؛ لأنّه إن عاد إلى مطلق العمرة الشامل للمفردة والمتمتّع بها، كما يشعر به قوله بعد ذلك: «وهي تنقسم إلى متمتّع بها ومفردة» لم يصحّ؛ لاختلاف صورتهما، وإن اشتركا في أكثر الأفعال.

وإن عاد إلى المتمتّع بها، كما يظهر من قوله: «ثمّ يدخل مكّة» - إلى آخر الأفعال التي عدّدها، ولم يذكر فيها طواف النساء المختصّ بالمفردة - لم يكن للضمير مرجع صالح، ثمّ ينافيه قوله بعد ذلك: «وأفعالها ثمانية» وعدّ منه طواف النساء.

وإن عاد إلى المفردة حصل التنافي أيضاً بين العبارتين المقدّرة فيهما الأفعال، لكن الأولى إرادة المفردة، ويكون الاقتصار في العبارة الأُولى على ما عدا طواف النساء؛ لملاحظة الأفعال المشتركة بين العمرتين، ثمّ أكمل المراد من المفردة بعد ذلك معيداً للضمير إليها. ولا يحتاج المقام إلى التصريح بها؛ لأنّها هي الواجبة بأصل الشرع، والإطلاق منزّل عليها.

ص: 303

[أقسامها]

قوله: «وتنقسم إلى متمتّع بها، ومفردة، فالأُولى تجب على مَن ليس من حاضري المسجد الحرام».

وهو من بَعُد عنه بثمانية وأربعين ميلاً.

قوله: «ومن أحرم بالمفردة ودخل مكّة جاز أن ينوي التمتّع ويلزمه دم».

إن لم تكن المفردة متعيّنة عليه، وإلّا لم يصحّ.

قوله: «لو دخل مكّة متمتّعاً لم يجز له الخروج حتّى يأتي بالحجّ؛ لأنّه مرتبط به... بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام، جاز».

بأن يرجع قبل شهر من حين إحلاله على الأقوى.

قوله: «ولو خرج فاستأنف عمرةً، تمتّع بالأخيرة».

وتصير الأُولى عمرة مفردة، فيكملها بطواف النساء وركعتيه.

قوله: «ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقلّ من عشرة أيّام، وقيل: يحرم، والأوّل أشبه».

الأقوى أنّه لا تحديد للوقت بينهما مطلقاً، وما ذكر من التحديد مستحبّ.

قوله: «فإذا أتى بطواف النساء حلّ له النساء».

هذا إذا كان المعتمر رجلاً، ولو كان امرأة فالأقوى أنّها كذلك بالنسبة إلى الرجال. والصبيّ المميّز بحكم الرجل يحرمن عليه إلى أن يطوف طوافهنّ، بمعنى منعه منهنّ قبل البلوغ تمريناً، وبعده تحريماً لو أخلّ به قبله.

قوله: «وهو واجب... على كلّ معتمر من امرأة وخصيّ وصبيّ».

أراد بالوجوب الثبوت؛ ليناسب إدخال الصبيّ في الحكم، والمراد بثبوته عليه ما قدّمناه.

ص: 304

كتاب الجهاد

[من يجب عليه الجهاد]

اشارة

قوله: «وفرضه على الكفاية بشرط وجود الإمام».

المراد بوجوده كونه ظاهراً مبسوط اليد، متمكّناً من التصرّف.

قوله: «وكذا كلّ مَن خشي على نفسه مطلقاً، أو ماله إذا غلّب السلامة».

أراد بقوله: «مطلقاً» أي سواء غلّب السلامة أم لا؛ لأنّ غايته - على تقدير تركه - العطب. بخلاف المال، فإنّما تجب المدافعة عنه مع ظنّ السلامة.

وغلّب - بالتشديد - بمعنى ظنّ، وهو قيد للمال، ولا فرق فيه بين المضطرّ إليه وغيره.

قوله: «ويسقط [فرض] الجهاد بأعذار أربعة: ... والمرض المانع من الركوب والعَدْو».

أي المانع من مجموعهما، فيسقط عنه وإن قدر على أحدهما، كما يسقط عمّن تقدّم مع إمكان الركوب، فإنّ الراكب قد يحتاج إلى العَدْو بأن يصير ماشياً بقتل فرسه ونحوه، ومن يقدر على العَدْو قد يحتاج إلى الركوب.

قوله: «وثمن سلاحه. ويختلف ذلك بحسب الأحوال».

أي بحسب أحوال الشخص بالنسبة إلى ما يحتاج إليه من النفقة والسلاح، فإنّ من الناس من يحسن الرمي خاصّة، ومنهم من يحسن الضرب بالسيف فيعتبر في حقّه ما يناسبه.

ص: 305

قوله: «إذا كان عليه دين مؤجّل فليس لصاحبه منعه، ولو كان حالّاً وهو معسر، قيل: له منعه، وهو بعيد».

إطلاق المؤجّل يشمل ما لو كان يحلّ قبل رجوعه من الجهاد بحسب العادة وعدمه، وما لو كان به رهن، أو ترك مالاً في بلده مقابله وعدمه، والأمر فيه كذلك، وأمّا المعسر فالأقوى أنّه ليس له منعه مطلقاً.

قوله: «للأبوين منعه من الغزو ما لم يتعيّن عليه».

المراد بالأبوين الأب والأُمّ المسلمين العاقلين، فلو كانا كافرين أو مجنونين لم يعتبر إذنهما. وفي إلحاق الأجداد بهما قول قويٌّ، ولو كانا مع الأبوين اعتبر إذن الجميع، ولا يشترط حرّيتهما على الأقوى.

والمراد بتعيّنه عليه أن يأمره الإمام به، أو يكون في المسلمين ضعف بحيث يتوقّف الأمر عليه، فيسقط اعتبارهما، وفي معنى الجهاد سائر الأسفار المباحة والمندوبة الموجبة للتغرير بالنفس أو وحشة الفرقة.

قوله: «لو تجدّد العذر بعد التحام الحرب لم يسقط فرضه على تردّد، إلّا مع العجز عن القيام به».

الأقوى السقوط، حيث لا يوجب تخاذل غيره وانكسار المسلمين.

قوله: «وإذا بُذل للمعسر ما يحتاج إليه وجب، ولو كان على سبيل الأُجرة لم يجب».

الفرق بين الأمرين أنّ الإجارة لا تتمّ إلّا بالقبول، وهو نوع اكتساب لا يجب تحصيله، بخلاف البذل، فإنّه يتحقّق بالإيجاب خاصّة، وهو من فعل الباذل.

قوله: «ومن عجز عنه بنفسه وكان موسراً وجب إقامة غيره وقيل: يستحبّ، وهو الأشبه».

قويٌّ مع عدم تعيّنه عليه بالحاجة إليه، أو أمر الإمام علیه السلام له به.

قوله: «ويجوز القتال في الحرم، وقد كان محرّماً فنُسخ».

كان محرّماً بقوله: (وَلَا تُقَتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (1) فنسخ بقوله تعالى:

ص: 306


1- البقرة (2): 191.

(فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) (1). وقيل: إنّها لم تنسخ، وأنّ الثانية مخصوصة بما عدا الحرم جمعاً، وهو أظهر.

قوله: «وتجب المهاجرة عن بلد الشرك على مَن يضعف على إظهار شعائر الإسلام».

المراد بشعائر الإسلام: الأُمور التي تختصّ بشرعه كالأذان والصلاة وصوم شهر رمضان، ونحوه.

[المرابطة]

قوله: «المرابطة: وهي الإرصاد لحفظ الثغر».

الثغر هنا: هو الموضع الذي يكون بأطراف بلاد الإسلام بحيث يخاف هجوم المشركين منه، كسواحل بحر الشام.

قوله: «وكذا لو نذر أن يصرف شيئاً في المرابطين وجب على الأصحّ، وقيل: يحرم، ويصرفه في وجوه البرّ، إلّا مع خوف الشنعة».

هذا القول للشيخ (2)، وحاصله أنّ مَن نذر شيئاً للمرابطين حال عدم تمكّن الإمام، وجب صرف النذر في وجوه البرّ إن لم يكن سمع نذره أحد من المخالفين بحيث يشنّع عليه بعدم الوفاء به، أو بأنّه لا يرى صحّة النذر. وبهذا القول ضعف، والأقوى وجوب الوفاء به كما عيّن مطلقاً.

قوله: «ولو آجر نفسه وجب عليه القيام بها، ولو كان الإمام مستوراً، وقيل: إن وجد المستأجر أو ورثته ردّها». قويٌّ.

[من يجب جهاده]

اشارة

قوله: «وكلّ من يجب جهاده، فالواجب على المسلمين النفور إليهم إمّا لكفّهم،

ص: 307


1- التوبة (9): 5.
2- المبسوط، ج 1، ص 542؛ والنهاية، ص 291.

وإمّا لنقلهم إلى الإسلام».

غاية الكفّ تتحقّق في البغاة مطلقاً؛ لأنّهم مسلمون، وفي باقي الكفّار تتحقّق الغايتان، فالأُولى بتقدير هجومهم على دار الإسلام ولم يكن في المسلمين قوّة لنقلهم إليه، والثانية مع وجود القوّة بحيث قصدوا الكفّار في دارهم، وحينئذٍ فتتحقّق غاية ثالثة، وهي التزامهم بشرائط الذمّة.

قوله: «فإن بدأوا فالواجب محاربتهم، وإن كفّوا وجب بحسب المكنة، وأقلّه في كلّ عام مرّة».

الضابط وجود المصلحة وأمر الإمام بالنفور، فقد يكون في العام أزيد من مرّة، وقد لا يجب في الأعوام للضرورة.

[كيفيّة قتال أهل الحرب]

قوله: «ولا يُبدؤون إلّا بعد الدعاء إلى محاسن الإسلام».

محاسن الإسلام: الشهادتان، والتوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة، وجميع شرائعه.

قوله: «ولا يجوز الفرار إذا كان العدوّ على الضعف [من المسلمين] أو أقلّ إلّا لمتحرّف».

لقتالٍ، أي منتقل إلى حالة هي أدخل في تمكّنه منه ممّا كان عليها.

قوله: «أو متحيّزاً إلى فئة».

أي منضمّ إليها يستنجد بها، مع صلاحيتها له بحيث لا يخرج ببعدها عن كونه مقاتلاً.

قوله: «ولو غلب عنده الهلاك لم يجز له الفرار، وقيل: يجوز؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (1)».

الأقوى وجوب الثبات، ومنع كونه على هذا الوجه إلقاء باليد إلى التهلكة، بل إلى الحياة المخلّدة.

ص: 308


1- البقرة (2): 195.

قوله: «ولو غلب العطب قيل: يجب الانصراف، وقيل: يستحبّ، وهو الأشبه». جيّد.

قوله: «ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات، وقيل: يجب، وهو المرويّ». جيّد.

قوله: «ويحرم بإلقاء السمّ، وقيل: يكره، وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولا يلزم القاتل دية، ... وفي الأخبار، ولا كفّارة».

بل تجب الكفّارة، وهي كفّارة قتل العمد على الأقوى، وينبغي أن يكون من بيت المال؛ لأنّه للمصالح، وهي من أهمّها.

قوله: «ولا يجوز التمثيل بهم».

بقطع أُنوفهم وآذانهم ونحو ذلك وإن فعلوا ذلك بالمسلمين.

قوله: «و لا الغدر». أي قتالهم بغتةً بعد الأمان.

قوله: «وأن يُعرقب الدابّة».

أى يُعرقب المسلم دابّته إذا وقفت به أو أشرف على القتل، وأمّا دابّة الكافر فيجوز أن تُعرقب للمصلحة.

قوله: «وتكره... والمبارزة بغير إذن الإمام، وقيل: يحرم». ضعيف.

قوله: «المشرك إذا طلب المبارزة... ولو لم يطلبه لم يجز محاربته، وقيل: يجوز مالم يشترط الأمان حتّى يعود إلى فئته».

عدم الجواز قويٌّ، أي أن يرجع عن تلك الحالة.

[الذمام]

قوله: «ويجوز أن يذمّ الواحد من المسلمين لآحاد من أهل الحرب، فلايذمّ عامّاً ولا لأهل إقليم. وهل يذمّ أهل قرية أو حصن؟ قيل: نعم، ... وقيل: لا، وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «أمّا العبارة فهو أن يقول: أمّنتك، أو... وكذا كلّ كناية علم منها ذلك من قصد العاقد».

الكناية - بالنون - والمراد بها اللفظ الدالّ على الذمام بفحواه دون صريحه، ويجوز

ص: 309

كونها بالتاء، فإنّها كافية أيضاً.

قوله: «وإذا عقد الحربي لنفسه الأمان ليسكن في دار الإسلام، دخل ماله تبعاً... ولو أسره المسلمون فاستُرِقّ، مُلك ماله تبعاً لرقبته».

أراد بالتبعيّة في الملك لا في المالك، فلا يستحقّه مسترقّه؛ لأنّه مال لم يوجف عليه، فيكون للإمام. ولو أُعتق بعد ذلك لم يعد إليه، أمّا لومُنّ عليه عاد إليه.

قوله: «ولو أسلم الحربي وفي ذمّته مهر، لم يكن للزوجة مطالبته، ولا لوارثها».

لا فرق في وارثها بين المسلم والكافر؛ لأنّ إسلامه اقتضى جواز استيلائه على ما أمكنه من مالها الذي من جملته المهر، وما في ذمّته بمنزلة المقبوض في يده، فيملكه بإسلامه مع بقائها على الحرب، فلا يزيله إسلامها بعده، ولا موتها مع كون وارثها مسلماً.

[خاتمة]

قوله: «ويراعى في الحاكم: كمال العقل، والإسلام، والعدالة. وهل يراعى الذكورة والحرّية؟ قيل: نعم، وفيه تردّد».

الأجود الاشتراط.

قوله: «فإن اتّفق المجعول له وأربابها على بذلها، أو إمساكها بالعوض، جاز. وإن تعاسر فسخت الهدنة».

الأجود مراعاة مصلحة المسلمين، فإن اقتضت بقاء الصلح عوّض المجعول له عنها ولم يفسخ الصلح، وإلّا جاز فسخه.

[الأسارى]

قوله: «ولو عجز الأسير عن المشي لم يجب قتله، لأنّه لا يدرى ما حكم الإمام فيه».

بل الأقوى عدم الجواز، وفي التعليل إشارة إليه، وفي الخبر (1) تصريح به.

ص: 310


1- الكافي، ج 5، ص 35، باب الرفق بالأسير وإطعامه، ح 1؛ علل الشرائع، ج 2، ص 288، الباب 366، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 153، ح 267.

وكما يأثم قاتله حينئذٍ، يأثم لو قتله من غير عجز، ولادية له، ولا كفّارة فيهما، لأنّه كافر لا أمان له.

قوله: «ويكره قتله صبراً».

هو قتله جهراً بين الناس، وقيل: حبسه للقتل (1)، وقيل: أن يهدّد به ثمّ يقتل.

قوله: «وحكم الطفل المسبي حكم أبويه فإن أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد. ولو سُبي منفرداً، قيل: يتبع السابي في الإسلام».

بل في الطهارة خاصّة.

قوله: «ولو قيل بتخيّر الغانم في الفسخ كان حسناً».

قويٌّ، وفي حكمه ما لو سباهما واحد وملكهما حال الغيبة، كما لو ملكهما بالشراء.

قوله: «ولو أعتق مسلم عبداً ذمّيّاً بالنذر، فلحق بدار الحرب، فأسره المسلمون جاز استرقاقه، وقيل: لا؛ لتعلّق ولاء المسلم به».

في الجمع بين العتق بالنذر وثبوت الولاء منع يأتي، ويمكن حمله على ولاء تضمّن الجريرة بأن يتعاقد المولى والمعتق بعد العتق على ضمانها فيثبت ولاؤها وإن كان بعيداً، وأصحّ القولين أنّه يسترقّ ولا يمنعه تعلّق الولاء، فإن مات سابيه ثبت الولاء، وإلّا فلا.

قوله: «إذا اسلم عبد الحربي في دار الحرب قبلَ مولاه ملك نفسه بشرط أن يخرج قبله، ... ومنهم مَن لم يشترط خروجه، والأوّل أصحّ». قويٌّ.

[أحكام الغنيمة]

اشارة

قوله: «وهذا القسم يختصّ به الغانمون بعد الخمس والجعائل، ولايجوز لهم التصرّف في شيء منه إلّا بعد القسمة والاختصاص. وقيل: يجوز لهم تناول مالا بدّ منه، كعلف (2)

ص: 311


1- قاله ابن إدريس الحلّي في السرائر، ج 2، ص 9؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 398.
2- في شرائع الإسلام: «كعلیق» بدل «كعلف».

الدابّة وأكل الطعام».

هذا هو المشهور، بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع (1)، ولا يشترط في تناول الطعام كونه مأكولاً بالفعل، بل كلّ ما يصلح له كالغنم فيجوز لهم ذبحه وردّ ما لا يؤكل منه إلى الغنيمة كالجلد. ويجب الاقتصار فيه على دارالحرب أو المفازة التي في الطريق دون عمران دار الإسلام، فلو فضل منه فضلة وجب ردّها إلى المغنم.

قوله: «إذا باع أحد الغانمين غانماً شيئاً، أو وهبه لم يصحّ، ويمكن أن يقال: يصحّ في قدر حصّته».

هذا الاحتمال ضعيف؛ لأنّ حصّته على تقدير القول بملكه بالاستيلاء مجهولة، فلا يصحّ بيعها، وأيضاً فلا يعلم تعلّق حقّه بعين المبيع؛ لجواز أن يخرج لغيره.

قوله: «لو وجد شيء في دار الحرب يحتمل أن يكون للمسلمين ولأهل الحرب، كالخيمة والسلاح فحكمه حكم اللقطة، وقيل: يعرَّف سنةً ثمّ يلحق بالغنيمة». ضعيف.

قوله: «إذا كان في الغنيمة مَن ينعتق على بعض الغانمين، قيل: ينعتق نصيبه، ولا يجب أن يشتري حصص الباقين، وقيل: لا ينعتق إلّا أن يجعله الإمام في حصّته».

مبنى القولين على أنّ الغانم هل يملك حصّته بالاستيلاء، أو بالقسمة؟ وفي الأوّل قوّة. وعلى القول بالعتق لا يسري عليه على الأقوى؛ لأنّ الملك قهري.

[أحكام الأرضين]

قوله: «كلّ أرض فتحت عَنوةً».

العَنوة - بفتح العين وإسكان النون - الخضوع والذلّ، ومنه قوله تعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَیِّ الْقَيُّوم) (2)، والمراد هنا فتحها بالقهر والغلبة.

قوله: «وكانت محياةً فهي للمسلمين قاطبةً».

ص: 312


1- تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 123، المسألة 77.
2- طه (20): 111.

المراد كونها محياة وقت الفتح، ومرجع ذلك إلى القرائن الحاليّة المفيدة للظنّ المتاخم للعلم، كتقادم عهد البلد بحيث يتقدّم على الفتح، وتكون الأرض ممّا يُقطع بكونها محياة لها في العادة.

قوله: «ولا يصحّ بيعها ولاهبتها ولا وقفها».

مع حضور الإمام مطلقاً، أمّا مع غيبته فجائز تبعاً لآثار المتصرّف من بناء وغرس، وهذا كلّه في غير ما هو في يد مَن يدّعي الملك، حيث لا يعلم فساد دعواه، وإلّا حكم له بها كسائر أملاكه.

قوله: «ولو تصرّف فيها من غير إذنه كان على المتصرّف طسقها».

الطسق فارسي معرّب، والمراد به أُجرتها.

قوله: «ويملكها المحيي عند عدمه من غير إذن».

أي في حال غيبته، ولا فرق في المحيي بين المؤمن وغيره.

قوله: «وكلّ أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحقّ بها، وإن كان لها مالك معروف فعليه طسقها».

الأقوى أنّ الأرض الميتة بعد أن كانت مملوكة، إن كان ملك الأوّل لها بالشراء ونحوه لا يزول ملكه عنها بالموت، ولايصحّ التصرّف فيها إلّا بإذنه مطلقاً. وإن كان ملكه لها بالإحياء زال بالموت، وصار المحيي لها نائباً أحقّ بها ما دام محييها.

[قسمة الغنيمة]

قوله: «يجب أن يبدأ بما شرطه الإمام، كالجعائل والسلَب».

السَلَب - فتح اللام - المال المتّصل بالمقتول كالثياب، والقلنسوة، والدرع والمغفر، والسلاح، والدابة المركوبة، ونحوها.

قوله: «وبما يرضخه للنساء، والعبيد، والكفّار إن قاتلوا بإذن الإمام، فإنّه لا سهم للثلاثة».

الرضخ: العطاء الذي ليس بالكثير، والمراد هنا العطاء الذي لا يبلغ سهم الفارس إن

ص: 313

كان المرضخ له فارساً، ولا الراجل إن كان راجلاً.

قوله: «ثمّ يخرج الخمس، وقيل: بل يخرج الخمس مقدّماً؛ عملاً بالآية، والأوّل أشبه».

الأقوى تقديمه على الرضخ دون السَلَب والجعائل.

قوله: «وللفارس سهمين وقيل: ثلاثة، والأوّل أظهر» جيّد.

قوله: «ولا يسهم من الخيل للقَحْم والرازح والضَرَع؛ لعدم الانتفاع بها في الحرب، وقيل: يسهم مراعاة للاسم».

القَحْم - بفتح القاف وسكون الحاء - الكبير الهرم.

والرازح - بالراء المهملة، ثمّ الزاي بعد الألف، ثمّ الحاء المهملة - المهزول الذي لا يقوى بصاحبه كذلك.

والضَرَع - بفتح الضاد المعجمة والراء - الصغير الذي لا يُركب، وقيل: الضعيف (1).

والأجود الإسهام للجميع.

قوله: «ولا يسهم للمغصوب إذا كان صاحبه غائباً، ولو كان صاحبه حاضراً كان لصاحبه سهمه».

وله مع ذلك الأُجرة على الغاصب على الأقوى.

قوله: «ويكون السهم للمقاتل. والاعتبار بكونه فارساً عند حيازة الغنيمة، لا بدخوله المعركة». بل عند القسمة.

قوله: «والجيش يُشارك السَرِيّة في غنيمتها إذا صدرت عنه».

وكذا تشاركه السريّة في غنيمته.

قوله: «فإن دخل (2)وقت العطاء ثمّ مات، كان لوارثه المطالبة به، وفيه تردّد». عدمه أقوى.

قوله: «قيل: ليس للأعراب من الغنيمة شيء».

ص: 314


1- قاله الجوهري في الصحاح، ج 3، ص 1249، «ضرع».
2- في شرائع الإسلام: «حلّ» بدل «دخل».

المراد بالأعراب: مَن كان من أهل البادية وقد أظهر الشهادتين على وجه حكم بإسلامه ظاهراً، ولا يعرف من معنى الإسلام ومقاصده وأحكامه سوى ذلك، والأقوى عدم استحقاقهم من الغنيمة شيئاً.

قوله: «لا يستحقّ أحد سلباً ولا نَفلاً، في بدأةٍ ولا رَجعةٍ».

قد تقدّم معنى السَلَب، وأمّا النَفَل - بالتحريك - فهو ما يجعله الإمام لبعض المجاهدين من الغنيمة بشرطٍ، كمن حَمَل الراية فله كذا.

والبَدْأَة - بفتح الباء وسكون الدال ثمّ الهمزة المفتوحة - السرّية الأُولى، أو عند دخول الجيش إلى دار الحرب.

والرجعة: الثانية، أو عند رجوعه.

قوله: «الحربي لا يملك مال المسلم بالاستغنام... ولو عرّفت بعد القسمة فلأربابها القيمة، ... وفي رواية: تعاد على أربابها بالقيمة. والوجه إعادتها على المالك».

الوجه جيّد مع تفرّق الغانمين وعسر جمعهم، وإلّا ارتجعت العين ونقصت القسمة. ولو كان الحقّ معهم بالسويّة، كالمال الممتزج بمتساوي الأجزاء رجع على كلّ واحد بالنسبة، ولم ينقض مطلقاً.

[أحكام أهل الذمّة]

[من تؤخذ منه الجزية]

قوله: «تؤخذ ممّن يقرّ على دينه، وهم اليهود والنصارى، ومَن لهم شبهة كتاب وهم المجوس».

نبّه بقوله: «شبهة كتاب» على أنّ ما بأيدي المجوس غير معلوم كونه كتابهم؛ لماورد من أنّهم قتلوا نبيّهم وأحرقوا كتابهم، وفي أيديهم صحف يزعمون أنّها من ذلك الكتاب (1)، فأقرّوا على دينهم لهذه الشبهة.

ص: 315


1- الكافي، ج 3، ص 567، باب صدقة أهل الجزية، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 113، ح 332.

قوله: «ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء. وهل تسقط عن الهمّ؟ قيل: نعم، وهو المرويّ، وقيل: لا».

الأقوى عدم السقوط.

قوله: «وقيل: تسقط عن المملوك». قويٌّ.

قوله: «ولو قتل الرجال قبل عقد الجزية فسأل النساء إقرارهنّ ببذل الجزية، قيل: يصحّ، وقيل: لا، وهو الأصحّ». قويٌّ.

قوله: «ولو كان بعد عقد الجزية، كان الاستصحاب حسناً».

الأقوى المنع مطلقاً.

قوله: «والمجنون المطبق لاجزية عليه. فإن كان يفيق وقتاً، قيل: يعمل بالأغلب».

الأقوى أنّ المجنون لا جزية عليه مطلقاً إلّا أن يتّفق له إفاقة سنة متوالية فيؤخذ عنها.

[كميّة الجزية]

قوله: «ومع انتفاء ما يقتضي التقدير، يكون الأولى اطّراحه تحقيقاً للصغار».

لأنّ المشهور في تعريفه: أنّه التزامه الجزية على ما يحكم به الإمام من غير أن تكون مقدّرة، وحينئذٍ فترك التقدير أنسب بمعناه. وأمّا على مافسّره به بعضهم من أنّه أخذ الجزية منه قائماً والمسلم جالس ونحو ذلك (1)، فلا ينافي التقدير.

قوله: «ويجوز وضعها على الرؤوس، أو على الأرض. ولا يجمع [بينهما]، وقيل: بجوازه ابتداءً، وهو الأشبه». الأجود عدم الجمع.

قوله: «ويجوز أن يشترط عليهم - مضافاً إلى الجزية - ضيافة مارّة العساكر... ولو اقتصر على الشرط، وجب أن يكون زائداً عن أقلّ مراتب الجزية».

أي اقتصر على شرط الضيافة من غير أن يصرّح بكونها مضافة إلى الجزية، كما

ص: 316


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 584؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 433، المسألة 50.

صرّح في القسم الأوّل، فإنّ الإطلاق أيضاً يقتضي المغايرة. فإن جعلناها مقدّرة، كانت زائدة عن المقدّر، وإلّا فعن أقلّ ما يقتضي المصلحة وضعه عليهم؛ تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، فإنّه شرط على نصارى نجران الضيافة زيادة على ما رتّبه عليهم (1)؛ ولأنّه لو شرط الضيافة من الجزية إذا كان الإطلاق يقتضيه ولم يمرّ بهم أحد، خرج الحول بغير جزية.

قوله: «ولو أسلم قبل الحول أو بعده قبل الأداء، سقطت الجزية على الأظهر».

الخلاف في الثاني خاصّة، والقول بالسقوط أقوى.

[شرائط الذمّة]

قوله: «الرابع: أن لا يتظاهروا بالمناكير... ولو تظاهروا بذلك نقض العهد، وقيل: لا ينقض».

الأقوى أنّه لا ينقض إلّا مع شرطه في العقد والإخلال به.

قوله: «إذا خرقوا الذمّة في دار الإسلام كان للإمام ردّهم إلى مأمنهم، وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ قيل: نعم، وفيه تردّد».

جوازه قويٌّ.

قوله: «ويكره أن يبدأ [المسلم] الذمّي بالسلام. ويستحبّ أن يضطرّ إلى أضيق الطرق».

بمعنى منعهم من جادّة الطريق إذا اجتمعوا هُم والمسلمون فيه، واضطرار هم إلى طرفه الضيّق بحيث لا يقعون به في وَهْدةٍ ولا يصدمون جداراً.

[حكم الأبنية]

[البيع والكنائس]

قوله: «لا يجوز استئناف البيع والكنائس في بلاد الإسلام. ولو استجدّت وجب إزالتها، سواء كان [ذلك] البلد ممّا استجدّه المسلمون».

ص: 317


1- السنن الكبرى، البيهقي، ج 9، ص 195.

مثل الكوفة وبغداد والبصرة وسُرّ من رأى، واحترز بالاستئناف عمّا لو كان موجوداً في الأرض قبل أن يمصرها المسلمون، فإنّه يقرّ على حالها، مثل كنيسة الروم في بغداد، فإنّها كانت في قرى لأهل الذمّة فأقرّت على حالها.

قوله: «إذا انهدمت كنيسة ممّالهم استدامتها، جاز إعادتها وقيل: لا». المنع أقوى.

[المساكن]

قوله: «فكلّ ما يستجدّه الذمّي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه. و يجوز مساواته على الأشبه».

الأجود المنع، ولا فرق بين أن يكون بناء الجار معتدلاً أو في غاية الانخفاض. نعم لو كان نحو السرداب لم يكلّف الذمّي مثله؛ لعدم صدق البناء.

قوله: «ولو انهدم لم يجز أن يعلو به على المسلم، ويقتصر على المساواة فما دون».

بناء على جوازها، وإلّا وجب الاقتصار على ما دونه.

[المساجد]

قوله: «فلايجوز أن يدخلوا المسجد الحرام إجماعاً، ولا غيره من المساجد عندنا، ولو أُذن لهم لم يصحّ».

أي أذن لهم المسلم، فإنّه لا عبرة به في جواز دخولهم المساجد عندنا، خلافاً لأكثر العامّة.

قوله: «ولا امتياراً».

هو افتعال من الميرة، وهو الطعام أو جلبه.

قوله: «ولا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور».

الأشهر التحريم.

قوله: «وفي الاجتياز به والامتيار منه تردّد».

والأشهر الجواز، والمراد بالامتيار طلب الميرة، وهو الطعام.

قوله: «ومن أجازه حدّه بثلاثة أيّام، ولا جزيرة العرب، وقيل: هي مكّة والمدينة واليمن

ص: 318

ومخاليفها وقيل: هي من عدنٍ إلى ريف عبّادان طولاً».

القول الثاني هو الأشهر، وإنّما سمّيت جزيرة؛ لأنها بين بحر الهند وبحر فارس والفرات، ونُسبت إلى العرب؛ لأنّها منزلهم.

والمخاليف - بالمعجمة - الكُوَر، واحدها مخلاف.

والريف: الأرض التي فيها زرع خصب.

[المهادنة]

قوله: «يجوز الهدنة أربعة أشهر ... وهل يجوز أكثر من أربعة؟ قيل: لا،... ، والوجه مراعاة الأصلح». الوجه جيّد.

قوله: «ولو وقعت الهدنة على ما لا يجوز فعله لم يجب الوفاء، مثل التظاهر بالمناكير، وإعادة من يهاجر من النساء. فلو هاجرت وتحقّق إسلامها لم تعد، لكن يعاد على زوجها ما سلّم إليها من مهر خاصّةً».

احترز ب-«الخاصّة» عن النفقة وغيرها ممّا غرمه عليها، فإنّه لا يعاد عليه. وكذا لا يعاد المهر إلّا إذا طلبه الزوج أو وكيله من الإمام أو نائبه، فيدفعه إليه من بيت المال وإن كانت عينه باقية.

قوله: «ولو ماتت قبل المطالبة لم تدفع إليه، وفيه تردّد».

الأقوى أنّه لا شيء له.

قوله: «ولو شرط في الهدنة إعادة الرجال مطلقاً، قيل: يبطل الصلح».

في البطلان قوّة؛ لاشتماله على إعادة ما لا يؤمن افتتانه، وهو غير جائز.

قوله: «أمّا لو انتقل إلى دين يُقرّ أهله، ... قيل: يقبل؛ لأنّ الكفر ملّة واحدة، وقيل: لا».

الأقوى عدم القبول.

قوله: «وإن عاد إلى دينه، قيل: يقبل، وقيل: لا، وهو الأشبه».

عدم القبول أقوى.

ص: 319

قوله: «ولو أصرّ فقتل، هل يملك أطفاله؟ قيل: لا، استصحاباً لحالتهم الأُولى».

عدم تملّكهم أقوى.

قوله: «إذا فعل أهل الذمّة ما هو سائغ في شرعهم وليس بسائغ ... وإن فعلوا ما ليس بسائغ في شرعهم كالزنى واللواط، فالحكم فيه كما في المسلم، وإن شاء الحاكم دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحدّ فيه بمقتضى شرعهم».

هذا إذا كان له عندهم عقوبة وإن لم يوافق ما عندنا كمّاً وكيفاً، وإلّا تعيّن حدّه.

قوله: «إذا اشترى الكافر مصحفاً لم يصحّ البيع، وقيل: يصح ويرفع يده، والأوّل أنسب بإعظام الكتاب العزيز».

إنّما جعله أنسب؛ لعدم وقوفه على دليل يدلّ على البطلان، بل غايته التحريم، وهو لايدلّ على الفساد في العقود، فيصحّ البيع ويجبر على بيعه من مسلمٍ، لكن مناسبة التعظيم لكتاب الله تعالى تقتضي البطلان.

[قتال أهل البغي]

قوله: «وإذا قام به مَن فيه غَناء سقط عن الباقين».

الغَناء - بفتح الغين المعجمة - النفع والإجزاء، والكلام في هذه الأحكام كما تقدّم في حرب المشركين.

قوله: «لا يجوز تملّك شيء من أموالهم التي لم يحوها العسكر».

هذا موضع وفاق، وقد ادّعى الإجماع عليه جماعة منهم الشهيد في الدروس (1).

ومنه يُستفاد تحريم أموال سائر فِرَق الإسلام وإن حكم بكفرهم؛ لأنّ هذا الوصف ثابت في البغاة وزيادة، مضافاً إلى ما دلّ عليه من الكتاب (2) والسنّة (3) .

ص: 320


1- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 34 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
2- البقرة (2): 188.
3- الكافي، ج 7، ص 412، باب أداب الحكم، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 15، ح 3246؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 225، ح 541.

قوله: «وهل يؤخذ ما حواه العسكر ممّا يُنقل ويُحوّل؟ قيل: لا؛ لما ذكرناه من العلّة، وقيل: نعم».

القول بالجواز أشهر، والأصل في الخلاف سيرة عليّ علیه السلام يوم الجمل، فإنّه قسّم أموالهم بين المقاتلة، ثمّ ردّه على أربابه (1)، فمنهم مَن نظر إلى أوّل فعله، ومنهم من نظر إلى آخره. والحقّ أنّ فعله ظاهر في كون الثاني وقع بطريق المنّ، لا الاستحقاق؛ حذراً من التناقض؛ ولأنّه علیه السلام صرّح بذلك (2).

قوله: «ومَن سبّ الإمام العادل وجب قتله».

على كلّ سامع مع الأمن على نفسه وعلى غيره من المؤمنين.

قوله: «ولو أتلف الباغي على العادل مالاً أو نفساً في حال الحرب، ضمنه».

المراد بالعادل هنا: مَن كان متابعاً للإمام العادل وإن كان ذمّياً.

ص: 321


1- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 62، المسألة 7073.
2- الكافي، ج 5، ص 33، باب (بدون عنوان من كتاب الجهاد)، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 154 - 155، ح 270، 273 و 275.

ص: 322

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

قوله: «المعروف: كلّ فعل حسن اختصّ بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دَلَّ عليه».

المراد بالفعل الحسن هنا: الجائز بالمعنى الأعمّ الشامل للواجب والمندوب والمباح والمكروه، وقد عرّفوه بأنّه ماللقادر عليه العالم بحاله أن يفعله، ويقابله القبيح. وخرج بقوله: «اختصّ بوصف زائد على حسنه» المباح، فإنّه لا يختصّ بوصف زائد. ولا بدّ من إخراج المكروه أيضاً؛ لأنّه ليس بمعروف مع دخوله في تعريف الحسن، وإنّما لم يخرج بالوصف الزائد؛ لأنّه لم يشرط فيه کونه راجحاً، والوصف المرجوح يصدق عليه أنّه زائد على الحسن.

وأراد بقوله في التعريف: «إذا عرف فاعله ذلك» الحسن والقبيح العقليّين؛ لأنّهما يعرفان بالعقل.

وبقوله: «أو دلَّ عليه» إدخال الحسن والقبيح السمعيّين؛ لتوقّف معرفة حسنهما وقبحهما على الدالّ، وهو الله تعالى والنبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أو من يقوم مقامه.

قوله: «والمنكر: كلّ فعل قبیح عرف فاعله قبحه، أو دلّ عليه».

المراد بالقبيح الحرام، وعلى هذا فالمكروه خارج من القسمين، فلا يتحقّق الأمر به ولا النهي عنه، وكان ينبغي إدراجه، فإنّ النهي عنه مستحبّ كالأمر بالمندوب. ويمكن تكلّف إدخاله في المندوب باعتبار استحباب تركه، فيتعلّق الأمر به.

ص: 323

قوله: «ووجوبهما على الكفاية يسقط بقيام من فيه غناء، وقيل: بل علی الأعیان، وهو أشبه».

كونه كفائيّاً أقوى، ولا إشكال في سقوط الوجوب بعد حصول المطلوب من فعل المعروف وترك المنكر؛ لفقد شرط الوجوب. وإنّما تظهر فائدة القولين في وجوب قيام الكلّ به قبل حصول الغرض وإن قام به مَن فيه الكفاية على القول بالوجوب العيني، وسقوط الوجوب عمّن زاد على مَن فيه الكفاية من الغانمين على القول الآخر.

[شروط النهي عن المنكر]

قوله: «ولا يجب النهي عن المنكر ما لم تُكمل شروط أربعة: [الأوّل:] أن يعلمه منكراً؛ ليأمن الغلط في الإنكار».

لا فرق في اشتراط الأُمور الأربعة بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتخصيصه النهي لا وجه له إلّا مراعاة الإيجاز بتكلّف إدخال أحدهما في الآخر.

وفي اعتبار الشرط الأوّل بحث؛ لأنّ عدم العلم بالمعروف لاينافي تعلّق الوجوب بمن لم يعلم، وإنّما ينافيه نفس الأمر والنهي؛ حذراً من الوقوع في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

وحينئذٍ فيجب على مَن علم وقوع المنكر أو ترك المعروف من شخص معيّن في الجملة، أن يتعلّم ما يصحّ معه الأمر والنهي ثمّ يأمر أو ينهى، كما يتعلّق بالمحدث وجوب الصلاة ويجب عليه تحصيل شرائطهما. وحينئذٍ فلا منافاة بين عدم جواز أمر الجاهل ونهيه حالة جهله وبين وجوبهما عليه، كما تجب الصلاة على المحدث والكافر، ولا يصحّ منهما على تلك الحالة.

قوله: «وأن يجوز تأثير إنكاره».

المراد بالتجويز في هذا المحلّ أن لا يكون التأثير عنده ممتنعاً، بل يكون ممكناً بحسب ما يظهر له من حاله، وهو يقتضي الوجوب ما لم يعلم عدم التأثير وإن ظنّ

ص: 324

عدمه؛ لأنّ التجويز قائم مع الظنّ، فلا يطابق أوّل الكلام لآخره.

نعم يتمشّى ذلك في الشرط الرابع؛ لأنّ الضرر المسوّغ للتحرّز منه يكفي فيه ظنّه.

[مراتب الإنكار]

قوله: «ومراتب الإنكار ثلاث: بالقلب، وهو يجب وجوباً مطلقاً».

الإنكار القلبي يطلق على معنيين:

أحدهما: إيجاد كراهة المنكر في القلب، بأن يعتقد وجوب المتروك وتحريم المفعول مع كراهته للواقع.

والثاني: الإعراض عن فاعل المنكر وإظهار الكراهية له بسبب ارتكابه. والمعنى الأوّل يجب على كلّ مكلّف؛ لأنّه من مقتضى الإيمان، سواءً كان هناك منكر واقع أم لا، وسواء جوّز به التأثير أم لا، إلّا أنّ هذا المعنى لا يكاد يدخل في معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لاقتضائهما طلب الفعل أو الترك، ولا طلب في هذا المعنى، فلايعدّ معتقده آمراً ولاناهياً، بخلاف المعنى الثاني، فإنّ الإنكار والطلب يتحقّقان في ضمنه.

ووجوبه مشروط بالشرائط المذكورة؛ لأنّه يظهر على فاعله، ويجري فيه خوف الضرر وعدمه، وتجويز التأثير وعدمه، ومن هنا يظهر أنّ المعنى الأوّل لايدخل في إطلاق قوله: «ولا يجب النهي ما لم تكمل شروط أربعة».

إذا تقرّر ذلك فقول المصنّف: «ومراتب الإنكار ثلاث: بالقلب ويجب وجوباً مطلقاً»(1) إن أراد به المعنى الأوّل، كما هو الظاهر من الإطلاق أشكل بعدم دخوله في مراتب الإنكار والنهي، بأنّه لا يشترط بالشروط المذكورة.

وإن أراد المعنى الثاني، كما يشعر به قوله: «ويجب دفع المنكر بالقلب أوّلاً، كما إذا عرف ...» لم يكن للتقييد بالإطلاق فائدة؛ لأنّ إظهار الكراهة الذي جعله معنى الإنكار

ص: 325


1- شرائع الإسلام، ج 1، ص 311.

القلبي ثانياً مشروط بالشرائط كغيره من المراتب.

قوله: «ولو افتقر إلى الجرح أو القتل، هل يجب؟ قيل: نعم، وقيل: لا، إلّا بإذن الإمام، وهو الأظهر».

قويٌّ بالنسبة إلى القتل، أمّا الجرح فالأوّل قويٌّ.

[المقيم للحدّ]

قوله: «لا يجوز لأحد إقامة الحدود، إلّا للإمام مع وجوده، أو من نصبه لإقامتها. ومع عدمه يجوز للمولى إقامة الحدّ على مملوكه».

مع المشاهدة أو إقرار الرقّ الكامل به، أمّا بثبوته بالبيّنة فيتوقّف على الحاكم.

قوله: «وهل يقيم الرجل الحدّ على ولده وزوجته؟ فيه تردّد».

الجواز حسن إن كان الأب والزوج فقيهاً، وإلّا فالمنع أحسن.

قوله: «ولو ولي والٍ من قبل الجائر، وكان قادراً على إقامة الحدود، هل له إقامتها؟ قيل: نعم».

قويٌّ إن كان فقيهاً، وإلّا فالمنع أقوى.

قوله: «وقيل: يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود في حال غيبة الإمام علیه السلام. هذا هو الأقوى، ولا يخفى أنّ ذلك مع أمن الضرر عليه وعلى غيره من المؤمنين.

قوله: «ولا للحكم بين الناس إلّا عارف بالأحكام، مطلّع على مآخذها».

المراد به الفقيه المجتهد، وكما لا يجوز الحكم لغيره لا يجوز الإفتاء إلّا بطريق الحكاية عن المجتهد الحيّ دون الميّت على الأشهر.

قوله: «ولونصب الجائر قاضياً مُكرِهاً له، جاز الدخول معه، دفعاً لضرره».

إنّما يتوقّف الجواز على الإكراه مع عدم اتّصاف الحاكم بشرائط الفتوى، وعدم تمكّنه من إجراء الأحكام على وجهها الشرعي، وإلّا جاز قبوله، بل قد يجب. ويتحقّق الخوف من المخالفة على نفسه وماله وعِرْضه، ويختلف ذلك بحسب أحوال الناس.

ص: 326

كتاب التجارة

[الفصل الأوّل فيما يكتسب به]

اشارة

قوله: «فالمحرّم منه أنواع: الأوّل: [الأعيان النجسة] كالخمرة، والأنبذة ، ... وكلّ مائع نجس، عدا الأدهان لفائدة الاستصباح بها تحت السماء».

اشتراط كونه تحت السماء هو المشهور (1)، والنصوص خالية عنه، فالقول بعدم اشتراطه (2) أجود. وموضع الخلاف ما إذا كان الدهن متنجّساً بالعرض، فلو كان نفسه نجاسة كأليات الميتة والمبانة من الحيّ لم يصحّ الانتفاع به مطلقاً.

قوله: «والميتة».

أي مجموعها من حيث هو مجموع، وفي حكمه أجزاؤها التي تحلّها الحياة، وأمّا ما لا تحلّها الحياة فيجوز بيعه إذا كانت طاهرة العين.

قوله: «وأرواث وأبوال مالا يؤكل لحمه، وربما قيل بتحريم الأبوال كلّها، إلّا بول الإبل، والأوّل أشبه».

يريد بالأوّل ما دلّ عليه القول الأوّل بمفهومه؛ إذ منطوقه المنع من بیع أرواث

ص: 327


1- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 582؛ والشيخ - في أحد قوليه - في النهاية، ص 588؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 222؛ وابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 432.
2- قاله الشيخ - في قوله الثاني - في المبسوط، ج 4، ص 680.

وأبوال ما لا يؤكل لحمه، وهو ممّا لا شبهة فيه، وإنّما الكلام في اختصاص الحكم به حتّى يجوّز ذلك ممّا يؤكل لحمه، وهو غير مذكور بالمنطوق في القولين مطلقاً، لكنّه مفهوم القول الأوّل، ومرجعه إلى اختصاص المنع بما لا يؤكل لحمه.

قوله: «وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم».

أصل الهيكل بيت الصنم، والمراد به هنا نفس الصنم مجازاً من باب إطلاق اسم المحلّ على الحالّ.

قوله: «كبيع السلاح لأعداء الدين».

سواء كانوا مسلمين أم كفّاراً، ومنهم قطّاع الطريق. وإنّما يحرم مع قصد المساعدة، أو في حال الحرب، وما في معناه.

قوله: «وإجارة السفن والمساكن للمحرّمات، وبيع العنب ليعمل خمراً، وبيع الخشب ليعمل صنماً».

المراد بيعه لأجل الغاية المحرّمة، سواء اشترطها في نفس العقد أم حصل الاتّفاق عليها، فلو باعه لمن يعملها بدون الشرط، فإن لم يعلم أنّه يعملها كذلك لم يحرم على الأقوى، وإن علم أو غلب على ظنّه ذلك حرم.

قوله: «الثالث: ما لا ينتفع به، كالمسوخ، برّيّة كانت، كالقرد والدبّ، وفي الفيل تردّد، والأظهر جواز بيعه». قويٌّ.

قوله: «أو بحريّة كالجرِّي».

هو - بكسر الجيم وتشديد الراء المكسورة - سمك طويل أملس لا فلس له، والضفادع معطوفة على المسوخ، وليست منها.

قوله: «والطافی».

هو من السمك ما مات في الماء، وصف بذلك؛ لأنّه إذا مات طفا على وجه الماء.

قوله: «وقيل: يجوز بيع السباع كلّها». قويٌّ.

قوله: «الرابع: ما هو محرّم في نفسه، كعمل الصور المجسّمة».

ص: 328

الأقوى اختصاص المنع بذوات الأرواح من الصور مطلقاً، سواء كانت مجسّمة في مثل الخشب والحجر، أو منقوشة على مثل البساط والورق.

قوله: «والغناء».

بالمدّ، هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يسمّى في العرف غناءً وإنْ لم يطرب، سواء كان في شعر أو قرآن أم غيرهما. ويستثنى منه الحداء للإبل، وقول المرأة له في الأعراس، إذا لم تتكلّم بالباطل، ولم تعمل بالملاهي، ولم يسمع صوتها الأجانب من الرجال.

قوله: «ومعونة الظالمين بما يحرم».

احترز به عن مساعدتهم بالأعمال المحلّلة، كالخياطة وغيرها، فإنّه جائز.

قوله: «ونوح النائحة بالباطل».

يتحقّق نوحها بالباطل بوصفها الميّت بما ليس فيه. ويجوز بالحقّ إذا لم يسمعها الأجانب.

قوله: «و حفظ كتب الضلال، ونسخها لغير النقض».

من التلف، أو عن ظهر القلب. وفي معنى النقض الاحتجاج على أهلها بها لأهله، وكذا يجوز للتقيّة.

قوله: «وهجاء المؤمنين». بكسر الهاء، والمراد ذكر المعايب بالشعر.

قوله: «وتعلّم السحر».

هو كلام، أو كتابة، أو أقسام ونحوها يحدث بسببها ضرر على الغير. ومنه عقد الرجل عن زوجته، وإلقاء البغضاء بينهما. ويجوز تعلّمه ليتوقّى به، أو يدفع به المتنبّي بالسحر وحلّه.

قوله: «والكهانة».

وهي - بكسر الكاف - عمل يوجب طاعة بعض الجانّ واتّباعه له، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة.

ص: 329

قوله: «والقيافة».

هي الاستناد إلى علامات يترتّب عليها إلحاق نسب بنسب ونحوه، بحيث يجزم به، أو يترتّب عليه محرّماً.

قوله: «والقمار».

هو اللعب بالآلات المعدّة له، كالشطرنج والخاتم والجوز. ويحرم الكسب المرتّب عليه. ولو فعله الصبيان فالمكلّف بردّه الوليّ. ولو جهل مالكه تصدّق به. ولو انحصر في معيّنين وجب محاللتهم ولو بالصلح.

قوله: «وتزيين الرجل بما يحرم عليه».

من المحرّم عليه التزيين بالذهب والحرير والزينة المختصّة بالنساء، كلبس السوار والخلخال والثياب المختصّة لها عادة.

قوله: «لا بأس بالرزق من بيت المال، وكذا الصلاة بالناس، والقضاء على تفصيل يأتي».

أي في بابه، وحاصله أنّه إنْ لم يتعيّن عليه جاز أخذه مطلقاً، وكذا إنْ تعيّن ولا كفاية له، وإلّا ففيه خلاف. والأجود المنع من أخذ الأُجرة مطلقاً. وأمّا الارتزاق من بيت المال فمرجعه إلى نظر الإمام.

قوله: «ولا بأس بأخذ الأُجرة على عقد النكاح».

أي على مباشرة الصيغة، فإنّه غير واجب، أمّا على تعليمها فلا. وكذا غيره من العقود.

قوله: «وما يكره لتطرّق الشبهة، ككسب الصبيان».

أي [الكسب] المجهول أصله؛ لأنّه مظنّة الشبهة والحرام بإجراء الصبيّ عليه، فيكره للوليّ التصرّف فيه، ولغيره شراؤه منه ونحوه.

[مسائل:]

قوله: «الأُولى: لا يجوز بيع شيء من الكلاب إلّا كلب الصيد. وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردّد. والأشبه المنع».

ص: 330

في الجواز قوّة.

قوله: «الرُشا حرام».

بضمّ أوّله وكسره مقصوراً، جمع رشوة بهما، أي بالضمّ والكسر، وهو أخذ الحاكم مالاً لأجل الحكم (1).

وتحريمه إجماعي. وكما يحرم على المرتشي يحرم على المعطي إلّا أنْ يتوقّف عليه تحصيل حقّه، فيحرم على المرتشي خاصّة.

قوله: «الخامسة: إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصّي».

مجرّد الإكراه كافٍ في جواز الولاية والعمل بما يأمره به من الأُمور المحرّمة غير الدماء، وإنْ أمكنه التفصّي؛ إذ لا يشترط في الإكراه المجوّز بلوغ حدّ الإلجاء بل خوف الضرر، كما تقدّم. وحينئذٍ فتقييد المصنِّف الحكم بعدم القدرة ليس بجيّد.

وشمل قوله «إلّا في الدماء» ما كان بطريق القتل أو الجرح. والأوّل محلّ وفاق، وفي الثاني خلاف. وكذا شمل المباشرة والتسبيب، كالأمر والإفتاء. وبهذا حصلت المغايرة بين هذه المسألة والمتقدّمة في باب الأمر بالمعروف، فإنّ تلك مفروضة في الحكم.

قوله: «السابعة: ما يأخذه السلطان الجائر من الغلّات باسم المقاسمة و ...».

لا فرق في جواز تناول ذلك بين رضى المالك وعدمه، ولا بين تظلّمه وعدمه ما لم يعلم الظلم بعينه. نعم يشترط أخذه لما قدّره السلطان، فلو زاد عنه حرم. وكما يجوز ابتياعه يجوز سائر المعاوضات، ولا يشترط قبض السلطان أو وكيله له، فلو أحاله به، أو وكّله في قبضه، أو أقطعه أرضاً جاز له تناول ذلك. والحكم مختصّ بالسلطان

ص: 331


1- مجمع البحرین، ج 1، ص 184، «رشا».

المخالف، فلو كان مؤمناً لم يجز تناول ذلك؛ لعدم الشبهة المسوّغة، بل يرجع الأمر إلى حاكمهم الشرعي.

[الفصل الثاني في عقد البيع]

[العقد]

قوله: «العقد، وهو اللفظ الدالّ على نقل الملك من مالك إلى آخر، بعوض معلوم».

هذا تعريف للبيع وإنْ جعله تعريفاً للعقد؛ لأنّ البيع عنده هو العقد لا أثره. ويمكن جعل الإضافة من عقد البيع نيابةً، أي عقد هو البيع. وخرج ب-«الدالّ على نقل الملك» ما دلّ على إباحة منفعة، أو تسلّط على تصرّف من العقود، كالعارية والقراض والوكالة والوصيّة. و ب-«العوض المعلوم» الهبة وإن شرط فيها مطلق العوض. ودخل في إطلاق «الملك» ما كان مملوكاً للعاقد وغيره، فدخل بيع الوكيل والوليّ. ولكن ينتقض في طرده بالإجارة، فإنّ الملك يشمل العين والمنفعة، وعقدها يدلّ على نقل ملك المنفعة بعوض معلوم، وبالهبة المشروط فيها عوض معيّن، والصلح المشتمل على ذلك إنْ لم نجعله بيعاً، وفي عكسه بإشارة الأخرس ونحوه المفيدة للبيع، فإنّها ليست لفظاً مع صحّة البيع بها إجماعاً.

قوله: «ولا يكفي التقابض من غير لفظ، وإنْ حصل من الإمارات ما يدلّ على إرادة البيع».

المشهور بين الأصحاب أنّ المعاطاة ليست بيعاً محضاً، ولكنّها تفيد فائدته في إباحة التصرّف من كلّ منهما فيما صار إليه من العوض، ويجوز الرجوع لكلّ منهما في عوضه ما دامت العين باقية، فإذا تلفت لزمه. والظاهر أنّ تلف أحدها كاف في اللزوم، وكذا بعضها. وفي معنى التلف نقلها عن الملك بوجه لازم، وامتزاجها بغيرها بحيث لا تتميّز وتغيّر صفتها، كخياطة الثوب وصبغه وقصره، ولا يقدح غيره من التصرّفات

كالاستعمال.

ص: 332

قوله: «وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد، والأشبه عدم الاشتراط».

قويٌّ. وموضع الخلاف ما إذا قدّمه بلفظ «اشتريت» و نحوه. أمّا بلفظ «قبلت» فلا يصحّ قطعاً.

[ما يتعلّق بالمتعاقدين]

قوله: «فلا يصحّ بيع الصبيّ ولا شراؤه، ولو أذن له الوليّ».

لا فرق في الصبيّ بين المميّز وغيره، ولا بين كون المال له وللوليّ ولغيرهما وإنْ أذن له المالك أو الوليّ؛ لأنّ عبارته مسلوبة بأصل الشرع لا يترتّب عليها حكم.

قوله: «وكذا لو بلغ عشراً عاقلاً، على الأظهر» قويٌّ.

قوله: «وكذا المجنون، والمغمى عليه... والمُكْرَه، ولو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المُكْرَه؛ للوثوق بعبارته».

الفرق بينهم وبين المكره أنّه لا قصد لهم إلى العقد ولا أهليّة له، بخلاف المكره، فإنّه بالغ عاقل لا مانع له إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه، وهو مجبور بلحوقه له بالإجازة، كعقد الفضولي.

ويستثنى من بيع المُكْرَه ما إذا كان الكراهة لحقّ، بأن أكرهه الحاكم على بیع ماله لوفاء دينه، أو نفقة واجب النفقة، أو بيع العبد ليرث، أو بيع الحيوان إذا امتنع من الإنفاق عليه، أو العبد إذا أسلم عند الكافر، أو اشتراه الكافر، أو اشترى المصحف - حيث نجوّزه ونجبره على بيعه - وبيع الطعام من المحتكر، وعند المخمصة.

قوله: «ولو باع المملوك أو اشترى بغير إذن سيّده لم يصحّ ... ولو أمره آمر أن يبتاع [له] نفسه من مولاه، قيل: لا يجوز، والجواز أشبه».

احترز بقوله: «من مولاه» عمّا لو اشترى نفسه من وكيله، فإنّه لا يقع بدون إذن المولى. والفرق أنّ مخاطبة المولى له بالإيجاب في معنى الإذن له في تولّي القبول، بخلاف وكيل المولى في البيع.

ص: 333

والقول بجواز شراء نفسه من مولاه قويٌّ.

قوله: «ولو باع ملك غيره، وقف على إجازة المالك [ أو وليّه] على الأظهر». قويٌّ.

وتكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك من حين العقد، فالنماء المتخلّل بينها وبينه للمشتري.

قوله: «فإن لم يجز... وقيل: لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب».

الأقوى جواز رجوعه مع بقاء العين.

قوله: «ويقسّط الثمن بأنْ يقوّما جميعاً، ثمّ يقوّم أحدهما منفرداً، ويرجع على البائع بحصّة من الثمن».

المراد أنّه يقوّم أحدهما منفرداً ثمّ ينسب إلى المجموع، ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، لا أنّه يسقط من الثمن بقدر ما يقوّم به، كما يظهر من العبارة؛ لأنّ القيمة المذكورة قد تستوعب مجموع الثمن أو تزيد عليه. وإنّما تعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كلّ واحد منفرداً كثوبين. أمّا لو استلزمه - كمصراعي بابٍ، كلّ واحد منهما لمالك - فإنّهما لا يقوّما مجتمعين، بل يقوّم كلّ واحد منهما منفرداً، وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

قوله: «ولو أراد المشتري ردّ الجميع كان له ذلك».

مع جهله بكون أحدهما ملكاً لغير البائع. أمّا مع علمه بالحال فلا خيار له.

وكذا في كلّ موضع يثبت فيه الخيار لتبعّض الصفقة.

قوله: «وكذا لو باع ما يملك وما لا يملكه المسلم».

طريق تقويم ذلك أنْ يقوّم الحرّ لو كان عبداً بالوصف الذي هو عليه. وفي الخمر والخنزير يرجع إلى قيمتهما عند مستحلّيهما، مع عدالة المقوّم، بأن يكون مطّلعاً على قيمتهما عندهم لكثرة المخالطة، أو يسلم منهم اثنان كذلك.

قوله: «والوكيل يمضي تصرّفه على الموكل... وهل يجوز أنْ يتولّى طرفي العقد؟ قيل: نعم، وقيل: لا».

ص: 334

في الجواز قوّة.

قوله: «والوصيّ لا يمضي تصرّفه إلّا بعد الوفاة. والتردّد في تولّيه طرفي العقد، كالوكيل».

الأقوى الجواز.

قوله: «وقيل يجوز أن يقوّم على نفسه وأن يقترض إذا كان مليّاً».

هذا هو الأشهر. ويشترط مع ملاءته الرهن عليه، والإشهاد، وعدم الإضرار بالطفل، وكون البيع مصلحة للطفل في صورة التقويم.

قوله: «وأن يكون المشتري مسلماً، إذا ابتاع عبداً مسلماً، وقيل: يجوز ... ويجبر على بيعه ... والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو ابتاع [الكافر] أباه المسلم هل يصحّ؟ فيه تردّد، والأشبه الجواز». قويٌّ.

[ما يتعلّق بالمبيع]

اشارة

قوله: «والأرض المفتوحة (1) عنوة. قيل: يجوز بيعها، تبعاً لآثار المتصرّف». جيّد.

قوله: «وفي بيع بيوت مكّة تردّد والمرويّ المنع».

الأشهر الجواز.

قوله: الثاني: أن يكون طلقاً، ولا يجوز بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه؛ لاختلاف بين أربابه ويكون البيع أعود، على الأظهر».

الأقوى جواز بیعه متى وقع خُلف شديد بين أربابه وإنْ لم يؤدّ إلى خرابه.

وكذا لو عطّل بحيث لم يبق فيه نفع على ذلك الوجه أصلاً، كما لو خَلِقت حصر المسجد وجذعه، بحيث لا يصلحان للانتفاع به فيه ولا في مصالحه.

وحيث يجوز البيع يشترى بثمنه ما يكون وقفاً على ذلك الوجه إنْ أمكن، بحيث لا تحصل فيه العلّة المجوّزة للبيع ابتداءً. ويجب تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف

ص: 335


1- في شرائع الإسلام: «المأخوذة» بدل «المفتوحة».

الأوّل فالأقرب. والمتولي لذلك الناظر الخاصّ إنْ كان، وإلّا فالعامّ.

قوله: «ولا بيع أُمّ الولد ما لم يمت [ولدها] أو في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، وفي اشتراط موت المالك تردّد».

الأقوى عدم اشتراط موته. والمراد بإعساره أنْ لا يكون له من المال ما يوفي ثمنها زائداً على المستثنيات في وفاء الدين.

قوله: «ولايمنع جناية العبد من بيعه ولا من عتقه، عمداً كانت الجناية أو خطأً، على تردّد».

التردّد في العمد، والأقوى الجواز، لكن يكون مراعى برضى المجنيّ عليه بفدائه بالمال وبذل المولى له، فلو قتله أو استرقّه بطل البيع. ولو كان المشتري جاهلاً بالجناية تخيّر في الفسخ والإمضاء قبل استقرار حاله. ولو كانت الجناية خطأً كان التخيير للمولى بين بذله للمجنيّ عليه وفدائه بأقلّ الأمرين من قيمته وأرش الجناية، ويكون بيعه التزاماً بالفداء على الأقوى. ثمّ إنْ فداه، و إلّا جاز للمجنيّ عليه استرقاقه فينفسخ البيع أيضاً.

قوله: «فلايصحّ بيع الآبق منفرداً، ويصحّ منضمّاً إلى ما يصحّ بيعه. ولو لم يظفر به، لم يكن له رجوع على البائع، وكان الثمن في مقابلة الضميمة».

بمعنى أنّه لا يوزّع عليها وعلى الآبق ويرجع بحصّته منه، بل ينزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم.

قوله: «ولو باع ما يتعذّر تسليمه إلّا بعد مدّة، فيه تردّد. ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويّاً». قويٌّ. ثمّ إنْ كان المشتري عالماً بالحال فلا خيار له، وإلّا فله الخيار.

قوله: «الرابع: أن يكون الثمن معلوم القدر... ولو تسلّمه المشترى فتلف، كان مضموناً عليه بقيمته يوم قبضه، وقيل: بأعلى القيم».

قويُّ، إنْ كان التفاوت بسبب نقص العين أو زيادتها، ولو كان باختلاف السوق

ص: 336

اعتبرت القيمة يوم التلف. هذا في القيمي، أمّا المثلي فيضمن بمثله مع وجوده، وإلّا فقيمته يوم الإعواز.

قوله: «وإنْ زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة وإنْ لم يكن عيناً».

مع جهله، أمّا مع علمه فليس له إلّا الزيادة العينيّة التي يمكن فصلها.

قوله: «وكذا يجوز لو كان من أصلٍ مجهولٍ، كبيع مكوكٍ من صبرة مجهولة القدر».

إنْ علم اشتمالها على المبيع، وإلّا فلا.

قوله: «وإذا تعذّر عدّما يجب عدّه، جاز أنْ يعتبر بمكيال، ويؤخذ بحسابه».

الأجود الاكتفاء في الجواز بمشقّة عدّه وإنْ لم يتعذّر.

قوله: «وإنْ اختلفا فيه، فالقول قول المبتاع مع يمينه، على تردّد».

قبول قول المشتري قويٌّ. والمعتبر من التغيير الموجب للتخيير هنا ما اختلف بسببه الثمن اختلافاً لا يتسامح بمثله غالباً، لا مطلق التغيّر.

ولو اتّفقا على تغيّره لكن اختلفا في تقدّمه على البيع وتأخّره، فإنْ شهدت القرائن بأحدهما حكم به، وإنْ احتمل الأمران فالوجهان السابقان.

قوله: «وهل يصحّ شراؤه من غير اختبار ولا وصف؟ ... فيه تردّد، والأولى الجواز».

قويٌّ، وموضع الخلاف ما لو كان المبيع مشاهداً، بحيث ترتفع الجهالة عنه من غير جهة الطعم.

قوله: «ويتساوى في ذلك الأعمى والمبصر».

نبّه بذلك على خلاف سلّار (1)، حيث ذهب إلى تخيّر الأعمى بين الردّ والأرش وإنْ تصرّف.

قوله: «ولايجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكاً؛ لجهالته وإنْ ضمّ إليه القصب أو غيره، على الأصحّ».

المراد به السمك الذي ليس بمشاهد ولا محصور، كما يظهر من إضافته إلى

ص: 337


1- المراسم، ص 180.

الآجام . والأقوى صحّة البيع مع كون المقصود بالبيع هو القصب، والسمك تابع له، والبطلان مع العكس، أو تساويهما في القصد. وكذا القول في كلّ مجهول ضُمّ إلى معلوم.

قوله: «وكذا الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ولو ضُمّ إليه غيره».

الأقوى جواز بيع ما عدا الجلد منفرداً ومنضمّاً مع مشاهدته وإنْ جهل وزنه، خصوصاً مع شرط جزّه في الحال.

[مسألتان:]

قوله: «الأُولى: المسك طاهر، يجوز بيعه في فأره وإنْ لم يفتق، وفتقه أحوط».

فأره - بالهمز - جمع فأرة فيه أيضاً، كالفأرة في غيره. وهي الجلدة المشتملة على المسك.

والمراد ب-«فتقه» إدخال خيط فيه ثمّ إخراجه وشمّه.

قوله: «الثانية: يجوز أنْ يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة، ولا يجوز وضع ما يزيد إلّا بالمراضاة، ويجوز بيعه مع الظروف من غير وضع».

الإندار - بالمهملة - الإسقاط. والمراد هنا إسقاط قدر معيّن للظروف يحتمل كونها بذلك القدر، أو يزيد يسيراً، أو ينقص كذلك. والمراد ب-«بيعه مع الظروف من غير وضع» جعل مجموع الموزون من الظرف والمظروف بسعر واحد. ولا يضرّ جهل وزن كلّ واحد منهما على حِدَته.

[آداب التجارة]

قوله: «يستحبّ أنْ يتفقّه فيما يتولّاه».

المراد بالتفقّه هنا العلم بالأحكام الشرعيّة المتعلّقة بما يزاوله من المتجر ولو بالتقليد؛ ليعرف صحيح العقد من فاسده، ويسلم من الربا، ويعمل بمقتضى أحكامه.

ص: 338

وقال عليّ علیه السلام: «من اتّجر بغير علم فقد ارتطم في الربا ثمّ ارتطم» (1).

قوله: «ويكره... وعلى من يعده بالإحسان».

بأنْ يقول له: إذا اشتريت منّي أُحسن إليك ونحوه، فيجعل إحسانه إليه بترك الربح عليه.

قوله: «والسوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس».

أي الاشتغال بالتجارة في ذلك الوقت؛ لأنّه وقت دعاء ومسألة.

قوله: «ومبايعة الأدنين».

فسّروا: بمن لايسرّه الإحسان، ولا تسوؤه الإساءة. وبمن لا يبالي بما قال ولا بما قيل فيه. وبالذي يحاسب على الشيء اليسير.

قوله: «والزيادة في السلعة وقت النداء».

أي نداء الدلّال ونحوه. بل يصبر حتّى يسكت ثمّ يزيد إنْ شاء.

قوله: «ودخول المؤمن في سوم أخيه، على الأظهر».

المراد بالدخول في سومه أنْ يطلب المتاع الذي يريد أنْ يشتريه، بأنْ يزيد في الثمن ليقدّمه، أو يبذل المشتري متاعاً غير ما اتّفق عليه هو والبائع. وإنّما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلا نهي بدونه.

قوله: «وأنْ يتوكَّل حاضرٌ لبادٍ، وقيل: يحرم، والأوّل أشبه».

المراد بالباد الغريب الجالب للبلد، فيكره أو يحرم للبلدي التوكيل له مع جهله بالسعر، قال علیه السلام: «لا يبيع حاضر لبادٍ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» (2)، والأظهر الكراهية.

ص: 339


1- الكافي، ج 5، ص 154، باب آداب التجارة، ح 23؛ الفقيه، ج 3، ص 193، ح 3728؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 5، ح 14.
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 396 - 398، ح 879؛ ومثله في الكافي، ج 5، ص 168، باب التلقّي، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 273، ح 3991؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 158، ح 697.

قوله: «الأُولى: تلقّي الركبان مكروه، وحدّه أربعة فراسخ إذا قصده ولا يكره إنْ اتّفق».

يتحقّق التلقّي بالخروج أربعة فراسخ فما دون إلى الركب القاصد إلى البلد للبيع عليهم أو الشراء منهم، فإنْ فعل ذلك انعقد البيع وإنْ أساء، ثمّ إنْ ظهر غبن تخيّر الركب بين فسخ البيع وإمضائه. والأجود كونه على الفور.

قوله: «وكذا حكم النجش، وهو أنْ يزيد لزيادة من واطأه البائع».

الأقوى تحريم النجش؛ لأنّه غشّ وخديعة. والمراد به الزيادة في السلعة ممّن لا يريد شراءها ليحضّ غيره عليه وإنْ لم يكن بمواطأة البائع.

وممّا عرفنا يظهر ما في تعريف المصنِّف من الفساد، خصوصاً جعله هو الزيادة لزيادة من واطأه البائع، فإنّ الزيادة إنّما تكون من المشتري المخدوع، وهو لا يتعلّق به نهي، وإنّما المحرّم نفس تلك الزيادة من الخارج التي أوجبت زيادة المشتري.

قوله: «الاحتكار مكروه، وقيل: حرام، والأوّل أشبه».

التحريم أقوى.

قوله: «إنّما يكون في الحنطة والشعير و... قيل: وفي الملح». حسنٌ.

قوله: «وشرط آخرون أنْ يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام».

الأقوى تقيّده بالحاجة لا بالمدّة.

قوله: «ويجبر المحتكر على البيع ولا يسعَّر عليه، وقيل: يسعّر، والأوّل أظهر».

قويٌّ، إلّا مع الإجحاف، فيؤمر بالنزول عنه إلى حدّ ينتفي الإجحاف.

[الفصل الثالث في الخيار]

[خيار المجلس]

قوله: «الأوّل: خيار المجلس... وكذا لو أُكرها على التفرّق ولم يتمكّنا من التخاير».

المراد بالتخاير: اختيار العقد والبقاء عليه، بأنْ يقولا: تخايرنا، أو اخترنا إمضاء العقد

ص: 340

ونحوه. ويتحقّق الإكراه بمنعهما من الكلام بأنْ يُسدّ فوهما، أو هدّدا على التكلّم، فإنّه حينئذٍ لا يسقط خيارهما بالتفرّق، بل لهما الفسخ عند زوال المانع.

قوله: «ولو خيّره فسكت، فخيار الساكت باقٍ، وكذا الآخر، وقيل: فيه يسقط، والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو كان العاقد واحداً عن اثنين ... كان الخيار ثابتاً ما لم يشترط سقوطه، أو يلتزم به عنهما بعد العقد، أو يفارق المجلس الذي عقد فيه، على قول». ضعيف.

[خيار الحيوان]

قوله: «الثاني: خيار الحيوان والشرط فيه كلّه ثلاثة أيّام».

أراد بالشرط هنا الخيار في الثلاثة مجازاً. وأُخذ ذلك من لفظ الحديث عن الصادق علیه السلام: «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري» (1).

قوله: «للمشتري خاصّةً دون البائع، على الأظهر».

نبّه ب-«الأظهر» على خلاف المرتضى، حيث ذهب إلى أنّ الخيار لهما (2). وفي الأخبار الصحيحة ما يدلّ عليه (3)، لكنّ المشهور خلافه.

نعم لو باع حيواناً بحيوان فالوجه ثبوته لهما، ولو كان الثمن خاصّة حيواناً ثبت للبائع خاصّة، على الأقوى.

قوله: «ويسقط باشتراط سقوطه في العقد،... وبتصرّفه فيه، سواء كان تصرّفاً لازماً كالبيع، أو لم يكن، كالهبة قبل القبض».

بل مطلق الانتفاع، كركوب الدابّة وتحمّلها، وحلب ما يحلب وإنْ قصد به

ص: 341


1- الكافي، ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 201، ح 3764؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 24، ح 101، وص 25، ح 107.
2- الانتصار، ص 433، المسألة 245.
3- كرواية محمّد بن مسلم في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 23 - 24، ح 99.

الاستخبار، على الأقوى. ولو ساق الدابّة إلى منزله، فإنْ كان قريباً لا يعدّ تصرّفاً عرفاً فلا أثر له، وإلّا منع. وبالجملة فالمعتبر التصرّف العرفي.

[خيار الشرط]

قوله: «ويجوز اشتراط المؤامرة».

هي مفاعلة من الأمر بمعنى اشتراط البائع أو المشتري أو هما استئمار من سمّياه في العقد، والرجوع إلى أمره في مدّة مضبوطة، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقّف على أمره له، فليس للشارط أنْ يفسخ حتّى يستأمره ويأمره به. والفرق بين المؤامرة وجعل الخيار للأجنبي أنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره، لاجعل الخيار له، فلو اختار المؤامر الفسخ أو الإمضاء لم يؤثّر، بخلاف من جعل له الخيار.

قوله: «واشتراط مدّة يردّ البائع فيها الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع».

هذا راجع إلى اشتراط الخيار للبائع مدّة مضبوطة، لكن مع قيد زائد وهو ردّ الثمن، أو مثله عند الإطلاق. ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا ردّ المبيع صحّ أيضاً، ويكون الفسخ مشروطاً بردّه بعينه، ولا يتعدّى إلى مثله، بخلاف الثمن.

[خيار الغبن]

قوله: «الرابع: خيارالغبن. من اشترى شيئاً ولم يكن من أهل الخبرة، وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به كان له فسخ العقد».

المرجع في ذلك إلى العرف، فما يتسامح به فيه لا يعدّ غبناً كالدرهم في المائة، وما لا يتسامح فيه غالباً، كالعشرين، فيها يثبت به الغبن.

قوله: «ولا يسقط ذلك الخيار بالتصرّف إذا لم يخرج عن الملك، أو يمنع مانع من ردّه».

مقتضى قوله: «إذا لم يخرج عن الملك» أنّه مع الخروج يسقط الخيار مطلقاً، وهو إنّما يتمّ لو كان التصرّف المخرج من ذي الخيار، فإنّه لا يمكنه ردّ العين المنتقلة عنه.

ص: 342

وأمّا الآخر فيمكنه الفسخ حينئذٍ والرجوع بالمثل أو القيمة على من نقل العين. وبهذا صرّح جماعة (1) من الأصحاب، وعليه العمل. وفروع المسألة منتشرة جداً، يرجع فيها إلى الشرح (2) .

[خيار التأخير]

قوله: «الخامس: خيار التأخير. من باع ولم يقبض الثمن، ولا سلّم المبيع، ولا اشترط تأخير الثمن، فالبيع لازم ثلاثة أيّام».

وقبض بعض كلّ واحد منهما كلا قبض مجتمعاً ومنفرداً. ولو أقبض الجميع، أو قبض الجميع فلا خيار، كما لو تقابضا معاً. ولا يسقط الخيار ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل الفسخ، على الأقوى.

قوله: «ولو تلف، كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها، على الأشبه».

الخلاف في تلفه قبل الثلاثة، والأقوى أنّه من مال البائع كغيره.

قوله: «ولو اشترى ما يفسد ليومه، فإنْ جاء بالثمن قبل الليل، وإلّا فلا بيع له».

هكذا وردت الرواية عن الصادق والكاظم علیهما السلام (3). وفسّروا قوله: «وإلّا فلا بيع له» على ثبوت الخيار للبائع بالتأخير إلى الليل. ويشكل بأنّ المفروض كون المبيع ممّا يفسد ليومه، واليوم ينتهي بدخول الليل. وحينئذٍ فلا معنى لثبوت الخيار في الليل مع فرض فساد المبيع، وكان المناسب لدفع الضرر عن البائع إثبات الخيار له عند خوف الفساد، بحيث يمكن تلافيه قبل وصول الضرر إليه ولا يتقيّد بالليل، وهذا هو الأجود.

ص: 343


1- كالشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 2، ص 377؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 295.
2- مسالك الأفهام، ج 3، ص 204 - 207.
3- الكافي، ج 5، ص 172، باب الشرط والخيار في البيع، ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 25 - 26، ح 108؛ الاستبصار، ج 3، ص 78، ح 262.

[أحكام الخيار]

قوله: «وخيار الشرط يثبت في كلّ عقد عدا النكاح والوقف، وكذا الإبراء والطلاق والعتق».

استثناء الطلاق والعتق من العقد، إمّا منقطع؛ لأنّهما من باب الإيقاع، أو محمول على إطلاق العقد على ما يعمّ الإيقاع مجازاً، وكذا القول في الإبراء، إنْ لم يشترط فيه القبول. وقد نبّه على انفصالها بفصلها عن المعطوف عليه ب- «كذا»، ومعه لا يستغنى عن التجوّز.

قوله: «التصرّف يسقط خيار الشرط».

ضابط التصرّف المسقط للخيار ما يعدّ تصرّفاً عرفاً، كلبس الثوب للانتفاع، وركوب الدابّة له، واستخدام العبد، وحلب ما يحلب، ونحو ذلك.

ويستثنى من ذلك ركوبها لدفع الجموح إذا عسر قودها وسوقها في طريق الردّ، وعلف الدابّة وسقيها فيه، وقبل التمكّن من الردّ، واستعمالها للاختبار قدراً يظهر فيه حالها، فلو زاد عنه ولو خطوة سقط الخيار.

قوله: «ولو كان الخيار لهما وتصرّف أحدهما سقط خياره ولو أذن أحدهما وتصرّف الآخر، سقط خيارهما».

ولو لم يتصرّف المأذون لم يبطل خياره. والمشهور بطلان خيار الآذن؛ لدلالته على الرضى، فيكون التزاماً (1) كما يبطل خياره لو جامعه تصرّف المأذون.

قوله: «إذا مات من له الخيار، انتقل إلى الوارث من أيّ أنواع الخيار كان».

ويراعى فيه ما يراعى في حياة المورّث من الفوريّة والمجلس والمدّة. والمعتبر في خيار المجلس هنا مفارقة الميّت ومبايعه، بانتقال الحيّ ونقل الميّت عن المجلس،

ص: 344


1- أي التزاماً من البائع بالبيع.

سواء كان الوارث حاضراً أم غائباً، على الأقوى.

قوله: «المبيع يملك بالعقد، وقيل: به، وبانقضاء الخيار. والأوّل أظهر».

ما اختاره المصنِّف هو الأقوى. وتظهر فائدة القولين في النماء المنفصل زمن الخيار، فعلى المختار هو للمشتري، وعلى الآخر للبائع إلّا أنْ يجعل انقضاء الخيار كاشفاً عن ملك المشتري من حين العقد. وفي الأخذ بالشفعة زمنه، وفي جريانه في حول الزكاة لو كان زكويّاً، وغير ذلك.

قوله: «إذا تلف المبيع قبل قبضه، فهو من مال بائعه».

المراد أنّه ينفسخ العقد بتلفه من حينه، ويرجع الثمن إلى ملك المشتري. فلو كان قد تجدّد نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري.

هذا إذا كان تلفه من الله تعالى، أمّا لو كان من أجنبي أو من البائع تخيّر المشتري بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة. ولو كان التلف من المشتري ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض، فيكون التلف منه.

قوله: «وإن كان في زمن الخيار من غير تفريط، وكان الخيار من البائع فالتلف من المشتري وإن كان الخيار للمشتري، فالتلف من البائع».

الضابط: أنّ الخيار إن كان للمشتري، أو له ولأجنبي، فالتلف من البائع، وإلّا فمن المشتري.

قوله: «خيار الشرط يثبت من حين التفرّق، وقيل: من حين العقد، وهو أشبه».

قويّ، إلّا أنْ يشترطاه بعد مدّة مضبوطة فينبغي الشرط.

قوله: «ونريد به هنا اللفظ الدالّ على القدر الذي يشترك فيه أفراد الحقيقة كالحنطة مثلاً، أو الأرز، أو الإبريسم».

نبّه بقوله: «هنا» على أنّ الجنس المصطلح عليه عند الفقهاء ليس هو الجنس المنطقي، بل اللفظ الدالّ على الحقيقة النوعيّة، وبالوصف اللفظ الدالّ على أصناف ذلك النوع، ولا مشاحّة في الاصطلاح.

ص: 345

[خيار الرؤية]

قوله: «ذكر الوصف... كالصرابة في الحنطة».

الصرابة فيها خلوّها من الخليط المعتبر كالشعير. وإنّما يعتبر وصفه إذا كان النوعان موجودين متعارفين بين المتبايعين، فلو لم يتعارف بينهما غير الصرب لم يفتقر إلى ذكره.

قوله: «أو الحدارة أو الدقّة».

الحدارة تقابل الدقّة. وإنّما يعبّر بها وبغيرها لمن علم معناها، فلو جهلاه أو أحدهما لم يكف، بل لو وقع في نفس العقد، أبطله للجهالة.

قوله: «ويجب أنْ يذكر كلّ وصف يثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه».

المراد جهالة توجب اختلاف أثمان تلك الأصناف المشتركة، بحيث لا يتسامح عادة بذلك التفاوت، لا مطلق الجهالة.

قوله: «ولو لم يكونا رأياه كان الخيار لكلّ واحد منهما».

إذا ظهر زائداً من وجه وناقصاً من آخر - كما لو وصف لهما العبد بكونه كاتباً فظهر خيّاطاً - فيتخيّران. أمّا لو ظهر زائداً خاصّة، أو ناقصاً كذلك، تخيّر البائع والمشتري خاصّة.

قوله: «ولو اشترى ضيعة، رأى بعضها ووُصِف له سائرها، ثبت له الخيار فيها أجمع».

أراد بسائرها باقيها، وهو الذي لم يكن رآه. وإطلاق لفظ «سائر» على الباقي هو الأشهر لغة. وأمّا إطلاقه على الجميع فقد منعه بعضهم (1)، وأجازه آخرون (2). وكيف كان فالمراد الأوّل.

ص: 346


1- منهم: ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 327، «سأر»؛ والزمخشري في الفائق في غريب الحديث، ج 1، ص 41.
2- منهم الزبيدي في تاج العروس، ج 6، ص 489، «سأر».

[الفصل الرابع في أحكام العقود]

[النقد والنسيئة]

قوله: «الأوّل في النقد والنسيئة. من ابتاع [متاعاً] مطلقاً، أو اشترط التعجيل كان الثمن حالّاً».

اشتراط التعجيل مطلقاً يفيد تأكيده؛ لحصوله بدونه. نعم لو عيّن زمانه وأخلّ به المشتري ولم يمكن إجباره عليه، أفاد تسلّط البائع على الفسخ. وفاقاً للدروس (1).

ويحتمل قويّاً جوازه مع الإطلاق كغيره من الشروط.

قوله: «ولو باع بثمن حالّاً أو بأزيد منه إلى أجل، قيل: يبطل، والمرويّ أنّه يكون للبائع أقلّ الثمنين في أبعد الأجَلَين».

المراد بالأجلين الأجل وعدمه، وسمّي الحالّ مؤجّلاً باعتبار ضمّه إلى الأجل في التثنية، وهو قاعدة مطّردة، كالأبوين للأب والأُمّ، والقمرين والعمرين. والمراد بأبعدهما الأجل. وفيه تجوّز آخر من حيث ثبوت أفعل التفضيل مع عدم الاشتراك في المصدر؛ لأنّ الحالّ لا بُعد فيه.

قوله: «وإنْ ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة، فيه روايتان، أشبههما الجواز». قويٌّ.

قوله: «فإن حلّ فمكّنه منه وجب على البائع أخذه. فإنْ امتنع... كان من مال البايع، على الأظهر».

قويٌّ مع تعذّر وصوله إلى الحاكم، وإلّا رفع أمره إليه.

قوله: «ويجوز شراء (2) المتاع حالّاً ومؤجّلاً بزيادة عن ثمنه إذا كان المشتري عارفاً بقيمته».

ص: 347


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 182(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- في شرائع الإسلام: «بيع» بدل «شراء».

مقتضى الشرط أنّه لو لم يكن عارفاً بالقيمة لا يجوز البيع. وليس بجيّد، بل يجوز له مطلقاً، وإنْ ثبت له خيار الغبن. ويمكن أنْ يريد بالجواز اللزوم مجازاً، إذ مع الجهل لا يلزمه حيث يثبت الغبن.

قوله: «ويجوز تعجيلها بنقصان منها».

بإبراء أو صلح، لا مطلقاً.

قوله: «من ابتاع شيئاً بثمن مؤجّل وأراد بيعه مرابحةً، فليذكر الأجل».

وكذا لو أراد بيعه تولية أو مواضعة. وخصّ المرابحة؛ تبعاً للنصّ (1).

قوله: «فإنْ باع ولم يذكره... والمرويّ أنّه يكون للمشتري من الأجل مثل ماكان للبائع».

لا عمل على الرواية (2).

[ما يدخل في المبيع]

قوله: «والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغةً أو عرفاً فمن باع بستاناً دخل الشجر والأبنية فيه».

المراد بالأبنية نحو الحائط. أمّا البيوت فلا تدخل إلّا مع القرينة بالنسبة إلى الثمن أو العادة.

قوله: «وفي دخول المفاتيح تردّد، ودخولها أشبه».

الأقوى دخولها إلّا أنْ يشهد العرف بغيره، كمفاتيح الأقفال ونحوها، كما لا يدخل القفل نفسه. ومثلها في الإشكال ألواح الدكاكين المجعولة أبواباً منقولة للارتفاق بسعة

ص: 348


1- كرواية بيّاع الزطي في الكافي، ج 5، ص 198 - 199، باب بيع المرابحة، ح7؛ والفقيه، ج 3، ص 213، ح 3797؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 56، ح 245.
2- هي رواية هشام بن الحكم في الكافي، ج 5، ص 208، باب بيع النسيئة، ح 3؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 47، ح 203.

الباب. والأقوى دخولها أيضاً.

قوله: «ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في البيع. فإنْ قال: «بحقوقها»، قيل: يدخل، ولا أرى هذا شيئاً».

الأقوى عدم الدخول مطلقاً إلّا مع دلالة اللفظ والقرائن عليه، كقوله: «وما اشتملت عليه»، و «ما أغلق عليه بابها»، أو مساومته على الشجر أيضاً، واتّفاقهما على بيعه، ونحو ذلك.

قوله: «ولو باع نخلاً قد أبّر ثمرها فهو للبائع».

التأبير تشقيق طلع الإناث وذرّ طلع الذكور فيه، والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقّق بنفسه وينبثّ ريح الذكور إليه. وقد لا يؤبّر شيء ويتشقّق الكلّ ويتأبّر بالرياح. والحكم المذكور معلّق على التأبير بالنصّ والإجماع.

قوله: «ويجب على المشتري تبقيته نظراً إلى العرف».

المراد ب-«تبقيته» بما دلّ العرف عليه بحسب تلك الشجرة في ذلك المحلّ فإنْ كانت عادته أنْ يؤخذ بسراً يبقى إلى أنْ تتناهى حلاوته، وما يؤخذ رطباً إذا تناهى ترطّبه، و ما يؤخذ تمراً إذا انتهى نشافه (1)ونحو ذلك. والعبارة بعيدة عن الدلالة على ذلك لكنّه المراد.

قوله: «وإنْ باع النخل ولم يكن مؤبَّراً، فهو للمشتري على ما أفتى به الأصحاب».

إنّما نسب القول إلى فتوى الأصحاب؛ لقصور المستند النقلي عن إفادة الحكم المذكور، فإنّه إنّما دلّ على أنّ النخل المؤبّر ثمرته للبائع، لا على أنّ ما لم يؤبّر ثمرته للمشتري، إلّا من حيث المفهوم الضعيف، إلّا أنّه لا يعلم في الحكم مخالف، بل ادّعي عليه جماعة الإجماع صريحاً (2).

ص: 349


1- النشاف: اليبس، وذهاب الماء الذي كان في الرُطَب. راجع لسان العرب، ج 9، ص 329؛ والمعجم الوسيط، ص 923، «نشف».
2- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 227، المسألة 197، حيث بعد قبول ضعف دلالة أخبار المسألة قال: «الإجماع يعضدها».

قوله: «فلو باع شجراً فالثمرة للبائع».

المراد بظهورها وجودها عند العقد، سواء كانت بارزة، أم مستترة في كمام. وكذا القول فيما يكون المقصود منه الورق أو الورد، ولو اتّفق وجوده على التعاقب فالموجود منه حال البيع للبائع، والباقي للمشتري.

[فروع:]

قوله: «الثاني: تبقية الثمرة على الأُصول... فما كان يخترف بسراً يقتصر على بلوغه».

الاختراف اجتناء الثمرة، ومنه سمّي فصل الخريف؛ لأنّ الثمرة تخترف فيه.

قوله: «الرابع: الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن تدخل في بيع الأرض؛ لأنّها من أجزائها، وفيه تردّد».

الأقوى دخول الحجارة دون المعادن. والفرق أنّ الحجارة من أجزاء الأرض بخلاف المعادن. ولو اشتملت الحجارة على منفعة زائدة على وضعها، كما لو ظهرت مصنعاً أو معصرة ونحوهما، فإنْ علم بها البائع وإلّا تخيّر.

واحترز ب-«المخلوقة» عن الموضوعة فيها أو المدفونة فإنّها لاتدخل، بل هي كالمتاع فيها يجب على البائع تعريفها من قبل التسليم، وتسوية الحفر، ولا يجب على المشتري قبول تملّكها.

[التسليم]

قوله: «إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن، فإنْ امتنعا أُجبرا، وإنْ امتنع أحدهما أُجبر الممتنع».

احترز ب- «الإطلاق» عمّا لو شرط تأجيل أحدهما، أو تسليمه قبل الآخر، فإنّه حينئذٍ يختصّ وجوب التسليم بالحالّ وما شرط تقديمه.

قوله: «وقيل: يجبر البائع أوّلاً. والأوّل أشبه». قويٌّ.

ص: 350

قوله: «والقبض هو التخلية... والأوّل أشبه».

بل الثاني أقوى.

قوله: «وإذا تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري... وفي الأرش تردّد».

الأقوى أنّ له الأرش إنْ لم يفسخ. وموضع الخلاف ما لو كان التعيّب من قِبل الله تعالى، أمّا لوكان من أجنبي، أو من البائع، تخيّر المشتري بين الرجوع على المتلِف بالأرش وبين فسخ العقد، فإنْ فسخ رجع البائع على الأجنبي بالأرش.

قوله: «الثانية: إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع... وعندي أنّ للمشتري الخيار إنْ شاء فسخ، وإنْ شاء كان شريكاً للبائع».

هذا هو الأقوى، ولا فرق بين أنْ يختلط بمثله وأجود وأدون، باختيار البائع وبغير اختیاره.

قوله: «الثالثة: لو باع جملةً فتلف بعضها، فإنْ كان للتالف قسط من الثمن، كان للمشتري الردّ أو أخذه بجملة الثمن».

ضابط الأوّل ما يمكن إفراده بالبيع كأحد العبدين والقفيزين، والثاني ما لا يمكن إفراده به، كيد العبد. والفرق بينهما الموجب لاختلاف الحكم أنّ الأوّل لا يبقى مع فواته أصل المبيع بل بعضه، والأرش جزء من الثمن، والثمن موزّع على أجزاء المبيع. والثاني يبقى معه أصل المبيع. والجزء التالف بمنزلة الوصف، فإذا فات لم يكن له قسط من الثمن، فلا أرش له؛ لأنّ الأرش هو مقدار حصّته من الثمن. هذا وجه ما اختاره

المصنّف.

والأقوى ثبوت الأرش فيه كالأوّل. نعم لو كان التالف وصفاً محضاً. كما لو كان العبد كاتباً فنسيها قبل القبض، فللمشتري الردّ خاصّة، أو الإمساك بجميع الثمن.

قوله: «لو باع شيئاً فغصب من يد البائع... ولا يُلزم البائع أُجرة المدّة، على الأظهر». قوىٌّ.

قوله: «أمّا لو منعه البائع عن التسليم، ثمّ سلّم بعد المدّة، كان له الأُجرة».

ص: 351

ينبغي تقييده بما إذا كان الحبس بغير حقّ، فلو حبسه ليقبض الثمن، أو ليتقابضا معاً ونحو ذلك، فلا أُجرة عليه. وحيث يكون الحبس سائغاً: فالنفقة على المشتري، فإنْ امتنع منها رفع البائع أمره إلى الحاكم، فإنْ تعذّر أنفق بنيّة الرجوع ورجع عليه بها، كمافي نظائره.

[بيع مالا يُقبض]

قوله: «الأُولى: من ابتاع متاعاً ولم يقبضه ثمّ أراد بيعه، كره ذلك إن كان ممّا يكال أو يوزن، وقيل: إنْ كان طعاماً لم يجز، والأوّل أشبه».

بل الثاني أقوى. وفي حكم الطعام مطلق المكيل والموزون؛ لوروده في بعض الأخبار الصحيحة (1). وهل يبطل البيع على تقديره أو يأثم خاصّة؟ قولان، أظهرهما الثاني.

قوله: «الثانية: لو كان له على غيره طعام من سَلَم، وعليه مثل ذلك، فأمر غريمه أنْ يكتال لنفسه من الآخر، فعلى ما قلناه يكره، وعلى ما قالوه يحرم».

قد عرفت أنّ التحريم أو الكراهة مشروط بشرطين: انتقاله بالبيع، ونقله به.

وما ذكر في هذا الفرض وإنْ كان بيعاً حيث إنّ السلم فرد من أفراده إلّا أنّ الواقع من المسلم إمّا حوالة لغريمه في القبض، أو وكالة له فيه، وكلاهما ليس ببيع، إلّا أنّ الشيخ (رحمه الله) ذكر هذا الحكم وقطع بعدم صحّته (2)، وتبعه عليه جماعة (3).

ويظهر من المصنِّف اختياره تحريماً أو كراهة ، وفيه نظربيّن. وقد تكلّف لذلك بأُمور لا تفيد المطلوب والأقوى عدم التحريم هنا لو قيل به ثمّة. أمّا الكراهة فيمكن الحكم بها خروجاً من خلافهم.

ص: 352


1- كرواية منصور بن حازم في الفقيه، ج 3، ص 206، ح 3775؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 35، ح 147؛ و رواية الحلبي في الكافي، ج 5، ص 178، باب شراء الطعام وبيعه، ح 2.
2- المبسوط، ج 2، ص 119.
3- منهم: ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 385؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 252؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 382.

قوله: «وكذا لو دفع إليه مالاً وقال: اشتر به طعاماً ... وفيه تردّد».

الأقوى جواز تولّي طرفي القبض كالعقد.

قوله: «الخامسة: إذا أسلفه في طعام بالعراق، ثمّ طالبه بالمدينة، لم يجب عليه دفعه. ولو طالبه بقيمته، قيل: لم يجز».

الأقوى الجواز؛ لأنّ ذلك ليس بيعاً، بل استيفاء للحقّ، ومثل ذلك لا يسمّى بيعاً.

قوله: «ولو كان قرضاً جاز أخذ العوض».

لاشبهة في جواز أخذ عوض القرض إذا تراضيا عليه؛ لانتفاء المانع منه، وهو بيع الطعام المنتقل بالبيع قبل قبضه. وإنّما الكلام في وجوب دفع العوض في غیر بلد القرض؛ لأنّ إطلاقه منزّل على قبضه في بلده، فليس للمقرِض المطالبة به في غيره، كما أنّه لو بذله له المقترض لم يجب عليه قبضه أيضاً، لما في نقله إلى ما عيّنه الشارع موضعاً للقبض من المؤونة. وإذا لم يجب عليه دفع عين الحقّ فكذا قيمته؛ لعدم وقوع المعاوضة عليها. والمشهور عدم الوجوب.

قوله: «فإن كان غصباً لم يجب دفع المثل، وجاز دفع القيمة بسعر العراق. والأشبه جواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان». قويٌّ.

قوله: «السادسة: لو اشترى عيناً بعين، وقبض أحدهما ثمّ باع ما قبضه، وتلفت العين الأُخرى في يد بائعها، بطل البيع الأوّل».

إنّما لم يفسخ البيع الثاني؛ لأنّ العين المبيعة كانت ملكاً خالصاً للبائع، وإنّما طرأ البطلان على العقد بعد انتقال العين فلايؤثّر فيما سبق من التصرّفات، بل يلزم البائع الثاني بدفع المثل إنْ كانت العين مثليّة والقيمة إنْ كانت قيميّة وهل المعتبر فيه يوم البيع، أو يوم تلف العين الأُخرى؟ الأجود الثاني.

اختلاف المتبايعين

قوله: «الأُولى: إذا اختلفا في قدر الثمن، فالقول قول البائع مع يمينه إنْ كان المبيع باقياً،

ص: 353

وقول المشتري [مع يمينه] إنْ كان تالفاً».

هذا هو المشهور، ومستنده رواية (1) مرسلة. ولو قيل بتقديم قول المشتري مطلقاً كان حسناً.

قوله: «الثالثة: إذا اختلفا في المبيع، فقال البائع: بعتك ثوباً، فقال: بل ثوبين، فالقول قول البائع أيضاً».

هذا النزاع نظير النزاع في قدر الثمن، ووجه تقديم قول البائع فيه أنّه منكر لبيع الزائد، مع اتّفاقهما على أمر مشترك، وهو بيع الثوب الواحد، وبهذا رجّحنا تقديم قول المشتري في السابق. وإنّما فرّق المصنِّف بينهما في الحكم؛ نظراً إلى النصّ الموجب للعدول عن القواعد في الأوّل دون الثاني، معتضداً بالشهرة.

ولا يخفى أنّ ذلك حيث لا يكون المتنازع فيه معيّناً، ك-«هذا الثوب» فيقول المشتري: بل هذان لغير المذكور، فإنّه حينئذٍ يتعيّن القول بالتحالف كما سيأتي، ولو كان الأوّل أحدهما فالقول قول البائع كالأوّل.

قوله: «الثالثة: إذا اختلفا في المبيع، فقال البائع... ولو قال: بعتك هذا الثوب، فقال: بل هذا الثوب، فهاهنا دعويان، فيتحالفان وتبطل دعواهما».

ضابط التحالف في هذه المسألة ونظائرها ادّعاء كلّ منهما على صاحبه ما ينفيه الآخر، بحيث لا يتّفقان على أمر ويختلفان فيما زاد عليه، كما هنا. ومثله ما لو اختلفا في الثمن المعيّن، أو فيهما معاً، أو ادّعى أحدهما البيع والآخر الصلح. أمّا لو اتّفقا على أمرٍ واختلفا في وصف زائد أو قدر، بحيث كانت الدعوى من طرف واحد، حلف المنكر.

قوله: «الرابعة: إذا قال: بعتك بعبد، فقال: بل بحرّ... أو قال: فسخت قبل التفرّق، وأنكره

ص: 354


1- هي رواية مرسلة رواها الكليني في الكافي، ج 5، ص 174، باب إذا اختلف البائع والمشتري، ح 1؛ والصدوق في الفقيه، ج 3، ص 269، ح 3978؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 26، ح 109، وص 229 - 230، ح 1001.

الآخر، فالقول قول من يدّعي صحة العقد مع يمينه، وعلى الآخر البيّنة».

نبّه بقوله: «فالقول قول مدّعي الصحّة» على علّة الحكم، وهو أصالة صحّة العقود الواقعة من أهلها، وهو يتمّ في المسألة الأُولى. أمّا الثانية فمدّعي الفسخ لا ينكر صحّة العقد، بل يعترف به ويدّعي أمراً آخر، لكن لمّا كان الأصل عدم طروّ المبطل الموجب لاستمرار الصحّة أطلق عليه الصحّة مجازاً وأراد به بقاءها.

[في الشروط]

قوله: «ولا يجوز شرط ما لا يدخل تحت مقدوره، كبيع الزرع على أنْ يجعله سنبلاً».

لا فرق في البطلان بين أن يشترط عليه أن يجعله هو أو الله تعالى؛ لاشتراكهما في عدم المقدوريّة. وربما قيل: إنّ مرادهم هو الثاني خاصّة (1)؛ بناء على أنّه الفرض الممكن للعقلاء وإنْ اشتركا في البطلان.

قوله: «ويجوز ابتياع المملوك بشرط أنْ يعتقه، أو يدبّره، أو يكاتبه».

إطلاق الحكم يشمل ما لو شرط عتقه عن المشتري وأطلقه، وشرط عن البائع، وعن كفّارة، وتبرّعاً، وبعوض. والحكم في الأوّلين إجماعي. وأمّا الثالث فقد قيل بجوازه أيضاً (2)، ولا بأس به. وأمّا عتقه عن الكفّارة، فإنْ كانت عن المشتري صحّ، وفائدة الشرط تخصيص العبد بالإعتاق. والأقوى أنّه يجتمع في هذا الشرط حقّ البائع والمشتري والعبد وحقّ الله تعالى، وتظهر الفائدة في مطالبة مَنْ له الحقّ به.

قوله: «ولو شرط أنْ لا خسارة، أو شرط أنْ لا يعتقها، أو أنْ لا يطأها، قيل: يصحّ البيع ويبطل الشرط».

أي شرط أنْ لا خسارة على المشتري لو باعه فخسر، بل يكون على البائع.

ص: 355


1- نسبه المحقّق الكركي إلى الشهيد في جامع المقاصد، ج 4، ص 416.
2- القائل هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 273، ذيل المسألة 124.

فإنّ هذا الشرط باطل؛ لمنافاته مقتضى العقد، وكذا القول في الباقي. والأقوى بطلان البيع والشرط في الجميع.

قوله: «ولو شرط في البيع أن يضمن إنسان بعض الثمن أو كلّه صحّ البيع والشرط».

ومثله اشتراط ضمين للبائع على بعض المبيع أو كلّه لو كان غير حاضر. ويشترط تعيّن الضامن بالمشاهدة أو الوصف، كرجل موسر ثقة ونحو ذلك، أو يميّزه بنسبه، فلو أطلق بطل على الأقوى.

قوله: «إذا شرط العتق في بيع المملوك فإنْ أعتقه فقد لزم البيع، وإنْ امتنع كان للبائع خيار الفسخ».

ظاهره ثبوت الخيار بمجرّد امتناع المشروط عليه وإن قدر المشروط له على إجباره، وهو أحد القولين في المسألة والأقوى وجوب الوفاء بالشرط، وعدم تسلّط المشروط له إلّا مع تعذّر تحصيله، فعلى هذا لو امتنع من الوفاء ولم يمكن إجباره رفع أمره إلى الحاكم؛ ليجبره إنْ كان مذهبه ذلك، فإنْ تعذّر فسخ.

قوله: «وإنْ مات العبد قبل عتقه كان للبائع الخيار أيضاً».

لا إشكال في ثبوت الخيار مع موته، فإنْ اختار الفسخ رجع بجميع القيمة، وردّ الثمن إنْ كان قبضه. وإنّما الكلام فيما لو اختار الإمضاء، فهل يرجع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من القيمة أم لا؟ قولان، أشهرهما الأوّل؛ لاقتضاء الشرط نقصاناً ولم يحصل.

وطريق معرفة ما يقتضيه الشرط أنْ يقوّم العبد بدونه، ومعه، وينظر إلى التفاوت بين القيمتين، وينسب إلى القيمة التي هي شرط العتق، ويؤخذ من المشتري - مضافاً إلى الثمن - بمقدار تلك النسبة من الثمن - فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة، ومعه ثمانين، فالتفاوت بعشرين نسبتها إلى الثمانين الربع، فيؤخذ من المشتري بمقدار ربع الثمن مضافاً إليه. وإنْ اختار الفسخ والرجوع بالقيمة ففي اعتبار وقتها أوجه، أجودها يوم التلف.

قوله: «وبيع ما يكفي معه المشاهدة جائز، كأن يقول: بعتك هذه الأرض، أو هذه

ص: 356

الساحة، أو جزءاً منها مشاعاً».

نبّه بالمثال على أنّ الأرض يكفي فيها المشاهدة وإنْ لم تمسح، وهو أشهر القولين. ونقل بعض تلامذة المصنِّف عنه أنّ «الساحة» في العبارة بالجيم، وأنّها لا تجوز بالمهملة (1).

[لواحق من أحكام العقود]

قوله: «ولو قال: بعتك عشرة أذرع منها وعيّن الموضع جاز، ولو أبهمه لم يجز».

يمكن أنْ يريد بتعيين الموضع تعيين المبدأ والمنتهى، والجواز حينئذٍ موضع وفاق. ويمكن أنْ يريد به تعيين المبدأ خاصّة. وفي صحّته خلاف، أجودهما ذلك مع تساوي الأرض تقريباً، وكذا القول في الثوب.

قوله: «ولو باعه [أرضاً] على أنّها جربان معيّنة فكانت أقلّ فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع وأخذها بحصّتها من الثمن، قيل: بل بكلّ الثمن، والأوّل أشبه».

وجه الأوّل أنّ المبيع مقدّر بقدر معيّن ولم يحصل، فيقسّط الثمن عليه وعلى الفائت إنْ اختار المشتري الإمضاء، وله الفسخ لفوات بعض المبيع.

ويشكل التقسيط بأنّ الفائت لا يعلم قسطه من الثمن؛ لأنّ المبيع مختلف الأجزاء، فلا تصحّ قسمته على عدد الجربان، ولأنّ المبيع هو الفرد المشخّص وإنّما الخلف في وصفه بالمقدار الذي لم يحصل. ومنه تظهر قوّة الثاني.

قوله: «ولو نقص ما يتساوى أجزاؤه، ثبت الخيار للمشتري بين الردّ، وأخذه بحصّته من الثمن.

وجهه قد علم ممّا سبق في مختلف الأجزاء. ويزيد هنا أنّ التقسيط ممكن بسبب تساوي الأجزاء. ويشكل بما مرّ من أنّ مجموع المثمن المقابل لمجموع الثمن هو ذلك الموجود. وحينئذٍ فتساويهما في التخيير بين الفسخ والإمضاء بالجميع أوجه.

ص: 357


1- ذكره الشهيد في مسالك الأفهام، ج 3، ص 277 أيضاً. ولم نعثر على قائله.

قوله: «وكذا يجوز بيع السمن بظروفه. ولو قال: بعتك هذا السمن بظروفه كلّ رطل بدرهم كان جائزاً».

لا بدّ في المسألتين من معرفة وزن الظرف والمظروف جملة، وإنّما يمتازان بأنْ يقسّط الثمن عليهما في الأُولى على ثمن مثلهما، وفي الثانية عليهما باعتبار الوزن. وتظهر الفائدة لو كان كلّ واحد منهما لواحد، أو ظهر أحدهما مستحقّاً، وأُريد معرفة ما يخصّ كلّ واحد منهما.

فعلى الأوّل يقسّط الثمن على ثمن مثلهما. بأنْ يقال: قيمة الظرف مثلاً درهم، وقيمة السمن تسعة، فيخصّ الظرف عشر الثمن كائناً ما كان.

وعلى الثاني يوزن الظرف منفرداً وينسب إلى الجملة، ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة.

[الفصل الخامس في أحكام العيوب]

اشارة

قوله: «من اشترى شيئاً مطلقاً، أو شرط الصحّة، اقتضى سلامة المبيع من العيوب».

اشتراط الصحّة يفيد مجرّد التأكيد؛ لأنّ الإطلاق يقتضي السلامة؛ لأنّها الأصل في الأعيان، فإذا ظهر عيب تخيّر كما يأتي. وربما قيل: «إنّ فائدة الشرط جواز الفسخ وإنْ تصرّف لو ظهر عيب، فيفيد فائدة زائدة على الإطلاق، كاشتراط الحلول» (1).

قوله: «ويسقط الردّ بالتبرّي... وباسقاطه بعد العقد وكذا الأرش».

عطف على قوله: «ويسقط الردّ» الشامل للمواضع الثلاثة. والحكم في الأوّل مطلق وأمّا الأخير فإنّما ينتفيان مع الإطلاق أو التصريح بالتعميم، أمّا لو خصّ أحدهما اختصّ بالحكم.

ص: 358


1- ذكره الشهيد أيضاً في مسالك الأفهام، ج 3، ص 282، ولم نعثر على قائله؛ وقال العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 623: لم أجد هذا القول لأحد من العامّة والخاصّة.

قوله: «ويسقط [الردّ] بإحداثه [فيه] حدثاً، كالعتق وقطع الثوب».

نبّه بالمثالين على أنّه لا فرق في الحدث بين الناقل عن الملك وغيره. ومنه ركوب الدابّة ولو في طريق الردّ، وحلبها، ونقلها إلى بلده البعيد، دون سقيها وعلفها. ونبّه بقوله: «سواء كان قبل العلم أو بعده» على خلاف ابن حمزة (1)، حيث جعل التصرّف بعد العلم مانعاً من الأرش كما منع الردّ وهو ضعيف.

قوله: «وبحدوث عيب بعد القبض، ويثبت الأرش».

لا فرق في العيب الحادث بين كونه من جهة المشتري وغيره. ويستثنى منه ما لو كان المبيع حيواناً وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة المشتري، فإنّه لا يمنع من الردّ ولا الأرش؛ لأنّه مضمون على البائع.

قوله: «وإذا أراد بيع المعيب فالأولى إعلام المشتري بالعيب، أو التبرّي من العيوب مفصّلة».

الأصل في «الأُولى» أنْ يكون على وجه الرجحان غير المانع من التبعّض. وهو يتمّ هنا في العيب الظاهر، وهو الذي يمكن للمشتري أنْ يطّلع عليه من غیر إعلام البائع. أمّا الخفيّ كشوب اللبن بالماء، فالأقوى وجوب الإعلام به.

قوله: «ولو أجمل جاز».

المراد ب-«الإجمال» ذكرها مطلقة ك-«برئت من عيبه»، أو عامّة كجميع العيوب.

وقيل: لا يبرأ بالإجمال (2)، وهو ضعيف.

قوله: «وإذا وطئ الأمة ثمّ علم بعيبها لم يكن له ردّها. فإنْ كان العيب حبلاً جاز، ... ويردّ معها نصف عشر قيمتها؛ لمكان الوطء».

الأولى أنْ يراد هنا بالحامل من غير مولاها؛ ليكون تخيير المشتري المدلول عليه بجواز الردّ دون تعيّنه. وتقييده بكون الوطء قبل العلم به؛ إذ لو كان من المولى تبيّن

ص: 359


1- المراسم، ص 257.
2- القائل هو ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 198، المسألة 157.

فساد البيع، سواء وطئها قبل العلم به أو بعده.

ومنهم من فرض الحمل من المولى (1)؛ لئلّا تخرج المسألة عن القواعد الشرعيّة المعروفة من كون التصرّف في المبيع زمن ملكه لا يوجب عوضاً، وكون التصرّف مسقطاً للخيار.

والأجود الأوّل، وإلّا لم يختصّ التصرّف بالوطء. وإطلاق نصف العشر في عوض الوطء مبنيّ على الغالب من كون الحمل مستلزماً للثيوبة، فلو فرض على بُعد كونها حاملاً بكراً لزم العشر.

[أقسام العيوب]

قوله: «والضابط أنّ كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب».

المراد ب-«أصل الخلقة» الموجود في خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك بالنظر إلى الذات والصفات. ولا يعتبر كون الزائد والناقص موجباً لنقص الماليّة. فيثبت مع الخصاء وإنْ زادت به القيمة، وكذا عدم الشعر على ركب الجارية.

قوله: «كحمّى يوم».

المعروف من «حمّى يوم» أنّها التي تأتي في يوم من الأيّام وتذهب فيه ثمّ لا تعود عادة، فلو عادت كلّ يوم لم تسمّ حمّى يوم بل حمّى الورد، أو يوماً بعد يوم فحمّى الغبّ، أو بعد يومين فالربع، وهكذا إلى آخر الأُسبوع. وحينئذٍ فثبوت العیب بحمّی يتحقّق بأنْ يشتريه فيجده محموماً، أو يحمّ قبل القبض، فإنّه يجوز له الفسخ وإنْ ذهبت عنه الحمّى في ذلك اليوم.

قوله: «وكلّ ما يشترطه المشتري على البائع ممّا يسوغ فأخلّ به ثبت به الخيار وإن لم يكن فواته عيباً، كاشتراط الجعودة في الشعر والتأشير في الأسنان والزجج في الحواجب».

ص: 360


1- هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 207، المسألة 177.

تأشير الأسنان تحديد أطرافها (1) . وزجج الحواجب دقّتها وامتدادها (2). واشتراط ذلك يقتضي كونه خلقيّاً لا متكلّفاً.

قوله: «الأُولى: التصرية تدليس».

«التصرية» مصدر قولك: صرَّيت، إذا جمعت، من الصري وهو الجمع. تقول صَرَى الماء في الحوض إذا اجتمع فيه، وصرّيت الشاة إذا لم تحلُبها في وقت العادة فيجتمع اللبن في ضرعها. وهو المراد هنا، فإنّه تدليس على الجاهل بحالها.

و«التدليس» تفعيل من الدلس - بالتحريك - وهو الظلمة، كأنّ المدلّس بمخادعته آتٍ في ظلمة.

قوله: «ويردّ معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذّر، وقيل: بل يردّ ثلاثة أمداد من طعام».

الأقوى الأوّل. والمعتبر في القيمة يوم الدفع حيث يتعذّر المثل. والمراد باللبن الموجود حال البيع، أمّا المتجدّد بعد العقد فهو للمشتري على الأقوى.

قوله: «وتختبر بثلاثة أيّام».

هذا إذا لم يعلم كونها مصرّاة بالبيِّنة أو إقرار البائع، وإلّا جاز الفسخ قبل الثلاثة مع تحقّق النقصان، وحيث تثبت التصرية بالاختبار فالخيار على رأس الثلاثة، أو بالبيّنة أو الإقرار فيمتدّ بامتداد الثلاثة، بشرط عدم التصرّف بغير الاختبار.

قوله: «وتثبت التصرية في الشاة قطعاً وفي الناقة والبقرة تردّد».

الأقوى ثبوتها فيهما.

[تصرية الشاة]

قوله: «ولوصرّى أمةً لم يثبت الخيار، مع إطلاق العقد. وكذا لو صرّى البائع أتاناً».

هي - بفتح الهمزة - الحمارة، ولا يقال فيها أتانة.

ص: 361


1- الصحاح، ج 2، ص 579، «أشر».
2- الصحاح، ج 1، ص 319، «زجج».

قوله: «ولوزالت تصرية الشاة وصار ذلك عادةً قبل انقضاء ثلاثة أيّام سقط الخيار».

هذا إذا كان ثبوت التصرية بغير الاختبار، أمّا به فقد تقدّم أنّها لا تعلم إلّا بمضيّ الثلاثة، فلا يتوجّه إطلاق سقوطه قبل انقضائها.

[القول في لواحق هذا الفصل]

قوله: «الثالثة: الإباق الحادث عند المشتري لا يردّ به العبد. أمّا لو أبق عند البائع كان للمشتري ردّه».

ظاهره الاكتفاء في عيب الإباق بوقوعه مرّة عند البائع، وبه صرّح في التذكرة (1). وشرط بعض الأصحاب اعتياده (2)، وهو أقوى. ويتحقّق بمرّتين عند البائع، أو بالثلاثة، أو بالتفريق.

قوله: «الخامسة: من اشترى زيتاً أو بزراً فوجد فيه ثفلاً...».

«البزر» - بفتح الباء وكسرها - زيت الكتان. وأصله محذوف المضاف أي دهن البزر. والثفل - بالمثلّثة مضمومة - ما استقرّ تحت الشيء من كدره.

قوله: «السادسة: تحمير الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس يثبت به الخيار دون الأرش. وقيل: لا يثبت به الخيار، والأوّل أشبه».

ثبوت الخيار قويٌّ.

قوله: «الثانية: ... إذا لم يكن للمشتري بيّنة ولا شاهد حال يشهد له».

المراد ب-«شاهد الحال» نحو زيادة أصبع، واندمال الجرح مع قصر زمان البيع عن ذلك عادة. ويعتبر كونه مفيداً للقطع، فيقدّم قول المشتري بغير يمين. ولو شهد الحال للبائع كذلك، فلا يمين عليه أيضاً.

ص: 362


1- تذكرة الفقهاء ، ج 11، ص 191، المسألة 353.
2- لم نعثر عليه، وقال العاملي في مفتاح الكرمة، ج 14، ص 367: لم أجد هذا القائل، ولعلّه فهمه من قوله في المبسوط: وجده آبقاً وسارقاً... .

وحيث يفتقر البائع إلى الثمن يحلف على القطع بعدم العيب، لا على عدم العلم إنْ كان اختبر المبيع قبل البيع. وإلّا فعلى نفي العلم.

قوله: «فإن اختلف أهل الخبرة في التقويم عمل على الأوسط».

المراد بالأوسط قيمة منتزعة من القيم المختلفة، نسبتها إلى المجموع كنسبة الواحد إلى عدده. فمن القيمتين نصف مجموعهما، ومن الثلاث ثلاثة، وهكذا. وطريقه أنْ تنسب صحيحة كلّ مقوّم إلى معيبها، وتأخذ النسبة بينهما، وتجمع الجميع، وتأخذ منه النصف أو الثلث مثلاً كما ذكر، فلو قالت إحدي البيّنتين: إنّ قيمته اثنا عشر صحيحاً وعشرة معيباً، والأُخرى: ثمانية صحيحاً وخمسة معيباً، فالتفاوت بين الأوّلين سدس وبين الأخيرتين ثلاثة أثمان.

فلو فرض كون الثمن اثني عشر أخذ منه سدسه اثنان، وثلاثة أثمان، أو ربعه ونصف، وأخذ نصف المجموع ثلاثة وربع، وهكذا.

قوله: «الخامسة : إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري ردّه، وفي الأرش تردّد». الأقوى ثبوته.

قوله: «ولو قبض بعضه ثمَّ حدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض».

بمعنى أنّه لو تعيّب يتخيّر المشتري بين أخذ أرشه وردّ الجميع، وليس له الاقتصار على ردّ المعيب خاصّة، وإنْ كان ظاهر العبارة يشعر به؛ حذراً من تبعّض الصفقة.

قوله: «وما يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الردّ في الثلاثة».

المفهوم منقوله: «لا يمنع الردّ» وجعل الثلاثة ظرفاً له أنّ الردّ بخيار الثلاثة، لا بالعيب الحادث. ووجه عدم منعه من ذلك أنّ العيب الحادث في الثلاثة من غير جهة المشتري مضمون على البائع كالسابق، فلايكون مؤثّراً في رفع الخيار.

ونقل عن ابن نما: أنّ الخيار بالعيب الحادث (1)، وتظهر الفائدة في ثبوت الخيار بعد

ص: 363


1- حكاه الشهيد عن المحقّق نجم الدين في غاية المراد، ج 2، ص 54 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2).

انقضاء الثلاثة وعدمه، فعلى الأوّل يرتفع دون الثاني؛ إذ لا يتقيّد خيار العيب بالثلاثة، غايته حصول الخيار فيها بعلّتين وهو غير قادح. وقول ابن نما أوجه.

[الفصل السادس في المرابحة، والمواضعة، والتولية]

[المرابحة]

قوله: «ولا بدّ أنْ يكون رأس ماله معلوماً».

أي معلوماً للمتعاقدين معاً حالة البيع ولا يكفي علم أحدهما، ولا تجدّد علمهما بعد العقد، وإنْ اقتضاه الحساب المنضبط.

قوله: «ولو جُني عليه فأخذ أرش الجناية لم ينقصها من الثمن».

الفرق بين الجناية والعيب أنّ أرش العيب ثابت بأصل العقد وإنْ حدث العيب بعده؛ حيث يكون مضموناً، بخلاف الجناية الطارئة فإنّها حقّ آخر، كنتاج الدابّة. نعم، لو نقص بالجناية وجب عليه الإخبار بالنقص.

قوله: «ويكره قبل قبضه إنْ كان ممّا يكال أو يوزن على الأظهر».

المنع أقوى.

قوله: «فلو باع غلامه سلعةً ثمّ اشتراه منه بزيادة جاز أنْ يخبر بالثمن الثاني».

المراد بغلامه الحرّ؛ ليتصوّر صحّة بيعه. ومع ذلك يشترط أنْ لا يقصد بذلك زيادة الثمن ليربح فيه، وإلّا حرم؛ لأنّه تدليس وغرور.

قوله: «الثانية: لو باع مرابحةً فبان رأس ماله أقلّ كان المشتري بالخيار بين ردّه وأخذه بالثمن، وقيل: يأخذه بإسقاط الزيادة».

بل بالثمن خاصّة.

قوله: «ولو قال: اشتريته بأزيد لم يقبل منه، ولو أقام بيّنة».

الأقوى القبول إنْ أظهر الكلام الأوّل تأويلاً محتملاً، بمعنى سماع بيّنة عليه،

ص: 364

لا توجّه اليمين عليه بمجرّد الدعوى وثبوت مقتضاها.

قوله: «الثالثة: إذا حطّ البائع بعض الثمن جاز للمشتري أنْ يخبّر بالأصل وقيل: إنْ كان قبل لزوم العقد صحّت، وأُلحق بالثمن، وأخبر بما بقي».

القائل الشيخ (1) بناء على أنّ الملك لا يحصل إلّا بانقضاء الخيار، فاللاحق قبله بحكمه، وهو ضعيف.

قوله: «الرابعة: من اشترى أمتعةً صفقةً لم يجز بيعها مرابحة ... إلّا بعد أنْ يخبر بذلك».

مقتضى الاستثناء أنّه لو أخبر بالحال جاز بيعه مرابحة. وليس كذلك. وجه المسامحة كونه حينئذٍ بصورة المرابحة، فالاستثناء مجاز.

قوله: «الخامسة: إذا قوّم على الدلّال متاعاً، ربح عليه أو لم يربح، ولم يواجبه البيع، لم يجز للدلّال بيعه مرابحة إلّا بعد الإخبار بالصورة».

الكلام فيه كما مرّ، فإنّه لا يجوز البيع مرابحة وإنْ أخبر؛ لعدم تحقّق البيع بالتقويم، بل بصورة المرابحة، ومن ثمّ لا يجب على التاجر الوفاء.

قوله: «وللدلّال أُجرةُ المثل، سواء كان التاجر دعاه أو الدلّال ابتدأه».

نبّه بالتسوية بين الأمرين على خلاف الشيخ حيث فرّق بينهما، فحكم بكون الزيادة للدلّال إنْ كان التاجر ابتدأه بذلك. وإنْ كان الدلّال ابتدأ التاجر فالزيادة للتاجر، ولا شيء للدلّال (2)، استناداً إلى أخبار حملها على كون الواقع من التاجر - على تقدير ابتدائه - جعالة فيلزمه ما عيّنه وإنْ كان مجهولاً، وأنّه على تقدير ابتداء الدلّال لم يشترط له شيئاً أولى.

[التولية]

قوله: «وأمّا التولية فهي أنْ يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة، فيقول: ولّيتك، أو

ص: 365


1- قاله في المبسوط، ج 2، ص 84.
2- قاله في النهاية، ص 389 - 390.

بعتك، أو ما شاكله من الألفاظ الدالّة على النقل».

إذا وقعت بلفظ «بعتك» ونحوه من الألفاظ المعتبرة في مطلق البيع أكمله بذكر الثمن، أو ب-«ما قام عليَّ» ونحوه. وإنْ وقع بلفظ «ولّيتك» جعل مفعوله العقد واقتصر عليه.

[المواضعة]

قوله: «وأمّا المواضعة فإنّها مفاعلة من الوضع، فإذا قال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كلّ عشرة فالثمن تسعون».

حملاً للإضافة على معنى «من» لأنّ الموضوع من جنس الموضوع منه، أي من كلّ عشرة. ويحتمل كونها بمعنى اللام، أي لكلّ عشرة، فيكون الثمن أحداً وتسعين إلّا جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم. وهذا هو الأصحّ؛ لأنّ شرط الإضافة بمعنى «من» أنْ يكون المضاف جزئيّاً من جزئيّات المضاف إليه، بحيث يصحّ الإخبار به عنه، كخاتم فضّة، وهو ممتنع هنا.

[الفصل السابع في الربا والقرض]

[الربا]

قوله: «وهو يثبت في البيع مع وصفين».

الأقوى ثبوته في كلّ معاوضة.

قوله: «يجوز بيع المتجانس... ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «ولو اختلف الجنسان جاز التماثل والتفاضل نقداً. وفي النسيئة تردّد». الجواز أقوى.

قوله: «والحنطة والشعير» جنس واحد في الربا على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «والحمام جنس واحد، ويقوى عندي أنّ كلّ ما يختصّ منه باسم فهو جنس

ص: 366

بانفراده، كالفخاتي والورشان».

ما اختاره حسن.

قوله: «والأدهان تتبع ما تستخرج منه، فدهن السمسم جنس، وكذا ما يضاف إليه، كدهن البنفسج».

إضافته إليه لا تخرجه عن أفراد نوع الدهن؛ لأنّه ليس مركّباً منه وممّا يضاف إليه، بل غير الدهن يكتسب باختلاطه به خاصّة ثمّ ينزع منه.

قوله: «والخلول تتبع ما تعمل منه، فخلّ العنب مخالف لخلّ الدبس».

أي خلّ دبس التمر. وقد يطلق الدبس على ما يعمّ دبس العنب، ويختصّ خلّ العنب بخلّ الخمر.

قوله: «فلو باع ما لا كيل فيه ولا وزن متفاضلاً جاز، ولو كان معدوداً كالثوب بالثوبين و... نقداً، وفي النسيئة تردّد».

ظاهره أنّ الخلاف مختصّ بالنسيئة، وليس كذلك، بل قد ذهب جماعة (1) إلى ثبوته في المعدود مطلقاً. والأقوى العدم مطلقاً.

قوله: «ولا ربا في الماء... ويثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه».

قويٌّ إن استقرّت العادة على كيله أو وزنه وإلّا فلا، وكذا غيره من التراب.

قوله: «والاعتبار بعادة الشرع».

قد ثبت أنّ أربعة كانت مكيلة في عهده صلی الله علیه و آله و سلم، وهي الحنطة والشعير والتمر والملح، فلا يباع بعضها ببعض إلّا كيلاً وإنْ اختلفت في الوزن. واستثني منه ما يتجافى من الملح في المكيال كالقِطَع الكبار، فيجوز بيعه وزناً كذلك، وهو حسن، وما عداها يرجع

فيه إلى عادة البلد.

قوله: «وما جهلت الحال فيه رجع إلى عادة البلد. ولو اختلفت البلدان فيه كان لكلّ بلد حكم نفسه». قويٌّ.

ص: 367


1- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 605؛ والسلّار في المراسم، ص 179.

قوله: «والمراعى في المساواة وقت الابتياع. فلو باع لحماً نيّئاً بمقدّد متساوياً جاز... وقيل بالمنع».

هذه المسألة من جملة أفراد منصوص العلّة. وقد اختلف في تعديته إلى غيره ممّا يشاركه فيها. والأخبار الصحيحة (1) ظاهرة في التعدية. وهو الأقوى.

قوله: «وفي بيع الرطب بالتمر تردّد، والأظهر اختصاصه بالمنع».

الأقوى تعدّي الحكم إلى كلّ ما فيه العلّة المذكورة.

قوله: «إذا كانا في حكم الجنس الواحد وأحدهما مكيل والآخر موزون، كالحنطة والدقيق، فبيع أحدهما بالآخر وزناً جائز، وفي الكيل تردّد».

في جوازه قوّة حيث يمكن ضبطه به.

قوله: «بيع العنب بالزبيب جائز».

قد تقدّم أنّ المنع أقوى.

[تتمّة فيها مسائل:]

قوله: «لا ربا بَيْنَ الوالد وولده».

الأجود اختصاص الحكم بالولد النسبي بالنسبة إلى الأب، فلا يتعدّى الحكم إلى الأُمّ، ولا إلى الجدّ، ولا إلى ولد الرضاع. ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة.

قوله: «ولا بين المسلم وأهل الحرب».

هذا إذا أخذ المسلم الفضل، وإلّا حرم.

قوله: «ويثبت بين المسلم والذمّي على الأشهر». جيّد.

قوله: «لا يجوز بيع لحم حيوان بحيوان من جنسه».

الأقوى الجواز إلّا أنْ يكون الحيوان مذبوحاً.

قوله: «وقد يتخلّص من الربا بأنْ يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس

ص: 368


1- كصحيحة الحلبي في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 94، ح 389؛ والاستبصار، ج 3، ص 93، ح 314.

غيرها، ثمّ يشتري الأُخرى بالثمن، ويسقط اعتبار المساواة. و...»

لا يقدح في ذلك كون هذه الأُمور غير مقصودة بالذات؛ لأنّ قصد الربا إنّما يتمّ مع القصد إلى بيع صحيح، أو قرض، أو غيرهما من الأنواع المذكورة، وذلك كافٍ في القصد؛ إذ لا يشترط قصد جميع الغايات المترتّبة على العقد، بل يكفي قصد غاية صحيحة منها، وهو هنا كذلك.

[بيع الصرف]

قوله: «ويشترط في صحّة بيعها - زائداً على الربويّات - التقابض في المجلس. فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف على الأشهر».

زيادة أحكامها على الربويّات باعتبار مجموع أفرادها لاجميعها، فإنّ من جملتها بيع الذهب بالفضّة، ولا يتعلّق به ربا، بل حكم الصرف خاصّة.

والحاصل أنّ بين الربا والصرف عموماً وخصوصاً من وجه يجتمعان في بيع أحد النقدين بجنسه، ويختصّ الربا بغير الأثمان، ويختصّ الصرف ببيع أحد الأثمان بالآخر.

والمراد ب-«المجلس» محلّ الاجتماع، كما في خيار المجلس، حتّی لو فارقا مجلس العقد مصطحبين لم يبطل. ولو قال: «التقابض قبل التفرّق» كان أولى.

ونبّه ب-«الأشهر» على خلاف الصدوق حيث لم يعتبر المجلس (1)، والأصحاب على خلافه.

قوله: «ولو قبض البعض صحّ فيما قبض حسب».

ويتخيّر كلّ منهما في فسخ الباقي وإمضائه؛ لتبعّض الصفقة، إنْ لم يكن حصل منهما تفريط في تأخير القبض، وإلّا فلا. ولو اختصّ أحدهما بعدم التفريط اختصّ بالخيار.

ص: 369


1- حكى الفاضل الآبي قوله و قال: مستنده رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: قلت له: الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة، قال: «لا بأس به»، الفقيه، ج 3، ص 287 - 288، ح 4039.

قوله: «ولو كان عليه دراهم فاشترى بها دنانير صحّ وإنْ لم يتقابضا».

بناء على جواز تولّي طرفي القبض، وأنّ ما في الذمّة مقبوض، وأنّ بيع ما في الذمّة للغير من الدين الحالّ بثمن في ذمّته ليس بيع دَين بدين، وأنّ التوكيل في البيع إذا توقّفت صحّته على القبض يكون وكيلاً فيه، وإلّا فإنّ مطلق التوكيل في البيع لا يقتضيه. فإذا سلمت هذه المقدّمات صحّت المسألة.

قوله: «وإذا كان في الفضّة غشّ مجهول لم تبع إلّا بالذهب، أو بجنس غير الفضّة».

بناء على الغالب من أنّ المغشوش لا يباع بوزنه خالصاً؛ لأنّ البيع مبنيّ على المغالبة، فلا يدفع المشتري بوزن المغشوش صافياً، وإلّا فلو فرض وقوعه صحّ، بل متى علم زيادة الخالص على مجانسه المغشوش صحّ وإنْ لم يبلغ قدر المجموع من النقد والغشّ.

قوله: «ولو علم جاز بيعه بمثل جنسه، مع زيادة تقابل الغشّ».

وكذا لو جهل مع العلم بالزيادة، كما لو علم أنّه لا يبلغ النصف مع جهله بقدره، فباعه بوزن نصفه، ونحو ذلك. ومعنى قوله: «تقابل الغشّ» أنْ تكون الزيادة على النقد تصلح عوضاً في مقابلة الغشّ بحيث تتموّل، وإنْ لم تقابله قيمة.

قوله: «ولا يباع تراب معدن الفضّة بالفضّة احتياطاً، ويباع بالذهب وكذا تراب معدن الذهب. ولو جمعا في صفقة [واحدة] جاز بيعهما بالذهب والفضّة معاً».

وكذا بأحدهما مع زيادة الثمن على مجانسه، وبغيرهما.

قوله: «ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغشّ إذا كانت معلومة الصرف بين الناس».

المراد بكونها معلومة الصرف كونها متداولة بين الناس مع علمهم بحالها، فإنّه يجوز إخراجها وإنْ لم يعلم بقدر ما فيها من الغشّ. ولو كانت مجهولة الصرف بينهم، بحيث لو علموا بحالها ما قبلوها وجب إبانة حالها. فلو أخرجها بدونه جاز للجاهل بحالها ردّها عليه، فإنْ استمرّ الجهل بقي في ذمّته قدر النقصان.

ص: 370

[مسائل عشر:]

قوله: «الثالثة: ... وإنْ لم يخرج بالعيب من الجنسيّة كان مخيّراً بين الردّ والإمساك بالثمن من غير أرش، وله المطالبة بالبدل قبل التفرّق قطعاً. وفيما بعد التفرّق تردّد».

وجه التردّد: أنّ الإبدال يقتضي عدم الرضى بالمقبوض قبل التفرّق، والثابت في الذمّة قد وجد في ضمن البدل الحاصل بعد التفرّق، فيؤدّي إلى فساد الصرف فلا يصحّ البدل من تحقّق التقابض في العوضين قبل التفرّق؛ لأنّ المقبوض وإنْ كان معيباً فقد كان محسوباً عوضاً؛ لأنّ العيب من الجنس فلا يخرج عن حقيقة العوض المعيّن، غايته كونه بالعيب الجنسي مفوّتاً لبعض الأوصاف، واستدراكه ممكن بالخيار، ومن ثَمّ لو رضي به استقرّ ملكه عليه، ونماؤه له على التقديرين، فإذا فسخ رجع الحقّ إلى الذمّة، فيتعيّن حينئذٍ عوضاً صحيحاً. وهذا هو الأقوى. وعليه هل يجب قبض البدل في مجلس الردّ؟ قولان، أجودهما العدم (1).

قوله: «الخامسة: روي جواز ابتیاع درهم بدرهم، مع اشتراط صياغة خاتم. وهل يتعدّى الحكم؟ الأشبه لا».

هذه الرواية رواها أبو الصباح الكناني عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن الرجل يقول للصائغ: صُغْ لي هذا الخاتم وأُبدّل لك درهماً طازجيّاً بدرهم غلّة، قال: «لا بأس» (2).

والطازج الخالص (3)، والغلّة: غيره وهو المغشوش (4). وعلى هذا فالرواية لا تنافي الأُصول المقرّرة؛ لأنّ الصياغة مع الغلّة في مقابلة الخالص، فلا تتحقّق الزيادة، وحينئذٍ

ص: 371


1- والقول الآخر لفخر المحقّقين في الإيضاح، ج 1، ص 453.
2- رواه الكليني في الكافي، ج 5، ص 249، باب الصروف، ح 20؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 110، ح 471.
3- لسان العرب، ج 2، ص 317.
4- مجمع البحرين، ج 5، ص 436.

فيصحّ ويتعدّى بغير إشكال. وإنّما يقع الإشكال على إطلاق الحكم، كما ذكره المصنِّف وغيره (1)، والرواية ليست مطلقة.

قوله: «السادسة: الأواني المصوغة من الذهب والفضّة إنْ كان كلّ واحد منهما معلوماً جاز بيعه بجنسه من غير زيادة، وبغير الجنس وإنْ زاد. وإنْ لم يعلم وأمكن تخليصهما لم تبع بالذهب ولا بالفضّة، وبيعت بهما أو بغيرهما».

الحقّ أنّ المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغيرهما مطلقاً، وبهما معاً، سواء علم قدر كلّ واحد من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة، وسواء أمكن تخليصهما أم لا، وبكلّ واحدٍ منهما إذا علم زيادته عن جنسه بحيث يصلح ثمناً للآخر وإنْ قلّ، سواء أمكن التخليص أم لا، وسواء علم قدر كلّ واحد منهما أم لا، وما ذكره المصنِّف من التفصيل ذكره الشيخ (رحمه الله) (2)، وتبعه عليه جماعة (3). وهو محتاج إلى التنقيح في جميع أقسامه، والمحصّل ما ذكرناه.

قوله: «وإن جهل ولم يمكن نزعها إلّا مع الضرر بيعت بغير جنس حليتها. وإنْ بيعت بجنس الحلية، قيل: يجعل معها شيء من المتاع وتباع بزيادة عمّا فيها تقريباً».

القول للشيخ (4) فإنّه ذكر ذلك، وجعل الضمير مؤنّثاً كما هنا، وظاهره أنّ الضميمة تكون مع الحلية، وحينئذٍ يظهر ضعف القول. ومن ثَمّ ذكره بصيغة «قيل»؛ لأنّ ضميمة شيء إليها توجب زيادة الضرر؛ حيث يحتاج إلى مقابلة الثمن بها مع الباقي، وإنّما المحتاج إلى الضميمة الثمن. والشيخ تبع في ذلك رواية (5) وردت كذلك ونسبت إلى وهم الراوي، وأنّ الصواب «معه».

واعتذر له الشهيد (رحمه الله) بأنّه أراد أنّ بيعها منفردةً لا يجوز، فيضمّ إليها المحلّى

ص: 372


1- من الغير العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 133.
2- النهاية، ص 383.
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 271.
4- النهاية، ص 384.
5- هي رواية عبد الرحمن بن الحجّاج في الكافي، ج 5، ص 251، باب الصروف، ح 29.

أو شيئاً آخر، أو يضمّ إليها وإلى المحلّى؛ تكثيراً للثمن من الجنس (1). وهذا كلّه مستغنى عنه، فإنّ بيعها منفردة - وإنْ كانت مجهولة - بالجنس يمكن مع العلم بزيادة الثمن عليها، سواء ضممنا إليها شيئاً أم لا.

وكان الأولى عود الضمير إلى الثمن ولو بضرب من التجوّز، فإنّه المحتاج إلى الضميمة إذا لم يعلم زيادته عن الحلية. لكن على تقدير إرادة الثمن - بتأويل الأثمان ونحوه - لا يلتئم مع قوله بعد ذلك: «وتباع بزيادة عمّا فيها تقريباً» لأنّه مع الضميمة إلى الثمن - والحال أنّ المحلّى منضمّ إلى الحلية - يستغنى عن زيادة الثمن؛ لانصراف كلّ جزء من العوض إلى مخالفه.

قوله: «الثامنة: لو باع ثوباً بعشرين درهماً، من صرف العشرين بالدينار، لم يصحّ؛ لجهالته».

تعليله المنع بالجهالة يقتضي إثباتها وإنْ وجد في المعاملة منها نوع صرفه ذلك وعلم به. ولايتمّ على إطلاقه؛ لأنّ المانع إنّما هو مجهوليّة الدراهم، وهي على هذا التقدير معلومة، والإطلاق منزّل على نقد البلد، أو الغالب إن تعدّد، فمتى كان النقد معيّناً لذلك الصرف أو الغالب، أو عيّن نوعاً لذلك صحّ، وإلّا فلا.

قوله: «التاسعة: لو باع مائة درهم بدينار إلّا درهماً لم يصحّ؛ للجهالة وكذا لو كان ذلك ثمناً لما لا ربا فيه. ولو قدّر قيمة الدرهم من الدينار جاز؛ لارتفاع الجهالة».

هكذا أطلق الشيخ (2) وجماعة (3)، ويجب تقييده بجهالة نسبة الدرهم من الدينار، بأنْ جعله ممّا يتجدّد من النقد حالّاً ومؤجّلاً، أو من الحاضر مع عدم علمهما بالنسبة، فلو علماها صحّ. وإلى القيد أشار المصنّف بقوله: «للجهالة، وبقوله: «ولو قدّر قيمة الدرهم من الدينار جاز؛ لارتفاع الجهالة». وأراد بالتقدير العلم بالنسبة وإنْ

ص: 373


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- النهاية، ص 384؛ المبسوط، ج 2، ص 30.
3- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 370 - 371؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 272 - 273.

لم يصرّح بها، فإنّه مناط الصحّة.

قوله: «العاشرة: لو باع خمسة دراهم بنصف دينار، قيل: كان له شقّ دينار، ولا يلزم المشتري صحيح، إلّا أنْ يريد بذلك نصف المثقال عرفاً».

هذا هو الأقوى؛ لأنّه حقيقة فيه لغة، إلّا أنْ يدلّ العرف على غيره فيحمل عليه، وقوله: «إلّا أنْ يريد بذلك نصف المثقال عرفاً» أي نصفه صحيحاً، وإنْ كان اللفظ أعمّ منه. وكذا القول في نصف الدرهم وغيره من الأجزاء.

قوله: «وتراب الصياغة يباع بالذهب والفضّة معاً، أو بعرض غيرهما».

إنّما وجب بيعه بهما؛ حذراً من الربا. وعلى هذا فلو علم زيادة الثمن عن جنسه صحّ بيعه بأحدهما خاصّة. والعَرْض - بفتح العين وسكون الراء - غير الدراهم والدنانير من الأمتعة والعقار.

قوله: «ثمّ يتصدّق به؛ لأنّ أربابه لا يتميّزون».

محمول على ذلك، فلو تميّزوا بأنْ كانوا منحصرين ردّه إليهم. ولو كان بعضهم معلوماً فلابدّ من محاللته ولو بالصلح. وعلى هذا فيجب التخلّص من كلّ غريم يعلمه. وذلك يتحقّق عند الفراغ من عمل كلّ واحد، فلو أخّر حتّى صار مجهولاً أثم بالتأخير، ولزمه ما ذكر من الحكم.

[الفصل الثامن في بيع الثمار]

[النخل]

قوله: «أمّا النخل فلايجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاماً. وفي جواز بيعها كذلك عامين فصاعداً تردّد، والمرويّ الجواز». قويٌّ.

قوله: «ولا يصحّ بيعها قبل بدوّ صلاحها عاماً إلّا أنْ يضمّ إليها ما يجوز بيعه، أو بشرط القطع، أو عامين فصاعداً ولو بيعت عاماً من دون الشروط الثلاثة».

ص: 374

في عبارة المصنِّف تسامح، فإنّه جعل متعلّق المنع بيعها عاماً، واستثنى منه الثلاثة التي منها بيعها عامين فصاعداً، وفساده ظاهر. وكان الأولى ترك قوله: «عاماً» ليكون المنع عامّاً في غير الثلاثة. ومثله قوله: «ولو بيعت عاماً من دون الشروط الثلاثة»، واللازم ترك لفظ «عاماً» هنا أيضاً.

قوله: «ولو بيعت عاماً من دون الشروط الثلاثة، قيل: لايصحّ، وقيل: يكره، وقيل: يراعي السلامة، والأوّل أظهر». الكراهيّة أقوى.

قوله: «ولو بیعت مع أُصولها جاز مطلقاً».

سواء بدا صلاحها. أو شرط القطع، أو ضمّ إليها شيئاً، أم بالعكوس. وهذا في الحقيقة راجع إلى الضميمة، كما مرّ، فليس في إفراده نكتة.

قوله: «ولو أدركت ثمرة بستان لم يجز بيع [ثمرة] البستان الآخر، ولو ضمّ إليه، وفيه تردّد».

الأقوى الصحّة؛ لتحقّق الضميمة المسوّغة للبيع على القول بالمنع.

[الأشجار]

قوله: «وأمّا الأشجار فلا يجوز بيعها حتّى يبدو صلاحها. وحدّه أنْ ينعقد الحبّ، ولا يشترط زيادة عن ذلك، على الأشبه».

عنى بالزيادة المنفيّة ما اختاره الشيخ (رحمه الله) في النهاية (1) وجماعة (2): «أنّ حدّه مع انعقاد الحبّ تناثر الوَرْد». وفي المبسوط:

أنّه التلَوُّن فيما يتَلوَّن، وصفاء اللون والتموّه، وهو أن ينمُوَ فيه الماء الحلوُ فيما يتلوَّن، وفيما لا يتلوَّن ولا يتغيّر طعمه بل يؤكل صغيراً وكبيراً - كالقثّاء - إذا تناهى عِظَمَ بعضه (3).

ص: 375


1- النهاية، ص 414.
2- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 361؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 393 وما بعدها.
3- المبسوط، ج 2، ص 48 - 49.

وعلى ما اختاره المصنِّف من تفسيره يتّحد وقت الظهور المجوّز للبيع عندنا وبدوّ الصلاح المجوّز عند الباقين، وإنّما تظهر الفائدة على تقدير أحد القولين المنفيّين.

قوله: «وهل يجوز بيعها سنتين فصاعداً قبل ظهورها؟ قيل: نعم، والأولى المنع».

المختار هنا كما تقدّم في النخل.

قوله: «وكذا لو ضمّ إليها شيئاً قبل انعقادها».

يمكن كون المشبّه به الحكم بأولويّة المنع، فيكون ميلاً إلى الجواز، لكن لم يذكره فيما سبق. وأنْ يريد ثبوت أصل الخلاف فيه من غير تعرّض للفتوى. وكيف كان فالأجود المنع. وموضع الخلاف ما لو كانت الضميمة غير مقصودة بالبيع استقلالاً، فلو كانت الثمرة تابعة لها صحّ، كغيرها.

[الخُضَر]

قوله: «وأمّا الخضر فلا يجوز بيعها قبل ظهورها. ويجوز بعد انعقادها لقطةً واحدةً ولقطات».

ويعتبر وجود الأُولى. ويرجع فيها وفيما يقطع إلى العرف.

قوله: «وكذا ما يقطع فيستخلف كالرطبة».

هي - بفتح الراء وسكون الطاء - الفصّة.

قوله: «وكذا ما يخرط كالحناء والتوت».

وهو بالتائين المثنّاتين. قال الجوهري: ولا يقال: التوث بالثاء المثلّثة (1).

[مسائل:]

قوله: «الأُولى: يجوز أنْ يستثنى ثمرة شجرات أو نخلات بعينها».

ذكر النخلات بعد الشجرات من باب عطف الخاصّ على العامّ. وكذا يجوز استثناء

ص: 376


1- الصحاح، ج 1، ص 245، «توت».

جزء معيّن من الشجرة الواحدة، كعذق معيّن.

قوله: «ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه».

هذا في الحصّة المشاعة والأرطال، دون الشجرات. وطريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة ظاهر، وأمّا في الأرطال المعلومة فتعتبر الجملة بالتخمين، فإذا فرض ذهاب نصف الثمرة أو ثلثها على ذلك التقدير سقط من الثنيا بتلك النسبة.

قوله: «الثانية: إذا باع ما بدا صلاحه، فأُصيب قبل قبضه، كان من مال بايعه. وكذالو أتلفه البائع».

الأقوى تخيّر المشتري بين الفسخ وإلزام البائع بالمثل. هذا إذا لم يكن للبائع خيار، وإلّا كان إتلافه فيه فسخاً.

قوله: «ولو كان بعد القبض - وهو التخلية - هنا لم يرجع على البائع بشيء على الأشبه».

نبّه ب-«الأشبه» على خلاف بعض الأصحاب (1) حيث ذهب إلى أنّ الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع وإنْ أقبضها بالتخلية؛ نظراً إلى أنّ بيعها بعد بلوغ صلاحها بغير كيل ولا وزن على خلاف الأصل، فيراعى فيه السلامة. وحينئذٍ فالجار متعلّق بقوله: «لم يرجع».

ويحتمل كونه تنبيهاً على ما اختاره من كيفيّة القبض، وهو التخلية، فقد تقدّم فيه الخلاف، ومختار المصنِّف أنّه التخلية مطلقاً.

قوله: «الثالثة: يجوز بيع الثمرة في أُصولها بالأثمان والعروض. ولا يجوز بثمر منها وهي المزابنة، وقيل: بل بيع الثمرة في النخل بتمر، ولو كان [موضوعاً] على الأرض. وهو أظهر».

ص: 377


1- هكذا قال الشهيد في مسالك الأفهام، ج 3، ص 362 أيضاً. ولم نعثر على قائل له من الأصحاب؛ كما قال النجفي (رحمه الله) في جواهر الکلام، ج 24، ص 88: لم نعرف القائل بذلك منّا، نعم حكاه في تذكرة الفقهاء عن الشافعي في القديم معلّلاً له بأنّ التخلية ليست بقبض صحيح.

المزابنة مفاعلة من الزبن، وهو الدفع، ومنه الزبانية؛ لأنّهم يدفعون الناس إلى النار. سمّيت بذلك؛ لأنّها مبنيّة على التخمين، والغبن فيها يكثر، وكلّ منهما يريد دفعه عن نفسه إلى الآخر فيتدافعان. وما اختاره المصنِّف من معناها هو الأقوى.

قوله: «وهل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه؟ قيل: لا؛ لأنّه لا يؤمن من الربا». قويٌّ.

قوله: «وكذا لا يجوز بيع السنبل بحبّ منه إجماعاً، وهو المحاقلة».

مفاعلة من الحقل وهي الساحة التي تزرع سمّيت بذلك لتعلّقها بزرع في حقل وأطلق اسم الحقل على الزرع مجازاً من إطلاق اسم المحلّ على الحالّ أو المجاور على مجاوره فكأنّه باع حقلاً بحقل وما اختاره المصنّف من تعريفها قويّ.

قوله: «الرابعة: يجوز بيع العرايا بخرصها تمراً، والعريّة هي النخلة تكون في دار الإنسان. وقال أهل اللغة: أو في بستانه، وهو حسن».

العرايا جمع عريّة، وهي ما ذكره المصنِّف متّفقاً عليه، ومنقولاً عن أهل اللغة؛ لأنّه يرجع إليهم في مثل ذلك.

قوله: «وهل يجوز بيعها بخرصها من ثمرها؟ الأظهر لا». المنع أقوى.

قوله: «ولا يجب أنْ يماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها؛ عملاً بظاهر الخبر».

أي لايجب مطابقة ثمرتها جافّة لثمنها، بل المعتبر في الجواز بيعها بما يقتضيه ظنّ الخارص لها تمراً بقدره، بمعنى أنّها تقدّر كم تبلغ تمراً إذا جفّت، فيباع ثمرها بهذا المقدار تمراً. ثمّ لايجب مطابقة هذا التقدير للثمن عند الجفاف، فلو زادت أو نقصت عنه لم يقدح في الصحّة. وقيل: تعتبر المطابقة، فلو اختلفا تبيّن بطلان البيع. وهو ضعيف.

قوله: «لو قال: بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلّة بهذه الصبرة، من جنسها سواء بسواء

ص: 378

لم يصحّ و... والأشبه أنّه لا يصحّ على تقدير الجهالة وقت الابتياع». قويٌّ.

قوله: «الخامسة: يجوز بيع الزرع قصيلاً، فإنْ لم يقطعه فللبائع قطعه لو تركه، وله المطالبة بأُجرة أرضه».

إنّما يجوز للبائع قطعه بإذن المشتري إنْ أمكن، وإلّا رفع أمره إلى الحاكم، فإنْ تعذّر جاز له حينئذٍ مباشرة القطع؛ دفعاً للضرر المنفيّ. ولا فرق في استحقاقه الأُجرة عن الزمان الذي تأخّر فيه القطع عن وقته بين مطالبته بالقطع وعدمه، ولا بين رضاه ببقائه وعدمه، وكذا له الأرش عن نقص الأرض إنْ نقصت بسببه، إذا كان التأخير بغیر رضاه.

قوله: «السابعة: إذا كان بين اثنين نخل أو شجر، فتقبّل أحدهما بحصّة صاحبه بشيء معلوم، كان جائزاً».

هذه القبالة معاوضة مخصوصة مستثناة من المزابنة والمحاقلة معاً. وظاهر الأصحاب أنّ الصيغة تكون بلفظ القبالة، وأنّ لها حكماً خاصّاً زائداً على البيع والصلح؛ لكون الثمن والمثمن واحداً، وعدم ثبوت الربا لو زاد أو نقص، ووقوعه بلفظ التقبيل، وهو خارج عن صيغتي العقدين. وفي الدروس: أنّه نوع من الصلح وأنّ قراره مشروط بالسلامة (1) حتّى لو هلكت الثمرة بأجمعها فلا شيء على المتقبّل. والمصنِّف اقتصر على أصل الجواز؛ إذ لا دلالة في الرواية (2)على أزيد منه.

وهو أولى.

قوله: «الثامنة: إذا مرّ الإنسان بشيء من النخل، أو شجر الفواكه، أو الزرع اتّفاقاً، جاز أنْ يأكل من غير إفساد».

الأولى المنع مطلقاً.

ص: 379


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- هي رواية يعقوب بن شعيب في الكافي، ج 5، ص 193، باب بيع العدد و المجازفة ... ، ح 2؛ و الفقيه، ج 3، ص 225 - 226، ح 3837؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 125، ح 546.

[الفصل التاسع في بيع الحيوان]

[من يصحّ تملّكه]

قوله: «فالكفر الأصلي سبب لجواز استرقاق المحارب وذراريه... ويملك اللقيط من دار الحرب».

إذا لم يكن فيها مسلم يمكن تولّده منه ولو أسيراً، وإلّا حكم بحرّيته.

قوله: «فلو بلغ وأقرّ بالرقّ، قيل: لا يقبل، وقيل: يقبل، وهو الأشبه».

أي أقرّ بالرقّ من حكم بحرّيته ظاهراً؛ لكونه ملقوطاً من دار الإسلام أو دار الكفر حيث يحكم بحرّيته. والأقوى القبول واشتراط رشده.

ولا يخفى أنّ ذلك في غير معروف النسب، وإلّا لم يقبل قطعاً. وكذا القول في كلّ من أقرّ على نفسه بالرقّية مع بلوغه وجهل نسبه.

قوله: «ويصحّ أنْ يملك الرجل كلّ أحد عدا أحد عشر، وهم...».

أي ملكاً مستقرّاً، وإلّا فملك من استثناه صحيح، غايته أنّه يعتق عليه بالشراء، فلا يستقرّ ملكه عليه.

قوله: «وهل يملك هؤلاء من الرضاع؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «وتملك المرأة كلّ أحد... وفي الرضاع تردّد، والمنع أشبه». قويٌّ.

قوله: «وإذا أسلم الكافر في ملك مثله أُجبر على بيعه من مسلم، ولمولاه ثمنه».

وفي حكم إسلام العبد إسلام أحد أبويه صغيراً، أو أحد أجداده على الأقوى.

[أحكام الابتياع]

قوله: «إذا حدث في الحيوان عيب بعد العقد وقبل القبض كان المشتري بالخيار بين ردّه وإمساكه، وفي الأرش تردّد».

ص: 380

الأقوى ثبوت الأرش، وقد تقدّم.

قوله: «ولو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري لم يكن ذلك العيب مانعاً من الردّ بأصل الخيار. وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردّد، الظاهر لا».

الأجود ثبوت الأرش.

قوله: «وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر، إلّا أنْ يشترطه المشتري».

قويٌّ، وحيث يشترط يدخل وإنْ كان مجهولاً؛ حيث يكون تابعاً للمعلوم، ولافرق حينئذٍ بين أن يقول: «بعتكها وحملها» أو «بعتكها وشرطت لك دخول حملها». ولو لم يكن الحمل معلوماً فالعبارة الثانية لاغير. وإنّما يكون للبائع مع عدم الشرط حيث يتحقّق وجوده حالة البيع. فلو احتمل الأمرين، بأنْ ولدته في وقت يحتمل وجوده عند البيع وعدمه، فهو للمشتري. وليس بيض البائض كالحمل، بل هو للمشتري مطلقاً، كسائر أجزائه.

قوله: «ولو اشتراهما فسقط الولد قبل القبض رجع المشتري بحصّة الولد من الثمن، وطريق ذلك أنْ تقوّم حاملاً وحائلاً».

بل حائلاً ومجهضاً؛ لأنّه الوصف المطابق للواقع.

قوله: «ويجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعاً، كالنصف والربع. ولو باع واستثنى الرأس والجلد صحّ، ويكون شريكاً بقدر قيمة ثنياه على رواية السكوني».

الأقوى البطلان إلّا أنْ يكون مذبوحاً، أو يراد ذبحه، فيصحّ الشرط. وكذا القول فيما لو اشترك فيه جماعة وشرط أحدهم ذلك.

قوله: «ولو قال له: الربح لنا ولا خسران عليك، فيه تردّد، والمرويّ الجواز».

الأقوى البطلان.

قوله: «ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها».

المراد ب-«محاسنها» مواضع الزينة، كالكفّين والرجلين والشعر. ولا يشترط فيه إذن المولى. ولا تجوز الزيادة على ذلك إلّا بإذنه، وحينئذٍ فيكون تحليلاً يتبع منه ما دلّ

ص: 381

عليه اللفظ حتّى العورة.

قوله: «ويستحبّ لمن اشترى مملوكاً أنْ يغيّر اسمه، و... وأنْ يتصدّق عنه بشيء».

ويستحبّ كون الشيء أربعة دراهم.

قوله: «ويكره وطء من وُلدت من الزنى بالملك والعقد، على الأظهر».

قويٌّ، والقول الآخر أنّه يحرم، بناءً على أنّ ولد الزنى كافر (1). وهو ممنوع.

[لواحق بيع الحيوان]

قوله: «الأُولى: العبد لا يملك، وقيل: يملك فاضل الضريبة».

الأقوى عدم ملكه مطلقاً.

قوله: «الثانية: من اشترى عبداً له مال كان ماله لمولاه.... والأوّل أشهر».

الأقوى - تفريعاً على القول بأنّه لا يملك - أنّ ماله المنسوب إليه للبائع مطلقاً إلّا أنْ يشترطه المشتري، فيكون له بشرط علمهما بقدره، أوكونه تابعاً، وسلامته من الربا بأنْ يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربوي، أو زائداً عليه مع قبض مقابل الربوي في المجلس. وأمّا على القول بملك العبد - كما اختاره المصنِّف - فيشكل كونه لمولاه على تقدير البيع، أو للمشتري بمجرّد بيعه، إلّا أنْ يقال: المراد بملك العبد له تسلُّطه على الانتفاع به لا ملك الرقبة، كما ذكره بعضهم (2) وفيه بُعد.

قوله: «ولو قال للمشتري: اشترني ولك عليّ كذا، لم يلزمه وإن اشتراه. وقيل: إنْ كان له مال حين قال له، لزم، وإلّا فلا. وهو المرويّ».

الأقوى عدم اللزوم مطلقاً؛ لأنّه إمّا غير مالك أو محجور عليه. والرواية (3) لا دلالة

ص: 382


1- القائل هو ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 352.
2- منهم: الشيخ في النهاية، ص 543؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 359.
3- هي رواية الفضيل في الكافي، ج 5، ص 219، باب العبد يسأل مولاه أنْ يبيعه و... ، ح 1، 2؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 74، ح 315 و 316.

فيها على الحكم مطلقاً.

قوله: «الثالثة: إذا ابتاعه وماله».

هذا إذا قلنا: إنّه لا يملك، أو قلنا به بمعنى جواز تصرّفه خاصّة، أمّا لو قلنا بملكه حقيقة لم يشترط في الثمن ما ذكر؛ لأنّ ماله حينئذٍ ليس جزءاً من المبيع فلا يقابل بالثمن.

قوله: «الرابعة: يجب أنْ يستبرئ الأمة قبل بيعها إذا كان وطئها المالك بحيضة».

الاستبراء استفعال من البراءة. والمراد هنا طلب براءة الرحم من الحمل بالمدّة المذكورة. وفي حكم البيع غيره من الوجوه الناقلة للملك. وكذا القول في الشراء، فيجب الاستبراء لكلّ ملك حادث أو زائد. والمعتبر من الاستبراء ترك الوطء قُبلاً ودُبراً دون باقي الاستمتاع.

قوله: «ويسقط استبراؤها لو أخبر الثقة أنّه استبرأها».

المراد بالثقة العدل. وبه صرّح المصنِّف في النافع (1).

قوله: «الخامسة: التفرقة بين الأطفال وأُمّهاتهم قبل استغنائهم عنهنّ محرّمة، وقيل: مكروهة، وهو الأظهر».

التحريم أقوى. وإنّما يحرم بدون رضاهنّ، ولافرق بين البيع وغيره من الأسباب. والأقوى تعدّي الحكم إلى غير الأُمّ من الأرحام المشارك لها في الاستئناس والشفقة.

قوله: «والاستغناء يحصل ببلوغ سبع، وقيل: يكفي استغناؤه عن الرضاع، والأوّل أظهر».

الأقوى اعتبار السبع في الأُنثى والاكتفاء في الذكر بالحولين.

قوله: «السادسة: من أولد جارية ثمّ ظهر أنّها مستحقّة انتزعها المالك».

المراد أنّه أولدها جاهلاً بكونها مستحقّة. ولو كان عالماً بالاستحقاق فالولد رقّ للمالك، والواطئ زان، فيلزمه العقر. ولا يرجع به ولا بغيره ممّا يغرمه.

ص: 383


1- المختصر النافع، ص 218.

قوله: «وعلى الواطئ عشر قيمتها إنْ كانت بكراً، أو نصف العشر إن كانت ثيّباً. وقيل يجب مهر أمثالها، والأوّل مرويّ». قويٌّ.

قوله: «والولد حرّ، وعلى أبيه قيمته يوم ولد حيّاً، ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد. وهل يرجع بما اغترمه من مهر أو أُجرة؟».

الأقوى رجوعه بالجميع.

قوله: «السابعة: ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملّكه في حال الغيبة، ووطء الأمة. ويستوي في ذلك ما يسبيه المسلم وغيره، وإن كان فيها حقّ للإمام أو كانت للإمام».

الترديد بين القسمين للتنبيه على اختلاف حكم المأخوذ، فإنّه إنْ كان سرقة ونحوها ممّا لاقتال فيه فهو لآخذه وعليه الخمس، وإنْ كان بقتال فهو بأجمعه للإمام؛ للرواية (1). وعلى التقديرين يجوز تملّكه حال الغيبة ولا يجب إخراج حصّة الموجودين من الهاشميّين منه؛ للنصّ (2). وكذا يجوز شراؤه من السابي والآخذ، وإنْ كان مخالفاً.

قوله: «الثامنة: إذا دفع إلى مأذون مالاً ليشتري [به] نسمةً ويعتقها ويحجّ عنه بالباقي، فاشترى أباه، ... وهو أشبه».

ما اختاره المصنِّف قويٌّ. والرواية (3) مع ضعفها مخالفة للأصل من حيث الحكم بردّ العبد إلى مولاه، مع اعترافه ببيعه ودعواه فساد البيع، ومدّعي الصحّة - وهو الآخران - مقدّم، وبحكمها بمضيّ الحِجّة مع أنّ ظاهر الأمر حَجُّه بنفسه وقد استناب فيها، ومجامعة صحّة الحجّ لعوده رقّاً وكونه قد حجّ بغير إذن سيّده. ولو كان هناك بيّنة حكم

ص: 384


1- كرواية البزنطي في الكافي، ج 3، ص 512 - 513، باب أقلّ ما يجب فيه الزكاة من الحرث، ح 2؛ وتهذيب الأحكام، ج 4، ص 38، ح 118،96 - 119، ح 341 و 342.
2- كرواية المرويّ في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام، ص 86 - 87؛ وفي وسائل الشيعة، ج 9، ص 543، ح 12694.
3- هي رواية ابن أُشيم في الكافي، ج 7، ص 62 - 63 باب النوادر من كتاب الوصايا، ح 20؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 234، ح 1023؛ و ج 8، ص 249، ح 903؛ وج 9، ص 243 - 244، ح 945.

بها إنْ كانت لواحد، ولو كانت لاثنين أو للجميع فإنْ قدّمنا بيّنة الداخل عند التعارض فكالأوّل، وإلّا ففي تقديم بيّنة ورثة الآمر نظراً إلى الصحّة، أو مولى الأب؛ لادّعائه ما ينافي الأصل، وجهان، أجودهما الأوّل.

قوله: «التاسعة: إذا اشترى عبداً في الذمّة، ودفع البائع [إليه] عبدين... كان حسناً».

القول الأوّل للشيخ (1)، ومستنده رواية ضعيفة (2) مخالفة للأُصول الشرعية، من انحصار الحقّ الكلّي قبل تعيّنه في فردَيْن، وثبوت المبيع في نصف الموجود المقتضي للشركة مع عدم الموجب لها، ثمّ الرجوع إلى التخيير لو وجد الآبق.

والذي يقتضيه الأصل في الإعراض عن الرواية أنّ العبدين إنْ كانا بوصف المبيع وتخيّر الآبق ردّ الباقي ولا شيء له، وإنْ اختار الباقي بني ضمان الآبق على أنّ المقبوض بالسوم هل هو مضمون أم لا؟ والمشهور الضمان. وإنْ كان أحدهما بالوصف خاصّة فله اختياره، وحكم الآخر ما مرّ. وإنْ لم يكونا بالوصف طالب بحقّه وردّ الباقي.

وعلى هذا لافرق بين العبدين والعبيد وغيرهما من الأمتعة.

قوله: «أمّا لواشترى عبداً من عبدين لم يصحّ العقد، وفيه قول موهوم».

القول للشيخ في الخلاف (3) أخذاً بظاهر الرواية السابقة. ودلالتها عليه ممنوعة.

والأقوى المنع مطلقاً.

قوله: «العاشرة: إذا وطئ أحد الشريكين مملوكة بينهما سقط الحدّ ... ولا تقوّم عليه بنفس الوطء على الأصحّ». قويٌّ.

قوله: «الحادية عشرة: المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كلّ واحد منهما صاحبه من

ص: 385


1- قاله في النهاية، ص 411.
2- هي رواية محمّد بن مسلم في الكافي، ج 5، ص 217، باب النادر، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 148، ح 3546؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72، ح 308، وص 82 - 83، ح 254.
3- الخلاف، ج 3، ص 38، المسألة 54.

مولاه حكم بعقد السابق. فإنْ اتّفقا في وقت واحد بطل العقدان، وفي رواية يقرع بينهما وفي أُخرى يذرع الطريق ويحكم للأقرب، والأوّل أظهر».

الأقوى مع اقتران العقدين وقوفهما على إجازة الموليين إذا لم يكونا وكيلين. والفرق بين الإذن والوكالة أنّ الإذن ما جعلت تابعة للملك، والوكالة ما أباحت التصرّف مطلقاً. والمرجع فيهما إلى ما دلّ عليه كلام المولى، ومع الاشتباه فالمتيقّن الإذن. ويتحقّق الاقتران بالاتّفاق في القبول بأنّ يكملاه معاً.

قوله: «الثانية عشرة: من اشترى جارية، سرقت من أرض الصلح، كان له ردّها على البائع واستعادة الثمن... ولو قيل: تسلّم إلى الحاكم ولا تستسعى كان أشبه».

الأقوى وجوب التوصّل إلى مالكها أو وكيله أو وارثه، ومع التعذّر تدفع إلى الحاكم. وأمّا الثمن فيطالب به البائع مع بقاء عينه مطلقاً، ومع تلفه إنْ كان المشتري جاهلاً بسرقتها. وكذا القول في الوارث. ولا تستسعى الجارية مطلقاً وإنْ ضاع الثمن.

[الفصل العاشر في السلف]

[المقصد الأوّل: بيع السلم]

قوله «الأوّل: السلم هو ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر، أو في حكمه».

أراد بالحاضر المعيّن ثمناً المقبوض في المجلس، وبما في حكمه المقبوض في المجلس مع كونه موصوفاً غير معيّن، وإنْ كان حاضراً عندهما؛ لأنّ الثمن إذا كان موصوفاً غير منحصر في المقبوض، بل هو أمر كلّي، لكن بتعيينه في المجلس وقبضه يصير في حكم الحاضر. ويدلّ على أنّ الحاضر المعيّن ثمناً اقترانه بالباء، فإنّ الحاضر غير المعيّن ليس مقترناً بالباء، وإنْ كان بعض أفراده.

قوله: «وهل ينعقد البيع بلفظ السلم ...؟ الأشبه نعم». قويٌّ.

ص: 386

[المقصد الثاني: شرائطه]

قوله: «الأوّل والثاني: ذكر الجنس والوصف. والضابط أنّ كلّ ما يختلف لأجله الثمن فذكره لازم».

المراد اختلاف الثمن بسببه اختلافاً لا يتغابن به عادة، فلا يقدح الاختلاف اليسير المتسامح بمثله. والمرجع في هذه الأوصاف إلى العرف، وربما كان العامّي أعرف بها الفقيه، وحظّ الفقيه فيها البيان الإجمالي.

قوله: «ولا يطلب في الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم».

أي لايجب الاستقصاء في الوصف بل يجوز الاقتصار منه على ما يتناوله اسم الموصوف بالوصف الذي يزيل الاختلاف، فإنْ استقصى كذلك ووجد الموصوف صحّ السلم، وإنْ عزّ وجوده بطل. فعلى هذا، النهي والأمر الواقعان في العبارة قد يكونان على وجه المنع واللزوم كما إذا استلزم الاستقصاء عزّة الوجود، وقد يكونان على وجه نفي اللزوم والجواز، كما إذا لم يستلزم ذلك.

قوله: «ولو شرط الأجود لم يصحّ؛ لتعذّره. وكذا لوشرط الأردأ. ولو قيل في هذا بالجواز كان حسناً؛ لإمكان التخلّص».

نبّه بالتعليل على جواب ما قيل في المنع من الأردأ بأنّه لا يمكن الوقوف عليه كالأجود، إذ ما من فرد إلّا ويمكن وجود أردأ منه. فأشار المصنِّف إلى جوابه بأنّه وإنْ لم يمكن الوقوف عليه إلّا أنّه يمكن التخلّص من الحقّ بدونه، بأنْ يدفع فرداً من الأفراد، فإنْ كان هو الأردأ فهو الحقّ، وإلّا فيكون قد دفع الجيّد عن الرديء، وهو جائز، بخلاف ما لو شرط الأجود.

ويشكل بأنّ إمكان التخلّص بهذا الوجه لا يكفي في صحّة العقد، بل يجب مع ذلك تعيين المسلَم فيه بالضبط، بحيث يمكن الرجوع إليه عند الحاجة، ويمكن تسليمه ولو بالقهر، بأنْ يدفعه الحاكم من مال المسلَم إليه عند تعذّر تسليمه.

ص: 387

وظاهرٌ أنّ هذين الأمرين منتفيان عن الأردأ؛ لأنّه غير متعيّن، ولا يمكن الحاكم تسليمه. والجيّد غير مستحقّ عليه، فلا يجوز لغير المالك دفعه، ولا يجب عليه مع المماكسة، فيتعذّر التخلّص. وحينئذٍ فالأقوى عدم الصحّة.

قوله: «وإذا كان الشيء ممّا لا ينضبط بالوصف لم يصحّ السلم فيه ،... وفي الجلود تردّد، وقيل: يجوز مع المشاهدة».

الأقوى المنع مطلقاً.

قوله: «ولا يجوز في النبل المعمول... ولا في الجواهر واللآلي».

لم يفرّق بين اللآلي الصغار والكبار؛ لاشتراكهما في علّة المنع، وهو تعذّر الضبط. وفرّق جماعة بينهما وجوّزوه في الصغار (1)؛ لأنّها تباع وزناً، ولا يعتبر فيها صفات كثيرة تتفاوت القيمة فيها تفاوتاً بيّناً بخلاف الكبار، وهو أجود، خصوصاً المتّخذة للدواء.

قوله: «يجوز الإسلاف في... ويجوز في شاة معها ولدها، وقيل: لا يجوز؛ لأنّ ذلك ممّا لا يوجد إلّا نادراً. وكذا التردّد في جارية حامل».

الأقوى الجواز فيهما. ولافرق في الجارية بين الحسناء وغيرها.

قوله: «وفي [جواز] الإسلاف في جوز القزّ تردّد».

منع الشيخ من الإسلاف في جوز القزّ (2)، محتجّاً بأنّ في جوفه دوداً ليس مقصوداً ولا فيه مصلحة، فإنّه إذا ترك فيه أفسده؛ لأنّه يقرضه ويخرج منه، وإنْ مات فيه لم يجز من حيث إنّه ميتة. والأصحّ الجواز؛ لأنّ المقصود بالبيع خال من هذه الموانع، والدود ليس بمقصود، كالنوى الذي لا فائدة فيه.

قوله: «الشرط الثالث: قبض رأس المال قبل التفرّق... ولو قبض بعض الثمن صحّ في المقبوض و بطل في الباقي».

ص: 388


1- منهم: العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 134؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 224 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 211.
2- المبسوط، ج 2، ص 130.

ثمّ إن كان عدم الإقباض بتفريط المسلّم إليه فلا خيار له، وإلّا تخيّر؛ لتبعّض الصفقة.

قوله: «ولو شرط كون الثمن من دين عليه، قيل: يبطل... وقيل: يكره، وهو أشبه».

الأشهر البطلان. نعم، لو لم يعيّنه من الدين ثمّ تحاسبا عليه في المجلس فالأقوى الصحّة.

قوله: «الشرط الرابع: تقدير السلم بالكيل أو الوزن العامَّين».

لا فرق في ذلك بین ما يعتاد كيله ووزنه، وما يعتاد بيعه جزافاً؛ لأنّ المشاهدة تدفع الغرر، بخلاف السلم المعوّل فيه على غائب أو معدوم، وسيأتي في حكم السلم في الحطب والقصب ما ينبّه عليه.

قوله: «وهل يجوز الإسلاف في المعدود عدداً؟ الوجه، لا».

الأقوى صحّته مع انضباطه على وجه يرفع اختلاف الثمن عادة، كالنوع الخاصّ من الجوز، دون ما لا ينضبط كالرمان.

قوله: «لا بدّ أنْ يكون رأس المال مقدّراً بالكيل العامّ، أو الوزن. ولا يجوز الاقتصار على مشاهدته».

إنْ كان ممّا يكال أو يوزن أو يعدّ. فلو كان ممّا يباع جزافاً جاز الاقتصار على مشاهدته، كما لو بيع.

قوله: «ولو اشتراه حالّاً، قيل: يبطل، وقيل: يصحّ، وهو المرويّ».

في الجواز قوّة، خصوصاً مع قصد البيع المطلق.

قوله: «الشرط السادس: أنْ يكون وجوده غالباً وقت حلوله».

أي يكون الأغلب وجوده عند الأجل عادة، فلا يكفي وجوده نادراً. وقيل: يكفي إمكان وجوده فيه (1)، والأوّل أجود، فلا فرق بين كونه مع ذلك موجوداً حال العقد وعدمه.

قوله: «ويُحمل الشهر عند الإطلاق على عدّة بين هلالين، أو ثلاثين يوماً».

ص: 389


1- القائل هو العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 137.

أي يحمل الشهر على شهر هلالي إن اتّفق الأجل في أوّله، سواء كان ثلاثين يوماً أم أقلّ وعلى ثلاثين إنْ كان العقد وقع في أثناء شهر، فالترديد باعتبار التفصيل، لا ترديد إشكالٍ في اعتبار أيّهما.

ويعتبر في أوّلية الشهر وأثنائه العرف لا الحقيقة، فلا يقدح فيه معنى نحو اللحظة والساعة.

قوله: «ولو قال: إلى شهر كذا حلّ بأوّل جزء من ليلة الهلال، نظراً إلى العرف».

إنّما أسنده إلى العرف؛ لأنّ الشهر معيّن وقع غايةً للأجل، والغاية لغة قد تدخل في المغيّى، وقد لاتدخل، لكن هنا دلّ العرف على خروج الغاية، وهو الشهر المعيّن، فيحكم به؛ لأنّه المرجع؛ حيث لا يكون اللفظ حقيقة شرعيّة. وهذا بخلاف ما لو كان الشهر مطلقاً، كما لو جعل الأجل إلى شهر، فإنّه يتمّ بآخره؛ لدلالة العرف عليه أيضاً، وبقرينة أنّه لولا ذلك لَخلا السلم من الأجل، وقد صرّحا به.

وهذا الفرق أولى ممّا قيل: إنّ المغيّى في المبهم مسمّى المدّة، وهو لا يصدق إلّا بالمجموع، وفي المعيّن مسمّاه، وهو يصدق بأوّل جزء منه؛ لأنّ الغاية متحقّقة فيهما، فخروجها في أحدهما دون الآخر بمجرّد مفهومهما تحكّم (1).

قوله: «وإنْ أوقع العقد في أثناء الشهر، أتمّ من الثالث بقدر الفائت من شهر العقد. وقيل: يتمّه ثلاثين يوماً. وهو أشبه» .قويٌّ.

قوله: «ولايشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه، ولو كان في حمله مؤونة».

الأولى اعتبار ذكره مطلقاً، خصوصاً حيث يكونان في موضع قصدهما مفارقته، أو يكون في حمله مؤونة.

وموضع الخلاف ما لو كان السلم مؤجّلاً. كما هو الغالب، فلو كان حالّاً وجوّزناه لم يعتبر تعيين المحلّ قطعاً، بل كان كغيره من البيوع.

ص: 390


1- لم نعثر على قائل له إلّا أنّ الشهيد الثاني نسبه إلى الشهيد الأوّل في بعض تحقيقاته. راجع مسالك الأفهام، ج 3، ص 419.

[المقصد الثالث: أحكامه]

قوله: «الأُولى: إذا أسلف في شيء لم يجز بيعه قبل حلوله. ويجوز [بيعه] بعده وإنْ لم يقبضه [على من هو عليه، وعلى غيره] على كراهية».

الأقوى التحريم إذا كان طعاماً، أو ممّا يكال أو يوزن. ويجوز الصلح عليه قبل الحلول وبعده، وقبل القبض وبعده، على الأقوى.

قوله: «ولو امتنع، قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك».

هذا مع إمكانه، ومع تعذّره يخلّى بينه وبينه وتبرأ ذمّته منه وإنْ تلف. وكذا يفعل الحاكم لو قبضه إنْ لم يمكن إلزامه بالقبض.

قوله: «ولو دفع فوق الصفة وجب القبول، ولو دفع أكثر لم يجب قبول الزيادة».

الفرق بين العين والصفة أنّ زيادة الصفة لاتنافي عين الحقّ بل تؤكّده، إذ المفروض كونه مساوياً له في النوع وغيره وتزيد الصفة، أمّا العين الموجودة في الأكثر مقداراً فهي خارجة عن الحقّ، زائدة عليه، فلا يجب قبولها؛ لأنّها عطيّة جديدة يمكن تحصيلها، والحقّ معها غير متعيّن.

قوله: «الثالثة: إذا اشترى كرّاً من طعام بمائة درهم، وشرط تأجيل خمسين بطل في الجميع على قول».

أمّا بطلانه في المؤجّل فظاهر، وأمّا في غيره فلأنّ الثمن المعجّل يقابل من البيع قسطاً أكثر ممّا يقابله المؤجّل؛ لأنّ للأجل قسطاً منه، والتفاوت غير معلوم عند العقد، فإذا بطل البيع في المؤجّل يجهل ما قابل المعجّل فيبطل أيضاً. ووجه القول بالصحّة إمكان العلم به بالتقسيط ولو بعد العقد، كما لو باع سلعتين فظهرت إحداهما مستحقّة، فإنّ التقسيط اللاحق كافٍ وإنْ جهل ما يخصّ كلّ واحدة حالة العقد. وأقرب منه ما لو باع ما يصحّ تملّكه وغيره، وأشهر القولين هنا البطلان.

قوله: «ولو دفع خمسين وشرط الباقي من دين له على المسلَم عليه صحّ فيما دفع،

ص: 391

وبطل فيما قابل الدين. وفيه تردّد».

الأجود الصحّة في الجميع، حيث لا يكون الدين نفس الثمن، وقد تقدّم (1).

قوله: «الخامسة: إذا قبضه فقد تعيّن وبرئ المسلّم إليه. فإنْ وجد به عيباً فردّه زال ملكه عنه، وعاد الحقّ إلى الذمّة سليماً من العيب».

نبّه بعوده إلى الذمّة على أنّ خروجه منها أوّلاً كان متزلزلاً؛ لكونه معيباً، فيتخيّر بين الرضى به مجّاناً فيستقرّ ملكه عليه، وبين أنْ يردّه عليه فيرجع الحقّ إلى ذمّة المسلَّم إليه سليماً بعد أنْ كان قد خرج عنها خروجاً متزلزلاً. وعلى هذا فالنماء المنفصل المتجدّد بين القبض والردّ للقابض، لأنّه نماء يملكه، كنظائره من النماء المتجدّد زمن الخيار.

وبهذا يندفع ما يقال: إنّ زوال الملك يستدعي ثبوته والمعيب ليس المسلَّم فیه، فلا ينتقل عن المسلَّم إليه؛ لأنّا نمنع من عدم انتقاله، ومن منافاة العيب له؛ لما ذكرناه، فإنّه من جنس الحقّ وعيبه ينجبر بالخيار، فيتمّ الزوال والعود، ومن ثمّ كان النماء له.

قوله: «السادسة: إذا وجد برأس المال عيباً، فإنْ كان من غير جنسه بطل العقد، وإنْ كان من جنسه رجع بالأرش إنْ شاء».

إنّما يبطل العقد مع ظهور العيب من غير الجنس إذا كان ظهوره بعد التفرّق، وكان الثمن بأجمعه معيّناً من غير الجنس، أو كان معيّناً. أمّا لو كان في الذمّة وتبيّن العيب قبل التفرّق لم يبطل العقد؛ لإمكان إبداله. وكذا لو كان بعده والعيب غير مستوعب. وإذا كان من الجنس فإنّما يرجع بالأرش، كما ذكره مع تعيّنه، أمّا مع إطلاقه فلا، بل له إبداله قبل التفرّق وبعده على إشكال تقدّم الكلام على نظيره في باب الصرف (2).

قوله: «إذا قال البائع: قبضته ثمّ رددته إليك قبل التفرّق، كان القول قوله مع يمينه؛ مراعاةً لجانب الصحّة».

إنّما يقبل قوله في أصل القبض الموجب للصحّة. أمّا الردّ فلا يقبل قوله فيه على

ص: 392


1- تقدّم في ص 389.
2- تقدّم في ص 370.

الأقوى.

و حينئذٍ فليس له المطالبة به بثمنه الأوّل وإنْ كان المشتري يعترف بكونه لم يقبضه؛ لأنّه يدّعي مع ذلك فساد السلَم، فلا يعترف بلزوم الثمن لذمّته.

قوله: «الثامنة: إذا حلّ الأجل وتأخّر التسليم لعارض ثمّ طالب بعد انقطاعه كان بالخيار بين الفسخ والصبر».

احترز ب-«العارض» عمّا لو كان تأخير التسليم باختيار المشتري مع بذل البائع، فإنّه لا فسخ له؛ لاستناده إلى تقصيره.

وتخييره بين الأمرين خاصّة على تقديره هو المشهور. وزاد بعضهم ثالثاً، وهو: أنْ لا يفسخ ولا يصبر، بل يأخذ قيمته الآن، وهو حسن.

وفي حكم انقطاعه بعد الأجل مع العارض موت المسلَّم إليه قبل الأجل ووجود المسلَّم فيه.

قوله: «التاسعة: إذا دفع إلى صاحب الدين عروضاً، على أنّها قضاء ولم يساعره، احتسبت بقيمتها يوم القبض».

هذا الحكم لا يختصّ بباب السلم. وذكره في باب الدين أولى. ولو كان الدين من غير النقد الغالب احتسب بقيمته أيضاً يوم دفع العرض، ويدخل في ملك الدين بمجرّد القبض وإنْ لم يساعره عليه في الموضعين.

قوله: «العاشرة: يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه وعلى غيره. فإنْ باعه بما هو حاضر صحّ. وإن باعه بمضمون حالّ صحّ أيضاً. وإنْ اشترط تأجيله، قيل: يبطل؛ لأنّه بيع دين بدين، وقيل: يكره، وهو الأشبه».

أراد ب-«الحاضر» المشخّص، سواء كان حاضراً حين العقد أم لا، وب-«المضمون» ما في الذمّة وما اختاره المصنِّف من الكراهة في المؤجّل هو الأقوى.

قوله: «ولو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معيّنة، قيل: يصحّ، وقيل: لا، وهو الأشبه».

الأقوى الجواز مع مشاهدته على وجه ترتفع الجهالة عنه.

ص: 393

قوله: «ولو شرط أنْ يكون الثوب من غزل امرأة معيّنة، أو الغلّة من قَراح بعينه، لم يضمن».

أي لم يصحّ السلم، فلا يضمن المسلَم فيه؛ لأنّ الضمان لازم الصحّة، فأطلق اللازم وأراد الملزوم. وإنّما لم يصحّ لإمكان أنْ لا يتّفق ذلك للمرأة، بأنْ تمرض، أو تموت، أو تترك العمل، إمكاناً مساوياً لنقيضه. وكذا القراح يمكن أنْ يخيس، أو لا يظهر منه ما يطابق الوصف. والضابط اعتبار ما لا يتخلّف عنه المسلم فيه العادة.

[المقصد الرابع في الإقالة]

قوله: «وهي فسخ في حقّ المتعاقدين وغيرهما. ولا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن ولا نقصان. وتبطل بذلك؛ لفوات الشرط».

لافرق في الزيادة والنقيصة بين العينيّة والحكميّة، فلو أقاله على أنْ ينظره بالثمن، أو يأخذ الصحاح عوض المكسّرة ونحوه، لم يصحّ.

قوله: «إذا تقايلا رجع كلّ عوض إلى مالكه. فإنْ كان موجوداً أخذه، وإنْ كان مفقوداً ضمن بمثله إنْ كان مثليّاً، وإلّا بقيمته، وفيه وجه آخر». يدخل في الموجود ما حصل له نماء منفصل، فإنّه لا يرجع به بل بأصله. أمّا المتّصل فيتبع الأصل. والولد منفصل وإنْ كان حملاً، ولو وجده معيباً أخذ أرش عيبه مطلقاً.

والوجه الآخر الذي أجمله المصنِّف هو أنّ القيمي يضمن بمثله أيضاً، وهو ضعيف.

[المقصد الخامس في القرض]

[حقیقته]

قوله: «الأوّل: في حقيقته، وهو عقد يشتمل على إيجاب... وعلى قبول، وهو اللفظ الدالّ على الرضى بالإيجاب».

ظاهره عدم الاكتفاء بالقبول الفعلي. والأجود الاكتفاء به في جواز التصرّف وإن

ص: 394

لم يحصل به تمام الملك، كالمعاطاة.

قوله: «ولو شرط الصحاح عوض المكسّرة، قيل: يجوز، والوجه المنع».

هذا الشرط جزئي من جزئيات ما تقدّم. وقد عرفت فساد الشرط والقرض. والقول بالجواز هنا، وإخراجه من القاعدة للشيخ (رحمه الله) (1)؛ استناداً إلى رواية (2) لا دلالة فيها على المطلوب، فالقول بالمنع - كنظائره - فيها أصحّ.

[ما يصحّ إقراضه]

قوله: «الثاني: ما يصحّ إقراضه. وهو كلّ ما يضبط وصفه وقدره، فيجوز... والخبز وزناً وعدداً».

إنّما يجوز عدداً مع عدم تفاوته على وجه لا يتسامح به عادة، وإلّا لم يصحّ. ومثله البيض والجوز.

قوله: «وكلّ ما يتساوى أجزاؤه، يثبت في الذمّة مثله.... وما ليس كذلك يثبت في الذمّة قيمته وقت التسليم. ولو قيل: يثبت مثله أيضاً كان حسناً».

الأقوى اعتبار القيمة في القيمي وقت التسليم.

قوله: «وهل يجوز إقراض اللآلي؟ قيل: لا، وعلى القول بضمان القيمة ينبغي الجواز».

في الجواز قوّة، كغيرها من القيمي.

[أحكام القرض]

قوله: «الأُولى: القرض يملك بالقبض لا بالتصرّف؛ لأنّه فرع الملك، فلا يكون مشروطاً به».

ص: 395


1- قاله في النهاية، ص 312.
2- هي رواية يعقوب بن شعيب في الكافي، ج 5، ص 254، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها، ح 4؛ والفقيه، ج 3، ص 285 - 286، ح 4034؛ وتهذيب الأحكام، ج 6، ص 201، ح 450.

أشار بالتعليل إلى الردّ على من قال: إنّه لا يملك إلّا بالتصرّف (1). وتوجيهه أنّ التصرّف فرع الملك وتابع له فيمنع كونه شرطاً فيه، وإلّا لزم كون الشيء الواحد سابقاً على آخر ولاحقاً له، وهو دَوْر.

وقد يوجّه بوجه آخر، وهو أنّ التصرّف فيه لا يجوز حتّى يصير ملكاً؛ لقبح التصرّف في مال الغير، ولايصير ملكاً حتى يتصرّف فيه، فيلزم توقّف التصرّف على الملك وبالعكس، و هو دَوْر أيضاً. وفيه نظر؛ لمنع تبعيّة التصرّف للملك وتوقّفه عليه، بل يكفي فيه إذن المالك، وهو حاصل هنا بالإيجاب المقترن بالقبول، فيكون ذلك سبباً تامّاً في جواز التصرّف، وناقصاً في إفادة الملك، وبالتصرّف يحصل تمام سبب الملك. وكيف كان فالأصحّ أنّه يملك بالقبض مطلقاً.

قوله: «وهل للمقترض ارتجاعه؟ قيل: نعم، ولو كره المقترض، وقيل: لا، وهو الأشبه».

الحكم هنا مبنيّ على ما سبق، فإنْ قلنا إنّه لا يملك إلّا بالتصرّف فللمقرض الرجوع في العين قبله؛ لأنّها ملكه. وإنْ قلنا يملك بالقبض فلا، ويمكن جريان الخلاف هنا على هذا التقدير أيضاً، كما هو ظاهر العبارة. نظراً إلى أنّ القرض من العقود الجائزة ويصحّ الرجوع فيه وفسخه، ويفتقر الرجوع إلى عين المال لا إلى عوضه، كالهبة والبيع بخيار.

قوله: «الثانية: لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم».

أي شرط تأجيل مال القرض في عقده. ويمكن أنْ يريد ما هو أعمّ، بأن يشرط في عقد القرض تأجيل مال حالّ، سواء كان القرض أم غيره. والحكم فيهما واحد؛ لأنّ عقد القرض كما مرّ من العقود الجائزة، لا يلزم ما يشترط فيها. ولو شرط تأجيله في غير القرض من العقود اللازمة، بأن باعه شيئاً وشرط عليه تأجيل دينه إلى شهر مثلاً، فالأقوى لزومه ووجوب الوفاء به.

ص: 396


1- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 104.

قوله: «ولو أجّل الحالّ لم يتأجّل. وفيه رواية مهجورة تحمل على الاستحباب».

المراد بتأجيل الحالّ أنْ يعبّر صاحب الدين بعبارة تدلّ عليه من غير ذكره في عقد كما مرّ، بأن يقول: أجّلتك في هذا الدين مدّة كذا. ووجه عدم اللزوم بذلك واضح؛ إذ ليس ذلك بعقد يجب الوفاء به، بل هو وعد يستحبّ الوفاء به.

قوله: «لو أخّره بزيادة فيه، لم تثبت الزيادة ولا الأجل، نعم يصحّ تعجيله بإسقاط بعضه».

مع تراضيهما بذلك. وكما يعتبر التراضي في إسقاط البعض يعتبر في تعجيله بغير إسقاط، لكن إسقاط الأجل يكفي فيه مجرّد الرضى. أمّا إسقاط بعض الحقّ فيتوقف على لفظ يدلّ عليه صريحاً، كالإبراء وما في معناه.

قوله: «الثالثة: من كان عليه دين و غاب صاحبه غيبةً منقطعةً، يجب أن... ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه، ومع اليأس يتصدّق به عنه، على قول». قويّ. ولو رجع في ذلك إلى الحاكم كان أولى. ولو دفعه إليه فلا ضمان وإنْ تلفت في يده بغير تفريط ولم يرض المالك. وكذا لو تلف في يده حيث يعوله ويبقيه أمانة.

قوله: «الخامسة: الذمّي إذا باع ما لا يصحّ للمسلم تملّكه كالخمر جاز دفع الثمن إلى المسلم عن حقّه».

التقييد بالذمّي لإخراج الحربي؛ إذ لا يجوز أخذ ثمن ذلك منه؛ لعدم إقرار الشريعة له على ذلك. ولا بدّ من تقييد الذمّي بكونه مستتراً في بيع ذلك، فلو تظاهر به لم يجز.

قوله: «السادسة: إذا كان لاثنين مال في ذمم، ثمّ تقاسما بما في الذمم، فكلّ ما يحصل لهما، وما يتوى منهما».

المراد أنّ قسمة ما في الذمم غير صحيحة. وعبّر عن البطلان بلازمه، وهو كون الحاصل لهما والذاهب عليهما. نعم لو جعلا ذلك على وجه الصلح بعضاً ببعض ففي الصحّة قوّة، بناء على أصالة عقده و «يتوى» في عبارة المصنِّف - بالتاء المثنّاة من فوق - بمعنى يهلك. يقال: تَوِيَ المال - بكسر الواو - يتوى إذا هلك.

ص: 397

قوله: «السابعة: إذا باع الدين بأقلّ منه، لم يلزم المدين أنْ يدفع إلى المشتري أكثر ممّا بذله، على رواية».

الأقوى أنّه مع صحّة البيع يلزمه دفع الجميع. ولا بدّ من رعاية شروط الربا والصرف لو كان أثماناً. ولو وقع ذلك بصيغة الصلح صحّ أيضاً، وسلم من اعتبار الصرف دون الربا، على الأقوى.

[المقصد السادس في دين المملوك]

قوله: «لا يجوز للمملوك أنْ يتصرّف في نفسه بإجارة، و... وكذا لو أذن له المالك أنْ يشتري لنفسه، وفيه تردّد؛ لأنّه يملك وطء الأمة المبتاعة. مع سقوط التحليل في حقّه».

المشبّه به في قوله: «وكذا لو أذن له المالك» هو الحكم السابق، وهو المنع من تصرّف العبد مجرّداً عن قيد الاستثناء؛ لأنّ المفروض وقوع الإذن هنا مع التردّد في الحكم. والأقوى أنّه لا يملك بذلك، ولا يستبيح الوطء وما ذكره من التعليل في محلّ النزاع، وكذا القطع بسقوط التحليل في حقّه.

قوله: «فإن أذن له المالك في الاستدانة، كان الدين لازماً للمولى إن استبقاه أو باعه. وإنْ أعتقه، قيل: يستقرّ في ذمّة العبد، وقيل: بل يكون باقياً في ذمّة المولى، وهو أشهر الروايتين».

محلّ النزاع ما إذا استدان العبد بإذن المولى لنفسه، أمّا لو استدان للمولى فهو على المولى قولاً واحداً. وأصحّ القولين الثاني.

قوله: «ولو أطلق له النسيئة كان الثمن في ذمّة المولى. ولو تلف الثمن لزم المولى عوضه».

أي تلف المدفوع إليه ليجعله ثمناً قبل تسليمه إلى البائع والحال أنّه قد اشترى نسيئة، فإنّه يلزم المولى عوضه. وليس المراد به الثمن المعيّن، كما يقتضيه ظاهر لفظ

ص: 398

«الثمن» لأنّ تلفه يبطل البيع، فلا يلزم المولى عوضه.

قوله: «ولو أذن له في التجارة لم يكن ذلك إذناً لمملوك المأذون».

يمكن أنْ يريد ب- «مملوك المأذون» حقيقة، بناءً على القول بأنّه يملك، وأن يريد به المجازي؛ ليشمل من هو في خدمته من مماليك المولى حالة التجارة، بحيث يدخل تحت أمره. والحكم بهما واحد؛ لانّ المولى إنّما اعتمد على نظره، فلم يمكن له تجاوزه بالاستنابة، كالوكيل، حيث لا يدلّ على الإذن له دليل من خارج.

[خاتمة]

قوله: «وأُجرة بائع الأمتعة على البائع، ومشتريها على المشتري». المراد أنّ أُجرة الدلّال على من يأمره فإنْ أمره الإنسان ببيع متاع فباعه له فأُجرته على البائع الآمر له لاعلى المشتري. وإنْ أمره إنسان أنْ يشتري له متاعاً ولم يأمره مالکه ببيعه فأُجرته على المشتري الآمر. وإنّما استحقّ الأُجرة وإنْ لم يشارط عليها؛ لأنّ هذا العمل ممّا يستحقّ عليه أُجرة في العادة، والدلّال أيضاً ناصب نفسه للأُجرة فيستحقّها، كما سيأتي في الإجارة.

قوله: «وإذا باع واشترى فأُجرة ما يبيع على الأمر ببيعه، وأُجرة الشراء على الأمر بالشراء. ولا يتولّاهما الواحد».

المراد كون الدلّال باع أمتعة شخص، واشترى أمتعة لشخص آخر غير تلك الأمتعة، فهاهنا يستحقّ أُجرتين على العمَلَين؛ لعدم المنافاة. وهذا قسم ثالث للمسألة السابقة التي اشتملت على استحقاقه أُجرة واحدة من البائع على ما باعه، وأُجرة واحدة من المشتري على ما اشتراه

وأمّا قوله: «ولا يتولّاهما الواحد» فظاهر سياق العبارة - كغيرها ممّا عبّر فيه بذلك - أنّ المراد بذلك أنّ الشخص الواحد لا يتولّى العملين في متاع واحد، بحيث يستحقّ به أُجرة على البائع الذي أمره بالبيع والمشتري الذي أمره بالشراء، بل لا يستحقّ إلّا أُجرة

ص: 399

واحدة؛ لأنّه عمل واحد. ولأنّ البيع مبنيّ على المكايسة والمغالبة، ولا يكون الشخص الواحد غالباً ومغلوباً، والعمل بالحالة الوسطى خارج عن مطلوبهما غالباً. وحينئذٍ فمن كايس له استحقّ عليه الأُجرة خاصّة.

لكن يشكل إطلاقه بما لو كان السعر مضبوطاً عادة، بحيث لا يحتاج إلى المماكسة، أو كانا قد اتّفقا على قدر معلوم وأرادا توليّه طرفي العقد. فيكون عليهما أُجرة واحدة بالسويّة، سواء افترقا في الأمر أم تلاحقا، مع احتمال كون الأُجرة على السابق. هذا إذا جوّزنا للواحد تولّي طرفي العقد، وإلّا فعدم استحقاق الواحد لهما أوضح. ويحتمل على بُعد أنْ يكون الضمير في «يتولّاهما» عائداً إلى الإيجاب والقبول المدلول عليهما بالمقام أو بالبيع والشراء، فيكون ذهاباً إلى المنع. أو يعود الضمير إلى الأُجرتين، بناء على المنع من تولّي الطرفين.

وعلى ذلك نزّل الشهيد (رحمه الله) في الدروس (1) كلام الأصحاب في هذه العبارة؛ لأنّها عبارة متداولة.

ويضعّف بأنّ المصنّف وكثيراً ممّن عبّر بذلك لا يرى المنع من تولّى الواحد الطرفين، فتنزيل كلامه على ما لا يوافق مذهبه ليس بجيّدِ.

ص: 400


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

كتاب الرهن

[الفصل الأوّل في الرهن]

قوله: «والقبول هو الرضى بذلك الإيجاب».

بمعنى أنّه لا ينحصر في لفظ، بل كلّ ما دلّ على الرضى به كفى؛ لأنّه من العقود الجائزة من طرف المرتهن، فيكفي فيه ما يكفي فيها. ويمكن أن يريد المصنِّف الاكتفاء فيه بالفعل الدالّ عليه أيضاً؛ لأنّ الرضى يمكن أن يستفاد من الفعل ولكنّ الأجود اعتبار اللفظ.

قوله: «ويصحّ الارتهان سفراً وحضراً».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة (1)، حيث شرط في صحّته السفر؛ نظراً إلى قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) (2).

وأُجيب بأنّه مبنيّ على الأغلب، فإنّ عدم الكاتب عادةً لا يكون إلّا في السفر، مثل قوله تعالى: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ - إلى قوله - فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (3)، فإنّ السفر مظنّة لعدم الماء غالباً بخلاف الحضر. مع أنّه معارض باشتراطه بعدم الكاتب، مع أنّه غير شرطٍ بموافقة الخصم.

ص: 401


1- نسبه ابن المنذر إلى مجاهد، على ما حكاه عنه ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 398، المسألة 3272.
2- البقرة (2): 283.
3- النساء (4): 43؛ المائدة (5): 6.

قوله: «وهل القبض شرط فيه؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأصحّ».

الأقوى عدم اشتراطه في الصحّة ولا في اللزوم، ووصف الرهن بالقبض في الآية للإرشاد لا للاشتراط، كما يرشد إليه اشتراطه بالسفر وعدمِ الكاتب.

قوله: «ولو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد».

أي لم ينعقد «القبض» بحيث يلزم منه لزوم الرهن، وليس المراد بالمنفيّ انعقاد الرهن؛ لأنّه ينعقد بدون القبض، وإن قلنا بكونه شرطاً غايته أنّه لا يلزم بدونه.

ويمكن أن يريد أنّه لا ينعقد «الرهن»، بمعنى أنّه لا يلزم بذلك، ويكون الانعقاد كناية عن اللزوم.

ويؤيّده عطفه حكم المسألة الآتية على هذا الحكم، وإنّما يتمّ مع إرادة انعقاد الرهن.

قوله: «ولو رهن ما هو في يد المرتهن لزم، ولو كان غصباً؛ لتحقّق القبض».

الأقوى أنّ قبضه بالغصب ونحوه غير كافٍ، بل يفتقر إلى إذن جديد له ومضيّ زمان يمكن فيه تجديده، وحينئذٍ فالضمان باق عليه إلى أن يحصل الإذن فيه.

قوله: «ولو رهن ما هو غائب لم يصر رهناً حتّى يحضر المرتهن - أو القائم مقامه - عند الرهن ويقبضه».

المراد أنّه لا يصير رهناً لازماً بدون ذلك، وإلّا فقد تقدّم أنّ أصل الرهن يتحقّق بدون القبض، بناء على اشتراطه وإنّما يعتبر حضور المرتهن عنده إذا كان الرهن منقولاً؛ لأنّ المعتبر في قبضه نقله، أمّا لو كان غير منقول كفى التخلية وكونه تحت يده، بحيث يتحقّق القبض عرفاً.

قوله: «ولو أقرّ الراهن بالإقباض قُضي عليه إذا لم يعلم كذبه».

كما لو قال: رهنته اليوم داري التي بالحجاز - وهما بالشام - وأقبضته إيّاها، فإنّه لا يلتفت إليه؛ لأنّه محالٌ عادةً، بناءً على ماسلف من اعتبار وصول المرتهن، أو من يقوم مقامه، إلى الرهن ويقبضه، أو على ما اخترناه من دخوله تحت اليد عادةً.

ص: 402

قوله: «وتسمع دعواه لو ادّعى المواطأة على الإشهاد، ويتوجّه اليمين على المرتهن على الأشبه».

قويٌّ؛ حيث لا يحصل بذلك تكذيب الشهود بأن شهد الشاهدان بنفس الإقباض، ومثله ما لو شهدا على إقراره به فأنكر الإقرار فلا يتوجّه له بذلك يمين.

قوله: «ولا يجوز تسليم المشاع إلّا برضى شريكه، سواء كان ممّا ينقل أو لا ينقل، على الأشبه».

الأقوى عدم اشتراط إذنه في غير المنقول، وعلى تقديره لو قبضه بغير إذن الشريك تحقّق قبض الرهن على الأقوى، وإن كان محرّماً.

[الفصل الثاني في شرائط الرهن]

قوله: «وفي رهن المدبّر تردّد... أمّا لو صرّح برهن خدمته مع بقاء التدبير قيل: يصحّ».

هذه المسألة من جزئيّات رهن المنفعة، وقد تقدّم عدم جوازه (1).[وإنّما] خصّها بالذكر؛ لما روي من جواز بيع خدمته (2)، فيصحّ رهنها، والأقوى عدم الجواز مطلقاً.

قوله: «لو رهن المسلم خمراً لم يصحّ... ولو وضعها على يد ذمّي على الأشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو رهن أرض الخراج لم يصحّ».

أرض الخراج هي المفتوحة عنوة والتي صالح [الإمام] أهلها على أن تكون ملكاً للمسلمين وضرب عليهم الخراج، والأقوى جواز رهنها تبعاً لآثار التصرّف من بناءٍ و شجرٍ ونحوهما، لا منفردةً.

قوله: «ولو رهن ما لا يصحّ إقباضه، كالطير في الهواء والسمك في الماء، لم يصحّ رهنه».

بناءً على اشتراط القبض، ومعه ينبغي تقييد الطير بما لا يوثق بعوده عادة، والسمك

ص: 403


1- لم نعثر عليه فيما تقدّم من كلام الشهيد إلّا أنّه تقدّم الكلام فيه في كلام المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 67 حيث قال: لو رهن ديناً لم ينعقد. وكذا لو رهن منفعة كسكني الدار... .
2- كرواية السكوني التي رواها الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 8، ص 260 ح 945؛ الاستبصار، ج 4، ص 29، ح 100.

بكونه في ماءٍ غير محصورٍ بحيث يتعذّر قبضه عادة، وإلّا صحّ.

قوله: «وكذا لو رهن عند الكافر عبداً مسلماً، أو مصحفاً، وقيل: يصحّ ويوضع على يد مسلم، و هو أولى». قويٌّ.

قوله: «ويصحّ الرهن في زمان الخيار... لانتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه».

مقتضى التعليل أنّ الراهن هو المشتري، بناءً على انتقال الملك إليه بالعقد، خلافاً للشيخ (1). ويشكل حينئذٍ جواز رهن المشتري وإن قلنا. بملكه؛ لما فيه من التعرّض لإبطال حقّ البائع.

نعم لو كان الخيار له خاصّة فلا إشكال، ويكون الرهن مبطلاً للخيار. وكذا يجوز للبائع رهنه لو كان الخيار له، أو لهما، ويكون فسخاً للبيع.

قوله: «يصحّ رهن العبد المرتدّ... والجاني خطأً، وفي العمد تردّد، والأشبه الجواز».

قويٌّ، ثمّ إنْ قُتل بطل الرهن، وإن فداه مولاه أوعفا الولي بقي رهناً.

قوله: «ولو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإنْ شرط بيعه جاز وإلّا بطل، وقيل: يصحّ ويجبر مالكه على بيعه».

قويٌّ، وموضع الخلاف ما لا يمكن إصلاحه بتجفيفه، كالعنب. وإلّا صحّ رهنه اتّفاقاً.

واحترز بقوله: «قبل الأجل» عمّا لو كان لا يفسد إلّا بعد حلوله، بحيث يمكن بيعه قبله، فإنّه لا يمنع. وكذا لو كان الدين حالّاً؛ لإمكان حصول المقصود منه. وحيث يصحّ الرهن ويترك المرتهن البيع فيفسد ضمن، إن لم ينهه المالك عن البيع، وإلّا لم يضمن.

[الفصل الثالث في الحقّ]

قوله: «وكذا مال الكتابة، ولو قيل بالجواز فيه كان أشبه».

الخلاف مبنيٌّ على لزومها وعدمه، والأقوى أنّها لازمة مطلقاً، فيصحّ الرهن على مالها مطلقاً.

ص: 404


1- قاله في المبسوط، ج 2، ص 165.

قوله: «ولا يصحّ على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن».

كما لو آجره نفسه شهراً معيّناً، أو داره كذلك، أو دابّته المعيّنة لحملٍ معيّنٍ.

ونحو ذلك؛ لأنّ تلك المنفعة لا يمكن استيفاؤها إلّا من العين المخصوصة، حتّى لو تعذّر الاستيفاء منها لموتٍ وخرابٍ ونحو هما بطلت الإجارة، بخلاف الإجارة المتعلّقة بالذمّة، كما لو استأجره على تحصيل خياطة ثوبٍ بنفسه أو بغيره، فإنّ الواجب تحصيل المنفعة على أيّ وجهِ اتّفق، فيصحّ الرهن عليها؛ لإمكان استيفائها من الرهن.

[الفصل الخامس في المرتهن]

قوله: «ويجوز لوليّ اليتيم أخذ الرهن له».

الأولى كون الجواز بمعناه الأعمّ فيشمل الوجوب، فإنّه لا يجوز بيع ماله نسيئة، ولا إدانته حيث يجوز، إلّا بالرهن الذي يمكن استيفاء جميع الحقّ منه، ويعتبر مع ذلك كونه بيد الوليّ، أو بيد عدلٍ، والإشهاد عليه. ولو أخلّ ببعض هذه ضمن.

قوله: «ولو تعذّر اقتصر على إقراضه من الثقة غالباً».

أي تعذّر الرهن. وظاهره وجوبه حينئذٍ كشرطه تعذّره في إقراضه الثقة، فيؤيّد كون الجواز في السابق بمعناه الأعمّ. والمراد بقوله: «الثقة غالباً» الثقة في ظاهر الحال، بمعنى الاكتفاء بظاهر أمره، ولا يشترط العلم بذلك؛ لتعذّره، فعبّر عن الظاهر بالغالب، نظراً إلى أنّ الظاهر يتحقّق بكون الغالب على حاله كونه ثقة، لا أنّ المراد كونه في غالب أحواله ثقةً دون القليل منها، فإنّ ذلك غير كافٍ.

والمراد ب-«الثقة» في ذلك ونظائره «العدل».

قوله: ولم يكن للراهن فسخ الوكالة، على تردّدٍ».

الأقوى لزومها من قِبَل الراهن وإن كانت جائزة بدون الشرط؛ لكونها مشروطة في عقد لازم من جهة الراهن، وشرطها كافٍ في تحقّقها، فيكون كجزء من الإيجاب والقبول، فحيث يكون لازماً يلزم.

ص: 405

قوله: «ولو مات المرتهن ولم يعلم الرهن، كان كسبيل ماله حتّى يعلم بعينه».

المراد أنّ الرهن لم يعلم كونه موجوداً في التركة ولا معدوماً، فحينئذٍ يكون كسبيل مال المرتهن، أي بحكم ماله، بمعنى أنّه لا يحكم للراهن في التركة بشيء، عملاً بظاهر حال كون ما تركه لورثته، وأصالة براءة ذمّته من حقّ الراهن؛ إذ الرهن لم يتعلّق بذمّته؛ لأنّه أمانة، ولا بماله؛ لأصالة بقاء ماله على ما كان.

والمراد بقوله: «حتّى يعلم بعينه» العلم بوجود الرهن في التركة يقيناً، سواء علم معيّناً أم مشتبهاً في جملة التركة.

قوله: «والمرتهن أحقّ باستيفاء دينه من غيره من الغرماء، سواء كان الراهن حيّاً أو ميّتاً».

على الأقوى. الخلاف في تقديم المرتهن على غرماء الميّت، فقد روي أنّه حينئذٍ وغيره سواء (1). والأقوى تقديمه مطلقاً.

قوله: «وإن كان للرهن مؤونة، كالدابّة، أنفق عليها وتقاصّا، وقيل: إذا أنفق عليها كان له ركوبها».

الأقوى أنّه ليس للمرتهن التصرّف في الرهن مطلقاً إلّا بإذن الراهن، فإن تصرّف لزمته الأُجرة فيما له أُجرة، والمثل أو القيمة فيما يضمن كذلك، كاللبن. وأمّا النفقة فإن أمَره الراهن بها رجع بما غرم، وإلّا استأذنه، فإن امتنع أو غاب رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذَّر أنفق هو بنيّة الرجوع، وأشهد عليه؛ ليثبت له استحقاقه، فإن تصرّف مع ذلك في شيء ممّا ذكر سابقاً ضمنه مع الإثم، وتقاصّا، ورجع ذو الفضل بفضله.

قوله: «ويجوز للمرتهن أن يستوفي دَينه ممّا في يده إن خاف جحود الوارث مع اعترافه». المراد أنّه لم يكن وكيلاً في البيع، إمّا لعدمها ابتداءً، وإمّا لبطلانها بموت الراهن، كما

ص: 406


1- كما في رواية عبد الله بن الحكم في الفقيه، ج 3، ص 307، ح 4103؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 177، ح 783؛ ورواية سليمان بن حفص المروزي في الفقيه، ج 3، ص 310، ح 4114؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 178، ح 784.

مرّ، فإنّ له حينئذٍ أن يبيع بنفسه ويستوفي إن خاف جحود الوارث الدين، ولكنّ المراد الخوف المستند إلى القرائن المثمرة للظنّ الغالب. كلّ ذلك مع عدم البيّنة المقبولة عند الحاكم، وإلّا لم يجز، بل يثبت عنده الدين والرهن، ويستأذنه في البيع.

قوله: «لو وطئ المرتهن الأمة مكرِهاً كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر، وقيل: عليه مهر أمثالها».

المراد العشر إن كانت بكراً، ونصفه إن كانت ثيّباً. والتفصيل هو الأشهر.

قوله: «ولو طاوعته لم يكن عليه شيء».

الأقوى ثبوته مطلقاً.

قوله: «ولو باع المرتهن أو العدل الرهنَ، ودفع الثمن إلى المرتهن، ثمّ ظهر فیه عيب، لم يكن للمشتري الرجوع على المرتهن. أمّا لو استحقّ الرهن استعاد المشتري الثمن منه».

الفرق بين العيب والاستحقاق أنّ العيب لا يبطل البيع، وإنّما يبطل بفسخ المشتري من حينه، وهو مسبوق بقبض المرتهن الثمن، وتعلّق حقّ الوثيقة به، سواء كان قد أخذه من دَينه أم أبقاه وثيقةً، فيرجع المشتري على الراهن بعوض الثمن، بخلاف ظهور استحقاق الرهن، فإنّه يبطل البيع من أصله، فلا يدخل الثمن في ملك الراهن.

[الفصل السادس في اللواحق]

اشارة

قوله: «وفي صحّة العتق مع الإجازة تردّد، والوجه الجواز». قويٌّ.

قوله: «وكذا المرتهن».

المشبه به عدم جواز تصرّف الراهن في الرهن بشيء من الأُمور المذكورة سابقاً، فالعطف على أوّل المسألة (1)، لا على مسألة العتق؛ لأنّها تأتي.

قوله: «وفي عتقه مع إجازة الراهن تردّد، والوجه المنع». قويٌّ. والفرق بين عتق الراهن

ص: 407


1- إشارة إلى قوله: «لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن...».

والمرتهن: أنّ الراهن مالك وإنّما كان المانع تعلّق حقّ المرتهن وقد زال بإجازته، بخلاف المرتهن فإنّه غير مالك، ولا عتق إلّا في مِلكٍ، فيكون كالفضولي لا يصحّح عتقه الإجازة.

قوله: «وهل تباع؟ قيل: لا، ما دام الولد حيّاً، وقيل: نعم؛ لأنّ حقّ المرتهن أسبق، والأوّل أشبه».

في الجواز قوّةٌ.

قوله: «وإذا حلّ الأجل وتعذّر الأداء كان للمرتهن البيع إنْ كان وكيلاً، وإلّا رفع أمره إلى الحاكم، ليلزمه البيع».

هذا إذا أمكن إثبات الحقّ عند الحاكم، وإلّا جاز استقلاله بالبيع بنفسه واستيفاء حقّه، ومثله ما لو تعذّر وصوله إلى الحاكم وإن كان له بيّنة.

[أحكام متعلّقة بالرهن]

قوله: «ولو شرط إن لم يؤدّ الدين أن يكون الرهن مبيعاً، لم يصحّ».

المراد أنّه رهنه الرهن على الدين المؤجّل، وشرط أنّه إن لم يؤدّ الدين في ذلك الأجل يكون الرهن مبيعاً له بالدين، أو بقدرٍ مخصوص، فإنّه لا يصحّ الرهن، ولا البيع؛ لأنّ الرهن لا يتوقّف والبيع لا يتعلّق. وحينئذٍ فلو قبضه على هذا الوجه ضمنه بعد الأجل لاقبله؛ لأنّه في مدّة الأجل رهن فاسد، وبعده مبيع فاسد، وفاسد كلّ عقدٍ يتبع صحيحه في الضمان وعدمه، وحيث كان صحيح الرهن غير مضمون ففاسده كذلك، وحيث كان صحيح البيع مضموناً ففاسده كذلك.

قوله: «ولو غصبه ثمّ رهنه صحّ، ولم يزل الضمان. وكذا لو كان في يده مبيع فاسد. ولو أسقط عنه الضمان صحّ».

الضمير في «غصبه» و «رهنه» يعود إلى المال المجعول رهناً، وأمّا المستكنّ فيهما فلايخلو من خفاء. والأولى بناء صيغة «غصبه» للمعلوم و «رهنه» للمجهول، أي لو غصب المال غاصب ثمّ رهن الغاصبَ ذلك المالَ. وظاهر أنّ الراهن هو المالك

ص: 408

المغصوب منه. وإنّما لم يزل الضمان عن المرتهن الغاصب بمجرّد الرهن، مع تحقّق القبض بمجرّد العقد عند المصنِّف، كما تقدّم؛ لأنّ الضمان كان ثابتاً من قبل، ولم يحصل ما يزيله، فيستصحب. وإنّما لم يكن القبض للرهن مزيلاً؛ لأنّه يجامع الضمان، كما لو تعدّى المرتهن في الرهن فلا ينافيه؛ ولأنّ دوام الرهن إذا لم يمنع ابتداء الضمان بمثل التعدّي فابتداؤه أولى بعدم المنع، خصوصاً للضمان المستدام بالغصب؛ لأنّ الابتداء في كلّ من الرهن والضمان أضعف من الاستدامة.

وقيل: يزول بمجرّد العقد (1)؛ لانصراف القبض بعده إلى الرهن المقتضي لصيرورته أمانةً، و لزوال السبب المقتضي للضمان، والأوّل أقوى.

نعم لو جدّد له المالك الأذن في القبض فزوال الضمان أقوى؛ لأنّ إذنه حينئذٍ بمنزلة قبضه إيّاه ثمّ دفعه إليه. وكذا القول في كلّ قبض مضمون.

قوله: «ولو حملت الشجرة، أو الدابّة، أو المملوكة بعد الارتهان، كان الحمل رهناً كالأصل على الأظهر».

الأقوى عدم دخوله إلّا مع الشرط.

قوله: «وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة وإنْ لم تؤبّر».

وكذا لاتدخل ثمرة غيره بعد ظهورها مطلقاً إلّا مع الشرط. وإنّما خصّ ثمرة النخل، للتنبيه على أنّ دخولها في بيع الشجرة قبل التأبير مختصّ بالبيع عندنا، وعلى خلاف بعض العامّة حيث ألحقه بالبيع (2).

قوله: «وكذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع والشجر والنخل. ولو قال: بحقوقها دخل، وفيه تردّد».

الأصحّ عدم الدخول بذلك، كالبيع.

قوله: «وهل يُجبر الراهن على إزالته؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأشبه». قويٌّ.

ص: 409


1- القائل هو العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 161.
2- كأبي حنيفة، نُسب إليه ذلك في حلية العلماء، ج 4، ص 436.

قوله: «قيل: يبطل، والوجه أنّه لا يبطل». قويٌّ.

قوله: «وإذا جنى المرهون عمداً تعلّقت الجناية برقبته، وكان حقّ المجنيّ عليه أولى».

إنّما كان حقّ المجنيّ عليه أولى، مع أنّ سببه متأخّر عن حقّ المرتهن؛ لأنّ حقّ المجنيّ عليه متعيّن في الرقبة، ومِن ثمّ لو مات الجاني لم يلزم السيّد شيء، وحقّ المرتهن متعلّق بالرقبة وبذمّة الراهن، فلا يفوت حقّه بفواتها.

قوله: «وإن كانت الجناية على من يرثه المالك ثبت للمالك ما يثبت للمورّث».

الفرق بين الجناية على المولى وعلى مورّثه - مع أنّ الحقّ للمولى في الموضعين - أنّ الواجب في الجناية على المولى له ابتداءً، ويمتنع أن يجب له على ماله مال، أمّا الجناية على مورّثه فالحقّ فيها ابتداءً للمجنيّ عليه، وإنّما ينتقل الحقّ إلى الوارث من الموروث، و إن كان ديةً؛ لأنّها محسوبة من دينه وكما لا يمتنع ثبوت مال لمورّث المولى على عبده لا يمتنع انتقاله عنه إليه، فيفكّه من الرهن لذلك.

قوله: «ولو رهن عصيراً فصار خمراً بطل الرهن، فلو عاد خلّاً، عاد إلى ملك الراهن».

إنّما يبطل الرهن بذلك بطلاناً مراعىً ببقائه كذلك أو بتلفه، فلو عاد خلّاً عاد الرهن، وإن كانت العبارة تؤذن بخلاف ذلك، من حيث البطلان، ومن قوله: «عاد إلى ملك الراهن». إنّما يبطل الرهن بذلك بطلاناً مراعىً ببقائه كذلك أو بتلفه، فلو عاد خَلّاً عاد الرهن، وإن كانت العبارة تؤذن بخلاف ذلك، من حيث البطلان، ومن قوله: «عاد إلى ملك الراهن».

والحاصل: أنّهم لا يعنون ببطلان الرهن هنا اضمحلال أثره بالكلّيّة، بل ارتفاع حكمه ما دامت الخمريّة [باقية]، وتبقى علاقة الرهن؛ لبقاء أولويّة المالك على الخمر المتّخذة للتخليل، فكأنّ الملك والرهن موجودان فيه بالقوّة القريبة؛ لأنّ تخلّله متوقّع.

والزائل المعبّر عنه بالبطلان هو الملك والرهن بالفعل، لوجود الخمريّة المنافية.

قوله: «ولو رهن من مسلمٍ خمراً لم يصحّ، فلو انقلب في يده خلّاً، فهو له على تردّد».

ضمير «له» يعود إلى المرتهن المدلول عليه ب-«رهن»، فإنّه يقتضي راهناً ومرتهناً. والمراد أنّه إذا رهنه الخمر وأقبضه إيّاها لم يصحّ الرهن؛ لأنّ الخمر لا تملك للمسلم

ص: 410

وإن اتّخذت للتخليل، فإذا دفعها إلى المرتهن وتخلّلت في يده ملكها المرتهن؛ لاستيلاء يده عليها، كما يملك سائر المباحات التي لايَدَ لأحدٍ عليها بذلك.

ووجه التردّد في ذلك: ممّا ذكر، ومن أنّ يد الأوّل لم تَزُلْ بالرهن؛ لأنّ الراهن له يدٌ على الرهن في الجملة، وهي أسبق. ويقوى ذلك لو كانت محترمة، وهي التي اتّخذها الراهن للتخليل، أمّا غيرها فالأوّل أقوى.

[في مسائل النزاع:]

قوله: «الثالثة: إذا فرّط في الرهن [وتلف] لزمه قيمته يوم قبضه، وقيل: يوم هلاكه، وقيل: أعلى القيم».

القول الأوسط أقوى، ومحلّ الخلاف القيمي، فلو كان مثليّاً ضمن بمثله إن وجد، وإلّا فقيمته عند الأداء على الأقوى.

قوله: «فالقول قول الراهن، وقيل: قول المرتهن. وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «الرابعة: لو اختلفا فيما على الرهن كان القول قول الراهن. وقيل: القول قول المرتهن... والأوّل أشهر». قويٌّ.

قوله: «الخامسة: ... فالقول قول المالك. وقيل: قول الممسك. والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «السادسة: ... كان القول قول المرتهن ترجيحاً لجانب الوثيقة، إذ الدعويان متكافئتان».

وجه التكافؤ: أنّ الراهن يدّعي تقدّم البيع على الرجوع، والأصل عدمه، والمرتهن يدّعي تقدّم الرجوع على البيع، والأصل عدم تقدّمه أيضاً، فتكافأ الأصلان وتساقطا، فبقي حكم الرهن باقياً، وهو معنى ترجيح جانب الوثيقة.

هذا إذا أطلقا الدعويين أو وقّتاهما بوقت واحد على وجه يتحقّق تعارض الأصلين، أمّا لو اتّفقا على زمان أحدهما واختلفا في تقدّم الآخر فإنّ الأصل مع مدّعي التأخّر.

قوله: «السابعة: إذا اختلفا فيما يباع به الرهن بيع بالنقد الغالب في البلد ...» إلى آخره.

المراد أنّ أحدهما طلب بيعه بالنقد الغالب والآخر بغيره فإنّه يباع بالنقد الغالب وإنّما

ص: 411

فسّرنا بذلك ليحصل الفرق بينها وبين المسألة الآتية حيث قال: «ولو طلب كلّ واحد منهما نقداً غير النقد الغالب وتعاسرا، ردّهما الحاكم إلى الغالب» فإنّ اختلافهما مع اتّحاد النقد الغالب منحصر في كون أحدهما موافقاً والآخر مخالفاً، أو كونهما مخالفين، فالأوّل هو الأُولى والثاني الثانية. وقد كان ذكر الأُولى مغنياً عن الثانية؛ لإمكان أخذها مطلقة بحيث تشملهما.

قوله: «ولو كان للبلد نقدان غالباً بيع بأشبههما بالحقّ».

إن وافق أحدهما، ولو بايناه عَيَّن الحاكم إن امتنعا من التعيين، ولو كان أحد المتباينين أسهل صرفاً إلى الحقّ تعيّن أيضاً.

قوله: «الثامنة: إذا ادّعى رهانة شيء - إلى قوله -: وخرجا عن الرهن».

هذا إذا كان الرهن المتنازع غير مشروط في عقد لازم، وإلّا فالأقوى التحالف وفسخ العقد بعده إن أراده المرتهن.

قوله: «التاسعة: ... فالقول قول الدافع؛ لأنّه أبصر بنيّته».

مع يمينه، ولا فرق بين تنازعهما على النيّة ابتداء وعلى اللفظ، بأن ادّعى إقراره بكونه نواه عن الدين الفلاني.

ص: 412

كتاب المفلّس

اشارة

قوله: «المُفْلِس: هو الفقير الذي ذهب خيار ماله وبقي فلوسه. والمُفَلَّس: هو الذي جعل مفلَّساً، أي منع من التصرّف في أمواله».

المفلس بالمعنى الأوّل لغويٌ، وهو - بسكون الفاء وكسر اللام - من أفلس يفلس إذا صار كذلك. والثاني - بفتح اللام المشدّدة - يقال: فلَّسه القاضي تفليساً إذا حكم بإفلاسه، وهذا ليس على وجه التعريف الحقيقي بل على وجه الإيضاح لمعناه الشرعي بذكر بعض أحكامه، وإلّا فالممنوع من التصرّف في ماله أعمّ من المفلّس، بل من الستّة التي عقد لها كتاب الحجر. واعلم أنّ العبارة تدلّ على أنّه لا يسمّى مفلّساً شرعاً حتّى يحجر عليه لأجله وإن استغرقت ديونه أمواله. ومن الفقهاء من اعتبره مفلّساً متى كان كذلك وإن لم يحجر عليه، و لهذا يعدّون الفلس من أسباب الحجر ويقولون: شرط الحجر على المفلّس التماس الغرماء له، وغير ذلك. وباب التجوّز في أحد الأمرين مفتوح.

قوله: «ويحتسب من جملة أمواله معوّضات الديون».

هي الأموال التي ملكها بعوض ثابت في ذمّته، كالأعيان التي اشتراها واستدانها، وإنّما احتسبت من جملة أمواله؛ لأنّها ملكه الآن، وإن كان أربابها بالخيار بين أن يرجعوا فيها و أن يطالبوا بالعوض.

قوله: «الرابع: أن يلتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه».

ص: 413

إنّما الحجر عليه مع التماس البعض إذا كانت ديونهم بقدر يجوز الحجر به عليه ثمّ يعمّ الحجر الجميع لثبوت الديون كلّها واستحقاق أربابها المطالبة بها بخلاف المؤجّلة.

[القول في منع التصرّف]

قوله: «ويمنع من التصرّف احتياطاً للغرماء».

إنّما يمنع من التصرّف المبتدئ في المال لا من مطلق التصرّف، فلايمنع من الفسخ بالخيار والعيب؛ لأنّه ليس بابتداء تصرّفٍ، ولا من التصرّف في غير المال كالنكاح والطلاق، واستيفاء القصاص والعفو عنه، ونحوها ولعلّ الاحتياط للغرماء ينبّه على ذلك؛ إذ لاضرر عليهم فيما ذكر، وكذا لا يمنع. ممّا يفيد تحصيل المال ولا يقتضي تصرّفاً فيه، كالاحتطاب، والاتّهاب، وقبول الوصيّة، فيملك به وإن منع من التصرّف فيه.

قوله: «فلو تصرّف كان باطلاً».

الأقوى أنّه يمنع موقوفاً على إجازة الغرماء، أو على فضله عن الدين بعد قسمة ماله عليهم، ويتصوّر الفضل مع قصوره وقت الحجر بارتفاع قيمة ماله، أو إبراء بعض غرمائه ونحوه.

قوله: «أمّا لو أقرّ بدين سابق صحّ، وشارك المقرّ له الغرماء».

الأقوى عدم المشاركة وإن صحّ الإقرار.

قوله: «وكذا لو أقرّ بعينٍ دفعت إلى المقرِّ له، وفيه تردّد».

الأقوى عدم نفوذ الإقرار معجّلاً في الموضعين.

قوله: «ولو قال: هذا المال مضاربةً لغائب، قيل: يقبل قوله مع يمينه ويقرّ في يده».

هذا القول (1) متفرّع على قبول إقراره بالعين معجّلاً، والأصل ممنوع.

قوله: «ولو اشترى بخيار، وأفلس والخيار باقٍ، كان له إجازة البيع وفسخه؛ لأنّه ليس بابتداء تصرّف».

ص: 414


1- وهو قول الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 244.

لم يتقدّم من المصنّف ما يدلّ على أنّ التصرّف الممنوع منه هو المبتدأ حتّى يعلّل بذلك، ولكن قد عرف ممّا هنا أنّه يريد ب-«السابق» المبتدأ، ولو عكس كان أولى. واعلم أنّه لافرق في جواز الفسخ بالخيار والعيب بين أن يكون له غبطة فيه وعدمه، على الأقوى.

[القول في اختصاص الغريم بعين ماله]

قوله: «ومن وجد منهم عين ماله كان له أخذها، ولو لم يكن سواها. وله أن يضرب مع الغرماء بدَينه، سواء كان وفاءاً أم لم يكن، على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «أمّا الميّت، فغر ماؤه سواء في التركة، إلّا أن يترك نحواً ممّا عليه ...» إلى آخره.

المراد ب- «النحو» المثل، بمعنى أن تكون تَرَكته قدر ما عليه فصاعداً، بحيث لا يحصل على باقي الغرماء قصور. وعبّر المصنّف ب-«النحو» تبعاً للرواية (1).

ولا فرق بين أن يموت المديون محجوراً عليه وعدمه على الأقوى؛ لأنّ الموت بمنزلة الحجر.

قوله: «وهل الخيار في ذلك على الفور؟ قيل: نعم».

الإشارة بذلك إلى ما تقدّم في الحيّ والميّت، ومراعاة الفوريّة أولى.

قوله: «ولو كان النماء متّصلاً كالسمن، ... قيل: له أخذه... وفيه تردّد».

الأقوى أنّ الزيادة للمفلّس، فيؤخذ له من القيمة بنسبتها كالمنفصل.

قوله: «ولو اشترى أرضاً فغرس المشتري فيها أو بنى... وهل له ذلك مع بذل الأرش؟ قيل: نعم، والوجه المنع». قويٌّ.

قوله: «ثمّ يباعان ويكون له ما قابل الأرض».

وطريق معرفة ما يقابلها أن يقوّما معاً ثمّ تقوّم الأرض مشغولةً بهما ما بقيا مجّاناً، وتنسب قيمتها كذلك إلى قيمة المجموع، ويؤخذ من الثمن لها بنسبة ذلك، والباقي

ص: 415


1- هي رواية أبي ولّاد، رواها الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 6، ص 193، ح 421؛ والاستبصار، ج 3، ص 8 - 9، ح 20.

للمفلّس. هذا إذا رضي البائع ببيع الأرض، وإلّا لم يجبر عليه، بل يباع مال المفلّس على حالته التي هو عليها.

قوله: «ولو اشترى زيتاً فخلطه بمثله لم يبطل حقِّ البائع من العين - إلى قوله: - قيل: يبطل حقّه من العين».

الأقوى أنّه لا يبطل حقّه بذلك، ويتوصّل إليه بأن يباعا ويكون له من القيمة بنسبة ما يخصّه، فلو كانت قيمة زيته درهماً والممزوج به درهمين بيعا وأُخذ ثلث الثمن.

قوله: «ولو أسلم في متاعٍ ثمّ أفلس المسلَم إليه».

قيل: إنْ وجد رأس ماله أخذه، وإلّا ضرب مع الغرماء بالقيمة. وقيل: له الخيار بين الضرب بالثمن أو بقيمة المتاع، وهو الأقوى».

المراد من القول الثاني أنّه مع وجود العين - وهو الثمن - يتخيّر المسلِم بين الفسخ فيأخذه، وبين الضرب بدينه وهو المسلم فيه، وإن وجده تالفاً تخيّر بين الفسخ فيضرب بالثمن، وبين الإمضاء فيضرب بالمسلَم فيه، وهذا هو الأقوى.

قوله: «نعم، لو كان له دار أو دابّة وجب أن يؤاجرها. وكذا لو كانت مملوكةً له ولو كانت أُمّ ولد».

ممّا يستثنى للمديون مطلقاً داره ودابّته ومملوكه المحتاج إليه منها، وهذه الثلاثة لا تباع ولا تؤاجر. وما ذكره المصنِّف هنا يحمل على أحد أمرين: إمّا بأن تكون هذه الأشياء زائدة على المستثنى ولا يمكن بيعها؛ لكونها موقوفة، وإمّا على مؤاجرتها زمن الحجر إلى أوان البيع، مع كونها زائدة أيضاً. وأمّا أُمّ الولد فلا تباع مطلقاً، إذا لم تكن عَين مالِ أحدٍ من الغرماء فيمكن الحكم بمؤاجرتها إذا كانت فاضلة عن خدمته.

وضمير «يؤاجرها» المستتر يعود إلى المالك؛ بدلالة السياق، ولكن يجب تقييده بإذن الحاكم. ويمكن أن يعود الضمير إليه.

قوله: «إذا شهد للمفلّس شاهد بمال، فإن حلف استحقّ. وإن امتنع هل يحلف الغرماء؟

قيل: لا، وهو الوجه». قويٌّ.

ص: 416

قوله: «وإذا مات المفلّس حلّ ما عليه، ولا يحلّ ما له، وفيه رواية أُخرى مهجورة».

لا عمل عليها (1).

قوله: «ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته. وفيه رواية أُخرى مُطَّرحة».

الرواية بالمؤاجرة ضعيفة السند(2) . نعم يجب عليه الاكتساب بما يليق بحاله، على الأقوى.

[القول في قسمة ماله]

قوله: «يستحبّ إحضار كلّ متاع في سوقه».

إنّما يستحب الإحضار إذا وثق بانتفاء الزيادة لو بيع في غير سوقه غالباً، وإلّا فالأولى الوجوب.

قوله: «وأن يبدأ ببيع ما يخشى تلفه».

الأقوى وجوبه.

قوله: «ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة، قيل: يجعل في ذمّة مليّ احتياطاً، وإلّا جُعِل وديعةً؛ لأنّه موضع ضرورةٍ».

الأقوى جواز الاقتصار على إيداعه العدل، وعلى تقدير جعله في ذمّة المليّ تعتبر فيه الأمانة معها.

قوله: «ويجري عليه نفقته ونفقة مَنْ يجب نفقته وكسوته، وينبغي في ذلك مراعاة عادة أمثاله إلى يوم قسمة ماله».

المراد ب-«أمثاله» مَنْ هو في مثل شرفه وضَعته، وباقي أوصافه بحسب ما هو عليه الآن.

ص: 417


1- هي رواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام في الكافي، ج 5، ص 99، باب أنّه إذا مات الرجل حلّ دينه، ح 1؛ وتهذيب الأحكام، ج 6، ص 109، ح 407.
2- هي رواية السكوني عن الصادق علیه السلام في تهذيب الأحكام، ج 6، ص 300، ح 838؛ والاستبصار، ج 3، ص 47، ح 155.

قوله: «ولو مات قدّم كفنه على حقوق الغرماء».

وكذا يقدّم كفن مَنْ تجب نفقته عليه ممّن يجب تكفينه عليه قبل الإفلاس. ويقتصر منه على الواجب من نوع ووصف يليق به عادة. وكذا مؤونة التجهيز.

قوله: «الثانية: إذا كانت عليه ديون حالّة ومؤجّلة، قسّمت أمواله على الحالّة خاصّة».

أي مؤجّلة عند القسمة، فلو كانت مؤجّلة عند الحجر وحلّت عند القسمة شاركت، وإن كان الحجر ابتداءً لأجل الحالّة، ولو حلّ بعد قسمة البعض شارك في الباقي، وضرب بجميع المال، وضرب باقي الغرماء ببقيّة ديونهم.

[النظر في حبسه]

قوله: «لا يجوز حبس الغريم، مع ظهور إعساره».

هذا الحكم لا يتخصّ بالمفلّس، ومن ثمّ عدل عن ضميره إلى الغريم العام.

قوله: «أمّا لو شهدتْ بالإعسار، لم يقبل حتّى تكون مطّلعة على أُموره بالصحبة المؤكّدة».

إنّما اعتبر الاطّلاع هنا دون السابق؛ لأنّ الشهادة بتلف المال تتضمّن الإثبات المحض، والاطّلاع عليه محسوس، وهو يحصّل الغرض من فقره، بخلاف الشهادة بالإعسار مطلقاً، فإنّ الأموال من شأنها أن تخفى، فلابدّ من الشاهدين من المعاشرة الباطنة للمشهود له، بحيث يطّلعان بها على باطن أمره غالباً، ومرجع هذه الشهادة إلى النفي، والشهادة بها مطلقة غير مسموعة، فلابدّ من تضمّنها الإثبات على وجه ينضبط به النفي، بأن يقول: إنّه معسر لا يملك إلّا قوت يومه وثياب بدنه، ونحو ذلك. وكذا القول في جميع الشهادات التي على هذا النهج، كالشهادة على المالك يوم إخراج الزكاة، وعلى نفي البيع والقرض، وغيرها.

قوله: «وهل يزول الحجر عنه بمجرّد الأداء، أو يفتقر إلى حكم الحاكم؟ الأَوْلى أنّه يزول بالأداء؛ لزوال سببه». قويٌّ.

ص: 418

كتاب الحجر

[الفصل الأوّل في موجباته]

قوله: «الأوّل في موجباته، وهي ستّة».

حصر أسباب الحجر هنا في الستّة جعلي، وقد جرت العادة بالبحث عن هذه الستّة هنا، وإلّا فأسباب الحجر أزيد منها، كالحجر على الراهن فيما رهنه، وعلى المشتري فيما اشتراه قبل دفع الثمن بغير إذن البائع، وعلى البائع في الثمن المعيّن كذلك، وعلى المكاتب فى كسبه لغير الأداء والنفقة، وعلى المرتدّ الذي يمكن عوده إلى الإسلام ظاهراً، وغير ذلك.

قوله: «ويعلم بلوغه بإنبات الشعر... وخروج المنيّ الذي يكون منه الولد».

المراد به: المنيّ الذي من شأنه أن يخلق منه الولد وإن تخلّف في بعض الأفراد لعارض، فالصفة كاشفة لا مخصّصة؛ إذ المنيّ لا يكون إلّا كذلك.

قوله: «وبالسنّ: وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر. وفي أُخرى إذا بلغ عشراً وكان بصيراً».

لاعمل على ذلك كلّه.

قوله: «أمّا الحمل والحيض فليسا بلوغاً في حقّ النساء، بل قد يكونان دليلاً على سبق البلوغ».

إنّما أتى ب- «قد» التقليليّة في هذا المقام، لا لتردّده في دلالتهما؛ لأنّها إجماعيّة، بل

ص: 419

لأنّهما مسبوقان غالباً بغيرهما من العلامات، خصوصاً السنّ، فدلالتهما على البلوغ بحيث يتوقّف علمه عليهما نادرٌ. ويؤيّد التعليل في الحيض أنّهم حكموا بكون الدم الذي قبل التسع لا يكون حيضاً، وبعده يتحقّق البلوغ بالسنّ، فلا تظهر دلالة الحيض على البلوغ حينئذٍ إلّا على تقدير حمله على المجهول سنّها، فإنّها إذا رأت ما هو بصفته جامعاً لشرائطه - قلّة وكثرة - يحكم بكونه حيضاً، ويكون دليلاً على سبق البلوغ؛ نظراً إلى الغالب، وفائدة دلالتهما على سبقه أنّهما إذا حصلا يحكم ببلوغ المرأة قبلهما، فلو أوقعت عقداً قبلهما بلا فصل يحكم بصحّته.

قوله: «الوصف الثاني: الرشد، وهو أن يكون مصلحاً لماله».

ليس مطلق الإصلاح موجباً للرشد، بل الحقّ أنّ الرشد: ملكة نفسانيّة تقتضي إصلاح المال، وتمنع من إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

واحترزنا ب-«الملكة» عن مطلق الكيفيّة، فإنّها ليست كافية، بل لابدّ أن تصير ملكة يعسر زوالها. وب-«اقتضائها إصلاح المال» عمّا لو كان غير مفسد له لكن لا رغبة له في إصلاحه على ذلك الوجه، فإنّه غير كاف في الرشد، ومن ثَمَّ يختبر باعتنائه بالأعمال اللائقة بحاله. وب-«منعه عن إفساده» عمّا لو كان له ملكة الإصلاح والعمل وجمع المال، ولكن ينفقه بعد ذلك في غير الوجوه اللائقة بحاله، فإنّه لا يكون رشيداً.

قوله: «وهل تعتبر العدالة؟ فيه تردّد».

اعتبر الشيخ (رحمه الله) في الرشد ما تقدّم مع العدالة (1)، فلو كان مع الوصف السابق غير عدلٍ في دينه، أو بالعكس، لم يرتفع عنه الحجر، والأظهر عدم اشتراطها، وإلّا لم يقم للمسلمين سوق، ولم ينتظم للعالم حال.

قوله: «ويعلم رشده باختباره بما يلائمه من التصرّفات».

كيفية الاختبار أن ينظر فيما يلائمه من التصرّفات والأعمال. فإن كان من أولاد التجّار فوّض إليه البيع والشراء، لا بمعنى أن يبيع ويشتري بل يماكس فيها؛ لينظر مقدار

ص: 420


1- المبسوط، ج 2، ص 251.

حاله أو يدفع إليه المتاع ليبيعه، ويراعى إلى أن يتمّ المساومة ثمّ يتولّاه الوليّ، ونحو ذلك. فإذا تكرّر منه ذلك وسلم من الغبن والإتلاف وصرفه في غير وجهه فهو رشيد. وإن كان من أولاد الأكابر الذين يصانون عن مباشرة البيع والشراء فاختباره بما يناسب حال أهله من التصرّفات الماليّة، إمّا بأن يسلّم إليه نفقة لمدّةٍ معيّنة لينفقها في مواضعها، أو يستوفي الحساب على معامليهم، أو نحو ذلك، ويختبر به.

وإن كان أُنثى اختبرت بما يلائم عادة أمثالها من الأعمال، كالغزل والخياطة وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالها، وحفظ ما يتحصّل في يدها من ذلك، وما يليه من آلات البيت وأسبابه، ووضعه على وجهه، وصون أطعمة البيت التي تحت يدها عن مثل الهرّة والفأرة، ونحو ذلك، على وجه تحصل الملكة المذكورة.

قوله: «أمّا السفيه... ولو تصرّف فأجاز الوليّ، فالوجه الجواز». قويٌّ.

قوله: «والمريض ممنوع من الوصيّة... وفي منعه من التبرّعات المنجّزة الزائدة عن الثلث خلاف بيننا، والوجه المنع.

احترز ب-«التبرّعات» عن المعاوضات في مرض الموت كالبيع، فإنّه يصحّ إذا وقع بثمن المثل. ولو اشتمل على محاباة فهي من جملة التبرّعات، والأشهر المنع من التبرّعات الزائدة عن الثلث (1).

[الفصل الثاني في أحكام الحجر]

قوله: «الأُولى: لا يثبت حجر المفلّس إلّا بحكم الحاكم. وهل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟ فيه تردّد. والوجه أنّه لا يثبت. وكذا لا يزول إلّا بحكمه».

الأقوى ثبوته بمجرّد ظهوره، وزواله بزواله.

قوله: «ولو أودعه وديعةً فأتلفها، ففيه تردّد. والوجه أنّه لا يضمن».

الأقوى الضمان، وكذا لو تلفت بتفريطه.

ص: 421


1- للمزيد راجع مسالك الأفهام، ج 4، ص 156.

قوله: «الخامسة: إذا أحرم بحجَّةٍ واجبة، لم يمنع ممّا يحتاج إليه في الإتيان بالفرض».

بمعنى أنّ الوليّ يتولّى النفقة عليه، أو وكيله الثقة، لا أنّه تسلّم النفقة إليه، ولا فرق في الواجب بين الأصلي والعارضي بالنذر وشبهه، كأن تقدّم سببه على الحجر.

قوله: «السادسة: إذا حلف انعقدت يمينه. ولو حنث كفّر بالصوم، وفيه تردّد».

الأقوى تكفيره بالصوم خاصّة.

قوله: «الثامنة: يختبر الصبيّ قبل بلوغه. وهل يصحّ بيعه؟ الأشبه أنّه لا يصحّ».

وجه الاختبار قبل البلوغ قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (1)؛ حيث جعل متعلّق الابتلاء «اليتامى»، والوصف لا يتحقَّق مع البلوغ لغةً وشرعاً؛ وأمر بدفع أموالهم إليهم حين بلوغ النكاح، وذلك يستلزم الاختبار قبله.

ثمّ على تقدير ظهور الرشد بالاختبار بالبيع، ففي صحّته قولان:

أحدهما: الصحّة؛ لأمره تعالى بالابتلاء المقتضي لكون الفعل الصادر من الصبيّ معتبراً.

والثاني: العدم؛ لفقد الشرط حينئذٍ ومنع استلزام الأمر بها. وهذا هو الأقوى.

وعلى هذا فكيفيّة اختباره أمر الوليّ له بالمساومة، وامتحانه بالممارسة، فإذا آل الأمر إلى العقد تولّاه الوليّ.

ص: 422


1- النساء (4): 6.

كتاب الضمان

اشارة

قوله: «وهو عقد شُرِّع للتعهّد بمالٍ أو نفسٍ».

للضمان معنيان، أحدهما أعمّ من الآخر، وهذا التعريف للضمان بالمعنى الأعمّ المتناول للضمان بالمعنى الأخصّ والحوالة والكفالة، فتكون هذه الثلاثة أقسامه، والضمان بالمعنى الأخصّ قسيماً للآخرين.

واعلم أنّ الضمان عندنا مشتقّ من الضمن؛ لأنّه يجعل ما كان في ذمّته من المال في ضمن ذمّة أُخرى، أو لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ، فالنون فيه أصليّة، بناءً على أنّه ينقل المال من ذمّة إلى ذمّة. وعند أكثر العامّة أنّه غير ناقلٍ، وإنّما يفيد اشتراك الذمّتين، فاشتقاقه من الضمّ، والنون فيه زائدة؛ لأنه ضمّ ذمّة إلى ذمّة، فيعجز المضمون له في المطالبة. وسيأتي في كلام المصنِّف ما يشعر بالخلاف فيه عندنا أيضاً (1)، وربما كان قولاً للشيخ (رحمه الله).

[القسم الأوّل في ضمان المال]

اشارة

قوله: «ولو ضمن المملوك لم يصحّ، إلّا بإذن مولاه، ويثبت ما ضمنه في ذمّته لافي كسبه، إلّا أن يشترط في الضمان بإذن مولاه».

القول بثبوته في ذمّة العبد على تقدير إذن المولى هو المشهور، ولو قيل بتعلّقه

ص: 423


1- يأتي في ص 422.

حينئذٍ بذمّة المولى مطلقاً كان حسناً.

قوله: «وكذا لو شرط أن يكون الضمان من مالٍ معيّنٍ».

أي شرط الضامن كون ضمانه من مالٍ معيّنٍ من أمواله، فإنّه يصحّ الضمان، وينحصر وجوب الأداء فيه، وحينئذٍ فيتعلّق به حقّ المضمون له.

وهل تعلّقه كتعلّق الدين بالرهن، أو كتعلّق الأرش برقبة الجاني؟ وجهان.

وتظهر الفائدة فيما لو تلف المال المعيّن بغير تفريط، فعلى الأوّل ينتقل إلى ذمّة الضامن، وعلى الثاني إلى ذمّة المضمون عنه.

وربما قيل ببطلان الضمان مع تلف المال (1)، وهو حسن.

قوله: «ولا يشترط علمه بالمضمون له، ولا المضمون عنه. وقيل: يشترط، والأوّل أشبه».

الأقوى عدم اشتراط علمه بهما، وعدم اشتراط امتياز المضمون عنه أيضاً عند الضامن. فلو قال شخص: إنّي أستحقّ في ذمّة شخص مائة درهم، فقال له آخر: ضمنتها لك، صحّ، وتحقّق به القصد إلى عقد الضمان، ومثله ما لو قال: ضمنت لك الدين الذي لك على كلّ مَن كان من الناس.

قوله: «ویشترط رضى المضمون له».

ويعتبر مع ذلك كونه بصفة القبول المعتبر في العقود اللازمة من التواصل المعهود، وكونه بلفظ الماضي والعربي، وغيرها.

قوله: «ولو أنكر بعد الضمان لم يبطل على الأصحّ».

أي أنكر المضمون عنه الضمانَ، فإنّه لا أثر له؛ لأنّ رضاه إذا لم يعتبر ابتداءً فلا عبرة بإنكاره بعده، وربما فسّر الإنكار بعدم رضاه بالضمان. وعلى التقديرين لاعبرة به على الأصحّ.

قوله: «ولو أبرأ المضمون له المضمون عنه لم يبرأ الضامن، على قول مشهورٍ». هذا من فروع المسألة السابقة، فإنّ الضمان إذا كان ناقلاً موجباً لبراءة المضمون عنه

ص: 424


1- نسبه الشهيد الثاني إلى الشهيد الأوّل في مسالك الأفهام، ج 4، ص 178.

من حقّ المضمون له، فبراءته لا تفيد شيئاً، نعم، لو أبرأ الضامن برئا معاً.

وفي قول المصنّف: «على قول مشهورٍ لنا» إشعار بثبوت مخالف منّا، وسيأتي ما ينبّه على أنّه الشيخ في بعض أقواله، والمشهور أنّ المسألة إجماعيّة.

قوله: «ويشترط فيه الملاءة، أو العلم بالإعسار».

إنّما يشترط ذلك في لزوم الضمان لا في صحّته، كماينبّه عليه بعد بقوله: «كان للمضمون له فسخه».

والمراد بملاءة الضامن أنْ يكون مالكاً لما يوفي به الدين، فاضلاً عن المستثنيات في البيع للدين. وإنّما تعتبر الملاءة ابتداءً لا استدامة، فلو تجدّد إعساره بعد الضمان لم يكن له الفسخ، وكما لا يقدح تجدّد إعساره كذا تعذّر الاستيفاء منه بوجه آخر، فلا يرجع على المضمون عنه متى لزمه الضمان.

قوله: «والضمان المؤجّل جائزٌ إجماعاً. وفي الحالّ تردّد، أظهره الجواز».

اعلم أنّ الحقّ الضمون إمّا أن يكون حالّاً أو مؤجّلاً. ثمّ إمّا أن يضمنه الضامن حالّاً أو مؤجّلاً. وعلى تقدير ضمان المؤجّل مؤجّلاً إمّا أنْ يكون الأجل الثاني مساوياً للأوّل، أو أنقص، أو أزيد. وعلى التقادير إمّا أن يكون الضمان تبرّعاً، أو بسؤال المضمون عنه. فالصور اثنتا عشرة، كلّها جائزة على الأقوى. وموضع الخلاف فيها غیر محرّر في العبارة، فإنّ إطلاقها يقتضي الاتّفاق على جواز المؤجّل مطلقاً، وليس كذلك. والحقّ أنّ الخلاف واقع فيما عدا الضمان المؤجّل للحالّ، أو الزائد أجله عن أجل الأصل.

قوله: «وينعقد الضمان بكتابة الضامن، منضمّةً إلى القرينة الدالّة، لا مجرّدة». إنّما ينعقد بالكتابة مع تعذّر النطق لا مطلقاً ؛ كما صرّح به غيره (1). ولا فرق في ذلك بين الضامن والمضمون له، بناء على اعتبار قبوله لفظاً. وإنّما خصّ المصنِّف الضامن؛ لعدم اعتباره القبول اللفظي في الآخر، كما سبق.

ص: 425


1- من الغير العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 177؛ والمحقّق الثاني في جامع المقاصد، ج 5، ص 309.

[الحقّ المضمون]

قوله: «الثاني في الحقّ المضمون ... وكذا ما ليس بلازم، لكن يؤول إلى اللزوم... كمال السبق و الرماية، على تردّد».

المشبّه به المشار إليه ب- «ذا» يمكن كونه الحكم بالصحّة في السابق، وهو ضمان الثمن في مدّة الخيار؛ لمناسبة مال الجعالة، والسبق له في التزلزل، وكون مآلهما إلى اللزوم، ولأنّ المقصود بالذات هو السابق. فإنّ قوله: «وإنْ كان قبله لم يصحّ» كالتتمّة للسابق. ويمكن كونه هو هذا القريب، وهو عدم الصحّة؛ لقربه. وكلاهما جائز؛ للخلاف في المسألتين. وكذا قوله: «على تردّد». يمكن تعلّقه بالمسألتين معاً، وبالأخيرة، والأوّل أصحّ. والأقوى عدم صحّة ضمان مال الجعالة قبل العمل مطلقاً، وصحّته في مال السبق والرماية مطلقاً، بناء على المختار من أنّه عقد لازم.

قوله: «وهل يصحّ ضمان مال الكتابة؟ قيل: لا؛ لأنّه ليس بلازمٍ، ولا يؤول إلى اللزوم، ولو قيل بالجواز كان حسناً».

الأقوى أنّها لازمة مطلقاً، فيصحّ ضمان مالها مطلقاً، ولو تنزّلنا إلى الجواز فالجواز أيضاً متّجه؛ لأنّ المال ثابت في ذمّة المكاتب بالعقد، غايته أنّه غير مستقرّ، كالثمن في مدّة الخيار. وعلى هذا فمتى ضمنه ضامن انعتق؛ لأنّه في حكم الأداء بناءً على أنّه ناقل وامتنع بعجزه، كما لو أدّى المال بنفسه.

قوله: «وفي ضمان الأعيان المضمونة، كالغصب والمقبوض بالبيع الفاسد تردّد، والأشبه الجواز».

ضمان هذه الأعيان إمّا أن يكون بمعنى تكليف الضامن بردّ أعيانها إلى مالكها، أو بمعنى ضمان قيمتها لو تلفت عند الغاصب والمستامّ ونحوهما، أو ما يعمّهما. وفي صحّة الضمان في الجميع تردّد، منشؤه وجود سبب الضمان للعين والقيمة، وهو القبض المخصوص، ومن أنّ الثابت في الأوّل هو وجوب الردّ، وهو ليس بمالٍ. والثاني ليس

ص: 426

بواقع، فهو ضمان ما لم يجب وإن وجد سببه؛ لأنّ القيمة لا تجب إلّا بالتلف ولم يحصل. والأقوى عدم الصحّة.

قوله: «ولو ضمن ضامن، ثمّ ضمن عنه آخر، وهكذا إلى عدّة ضمناء، كان جائزاً».

وكما يصحّ ترامي الضمناء يصحّ دوره، بأن يضمن الأصل ضامنه، أو ضامن ضامنه وإن تعدّد، فيسقط بذلك الضمان ويرجع الحقّ كما كان.

وقد تظهر فائدة ذلك فيما إذا اختلفت أوصاف الضمان بأن يضمن الحالّ مؤجّلاً وبالعكس، وخالف في ذلك (1) الشيخ (رحمه الله)، محتجّاً باستلزامه صيرورة الفرع أصلاً، وبالعكس، وبعدم الفائدة، وضعفهما ظاهر.

قوله: «ولا يشترط العلم بكمّيّةً المال، فلو ضمن ما في ذمّته صحّ، على الأشبه».

موضع الخلاف حيث يمكن العلم به بعد ذلك، كما لو ضمن الدين الذي عليه، أو ثمن ما باع. أمّا لو لم يمكن الاستعلام لم يصحّ الضمان قولاً واحداً، كما لوقال: ضمنت لك شيئاً ممّا لك على فلان. والأصحّ قوّة صحّة القسم الأوّل.

قوله: «ويلزمه ما تقوم البيّنة به ...، لاما يوجد في كتاب ...، ولا ما یحلف علیه المضمون له بردّ اليمين».

أي بردّ اليمين من المضمون عنه؛ لأنّ الخصومة حينئذٍ مع الضامن والمضمون عنه، فلا يلزمه ما يثبت بمنازعة غيره، كما لا يثبت ما يُقِرّ به. نعم لو كان الحلف بردّ الضامن ثبت عليه ما حلف عليه.

قوله: «أمّا لو ضمن ما يشهد به عليه لم يصحّ».

هذا إذا أُريد ب- «ما يشهد به عليه» ما يشمل المتجدّد بعد ذلك، أو يطلق؛ لتناوله له. أما لو صرّح بقوله: «ما يشهد به عليه» أنّه كان ثابتاً في ذمّته وقت الضمان فلا مانع من الصحّة، كما لو ضمن ما في ذمّته، ولزمه ما تقوم به البيّنة أنّه كان ثابتاً.

ص: 427


1- المبسوط، ج 2، ص 324.

[في اللواحق]

قوله: «الأُولى: إذا ضمن عهدة الثمن، لزمه دركه في كلّ موضع يثبت فيه بطلان البيع من رأسِ».

العهدة في الأصل اسم للوثيقة، أو الكتاب الذي تكتب فيه وثيقة البيع، ثمّ نقل إلى نفس الثمن وغلب فيه.

وفي التذكرة : سمّي ضمان العُهْدَة؛ لالتزام الضامن ما في عُهدة البائع (1).

وفي الصحاح يقال: في الأمر عُهْدَةٌ بالضمّ، أي لم يحكم بعد. وفي عقله عُهْدَةٌ، أي ضعفٌ (2).

فكأنّ الضامن ضمن ضعف العقد، والتزم ما يحتاج إليه فيه من غُرْمٍ.

قوله: «أمّا لو تجدّد الفسخ بالتقايل، أو تلف المبيع قبل القبض، لم يلزم الضمان ورجع على البائع».

الحكم مع تجدّد الفسخ واضح؛ لأنّه وقت الضمان لم يكن مستحقّاً. وأمّا مع تلف المبيع قبل القبض فإن قلنا: إنّه يبطل البيع من حينه فكذلك، وإن قلنا: يُبطله من أصله فالأقوى أنّ الحكم كذلك؛ لأنّه حكم لاحق للضمان، والمبيع حالته [كان] ملكاً للمشتري في نفس الأمر، وإنّما التلف الطارئ كان سبباً في حكم الله تعالى بعود الملك إلى صاحبه من أصله.

قوله: «أمّا لو طالب بالأرش رجع على الضامن؛ لأنّ استحقاقه ثابت عند العقد، وفيه تردّد».

أشار بالتعليل إلى الفرق بين الأرش والثمن، حيث يدخل الأرش في ضمان العهدة دون الثمن على تقدير الفسخ بالعيب، فإنّ الثمن إنّما يجب بالفسخ اللاحق للضمان، أمّا الأرش فإنّه جزء من الثمن، ثابت وقت الضمان، فيندرج في ضمان العهدة، لكنّه

ص: 428


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 329، المسألة 515.
2- الصحاح، ج 2، ص 515، «عهد».

مجهول القدر حينئذٍ، فيتعيّن بناؤه على صحّة ضمان المجهول الذي يمكن استعلامه.

ومثله ما لو ظهر نقصان الصنجة التي وزن بها الثمن أو المثمن، حيث يضمن عهدته أو يصرّح بدخوله؛ لوجود ذلك حالة الضمان في نفس الأمر.

ومنشأ التردّد في الأرش ممّا ذكر، ومن أنّ الاستحقاق إنّما حصل بعد العلم بالعيب واختيار أخذ الأرش، والموجود حالة العقد من العيب ما كان يلزمه تعيين الأرش، بل التخيير بينه وبين الردّ، فلم يتعيّن الأرش إلّا باختياره.

والأولى ثبوت الفرق (1)، وأنّ الأرش أحد الفردين الثابتين على وجه التخيير، ليكون كأفراد الواجب المخيّر، حيث يوصف بالوجوب قبل اختياره.

قوله: «الثالثة: إذا ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدث من بناء أو غرس لم يصحّ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب. وقيل: كذا لو ضمنه البائع. والوجه الجواز؛ لأنّه لازم بنفس العقد».

إذا قلع المستحقّ غرس المشتري وبناءه في الصورة المذكورة فله الرجوع علی البائع بالأرش، ضمن أو لم يضمن، وقد علّل المصنّف الحكم بصحّة ضمانه لذلك بلزومه له وفيه نظر؛ لأنّه لا يلزم من ضمانه لكونه بائعاً مسلّطاً له على الانتفاع مجّاناً ضمانه بعقد الضمان، مع عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتاً حال الضمان، فعدم الصحّة أقوى.

وحينئذٍ فالخلاف ليس في ثبوت ذلك على البائع أم لا؛ لأنّه ثابت بغير إشكالٍ، بل في ثبوته بسبب الضمان.

وتظهر الفائدة فيما لو أسقط المشتري عنه حقّ الرجوع بسبب البيع، فيبقى له الرجوع عليه بسبب الضمان لو قلنا بصحّته، كما لو كان له خياران فأسقط أحدهما. وفيما لو كان قد شرط على البائع في عقد البيع ضماناً بوجهٍ صحيحٍ، فإنْ صحّحنا هذا كفى في الوفاء بالشرط وإنْ لم يحصل للمشتري نفع جديد.

ص: 429


1- في «ض»: «والأظهر ثبوت الفرق».

قوله: «الرابعة: إذا كان له على رجلين مال، فضمن كلّ واحدٍ منهما ما على صاحبه، تحوّل ما على كلّ واحد منهما إلى صاحبه».

لا إشكال في صحّة هذا الضمان؛ لوجود المقتضي. ثمّ إن قلنا بأنّ «الضمان ضمّ ذمّةٍ إلى أُخرى» اشتركا في المطالبة لكلّ واحد منهما. وعلى المشهور بين الأصحاب من كونه ناقلاً للمال إلى ذمّة الضامن، فتظهر الفائدة، مع اختلافهما كمّيّة وكيفيّة، وفيما لو كان بأحد الدينين، أو بهما رهن، فإنّه ينفكّ بذلك؛ لأنّه بمنزلة الأداء.

قوله: «السادسة: إذا ضمن عنه ديناراً بإذنه، فدفعه إلى الضامن، فقد قضى ما عليه».

قد عرفت أنّ الضامن لا يستحقّ عند المضمون عنه شيئاً إلى أن يؤدّي مال الضمان، فإذا ابتدأ المديون ودفع الدين إلى الضامن فقد تبرّع بالأداء قبل وجوبه، فلا يستحقّه الضامن، وليس له التصرّف فيه. نعم، له دفعه في الدين تبعاً للإذن.

وقول المصنّف: «فقد قضى ما عليه» قد يوهم خلاف ذلك، وأنّه يكون بمنزلة أداء الدين وليس كذلك. وإنّما المراد أنّه تخلّص من الحقّ؛ لأنّ الضامن إن دفعه فقد برئ، وإن لم يدفعه كان في يده مساوياً للحقّ إلى أن يؤدّي، فيأخذه من دينه، وإن أبرأ من الدين، أو بعضه، وجب عليه ردّ ما قابله إلى المديون، فالمديون قد قضى ما عليه على كلّ حال.

ولكن هذا إنّما يتمّ مطلقاً على تقدير أن يكون المقبوض في يد الضامن مضموناً، وإلّا أمكن أن يتلف في يده بغير تفريط، فلايكون المديون في هذه الصورة قد قضى ما عليه. ويحتمل كونه مضموناً عليه مطلقاً كالمقبوض بالسوم.

قوله: «فإن شهد المضمون عنه للضامن قبلت شهادته مع انتفاء التهمة، على القول بانتقال المال».

لمّا كان المضمون عنه مع إذنه في الضمان ثبت عليه ما يغرمه الضامن، فشهادته له بالأداء شهادة على نفسه وشهادة لغيره فتسمع، إلّا أن يعرض عليه تهمة في الشهادة، بحيث تفيده فائدة زائدة على ما يغرمه فتردّ. وقد فرضوا التهمة في مواضع:

ص: 430

منها: أن يكون الضامن قد صالح على أقلّ من الحقّ، فيكون رجوعه إنّما هو بذلك، فشهادة المضمون عنه له به تجرّ إلى نفسه نفعاً، فإنّ ذلك إذا لم يثبت يبقى مجموع الحقّ في ذمّة الضامن.

وفيه نظر، لأنّه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف الضامن بذلك، ولا حاجة إلى الثبوت بالبيّنة كما سيأتي، فتندفع التهمة وتقبل الشهادة.

ومنها: أن يكون الضامن معسراً، ولم يعلم المضمون له بإعساره، فإنّ له الفسخ؛ حيث لا يثبت الأداء، ويرجع على المضمون عنه، فيندفع بشهادته عود الحقّ إلى ذمّته.

ومنها: أن يكون الضامن قد تجدّد عليه الحجر للفلس، وللمضمون عنه عليه دَين، فإنّه يوفّر بشهادته مال الضامن، فيزداد ما يضرب به، ولافرق في هاتين الصورتين بين كون الضامن متبرّعاً وبسؤال؛ لأنّ فسخ الضمان يوجب العود إلى المدیون علی التقديرين.

قوله: «ولو لم يشهد المضمون عنه رجع الضامن بما أدّاه أخيراً».

هذا إذا لم يزد على ما ادّعى دفعه أوّلاً ولا على الحقّ، وإلّا رجع بالأقلّ من الثلاثة؛ لأنّ الأقلّ إنْ كان هو ما غرمه أوّلاً فلزعمه أنّه لا يستحقّ سواه وأنّ الثاني ظلم. وإنْ كان الأقلّ ماغرمه ثانياً فلأنّه لم يثبت ظاهراً سواه، وإنْ كان الأقلّ هو الحقّ، فلأنّه إنّما يرجع بالأقلّ من المدفوع والحقّ.

وفي حكم شهادة المضمون عنه اعترافه بالدفع الأوّل وإن لم يشهد؛ لما ذكر من الوجه.

قوله: «الثامنة: إذا ضمن المريض في مرضه ومات فيه، خرج ما ضمنه من ثلث تركته، على الأصحّ».

هذا مع تبرّعه بالضمان، أمّا لو ضمن بسؤال فهو كما لو باع بثمن المثل نسيئةً. والوجه حينئذٍ أنّه متى أمكن الرجوع على المضمون عنه فهو من الأصل، وإنْ لم يمكن؛ لإعساره ونحوه فهو من الثلث. بناءً على أنّ منجّزات المريض المتبرّع بها

ص: 431

منه. ولو أمكن الرجوع بالبعض فهو كبيع المحاباة يتوقّف ما يفوت على الثلث. هذا كلّه مع عدم إجازة الورثة، وإلّا نفذ من الأصل كغيره.

قوله: «التاسعة: إذا كان الدين مؤجّلاً، فضمنه حالّاً، لم يصحّ ... وفيه تردّد».

الأقوى صحّته فيهما، وقد تقدّم من المصنّف الجزم بها (1).

[القسم الثاني في الحوالة]

اشارة

قوله: «فالحوالة عقد شرّع لتحويل المال من ذمّة إلى ذمّة مشغولة بمثله».

سيأتي عن قريب القطع بجواز الحوالة على البريء، ولا ينفعه الاعتذار بجعلها حينئذٍ بالضمان أشبه؛ لأنّ رجحان الشبه لا يخرجها عن كونها حوالة في الجملة. وكأنّه عرّف الحوالة المتّفق على صحّتها، ولو أسقط القيد من التعريف وقع فيما هو أصعب؛ لشموله حينئذٍ الضمان بالمعنى الأخصّ؛ لأنّ المال فيه يتحوّل من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، فينتقض في طرده.

[شروطها]

قوله: «ويشترط فيها رضى المحيل والمحال عليه والمحتال».

الأقوى عدم اشتراط رضى المحال عليه، مع اتّفاق الحقّين جنساً ووصفاً.

ويستثنى منه ما لو كان بريئاً من حقّ المحيل، فإنّ رضاه معتبر إجماعاً.

و من اعتبار رضى المحيل ما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء، فإنّه لا يعتبر رضى المحيل قطعاً؛ لأنّه وفاء دينه. والعبارة عنه حينئذٍ أن يقول المحال عليه للمحتال: أحلت بالدَين الذي لك على فلان على نفسي فيقبل، فيشترط هنا رضى المحتال والمحال عليه.

قوله: «ومع تحقّقها يتحوّل المال إلى ذمّة المحال عليه، ويبرأ المحيل وإن لم يُبرئه

ص: 432


1- حيث قال: والضمان المؤجّل جائز إجماعاً، وفي الحالّ تردّد، أظهره الجواز. شرائع الإسلام، ج 2، ص 89.

المحتال، على الأظهر».

خالف في ذلك الشيخ (1) وجماعة (2)، حيث اشترطوا في براءة المحيل أنْ يبرئه المحتال، استناداً إلى ظاهر رواية (3)، وهو ضعيف.

قوله: «ويصحّ أنْ يحيل على مَن ليس عليه دين، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه».

إنّما كان أشبه بالضمان؛ لاقتضائه نقل المال من ذمّة مشغولة إلى ذمّة بريئة، فكأنّ المحال عليه بقبوله ضامن لِدَين المحتال على المحيل، ولا يخرج بهذا الشبه عن الحوالة، فتلحقه أحكامها.

قوله: «أمّا لو قبل الحوالة جاهلاً بحاله، ثمّ بان فقره وقت الحوالة، كان له الفسخ والعود على المحيل».

المعتبر في يساره وإعساره وقت الحوالة، فلو كان مليّاً ثمّ تجدّد له الإعسار فلا خيار، ولو انعكس بأن كان معسراً ثمّ تجدّد له اليسار قبل أن يفسخ المحتال ففي زوال الخيار وجهان، أجودهما العدم.

قوله: «وإذا أحال بما عليه، ثمّ أحال المحال عليه بذلك الدين صحّ، وكذا لو ترامت الحوالة».

وكما يصحّ تراميها يصحّ دورها كالضمان، بأن تعود إلى المحيل الأوّل.

قوله: «ويشترط تساوي المالين، جنساً ووصفاً، تفصّياً من التسلّط على المحال عليه؛ إذ لا يجب أن يدفع إلّا مثل ما عليه، وفيه تردّد».

الوجه أنّا إنْ جوّزنا الحوالة على البريء، واشترطنا رضى المحال عليه، لم يشترط تساوي المالين مطلقاً، وإلّا اشترط.

ص: 433


1- في النهاية، ص 316.
2- منهم: أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 360؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 282.
3- هي رواية زرارة في الكافي، ج 5، ص 104، باب الكفالة والحوالة، ح 2؛ وتهذيب الأحكام، ج 6، ص 211 -212، ح 496.

قوله: «ولو أحال عليه فقبل وأدّى، ثمّ طالب بما أدّاه، ثمّ ادّعى المحيل أنّه كان له عليه مال، ... فالقول قوله مع يمينه».

بناءً على جواز الحوالة على البريء، وإلّا لم يقبل قوله؛ لأنّه يدّعي فساد الحوالة.

قوله: «وتصحّ الحوالة بمال الكتابة بعد حلول النجم. وهل تصحّ قبله؟ قيل: لا».

الأقوى جواز الحوالة بمالها مطلقاً، ثمّ إنْ كان قبل الحلول لم يعتق العبد بمجرّدها؛ لأنّها ليست في حكم الأداء. وحينئذٍ فلو اعتق السيّد العبد المكاتب بطلت الكتابة، ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة؛ لأنّ المال صار لازماً للمحتال، والبطلان طارئ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

قوله: «ولو كان له على أجنبي دين، فأحال عليه بمال الكتابة صحّ؛ لأنّه یجب تسليمه».

ضمير «له» يعود إلى المكاتب، والمحتال هو السيّد. والمراد أنّه إذا كان للمكاتب دين على أجنبي غير السيّد فاحتال سيّده بمال الكتابة على ذلك الأجنبي، الذي للمكاتب عليه دين، صحّت الحوالة؛ لأنّه يجب على المديون دفع مال المكاتب إليه، أو إلى من يرتضيه. وحينئذٍ تبرأ ذمّة المكاتب من مال الكتابة ويتحرّر؛ لأنّ الحوالة بعد حلول المال بمنزلة الأداء، سواء أدّى المحال عليه المال إلى السيّد أم لا. ولو كانت الحوالة ببعض مال الكتابة كان بمنزلة قبض البعض حتّى لو أعتقه سقط عن المكاتب الباقي ولم تبطل الحوالة.

[أحكامها]

قوله: «الأُولى: ولو قال أحلتك عليه فقبض، فقال المحيل: قصدت الوكالة، وقال المحتال: إنّما أحلتني بما عليك، فالقول قول المحيل؛ لأنّه أعرف بلفظه، وفيه تردّد».

وجه التردّد ممّا ذكره المصنِّف من أنّ المحيل أعرف بلفظه. والوكالة من العقود

ص: 434

الجائزة تتأدّى بلفظ الحوالة وغيرها ممّا يدلّ على المراد، ومن دلالة اللفظ ظاهراً على الحوالة. واحتياج دلالته على الوكالة إلى القرائن، والأصل عدمها. والأقوى تقديم قول المحتال؛ عملاً بالظاهر، إن لم تكن الحوالة حقيقة في معناها خاصّة.

قوله: «أمّا لو لم يقبض ثمّ اختلفا، فقال: وكّلتك، فقال: بل أحلتني، فالقول قول المحيل قطعاً».

وجه القطع - مع اشتراك المسألتين في اللفظ الظاهر في الحوالة المحتمل للوكالة - ترجیح الأصل على الظاهر، كما هو الغالب، ولاعتضاده هنا بأصالة عدم ملك المحتال له، بخلاف ما في يده.

والحقّ أنّ الاحتمال قائم كالسابقة، والحكم فيهما واحد.

قوله: «ولو انعكس الفرض، فالقول قول المحتال».

بأنْ قال المديون بعد اتّفاقهما على جريان لفظ الحوالة: قصدت الحوالة، وقال المحتال: بل وكّلتني، فيقدّم هنا قول مدّعي الوكالة - وهو المحتال - بيمينه؛ لأصالة بقاء الحقّين السابقين، والمحيل يدّعي خلافهما وانتقالهما. وتظهر فائدة هذا الاختلاف عند إفلاس المحال عليه ونحوه.

قوله: «الثانية: إذا كان له دين على اثنين، وكلّ منهما كفيل لصاحبه، وعليه لآخر مثل ذلك، فأحاله عليهما صحّ، وإنْ حصل الرفق في المطالبة».

المراد بالكفالة هنا الضمان، ووجه الصحّة على القول المشهور من أنّ «الضمان ناقل» واضحٌ؛ لأنّ كلّ واحد من الحقّين قد انتقل من ذمّة أحدهما إلى ذمّة الآخر، فكان كما لو أحاله عليهما ابتداء، ولا ارتفاق هنا.

وأمّا على القول بأنّه «ضمّ ذمّة إلى ذمّة» فيحصل للمحتال الارتفاق بمطالبة كلّ منهما بجميع المال، فمنع الشيخ (رحمه الله) في المبسوط من صحّة الحوالة (1) هنا، بناءً على ذلك وعلى كلّ واحد من المبنيّ عليه والحكم والتعليل الصالح للمنع ممنوع.

ص: 435


1- المبسوط، ج 2، ص 295.

قوله: «الثالثة: إذا أحال المشتري البائع بالثمن، ثمّ ردّ المبيع بالعيب السابق، بطلت الحوالة؛ لأنّها تبع البيع وفيه تردّد».

منشأ التردّد: من أنّ الحوالة تابعة للبيع، فإذا بطل البيع بطلت؛ لاستحالة وجود التابع من حيث هو تابع بدون متبوعه، وهو مذهب الشيخ (رحمه الله). ومن أنّ الحوالة ناقلة للمال إلى ذمّة المحال عليه فى حالة كون المحتال مستحقّاً للدين في ذمّة المشتري، فلايزيله الفسخ المتعقّب؛ لأنّه أبطل العقد من حينه لا من أصله (1) وهذا أوجه.

قوله: «أمّا لو أحال البائع أجنبيّاً بالثمن على المشتري، ثمّ فسخ المشتري بالعيب، أو بأمر حادث، لم تبطل الحوالة؛ لأنّها تعلّقت بغير المتبايعين».

أشار بالتعليل إلى الفرق بين حوالة المشتري البائع وحوالة البائع الأجنبي على المشتري، فإنّ الحقّ في الأوّل كان مختصّاً بالمتايعين بسبب البيع، فإذا بطل السبب بطلت التوابع، بخلاف حوالة الأجنبي، فإنّها لا تبطل؛ لتعلّقها بغير المتعاقدين، حيث أنّ الثمن صار مملوكاً للمحتال الأجنبي قبل فسخ العقد. ونقل الشيخ هنا الإجماع على عدم البطلان (2). ولا فرق بين أن يكون المحتال قد قبض وعدمه؛ لأنّ الناقل للملك هو

الحوالة لا القبض، وربما احتمل هنا البطلان كالسابق.

قوله: «ولو ثبت بطلان البيع بطلت الحوالة في الموضعين».

أي في موضع إحالة المشتري البائع وإحالة البائع الأجنبي على المشتري.

ووجه البطلان: أنّ صحّة الحوالة فرع ثبوت الثمن في ذمّة المشتري. وفي الحقيقة الحوالة وقعت في نفسها باطلة لأنّها بطلت بظهور بطلان البيع، وإنّما كشف ظهور بطلانه عن بطلانها من رأس المال، وحينئذٍ فإن كان البائع أو المحتال لم يقبض فليس له القبض، وإن كان قد قبض رجع المشتري عليه لاعلى المحال عليه؛ لصدور القبض بإذنه.

ص: 436


1- المبسوط ، ج 2، ص 293.
2- المبسوط، ج 2، ص 291 وفيه: لم تبطل الحوالة بلاخلاف.

[القسم الثالث في الكفالة]

اشارة

قوله: «وتصحّ حالّة ومؤجّلة على الأظهر». قويٌّ.

قوله: «للمكفول له مطالبة الكفيل بالمكفول عنه عاجلاً... فإن سلّمه تسليماً تامّاً فقد برئ. وإن امتنع كان له حبسه حتّى يحضره، أو يؤدّي ما عليه».

المراد بالتسليم التامّ أن يكون في الوقت والمكان المعيّن، إن عيّناهما في العقد، أو في بلد العقد مع الإطلاق، وأن لا يكون للمكفول له مانع من تسليمه، بأن لايكون في يد ظالمٍ، ولا متغلّبٍ يمنعه منه، ولا في موضعٍ لا يتمكّن من وضع يده عليه؛ لقوّة المكفول وضعف المكفول له، ونحو ذلك. فإذا سلّمه كذلك برئ من عهدته، وإن لم يتسلّمه منه وأمكن تسليمه إلى الحاكم سلّمه إليه وبرئ أيضاً. ولو لم يمكن خلّى بينه وبينه. والأولى الإشهاد عليه بذلك.

هذا ما يتعلّق بالكفيل إذا بذل، فأمّا إذا امتنع من التسليم التامّ ألزمه الحاكم به، فإن أبي حبسه حتّى يحضره، وله عقوبته عليه، كما في كلّ ممتنع من أداء الحقّ. ثمّ إن سلّمه بعد ذلك فلا كلام، وإنْ أبى وبذل ما عليه، فظاهر المصنّف الاكتفاء به في براءته، وعليه الأكثر (1)؛ لحصول الغرض من الكفالة.

وهذا على تقدير تمامه إنّما يصحّ فيما يمكن أخذه من الكفيل كالمال، فلو لم يمكن، كالقصاص، وزوجيّة المرأة، والدعوى بعقوبة توجب حدّاً أو تعزيراً، فلابدّ من إلزامه بإحضاره مع الإمكان. وقيل: لا يجب على المكفول له قبول الحقّ مطلقاً، بل له إلزامه بإحضاره (2)، وهذا هو الأقوى.

قوله: «ولو قال: إنْ لم أحضره كان علَيَّ كذا، لم يلزمه إلّا إحضاره دون المال، ولو قال:

ص: 437


1- منهم: الشيخ في النهاية، ص 315؛ والسلّار في المراسم، ص 200؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 78؛ والعلّامة في ارشاد الأذهان، ج 1، ص 403.
2- القائل هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 412، المسألة 578.

علَيَّ كذا إلى كذا إنْ لم أحضره، وجب عليه ماشرط من المال».

هذا الحكم ذكره الشيخ (رحمه الله) (1) وجماعة (2). والمستند رواية داود بن الحصين عن أبي العبّاس عن الصادق علیه السلام (3)، والمستند ضعيف.

والفرق بين المسألتين على الوجه الذي ذكروه مشكل؛ إذ لافرق لغةً بين تقديم الشرط وتأخيره، مع أنّ الرواية لا تدلّ على ما أطلقوه، والمناسب للأصل بطلان الضمان المعلّق على الشرط مطلقاً، إلّا أن يكون المال المشروط بعدم إحضاره هو الحقّ المكفول لأجله، فيكون اشتراطه مؤكّداً لاقتضاء الكفالة إيّاه بدون الشرط، فتصحّ الكفالة، سواء تقدّم الشرط أو تأخّر. هذا إذا حصل لفظ «يدلّ» على الكفالة، وإلّا فالعبارة لا تقتضيه وقوله في الثانية: «وجب علیه ما شرط من المال» مشروطٌ بعدم إحضاره؛ لأنّه منصوص الرواية ومقتضى القاعدة، فترك ذكره

ضعفٌ آخر.

قوله: «ومن أطلق غريماً من يد صاحب الحقّ قهراً ضمن إحضاره، أو أداء ما عليه».

الحكم هنا - كما سلف في الكفيل الممتنع من تسليم المكفول - في أنّه يطالب بالتسليم مع الإمكان، لا أن يفوّض التخيير إليه. وحيث يؤخذ منه المال لا رجوع له على الغريم؛ إذا لم يأمره بدفعه.

قوله: «ولو كان قاتلاً لزمه إحضاره، أو دفع الدية».

لا فرق بين كون القتل عمداً أو غيره. ثمّ إن استمرّ القاتل هارباً ذهب المال على المخلِّص. وإن تمكّن الوليّ منه وجب عليه ردّ الدية إلى الغارم وإن لم يقتصّ من القاتل.

ص: 438


1- النهاية، ص 315.
2- منهم: العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 413، المسألة 580؛ والشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13)؛ وابن فهد في المهذّب البارع، ج 2، ص 531 - 532.
3- رواه الكليني في الكافي، ج 5، ص 104، باب الكفالة والحوالة، ح3؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 6، ص 209، ح 488.

[مسائل:]

قوله: «الأُولى: إذا أُحضر الغريم قبل الأجل، وجب تسليمه إذا كان لا ضرر عليه. ولو قيل: لا يجب، كان أشبه». قويٌّ.

قوله: «الثالثة: إذا تكفّل بتسليمه مطلقاً انصرف إلى بلد العقد ... ولو دفعه في غيره لم يبرأ. وقيل: إذا لم يكن في نقله كلفة، ولا في تسليمه ضرر، وجب تسليمه، وفيه تردّد».

الأقوى عدم وجوب تسليمه في غير المشروط، وما ينصرف الإطلاق إليه مطلقاً.

قوله: «الخامسة: إذا تكفّل رجلان برجل، فسلّمه أحدهما، لم يبرأ الآخر. ولو قيل: بالبراءة كان حسناً».

ما حسّنه حسن.

قوله: «ولو تكفّل لرجلين برجل، ثمّ سلّمه إلى أحدهما، لم يبرأ من الآخر».

الفرق بين المسألتين واضح، فإنّ العقد هنا مع الاثنين بمنزلة عقدين، فهو كما لو تكفّل لكلّ واحد منهما على انفراده، وكما لو ضمن دينين لشخصين فأدّى دَين أحدهما، فإنّه لا يبرأ من دين الآخر، بخلاف السابق، فإنّ الغرض من كفالتهما معاً إحضاره، وقد حصل، كما لو حضر بنفسه.

قوله: «السادسة: إذا مات المكفول برئ الكفيل».

هذا إذ لم يكن الغرض الشهادة على عينه، وإلّا وجب إحضاره ميّتاً مطلقاً، حيث تمكن الشهادة عليه، بأن لا يكون قد تغيّر بحيث لا يعرف. ولا فرق بين كونه قد دفن وعدمه.

قوله: «لو قال الكفيل: أبرأت المكفول فأنكر، فالقول قول المكفول له، فلو ردّ اليمين إلى الكفيل فحلف برئ من الكفالة (1)، ولم يبرأ المكفول من المال».

ص: 439


1- في شرائع الإسلام: «الكُفَلاء» بدل «الكفالة».

لاختلاف الدعويين، ولأنّ الإنسان لا يبرأ من الحقّ بيمين غيره. نعم لو حلف المكفول اليمين المردودة برئا معاً. وكذا لو نكل المكفول له عن يمين المكفول فحلف هو برئا معاً.

قوله: «السابعة: لو كفل الكفيل آخر، وترامت الكفالة، جاز».

ثمّ إن أحضر الكفيل الأخير مكفوله برئ من الكفالة خاصّة، وبقي على مكفوله إحضار مَن كفله. هذا، وإن أحضر الكفيل الأوّل مكفوله برئ الجميع؛ لأنّهم فرع. وإن أحضر الكفيل الثاني الكفيل الأوّل برئ هو ومَنْ بعده، وهكذا لو أبرأ المكفول له الأوّل برثوا أجمع؛ لزوال الكفالة بسقوط الحقّ، ولو أبرأ غيره من كفالته - أي أسقط عنه حقّ الكفالة - برئ مَن بعده دون مَنْ قبله.

قوله: «الثامنة: لا تصحّ كفالة المكاتب، على تردّد».

الأقوى الصحّة مطلقاً.

ص: 440

كتاب الصلح

اشارة

قوله: «وهو عقد شُرِّع لقطع التجاذب».

أي الأصل فيه ذلك، ولكنّه تعدّى إلى غير ذلك، وصار عقداً مستقلّاً، غير مشروط بذلك عند الأصحاب بدليل خارج.

قوله: «وليس فرعاً على غيره، وإنْ أفاد فائدته».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث قال: إنّه فرع علی عقود خمسة (1)، فجعله فرع البيع إذا أفاد نقل الملك بعوض معلوم، وفرع الإجارة إذا وقع على منفعة مقدّرة بمدّة معلومة بعوض معلوم، وفرع الهبة إذا تضمّن ملك العين بغير عوض، وفرع العارية إذا تضمّن إباحة منفعة بغير عوض، وفرع الإبراء إذا تضمّن إسقاط دَين أو بعضه، فيلحقه حكم ما أُلحق به في ذلك الفرد الذي أُلحق به فيه.

والأشهر أنّه عقد مستقلّ وإنْ أفاد فائدة هذه العقود.

قوله: «ويصحّ مع الإقرار والإنكار».

المراد بصحّته مع الإنكار صحّته بحسب الظاهر، وأمّا في نفس الأمر فلا يستبيح مَنْ هو غير محقّ في إنكاره ما حصل له بالصلح، فإذا أنكر المدّعى عليه المدّعى به ظاهراً، وصولح ببعض المدّعى، أو ببذله، لم يستبح الزائد عن العوض عيناً وديناً، حتّى لو كان

ص: 441


1- المبسوط، ج 2، ص 258.

قد صالح عن العين بمال آخر فهي بأجمعها في يده مغصوبة، ولا يستثني له منها مقدار ما دفع. وكذا لو انعكس وكان المدّعي مبطلاً في نفس الأمر، لم يستبح الزائد ما صولح به مِن عينٍ ودَينِ.

قوله: «إلّا ما أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً».

فسّر «تحليل الحرام» بالصلح على استرقاق حرٍّ، واستباحة بُضعٍ لاسبب لإباحته غيره، ونحو ذلك، و«تحريم الحلال» بأن لا يطأ أحدهما حليلته، أو لا ينتفع بماله، ونحو ذلك. والاستثناء على هذا متّصل؛ لأنّ الصلح على مثل هذا باطل ظاهراً وباطناً.

وفسّر بصلح المنكر على بعض المدّعيين، أو منفعته، مع كون أحدهما عالماً ببطلان الدعوى، كما سبق. والبطلان على هذا في نفس الأمر، لا في الظاهر الذي هو مناط الأحكام غالباً.

قوله: «وكذا يصحّ مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، ومع جهالتهما به، دَيناً كان أو عيناً».

المراد مع علمهما معاً وجهلهما كذلك، أمّا لو علم أحدهما دون الآخر فإن كان الجاهل المستحقّ لم يصحّ الصلح في نفس الأمر، إلّا أن يعلمه بالقدر، أو يكون المصالَح به قدر حقّه مع كونه غير متعيّن. ومع ذلك فالعبرة بوصول الحقّ لا بالصلح. ولو انعكس الفرضُ بأن كان المستحقّ عالماً بالقدر والغريم جاهلاً ويريد التخلّص منه، لم يصحّ الصلح بزيادة عن الحقّ، بل بقدره فما دون، عكس الأوّل.

واعلم أنّ تقييد الحكم بكون المصالَح عليه متنازعاً فيه غير لازم، بل الحكم آتِ في مطلق المصالح وإن لم يكن بمنازع، مع علمهما بما يتصالحان عليه وجهلهما به، کوارثٍ تعذّر علمه بمقدار حصّته، وشريكٍ امتزج ماله بمال الآخر، بحيث لا يتميّز ولا يعلمان مقدار ما لكلّ منهما، ونحو ذلك.

قوله: «وهو لازم من الطرفين، مع استكمال شرائطه، إلّا أن يتّفقا على فسخه».

أي اتّفاقهما عليه بالتقايل بصيغته، لا مطلق الاتّفاق عليه.

ص: 442

قوله: «وإذا اصطلح الشريكان على أن يكون الربح والخسران على أحدهما، وللآخر رأس ماله، صحّ».

هذا إذا كان عند انتهاء الشركة وأرادا فسخها؛ لتكون الزيادة مع مَنْ هي معه بمنزلة الهبة، والخسران على مَنْ هو عليه بمنزلة الإبراء، أمّا قبله فلا.

قوله: «إذا اصطلح الشريكان على أن يكون الربح والخسران على أحدهما، وللآخر رأس ماله، صحّ. ولو كان معهما درهمان فادّعاهما أحدهما، وادّعى الآخر أحدهما، كان لمدّعيهما درهم ونصف، وللآخر ما بقي».

ويجب على كلّ منهما اليمين للآخر على استحقاق نصف ما تصادمت دعواهما فيه، فمن نكل منهما عن اليمين قضى به للآخر.

قوله: «وكذا لو أودعه أحدهما در همين، وآخر درهماً، وامتزج الجميع، ثمّ تلف درهم».

أي تلف بغير تفريط، فينحصر حقّهما في الدرهمين الباقيين. وإلحاق هذه بالسابقة هو المشهور بين الأصحاب. ومستنده رواية (1)ضعيفة. مع قيام الفرق بينهما بأنّ التالف هنا لا يحتمل كونه لهما معاً. بل لأحدهما خاصّة؛ لعدم الإشاعة. والموافق للقواعد الشرعيّة القول بالقرعة.

قوله: «ولو كان لواحدٍ ثوب بعشرين درهماً، ولآخر ثوب بثلاثين، ثمّ اشتبها، فإنْ خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه، وإنْ تعاسرا بيعا وقُسّم ثمنهما بينهما، وأُعطي صاحب العشرين سهمين من خمسة، والآخر ثلاثة».

هذا الحكم كالسابق مشهور بين الأصحاب. ومستنده رواية (2) لا تخلو من ضعف. ومناسبة القيمة للثمن غير لازم. والقول بالقرعة - كما اختاره ابن إدريس (3) - متّجه،

ص: 443


1- هي رواية السكوني رواها الصدوق في الفقيه، ج 3، ص 37، ح 3281؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 6، ص 208، ح 483؛ وج 7، ص 181، ح 797.
2- هي رواية إسحاق بن عمّار رواها الكليني في الكافي، ج 7، ص 421-422، باب النوادر، ح 2؛ والصدوق في الفقيه، ج 3، ص 37، ح 3271؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 6، ص 208، ح 482، وص 303، ح 847.
3- السرائر، ج 2، ص 69.

وحينئذٍ فيتعدّى الحكم إلى غير الثوبين. وعلى المشهور يقتصر في الحكم على مورد النصّ، ويرجع فيما عداه إلى القرعة. والقول بتعديته مطلقاً بعيد.

قوله: «ويصحّ الصلح على عينٍ بعينٍ... ولو صالحه على دراهم بدنانير، أو بدراهم صحّ، ولم يكن فرع البيع».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ (رحمه الله) (1)، حيث جعله في هذا ونظائره فرع البيع، فيلحقه حكمه من الصرف. وأمّا في الربا فالأقوى ثبوته فيه أيضاً، وإنْ لم نجعله فرعاً؛ لثبوته في كلّ معاوضة.

قوله: «ولو أتلف على رجل ثوباً قيمته درهم، فصالحه عنه على درهمين صحّ، على الأشبه».

هذا يتمّ على القول بضمان القيمي بمثله. أمّا على الأصحّ من ضمانه بقيمته فاللازم لذمّة المتلف إنّما هو الدرهم، فيستلزم الصلح عليه بدرهمين الربا فيبطل.

قوله: ولو ادّعى داراً، فأنكر مَن هي في يده، ثمّ صالحه المنكر على سكنى سنة صحّ، ولم يكن لأحدهما الرجوع ... وقيل: له الرجوع هنا؛ لأنّه هنا فرع العارية، والأوّل أشبه».

قويٌّ، وقد تقدّم خلاف الشيخ في ذلك (2).

قوله: «ولو ادّعى اثنان داراً في يد ثالث، بسبب يوجب الشركة كالميراث، فصدّق المدّعى عليه أحدهما وصالحه على ذلك النصف، فإنْ كان بإذن صاحبه صحّ الصلح في النصف أجمع، وكان العوض بينهما، وإنْ كان بغير إذنه صحّ في حقّه».

خاصّة. أمّا لو ادّعى النصف من غير سبب يوجب الشركة لم يشتركا. هذا إنّما يتمّ على تقدير وقوع الصلح على النصف الذي أقرّ به المقرّ؛ ليكون الصلح تابعاً للإقرار المنزّل على الإشاعة، فحيث يشتركان في أصله يشتركان في العوض. أمّا لو صالحه

ص: 444


1- المبسوط، ج 2، ص 259.
2- تقدّم آنفاً.

على النصف مطلقاً انصرف إلى نصيبه، وإن كان السبب يقتضي الشركة؛ لأنّ البيع والصلح لا يُنزّلان على الإشاعة، بل على ما يملكه البائع والمصالح.

قوله: «ولو ادّعى عليه فأنكر، فصالحه المدّعى عليه على سقي زرعه أو شجره بمائة، قيل: لا يجوز».

الأقوى الجواز مع ضبطه بمدّة معلومة، ومثله ما لو كان الماء معوّضاً.

قوله: «أمّا لو صالحه على إجراء الماء إلى سطحه، أو ساحته صحّ، بعد العلم بالموضع الذي يجري الماء منه».

المراد بعلم الموضع الذي يجري منه أن يقدّر مجراه طولاً وعرضاً؛ لترتفع الجهالة عن المحلّ المصالح عليه. ولا يعتبر تعيين العمق. ولا فرق بين جعله عوضاً بعد المنازعة وبين إيقاعه ابتداءً.

وينبغي مشاهدة الماء؛ لاختلاف الأغراض بقلّته وكثرته، أو وصفه بما يرفع الجهالة، فيعتبر ذلك في ماء المطر.

قوله: «إذا قال المدّعى عليه: صالِحْني عليه، لم يكن إقراراً... أمّا لو قال: بِعني أو ملِّكني، كان إقراراً».

المعلوم كونه إقراراً بعدم ملك المقرّ. أمّا كونه ملكاً لمن طلب منه البيع والتملّك ففيه نظر؛ لأنّ ملك البيع أعمّ من ملك المبيع، فلا يدلّ عليه.

نعم، لو كان تحت يد المقرّ له ترجّح جانب ملكه؛ لدلالة اليد على الملكيّة مع عدم ظهور المنازع.

[أحكام النزاع في الأملاك]

قوله: «الأُولى: يجوز إخراج الرواشِن والأجنحة إلى الطرق النافذة، إذا كانت عاليةً لا تضرّ بالمارّة».

الروشن والجَناح يشتركان في إخراج خشب من الحائط إلى الطريق بحيث لا يصل

ص: 445

إلى الجدار المقابل ويبنى عليها، ولو وصلت فهو الساباط. وربما فرِّق بينهما بأنّ الأجنحة ينضمّ إليها مع ما ذكر أنْ توضع لها أعمدةٌ في الطريق. ويعتبر في المارّة المتضرّرة ما يليق بتلك الطريق عادة، ويختلف ذلك باختلافهم كثيراً.

قوله: «ولو عارض فيها مسلم على الأصحّ».

نبّه به على خلاف الشيخ (رحمه الله) (1)؛ حيث شرط في جواز وضعه عدم معارضة أحد من المسلمين له؛ لأنّه حقّ لجميع المسلمين، فيمنع بمعارضة واحد منهم له فيه.

وأُجيب بأنّ الغرض عدم التضرّر به للمارّة، فالمانع منهم معاند.

قوله: «ولو أظلم بها الطريق، قيل: لا يجب إزالتها».

موضع الخلاف ما إذا لم يذهب الضياء رأساً، وإلّامنع إجماعاً، والأصحّ اعتبار التضرّر وعدمه، ليلاً ونهاراً، لقويّ البصر وضعيفه.

قوله: «وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه؛ دفعاً للشبهة».

أي لشبهة استحقاقه المرور فيه بعد تطاول الزمان، فإنّه إذا اشتبه حاله يشعر باستحقاق المرور؛ لأنّه وضع له. وبهذا يحصل الفرق بين وضع الباب ورفع الحائط جملةً، فإنّ الثاني جائز دون الأوّل؛ لأنّ رفع الحائط لا يدلّ على استحقاق المرور مطلقاً، بخلاف الباب.

قوله: «ولو صالحهم على إحداث روشنٍ، قيل: لا يجوز؛ لأنّه لا يصحّ إفراد الهواء بالبيع. وفيه تردّدٌ».

في الجواز قوّة.

قوله: «الثانية: إذا التمس وضع جذوعه على حائط جاره، لم يجب على الجار إجابته... ولو أذن، جاز له الرجوع قبل الوضع، وبعد الوضع لا يجوز؛ لأنّ المراد به التأبيد، والجواز حسن مع الضمان».

ص: 446


1- المبسوط، ج 2، ص 261؛ الخلاف، ج 3، ص 294، المسألة 2.

الأقوى الجواز مع ضمان أرشه. والمراد به عوض ما نقص من آلات الواضع بالهدم. وقيل: تفاوت ما بين العامر والخراب (1).

قوله: «ولو انهدم لم يعدّ الطرح إلّا بإذن مستأنف. وفيه قول آخر».

القول الآخر للشيخ (2) بجواز إعادته بآلته الأُولى بدون الإذن. والأصحّ المنع.

قوله: «ولو صالحه على الوضع ابتداءً جاز بعد أن يذكر عدد الخشب ووزنها وطولها».

ويعتبر أيضاً ضبط المدّة. ولو كانت الآلات مشاهدة استغني عن اعتبارها بما ذكر، واكتفي بتعيين المدّة.

قوله: «الثالثة: إذا تداعيا جداراً مطلقاً، ولا بيّنة، فمن حلف عليه مع نكول صاحبه فهو له. وإن حلفا أو نكلا، قضي به بينهما».

المراد بالإطلاق هنا أن لا يكون مقيّداً بوجهٍ يوجب كونه لأحدهما شرعاً كاتّصاله ببناء أحدهما وما في حكمه ممّا سيأتي. ومن جملة القيود كونه في أرض أحدهما، فإذا خلا عن ذلك كلّه لم يكن لهما عليه يد وكان لهما معاً. وحكمه حينئذٍ أن تستوي نسبتهما إليه، وحكمه حينئذ ما ذكر.

قوله: «ولو كان متّصلاً ببناء أحدهما، كان القول قوله مع يمينه».

أي متّصلاً به اتّصال ترصيفٍ، وهو تداخل الأحجار واللبن على وجه يبعد كونه محدثاً. ومثله ما لو كان لأحدهما عليه غرفة، أو سترة. ولو اتّصل بهما كذلك، أو كان البناء لهما، أو اختصّ أحدهما بصفةٍ والآخر بأُخرى، فاليد لهما. وكذا لو كان لأحدهما واحدة والباقي مع الآخر.

قوله: «ولو كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع، قيل: لا يقضى بها، وقيل: يقضى مع اليمين. وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «ولا ترجّح دعوى أحدهما بالخوارج التي في الحيطان، ولا الروازن».

ص: 447


1- القائل به هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 423.
2- قال به في المبسوط، ج 2، ص 269.

المراد بالخوارج كلّ ما خرج عن وجه الحائط من نقش ووتدٍ ورفٍّ ونحو ذلك، فإنّه لا يفيد الترجيح لمالكه، لإمكان إحداثه له من جهته من غير شعور صاحب الجدار. ومثله الدواخل فيه، كالطاقات غير النافذة والروازن النافذة فيه، لما ذكر.

قوله: «ولو اختلفا في خُصّ قضي لمن إليه معاقد القمط، عملاً بالرواية».

الخصّ - بالضمّ - البيت الذي يعمل من القصب (1) والقمط - بالكسر - حبل يشدّ به الخصّ، وبالضمّ جمع قماط (2)، وهي سداد الخصّ من ليفٍ وخوصٍ وغيرهما. والحكم بذلك مرويّ عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم (3)، وعن الباقر علیه السلام، عن عليّ علیه السلام (4)، وأكثر الأصحاب على العمل بمضمونها.

قوله: «وكذا لا يجبر صاحب السفل ولا العلوّ على بناء الجدار الذي يحمل العلوّ، ولو هدمه بغير إذن شريكه وجب عليه إعادته، وكذا لو هدمه بإذنه وشرط إعادته».

أطلق المصنِّف وجوب الإعادة تبعاً للشيخ (5). ويشكل بأنّ النقصان الحاصل بالهدم غير مثلي فينبغي المصير إلى القيمة، وهو الأرش. فالقول بالأرش مطلقاً قويٌّ. وفصّل الشهيد (رحمه الله) في الدروس (6)، فأوجب إعادته إن أمكنت المماثلة، كما في جدران بعض البساتين والمزارع، وإلّا فالأرش. والأوسط أوسط.

قوله: «الخامسة: إذا تنازع صاحب السفل والعلوّ في جدران البيت... ولو تنازعا في السقف، قيل: إنْ حلفا قضي به لهما. وقيل: لصاحب العلوّ. وقيل: يقرع بينهما. وهو حسن».

المراد بالسقف الحامل للغرفة المتوسّط بينهما وبين البيت. وأظهر الأقوال الوسط.

ص: 448


1- لسان العرب، ج 7، ص 26؛ مجمع البحرين، ج 4، ص 168، «خصص».
2- لسان العرب، ج 7، ص 385؛ مجمع البحرين، ج 4، ص 270، «قمط».
3- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 785، ح 2343.
4- الفقيه، ج 3، ص 100، ح 3416.
5- المبسوط، ج 2، ص 275.
6- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 307 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

وموضع الخلاف السقف الذي يمكن إحداثه بعد بناء البيت، أمّا ما لا يمكن كالأزَج (1)، فإنّه يحكم به لصاحب السفل بيمينه.

قوله: «السادسة: إذا خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها إنْ أمكن، وإلّا قطعت من حدّ ملكه، وإنْ امتنع صاحبها قطعها الجار، ولا يتوقّف على إذن الحاكم».

يمكن كون الوجوب بمعناه المتعارف، ويكون المحكوم عليه به مالك الشجرة. ووجه الوجوب استلزام إبقاء الشجرة كذلك التصرّف في ملك الغير بغير إذنه. وهو غير جائز.

لكن يبقى في العبارة (2) اشتراط وجوب العطف بالإمكان، وترتيب القطع على عدمه، مع أنّ للمالك قطع شجرته بغير هذا السبب، فبِه أولى.

ويمكن كونه بمعنى الثبوت، وهو أحد معانيه لغةً. لكن ينافيه اشتراط وجوب العطف بالإمكان، وترتيب القطع على عدمه، مع أنّ للمالك قطع شجرته بغير هذا السبب، فبه أولى. وإنّما يليق ترتيب الأمرين المذكورين بالنسبة إلى مالك الأرض، إلا أنّ الوجوب فيه لايتمّ بالمعنى المتعارف منه. ويمكن كونه بمعنى الثبوت.

والحاصل أنّ على مالك الشجرة تفريغ أرض الغير، أو هوائه من ماله كيف ما أمكن، فإنْ امتنع فلمالك الأرض والهواء تولّي ذلك مقدّماً للعطف على القطع مع إمكانه. وكما يثبت الحكم في الأغصان فكذا في العروق. ولا يتوقّف مالك الأرض على حكم الحاكم حيث يمنع صاحب الشجرة، كما له إخراج بهيمة تدخل إلى ملكه بدون إذنه.

وفي حكم الشجرة التراب المنتقل إلى ملك الغير، والحائط المائل كذلك، فتجب المبادرة إلى تخليص الأرض منه. ولو ملّكه التراب وقبله سلم من حقّه، لامع امتناعه منه وإنْ شقّ نقله.

ص: 449


1- الأزَج: بيت يبنى طولاً. لسان العرب، ج 2، ص 208؛ مجمع البحرين، ج 2، ص 275، «أزَج».
2- أي يبقى في العبارة إشكال وهو... .

قوله: «ولو صالحه على إبقائه في الهواء لم يصحّ، على تردّد».

الصحّة أقوى، مع ضبط المدّة.

قوله: «إذا تنازع راكب الدابّة و قابض لجامها قضي للراكب مع يمينه، وقيل: هما سواء في الدعوى. والأوّل أقوى».

بل الأقوى التساوي بعد أنْ يحلف كلّ منهما لصاحبه إذا لم تكن بيّنة.

قوله: «أمّا لو تنازعا ثوباً في يد أحدهما أكثره فهما سواء».

لاشتراكهما في مسمّى اليد، ولا ترجيح لقوّتها. والتصرّف الذي كان مع الراكب زائداً على اليد منتفٍ هنا. وهذا هو الفارق بين المسألتين عند المصنِّف.

قوله: «وكذا لو تنازعا عبداً ولأحدهما عليه ثياب».

بمعنى أنّ لبسها لا يرجّح يد أحدهما إذا كان لهما عليه يد؛ إذ لا دخل لها في الملك؛ لأنّه قد يلبسها بغير إذن مالكها، أو بقوله، أو بالعارية.

قوله: «ولو تداعيا غرفةً على بيت أحدهما، وبابها إلى غرفة الآخر، كان الرجحان لدعوى صاحب البيت».

هذا إذا لم يكن من إليه الباب متصرّفاً فيها بسكنى أو غيره، وإلّا قدّم؛ لأنّ يده عليها بالذات، وثبوت يد مالك الهواء بالتبعيّة ليده التي هي على القرار.

ص: 450

كتاب الشركة

[الفصل الأوّل في أقسامها]

قوله: «الشركة اجتماع حقوق الملّاك في الشيء الواحد على سبيل الشياع».

الشركة بكسر الشين وإسكان الراء، وبفتح الشين وكسر الراء، وهي تطلق على معنيين: أحدهما: ما ذكره المصنِّف في تعريفه من أنّها اجتماع الحقوق على الوجه المذكور. وهذا المعنى هو المتبادر من معنى الشركة لغةً وعرفاً، إلّا أنّه لا مدخل له في الحكم الشرعي المترتّب على الشركة من كونها من جملة العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول والحكم عليها بالصحّة والبطلان. فإنّ هذا الاجتماع يحصل بعقدٍ وغيره، بل بغيره أكثر، حتّى لو تعدّى أحدهما ومزج ماله بمال الآخر قهراً بحيث لا يتميّزان تحقّقت الشركة بهذا المعنى. ومع ذلك لا ترتبط الشركة به بما قبلها وبعدها؛ لأنّ هذا معنى من المعاني دخوله في باب الأحكام أولى به من العقود.

وثانيهما: عقدٌ ثمرته جواز تصرّف الملاك للشيء الواحد على سبيل الشياع فيه. وهذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود، ويلحقها الحكم بالصحّة والبطلان. وإليه يشير المصنِّف فيما بعد بقوله: «قيل: تبطل الشركة - أعني الشرط والتصرّف - وقيل: تصحّ» ولو قدّم تعريفها بهذا المعنى كان أوفق.

قوله: «ثمّ المشترَك قد يكون عيناً، وقد يكون منفعة، وقد يكون حقّاً».

يتحقّق الاشتراك في المنفعة بالإجارة والحبس والسكنى. والاشتراك في الحقّ

ص: 451

كالخيار والشفعة بالنسبة إلى الورثة والقصاص والحدّ والرهن.

قوله: «وسبب الشركة قد يكون إرثاً ...، وقد يكون حيازةً. والأشبه في الحيازة اختصاص كلّ واحد بما حازه».

قويٌّ، إلّا أن ينوي كلّ واحد بعمله مشاركة الآخر على وجه التوكيل فيحصل الاشتراك أيضاً كما سيأتي.

قوله: «وكلّ مالين مزج أحدهما بالآخر بحيث لا يتميّزان، تحقّقت فيهما الشركة... أمّا ما لامثلَ له كالثوب والخشب والعبد، فلا يتحقّق فيه بالمزج».

بل يمكن تحقّقه فيه - كغيره من ذوات الأمثال - بأن تمتزج الثياب المتعدّدة المتقاربة الأوصاف، والخشب كذلك بحيث لا يتميّز. والضابط عدم الامتياز، ولا خصوصيّة للمثلي والقيمي في ذلك، وحيث يتحقّق يكون بنسبة القيمة.

قوله: «لو عملا معاً لواحدٍ بأُجرةٍ، دفع إليهما شيئاً واحداً عوضاً عن أُجرتهما، تحقّقت الشركة في ذلك الشيء لا بالوجوه».

بأن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما بعقدٍ لفظي؛ ليبتاعا في الذمّة إلى أجلٍ على أنّ ما يبتاعه كلّ واحد منهما يكون بينهما، فيبيعان ويؤدّيان الأثمان، وما فضل فهو بينهما.

أو يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى خاملٍ، ويشترط أن يكون الربح بينهما. أو يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال؛ ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل.

أو بأن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح؛ ليكون بعض الربح له. وجوّزها ابن الجنيد(1) بالمعنى الأوّل. وبعض العامّة (2)بالمعاني كلّها. والمذهب بطلانها مطلقاً.

قوله: «ولا شركة المفاوضة».

ص: 452


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 195، المسألة 145.
2- كأبي حنيفة، نُسب إليه في المجموع شرح المهذّب، ج 14، ص 75؛ وحلية العلماء، ج 5، ص 102.

هي أنْ يشترك شخصان فصاعداً على أنْ يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم.

قوله: «ولو شرط لأحدهما زيادة في الربح، مع تساوي المالين ...، قيل: تبطل الشركة ،... وقيل: تصحّ. والأوّل أظهر». قويٌّ.

قوله: «هذا إذا عملا في المال، أمّا لو كان العامل أحدهما، وشرطت الزيادة للعامل، صحّ».

وكذا لو عملا معاً متفاضلين وشرطت الزيادة لمن زاد في العمل.

قوله: «ولو شرط التأجيل في الشركة لم يصحّ، ولكلّ منهما أنْ يرجع متى شاء».

المراد بصحّة التأجيل المنفيّة ترتّب أثرها بحيث تكون لازمة إلى الأجل. ويترتّب على الشرط عدم جواز تصرّفهما بعده إلّا بإذنٍ مستأنف؛ لعدم تناول الإذن والشرط له، وشرط الأجل أثر في الجملة.

[الفصل الثاني في القسمة]

قوله: «ولا تصحّ إلّا باتّفاق الشركاء».

أي لا تصحّ مطلقاً، أو لا تصحّ من أحد الشركاء بدون مراجعة الشريك، أو من يقوم مقامه، وإلّا فسيأتي بعده بلا فصل أنّه: يجبر الممتنع على بعض الوجوه. مع أنّ المجبر غير راضٍ. ولقد كان يغني عن هذا الحكم ما بعده؛ لما فيه من الإبهام.

قوله: «وتكون بتعديل السهام والقرعة».

أي تكون القسمة الإجباريّة تامّة بذلك، فمتى حصلت القرعة لزمت، سواء كان المتولّي لذلك قاسم الإمام أم المتقاسمين، ولو اشتملت على ردٍّ وكان القاسم منصوباً لزمت أيضاً، وإلّا توقّفت على تراضيهما بعدها؛ لاشتمالها على المعاوضة، فلابدّ من لفظ يدلّ على الرضى.

قوله: «ولا يقسم الوقف؛ لأنّ الحقّ ليس منحصراً في المتقاسمين».

هذا إذا كان الواقف واحداً وإنّما التعدّد في الموقوف عليه، كالبطون المتعدّدة فإنّ

ص: 453

الحقّ يتغيّر بزيادتها ونقصانها، فربّما استحقّ بعض بطون المتقاسمين أكثر ممّا ظهر بالقسمة لمورّثهم، وبالعكس.

وكذا لو تعدّد الواقف واتّحد الموقوف عليه، كما لو وقف جماعة على شخص وعلى ذرّيّته وأراد بعض الذرّيّة القسمة لعين ما ذكر. أمّا لو تعدّد الواقف والموقوف عليه، كما لو وقف نصف عين على شخص وذرّيّته، وآخر على غيره كذلك، جاز للموقوف عليهما الاقتسام، بحيث يميّزان كلّ وقف على حدته، وكذا لذرّيّتهما دون الذرّيّة الواحدة. ولو كان التعدّد فيهما على غير هذا الوجه، كما لو وقف اثنان على كلّ واحد من الاثنين، فحكمه حكم المتّحد. والضابط أنّ الواقف الواحد لا تصحّ قسمته وإن تعدّد الواقف والمصرف، وهو المراد من العبارة.

قوله: «لو كان الملك الواحد وقفاً وطِلقاً صحّ قسمته؛ لأنّه تمييز للوقف من غيره».

هذا إذا لم يشتمل على ردٍّ، أو اشتمل وكان الردّ من الموقوف عليه، أمّا لو انعكس لم يصحّ؛ لأنّه كبيع جزءٍ من الوقف.

[الفصل الثالث في لواحق الشركة]

قوله: «الأُولى: لو دفع إنسان دابّةً، وآخر راوية إلى سقّاء على الاشتراك في الحاصل، لم تنعقد الشركة، وكان ما يحصل للسقّاء، وعليه أُجرة مثل الدابّة والراوية».

هذا مع كون الماء ملكاً للسقّاء، أو مباحاً ونوى الملك لنفسه، أو لم ينو شيئاً، أمّا لو نواه لهم جميعاً كان كالوكيل. والأقوى أنّهم مشتركون فيه وتكون أُجرته وأُجرة الراوية والدابّة عليهم أثلاثاً، فيسقط عن كلّ واحد ثلث الأُجرة المنسوبة إليه، ويرجع على كلّ واحد بثلث، ويكون في سقيه للماء بمنزلة الوكيل.

قوله: «الثانية: لو حاش صيداً، أو احتطب، أو احتشّ بنيّة أنّه له ولغيره، لم تؤثّر تلك النيّة، وكان بأجمعه له خاصّة».

هذا إذا لم يكن وكيلاً للغير في ذلك، وإلّا فالأقوى اشتراكهما فيه.

ص: 454

قوله: «وهل يفتقر المحيز في تملّك المباح إلى نيّة التملّك؟ قيل: لا، وفيه تردّد».

في الافتقار إليها قوّةٌ. هذا بالنظر إلى المحيز نفسه، وأمّا بالنظر إلى غيره، فإذا رأى تحت يده شيئاً من ذلك يحكم له به ظاهراً؛ لأنّ اليد جعلها الشارع دليلاً ظاهراً على الملك.

قوله: «الثالثة: لو كان بينهما مال بالسويّة، فأذن أحدهما لصاحبه في التصرّف على أن يكون الربح بينهما نصفين، لم يكن قراضاً ،... بل يكون بضاعة».

المراد ب-«البضاعة» هنا المال المبعوث مع الغير؛ ليتّجر فيه تبرّعاً. قال في الصحاح: البضاعة طائفة من مالٍ يبعثها للتجارة (1). وإنّما كان هذا بضاعة؛ لأنّه لم يشركه في الربح، فلايكون قراضاً ولا شركةً؛ لأنّه لم يعمل معه، وبناء الشركة على عمل المشتركين، فإذا عمل الشريك وحده كان الربح بينهما على نسبة المال، وعمله معه معونةً وتبرّعاً، حيث لم يشرط لنفسه عوضاً.

قوله: «ولو ادّعى تسليمه إلى الشريك فصدّقه البائع، لم يبرأ المشتري... وقيل: تقبل شهادة البائع. والمنع في المسألتين أشبه».

أي تقبل شهادة البائع للمشتري في قبض الشريك منه؛ لعدم التهمة، حيث إنّ الشريك ليس وكيلاً للبائع، وحقّ البائع باقٍ على المشتري على التقديرين، فليست الشهادة متبعّضة كالأُولى. نعم، لو كان الشريك مأذوناً في القبض تبعّضت إلّا أنّه غير مفروض المصنِّف.

ووجه ما اختاره من المنع أنّه وإنْ لم يكن شريكاً له فيما قبضه إلّا أنّ الشهادة تجرّ نفعاً من حيث إنّه إذا قبض نصيبه بعد ذلك يسلّم له، ولا يشاركه فيه، بناءً على استحقاق المشاركة إذا لم يثبت القبض، وهذا هو الأشهر.

ولو قلنا بأنّ الشريك يتمكّن من قبض حقّه من المشترك بانفراده قبلت شهادته، ولا تهمة حينئذٍ.

وأشار بقوله: «في المسألتين» إلى شهادة البائع في هذه والشريك في السابقة.

ص: 455


1- الصحاح، ج 3، ص 1186، «بضع».

قوله: «السادسة: لو باع اثنان عبدين... صفقةً بثمنٍ واحدٍ مع تفاوت قيمتهما، قيل: يصحّ، وقيل: يبطل».

الأظهر الصحّة.

قوله: «الثامنة: إذا باع الشريكان سلعةً صفقةً، ثمّ استوفى أحدهما منه شيئاً، شاركه الآخر فيه».

يمكن الحيلة على اختصاص الشريك بالمقبوض بغير إشكالٍ بأنْ يبيع حقّه للمديون على وجه يصحّ بثمن معيّنٍ، ليختصّ به. ومثله الصلح عليه، بل أولى. وكذا لو أبرأه من حقّه واستوهب عوضه، أو أحال به على المديون بما عليه وكان كالقبض.

قوله: «التاسعة: إذا استأجر للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدّةً معيّنةً صحّت الإجارة، ويملك المستأجر ما يحصل من ذلك في تلك المدّة».

جواز الاستئجار على ذلك مبنيٌّ على ما سلف من أنّ تملّكها هل يكفي فيه مجرّد الحيازة أم لا بدّ معها من نيّة التملّك (1)؟ فإنْ اكتفينا بالحيازة لم يصحّ الاستئجار عليها ولا التوكيل فيها؛ لأنّ المستناب يملكها بمجرّد الحيازة، فلا يتصوّر ملك المستأجر والموكّل لها، وإنْ قلنا بافتقاره إلى النيّة صحّ الاستئجار والتوكيل أيضاً.

والمصنِّف (رحمه الله) جزم هنا بالصحّة، مع تردّده فيما سبق في اشتراط النيّة، فهو إمّا رجوع إلى الجزم، أو اختيار لقول ثالث ذهب إليه بعض الأصحاب (2)، وهو الاكتفاء في تملّك المباح بالحيازة مع عدم نيّة عدم التملّك، فلو نوى عدمه أُثرت، فيجري الحكم هنا إذا نوى بذلك المستأجر.

ص: 456


1- راجع في ص 455.
2- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 8، ص 52.

كتاب المضاربة

[في العقد]

قوله: «وهو جائز من الطرفين ولكلّ واحد منهما فسخه سواء نضّ المال، أو كان به عروض».

المراد بإنضاض المال صيرورته دراهم ودنانير كما كان أوّلاً، وتعلّق العروض به بالنظر إلى أصله، وإلّا فالعروض أيضاً مال.

قوله: «ولو اشترط فيه الأجل لم يلزم، لكن لو قال: إن مرّت بك سنة فلا تشتر بعدها وبع، صحّ».

أي لم تلزم مدّة الأجل، بل يصحّ فسخها قبله، ولكن العقد والشرط صحيحان، وفائدة الشرط المنع من التصرّف بعده.

قوله: «ولو اشترط أن يشتري أصلاً يشتركان في نمائه، كالشجر أو الغنم، قيل: يفسد ...، وفيه تردّد».

في الفساد قوّةٌ.

قوله: «وينفق في السفر كمالَ نفقته من أصل المال، على الأظهر».

المراد ب-«كمال النفقة» نفقة السفر أجمع والمراد به السفر العرفي لا الشرعي، وهو ما يقصّر فيه، لكن يعتبر كونه من ضروريّات التجارة، فلو أقام زيادة عنه لم تحتسب نفقته.

ص: 457

والمراد ب-«النفقة» ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب، وآلات ذلك، مقتصداً مراعياً ما يليق بحاله عادة، وإذا انتهى السفر أعاد ما بقي منها - كالآلات - إلى رأس المال.

ثمّ إن كان هناك ربح كانت النفقة منه، وإلّا فمن الأصل. ومؤونَة المرض والموت في السفر محسوبان على العامل خاصّة؛ إذ لا تعلّق لهما بالتجارة.

قوله: «ولو كان لنفسه مال غير مال القراض، فالوجه التقسيط». قويٌّ. والمعتبر التقسيط بنسبة المالين وإن اختلف مقدار العمل، ولو كان معه قراض لأزيد من واحد وزّعت النفقة عليهما على نسبة المالين أيضاً.

قوله « وللعامل ابتياع المعيب، والردّ بالعيب، وأخذ الأرش. كلّ ذلك مع الغبطة».

الفرق بينه وبين الوكيل أنّ الغرض الذاتي هنا الاسترباح، وهو يحصل بالصحيح والمعيب، فلا يتقيّد بالصحيح، بخلاف الوكيل، فإنّ شراءه ربما كان للقنية، والمعيب لا يناسبها غالباً، فيحمل الإطلاق على الصحيح عملاً بالمتعارف.

قوله: «ويقتضي إطلاق الإذن في البيع نقداً؛ بثمن المثل من نقد البلد».

الأقوى جوازه بغير نقد البلد مع الغبطة، كشراء المعيب.

قوله: «ولو اشترى في الذمّة لا معه، ولم يذكر المالك، تعلّق الثمن بذمّته ظاهراً».

هذا إذا لم يذكر المالك في الشراء لفظاً، وإلّا بطل العقد مع عدم إجازته. ولو ذكره نيّةً خاصّة وقع للعامل ظاهراً كما ذكر، ووجب عليه التخلّص باطناً من حقّ البائع. ولو لم يذكره لفظاً ولا نيّةً وقع له ظاهراً وباطناً.

قوله: «ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها، أو أمره بابتياع شيء معيّن فابتاع غيره، ضمن. ولو ربح ... كان الربح بينهما».

المراد أنّ المضاربة لا تبطل بهذه المخالفة، وإن وجب الضمان والإثم في التصرّف المخالف؛ لوقوعه بغير إذنٍ، فينبغي أن يكون فضولياً.

ويجب تقييد المخالفة في جهة السفر بما إذا بيع المتاع في تلك الجهة بما يوافق

ص: 458

قيمته في الجهة المعيّنة، أو يزيد، فلو كان ناقصاً بمالا يتغابن بمثله لم يصحّ، كما لو باع بدون ثمن المثل.

[في مال القراض]

قوله: «ومن شرطه أن يكون عيناً، وأن يكون دراهم أو دنانير».

اشتراط ذلك موضع وفاق. وعلّل مع ذلك بأنّ ما في الذمّة لابدّ من تحصيله أوّلاً، ولا يجوز ضمّ عمل إلى التجارة، وأنّ المضاربة معاملة تشتمل على غرر؛ إذ العمل مجهول، والربح غير معلوم، فيقتصر بها على موضع الحاجة، وتختصّ بما تسهل التجارة به في كلّ وقت. وبأنّه ربما زادت قيمة العروض عنها وقت العقد، فيفوت جزء من الربح بسببها، وربما نقصت فيدخل بعض المال في الربح. وكلّ هذا التعليلات مناسبات ضعيفة، والاعتماد على نقل الإجماع.

قوله: «وفي القراض بالنقرة تردّد».

النقرة - بضمّ أوّله - القطعة المذابة من الذهب والفضّة. ومنشأ التردّد من عدم كونها دراهم ودنانير، ومن مساواتها لهما في المعنى. والأشهر المنع.

قوله: «ولا يصحّ بالفلوس، ولا بالورق المغشوش».

هذا إذا لم يكن متعاملاً بالمغشوش، فلو كان معلوم الصرف بين الناس صحّ جعله مالاً للقراض، كما تجوز المعاملة به.

قوله: «ولو دفع آلة الصيد كالشبكة بحصّة فاصطاد، كان للصائد، وعليه أُجرة الآلة».

الحكم بكون الصيد للصائد مبني على عدم تصوّر التوكيل في تملّك المباح، وإلّا كان الصيد لهما على حسب ما نواه.

قوله: «ولا تكفي المشاهدة. وقيل: يصحّ مع الجهالة».

الأقوى عدم الصحّة.

قوله: «وإذا أخذ من مال القراض ما يعجز عنه، ضمن».

ص: 459

هذا مع جهل المالك بعجزه، وإلّا فالتقصير مستند إلى المالك. ثمّ على تقدير الضمان يضمن الجميع على الأقوى.

قوله: «ولومات ربّ المال وبالمال متاع فأقرّه الوارث، لم يصحّ».

المراد إقراره بعقد مستأنف، سواء كان بلفظ التقرير أم غيره. والمانع من الصحّة كون المال عروضاً، ولو كان نقداً صحّ تجديده قطعاً، ولو بلفظ التقرير، على الأقوى.

قوله: «ولو اختلفا في قدر رأس المال، فالقول قول العامل».

هذا إذا لم يكن قد ظهر ربح، وإلّا فالأقوى تقديم قول المالك؛ لأنّ ذلك في قوّة اختلافهما في قدر حصّته منه، ولأنّ الأصل يقتضي كون جميعه للمالك فيقتصر فيما خالفه على المتيقّن.

[في الربح]

قوله: «ويلزم الحصّة بالشرط دون الأُجرة، على الأصحّ».

مرجع هذا النزاع إلى أنّ المضاربة هل هي من العقود الصحيحة المشروعة أم لا؟ والأصحّ بل المذهب صحّتها فيلزم ما شرط من الحصّة. وذهب الشيخان (1) وجماعة (2) إلى أنّ الربح كلّه للمالك، وللعامل الأُجرة، بناءً على فساد المعاملة بجهالة العوض. وهو ممنوع.

قوله: «ولا بدّ أن يكون الربح مشاعاً. فلو قال: خذه قراضاً والربح لي، فسد، ويمكن أن يجعل بضاعة، نظراً إلى المعنى. وفيه تردّد».

هذا هو الأقوى، فحينئذٍ لا أُجرة للعامل.

قوله: «أمّا لوقال: خذه فاتّجر به والربح لي، كان بضاعةً».

الفرق بين هذه والسابقة اشتمال الأولى على ضميمة منافيةٍ للقرض والبضاعة، وهي

ص: 460


1- النهاية، ص 428؛ المقنعة، ص 633.
2- منهم: أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 344؛ وسلّار في المراسم، ص 182؛ ونسبه العلّامة إلى ابن البرّاج في مختلف الشيعة، ج 6، ص 205، المسألة 158.

التصريح بالقراض، وهو حقيقة شرعيّة في العقد المخصوص بخلاف الأخيرة. هذا إذا أطلق اللفظ. أو قصد القرض والبضاعة، ولو قصد في الثانية القراض ففيه ما سبق من الخلاف؛ لصلاحية اللفظ له مؤيّداً بانضمام القصد.

قوله: «ولو قال: على أنّ لك النصف، صحّ. ولو قال: على أنّ لي النصف واقتصر، لم يصحّ؛ لأنّه لم يعيّن للعامل حصّة».

الفرق بين الصيغتين أنّ الربح لمّا كان تابعاً للعامل، والأصل كونه للمالك، لم يفتقر إلى تعيين حصّته فإن عيّنها كان تأكيداً، وأمّا تعيين حصّة العامل فلابدّ منه؛ لعدم استحقاقها بدونه، فإذا قال: النصف لك، كان تعييناً لحصّة العامل، وبقي الباقي على حكم الأصل، بخلاف ما إذا عكس. قوله: «ولو شرط لغلامه حصّة معهما، صحّ، عمل الغلام أو لم يعمل. ولو شرط لأجنبي وكان عاملاً، صحّ».

الأصل في الربح أن يكون بين العامل والمالك خاصّة على ما يشترطانه فلا يصحّ شرطه للأجنبي. ولو فرض كونه عاملاً كان بمنزلة العامل المتعدّد، فلا يكون أجنبياً. وأمّا شرطه لغلام أحدهما الرقّ، فهو كشرطه لمالكه، فيصحّ؛ لأنّ العبد لا يملك شيئاً. ولو قلنا يملكه كان كالأجنبي. وحيث شرط لأجنبي شرط عمل فلابدّ من ضبط العمل بما يرفع الجهالة، وكونه من أعمال التجارة، لئلّا يتجاوز مقتضاها.

وإنّما وصفه بالأجنبيّة مع كونه عاملاً؛ لأنّ المراد بالعامل هنا مَن يكون إليه التصرّف في جميع ما يقتضيه العقد، وهذا المشروط له ليس كذلك، بل إنّما شرط عليه عمل مخصوص، بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق، أو يدلّل عليه، ونحو ذلك من الأعمال الجزئية المنضبطة، ولو جعل عاملاً في جميع الأعمال كان العامل متعدّداً، وهي غير محلّ الفرض. وبهذا يندفع ما قيل من أنّ شرط العمل ينافي كونه أجنبياً.

والوجه الآخر الذي أشار إليه المصنِّف في الأجنبي، قيل: إنّه إذا شرط للأجنبي يصحّ الشرط وإنْ لم يعمل. والأصحّ الأوّل.

ص: 461

قوله: «ولو دفع قراضاً في مرض الموت، وشرط ربحاً صحّ، وملك العامل الحصّة».

لا فرق في ذلك بين كون الحصّة المشروطة للعامل بقدر أُجرة المثل وأزيد؛ إذ لا تفويت في ذلك على الوارث حتّى يعتبر من الثلث، فإنّ الربح أمر معدوم متوقّع الحصول، وليس مالاً للمريض، وعلى تقدير حصوله فهو أمر جديد حصل بسعي العامل، وحدث على ملكه بعد العقد، فلم يكن للوارث فيه اعتراض.

[في اللواحق]

قوله: «الأُولى: العامل أمينٌ... وقوله مقبول في التلف، وهل يقبل في الردّ؟ فيه تردّد، أظهره أنّه لا يقبل». قويٌّ.

قوله: «الثانية: إذا اشترى من ينعتق على ربّ المال... والوجه الأُجرة».

الوجه حسن؛ لأنّ هذا الشراء ليس من متعلّق عقد المضاربة، فلا يستحقّ به الحصّة. وإنّما وجبت الأُجرة من حيث أمر المالك له بعمل له أُجرة؛ لأنّه الغرض.

قوله: «إذا كان المال لامرأةٍ فاشترى زوجها ، فإنْ كان بإذنها بطل النكاح. وإنْ كان بغير إذنها، قيل: يصحّ الشراء، وقيل: يبطل ... وهو أشبه».

هذا هو الأقوى. والمراد ببطلانه كونه موقوفاً على إجازتها، فيبطل بدونها.

قوله: «الخامسة: إذا فسخ المالك صحّ، وكان للعامل أُجرة المثل إلى ذلك الوقت. ولو كان بالمال عروض، قيل: كان له أنْ يبيع، والوجه المنع». قويٌّ.

قوله: «وكذا لو مات ربّ المال وهو عروض، كان له البيع، إلّا أن يمنعه الوارث. وفيه قول آخر».

الأظهر أنّه ليس للعامل البيع وإنْ لم يمنعه الوارث؛ لأنّ المال حقّ لغير مَن أذن فيه أوّلاً، فلا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنه؛ لبطلان العقد.

قوله: «السادسة: إذا قارض العامل غيره... وإنْ كان بغير إذنه لم يصحّ القراض الثاني فإنْ ربح كان نصف الربح للمالك، والنصف الآخر للعامل الأوّل وعليه أُجرة الثاني».

ص: 462

الأقوى التفصيل، وهو أنّ العقد وقع موقوفاً على إجازة المالك، فإنْ أجازه فالربح بينه وبين الثاني على الشرط، وإنْ لم يجزه بطل. ثمّ الشراء إنْ كان بالعين وقف على إجازة المالك، فإنْ أجاز فالملك له خاصّة، ولاشيء لهما من الربح. أمّا الأوّل فلعدم العمل، وأمّا الثاني فلعدم الإذن له، وعدم وقوع العقد معه. وللثاني أُجرة مثل عمله على الأوّل مع جهله، لا مع علمه. وإن كان الشراء في الذمّة ونوى صاحب المال فكذلك، وإنْ نوى مَن عامله وقع الشراء له؛ لأنّه وكيله، وإن لم ينوِ شيئاً أو نوى نفسه فالعقد له، وضمان المال عليه، لتعدّيه بمخالفة مقتضى المضاربة. وحيث لا يقع العقد للعامل الثاني فله الأُجرة على الأوّل مع جهله، إنْ لم يتعدّ مقتضى المضاربة عمداً.

قوله: «الثامنة: إذا تلف مال القراض أو بعضه، بعد دورانه في التجارة، احتسب التالف من الربح. وكذا لو تلف قبل ذلك. وفي هذا تردّد».

ظاهر العبارة أنّ جميع مال القراض تلف، وحينئذٍ فجبره بالربح بعد الدوران ممكن، أمّا قبله فإنّه يوجب بطلان العقد، فلا يمكن جبره إلّا أنْ يحمل على ما لو أذن له في الشراء في الذمّة، فاشترى، ثمّ تلف المال ونقد عنه الثمن، فإنّ القراض يستمرّ ويمكن جبره حينئذٍ بالربح المتجدّد. ولو كان التالف بعض المال أمكن جبره على التقديرين.

والأقوى مع بقاء العقد عدم الفرق بين حصول التلف قبل دورانه وبعده. والمراد ب-«دورانه في التجارة» التصرّف فيه بالبيع والشراء، لا مجرّد السفر به قبل ذلك.

قوله: «التاسعة: إذا قارض اثنان واحداً، وشرطا له النصف منهما، وتفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال، كان فاسداً؛ لفساد الشرط وفيه تردّد».

الأقوى الصحّة .

قوله: «العاشرة: إذا اشترى عبداً للقراض فتلف [الثمن قبل قبضه]، قيل: يلزم صاحب المال ثمنه دائماً، ويكون الجميع رأس ماله، وقيل: إنْ كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك، وإلّا كان باطلاً، ولا يلزم الثمن أحدهما».

الأقوى التفصيل، وهو أنّه إنْ كان العامل اشتراه في الذمّة بإذن المالك في الشراء

ص: 463

فيها، لزمه دفع الثمن ثانياً وثالثاً دائماً، وإلّا فإنْ صرّح بكون الشراء له وقف علی إجازته، فإنْ أجاز لزمه الثمن، وإلّا بطل البيع. وإنْ لم يذكره لفظاً وقع الشراء للعامل والثمن عليه، ويبقى فيما لو نواه فأمر، وإنْ كان اشتراه بعين المال فهلك قبل دفعه بطل العقد. وحيث يلزم المالك الثمن ثانياً يكون الجميع رأس ماله، يجبر جميعه بالربح.

قوله: «الحادية عشرة: إذا نَضّ قدر الربح، فطلب أحدهما القسمة، فإنْ اتّفقا صحّ. وإنْ امتنع المالك لم يجبر. فإنْ اقتسما وبقي رأس المال معه فخسر، ردّ العامل أقلّ الأمرين واحتسب المالك».

المراد بأقلّ الأمرين ممّا وصل إليه من الربح وممّا يصيبه من الخسران؛ لأنّ الأقلّ إنْ كان هو الخسران فلا يلزمه سوى جبر المال والفاضل له، وإنْ كان هو الربح فلا يلزمه الجبر إلّا به. وكذا يحتسب المالك، أي يحتسب رجوع أقلّ الأمرين إليه من رأس المال، فيكون رأس المال ما أخذه هو والعامل وما بقي إنْ احتيج إليهما.

قوله: «الثالثة عشرة: إذا دفع مالاً قراضاً وشرط أنْ يأخذ له بضاعة، قيل: لا يصحّ ... ولو قيل بصحّتها كان حسناً». قويٌّ.

قوله: «الخامسة عشرة: لايجوز للمضارب أنْ يشتري جاريةً يطؤها، وإنْ أذن له المالك، وقيل: يجوز مع الإذن». عدم الصحّة أقوى.

قوله: «أمّا لو أحلّها بعد شرائها، صحّ».

إنْ لم يكن ظهر فيها الربح، وإلّا بني على تحليل أحد الشريكين لصاحبه.

والأقوى المنع.

قوله: «السادسة عشرة: إذا مات وفي يده أموال مضاربةٍ، فإنْ علم... وإنْ جهل كونه مضاربةً، قضي به ميراثاً».

إنْ لم يعلم وجوده في التركة في الجملة، إمّا باعتراف العامل في وقت لا يمكن تجدّد تلفه فيه عادة، أو بشهادة عدلين فصاحبه كالشريك، أو علم تلفه بتقصير، أو بقاؤه إلى بعد الموت مع تقصير العامل في ترك الوصيّة، فصاحبه أسوة الغرماء.

ص: 464

كتاب المزارعة والمساقاة

[المزارعة]

اشارة

قوله: «أمّا المزارعة فهي معاملة على الأرض، بحصّةٍ من حاصلها. وعبارتها أن يقول: زارعتك، أو ازرع هذه الأرض».

إنّما اختصّ هذا العقد بالمساهلة في عبارته وانتشارِها وتأديتها بلفظ الأمر - مع كونه من العقود اللازمة المنحصرة في صيغة الماضي الصريحة في الإنشاء - لورود الاكتفاء بصيغة الامر في بعض الأخبار (1)، وهو أبعد من غيره من الصيغ المفيدة للمطلوب، فاستفيد غير الأمر بطريق أولى.

وفيه نظر؛ لقصور المستند عن إفادة التعدية، وإخراجه عن نظائره(2)، ولم يتعرّض المصنِّف (رحمه الله) للقبول، بل حصر عبارتها في الإيجاب المؤذن بعدم اعتبار القبول اللفظي، وهو أحد القولين (3) في المسألة. والأقوى اعتباره كنظائره.

ص: 465


1- كرواية النضر بن سويد في الكافي، ج 5، ص 267، باب قبالة الأرضين والمزارعة ...، ح 4؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 197، ح 872؛ ورواية أبي الربيع الشامي في الفقيه، ج 3، ص 249 - 250، ح 39071؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 194، ح 857.
2- للمزيد راجع مسالك الأفهام، ج 5، ص 8، قال الشهيد: أمّا قوله «ازرع هذه الأرض» بصيغة الأمر استناداً إلى روايتي أبي الربيع الشامي والنضر بن سويد عن أبي عبد الله علیه السلام. وهما قاصرتان عن الدلالة على ذلك، فالاقتصار على لفظ الماضي أقوى؛ إلحاقاً له بغيره.
3- والقول الآخر هو قول العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 237.

[شروط المزارعة:]

[الأوّل: أن يكون النماء مشاعاً بينهما]

قوله: «وكذا لو اختصّ كلّ واحد منهما بنوع من الزرع دون صاحبه، كأنْ يشترط أحدهما الهَرْف والآخر الأَفل».

الهرف - ساكن الوسط - المتقدّم من الزرع والثمرة. والأفل - بالتسكين أيضاً - خلافه. والجداول جمع جدول، وهو النهر الصغير. وقد يطلق على قطعة من الأرض يجمع حولها التراب، وكلاهما يشتركان في عدم جواز اشتراطه؛ لأنّ الشرط إشاعة المجموع.

قوله: «أمّا لو شرط أحدهما على الآخر، شيئاً يضمنه له من غير الحاصل مضافاً إلى الحصّة، قيل: يصحّ، وقيل: يبطل، والأوّل أشبه».

الأصحّ الصحّة، وهي مشروطة بالسلامة، كاستثناء أرطالٍ معلومة من الثمرة في البيع. ولو تلف البعض سقط منه بحسابه.

قوله: «وتكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير، ممّا يخرج منها، والمنع أشبه». قويٌّ.

[الثاني: تعيين المدّة]

قوله: «ولو اقتصر على تعيين المزروع من غير ذكر المدّة، فوجهان: أحدهما: يصحّ؛ لأنّ لكلّ زرعٍ أمداً، فيبنى على العادة كالقراض. والآخر: يبطل... وهو أشبه».

الأقوى اشتراط تعيين المدّة على الوجه السابق، ويخالف القراض بأنّه عقد جائز لا فائدة في ضبط أجله؛ لجواز الرجوع قبله، بخلافها، فكان إلحاقها بالإجارة أشبه.

قوله: «ولو مضت المدّة والزرع باقٍ كان للمالك إزالته، على الأشبه».

قويٌّ، ولا أرش. وعلى تقدير القلع فالحاصل لهما، بناء على المشهور من أنّ الزارع

ص: 466

يملك حصّته وإنْ لم ينعقد الحبّ، ولا أُجرة على ما مضى من المدّة لو لم ينتفع بالمقلوع.

قوله: «ولو ترك الزراعة، حتّى انقضت المدّة، لزمه أُجرة المثل، فلو كان استأجرها لزمت الأُجرة».

هذا مع تمكين المالك له منها وتسليمه إيّاها، وإلّا لم يستحقّ عليه شيئاً. وحيث يلزمه ضمان الأُجرة يلزمه أرشها لو نقصت بترك الزرع، كما يتّفق في بعض الأرضين؛ لاستناد النقص إلى تفريطه.

[الثالث: أن تكون الأرض ممّا يمكن الانتفاع بها]

قوله: «أن يكون لها ماء... فلو انقطع في أثناء المدّة، فللزارع الخيار؛ لعدم الانتفاع».

إمكان الزرع شرط صحّة المزارعة، كما مرّ (1). فإذا وجد الشرط في الابتداء ثمّ تجدّد انقطاع الماء فمقتضى القاعدة بطلان العقد؛ لفوات الشرط لباقي المدّة.

ولكن المصنِّف (2) (رحمه الله) والعلّامة (3) أطلقا القول بعدم البطلان، بل حكما بتسلّطه على الفسخ. وفيه نظر. هذا حكم المزارعة.

أمّا الإجارة، فإنْ كان قد استأجرها للزارعة فكذلك؛ لاشتراكهما في المعنى، أمّا لو استأجرها مطلقاً لم يتخيّر، مع إمكان الانتفاع بها بغيره. قوله: «هذا إذا زارع عليها أو استأجرها للزارعة... وإذا أطلق المزارعة زرع ما شاء».

هذا إذا كان البذر من عنده، ولو كان من عند صاحب الأرض فالتخيير إليه بطريق أولى، لا إلى المزارع.

قوله: «ولو زرع ما هو أضرّ والحال هذه، كان لمالكها أُجرة المثل إنْ شاء، أو المسمّى مع الأرش».

ص: 467


1- في عبارة الماتن في شرائع الإسلام، ج 2، ص 120 حيث قال: الثالث: أن تكون الأرض ممّا يمكن الانتفاع بها.
2- شرائع الإسلام، ج 2، ص 120.
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 238؛ تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 3، ص 140، الرقم 4322؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 338؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 427.

وجه التخيير أنّ مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفي بزيادة في ضمن زرع الأضرّ، فيتخيّر بين أخذ المسمّى في مقابلة مقدار المنفعة المعيّنة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب لضرر الأرض بغير إذن مالكها، وبين أخذ أُجرة المثل؛ لزرع ذلك الأضرّ من غير نظر إلى المسمّى والأرش؛ لأنّ المزروع بتمامه واقع بغير إذن المالك؛ لأنه غير المعقود عليه.

ويشكل الحكم الأوّل من التخيير بأنّ الحصّة المسمّاة إنّما وقعت في مقابلة الزرع المعيّن ولم يحصل، والذي زرع لم يتناوله العقد ولا الإذن، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصّة، فوجوب أُجرة المثل خاصّةً أقوى.

قوله: «لو كان أقلّ ضرراً جاز».

الأقوى ثبوت أُجرة المثل خاصّة، كما ذكر في زرع الأرض.

قوله: «ولو زارع عليها، أو آجرها للزراعة ولا ماء لها، مع علم المزارع لم يتخيّر، ومع الجهالة له الفسخ».

قد تقدّم أنّ من شرط صحّة المزارعة على الأرض أن يكون لها ماء معتاد للسقي غالباً بحيث يمكن الانتفاع بالزرع، فبدونه لا يصحّ العقد؛ لفقد الشرط، وإنْ رضي كلّ من المالك والعامل؛ لأنّه تصرّف في حكمٍ لم يرد الإذن فيه شرعاً، ولانتفاء الفائدة المطلوبة من الزراعة، وهو ينافي ما ذكر من جواز المزارعة على ما لا ماء لها، مع العلم بغير تخيير، ولا معه مع التخيير. واللازم من ذلك بطلان المزارعة هنا، سواء علم أو لم يعلم، ولأنّ الحكم بالتخيير فرع صحّة العقد. وقد شارك العملّاةُ المصنِّفَ في كتبه (1) على مثل هذه العبارة، وزاد عليه التصريح بأنّه لو ساقاه على ما لا ماء لها غالباً لم يصحّ العقد. وتردّد في التذكرة (2) في الصحّة مع ندور

ص: 468


1- راجع تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 338 (الطبعة الحجريّة): قواعد الأحكام، ج 1، ص 238؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 427.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 338 (الطبعة الحجريّة).

الماء. والأقوى البطلان فيهما. ومثله ما لو استأجرها للزراعة.

قوله: «أمّا لو استأجرها مطلقاً، ولم يشترط الزراعة، لم يفسخ؛ لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع».

الحكم بعدم الفسخ يقتضي أنّ الحكم فيما لو لم يكن المستأجر عالماً بحالها. فإنّ العالم لا يتوهّم جواز فسخه، بل إمّا أنْ يصحّ أو يبطل مطلقاً، كما مرّ. ولا فرق هنا بين كون الغالب على الأرض الزراعة وعدمه؛ لأنّ الغلبة لا تقيّد الإطلاق.

قوله: «ولو استأجر للزراعة مالا ينحسر عنه الماء لم يجز؛ لعدم الانتفاع. ولو رضي بذلك المستأجر جاز. ولو قيل بالمنع؛ لجهالة الأرض، كان حسناً».

هذا التعليل لا يدلّ على البطلان مطلقاً ؛ لإمكان العلم بالأرض مع وجود الماء سابقاً، أو مع صفاء الماء، ولو فرض الجهل بها على كلّ حال فالمنع متوجّه، كما ذكره.

قوله: «ولو كان الماء ينحسر عنها تدريجاً لم يصحّ؛ لجهالة وقت الانتفاع».

مقتضى التعليل أنّه لافرق بين رضى المستأجر بذلك وعدمه؛ لأنّ رضاه بما هو فاقد لشرط الصحّة غير كافٍ فيها. وفي القواعد قيّد المنع بعدم رضى المستأجر (1)، وما ذكره المصنِّف أجود.

قوله: «ولو شرط الزرع والغرس، افتقر إلى تعيين مقدار كلّ واحد منهما».

الأقوى الصحّة مع الإطلاق. ويحمل على التنصيف بينهما. هذا إذا استأجرها لهما مطلقاً. أمّا لو استأجرها مطلقاً، أو بما شاء منهما تخيّر.

قوله: «إذا استأجر أرضاً مدّةً معينةً ليغرس فيها ما يبقى بعد المدّة غالباً، قيل: يجب على المالك إبقاؤه، أو إزالته مع الأرش، وقيل: له إزالته، كما لو غرس بعد المدّة. والأوّل أشبه».

بل الأقوى الثاني.

ص: 469


1- قواعد الأحکام، ج 1، ص 232.

[أحكامها]

قوله: «الأُولى: إذا كان من أحدهما الأرض، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل، صحّ».

الضابط أنّ الصور الممكنة في اشتراك هذه الأربعة بينهما، كلّاً وبعضاً، جائزة. هذا إذا كانا اثنين خاصّة، ولو كانوا ثلاثة فصاعداً وشرط على كلّ واحد بعض الأربعة، ففي جوازه وجهان، والصحّة لا تخلو من قرب (1).

قوله: «الثانية: إذا تنازعا في المدّة... ولو أقام كلّ منهما بيّنةً، قُدّمت بيّنة العامل. وقيل: يرجعان إلى القرعة. والأوّل أشبه».

إذا أقام كلّ منهما بيّنة بني على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج، المشهور الثاني. العامل خارج بالنسبة إلى دعوى المدّة؛ لأنّ مالك الأرض يدّعي تقليلها، ويكون القول قوله، والبيّنة بيّنة الآخر... وأمّا دعوى زيادة الحصّة فهي ممّن ليس البذر منه، سواء في ذلك العامل ومالك الأرض فتكون البيّنة بيّنة من لا بذر له، فلا يتمّ إطلاق تقديم بيّنة العامل، بل ينبغي أن يقول: قدّمت بيّنة الآخر، كما صنع غيره (2)، أو يصرّح بالمراد.

والقول بالقرعة هنا ضعيف.

قوله: «الثالثة: لو اختلفا، فقال الزارع: أعرتنيها، وأنكر المالك وادّعى الحصّة أو الأُجرة ولا بيّنة، فالقول قول صاحب الأرض... والأوّل أشبه».

المراد أنّ القول قول صاحب الأرض في عدم الإعارة، لا فيما يدّعيه؛ لأنّه منكر لها فيقدّم قوله فيها. وكذلك القول قول الزارع في عدم المزارعة والإجارة؛ لأنّه منكر لهما و حينئذٍ فيحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر، ويبقى على الزارع أنّه انتفع بأرض غيره مع عدم ثبوت التبرّع، فيلزمه أُجرة المثل لذلك الزرع إلى أوان نزعه. هذا إذا لم يزد الأُجرة عمّا يدّعيه المالك من الحصّة، أو الأُجرة المعيّنة، وإلّا ثبت له ما يدّعيه

ص: 470


1- هذا خلاف رأيه في مسالك الأفهام، ج 5، ص 29، حيث يقول: والأجود عدم الصحّة.
2- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 239.

خاصّة؛ لاعترافه بأنّه لا يستحقّ سواه. وهذا إذا وقع النزاع بعد الزرع، كما يقتضيه السياق، فلو كان قبله وتحالفا انتفت العارية والإجارة والمزارعة، فليس للعامل أنْ يزرع بعد ذلك.

واعلم أنّه إذا كان الواجب للمالك بعد يمينه أقلّ الأمرين ممّا يدّعيه وأُجرة المثل، وكان الأقلّ هو ما يدّعيه، فلا وجه ليمين الزارع؛ لأنّه لو اعترف له بما يدّعيه لم يكن له أزيد منه، وكذا لو حلف أو ردّ اليمين، وما هذا شأنه لا فائدة فيه.

نعم، لو كان ما يدّعيه أزيد من أُجرة المثل اتّجهت فائدة يمين الزارع؛ لأنّها تنفي الزائد ممّا يدّعيه المالك عن الأُجرة، ولو ردّها أو اعترف للزم الزائد. والقول بالقرعة ضعيف كالسابق.

قوله: «الرابعة: للزارع أنْ يشارك غيره، وأن يزارع عليها غيره، ولا يتوقّف على إذن المالك. لكن لو شرط المالك الزرع بنفسه [لزم و] لم يجز المشاركة إلّا بإذنه».

هذا مبنيّ على الغالب؛ إذ الأصل في وضع المزارعة من (1)كون البذر على العامل، وحينئذٍ فتمليك الحصّة منوط به. وبه يفرّق بين عامل المزارعة والمساقاة، حيث لا يجوز أنْ يساقي غيره؛ لأنّ النماء تابع للأصل، فلا يتسلّط العامل على نقله عن ملكه بدون إذنه، وحيث جاز له أنْ يزارع غيره أو يشاركه، فليس له أنْ يسلّمه الأرض إلّا بإذن المالك. وسيأتي مثله في الإجارة (2) .

قوله: «الخامسة: خراج الأرض ومؤونتها على صاحبها، إلّا أن يشترط على الزارع».

المراد بمؤونة الأرض هنا ما لا يتعلّق بتنمية الزرع، ولا يتكرّر كلّ سنةٍ، كإصلاح الحائط والدولاب ونحوهما ممّا يذكر في المساقاة. وأمّا المؤونة المتعلّقة بالزرع المتكرّر، كالحرث والسقي وتبقية الزرع ونحوها، فعلى العامل. وحيث يشترط شيء من ذلك على العامل يعتبر ضبطه قدراً ووصفاً؛ لترتفع الجهالة. وكذا يصحّ

ص: 471


1- هكذا في النسخ، ولكنّ الظاهر أنّ كلمة «من» زائدة.
2- سيأتي في ص 501.

اشتراط إخراجه من الأصل.

قوله: «السادسة: كلّ موضع يحكم فيه ببطلان المزارعة، تجب لصاحب الأرض أُجرة المثل».

هذا إذا كان البذر من الزارع، فلو كان من صاحب الأرض فهو له، وعلى العامل والعوامل أُجرة المثل، ولو كان منهما فالحاصل بينهما على نسبة الأصل، ولكلّ منهما على الآخر أُجرة مثلِ ما يخصّه على نسبة ما للآخر من الحصّة.

قوله: «السابعة: يجوز لصاحب الأرض أنْ يخرص على الزارع... فإن قبل كان استقرار ذلك مشروطاً بالسلامة». هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ومستنده لا يخلو من إشكال. وظاهرهم أنّه عقد لازم وإنْ ترتّب عليه تلك الأحكام الخاصّة. ولو وقع بلفظ البيع ففي صحّته إشكال، من حيث إنّه محاقلة (1)، إلّا أنْ يجعل ذلك مستثنى منها.

ص: 472


1- المحاقلة: بيع الأرض قبل بدوّ صلاحها. لسان العرب، ج 11، ص 160، «حقل».

[المساقاة]

اشارة

قوله: « فهي معاملة على أُصول ثابتة، بحصّة من ثمرتها».

خصّ اشتقاقها بالسقي من بين الأعمال التي تتوقّف عليها؛ لأنّها أظهرها وأنفعها في الأصل الذي شرّعت فيه، وهو النخل بالحجاز، الذي يسقى من الآبار ويكثر مؤونته ونفعه لذلك. و«الثابتة» في التعريف - بالمثلّثة - يراد بها المستقرّة في الأرض أزيد من سَنةٍ، كالأشجار المغروسة. واحترز بها عن مثل الخضروات التي لا تبقى في الأرض كذلك. المراد ب- «الثمرة» هنا المعهودة، مع احتمال إرادة مطلق النماء؛ ليشمل الورد والورق، حيث تجوز المساقاة على ما يراد منه.

[في العقد]

قوله: «وصيغة الإيجاب أن يقول: ساقيتك، أو عاملتك، أو سلّمت إليك». لم يذكر المصنِّف (رحمه الله) القبول اللفظي، ولا بدّ منه، والمعتبر منه كلّ لفظ دلّ على الرضى بالإيجاب.

قوله: «ويصحّ قبل ظهور الثمرة. وهل تصحّ بعد ظهورها؟ فيه تردّد، والأظهر الجواز، بشرط أنْ يبقى للعامل عمل وإنْ قلّ». قويٌّ.

قوله: «ولا تبطل بموت المساقي، ولا بموت العامل، على الأشبه».

الخلاف متعلّق بموت كلّ منهما، فقد حكم الشيخ في المبسوط ببطلان المساقاة بموت كلّ منهما (1). والأصحّ عدم البطلان، إلّا أن يكون قد شرط على العامل العمل

ص: 473


1- المبسوط، ج 3، ص 15.

بنفسه، فتبطل بموته قبل ظهور الثمرة. ويحتمل البطلان مطلقاً.

[مايساقی عليه]

قوله: «تصحّ المساقاة على النخل، والكرم، وشجر الفواكه».

فيه حذف المضاف، أي وما في شجر الفواكه، أو عطف العامّ على الخاصّ؛ لأنّ النخل والكرم من جملة شجر الفواكه، بل هي أظهرها، ولذلك خصّها.

قوله: «وفيما لا ثمر له إذا كان ورقه ينتفع به، كالتوت والحنّاء [على] تردّد».

الأقوى الصحّة.

قوله: «ولو ساقى على وديّ، أو شجر غير ثابت، لم يصحّ».

الوديّ - بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة، والياء المشدّدة أخيراً بوزن غنيّ - فسيل النخل.

[مفاد العمل]

قوله: «وإطلاق المساقاة يقتضي قيام العامل بما فيه زيادة النماء، من الرفق وإصلاح الأجاجين».

[الأجاجين:] هي الحُفَر التي يقف فيها الماء في أُصول الشجر التي تحتاج إلى السقي.

قوله: «وتهذيب الجريد».

هي قطع ما يحتاج إلى قطعه منه في إصلاح الشجرة أو الثمرة، يابساً كان أم أخضر.

قوله: «وتعديل الثمرة».

وهو إصلاحها بإزالة ما يضرّها من الأغصان والورق؛ ليصل إليها الهواء وما تحتاج إليه من الشمس، ونحو ذلك.

قوله: «والكُشّ للتلقيح، وقيل: يلزم ذلك العامل. وهو حسن».

ص: 474

الأقوى الرجوع إلى العادة. ومع انتفائها أو اضطرابها يرجع إلى العادة بحسب التعيين.

قوله: «ولو شرط أنْ يعمل غلام المالك معه صحّ؛ لأنّه ضمّ مال إلى مال».

أشار بالتعليل إلى جواب بعض العامّة (1)المانع من ذلك؛ محتجّاً بأنّ يده كيد مالكه و عمله كعمله، فكما لا يصحّ اشتراط عمل المالك فكذا غلامه المملوك. وحاصل الجواب أنّ عمل غلام المالك مال له، فهو ضَمّ مال إلى مال، كما يجوز في القراض أنْ يدفع إلى العامل بهيمة يحمل عليها. والفرق بين الغلام وسيّده ظاهر، فإنّ عمل العبد يجوز أن يكون تابعاً لعمل العامل، ولا يجوز أن يكون عمل المالك تابعاً لعمله؛ لأنّه هو الأصل، ويجوز في التابع ما لا يجوز في المنفرد، مع أنّنا نمنع حكم الأصل، فإنّا قد جوّزنا أن يشترط على المالك أكثر العمل.

قوله: «أمّا لو شرط أن يعمل الغلام لخاصّ العامل، لم يجز، وفيه تردّد، والجواز أشبه». المراد بالشرط هنا أن يعمل الغلام في الملك المختصّ بالعامل أو العمل المختصّ به، أي الخارج عن المال المشترك بينه وبين سيّده المساقي عليه.

ووجه التردّد: من أنّه شرط سائغ فيجوز اشتراطه. و من أنّه شَرَطَ عملاً في مقابلة عمله، فصار في قوّة اشتراط جميع العمل على المالك . والأصحّ، بل المذهب الصحّة.

قوله: «وكذا لو شرط عليه أُجرة الأُجراء، أو شرط خروج أُجرتهم صحّ منهما».

الأصحّ الجواز فيهما.

[في الفائدة]

قوله: «ولو شرط مع الحصّة من النماء حصّة من الأصل الثابت لم يصحّ وفيه تردّد».

الوجه المنع.

ص: 475


1- منهم ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 567، المسألة 4122.

قوله: «ولو ساقاه بالنصف إنْ سقى بالناضح، وبالثلث إنْ سقى بالسائح، بطلت المساقاة... وفيه تردّد».

منشأ التردّد من جهالة العمل والنصيب، ومن تعيّنهما على التقديرين، فيرتفع الغرر، كما لو قال في الإجارة: إن خطته روميّاً فلك كذا، أو إن خطته فارسيّاً فكذا. والأظهر البطلان، ومسألة الإجارة - على تقدير تسليمها - تثبت بدليل خارج.

قوله: «ويكره أنْ يشترط ربّ الأرض على العامل شيئاً... ولو تلفت الثمرة لم يلزمه».

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، وفي اشتراط لزوم المشروط بسلامة الثمن مخالفة للأصل، فيقتصر فيه على مورده، فلو كان التالف البعض، أو الشارط العامل على ربّ الأرض، فالوجه عدم سقوط شيء بالتلف.

[في أحكامها]

قوله: «الثانية: إذا استأجر أجيراً للعمل ... ولو استأجره ببعضها، قيل: لا يصحّ؛ لتعذّر التسليم. والوجه الجواز».

الأصحّ الجواز مطلقاً. واشتراطه القطع مبنيّ على مذهبه في البيع، وكان عليه أنْ يضمّ إليه الضميمة أيضاً، فإنّه يكتفي بها في البيع عن شرط العقد.

قوله: «الثالثة: إذا قال: ساقيتك على هذا البستان بكذا، على أنْ أُساقيك على الآخر بكذا، قيل: يبطل. والجواز أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولو لم يفسخ، وتعذّر الوصول إلى الحاكم كان له أنْ يشهد أنّه يستأجر عنه، ويرجع عليه على تردّد. ولو لم يشهد لم يرجع».

الأولى أن يراد ب-«تعذّر الوصول إلى الحاكم» تعذّر الوصول إلى إذنه، سواء كان موجوداً لم يمكن استئذانه؛ لعدم إمكان إثبات الحقّ عنده، أم لغير ذلك. وفي حكم تعذّره بعده عنه بحيث يتوقّف الوصول إليه على مشقّه كثيرة. وحينئذٍ فهل له أن يشهد ويرجع؟ تردّد المصنِّف (رحمه الله) في ذلك، من لزوم الضرر بدونه، ومن أصالة عدم

ص: 476

ثبوت شيء في ذمّة الغير بغير أمره وما يقوم مقامه. والأقوى الرجوع حينئذٍ مع نيّته وإنْ لم يشهد.

قوله: «السادسة: إذا ادّعى أنّ العامل خان... وبتقدير ثبوت الخيانة هل ترفع يده، أو يستأجر مَن يكون معه من أصل الثمرة؟ الوجه أنّ يده لا ترفع».

الوجه حسنٌ.

قوله: «ولو اقتسما الثمرة وتلفت كان للمالك الرجوع على الغاصب... والأوّل أشبه».

بل الأقوى جواز رجوعه عليه بالجميع.

قوله: «العاشرة: الفائدة تملك بالظهور، وتجب الزكاة فيها على كلّ واحدٍ منهما إذا بلغ نصيبه نصاباً».

هذا هو الأصحّ، بل المذهب. وخالف فيه السيّد أبو المكارم بن زهرة (1)، فجعل الملك لمن كان البذر منه والزكاة عليه، وجعل الحصّة للآخر كالأُجرة، وهو شاذّ.

قوله: «إذا دفع أرضاً إلى غيره؛ ليغرسها على أنّ الغرس بينهما، كانت المغارسة باطلة، والغرس لصاحبه».

المغارسة معاملة خاصّة على الأرض؛ ليغرسها العامل على أنْ يكون الغرس بينهما، وهي باطلة عندنا؛ لعدم ثبوت شرعيّتها. وحينئذٍ فالغرس لصاحبه، فإنْ كان لصاحب الأرض فعليه للعامل أُجرة مثل عمله؛ لأنّه لم يعمل مجّاناً، بل بحصّة لم تسلم له. وإنْ كان للعامل فعليه أُجرة المثل للأرض عن مدّة شغله لها، ولصاحب الأرض قلعه، لكن بالأرش، وهو هنا تفاوت ما بين قيمته في حالتيه على الموضع الذي هو عليه، وهو كونه حال غرسه باقياً بأُجرة ومستحقّاً للقلع بالأرش، وكونه مقلوعاً. لاتفاوت ما بين قيمته قائماً مطلقاً ومقلوعاً؛ إذ لا حقّ له في القيام كذلك، ولا تفاوت ما بين كونه قائماً بأُجرة ومقلوعاً؛ لأنّ استحقاقه للقلع بالأرش من جملة أوصافه، ولا تفاوت ما بین

ص: 477


1- غنية النزوع، ج 1، ص 291.

كونه قائماً ومستحقّاً للقلع ومقلوعاً؛ لتخلّف بعض أوصافه أيضاً، ولا بين كونه قائماً مستحقّاً للقلع بالأرش ومقلوعاً؛ لتخلّف وصف القيام بأُجرة.

وهذه الوجوه المنفيّة ذهب إلى كلّ منها بعض (1)، ويجب على العامل مع ذلك أرش الأرض لو نقصت، وطمّ الحفر، وقلع العروق المتخلّفة عن المقلوع. وظاهر إطلاق المصنِّف وغيره عدم الفرق بين العالم بالبطلان والجاهل.

1 .

ص: 478


1- قال الشهيد في مسالك الأفهام، ج 5، ص 72: اختار الثاني منها الشيخ عليّ (رحمه الله) [جامع المقاصد، ج 7، ص 393]، والأخير فخر الدين في بعض ما ينسب إليه، والآخران ذكرهما من لا يعتدّ بقوله.

كتاب الوديعة

[النظر الأوّل في العقد]

قوله: «وهو استنابة في الحفظ».

جعل العقد منحصراً في الإيجاب الذي هو الاستنابة في الحفظ، إمّا بناءً على عدم اعتبار القبول القولي، وكأنّ المتوقّف عليه العقد اللفظي هو الإيجاب خاصّة، أو لأنّ تحقّق الاستنابة يقتضي قبولها؛ لبطلانها بدونه.

والمراد كون المقصود بالذات هو الاستنابة فتخرج الوكالة؛ لأنّها وإن استلزمت الاستنابة في حفظ ما وكّل في بيعه ونحوه، إلّا أنّ ذلك ثابت لها بالعرض، والمقصود بالذات منها الإذن فيما وكّل فيه.

قوله: «ويكفي الفعل الدالّ على القبول».

أطلق المصنِّف وجماعة (1) الاكتفاء بالقبول الفعلي هنا مع جعلهم له عقداً؛ نظراً إلى أنّ الغاية منها إنّما هو الرضى بالاستنابة. وربما كان الفعل أقوى من القول باعتبار التزامه به ودخوله في ضمانه حينئذٍ لو قصّر؛ بخلاف القبول القولي، فإنّه وإنْ لزمه ذلك شرعاً إلّا أنّه يجوز له فسخه حينئذٍ فيزول أثره بمجرّده، واليد توجب الحفظ إلى أن يردّه إلى مالكه، ومع ذلك لا يخلو من خروج عن مقتضى العقد. ومن ثَمَّ ذهب بعضهم إلى أنّها

ص: 479


1- منهم: العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 187؛ والشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 185 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).

إذن مجرّد لا عقد، وفرّع عليه عدم اعتبار القبول القولي. وعلى التقديرين لا تجب مقارنة القبول هنا للإيجاب، سواء اعتبرناه قولياً أم فعلياً.

قوله: «ولو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها».

المراد بالقبول هنا القبول الفعلي خاصّة؛ لأنّ القبول اللفظي غير كاف في تحقّق الوديعة، بل لا بدّ معه من الإيجاب، ولم يحصل هنا بمجرّد الطرح. وأمّا الفعلي فيجب معه الحفظ سواء تحقّقت به الوديعة أم لا؛ نظراً إلى ثبوت حكم اليد.

وحيث يحصل القبول الفعلي هنا إنّما يجب حفظها؛ لأنّها تصير وديعة، لأنّ طرح المالك لها أعمّ من اقترانه بما يوجب الإيجاب، وهو الإتيان بما يدلّ على الاستنابة. لكن لمّا كان الإيجاب يحصل بالقول الصريح والإشارة والتلويح، نُظِر هنا إنْ حصل مع الطرح ما يفيد ذلك كان القبول في قول المصنِّف أعمّ من كونه قوليّاً و فعليّاً، وإنْ لم يحصل معه ما يدلّ على الإيجاب فالمعتبر في وجوب الحفظ القبول الفعلي خاصّة؛ لكن قوله: «طرح الوديعة» لا يخلو من قرينة أن يريد بالطرح الإيداع؛ بواسطة تسميتها وديعةً، لغةً وعرفاً، أو نقول: إنّ القبول يستدعي سبق الإيجاب، فيؤذن بأنّه استفاد الطرح الإيجابَ، وأمّا تسليمها بالفعل فلا يسمّى قبولاً من دون سبق إيجاب وإنْ وجب حفظها لذلك.

قوله: «وإذا استودع وجب عليه الحفظ».

أي قبل الوديعة، وإنْ كان الاستيداع أعمّ منه. وإنّما يجب الحفظ ما دام مستودَعاً؛ لأنّ ذلك هو مقتضى تعليق الحكم على الوصف، وإلّا فإنّ الوديعة من العقود الجائزة. وجواز ردّها في كلّ وقت ينافي وجوب الحفظ إلّا على الوجه الذي ذكرناه.

قوله: «ولا يلزمه دركها لو تلفت من غير تفريط، أو أخذت منه قهراً».

هذا إذا لم يكن سبباً في الأخذ القهري، كما لو كان هو الساعي بها إلى الظالم، أو الدالّ السارق، ثمّ لم يقدر بعد ذلك على دفعه، فإنّه يضمن؛ لتفريطه في الحفظ، بخلاف ما لو كان السبب من غيره.

ص: 480

قوله: «نعم، لو تمكّن من الدفع وجب، ولو لم يفعل ضمن». أي تمكّن من دفع الظالم عنها بالوسائل وغيرها، حتّى بالاختفاء عنه، فإنّه يجب عليه حينئذٍ؛ لقدرته على حفظها به الواجب عليه مطلقاً، ولو أمكن دفعه بشيء منها جاز. ولو ترك الدفع عنها ببعضها وما في حكمه مع إمكانه ضمن ما يزيد عمّا يندفع به لا الجميع.

قوله: «ولا يجب تحمّل الضرر الكثير بالدفع كالجرح وأخذ المال».

ظاهره أنّ مطلق أخذ المال ضرر كثير لا يجب تحمّله وإنْ جاز. ثمّ إنْ كان المطلوب الذي لا يندفع عنها بدونه بقدرها لم يجب بذله قطعاً؛ لانتفاء الفائدة.

قوله: «ولو أنكرها فطولب باليمين ظلماً، جاز أنْ يحلف مورّياً ما يخرج به عن الكذب».

الجواز هنا بالمعنى الأعمّ، والمراد منه الوجوب؛ لأنّ حفظ الوديعة لمّا كان واجباً و توقّف على اليمين وجبت وإنّما تجب التورية عليه مع معرفته لها، وإلّا وجب له الحلف بدونها، ومتى تركه حيث يتوقّف حفظ المال عليه فأخذها الظالم ضمن؛ للتفريط.

قوله: «وتحفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها، كالثوب في الصندوق، والدابّة في الإصطبل، والشاة في المراح...».

لافرق في وجوب الحفظ بما جرت به العادة بين علم المودع بأنّ المستودَع قادر على تحصيل الحرز المعتبر وعدمه.

واعلم أنّه ليس مطلق الصندوق كافياً في الحفظ، بل لا بدّ من كونه محرزاً عن غيره، إمّا بأنْ لا تشاركه في البيت الذي فيه الصندوق يدٌ أُخرى، أو كون الصُنْدُوق محرزاً بالفعل كذلك، وكذا القول في الاصطبل والمُراح وغيرهما.

قوله: «ويلزمه سقي الدابّة وعلفها، أمره بذلك أو لم يأمره». لكن مع أمره له يرجع عليه به مع نيّته، وإلّا توصّل إلى إذنه، أو إذن وكيله فيه، فإن تعذّر رفع أمره إلى الحاكم؛ ليأمره به إنْ شاء، أو يستدين عليه، أو يبيع بعضه للنفقة، أو

ص: 481

ينصب أميناً عليه، فإنْ تعذّر الحاكم أنفق هو وأشهد عليه ورجع مع نيّته. وكذا القول مع نهي المالك إيّاه عن الإنفاق، ولو تعذّر الإشهاد اقتصر على نيّة الرجوع، والأقوى عدم اعتباره في الرجوع مطلقاً.

قوله: «ويجوز أن يسقيها بنفسه وبغلامه؛ اتّباعاً للعادة».

إنّما يجوز تولّي الغلام لذلك، مع اطّلاع المستودع على ديانته أو كونه أميناً، وإلّا لم يجز. وفي حكم الغلام غيره ممّن يستنيبه المستودَع. وعلى ما قيّدناه لا فرق بين من يعتاد مباشرته لذلك الفعل وغيره.

قوله: «ولا يجوز إخراجها من منزله لذلك إلّا مع الضرورة؛ لعدم التمكّن من سقيها أو علفها في منزله. وشبه ذلك من الأعذار».

لا فرق في المنع من إخراجها لذلك بين كون الطريق آمناً وعدمه، ولا بين أن تكون العادة مطّردة بالإخراج لذلك وعدمه، ولا بين كونه متولّياً لذلك بنفسه وغلامه، مع صحبته له وعدمه. ولو قيل بجواز إخراجها له مع أمن الطريق واطّراد العادة بذلك و مصاحبته لها كان حسناً.

قوله: «ولو عيّن له موضع الاحتفاظ اقتصر عليه. ولو نقلها ضمن إلّا إلى الأحرزَ، أو مثله على قولٍ. ولا يجوز نقلها إلى ما دونه وإنْ كان حرزاً، إلّا مع الخوف من إبقائها فيه».

القول المحكي في النقل إلى الأحرز والمساوي معاً، فإنّه قول (1) لجماعة منهم الشهيد (رحمه الله) (2)، ويحتمل تعلّقه بالأخير - وهو النقل إلى المثل - خاصّة، كما ذهب إليه بعضهم (3) أيضاً. وحيث يجوز النقل إلى غير المعيّن - لضرورة أو غيرها - لا يضمن، وحيث لا يسوغه ضمن مطلقاً. وقيل: إنّ جواز النقل إلى الأحرز والمساوي مشروط

ص: 482


1- منهم: ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 426؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 437؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 6، ص 29.
2- حكاه عنه الشهيد أيضاً في مسالك الأفهام، ج 5، ص 90 عن بعض حواشيه.
3- كالشيخ في المبسوط، ج 4، ص 359.

بالضمان (1). والأظهر الأوّل.

قوله: «ولو قال: لا تنقلها من هذا الحرز، ضمن بالنقل كيف كان، إلّا أنْ يخاف تلفها فيه، ولو قال: وإنْ تلفت».

وحيث يجوز النقل مع النهي لو توقّف على مؤونةٍ لم يرجع بها على المالك؛ لأنّه متبرّع مع احتمال الرجوع؛ لإذن الشارع له فيه حينئذٍ.

قوله: «إذا ظهر للمودع أمارة الموت وجب الإشهاد بها».

ويعتبر إشهاد من يمكن إثباتها بشهادته، وحيث يخلّ به يضمن، لكن لا يستقرّ التفريط إلى أنْ يموت، فيكشف عن حصوله في أوّل زمان ظهرت فيه أمارة الموت.

قوله: «و تجب إعادة الوديعة على المودع مع المطالبة، وإنْ كان كافراً».

يشمل إطلاقه الكافر الحربي وغيره من أنواع الكفّار ممّن يباح تناول ماله بغير إذنه. ووجه استثناء الوديعة من غيرها من العقود؛ نظراً إلى عموم الأمر بردّ الأمانة، ولرواية الفضيل عن الرضا علیه السلام (2)، وغيرها (3).

قوله: «إلّا أنْ يكون المودع غاصباً لها فيُمنع منها... وتجب إعادتها على المغصوب منه إنْ عرف. وإنْ جهل، عُرّفت سنة، ثمّ جاز التصدّق بها عن المالك».

القول بجواز الصدقة بها على هذا الوجه مع اليأس من مالكها هو المشهور بین الأصحاب. وبه رواية (4) ضعيفة، لكنّها مناسبة لحكم ما يجهل من المال كذلك.

وأوجب ابن إدريس دفعها إلى الحاكم (5)، فإنْ تعذّر أبقاها أمانةً، ثمّ أوصى بها إلى

ص: 483


1- القائل هو العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 3، ص 195، الرقم 4434.
2- الكافي، ج 5، ص 133، باب أداء الأمانة، ح8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 181، ح 795؛ الاستبصار، ج 3، ص 123 - 124، ح 439.
3- كرواية الحسين الشيباني عن الصادق علیه السلام في الكافي، ج 5، ص 132 باب أداء الأمانة، ح 2؛ و تهذيب الأحكام، ج 6، ص 351، ح 993.
4- هي رواية حفص بن غياث عن الصادق علیه السلام في الكافي، ج 5، ص 308، باب النوادر، ح 21؛ والفقيه، ج 3، ص 298 ، ح 4068؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 180، ح 794؛ والاستبصار، ج 3، ص 124، ح 440.
5- السرائر، ج 2، ص 435 - 436.

عدل إلى حين التمكّن من المستحقّ. وهو حسن أيضاً.

قوله: «ولو كان الغاصب مَزَجها بماله، ثمّ أودع الجميع، فإنْ أمكن المستودَع تمييز المالَيْن ردّ عليه ماله ومنع الآخر. وإنْ لم يمكن تميزها وجب إعادتها على الغاصب».

هكذا أطلق المصنِّف وجماعة (1) . ويشكل الحكم بتسليط الغاصب على مال غيره بغير حقّ. والأقوى ردّه إلى الحاكم إنْ أمكن؛ ليقسمه ويردّ على الغاصب ماله، فإنْ تعذّر وكان مثليّاً وقدرُ حقّ الغاصب معلوماً نوى الودعي القسمة على الأقوى، وإنْ لم يمكن قسمته على هذا الوجه فإشكال. وعدم جواز دفعه إلى الغاصب مطلقاً مع الإمكان متوجّه.

[النظر الثاني في موجبات الضمان]

[التفريط]

قوله: «وينظّمها قسمان: التفريط والتعدّي».

الفرق بينهما أنّ التفريط أمر عدمي، وهو ترك ما يجب فعله من الحفظ ونحوه، والتعدّي أمرٌ وجودي، وهو مالا يجوز فعله، كلبس الثوب ونحوه.

قوله: «أو يودعها من غير ضرورة ولا إذنٍ».

لا فرق في عدم جواز إيداعها من دون إذن مالكها وعدم الضرورة بين أنْ يودعها لزوجته وولده ومملوكه وغيرهم، ولابين الثقة وغيره، ولا بين أنْ يجعل ذلك الغير مستقلّاً بها وشريكاً في الحفظ بحيث يغيب عن نظره. وحيث يضطرّ إلى إيداعها؛ لخوف عليها، أو لسفر ضروري، يودعها للعدل، ومع إذن المالك يجوز على حسب ما يقيّده رتبةً ووصفاً.

قوله: «وكذا لو ترك سقي الدابّة وعلفها مدّة لا تصبر عليها في العادة فماتت به».

ص: 484


1- منهم: المفيد في المقنعة، ص 627؛ والشيخ في النهاية، ص 436؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 232.

الواجب سقي الدابّة وعلفها بالمعتاد لأمثالها، فالنقصان عنه تفريط، سواء صبرت عليه أم لا. ومتى عدّ تفريطاً صار ضامناً لها وإنْ ماتت بغيره. وتقييده المصنّف موتها وكون الترك ممّا لا يُصبر عليه واقعٌ على وجه المثال لا الحصر، ولا إشكال في حكمه، وإنْ كان تخصيصه خالياً عن الفائدة.

[التعدّي]

قوله: «القسم الثاني في التعدّي: مثل أن يلبس الثوب، أو يركب الدابّة».

المراد أنّه لبسه للانتفاع به أو من غير قصد. أمّا لو توقّف حفظه على لبسه، كالثوب الصوف ليدفع عنه البرد. وحيث لا يندفع بنشره وعرضه على البرد والهواء لم يكن تعدّياً، بل واجباً يضمن بدونه. وكذا القول في ركوب الدابّة لو توقّف نقلها إلى الحرز وسقيها عليه.

قوله: «ولو طلبت منه فامتنع من الردّ مع القدرة ضمن».

المراد بالردّ الواجب رفع يده عنها وتمكين مالكها منها، لا مباشرة الردّ. والمراد ب-«القدرة» ما يشمل الشرعيّة، فإنّ من كان في فريضة لا يعدّ قادراً شرعاً إلى أنْ يفرغ، والنافلة كذلك. والتعقيب ونحوهما من المندوبات.

قوله: «وكذا لو جحد ثمّ قامت عليه بيّنة أو اعترف بها».

يعتبر في تحقّق الضمان بالجحود أُمور:

أ: أنْ يكون بعد طلب المالك لها منه، فلو جحدها ابتداءً عند سؤال غيره لم يضرّ، ولو لم يطلبها المالك لكن سأله عنها فأنكر ففي الضمان قولان، أجودهما الضمان أيضاً.

ب: أنْ لا يظهر بجحوده عذراً بنسيان أو غلط أو نحوهما، فإنّه لا يضمن إنْ صدّقه المالك على العذر، وإلّا فوجهان، أجودهما العدم.

ج: أنْ لا يكون لمصلحة الوديعة، بأنْ يقصد به دفع ظالم أو متغلّب على المالك، أو نحو ذلك؛ لأنّه به محسِنٌ.

ص: 485

قوله: «وكذا لو أودعه كيسين فمزجهما».

هذا إذا لم يتميّز، أو كانا مختومين. وإلّا ضمن المخرج خاصّة والمختوم.

قوله: «ولو جعلها المالك في حرز مُقفَل، ثمّ أودعها، ففتح المودَع الحرزَ وأخذ بعضها ضمن الجميع، ولو لم تكن مودعةً في حرز، أو كانت مودعة في حرز المودَع، فأخذ بعضها ضمن ما أخذ».

الفرق بين الأمرين أنّه في الأوّل تعدّى بفتح الحرز المقفل من المالك، فيضمن الجميع بنفس الفتح، فمع الأخذ أولى. بخلاف ما إذا كانت مودعة في حرز المودَع، فإنّ له التصرّف بفتحه في كلّ وقت، فلا يعد متعدّياً بذلك بل بالأخذ، فيضمن ما أخذ، وأولى منه ما إذا لم يكن في حرز.

[النظر الثالث في اللواحق]

قوله: «الأُولى: يجوز السفر بالوديعة إذا خاف تلفها بالإقامة، ثمّ لا يضمن».

إنّما يجوز السفر بها مع الخوف عليها وتعذّر ردّها على المالك ووكيله والحاكم، وإيداعها الثقة حيث لا يكون في إيداعه خطر عليها، فلو قدر على أحدهم لم يكن له السفر بها وإنْ خاف عليها .

قوله: «الرابعة: إذا أراد السفر فدفنها ضمن، إلّا أنْ يخشى المعاجلة».

فسّرت المعاجلة بأمرين:

أحدهما: معاجلة السرّاق قبل ذلك. وهو صحيح؛ لأنّ حفظها حينئذٍ لا يكون إلّا بالدفن، فيجب ويجزئ؛ لأنّه المقدور.

ويعتبر كونه في حرز مع الإمكان، ولا شبهة حينئذٍ في عدم الضمان.

وثانيهما: معاجلة الرفقة إذا أراد السفر وكان ضروريّاً والتخلّف عنها مضرّاً، فإنّه حينئذٍ يدفنها في حرز ولا ضمان عليه؛ لمكان الحاجة.

قوله: «السادسة: إذا انكر الوديعة، أو اعترف وادّعى التلف، أو ادّعى الردّ ولا بيّنة،

ص: 486

فالقول قوله، وللمالك إحلافه، على الأشبه».

«الأشبه» يتعلّق بأمرين:

أحدهما: قبول قوله في دعوى الردّ، فإنّه وإنْ كان على خلاف الأصل إلّا أنّ الأشهر قبول قوله بيمينه فيه، من حيث إنّه محسن وقابض لمصلحة المالك. هذا إذا ادّعى ردّها على مَن ائتمنه، فلو ادّعاه على غيره كالوارث لم يقبل وكان عليه البيّنة؛ عملاً بالأصل في غير محلّ الضرورة والشهرة.

وثانيهما: دعواه التلف، والمشهور قبول قوله فيه أيضاً، وإنْ كان فيه مدّعياً ومخالفاً للأصل، سواء ادّعى تلفه بسبب ظاهر كالحرق أم خفيّ كالسرق، خلافاً للشيخ حيث فرّق في المبسوط (1)بينهما وقَبِل قوله في الثاني دون الأوّل.

قوله: «ولو صدّقه على الإذن لم يضمن وإنْ ترك الإشهاد، على الأشبه». قويٌّ. نعم لو كان المأمور بدفعه ديناً ونحوه اتّجه الضمان؛ لبناء الوديعة على الإخفاء بخلاف قضاء الدين، إلّا أنْ يدفعه بحضرة الموكّل فلا ضمان؛ لأنّ التقصير مستند إليه.

قوله: «السابعة: إذا أقام المالك البيّنة على الوديعة بعد الإنكار، فصدّقها ثمّ ادّعى التلف قبل الإنكار لم تسمع دعواه... ولو قيل: تسمع دعواه وتقبل بيّنته كان حسناً».

الوجه التفصيل، وهو أنّه إنْ أظهر لإنكاره تأويلاً كقوله: ليس لك عندي وديعة يلزمني ردّها أو ضمانها، ونحو ذلك، قبلت دعواه وسمعت بيّنته، وإنْ لم يُظهر له تأويلاً لم تقبل.

هذا إذا كان الجحود بإنكار أصل الإيداع، وأمّا لو كانت صورته: لايلزمني شيء، أو تسليم شيءٍ إليك، أو ما لك عندي وديعة، ونحو ذلك، سمعت بيّنته ودعواه؛ لعدم التناقض بين كلامه. وحيث قلنا بقبول بيّنته إنْ شهدت بتلفها قبل الجحود برئ من الضمان، وإنْ شهدت بتلفها بعده ضمن بجنايته بالجحود ومنع المالك منها.

ص: 487


1- المبسوط، ج 4، ص 360.

قوله: «التاسعة: إذا اعترف بالوديعة ثمّ مات وجهلت عينها، قيل: تخرج من أصل تركته. ولو كان له غرماء وضاقت التركة حاصّهم المستودِع، وفيه تردد».

الأقوى أنّه إنْ علم بقاء عينها إلى بعد الموت ولم تتميّز قدّم مالكها على الغرماء، وكان بمنزلة الشريك، وإنْ علم تلفها بتفريطٍ فهو أُسوة الغرماء، وإلّا فلا ضمان أصلاً؛ لأصالة براءة الذمّة. وأصالة بقائها إلى الآن لو سلمت لا يقتضي تعلّقها بالذمّة، ومثله الكلام في الرهن (1) ومال القراض (2)، وقد تقدّم.

قوله: «الحادية عشرة: إذا فرّط واختلفا في القيمة... وقيل: القول قول الغارم، وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «الثانية عشرة: إذا مات المودِع سلِّمت الوديعة إلى الوارث، فإنْ كانوا جماعةً سلّمت إلى الكلّ، أو إلى مَن يقوم مقامهم».

المراد «مَن يقوم مقامهم» وكيلهم، أو وليّهم، أو وصيّ مورّثهم لو كانوا أطفالاً، أو الحاكم مع غيبتهم أو عدم وجود وليّ خاصّ لهم، وتجب المبادرة إلى التسليم المذكور؛ لأنّها بموت المودِع صارت أمانة شرعيّة، ولافرق في وجوب المبادرة بين علم الورثة بالوديعة وعدمه.

ص: 488


1- تقدّم الكلام فيه في ص 405.
2- تقدّم الكلام فيه في ص 459.

كتاب العارية

اشارة

قوله: «وهي عقد ثمرته التبرّع بالمنفعة».

العقد اسم للإيجاب والقبول، وتعليق الثمرة عليه يقتضي أنّ للقبول مدخلاً فيها، مع أنّ التبرّع بالمنفعة يتحقّق بالإيجاب خاصّة؛ لأنّ المتبرّع هو باذل العين لا المنتفع بها، إلّا أنّ القبول لمّا كان شرطاً في صحّة العارية لم تتحقّق الثمرة بدونه. وينتقض في طرده بالسُكنى والعُمرى والحبس والوصيّة بالمنفعة، فإنّ هذه كلّها عقود تثمر التبرّع بالمنفعة. و كونها في معنى العارية لا يقتضي إدراجها فيها؛ لأنّ هذه العقود اصطلاحاً مباينة لها، مخالفة في الصيغ وكثير من الأحكام.

قوله: «ويقع بكلّ لفظٍ يشتمل على الإذن في الانتفاع، وليس بلازم لأحد المتعاقدين».

يستثنى من ذلك: الإعارة للرهن بعد وقوعه. وإعارة الأرض للدفن إلى أن يندرس. نعم لو رجع قبل وضع الميّت في القبر، أو قبل مواراته جاز. وإذا أعار لوحاً ونحوه لإصلاح السفينة فإنّه لا يرجع فيها مادامت في اللجّة (1)، بحيث يخاف من نزعه على نفس محترمة، أو مال.

[المعير]

قوله: «ولابدّ أن يكون مكلّفاً جائز التصرّف. فلا تصحّ إعارة الصبيّ... وكما لا يليها عن

ص: 489


1- لجّ البحر: الماء الكثير الذي لا يُرى طرفاه. لسان العرب، ج 2، ص 354، «لجج».

نفسه كذا لا تصحّ ولايته عن غيره».

هذا إذا لم يعلم المستعير بكون المالك قد أذن للصبيّ في الإعارة، وإلّا صحّ، وإنْ كانت العبرة بإذن المالك، كما مرّ (1).

[المستعير]

قوله: «ولو كان الصيد في يد مُحرمٍ فاستعاره المُحلّ جاز؛ لأنّ ملك المُحرم زال عنه بالإحرام».

إذا حكم بزوال ملك المُحرِم عن الصيد صار فيه بمنزلة الأجنبي، فإطلاق الجواز على إعارته يشكل بأنّ الإعارة شرطها كون المعار ملكاً للمعير، وهو منتفٍ.

وبأنّ تسليمه للمُحِلّ إعانةٌ على الصيد وإثبات سلطنة للغير عليه، وهو محرَّمٌ على المُحرِم، فلا يناسبه الحكم بالجواز.

وبأنّ تسليمه إذا كان محرَّماً على المُحرِم يحرم قبوله من المُحِلّ؛ لإعانته له على الإثم والعدوان المنهي عنه.

والأقوى الحكم بتحريم الإعارة المذكورة، أعني إثبات صورتها وإنْ كان الملك غير متحقّق، وتحريم أخذ المُحِلّ له من يده، لكن لو فعل ذلك لم يلزم المُحِلّ سوى الإثم، ولا شيء للمحرم عليه؛ لزوال ملكه، وعلى المحرم الفداء لو تلف في يد المحلّ؛ لتعدّيه بالإعارة، فإنّه كان يجب عليه الإرسال. وقد ظهر بذلك أنّ في العبارة تساهلاً في اللفظ، وإشكالاً في الحكم.

قوله: «ولو استعاره من الغاصب، وهو لا يعلم، كان الضمان على الغاصب، وللمالك إلزام المستعير بما استوفاه من المنفعة... والوجه تعلّق الضمان بالغاصب حسب».

الأقوى تخيير المالك بين الرجوع على كلّ من الغاصب والمستعير، فإنْ رجع على المستعير الجاهل بالحال رجع المستعير على الغاصب إنْ لم تكن العارية مضمونة، وإلّا

ص: 490


1- شرائع الإسلام، ج 2، ص 8: وأمّا الشروط... وهو البلوغ.

رجع عليه بعين ما قدم على ضمانه (1)، ولافرق في ذلك بین المنفعة والعين وأجزائها.

[العين المُعارة]

قوله: «وهي كلّ ما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه».

هذا الحكم بحسب الأصل أو الغالب، وإلّا فسيأتي جواز إعارة المنحة، والمستوفى منها أعيان لا منافع، كالصوف والشعر واللبن.

قوله: «ويقتصر المستعير على القدر المأذون فيه، وقيل: يجوز أنْ يستبيح ما دونه في الضرر... والأوّل أشبه».

الأقوى عدم جواز التخطّي مع اليقين مطلقاً، فإنْ فعل لزمه أُجرة مجموع ما فعل، ولا يسقط منها مقدار أُجرة المأذون فيه.

قوله: «ويجوز استعارة الشاة للحلب، وهي المنحة».

الحلَب - بفتح اللام - مصدر قولك: حلبت الشاة والناقة أحلبها حلباً.

والمِنْحة - بالكسر - الشاة المستعارة لذلك، وجواز إعارة الشاة لذلك ثابت بالنصّ على خلاف الأصل؛ لأنّ اللبن المقصود من الإعارة عينٌ لا منفعة. والمشهور تعدية الحكم إلى غير الشاة ممّا يتّخذ للحلب.

قوله: «ولو أذن له في البناء والغرس، ثمّ أمره بالإزالة وجبت الإجابة. وكذا في الزرع ولو قبل إدراكه، على الأشبه».

خالف في حكم الزرع الشيخ (رحمه الله) (2)، فأوجب على المعير الوفاء بالعارية إلى حين إدراكه، ففرّق بينه وبين الغرس والبناء بأنّ له وقتاً ينتهي إليه.

والأقوى عدم الفرق.

قوله: «وعلى الآذِن الأرش».

ص: 491


1- في «ض»: «وإلّا رجع بغير ما أقدم على ضمانه».
2- المبسوط، ج 3، ص 466 - 467.

هو تفاوت ما بين كونه منزوعاً من الأرض وثابتاً فيها بأُجرة.

قوله: «ولو أعاره أرضاً للدفن لم يكن له إجباره على قلع الميّت».

المراد بالميّت هنا المسلم ومن بحكمه، وغاية المنع اندراس عظامه وصيرورته رميماً، والمرجع فيه الظنّ الغالب بحسب الترب والأهوية، ولو ظنّ الاندراس فتبيّن عدمه وجب طمّه وإبقاؤه.

قوله: «وللمستعير أنْ يدخل إلى الأرض ويستظلّ بشجرها».

وكذا يجوز ذلك للمعير، ولو خصّه بالذكر، أو أبدله به - كما فعل غيره (1)- كان أولى.

قوله: «ولو أعاره حائطاً لطرح خشبة فطالبه بإزالتها كان له ذلك... وفيه تردّد».

الأقوى الجواز مع الأرش مطلقاً.

قوله: «ولو أذن له في غرس شجرة فانقلعت جاز أن يغرس غيرها، ... وقيل: يفتقر إلى إذن مستأنف، وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «ولا يجوز إعارة العين المستعارة إلّا بإذن المالك».

وحيث يعير المستعير بدون إذن المالك فله الرجوع بأُجرة المثل عن مدّة الإعارة الثانية على من شاء منهما، وببذل العين لو تلفت، فإنْ رجع على المعير لم يرجع على المستعير الجاهل بالحال، إلّا أنْ تكون العارية مضمونة، فيرجع عليه ببدل العين خاصّة، ولو كان عالماً استقرّ الضمان عليه كالغاصب. وإنْ رجع على المستعير یرجع علی المعير بما لا يرجع عليه به لو رجع عليه.

[في الأحكام المتعلّقة بالعارية]

قوله: «الأُولى: العارية أمانة، لا تضمن إلّا بالتفريط في الحفظ، أو التعدّي، أو اشتراط الضمان».

ص: 492


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 191، حيث قال: ويجوز للمعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال بالبناء والشجر.

وتستثنى أيضاً العارية من غير المالك، وعارية الصيد للمُحرِم، وعارية الذهب والفضّة، إلّا أنْ يشترط سقوطه، كما سيأتي (1).

ويستفاد من أحكام هذه المسائل أنّ العارية بالنسبة إلى الضمان وعدمه، مع الشرط وعدمه، أربعة أقسام:

أحدها: ما يضمن وإنْ اشترط عدم الضمان، كحالة التفريط وعارية الصيد. وثانيها: ما لا يكون مضموناً وإنْ اشترط الضمان، وهو استعارة المُحلّ الصيد من المُحرِم، بناء على ما أطلقه المصنِّف من تسميته إعارة (2).

وثالثها: ما يكون مضموناً إلّا أنْ يشترط عدم الضمان، وهو استعارة النقدين. ورابعها: مالا يكون مضموناً إلّا أن يشترط الضمان، وهو باقي أقسامها عدا ما استثني.

قوله: «ولو استعار الدابّة إلى مسافة فجاوزها ضمن، ولو أعادها إلى الأُولى لم يبرأ».

مبدأ ضمان العين من حين الأخذ في تجاوز المأذون ويستمرّ إلى أن يردّها إلى المالك، كما ذكر. وأمّا ضمان المنفعة، فتثبت في المسافة الزائدة على المأذون خاصّة. ولو كانت العارية مضمونة في أصلها ضمنها من حين أخذها إلى أنْ يأخذ في تجاوز المأذون ضمان العارية، وهو ضمان العين دون المنفعة، وفي المتجاوز ضمان الغصب إلى أنْ يعود إلى المأذون فيه، ومنه إلى أنْ يصل إلى المالك ضمان العارية أيضاً.

قوله: «الثالثة: يجوز للمستعير بيع غروسه وأبنيته في الأرض المستعارة للمعير ولغيره، على الأشبه».

الخلاف في بيعه لغير المعير. والأقوى الجواز مطلقاً. ثمّ إنْ كان المشتري جاهلاً بالحال فله الفسخ؛ لأنّ ذلك عيب.

ص: 493


1- أراد به كلام المصنِّف بعد هذا، حيث يقول: «وتضمن إذا كانت ذهباً أو... إلّا أنْ يشترط سقوط الضمان»، شرائع الإسلام، ج 2، ص 138.
2- شرائع الإسلام، ج 2، ص 136.

قوله: «الرابعة: إذا حملت الأهوية أو السيول حبّاً إلى أرض إنسان فنبت، كان لصاحب الأرض إزالته».

وله مطالبة المالك بإزالته، وله أُجرة الأرض عن المدّة المتأخّرة عن المطالبة والتمكّن من إزالته، وعلى المالك تسوية الأرض وطمّ الحُفَر، فإنْ امتنع أُجبر عليه، ولو لم يعلم مالكه كان بمنزلة اللقطة.

نعم لو انحصر في قوم منحصرين وجب مراجعتهم فيما يراجع فيه المالك المعيّن، ولو أعرض عنه المالك فلمالك الأرض تملّكه، وطرحه من أرضه، كغيره ممّا يعرض عنه المالك من الثمار والسنبل.

قوله: «الخامسة: لو نقصت بالاستعمال ثمّ تلفت، وقد شرط ضمانها، ضمن قيمتها يوم تلفها؛ لأنّ النقصان المذكور غير مضمون».

إذا شرط ضمان المستعار فقد شرط ضمان عينه على تقدير التلف، وضمان نقصانه على تقديره، وضمانهما. وقد يطلق اشتراط الضمان. ولاشبهة في اتّباع مقتضى شرطه في الثلاثة الأُوَل، فيضمن العين خاصّة في الأوّل، والنقصان خاصّة في الثاني إلى أن تنتهي حالات تقویمه باقياً، ويضمنهما معاً في الثالث.

وإنّما الكلام عند إطلاق اشتراط الضمان، وهو مسألة الكتاب. والمصنِّف (رحمه الله) جزم بأنّ الإطلاق منزّل على ضمان العين خاصّة، فيضمن قيمتها يوم التلف؛ لأنّ النقص حصل بفعل مأذون فيه فلا يكون مضموناً، ولأنّها لو لم تتلف ورَدّها على تلك الحال لم يجب عليه شيء، فإذا تلفت وجب ضمانها في ذلك الحال. والوجه ضمان النقص أيضاً، فيضمن أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف إنْ كان اختلافها من حيث الأجزاء، كالثوب يلبس ویبلی علی التدريج. ولو كان الاختلاف بسبب السوق لم يضمن الزائد.

قوله: «السادسة: إذا قال الراكب: أعرتنيها، وقال المالك: آجرتكها، فالقول قول الراكب، وقيل: قول المالك... وهو أشبه».

ص: 494

الأقوى أنّهما يتحالفان. فيحلف المالك على نفي الإعارة، ويحلف الراكب على نفي الإجارة، وحينئذٍ يثبت أقلّ الأمرين من المسمّى وأُجرة المثل؛ لانتفاء الزائد عن الأوّل بيمين المستعير، وانتفاء الزائد عن الثاني باعتراف المالك.

قوله: «العاشرة: لو فرّط في العارية كان عليه قيمتها عند التلف، إذا لم يكن لها مثل، وقيل: أعلى القيم ... والأوّل أشبه». قويٌّ.

وموضع الخلاف ما لو كان الاختلاف بسبب السوق، أمّا لو كان بسبب نقص في العين، فلا إشكال في ضمانه؛ لأنّ ضمان العين يقتضي ضمان أجزائها.

قوله: «لو اختلفا في القيمة كان القول قول المستعير، وقيل: قول المالك، والأوّل أشبه». قويّ.

ص: 495

ص: 496

كتاب الإجارة

[الفصل الأوّل في العقد]

قوله: «ويفتقر إلى الإيجاب والقبول والعبارة الصريحة عن الإيجاب: «آجرتك» ولا يكفي «ملّكتك»، أمّا لو قال: «ملّكتك سكنى هذه الدار - مثلاً - صحّ».

إنّما اختصّ التمليك القائم مقام الإيجار بالسكنى؛ لأنّه يفيد نقل ما تعلّق به، فإذا ورد على الأعيان أفاد نقل ملكها. وإنْ ورد على المنفعة أفاد نقلها كذلك. والمقصود من الإجارة أنْ تبقى العين على ملك المؤجر مع انتقال المنفعة إلى ملك المستأجر، فتعيّن اختصاص التمليك بالمنفعة، بخلاف ما لو عبّر ب- «آجرت» أو «كريت» فإنّهما يتعلّقان بالعين ليستوفي المنفعة منها، فلو أوردهما في المنفعة بأنْ قال: «آجرتك منفعة هذه الدار - مثلاً -» لم يصحّ.

قوله: «وكذا «أعرتك» لتحقّق القصد إلى المنفعة».

المشبّه به سابقاً المشار إليه ب-«ذا» هو الحكم بالصحّة إذا قال: «ملّكتك سكناها سنة». والأظهر المنع هنا.

قوله: «ولو قال: «بعتك هذه الدار» ونوى الإجارة لم يصحّ... وفيه تردّد».

الأظهر البطلان.

قوله: «والإجارة عقد لازم... ولا تبطل بالبيع ولا بالعذر مهما كان الانتفاع ممكناً». أي الانتفاع الذي تضمنّه عقد الإجارة بالتعيين أو الإطلاق، فلا عبرة بإمكان

ص: 497

الانتفاع بغير المعيّن، كما لو استأجر الأرض للزراعة فغرقت وأمكن الانتفاع بها بغيرها، فإنّ ذلك كتلف العين. وعلى تقدير إمكان الانتفاع بها كذلك ناقصاً يتخيّر المستأجر بين الفسخ والإمساك بتمام الأُجرة.

قوله: «وهل تبطل بالموت؟ المشهور بين الأصحاب نعم... وقال آخرون: لا تبطل بموت أحدهما، وهو الأشبه».

الأصحّ عدم البطلان مطلقاً إلّا أنْ يشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه فإنّها تبطل بموته، إلّا أنْ يكون المؤجر موقوفاً عليه، فيؤجر ثمّ يموت قبل انتهاء المدّة فإنّها تبطل بموته أيضاً، إلّا أنْ يكون ناظراً على الوقف وآجره لمصلحة العين بالنسبة إلى البطون، أو إلى الجميع، فلا تبطل بموته. وفي معناه الموصى له بالمنفعة مدّة حياته لو آجرها مدّةً ومات في أثنائها، فإنّها تبطل أيضاً؛ لانتهاء استحقاقه.

قوله: «كلّ ما صحّ إعارته صحّ إجارته». أي ما صحّ إعارته بحسب الأصل؛ لئلّا تردّ المنحة (1)، فإنّه تصحّ إعارتها ولا تصحّ إجارتها، لكنّ حكمها ليس ثابتاً بحسب الأصل أي القاعدة المعروفة والمقتضية لكون المستعار ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه، أو أراد الكلّية بحسب الغالب.

قوله: «العين المستأجرة أمانة... وفي اشتراط ضمانها من غير ذلك تردّد، أظهره المنع».

قويّ، ويتبعه فساد العقد.

قوله: «وليس في الإجارة خيار المجلس، ولو شرط الخيار لأحدهما أولهما جاز».

بشرط ضبط مدّته، فلو شرط خيار المجلس مطلقاً لم يصحّ على الأقوى؛ لاختلافه بالزيادة والنقصان.

[الفصل الثاني في شرائطها]

قوله: «الأوّل: أنْ يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرّف. فلو أجر المجنون لم تنعقد

ص: 498


1- المِنحة - بالكسر - وهي العطية. مجمع البحرين، ج 2، ص 415، «منح».

إجارته... وكذا المميّز إلّا أنْ يأذن له وليّه، وفيه تردّد».

الأقوى البطلان مطلقاً.

قوله: «الثاني: أنْ تكون الأُجرة معلومة بالوزن أو... وقيل تكفي المشاهدة. وهو حسن».

الأقوى المنع.

قوله: «وتملك الأُجرة بنفس العقد».

لكن لا يجب تسليم الأُجرة إلّا بتسليم العين المؤجرة، أو بالعمل إنْ كانت الإجارة على عمل، حتّى لو كان المستأجر وصيّاً لم يجز له التسليم قبله إلّا مع الإذن صريحاً، أو بشاهد الحال. ولو فرض توقفُ العمل على الأُجرة كالحجّ وامتنع المستأجر من التسليم فالظاهر جواز فسخ الأجير.

قوله: «ويجب تعجيلها مع الإطلاق، ومع اشتراط التعجيل».

المراد بتعجيلها مع الإطلاق في أوّل أوقات وجوب دفعها، وهو تمام العمل، وتسليم العين المؤجرة. وفائدة الشرط مع أنّ الإطلاق يقتضيه مجرّد التأكيد. وقد يفيد فائدة أُخرى، وهو تسلّط المؤجر على الفسخ لو شرط التعجيل مدّة مضبوطة فأخلّ به. وكذا لو شرطا القبض قبل العمل، أو قبل تسليم العين المؤجرة، صحّ ووجب الوفاء به.

قوله: «وإذا وقف المؤجر على عيبٍ في الأجرة، سابقٍ على القبض، كان له الفسخ أو المطالبة بالعوض، إنْ كانت الأُجرة مضمونةً. وإنْ كانت معيّنة كان له الردّ أو الأرش».

إنّما يجوز الفسخ في المطلقة مع تعذّر العوض؛ لأنّ الإطلاق إنّما يحمل على الصحيح، وهو أمر كلّي لا ينحصر في المدفوع [إليه]، ولا يجوز الفسخ ابتداءً. نعم، لو تعذّر العوض توجّه الفسخ، وله حينئذٍ الرضى بالعيب، فيطالب بالأرش عوض الفائت بالعيب؛ لتعيّن المدفوع إليه؛ لأنْ يكون عوضاً بتعذّر غيره. وأمّا المعيّنة فيتخيّر مع ظهور عيبه، كما ذكر؛ لاقتضاء الإطلاق السليم، وتعيّنه مانع من البدل كالبيع.

قوله: «ولا يجوز أنْ يؤجّر المسكن ولا الخان ولا الأجير بأكثر ممّا استأجره، إلّا أنْ يؤجر بغير جنس الأُجرة».

ص: 499

الأقوى الجواز مطلقاً.

قوله: «ولو استأجره؛ ليحمل له متاعاً إلى موضع معيّن، بأُجرة معيّنة في وقت معيّن، فإنْ قصر عنه نقص عن أُجرته شيئاً جاز. ولو شرط سقوط الأُجرة إنْ لم يوصله فيه لم يجز، وكان له أُجرة المثل».

هذا مذهب الأكثر (1). ومستنده رواية صحيحة عن الباقر علیه السلام (2)، وقيل: تبطل؛ لاختلاف مال الإجارة على التقديرين، كما لو باعه بثمنين على تقديرين، وحملت الرواية على وقوع ذلك جعالةً (3). وهو أولى.

قوله: «وإذا قال: آجرتك كلّ شهرٍ بكذا صحّ في شهرٍ، وله فى الزائد أُجرة المثل إنْ سكن، وقيل: تبطل لجهل الأُجرة. والأوّل أشبه».

الأقوى البطلان مطلقاً؛ للجهالة المقتضية للغرر.

قوله: «لوقال: إنْ خطته فارسيّاً فَلَكَ درهم، وإنْ خطته روميّاً فلك درهمان، صحّ... فيه تردّد، أظهره الجواز».

الأجود البطلان فيهما، إلّا أنْ يقع على وجه الجعالة، فيصحّ.

قوله: «ويستحقّ الأجير الأُجرة بنفس العمل، سواء كان في ملكه أو ملك المستأجر. ومنهم مَن فرَّق. ولا يتوقّف تسليم أحدهما على الآخر». قد تقدّم أنّ الأجير يملك الأُجرة بالعقد (4)، فالمراد باستحقاقها هنا استحقاق المطالبة بها بعد العمل. والأقوى توقّف المطالبة بها على تسليم العين، وإنْ كان العمل في المستأجر.

ص: 500


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 448.
2- هي رواية محمّد بن مسلم في الكافي، ج 5، ص 290، باب الرجل يكتري الدابّة فيجاوز بها الحدّ و ...، ح 4؛ والفقيه، ج 3، ص 34، ح 3275؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 214، ح 941.
3- القائل هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 117-118، المسألة 16؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 107 - 108.
4- تقدّم في ص 499.

قوله: «وكلّ موضعٍ يبطل فيه عقد الإجارة تجب فيه أُجرة المثل». يستثنى من ذلك ما لو كان الفساد باشتراط عدم الأُجرة في العقد أو متضمّناً له، كما لو لم يذكر له أُجرة، فإنّه لا أُجرة حينئذٍ مطلقاً؛ لدخول العامل على ذلك.

قوله: «ويكره أنْ يستعمل الأجير قبل أنْ يقاطع على الأُجرة، وأن يُضمّن، إلّا مع التهمة».

فيه تفسيرات:

أ: أنْ يشهد شاهدان على تفريطه، فإنّه يكره تضمينه للعين إذا لم يكن متّهماً.

ب: لو لم تقم عليه بيّنة وتوجّه عليه اليمين كره تحليفه ليضمّنه كذلك.

ج: لو نكل عن اليمين وقضينا بالنكول كره تضمينه كذلك.

د: أنّه على تقدير ضمانه وإنْ لم يفرّط، كما إذا كان صانعاً، يكره تضمينه مع عدم تهمته بالتقصير.

ه-: أنّه يكره له أنْ يشترط عليه الضمان بدون التفريط، على القول بجوازه.

و: لو أقام المستأجر شاهداً عليه بالتفريط كره له أنْ يحلف معه؛ ليضمّنه [مع] عدم التهمة.

ز: لو لم يقض بالنكول يكره له أنْ يحلف لتضمينه كذلك.

والأربعة الأُوَل سديدة، والخامس مبنيّ على صحّة الشرط، وقد تقدّم فساده. والأخيران فيهما أنّ المستأجر لا يمكنه الحلف إلّا مع العلم بالسبب الذي يوجب الضمان، ومع فرضه لا يكره تضمينه؛ لاختصاص الكراهة بعدم تهمته، فكيف مع تيقّن ضمانه؟!

قوله: «وللمستأجر أنْ يؤجر إلّا أنْ يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه». والأقوى جواز تسليم العين للمستأجر الثاني، وإنّما تمنع الإجارة مع شرط استيفاء المنفعة بنفسه مع اشتراط استيفائها لنفسه أيضاً، وإلّا فلا منافاة بين استيفائها بنفسه وبين إيجارها بغيره إذا شرط استيفاءها له على جهة الوكالة.

وبالجملة فاستيفاؤها بنفسه أعمّ من استيفائها لنفسه.

ص: 501

قوله: «ولو آجر ذلك غير المالك تبرّعاً، قيل: بطلت، وقيل: وقفت على إجازة المالك، وهو حسن». قويّ.

قوله: «الرابع: أنْ تكون المنفعة معلومة، إمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعلوم، وإمّا بتقدير المدّة كسكنى الدار، والعمل على الدابّة مدّة معيّنة».

ليس التخيير في ذلك كلّياً، بل المراد أنّ كلّ منفعة يمكن ضبطها بالعمل أو بالزمان يكفي تقديرها بأيّهما كان، وذلك كاستئجار الآدمي والدابّة، فإنّه يمكن استئجارهما بالزمان كخياطة شهر وركوبه، وبالعمل كخياطة الثوب وركوبها إلى موضع معيّن، ومالا يمكن ضبطه إلّا بالزمان كالعقار والإرضاع، فلابدّ من تقديره به وضبطه. والضابط العلم بالمنفعة على أحد الوجهين، ومدار العلم على ما فصّلناه.

قوله: «ولوقدّر بالمدّة والعمل، مثل أنْ يستأجره ليخيط هذا الثوب في هذا اليوم، قيل: يبطل؛ لأنّ استيفاء العلم في المدّة قد لا يتّفق. وفيه تردّد».

المراد من هذا التعليل أنّ استيفاء العمل في المدّة المعيّنة على وجه التطابق، بحيث يتمّان معاً قد لا يتّفق غالباً؛ لأنّ هذا هو الذي علّل به القائل بالبطلان، لا مايشعر به ظاهر التعليل من كون المدّة ظرفاً للفعل كيف اتّفق. والأقوى البطلان إلّا مع إرادة الظرفية المطلقة وإمكان وقوع العمل فيها.

قوله: «والأجير الخاصّ، وهو الذي يستأجر مدّة معيّنة، لا يجوز له العمل لغير المستأجر إلّا بإذنه».

الأجير الخاصّ هو الذي يستأجر للعمل بنفسه مدّة معيّنة، أو عملاً معيّناً مع تعيّن أول زمانه، كعمل شيء معيّن أوّل زمانه اليوم بحيث لا يتوانى في فعله حتى يفرغ منه.

ثمّ إنْ كان العمل مطلقاً اقتضى استئجاره على هذا الوجه ملك جميع منافعه في الوقت الذي جرت العادة بالعمل فيه، فليس له أنْ يعمل لغيره فيه عملاً إلّا بإذن المستأجر، وله ذلك فيما لم تجر العادة بالعمل فيه للمستأجر، كالليل، إذا لم يؤدّ إلى ضعفٍ في العمل المستأجَر عليه.

ص: 502

وسمّي هذا الأجير «خاصّاً» باعتبار انحصار منفعته المخصوصة في شخص معيّنٍ، بحيث لا يجوز له العمل لغيره على ذلك الوجه. ويقابله «المشترك» كما سیأتي، وإطلاق الخصوص عليه بضرب من المجاز، ولو سمّي «مقيّداً» كان أولى؛ لأنّه في مقابلة المشترك لا في مقابلة العامّ. والمراد ب-«المشترك» هنا «المطلق» كما ستعلمه.

إذا تقرّر ذلك فنقول: إذا عمل هذا الأجير لغير المستأجر عملاً في الوقت المنهي عن العمل فيه، فإنْ كان عمله بعقدٍ تخيّر المستأجر بين فسخ عقده وإبقائه:

فإنْ اختار الفسخ وكان ذلك قبل أنْ يعمل الأجير شيئاً فلا شيء عليه، وإنْ كان بعده تبعّضت الإجارةُ ولزمه من المسمّى بالنسبة.

وإنْ اختار البقاء على إجارته تخيّر في فسخ العقد الطارئ وإجارته أيضاً:

فإنْ فسخ رجع إلى أُجرة المثل عن المدّة الفائتة؛ لأنّها قيمة العمل المستَحَقِّ له بعقد الإجارة. ويتخيّر في الرجوع بما على الأجير و (1) المستأجر.

وإنْ أجازه ثبت له المسمّى فيه، فإنْ كان قبل قبض الأجير له فالمطالب به المستأجر، وإنْ كان بعد القبض وكانت الأُجرة معيّنة فالمطالَب بها مَن هي في يده، وإنْ كانت مطلقة فإنْ أجاز القبض أيضاً فالمطالب الأجير، وإلّا المستأجر، ثمّ المستأجر يرجع على الأجير بما قبض مع جهله، أو علمه وبقاء العين.

وإنْ عمل الأجير لغيره تبرّعاً فإنْ كان العمل ممّا له أُجرة في العادة تخيّر مع عدم فسخ عقده بین مطالبة مَن شاء منهما بأُجرة المثل، وإلّا فلا شيء.

وفي معنى التبرّع عمله لنفسه، فلو حاز شيئاً من المباحات ونوى تملّكه لنفسه ملكه، وكان حكم الزمان المصروف في ذلك ما تقدّم.

قوله: «ولو كان مشتركاً جاز، وهو الذي يستأجر لعمل مجرّد عن المدّة».

الأجير المشترك هو الذي يستأجر لعمل مجرّدٍ عن المباشرة مع تعيّن المدّة، أو عن

ص: 503


1- هكذا في النسخ والأصحّ: «أو المستأجر».

المدّة مع تعيّن المباشرة، أو مجرّد عنهما. فالأوّل كأنْ يستأجره على تحصيل الخياطة يوماً مثلاً، والثاني كأنْ يستأجر، ليخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّض لوقت، والثالث كأنْ يستأجره على تحصيل خياطة ثوب مجرّد عن تعيّن الزمان.

ويسمّى «مشتركاً» لعدم انحصار منفعته في شخص معيّن، أو له أنْ يعمل لنفسه ولغيره. وصدق الاشتراك عليه حقيقة بسبب استحقاقه العمل لغير المستأجر، لا لأنّ منفعته مشتركة بالفعل بين المستأجر وشخص آخر غير الأجير. ولو سمّاه مطلقاً - كما صنع الشهيد (1)- كان أولى؛ لأنّه في مقابلة المقيّد وهو الخاصّ، وهو باعتباراته الثلاثة مباين للخاصّ؛ إذ الأوّل مطلق بالنسبة إلى المباشر، والثاني بالنسبة إلى المدّة، والثالث بالنسبة إليهما معاً.

قوله: «وهل يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؟ قيل: نعم. ولو أطلق بطلت. وقيل: الإطلاق يقتضي الاتّصال. وهو الأشبه».

الأقوى الجواز على الإطلاق إنْ دلّ العرف على الاتّصال، وإلّا فلا؛ للجهالة.

قوله: «ولو عيّن شهراً متأخّراً عن العقد، قيل: يبطل. والوجه الجواز». قويّ.

قوله: «إذا سلّم العين المستأجرة، ومضت مدّة يمكن فيها استيفاء المنفعة، لزمت الأُجرة. وفيه تفصيل».

المراد بالمدّة التي يمكن فيها الاستيفاء ما تعيّنت شرعاً للاستيفاء، إمّا بالتعيين، أو مافي حكمه، كما إذا عيّنت المنفعة بالعمل، فإنّ مدّتها هي الزمان الذي يسعها عادة. وفي حكم التسليم ما إذا بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتّى انقضت المدّة، أو مضت مدّةً يمكنه الاستيفاء فتستقرّ الأُجرة.

والتفصيل الذي أشار إليه المصنِّف ما ذكره الشيخ في المبسوط من أنّ الأُجرة إنّما

تستقرّ في المعيّنة لا المطلقة مع احتماله إرادة غيره (2).

ص: 504


1- اللمعة الدمشقيّة، ص 195 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).
2- المبسوط، ج 3، ص 35.

قوله: «إذا استأجره لقلع ضرسه، فمضت المدّة التي يمكنه إيقاع ذلك فيها، فلم يقلعه المستأجر استقرّت الأُجرة، أمّا لو زال الألم عقيب العقد سقطت الأُجرة».

المراد أنّ الأجير سلّم نفسه للعمل، وامتنع المستأجر من غير عذر، فإنّ الأُجرة تستقرّ حينئذٍ بالتمكين. وإنّما سقطت الأُجرة بالبرء، لبطلان الإجارة من حيث تعلّقها بمنفعة لا يجوز استيفاؤها شرعاً؛ إذ لا يجوز قلع الضرس وإدخال الضرر على نفسه لغير ضرورة، فلا يصحّ الاستيجار عليه.

قوله: «ولو استأجر شيئاً، فتلف قبل قبضه، بطلت الإجارة. وكذا لو تلف عقيب قبضه. أمّا لو انقضى بعض المدّة ثمّ تلف، أو...».

المراد بالتالف المعيّن في عقد الإجارة استيفاء المنفعة منه، فلو كانت في الذمّة وسلّم عيناً للاستيفاء منها فتلفت فالإجارة باقية. والمراد بتلفها عقيب القبض وقوعه بغير فصل، بحيث لم يمض زمان يمكنه استيفاء بعض المنفعة، كما يرشد إليه قوله: «أمّا لو انقضى بعض المدّة» فإنّ المراد منها ما هو أعمّ من المعيّنة بخصوصها وما في حكمها.

وحيث يبطل في البعض يقسّط المسمّى على جميع المدّة ويثبت للماضي ما قابله منها، فإنْ كانت متساوية الأجزاء فظاهر، وإلّا فطريق التقسيط أنْ تقوّم أُجرة مثل جميع المدّة، ثمّ تقوّم الأجزاء السابقة على التلف وينسب إلى المجموع، فيؤخذ من المسمّى بتلك النسبة.

ولو تلف بعض العين فالحكم في التالف كما مرّ، ويتخيّر في الباقي بين الفسخ وإمساك الحصّة بقسطها من الأُجرة. ولو لم يتلف شيء لكن نقصت المنفعة بطروء عيب بأنْ نقص ماء الأرض أو الرحى، أو عرجت الدابّة، أو مرض الأجير، يثبت للمستأجر الفسخ.

قوله: «ولا يكفي ذكر المحمل مجرّداً عن الصفة ولا راكبٍ غير معيّن؛ لتحقّق الاختلاف».

ص: 505

المحمِل - بكسر الميم الأخيرة، كمجلس - واحد المحامل، وهو شقّان على البعير يحمل فيهما العديلان. واعتباره إمّا بالمشاهدة أو الوزن مع ذكر الطول والعرض؛ لاختلافه باختلافهما في السهولة والصعوبة وإن اتّفق وزنه، ولو عهد اتّفاق المحامل، أو اتّفاق جنسٍ منها كفى ذكر ذلك الجنس. وكذا يعتبر معرفة قدر وطائه وغطائه. أمّا الراكب فيعتبر بالمشاهدة أو الوزن مع عدمها، أو الوصف الرافع للجهالة.

قوله: «وكذا لا يكفي ذكر الآلات المحمولة ما لم يعلم قدرها وجنسها».

المراد بالآلات هنا ما يصحبه معه المستأجر في السفر من نحو السفرة والقِربة (1) والإداوَة (2)والقِدر (3)، فإنّه إذا شرط حملها وجب معرفتها بالمشاهدة أو الوزن أو الوصف الرافع للجهالة. ولو لم يشترطها لم يدخل في الإطلاق إلّا مع جريان العادة بها بحيث لا يحصل القصد بدونها، فيتوجّه حينئذٍ بطلان الإجارة لو لم يعرف قدرها؛ لأنّ ذلك بمنزلة الشرط المجهول.

قوله: «وكذا لا يكفي اشتراط حمل الزاد ما لم يعيّنه. وإذا فَني ليس له حمل بدله ما لم يشرطه».

هذا إذا فني بالأكل المعتاد، فلو فني بغيره كضيافة غير معتادة، أو أكلٍ كذلك، أو ذهَب بسرقة أو شبهها، فله إبداله؛ تنزيلاً للإطلاق على المعتاد. ولو شرط حمل زادٍ زائد عن العادة فله إبداله، كالمحمول المطلق، إلّا أنْ يريد جعل الجميع زاداً توسعة. ولو شرط الإبدال في الجميع، صحّ.

قوله: «وفي رفع المحمل وشدّه تردّد، أظهره اللزوم». قويّ.

قوله: «ويصحّ أن يستأجر اثنان جَملاً أو غيره للعُقبة، ويرجع في التناوب إلى العادة».

ص: 506


1- القِرَبةُ: ظرفٌ مِن جلد يخرز من جانب واحد، وتستعمل لحفظ الماء أو اللبن ونحوهما. المعجم الوسيط، ص 723، «قرب».
2- الإداوَة: إناء صغير يحمل فيه الماء. المعجم الوسيط، ص 10، «أدو».
3- القِدر: إناء يطبخ فيه. المعجم الوسيط، ص 718، «قدر».

العُقبة - بضمّ العين - النوبة (1)، وهما يتعاقبان على الراحلة، إذا ركب هذا تارة وهذا أُخرى. ثمّ إنْ كان هناك عادة مضبوطة بالزمان أو المسافة حمل الإطلاق عليها، وإلّا وجب التعيّن. ويعتبر تعيين مبدأ الركوب ومَن يركب منهما أوّلاً، ولو أطلقا اتّجه الابتداء بالقرعة، وفاقاً للتذكرة (2).

قوله: «أو كبحها باللجام من غير ضرورةٍ ضَمِن».

كبحها باللجام: جذبها به لتقف ولا تجري، يقال: كَبَحْتُها وأكبحتها، ذكره الجوهري (3).

قوله: «ولو حفر بعض ما يقطع عليه، ثمّ تعذّر حفر الباقي إمّا لصعوبة الأرض، أو مرض الأجير، أو غير ذلك، قوّم حفره وما حفره منها، ويرجع عليه بنسبته من الأُجرة. وفي المسألة قول آخر مستند إلى رواية مهجورة».

القول المذكور للشيخ في النهاية (4)، ومحصّله ما تضمّنته رواية أبي شعيب المحاملي عن الرفاعي قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل قبّل رجلاً يحفر له بئراً عشر قامات بعشرة دراهم، فحفر له قامة ثمّ عجز، قال: «تقسّم عشرة على خمسة وخمسين جزءاً، فما أصاب واحداً فهو للقامة الأُولى، والاثنين للاثنين، والثلاث للثلاث، وهكذا إلى العاشرة» (5). وفي ذلك استيفاء الخمسة والخمسين. وحملت الرواية على ما إذا تناسبت القامات على هذا الوجه، مع أنّها في واقعةٍ ولا يتعدّى. وعلى تقدير العمل بمضمونها يقتصر بها على موردها من العدد المذكور. والأصحّ بل المذهب ما اختاره المصنِّف من ثبوت أُجرة ما عمل من المسمّى منسوباً إلى المجموع.

ص: 507


1- الصحاح، ج 1، ص 185، «عقب».
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 298 (الطبعة الحجريّة).
3- الصحاح، ج 1، ص 398، «كبح»، وفيه: يقال: أكمَحْتُها وأكْفَحْتُها وكبَحْتُها.
4- النهايه، ص 348 - 349.
5- الكافي، ج 7، ص 433، باب النوادر من كتاب القضاء والأحكام، ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 287، ح 794.

وطريق معرفته أنْ تنسب أُجرة مثل ما عمل إلى أُجرة مثل المجموع، فيستحقّ من المسمّى بتلك النسبة. ولو فرض تساوي نسبة الأجزاء فله من الأُجرة بقدر ما عمل، فلو استأجره على حفر بئرٍ عشرة أذرع طولاً وعرضاً وعمقاً فحفر خمساً في الأبعاد الثلاثة فهو ثُمن القدر المشروط، فمع التساوي له ثُمن الأُجرة، ومع الاختلاف بالحساب، وهكذا.

قوله: «ويجوز استئجار المرأة للرضاع مدّةً معيّنةً بإذن الزوج، فإنْ لم يأذن فيه تردّد، والجواز أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقّه». قويّ.

قوله: «ولا بدّ من مشاهدة الصبيّ. وهل يشترط ذكر الموضع الذي ترضعه فيه؟ قيل: نعم، وفيه تردّد».

في الاشتراط قوّة، وفي حكمه كلّ موضع تختلف نسبة الفعل [إليه].

قوله: «ولو مات الصبيّ، أو المرضعة بطل العقد. ولو مات أبوه هل يبطل؟ يُبنى على القولين».

«اللام» في القولين للعهد الذِكري، وهما ما تقدّم من أنّ موت المستأجر هل يبطل الإجارة أم لا؟ وقد عرفت أنّ الأقوى عدم البطلان (1).

قوله: «ولو استأجر شيئاً مدّة معيّنة لم يجب تقسيط الأُجرة على أجزائها، سواء كانت قصيرة أو طويلة».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة (2)، حيث أوجب تقسيط الأُجرة في متن العقد على أجزاء المدّة إنْ كانت سنتين فصاعداً؛ حذراً من الاحتياج إلى تقسيط الأُجرة على المدّة على تقدير لحوق الانفساخ بتلف العين وغيره، وضعفه واضح.

قوله: «ويجوز استئجار الأرض ليعمل مسجداً».

المراد جعله محلّاً للصلاة، كالمسجد الذي يعدّه الإنسان في بيته لها، ولا تثبت له

ص: 508


1- تقدّم في ص 498.
2- نسبه ابن قدامة إلى الشافعي في الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 6، ص 58.

حرمة المسجديّة، لأنّ شرطه أنْ [يكون] موقوفاً والوَقْفُ يقتضي التأبيد؛ لكن يحصل له مزيّةً وفضيلةً على غيره من البقاع التي ليست كذلك.

قوله: «الخامس: أنْ تكون المنفعة مباحة. فلو آجره مسكناً؛ ليحرز فيه خمراً، أو... لم تنعقد الإجارة. و ربما قيل بالتحريم وانعقاد الإجارة».

المراد ب- «الخمر» هنا غير المحرّمة، وهي المتّخذة للشرب، فلو كان الاتّخاذ للتخليل أو طرأ قصده قبل الإجارة صحّت، وإلّا صحّ تحريم العقد وبطلانه مع قصد الصفة المحرّمة، أو العلم باستعماله فيها.

قوله: «وهل يجوز استئجار الحائط المزوّق للتنزّه؟ قيل: نعم. وفيه تردّد».

في الجواز قوّة.

قوله: «السادس: أنْ تكون المنفعة مقدوراً على تسليمها، ولو آجر عبداً آبقاً لم يصحّ ولو ضمّ إليه شيء. وفيه تردّد».

الأجود الاقتصار بالحكم في الآبق على موضع الوفاق، وهو البيع. نعم لو كان المستأجر قادراً على تحصيله جاز من غير ضميمة، كالبيع. وكذا القول في المغصوب لو آجره للغاصب، أو لمن يتمكّن من قبضه.

قوله: «ولو منعه المؤجر منه سقطت الأُجرة، وهل له أنْ يلزم ويطالب المؤجر بالتفاوت؟ فيه تردّد. والأظهر نعم».

سقوط الأُجرة مشروط بالفسخ لا بمطلق منع المؤجر، وما اختاره المصنِّف من التخيير حسن، فإنْ اختار الفسخ سقط المسمّى، وإنْ بقي أخذ عوض المنفعة وهو أُجرة مثلها، ورجع بالتفاوت وهو زيادة أُجرة المثل عن المسمّى إنْ كان.

قوله: «ولو كان بعد القبض لم يبطل وكان له الرجوع على الظالم».

كان حقّه أنْ يقول: لم يكن له الفسخ؛ لأنّ البطلان منتفٍ على التقديرين فليس هو موضع الاستدراك. ولافرق في الغصب بعد القبض بين كونه في ابتداء المدّة وفي خلالها؛ لحصوله في الموضعين. ولافرق بين كون الغاصب هو المؤجر أو غيره.

ص: 509

قوله: «وإذا انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الإجارة، إلّا أنْ يعيده صاحبه ويمكّنه منه. وفيه تردّد».

مقتضى جواز الفسخ أنّ العقد لا ينفسخ بنفسه، ولا بدّ من تقييده بإمكان إزالة المانع، أو بقاء أصل الانتفاع، فلو انتفيا معاً انفسخت الإجارة؛ لتعذّر المستأجر عليه.

والمراد بإعادة المالك المستثناة لرفع الخيار ما كانت بسرعةٍ، بحيث لا يفوت شيء من المنافع وإنْ قلَّ، وإلّا بقي الخيار بغير تردّدٍ.

ومنشأ التردّد على تقدير إعادته كذلك من زوال المانع مع عدم فوات شيء من المنافع، ومن ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب. وهو قويّ.

[الفصل الثالث في أحكامها]

قوله: «الأُولى: إذا وجد المستأجر بالعين المستأجَرة عيباً كان له الفسخ، أو الرضى بالأُجرة من غير نقصان، ولو كان العيب ممّا يفوت به بعض المنفعة».

وجه التخيير - مع أنّ المعيب هو العين وحقّه منها هو المنفعة - أنّ مورد الإجارة هو العين؛ ليستوفي منها المنفعة، وهي تابعة في الماليّة للعين، فيلزمه من نقصها نقص مالية المنفعة، فله الفسخ لذلك. وإنّما لم يكن له أرش على تقدير الرضى؛ لأنّ العقد جرى على المجموع وهو باقٍ، فإمّا أنْ يرضى بالجميع، أو يفسخ فيه.

والأقوى ثبوت الأرش. وطريق معرفته أن ينظر إلى أُجرة مثلها سليمةً ومعيبةً، وينظر إلى التفاوت بينهما ويرجع من المسمّى بتلك النسبة.

ولو اختار الفسخ، فإنْ كان قبل أنْ يمضي من المدّة مالَه أُجرة فلا شيء عليه، وإنْ كان بعد مضي بعض المدّة واستيفاء منفعتها فعليه من المسمّى بقدر ما مضى.

هذا إذا كانت الإجارة واردة على العين، فلو وردت على الذمّة فدفع إليه عيناً فظهرت معيبة لم يكن له الفسخ، بل على المؤجر إبدالها. نعم، لو تعذّر الإبدال - لعجزه أو امتناعه ولم يمكن إجباره عليه - تخيّر المستأجر.

ص: 510

قوله: «الثانية: إذا تعدّى في العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان».

الأقوى ضمان أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف (1).

قوله: «ولو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك، ... وقيل: القول قول المستأجر. وهو أشبه». قويّ.

قوله: «مَنْ تقبّل عملاً لم يجز أنْ يُقبّله غيرَه بنقيصةٍ، على الأشهر».

الأجود الكراهة. وموضع الخلاف ما إذا لم يعيّن العامل في العقد، وإلّا فلا إشكال في المنع.

قوله: «ولا يجوز تسليمها إلى غيره، إلّا بإذن المالك. ولو سلّم من غير إذن ضمن».

يمكن أنْ يريد بالتسليم المنهي عنه على تقدير عدم جواز تقبيلها لغيره، وأنْ يريد به في صورة الجواز والأعمّ؛ لأنّه مال الغير، فلا يصحّ تسليمه إلى غير من استأمنه عليه. وجواز إجارته لاينافيه، بل يستأذن المالك، فإنْ امتنع رفع أمره إلى الحاكم، فإنْ تعذّر اتّجه جواز التسليم حينئذٍ.

والأقوى جواز التسليم حيث تجوز الإجارة؛ لصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام (2). نعم، ينبغي تقييده بكون المدفوع إليه ثقةً.

قوله: «يجب على المستأجر سقي الدابّة وعلفها. ولو أهمل ضمن».

المراد أنّ ذلك لازم للمستأجر بدون الشرط من ماله من غير أنْ يرجع به علی المالك. وهو مذهب جماعة من الأصحاب (3) . والأقوى وجوبهما على المالك إلّا مع الشرط.

ثمّ إنْ كان حاضراً معه، وإلّا استأذنه في الإنفاق ورجع عليه، فإن تعذّر استأذن الحاكم، فإنْ تعذّر أنفق ورجع مع نيّته. والأولى الإشهاد عليه حينئذٍ.

ص: 511


1- في مسالك الأفهام، ج 5، ص 221 قوّى المصنّف ضمان قيمتها يوم التلف.
2- الكافي، ج 5، ص 291، باب الرجل يكتري الدابّة ...،ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 215، ح 942.
3- منهم العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 425.

قوله: «الخامسة: إذا أفسد الصانع ضمن... أمّا لو تلف في يد الصانع لا بسببه من غير تفريط [ولا تعدّ]، لم يضمن على الأصحّ». قويّ.

قوله: «وكذا الملّاح والمكاري، لا يضمنان إلّا ما يتلف عن تفريط على الأشهر». قويّ.

قوله: «السادسة: من استأجر أجيراً لينفذه في حوائجه كانت نفقته على المستأجر، إلّا أنْ يشترط على الأجير».

مستند ذلك رواية سليمان بن سالم عن الرضا علیه السلام (1)، وبها خرجت هذه عن حكم نظائرها. والأقوى أنّه كغيره لا تجب نفقته إلّا مع الشرط، وحيث يشترط على المستأجر يعتبر ضبطها، بخلاف ما لو قيل بوجوبها عليه ابتداءً، فإنّه يجب عليه القيام بعادة أمثاله.

قوله: «السابعة: إذا آجر مملوكاً له فأفسد، كان ذلك لازماً لمولاه في سعيه، وكذا لو آجر نفسه بإذن مولاه».

الأقوى أنّ الإفساد إنْ كان في الذي يعمل فيه بغير تفريطٍ تعلّق بكسبه كما ذكروه، وإنْ كان بتفريطٍ تعلّق بذمّته يتبع به إذا أعتق. نعم، لو كان بإذن المولى تعلّق به وإنْ كان بجناية على نفسٍ أو طرفٍ تعلّق برقبة العبد. وللمولى فداؤه بأقلّ الأمرين من القيمة والأرش، سواء كان بإذن المولى أم لا.

قوله: «ولو آجر الوصي صبيّاً مدّةً يعلم بلوغه فيها، بطلت في المتيقّن وصحّت في... وهل للصبيّ الفسخ بعد بلوغه؟ قيل: نعم. وفيه تردّد».

جواز فسخه في الزائد قويّ.

قوله: «الثانية عشرة: إذا دفع سلعةً إلى غيره ليعمل فيها عملاً، فإنْ كان ممّن عادته أنْ يستأجر لذلك العمل، ... فله أُجرة مثل عمله. وإنْ لم يكن له عادة وكان العمل ممّا له أُجرة، فله المطالبة».

شرط المصنِّف (رحمه الله) في لزوم الأُجرة أحد الأمرين، إمّا كون العامل من

ص: 512


1- الكافي، ج 5، ص 287، باب إجارة الأجير وما يجب عليه، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 212، ج 933.

عادته أنْ يستأجر بمثل ذلك العمل، أو كون العمل له أُجرة في العادة واعتبر غيره (1) الثاني خاصّة. ومختار المصنِّف أقوى لأنّ استيفاء العمل المحترم بالأمر لا يحلّ بدون العوض إلّا بإباحة مالكه ولم يتحقّق.

قوله: «الثالثة عشرة: كلّ ما يتوقّف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر، كالخيوط في الخياطة، والمداد فى الكتابة».

الأقوى الرجوع فيهما إلى العرف المطّرد، فإنْ انتفى أو اضطرب، فعلى المستأجر.

[الفصل الرابع في التنازع]

قوله: «الثانية: إذا ادّعى الصانع أو الملّاح أو المكاري هلاك المتاع، وأنكر المالك،... وقيل: القول قولهم مع اليمين؛ لأنّهم أُمناء. وهو أشهر الروايتين». قويٌّ.

قوله: «الثالثة: لو قطع الخياط ثوباً قباءً وقال المالك: أمرتك بقطعه قميصاً، فالقول قول المالك مع يمينه، وقيل: قول الخيّاط. والأوّل أشبه».

الأقوى تقديم قول المالك. وحينئذٍ فلا أُجرة للخيّاط، وعليه أرش الثوب ما بين كونه مقطوعاً قميصاً وقباءاً ممّا يصلح لهما من القطع لا أرش له، ولو كانت الخيوط للخيّاط فالأقوى جواز نزعه لها وإنْ لم يبق لها قيمة.

1

ص: 513


1- هو العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 425؛ وقواعد الأحكام، ج 1، ص 235.

ص: 514

كتاب الوكالة

[الفصل الأوّل في العقد]

قوله: «ولو تأخّر القبول عن الإيجاب لم يقدح في الصحّة، فإنّ الغائب يوكّل والقبول متأخّر».

ظاهرهم أنّ هذا الحكم إجماعي. وأمّا التعليل الذي ذكره المصنِّف من وكالة الغائب فهو فرع جواز تأخّر القبول، فلايكون دليلاً عليه.

قوله: «ومن شرطها أنْ تقع منجّزة، فلو عُلّقت على شرط ٍ... لم يصحّ».

مقتضى عدم صحّتها حينئذٍ أنّه يصحّ تصرّف الوكيل كذلك ولو بعد حصول الشرط؛ لأنّ لازم البطلان ذلك. وجوّز بعضهم (1) التصرّف بعده وإنْ فسدت الوكالة؛ عملاً بالإذن السابق وفائدة الفساد فساد الجعل المسمّى في عقد الوكالة إنْ كان والرجوع إلى المثل، كما في المضاربة الفاسدة، حيث حكم فيها بعدم استحقاقه الحصّة المشروطة، ووجب للعامل أُجرة المثل. ولا يخلو من نظر.

قوله: «ولو وكّله في شراء عبدٍ افتقر إلى وصفه؛ لينتفي الغرر».

الوجه صحّة الوكالة على هذا الوجه؛ لأنّ الغرر يندفع بما يجب على الوكيل اعتباره من المصلحة، وإنْ كان اعتبار الوصف أحوط؛ لاختلاف الأغراض في العبد بقصد القنْية والتجارة المقتضية لاختلاف المصلحة غالباً.

ص: 515


1- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 5.

قوله: «ولو وكّله مطلقاً لم يصحّ على قول، والوجه الجواز».

الجواز قويٌّ.

قوله: «وهي عقد جائز من طرفيه، فللوكيل أنْ يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته».

مقتضاه عدم نفوذ تصرّفه بعد العزل، سواء علم الموكّل بعزله نفسه أم لا؛ لانتفاء الوكالة التي هي مناط جواز التصرّف. وقيل: لا ينعزل بذلك ما لم يعلم الموكّل (1). وقيل: مطلقاً (2) ؛ نظراً إلى أنّ الوكالة إباحة فلا تبطل بردّها، كالمأذون في تناول الطعام ونحوه؛ وعملاً بالإذن السابق كما مرّ، وليس ببعيد.

قوله: «وللموكّل أنْ يعزله، بشرط أنْ يعلمه العزل، ولو لم يُعلمه لم ينعزل بالعزل. وقيل: إنْ تعذّر إعلامه فأشهد انعزل ...، والأوّل أظهر».

الأقوى أنّه لا ينعزل إلّا أنْ يبلغه العزل، ولو بإخبار ثقةٍ، لا مطلق البلوغ، ولا يعتبر بلوغ الخبر حدّ العلم.

قوله: «وإطلاق الوكالة يقتضي الابتياع بثمن المثل، بنقد البلد، حالّاً».

يستثنى من ثمن المثل النقصان عنه بالشيء اليسير الذي يتسامح الناس بمثله، كدرهمٍ في مائة. وإطلاق تسويغ البيع بثمن المثل مبنيّ على الغالب من عدم بذل أزيد منه، فلو اتّفق باذل للأزيد لم يصحّ البيع به، حتّى لو باع بخيارٍ لنفسه فوجد في مدّة الخيار باذل زيادةٍ وجب عليه الفسخ إنْ كانت وكالته متناولة لذلك، وليس كذلك ما لو عيّن له قدراً فوجد باذلاً لأزيد، فإنّه لا يجب عليه هنا بيعه بالأزيد.

قوله: «وأنْ يبتاع الصحيح دون المعيب».

هذا إذا كان عالماً بالعيب، أمّا مع جهله به فإنّه يقع عن الموكّل؛ لأنّه مكلّف بالظاهر والوقوف على الباطن قد يعجز عنه.

ص: 516


1- القائل هو العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 259.
2- القائل هو العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 417.

نعم لو كان العيب ظاهراً، بحيث يكون جهل الوكيل به مستنداً إلى تقصيره، اتّجه وقوفه على الإجازة، كالعالم به.

قوله: «ولو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر، كان القول قوله مع يمينه ... وقيل: يلزم الدلّال إتمام ما حلف عليه المالك، وهو بعيد».

هذا الاختلاف راجع إلى صفة الوكالة، وكما يقبل قول الموكّل في أصلها فكذلك في صفتها؛ لأنّه فعله فهو أعرف به. والقول الذي حكاه المصنِّف ضعيف.

قوله: «فإنْ تصادق الوكيل والمشتري على الثمن... لكن للموكّل الرجوع على أيّهما شاء بقيمته. لكن إنْ رجع الموكّل على المشتري لا يرجع المشتري على الوكيل؛ لتصديقه له في الإذن».

هذا إذا لم يكن قد قبض الوكيل الثمن منه، وإلّا رجع عليه بأقلّ الأمرين أيضاً ممّا غرمه من الثمن؛ لأنّ الوكيل لا يستحقّ الثمن والموكّل لا يدّعيه؛ لعدم تعيّنه ثمناً له، وقد أغرم المشتري عوض المال فيرجع على الوكيل بما دفعه إليه إنْ كان بقدر القيمة أو أقلّ، وإلّا رجع بقدر ما غرم، وبقي الباقي في يد الوكيل مجهول المالك. ولو لم يكن المشتري مصدّقاً على الوكالة رجع على الوكيل بما غرمه أجمع. ولو كان الثمن أزيد

وقد دفعه إلى الوكيل رجع به أيضاً؛ لفساد البيع ظاهراً.

قوله: وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي تسليم المبيع... لكن لا يقتضي الإذن في البيع قبض الثمن؛ لأنّه قد لا يؤمن على القبض».

إلا أن تدلّ القرائن على الإذن فيهما، كما لو وكّله في شراء عينٍ من مكان بعيد يخاف مع عدم قبض الوكيل إيّاها ذهابها، فيجب قبضها فضلاً عن الجواز. ومثله ما لو أمره بالبيع في موضع يضيع الثمن بترك قبضه بحيث تدلّ القرينة على أنّه أذن له في القبض، حتّى لو أخلّ الوكيل به حينئذٍ ضمن؛ لتضييعه إيّاه.

قوله: «وللوكيل أنْ يردّ بالعيب؛ لأنّه مصلحة العقد».

الأقوى عدم جواز الردّ بالعيب مطلقاً، وما ذكره من التعليل لا يفيد المطلوب.

ص: 517

[الفصل الثاني فيما لاتصحّ فيه النيابة وما تصحّ فيه]

قوله: «أمّا ما لا تدخله النيابة فضابطه: ما تعلّق قصد الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة».

المرجع في معرفة قصد الشارع وغرضه في ذلك إلى النقل، إذ ليس له قاعدة كليّة لا تنخرم، وإنْ كانت بحسب التقريب منحصرة فيما ذكره.

أمّا العبادات فالمقصود منها فعل المكلّف ما أمر به وانقياده وتذلله، وذلك لا يحصل إلّا بالمباشرة. ولا يفترق الأمر بين حالتي القدرة والعجز غالباً. ولكن قد تخلّف الحكم في مواضع أشار المصنِّف إلى بعضها:

منها: غسل أعضاء الطهارة ومسحها إذا عجز المكلّف عنه، فإنّه يجوز له الاستنابة فيه. وليس هذا توكيلاً حقيقيّاً، ومن ثَمّ يقع بتولّي من لا يصحّ توكيله كالمجنون.

ومنها: الصلاة الواجبة، وذلك في ركعتي الطواف على بعض الوجوه، والطواف المندوب، وأداء الزكاة، وعتق العبد عن الكفّارة، والحجّ المنذور مطلقاً، والحجّ الواجب على بعض الوجوه، وغير ذلك من العبادات.

قوله: «والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش».

بناءً على كونه يملك بمجرّد الحيازة، فلا يتصوّر فيه الاستنابة على وجه يفيد ملكيّة الموكّل. وقد تقدّم أنّ الأقوى جواز التوكيل فيه (1)، ويملك الموكّل مع نيّة الوكيل الملك له.

قوله: «إلّا على وجه الشهادة على الشهادة».

الأَولى كون الاستثناء منقطعاً؛ لأنّ الشهادة على الشهادة ليست بطريق الوكالة، بل هي شهادة بكون فلان شاهداً. نعم، فيها مشابهة الوكالة من حيث الصورة بسبب استنادها إلى قول الشاهد الأصل، وبواسطة ذلك تكون شهادة مجازاً فجاز استثناؤها منها كذلك.

ص: 518


1- تقدّم في ص 456.

قوله: «وأمّا ما تدخله النيابة... وفي استيفاء الحدود مطلقاً».

سواء كانت لآدمي كحدّ السرقة والقذف، أم لله تعالى كحدّ الزني. والمراد استيفاؤها بعد ثبوتها عند الحاكم بمعنى مباشرتها أو تحصيلها.

ونبّه بقوله: «مطلقاً» على خلاف بعض العامّة (1) حيث منع من استيفاء حدود الآدميّين في غيبة المستحقّ.

قوله: «وفي إثبات حدود الآدميّين، أمّا حدود الله سبحانه فلا».

وجه المنع في حدود الله تعالى أنّها مبنيّة على التخفيف، والأقوى الجواز مطلقاً، كما تجوز الاستنابة في الأحكام مطلقاً المتناولة لذلك.

قوله: «ولو وكّل على كلّ قليل وكثير، قيل: لا يصحّ؛ لما يتطرّق من احتمال الضرر، وقيل: يجوز، ويندفع الحال باعتبار المصلحة».

الأقوى الجواز مطلقاً.

[الفصل الثالث في الموكّل]

قوله: «يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل ... ولو بلغ عشراً جاز أنْ يوكّل فيما له التصرّف فيه».

بناءً على جواز تصرّفه في شيء مباشرةً فتجوز الاستنابة فيه. والأصحّ المنع مطلقاً.

قوله: «وليس للعبد القِنّ أنْ يوكّل إلّا بإذن مولاه».

بناء على القول بملكه؛ لأنّه محجور عليه على تقديره، ولو أحلنا ملكه فإنْ لم يكن مأذوناً لم يصحّ توكيله مطلقاً، إلّا ما يجوز له مباشرته كالطلاق، وإنْ كان مأذوناً جاز له التوكيل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه.

قوله: «ولو وكّله إنسان في شراء نفسه من مولاه صحّ».

ص: 519


1- نسبه ابن قدامة إلى أبي حنيفة وبعض الشافعيّة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 207 - 208، المسألة 3742.

المراد أنّه وكّله بإذن مولاه؛ لما سيأتي من توقّف وكالته على إذنه (1)، فالصحّة من حيث كونه وكيلاً في ذلك، وهو لا ينافي توقّفه على شرط آخر. وإنّما خصّ هذه الصورة؛ لدفع احتمال البطلان هنا من حيث إنّ الشراء يستدعي مغايرة المشتري للمبيع، وجوابه أنّ المغايرة الاعتباريّة كافية كنظائره.

ويمكن أنْ يكون الحكم مبتنياً على جواز توكيله بدون إذن مولاه إذا لم يمنع شيئاً من حقوقه، كما هو أحد الأقوال في المسألة (2)، والأمر هنا كذلك؛ إذ لامنع من حقوق المولى بحضرته وكلامه معه.

قوله: «وليس للوكيل أنْ يوكِّل إلّا بإذن الموكِّل».

خصوصاً أو عموماً أو إطلاقاً ك- «اصنع ما شئت أو مفوّضاً». ولو لم يأذن له كذلك ولكن دلّت القرائن على الإذن، كما لو وكّله فيما لا يباشره، مثله؛ لترفّعه، أو عجزه عنه أو عن بعضه، فالأقوى الجواز، لكن يجب تقييده بعلم الموكّل بهما، وإلّا لم يجز؛ لانتفاء القرينة التي هي مناط الإذن. ويقتصر في التوكيل علی ما يعجز عنه، وعلى موضع الحاجة وحيث يأذن له في التوكيل بأنْ صرّح بكونه وكيلاً عن الوكيل لَحِقه أحكام الموكَّل، وإنْ صرّح بكونه وكيلاً عن الموكّل أو أطلق كان وكيلاً آخر عنه.

قوله: «ولا يوكّل المحرم في عقد النكاح، ولا إيداع الصيد».

المحرّم من ذلك إيقاع الفعل في حال الإحرام، والتوكيل فيه كذلك، فإنْ حصلت الوكالة حالته ليوقعه في حالة الإحلال، فالأظهر الجواز. وفي حكم التوكيل في إيداع الصيد التوكيل في شرائه وبيعه. وفي حكم المُحرِم المعتكف فيما لا يسوغ له فعله كالبيع.

قوله: «وتصحّ الوكالة في الطلاق للغائب إجماعاً، وللحاضر على الأظهر». قويٌّ.

ص: 520


1- يأتي في كلام المحقّق (رحمه الله) حيث يقول: وتجوز وكالة العبد إذا أذن مولاء. شرائع الإسلام، ج 2، ص 156.
2- وهو قول العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 32 - 33، المسألة 666.

[الفصل الرابع في الوكيل]

قوله: «ويجوز أن تتوكّل المرأة في طلاق غيرها. وهل تصحّ في طلاق نفسها؟ قيل لا. وفيه تردّد».

الأصحّ الجواز.

قوله: «وهل يتوكّل المسلم للذمّي على المسلم؟ فيه تردّد. والوجه الجواز على كراهيّة».

مدار الوكالة بالنسبة إلى إسلام الوكيل والموكَّل والموكِّل عليه وكفرهم والتفريق ثمانية، فإنّ الموكَّل إمّا مسلم، أو كافر. وعلى التقديرين فالوكيل إمّا مسلم، أو كافر. وعلى التقادير الأربعة فالموكّل عليه إمّا مسلم، أو كافر.

فمنها صورتان لاتصحّ الوكالة فيها عندنا، وهما ما نسب المصنِّف الحكم فيهما إلى المشهور. وفي التذكرة (1) ادّعى الإجماع عليهما، وهما وكالة الكافر المسلم لكافر أو مسلمٍ، وباقي الصور تصحّ الوكالة فيها من غير كراهة إلّا صورة واحدة، وهي وكالة المسلم لكافر على المسلم، فإنّ المشهور فيها الكراهة، بل ادّعى في التذكرة (2) الإجماع عليها. والمصنّف (رحمه الله) تردّد فيها ثمّ حكم بها. وهو الوجه. ويظهر من الشيخ في النهاية (3) عدم الجواز. واعلم أنّ المصنِّف والجماعة عبّروا عن الكافر بالذمّي ولافرق من حيث الحكم، فكان التعبير بالكافر الشامل له ولغيره أولى.

قوله: «ولو أمره ببيعه في سوقٍ مخصوصة، فباع في غيرها بالثمن... صحّ؛ إذ الغرض تحصيل الثمن».

هذا إذا لم يتعلّق غرض الموكّل بالسوق المعيّن بسبب جودة نقده أو حِلّه ونحوه وإلّا لم يصحّ، ويعتبر في الصحّة عدم العلم بالغرض؛ نظراً إلى الغالب، وقيل: يعتبر العلم

ص: 521


1- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 35، المسألة 669.
2- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 35، المسألة 669.
3- النهاية، ص 317.

بعدم الغرض (1)، فلا يجوز التخطّي مع الجهل.

قوله: «إذا ابتاع الوكيل وقع الشراء عن الموكّل، فلا يدخل في ملك الوكيل؛ لأنّه لو دخل في ملكه لزم أن ينعتق عليه أبوه وولده لو اشتراهما».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة (2) حيث ذهب إلى انتقاله إلى ملك الوكيل أوّلاً، مع حكمه بعدم انعتاق الأب على ولده لو كان وكيلاً. وفساده واضح.

قوله: «وكلّ موضع يبطل الشراء للموكّل، فإنْ كان سمّاه عند العقد لم يقع عن أحدهما. وإنْ لم يكن سمّاه قضي به على الوكيل في الظاهر». وأمّا في نفس الأمر مع عدم إجازة الموكّل فيجب عليه التخلّص بحسب الإمكان، وسيأتي بيانه (3) . ولا بدّ من تقييد ذلك أيضاً بعدم الشراء بعين مال الموكّل، وإلّا بطل العقد مع عدم إجازته وإنْ لم يذكره؛ لأنّه يصير كظهور استحقاق أحد العوضين المعيّنين. هذا بالنسبة إلى نفس الأمر، وأمّا بحسب الظاهر فإنْ صدّق البائع على ذلك أو قامت به البيّنة ثبت البطلان ظاهراً وباطناً، ووجب عليه ردّ ما أخذه، وإلّا ثبت ظاهراً ووجب على الوكيل عوض المدفوع للموكّل؛ لتعذّر تحصيله شرعاً؛ لاعترافه بالتفريط بسبب المخالفة، وعلى البائع الحلف على نفي العلم بالحال إنْ ادّعى عليه ذلك وإلّا فلا.

قوله: «وكذا لو أنكر الموكّل الوكالة لكن إنْ كان الوكيل مبطلاً فالملك له، ظاهراً وباطناً، وإنْ كان محقّاً كان الشراء للموكّل باطناً».

إذا اشترى مدّعي الوكالة ولم تثبت وكالته في ذلك - إمّا لدعوى المخالفة أو لإنكار أصل الوكالة - فلا يخلو: إمّا أنْ يكون قد اشترى بعين مال الموكّل ولو بحسب الدعوى، أو في الذمّة. وعلى الأوّل: إمّا أنْ يكون البائع عالماً بالثمن لمالكه، أو تقوم البيّنة بذلك، أو لا. وعلى التقادير: فإمّا أنْ يصرّح بكون الشراء للموكّل، أو ينوي ذلك خاصّة. ثمّ إمّا

ص: 522


1- القائل هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 98، المسألة 716.
2- القائل هو أبو حنيفة على ما حكي عنه في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 263، المسألة 3803.
3- سيأتي في ص 523.

أنْ يكون الموكّل صادقاً بحسب الواقع، أو كاذباً، فهذه أقسام المسألة.

وحكمها أنّه متى كان الشراء بالعين فهو فضولي، سواء ذكر الموكّل أم لا، وسواء نوى الشراء للموكّل أم لا. فإنْ لم يجز المالك وقد ذكره صريحاً، أو كان له بيّنة أنّ العين له، أو البائع عالماً بذلك، فإنْ كان الوكيل صادقاً فالعقد صحیح باطناً فاسدٌ ظاهراً، فإنْ رجع المالك في العين وأخذها من البائع رجع إليه مبيعه، وإنْ رجع بالعين على الوكيل؛ لتعذّر أخذها من البائع أخذ الوكيل المبيع قصاصاً، وتوصّل إلى ردّ ما فضل منه عن حقّه إنْ كان هناك فضلٌ، وإنْ تلفت تخيّر في الرجوع، فإنْ رجع على البائع رجع على الوكيل، فإنْ رجع على الوكيل لم يرجع على البائع؛ لاعترافه بظلم الموكّل في الرجوع. ولو لم يعلم البائع بالحال ولم يحصل الوصفان الآخران لم يجب عليه الدفع، بل يحلف على نفي العلم إنْ ادّعي عليه، ثمّ يغرم الوكيل ويأخذ العين قصاصاً كما مرّ.

وإنْ كان الوكيل كاذباً بحسب الواقع بطل الشراء بالعين مطلقاً، وأتى فيه التفصيل، لكن إنْ كانت العين قد تلفت عند البائع وجب على الوكيل ردّ المبيع إليه، وإنْ كانت باقيةً عنده فخلاص الوكيل أيضاً أنْ يصالح الموكّل عليها بما دفعه من المثل أو القيمة ثمّ يصالح البائع على العين به إنْ أمكن.

وإنْ كان الشراء في الذمّة وذكر الموكّل وقع له باطناً إنْ كان محقّاً وبطل ظاهراً، فيأخذه قصاصاً. وإنْ لم يذكره لفظاً ولانيّةً فالشراء للوكيل مطلقاً. وإنْ نواه خاصّة فالسلعة للبائع باطناً، فيشتريها منه بالثمن إنْ كان باقياً، وإلّا دفعها إليه ولاشيء عليه. وإنْ لم ينوه وقع الشراء للوكيل.

قوله: «وطريق التخلّص أنْ يقول الموكّل: إنْ كان لي فقد بعته من الوكيل، فيصحّ البيع، ولا يكون هذا تعليقاً للبيع على الشرط».

لأنّ الشرط المبطل ما أوجب توقّف العقد على أمر مترتّب، وهذا أمر واقعٌ يعلم الموكّل حاله، فلا يضرّ جعله شرطاً. وكذا القول في كلّ شرطٍ علم وجوده.

ص: 523

قوله: «ولو وكّل اثنين، فإنْ شرط الاجتماع، لم يجز لأحدهما أنْ ينفرد بشيء من التصرّف وكذا لو أطلق».

المراد باجتماعهما على العقد صدوره عن رأيهما معاً «لا إيقاع كلّ منهما الصيغة» وإنْ كان ذلك جائزاً أيضاً فلو وكّل أحدهما الآخر أو وكّلا ثالثاً صحّ إنْ اقتضت وكالتهما جواز التوكيل وهذا بخلاف الوصيّين على الاجتماع، فإنّ توكيل أحدهما الآخر وثالثاً جائز والفرق أنّ الوصيّ يتصرّف بالولاية كالأب؛ بخلاف الوكيل، فإنّه يتصرّف بالإذن فيتّبع مدلوله.

قوله: «أمّا لو أذن لعبده في التصرّف في ماله، ثمّ أعتقه، بطل الإذن؛ لأنّه ليس على حدّ الوكالة، بل هو إذنٌ تابع للملك».

لمّا كان كلّ واحد من الوكالة والإذن لا يختصّ بلفظٍ، بل يتأدّى بما دلّ على الإذن في التصرّف، كان في الفرق بين الوكالة التي لا تبطل بالبيع والإذن الذي يبطل به خفاءٌ، والقرائن الحاليّة أو المقاليّة هي الكاشفة عنهما وإن اشتركا في الصيغة.

قوله: «لو قال: وكّلتك في قبض حقّي من فلان، فمات لم يكن له مطالبة الورثة، أمّا لو قال: وكّلتك في قبض حقّي الذي على فلان، كان له ذلك».

الفرق بين الصيغتين أنّ «مِن» متعلّقةٌ بالقبض، ومبدؤها المديون، ففيها تعينٌ لمبدأ القبض ومنشئه، وهو فلانُ المديون فلا يتعدّى الأمر إلى وارثه؛ لأنّ قبضه من الوارث ليس قبضاً من المديون. نعم، له القبض من وكيل المديون؛ لأنّ يده يده وهو نائب عنه، بخلاف الوارث، فإنّ الملك لم ينتقل إليه بحقّ النيابة، ومِن ثَمَّ يحنث لو حلف على فعل شيء بفعل وكيله إيّاه لا بفعل وارثه. وأمّا: «الذي على فلان» فإنّ جملة الموصول والصلة فيه صفة للحقّ وليس فيه تعيين للمقبوض منه بوجهٍ، بل الإذن تعلّق بقبض الحقّ الموصوف بكونه في ذمّة زيد، فالوكيل يتبع الحقّ حيث ما انتقل.

[الفصل الخامس فيما به تثبت الوكالة]

قوله: «ولا يحكم بالوكالة بدعوى الوكيل... ولا تثبت بشهادة النساء، ولابشاهد واحدٍ

ص: 524

وامرأتين ولا بشاهد ويمين، على قول مشهور». هذا هو المذهب لا نعلم فيه مخالفاً، لكن لو اشتملت الدعوى على المال، كما لو ادّعى شخص على آخر أنّه وكّله بجُعْلٍ وأقام شاهداً وامرأتين أو شاهداً وحلف معه، فالظاهر ثبوت المال مع فعل متعلّقه دون الوكالة، ولا يقدح ببعض الشهادة، كما لو أقام ذلك بالسرقة، فإنّه يثبت المال لا القطع. ولو كان ذلك قبل العمل لم يثبت؛ لبطلان الوكالة بإنكارها والمال لم يثبت بعد.

قوله: «لو ادّعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم... فإنْ كانت عيناً لم يؤمر بالتسليم... وكذا لو كان الحقّ ديناً. وفيه تردّد».

الفرق بين العين والدَين هنا الموجب للجزم بعدم وجوب تسليم العين والتردّد في الدَين أنّ الإقرار بالعين يتعلّق بحقّ مالكها فلا يسمع. نعم، يجوز له تسليمه؛ إذ لا منازع غيرهما الآن، ويبقى المالك على حجّته. فإنْ أنكر فالقول قوله مع يمينه، ثمّ إنْ كانت العين موجودة أخذها، وإنْ تعذّر ردّها؛ لتلف أو غيره، تخيّر في الرجوع على مَن شاء منهما، فإنْ رجع على الوكيل لم يرجع على الغريم مطلقاً؛ لاعترافه ببراءته، وإنْ رجع على الغريم لم يرجع على الوكيل إنْ تلفت في يده بغير تفريط، وإلّا رجع عليه.

وهذا بخلاف الدَين؛ لأنّ تصديقه إنّما اقتضى وجوب التسليم من مال نفسه وإنكار الغائب لايؤثّر في ذلك، فلا مانع من نفوذه لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1).

ووجه التردّد: ممّا ذكر، ومن أنّ التسليم لا يؤمر به إلّا إذا كان مبرئاً للذمّة، ومِن ثَمَّ يجوز لمن عليه الحقّ الامتناع من تسليمه لمالكه حتّى يشهد عليه، وهنا ليس كذلك؛ لأنّ الغائب يبقى على حجّته فيه، مع توقّف وجوب التسليم على وقوعه مبرئاً. وجواز

ص: 525


1- رواه جماعة من العلماء المتقدّمين في كتبهم عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ولكن لم نعثر عليه في كتب الحديث المؤلّفة قبل الشهيد. رواه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 370، المسألة 337؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 233؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2)؛ ورواه العاملي في وسائل الشيعة، ج 23، ص 223، ح 29342.

الامتناع للإشهاد إنّما يقتضيه على المدفوع إليه، وهو ممكن بالنسبة إلى مدّعي الوكالة، فوجوب الدفع هنا أوجه.

ثمّ إذا حضر المالك [وأنكر] طالَبَ الغريمَ لا الوكيلَ وإنْ كانت العين باقية؛ لأنّه لم يقبض ماله. ثمّ للغريم العود على الوكيل مع بقاء العين أو تلفها بتفريطٍ، لابدونهما.

[الفصل السادس في اللواحق]

قوله: «الثالثة: يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكّل مع المطالبة وعدم العذر... ولو ادّعى بعد ذلك أنّ تلفَ المال قبل الامتناع، أو ادّعى الردّ قبل المطالبة، قيل: لا تقبل دعواه وإنْ أقام البيّنة. والوجه أنّها تقبل».

الأقوى أنّه إنْ أظهر للإنكار السابق تأويلاً محتملاً قبلت دعواه، وإلّا فلا. نعم، لو ادّعى على الموكّل العلم بصحّة دعواه فله إحلافه مطلقاً.

قوله: «الرابعة: كلّ مَن في يده مال لغيره، أو في ذمّته، له أنْ يمتنع من التسليم حتّى يشهد صاحب الحقّ بالقبض ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في ردّه، و [بين] ما لا يقبل إلّا ببيّنة ... وفصّل آخرون... والأوّل أشبه».

التفصيل بأنّ ما يقبل قول الدافع في ردّه ليس له الامتناع؛ إذ لا ضرر عليه بترك الإشهاد؛ لأنّ قبول قوله يدفع الغرم عن نفسه، بخلاف ما لا يقبل قوله فيه. وفصّل آخرون بأنّه إنْ كان بالحقِّ بيّنة فله الامتناع حتّى يشهد وإلّا فلا؛ لأنّه وإنْ لم يقبل قوله لو أقرّ لكن يمكنه إنكار أصل الحقّ على وجه يصدق، فيقبل قوله. وما اختاره المصنِّف أجود؛ لأنّ تكليف اليمين ضرر وإنْ كان صادقاً.

قوله: «الخامسة: الوكيل في الإيداع إذا لم يُشهد على الودَعي لم يضمن. ولو كان وكيلاً في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن، وفيه تردّد». الفرق أنّ الإيداع مبنيّ على الإخفاء بخلاف قضاء الدين، ولأنّ الودعي قوله مقبول في الردّ والتلف فلا يؤثّر الإشهاد في تغريمه، بخلاف المديون.

ص: 526

ووجه التردّد: ممّا ذكر، ومن عدم دلالة مطلق الأمر على الإشهاد فيحصل الامتثال بدونه. ولعلّه أجود. وإنّما يضمن على تقديره إذا لم يقع الدفع بحضرة الموكّل؛ لأنّ التفريط حينئذٍ مستند إليه.

قوله: «إذا أذن [الموكّل] لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز، وفيه تردّد. وكذا في النكاح».

الأظهر الجواز فيهما.

[الفصل السابع في التنازع]

قوله: «الأُولى: ... ولو اختلفا في التلف فالقول قول الوكيل؛ لأنّه أمين».

المراد تلف المال الذي بيده على وجه الأمانة؛ لتدخل فيه العين الموكّل في بيعها قبله، وثمنها حيث يجوز له قبضه بعده، والعين الموكَّل في شرائها كذلك.

ولا فرق بين أنْ يدّعي التلف بسبب ظاهرٍ كالغرق، وخفيّ كالسرق.

قوله: «الثانية: إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكّل، فإنْ كان بجُعْلٍ، كلّف البيّنة؛ لأنّه مُدّعٍ، ولو كان بغير جُعل، قيل: القول قوله كالوديعة ... وقيل: القول قول المالك. وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «الثالثة: إذا ادّعى الوكيل التصرّف... قيل: القول قول الوكيل ... ولو قيل: القول قول الموكّل أمكن. لكنّ الأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «الخامسة: إذا زوّجه امرأة، فأنكر الوكالة ولا بيّنة، كان القول قول الموكّل [مع يمينه] ويلزم الوكيل مهرها، و روي نصف مهرها. وقيل: يحكم ببطلان العقد... وهذا أقوى».

قويٌّ إلّا أنْ يضمن الوكيل المهر أو بعضه، فيلزمه ما ضمن. ويمكن حمل الرواية (1) عليه. وإنّما يجوز للمرأة التزويج مع حلفه إذا لم تصدّق الوكيل عليها، وإلّا لم يجز

ص: 527


1- رواها الصدوق في الفقيه، ج 3، ص 85، ح 3387؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 6، ص 213، ح 504.

لها؛ لأنّها زوجة باعترافها.

قوله: «السادسة: إذا وكّله في ابتياع عبدٍ، فاشتراه بمائة، فقال الموكّل: اشتريته بثمانين، فالقول قول الوكيل [لأنّه مؤتمن] ولو قيل: القول قول الموكّل كان أشبه».

التقدير أنّ المبيع يساوي مائة، وإلّا لم يكن الشراء صحيحاً. وحينئذٍ فتقديم قول الوكيل أقوى.

قوله: «السابعة: إذا اشترى لموكّله كان البائع بالخيار، إنْ شاء طالب الوكيل، وإنْ شاء طالب الموكّل. والوجه اختصاص المطالبة بالموكّل».

الوجه حسن.

قوله: «العاشرة: لو وكّله بقبض دينه من غريمٍ له، فأقرّ الوكيل بالقبض، وصدّقه الغريم، وأنكر الموكّل، فالقول قول الموكّل، وفيه تردّد».

الأقوى تقديم قول الوكيل بالقبض.

قوله: «أمّا لو أمره ببيع سلعةٍ وتسليمها وقبض ثمنها وتلف من غير تفريط، فأقرّ الوكيل بالقبض... فالقول قول الوكيل... وفي الفرق نظر».

الوجه تقديم قول الوكيل في الموضعين، فينتفي الفرق.

قوله: «ولو ظهر في المبيع عيب ردّه على الوكيل دون الموكّل... ولو قيل بردّ المبيع على الموكّل كان أشبه». قويٌّ.

ص: 528

كتاب الوقوف والصدقات

[الوقف]

[العقد]

قوله: «ولو قال: حبَّست وسبَّلت، قيل: يصير وقفاً... وقيل: لا يكون وقفاً إلّا مع القرينة... وهذا أشبه». قويٌّ. ظاهر كلامه - حيث اعتبر الإيجاب ولم يتعرّض للقبول - أنّه غير معتبر في الوقف مطلقاً، وهو أحد الأقوال في المسألة. والثاني: اعتباره مطلقاً، وأظهرها اعتباره إنْ كان على جهة خاصّة، كشخص معيّن أو جماعة كذلك. وإن كان على جهة عامّة، كالفقراء والمسلمين والمسجد، لم يعتبر؛ لأنّه حينئذٍ فكّ ملك، ولأنّ الملك ينتقل فيه إلى الله تعالى، بخلاف الأوّل فإنّه ينتقل إلى الموقوف عليه، وحيث يعتبر القبول يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من العقود اللازمة.

قوله: «أمّا لو وقف في مرض الموت... وقيل: يمضي من أصل التركة، والأوّل أشبه».

هذا هو الأشهر.

قوله: «وهكذا لو أوصى بوصايا. ولو جهل المتقدّم، قيل: يقسّم على الجميع بالحصص، ولو اعتبر ذلك بالقرعة كان حسناً». قويٌّ.

قوله: «إذا وقف شاةً، كان صوفها ولبنها الموجود داخلاً في الوقف، مالم يستثنه؛ نظراً إلى العرف، كما لو باعها».

ص: 529

نبّه بالنظر إلى العرف على أنّ حقّهما أنْ لا يدخلا [في الوقف]؛ لأنّهما منافع خارجة عن حقيقة الشاة التي تعلّقت صيغة الوقف بها، لكن لمّا دلّ العرف على كونهما كالجزء منها تناولهما العقد كما يتناولهما البيع، بخلاف الحمل، فإنّه وإنْ كان بمثابتهما في الاتّصال الذي هو في قوّة الانفصال إلّا أنّ العرف لم يجعله كالجزء، والأصل عدم دخوله. والمراد أنّ الصوف واللبن موجودان على الظهر وفي الضرع، فلو احتلب اللبن وجُزَّ الصوف لم يدخل قطعاً.

ولا يرد أنّ تناول العقد لهما يقتضي كونهما من جملة الموقوف؛ عملاً بمقتضى العقد، فلا يجوز التصرّف فيهما كالأصل، لأنّا نمنع من كون تناول العقد يقتضي ذلك، وإنّما يقتضي تحبيس الأصل وإطلاق الثمرة، وهما من جملة الثمرة فيلحقهما حكمها، كما يتناولهما اسم الثمرة إذا تجدّدا، وإنّما دخلا في العقد تبعاً. كما ذكر.

ولو كان الموقوف شجرة فنماؤها الموجود للواقف، والمتجدّد للموقوف عليه، كالحمل.

[في الشرائط]

[شرائط الموقوف]

قوله: «وهل يصحّ وقف الدراهم والدنانير؟ قيل: لا. وهو أظهر، ... وقيل: يصحّ».

الأقوى الجواز لفائدة التحلّي بها، والتزيين، والضرب على سكّتها، ونحو ذلك. فإنّ هذه منافع مقصودة وإنْ كان غيرها أقوى.

نعم، لو انتفت هذه المنافع عادةً في بعض الأزمان والأمكنة، اتّجه القول بالمنع.

قوله: «ولو وقف ما لا يملكه لم يصحّ وقفه. ولو أجاز المالك، قيل: يصحّ... وهو حسن». قويٌّ.

[شرائط الواقف]

قوله: «وفي وقف من بلغ عشراً تردّد. والمرويّ جواز صدقته. والأولى المنع».

ص: 530

بل الأصحّ المنع مطلقاً.

قوله: «ويجوز أنْ يجعل الواقف النظر لنفسه ولغيره، فإنْ لم يعيّن الناظر كان النظر إلى الموقوف عليهم، بناء على القول بالملك».

المراد بجعل النظر لنفسه أو لغيره في عقد الوقف، فإنْ شرط الواقف لأحدٍ اتُّبع شرطه. وإنْ أطلق بني الحكم على انتقال الملك، فإنْ جعلناه للواقف أو للموقوف عليه مطلقاً فالنظر له، وإنْ جعلناه للموقوف عليه كان معيّناً، والله تعالى إنْ كان على جهة عامّة - كما هو الأقوى - فالنظر في الأوّل إلى الموقوف عليه، وللحاكم الشرعي في الثاني.

ثمّ إنْ اتّحد الناظر العامّ أو الخاصّ اختصّ به، وإنْ تعدّد اشتركوا فيه، فليس لأحدهم التصرّف بدون إذن الباقين.

ووظيفة الناظر العمارة أوّلاً، وتحصيل الرَيع، وقسمته على المستحقّين، وحفظ الأصل والغلّة، وغير ذلك من مصالحه. هذا مع الإطلاق، ولو فُوّض إليه بعضُها اختصّ به. ثمّ إنْ شرط له شيءٌ من الريع أو غيره جاز، وكان ذلك أُجرة عمله مطلقاً، وإنْ أطلق فله أُجرة مثل عمله على الأقوى.

[شرائط الموقوف عليه]

قوله: «ولو وقف على معدومٍ ابتداءً لم يصحّ، كمن يقف على مَن سيولد له، أو علی حمْلٍ لم ينفصل».

تفريع الحمل على المعدوم لا يخلو من تجوّز؛ لأنّه في نفسه موجود غايته استتاره، وإنّما يشاركه في الحكم بعدم صحّة الوقف عليه من جهة أُخرى، وهي عدم أهليّته للتملّك.

قوله: «ولو بدأ بالمعدوم ثمّ بعده على الموجود، قيل: لا يصحّ، وقيل: يصحّ علی الموجود. والأوّل أشبه». قوىٌّ.

قوله: «وكذا لو وقف على مَن لا يملك، ثمّ على من يملك. وفيه التردّد، والمنع أشبه». قويٌّ.

ص: 531

قوله: «ولا يصحّ على المملوك، ولا ينصرف الوقف إلى مولاه؛ لأنّه لم يقصده بالوقفيّة».

بناءً على أنّه لا يملك شيئاً، أو يملك ما لا يدخل فيه الوقف، كفاضل الضريبة. ولو قلنا بملكه مطلقاً صحّ الوقف عليه وإنْ كان محجوراً عليه، إنْ لم يعتبر القبول، أو قَبِل مولاه.

ونبّه بقوله: «ولا ينصرف الوقف إلى مولاه» على خلاف بعض العامّة (1) حيث جوّز الوقف عليه وجعله مصروفاً إلى مولاه.

وبقوله: «لأنّه لم يقصده بالوقفيّة» إلى وجه ردّه، فإنّ العقود ونحوها تابعة للقصد ومولاه غير مقصود.

قوله: «ويصحّ الوقف على المصالح، كالقناطر والمساجد؛ لأنّ الوقف في الحقيقة على المسلمين».

أشار بالتعليل إلى جواب سؤال يرد على صحّة الوقف المذكور، من حيث إنّ هذه المصالح المذكورة وشبهها لا تقبل التملّك، وهو شرط الوقف، كما سلف. وتقرير الجواب: أنّ الوقف وإن كان لفظه متعلّقاً بالجهات المذكورة إلّا أنّه في الحقيقة وقف على المسلمين القابلين للتملّك، غايته أنّه وقف على المسلمين باعتبار مصلحةٍ خاصّة؛ لأنّهم المنتفعون بها. فإنّ الغرض من المسجد تردّدهم إليه للعبادة وإقامة شعار الدين ونحوه، فكأنّه وقف عليهم بشرط صرفه على وجه مخصوص، وهو جائز.

قوله: «ولو وقف على الكنائس والبيع لم يصحّ. وكذا لو وقف على معونة الزُناة أو قطّاع الطريق أو شاربي الخمر».

المراد أنّه وقف عليهم من حيث إنّهم كذلك، بأنْ جعل الوصف مناط الوقف. أمّا لو وقف على شخصٍ متّصفٍ بذلك لا من حيث كون الوصف مناطه صحّ، سواء أطلق أم قصد جهةً محلَّلة.

قوله: «ولو وقف على المسلمين انصرف إلى مَن صلّى إلى القبلة».

ص: 532


1- لم نعثر عليه.

أي من اعتقد وجوب الصلاة إليها حيث تكون الصلاة واجبة. والمراد انصرافه إلى مَن دان بالشهادتين، واعترف بما علم من الدين ضرورة، ومنه الصلاة إليها وإنْ لم يصلّ حيث لا يكفر بذلك. ويلحق به أطفاله ومجانينه تبعاً.

قوله: «ولو وقف على المؤمنين انصرف إلى الاثني عشريّة، وقيل: إلى مجتنبي الكبائر. والأوّل أشبه».

الإيمان يطلق على معنيين: عامّ وخاصّ. فالعامّ هو التصديق القلبي بما جاء به النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، والإقرار باللسان كاشف عنه، وهو أخصّ من الإسلام. وهذا المعنى هو المراد حيث يطلق المؤمنون في القرآن.

والخاصّ قسمان: أحدهما: أنّه كذلك مع العمل الصالح، بمعنى كون العمل جزءاً منه، وصاحب الكبيرة ليس بمؤمن، وهذا مذهب الوعيديّة. والثاني: هو اعتقاد إمامة الأئمّة الاثني عشر، وهذا هو المعنى المتعارف بين الإماميّة.

فإذا وقف واقفٌ على المؤمنين وأطلق فإنْ كان من الإماميّة انصرف الوقف إلى الاثني عشرية؛ لأنّه المعروف عنده من هذا الإطلاق، وإنْ كان من غيرهم فظاهر المصنِّف والأكثر كونه كذلك. وهو مشكل؛ لأنّ ذلك غير معروف عنده، ولا قصده متوجّه إليه، فكيف يحمل عليه؟!. وليس الحكم فيه ك-«المسلمين» في أنّ لفظه عامّ فينصرف إلى ما دلّ عليه اللفظ وإنْ خالف معتقد الواقف، كما قرّرناه من إطلاقه على معانٍ تختلف بحسب المصطلحين، والمعنى الذي اعتبره أكثر المسلمين هو المعنى الأوّل، فلو قيل: نحمله عليه إذا كان الواقف غير إمامي كان حسناً، أو يقال: نحمله على المعنى الذي يعتقده الواقف بشهادة الحال. والأصحّ أنّه لا يشترط اجتناب الكبائر، خلافاً للشيخ (رحمه الله) (1).

قوله: «ولو وقف على الشيعة فهم الإماميّة والجاروديّة دون غيرهم من فرق الزيديّة». اسم الشيعة يطلق على من قدَّم عليّاً علیه السلام في الإمامة على غيره بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ولا شبهة

ص: 533


1- النهاية، ص 597-598.

في كون الإماميّة منهم، وكذا الجاروديّة من فرق الزيديّة، وكذا الإسماعيليّة حيث لا يكونون ملاحدة، وأمّا باقي فرق الشيعة كالكيسانيّة والواقفيّة والفطحيّة فداخلة، لكن لانقراضهم استغني عن ذكرهم.

والقول بانصرافه إلى من ذكر هو المشهور بين الأصحاب تبعاً للشيخ (رحمه الله). وفصّل ابن إدريس فقال: إنْ كان الواقف من إحدى فرق الشيعة صرف في أهل نحلته دون من عداهم، عملاً بشاهد الحال (1)، وهو حسن مع قيام القرينة على ذلك وإلّا فالعبرة بعموم اللفظ ك-«المسلمين».

قوله: «والطالبيين: فهو لمن ولّده أبوطالب علیه السلام. ويشترك الذكور والإناث المنسوبون إليه من جهة الأب؛ نظراً إلى العرف، وفيه خلاف».

ما اختاره المصنِّف (رحمه الله) من اختصاص الحكم بالمتقرّب بالأب هو الأظهر.

قوله: «ولو وقف على الجيران رجع إلى العرف. وقيل: لمن يلي داره إلى أربعين ذراعاً من كلّ جانب. وهو حسن. وقيل: إلى أربعين داراً من كلّ جانب، وهو مُطَّرحٌ».

ما حسّنه المصنِّف (رحمه الله) قول الأكثر (2) ولا شاهد له. والقول الأخير مرويّ (3) لكن القائل به من الأصحاب غير معلوم، والأظهر الرجوع إلى العرف؛ لأنّه المحكم حيث لامعيّن من قبل الشارع. وما ورد من الأخبار إمّا مطَّرح؛ لعدم صحّته وإنْ كان بعضه حسناً، أو لشذوذه من حيث عدم القائل بمضمونه ظاهر وندوره.

وبأيّ معنى اعتبر الجار لا يشترط فيه ملكيّة الدار، فلو كان مستأجراً، أو مستعيراً استحقّ. ولو خرج من الدار اعتبر في بقاء استحقاقه صدق اسمه عليه عرفاً.

قوله: «ولو وقف في وجوه البرِّ [وأطلق] صرف في الفقراء والمساكين، وكلّ مصلحة يتقرّب بها إلى الله تعالى».

ص: 534


1- السرائر، ج 3، ص 162.
2- منهم: المفيد في المقنعة، ص 653؛ والشيخ في النهاية، ص 599؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 299.
3- كنز العمّال، ج 9، ص 52، ح 24895.

معنى وجوه البرِّ وجوه الخير والطاعة لله تعالى، فيصرف إلى القربات كلّها، كنفع الفقراء والمساكين وعمارة المساجد والمدارس والقناطر ونحو ذلك.

قوله: «ولو وقف على بني تميم صحّ، ... وقيل: لايصحّ؛ لأنّهم مجهولون. والأوّل هو المذهب». قويٌّ.

قوله: «ولو وقف على الذمّي جاز، ... وقيل: لا يصحّ؛ لأنّه يشترط نيّة القربة».

في الجواز قوّة.

قوله: «وفي الحربي تردّد، أشبهه المنع». قويٌّ.

[شرائط الوقف]

قوله: «وهي أربعة: الدوام، والتنجيز، والإقباض، وإخراجه عن نفسه. ولو قرنه بمدّة بطل... وهو الأشبه». قويٌّ.

قوله: «فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف، وقيل: إلى ورثة الموقوف عليهم. والأوّل أظهر».

قويٌّ، والمعتبر وارثه حين انقراض الموقوف عليه كالولاء، فلو مات الواقف عن ولدين ثمّ مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض، رجع إلى الولد الباقي خاصّةً.

قوله: «ولو وقف على أولاده الأصاغر، كان قبضه قبضاً عنهم. وكذا الجدّ للأب. وفي الوصيّ تردّد، أظهره الصحّة». قويٌّ.

قوله: «ولو وقف على نفسه، لم يصحّ. وكذا لو وقف على نفسه ثمّ على غيره. وقيل: يبطل في حقّ نفسه، ويصحّ في حقّ غيره. والأوّل أشبه». قويٌّ.

قوله: «وكذا لو وقف على الفقراء ثمّ صار فقيراً... صحّ له المشاركة في الانتفاع».

الفرق أنّ ذلك ليس وقفاً على نفسه ولا على جماعة هو منهم، فإنّ الوقف على ذلك ليس وقفاً على الأشخاص المتّصفين بهذا الوصف، بل على الجهة المخصوصة، ولهذا لا يعتبر قبولهم ولا بعضهم، ولا قبضه وإنْ أمكن، ولا ينتقل الملك إليهم بل إلى الله

ص: 535

تعالى، ولا يجب صرف النماء في جميعهم. ومثل هذا يسمّى وقفاً على الجهة، بمعنى أنّ الواقف ينظر إلى جهة الفقر والمسكنة مثلاً ويقصد نفع موصوف بها لاشخصٍ بعينه. وعلى هذا لا فرق فى صحّة المشاركة بين كون الواقف كذلك متّصفاً بالصفة من حين الوقف أو بعده.

قوله: «ولو شرط عوده إليه عند حاجته، صحّ الشرط وبطل الوقف، وصار حبساً ويعود إليه مع الحاجة ويورث».

معنى كونه يورث أنّه يبطل بالموت ويرجع إلى ورثة الواقف وإنْ لم يحصل الشرط، وهو الحاجة حال الحياة؛ لأنّ هذا مقتضى صيرورته حبساً. ويزيد على الحبس رجوعه في حياته أيضاً مع الحاجة. والمرجع فيها إلى العرف إذا لم يشترط لها قدراً مخصوصاً وإلّا اتّبع. ومقتضى عوده مع الحاجة أنّه لا يحتاج معها إلى فسخ العقد، بل ينفسخ بمجرّد ظهورها، وهذا هو الظاهر من شرطه ويحتمل توقّفه على فسخه؛ لأنّ ذلك بمنزلة شرط الخيار لنفسه.

قوله: «وقيل: إذا وقف على أولاده الأصاغر جاز أنْ يشترك معهم وإنْ لم يشترط، وليس بمعتمدٍ».

الأشهر المنع إلّا أنْ يشترط ذلك في عقد الوقف.

قوله: «ولو وقف على الفقراء أو على الفقهاء فلابدّ من نصب قيِّمٍ لقبض الوقف».

والناصب الحاكم إنْ اتّفق، وإلّا تولّاه الواقف. ومحلّ نصبه قبل إيقاع الصيغة إن اعتبرنا فوريّته، وإلّا جاز بعده.

قوله: «ولو وقف مسجداً صحّ الوقف ولو صلّى فيه واحد. وكذا لو وقف مقبرةً تصير وقفاً بالدفن فيها ولو واحداً».

يعتبر في صحّة قبضه كذلك وقوع الفعل بإذن الواقف. هذا إذا لم يقبضه الحاكم أو منصوبه، وإلّا اكتفي به إذا وقع بإذن الواقف. ولا فرق في الصلاة بين الواجبة والمندوبة، ولابين وقوعها من الواقف وغيره، ولافي المدفون بين الصغير والكبير إذا كان من جملة

ص: 536

الموقوف عليهم ومن في حكمهم.

قوله: «ولو صرّف الناس في الصلاة في المسجد أو في الدفن، ولم يتلفّظ بالوقف لم يخرج عن ملكه».

«صرّف» بالتشديد أي أذن لهم في التصرّف. ونبّه بالحكم على خلاف بعض العامّة (1)، حيث اكتفى بذلك في تحقّق الوقف؛ قياساً على تقديم الطعام للضيف. والفرق ظاهر، فإنّ تقديم الطعام إباحةٌ لا يفتقر إلى عقدٍ ولا قبضٍ، بخلاف الوقف.

[النظر الثالث في اللواحق]

قوله: «الأُولى: الوقف ينتقل إلى مُلك الموقوف عليه؛ لأنّ فائدة الملك موجودة فيه، والمنع من البيع لا ينافيه».

هذا إذا كان على منحصرٍ، وإلّا فالأقوى أنّ الملك فيه لله تعالى. بمعنى انفكاك الموقوف عن ملك الآدميّين واختصاصهم، لاكونه مباحاً كغيره ممّا يملكه الله تعالى.

قوله: «ولو أعتقه الشريك مضى العتق في حصّته ولم يقوّم عليه؛ لأنّ العتق لا ينفذ فيه مباشرةً، فأولى أنْ لا ينفذ سرايةً. ويلزم من القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم انفكاكه من الرقّ».

وجه الأولويّة أنّ العتق مباشرة أقوى من العتق بالسراية؛ لأنّه يؤثّر فى إزالة الملك بلاواسطة، وهي إنّما تؤثّر فيه بواسطة المباشرة، ولأنّها من خواصّ عتق المباشرة وتوابعه، فإذا لم يؤثر الأقوى المتبوع وذو الخاصّة فالأضعف والتابع أولى.

واللزوم الذي ادّعاه المصنِّف على تقدير القول بملك الموقوف عليه غير واضحٍ؛ لأنّ المانع من عتق الموقوف عليه ليس منحصراً في حقّ الشركاء، بل هو ممنوع من التصرّف سواء كان معه شريك أم لا؛ لاقتضاء الوقف بحبس الأصل مطلقاً. وحينئذٍ فلا فرق بين العتق مباشرةً وسرايةً، وحينئذٍ فعَدم السراية أظهر.

ص: 537


1- هو قول أبي حنيفة على ما حكاه عنه ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 213، المسألة 4373.

قوله: «الثانية: إذا وقف مملوكاً، كانت نفقته في كسبه، اشترط ذلك أو لم يشترط. ولو عجز عن الاكتساب كانت نفقته على الموقوف عليهم، ولو قيل في المسألتين كذلك كان أشبه».

الأقوى ثبوتها على الموقوف عليه مطلقاً.

قوله: «ولو صار مُقعداً انعتق عندنا، فتسقط عنه الخدمة وعن مولاه النفقة».

إنّما تسقط عن مولاه نفقته من حيث هو مملوك، لكنّها حينئذٍ تجب مع عجزه عنها على المسلمين كفايةً كغيره من المضطرّين، والموقوف عليه من الجملة فيجب عليه من هذه الحيثيّة لا من حيث المملوكيّة.

قوله: «ولو كانت الجناية خطأً تعلّقت بمال الموقوف عليه؛ لتعذّر استيفائه من رقبته، وقيل: تتعلّق بكسبه... وهو أشبه». قويٌّ.

قوله: «وهل يقام بها مقامه؟ قيل: نعم ...، وقيل: لا،... وهو أشبه». الأقوى وجوب الشراء ولو لشقص حيث لا يفي بقيمة كامل، كما يجب (1) شراء أزيد من واحد لو فرض زيادتها عنه.

قوله: «وكذا لو قال: في سبيل الله وسبيل الثواب وسبيل الخير كان واحداً، ولا يجب قسمة الفائدة أثلاثاً».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ (رحمه الله) حيث ذهب إلى قسمته ثلاثة أقسام: ثلاثة إلى الغزاة والحجّ والعمرة وهو سبيل الله، وثلاثة إلى الفقراء والمساكين - ويبدأ بأقاربه - وهو سبيل الثواب وثلاثة إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم الله تعالى في آية الصدقات، وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمون والرقاب وهو سبيل الخير (2). ولم نقف على مستند هذا التفصيل. والأقوى أنّ الثلاثة بمعنى واحد.

قوله: «الخامسة: إذا كان له موالٍ من أعلى ... وموالٍ مِن أسفل،... فإنْ علم أنّه أراد

ص: 538


1- في «ض»: «لا يجب» بدل «يجب»، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما يظهر من مسالك الأفهام، ج 5، ص 386.
2- الخلاف، ج 3، ص 545، المسألة 12؛ المبسوط، ج 3، ص 117.

أحدهما انصرف الوقف إليه وإنْ لم يعلم انصرف إليهما».

الأقوى البطلان إلّا أنْ تدلّ القرينة على إرادة أحد المعيّنين أو هما. هذا إذا لم يقصد شيئاً وإلّا فالمعتبر ما قصده ويقبل قوله فيه.

قوله: «ولو وقف على أولاده انصرف إلى أولاده لصلبه، ولم يدخل معهم أولاد الأولاد، وقيل: بل يشترك الجميع، والأوّل أظهر». قويٌّ. إلّا أنْ تدلّ القرينة الحاليّة أو المقاليّة على تناول أولاد الأولاد.

فالأُولى كقوله: بني هاشم، والثانية كقوله: بطناً بعد بطنٍ، ونحو ذلك.

قوله: «ولو قال: على أولادي فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولادي فعلى الفقراء، فالوقف لأولاده، فإذا انقرضوا، قيل: يصرف إلى أولاد الأولاد... وقيل: لا يصرف إلى أولاد الأولاد».

الأقوى عدم دخول أولاد الأولاد في هذا الوقف، فيكون منقطع الوسط، فيبطل ما بعد الانقطاع ويصير حبساً على ما قبله.

قوله: «ولو أخذ السيل ميّتاً، فيُئس منه، كان الكفن للورثة».

هذا إذا كان من التركة، أمّا لو كان من جهة غيرها كالزكاة أو الوقف رجع إلى أصله، ولو كان من باذلٍ رجع إليه.

قوله: «ولو وقع بين الموقوف عليهم خُلْفٌ، بحيث يخشى خرابه، جاز بيعه. ولو لم يقع خُلْف ... بل كان البيع أنفع لهم، قيل: يجوز بيعه، والوجه المنع». قويٌّ.

قوله: «ولو انقلعت نخلة من الوقف، قيل: يجوز بيعها ... وقيل: لا يجوز ... وهو أشبه».

الأقوى التفصيل الجامع بين القولين، بأنّه إنْ أمكن الانتفاع بها بالإجارة؛ للتسقيف ونحوه من وجوه الانتفاع مع بقاء عينها، لم يصحّ البيع، وإلّا صحّ. ومثله ما لو انكسر جذع من الشجرة، أو زمنت الدابّة، ونحو ذلك. ومتى جاز البيع وجب أنْ يشترى بقيمته ما يكون وقفاً، مراعياً للأقرب إلى وضع الأوّل فالأقرب.

قوله: «التاسعة: إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّةً، ثمّ انقرضوا في أثنائها، فإن قلنا:

ص: 539

الموت يبطل الإجارة فلا كلام، وإنْ لم نقل فهل يبطل هنا؟ فيه تردّد، أظهره البطلان؛ لأنّا بيّنّا أنّ هذه المدّة ليست للموجودين، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي وبين الفسخ فيه... ».

قويٌّ، إلّا أنْ يكون المؤجر ناظراً على الوقف وآجر لمصلحة الوقف لا لمصلحته. وكذا لو كان المؤجر هو الناظر ولم يكن موقوفاً عليه.

والمراد بالبطلان وقوفه على إجازة البطن المتلقّي له، كما يدلّ عليه قوله بعد ذلك: «فيكون للبطن الثاني الخيار...» إلى آخره.

قوله: «العاشرة: إذا وقف على الفقراء، انصرف إلى فقراء البلد ومن يحضره... ولا يجب تتبّع من لم يحضر».

المراد به البلد الذي فيه الوقف لا الواقف. وظاهر النصّ (1) والأقوى وجوب استيعاب من حضر بالقسمة وإنْ لم تكن مستوية. وقيل: يجوز الاقتصار على أقلّ الجمع (2)؛ مراعاةً للّفظ، مع كونه مصرفاً لا مستحقّاً محضاً، وإلّا لوجب التتبّع. ولا فرق بين كون الوقف على من لا يحضر في ابتداء الوقف واستدامته.

قوله: «وهل تصير أُمّ ولد؟ قيل: نعم، وتنعتق بموته... وفيه تردّد».

الوجه عدم صيرورتها أُمّ ولد بذلك؛ لتعلّق حقّ البطون بها سابقاً عليه فيقدّم، كما يقدّم حقّ المرتهن لو أولدها الراهن.

قوله: «ويجوز تزويج الأمة الموقوفة، ومهرها للموجودين ...؛ لأنّه فائدةٌ كأُجرة الدار».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة (3)، حيث منع منه من حيث إنّها إذا حبلت منعت

ص: 540


1- الكافي، ج 7، ص 38، باب ما يجوز من الوقف والصدقة و ...، ح 37؛ الفقيه، ج 4، ص 240، ح 5577؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 133، ح 563.
2- قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 430 (الطبعة الحجريّة)؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 220 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- انظر المجموع شرح المهذّب، ج 15، ص 341.

عن العمل، وربما ماتت في الطلق. وأشار المصنّف إلى ردّه بما أشار إليه من التعليل: فإنّ ذلك فائدة من فوائدها وعوض عن منفعتها المختصّة بهم، فلا يقدح فيه ما ذكر.

ويتولّى تزويجها الموقوف عليه إنْ قلنا بانتقال الملك إليه، وعلى القول بانتقاله إلى الله تعالى يزوّجها الحاكم، ولو كانت موقوفة على جهة عامّة زوّجها الحاكم أيضاً.

قوله: «ولو وطئها الحرّ بشبهة كان ولده حرّاً، وعليه قيمته للموقوف عليهم».

المراد كون القيمة للموقوف عليهم على وجه الملك التامّ، لاعلى وجه الوقف على أصحّ القولين، كالولد الرقيق.

قوله: «ولو وطئها الواقف كان كالأجنبي».

بناء على انتقال الملك عنه، إمّا إلى الله تعالى أو إلى الموقوف عليه، ولو قلنا ببقاء ملكه فلا حدّ عليه؛ لشبهة الملك. وفي نفوذ الاستيلاد الخلاف السابق؛ لتعلّق حقّ الموقوف عليه، وأولى بالمنع هنا الصدقة.

[الصدقة]

قوله: «أمّا الصدقة فهي... ولا يجوز الرجوع فيها بعد القبض على الأصحّ؛ لأنّ المقصود بها الأجر وقد حصل».

خالف في ذلك الشيخ (رحمه الله) فقال: «إنّ صدقة التطوّع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام» (1).

ونبّه المصنِّف بقوله: «لأنَّ المقصود بها الأجر» على جوابه لو سلّم مساواتها للهبة؛ فإنّ الهبة لو جعل لها عوض لا يجوز الرجوع فيها مطلقاً، والصدقة تستلزم العوض دائماً، وهو القربة، فكانت كالمعوّض عنها. حتّى لو فرض في الهبة التقرّب كان عوضاً كالصدقة ولم يجز الرجوع فيها.

ص: 541


1- المبسوط، ج 3، ص 143.

فقول الشيخ ضعيف، أو محمول على عدم اشتراط القربة. وهو شاذّ.

قوله: «والصدقة المفروضة محرّمة على بني هاشم... ولا بأس بالصدقة المندوبة عليهم».

يظهر من إطلاقه تحريم المفروضة ونفي البأس عن المندوبة وعدم الفرق في المفروضة بين الزكاة وغيرها، وهو أحد القولين في المسألة. والأقوى اختصاص الواجبة في غير النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم من بني هاشم، ويتّجه فيه تحريم الصدقة مطلقاً، كما اختاره في التذكرة (1) .

قوله: «الأُولى: لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض، سواء عوّض عنها أم لم يعوَّض، لرحم كانت أو لأجنبي، على الأصحّ».

هذا هو الأقوى.

قوله: «الثالثة: صدقة السرّ أفضل من صدقة الجهر، إلّا أنْ يتّهم بترك المواساة، فيظهرها دفعاً للتهمة».

وكذا لو قصد بإظهارها متابعة الناس له في ذلك واقتداءهم به؛ لما فيه من التحريض على نفع الفقراء. هذا في الصدقة المندوبة. أمّا المفروضة فإظهارها مطلقاً أفضل؛ للرواية (2)، ولأنّ الرياء لا يتطرّق إليها غالباً، ولاستحباب حملها إلى الإمام.

ص: 542


1- تذكرة الفقهاء، ج 5، ص 269، المسألة 182.
2- كروايةٍ رواها عليّ بن إبراهيم في تفسير القمّي، ج 1، ص 100 عن الصادق علیه السلام حيث قال - بعد قوله تعالى: (إن تُبْدُوا الصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ) -: «الزكاة المفروضة تخرج علانيّة وتدفع علانيّة، وبعد ذلك غير الزكاة إنْ دفعته سرّاً فهو أفضل».

كتاب السكنى والحبس

قوله: «وهي عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض».

الضمير يعود إلى السكني بقرينة التأنيث وإنْ كان الحكم في الحبس كذلك، وكان الأولى عوده إليهما. وفي تغليب السكنى على ما يعمّ العمرى والرقبى تجوّزٌ آخر، فإنّهما أعمّ منها من وجهٍ، فلو جعل عنوان الكتاب السكنى وتوابعها كان أولى.

قوله: «وتختلف عليها الأسماء بحسب اختلاف الإضافة. فإذا اقترنت بالعمر قيل: عمری، وبالإسكان قيل: سكنی، وبالمدّة قيل: رقبی».

اختلاف الأسماء الثلاثة عليها إنّما يتمّ إذا تعلّقت بالمسكن، وحينئذٍ فيكون السكنی أعمّ منهما؛ لشمولها ما لو أسكنه مدّة مخصوصة، أو عمر أحدهما، أو أطلق. ولكن سيأتي أنّ: «كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره» (1). والرقبى بمعناها فلا تختصّان بالمسكن، فيكونان أعمّ منها من هذا الوجه.

وإنّما كانت السكنى أعمّ منهما في عبارته؛ لأنّ مناط إطلاق العمرى اقتران السكنی بالعمر، ومناط الرقبى اقترانها بالمدّة. والسكنى ذكر الإسكان، وذلك يتحقّق بذكر ما اعتبر اقترانه في العقد كيف كان، فإذا قال: اسكنتك هذه الدار مدّة عمرك تحقّقت السكنی؛ لاقترانها بها، والعمرى لاقترانها بالعمر وإنْ قال: أعمرتكها عمرك تحقّقت العمرى خاصّة، وإنْ قال أسكنتكها مدّة كذا وكذا تحقّقت السكنى والرقبى، وإنْ قال:

ص: 543


1- أي سيأتي في كلام الماتن في شرائع الإسلام، ج 2، ص 177.

أرقبتكها تحقّقت الرقبی خاصّة، فبينهما عموم وخصوص من وجه، وبين العمرى والرقبى تباينٌ، وحينئذٍ فاختلاف الأسماء عليها كما ذكره المصنِّف (رحمه الله) إنّما يتمّ مع تعلّقها بالمسكن لا مطلقاً.

قوله: «ويلزم بالقبض، وقيل: لا يلزم، وقيل: يلزم إنْ قصد به القربة. والأوّل أشهر».

المعروف من مذهب الأصحاب هو القول الأوّل، وعليه العمل.

قوله: «ولو قال: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك، كان عُمَرى ولم تنتقل إلى المُعمَر، وكان كما لو لم يذكر العقب على الأشبه».

هذا هو المذهب.

قوله: «ولو أطلق المدّة ولم يعيّنها، كان له الرجوع متى شاء».

محصّل هذه الأحكام أنّ السكنى وأُختيها من العقود اللازمة إلّا في صورة واحدة، وهي ما لو أطلق السكنى ولم يعيّن لها وقتاً، فإنّها حينئذٍ من العقود الجائزة مطلقاً على أصحّ القولين؛ لحسنة الحلبي عن الصادق علیه السلام (1).

وقال في التذكرة: إنّه مع الإطلاق يلزم الإسكان في مسمّى العقد ولو يوماً؛ ليتحقّق مسمّى الإسكان (2). والمذهب هو الأوّل. ولو أطلق «الرقبى» فالأقوى أنّها كذلك. أمّا «العمرى» فتقع باطلة؛ لأنّ مفهومها لا يتحقّق بدون الاقتران بالعمر، بخلاف الرقبی؛ لجواز أخذها من رقبة الملك الذي لا ينافي الإطلاق.

قوله: «ولا تبطل بالبيع، بل يجب أن يُوفَى المعمَر ما شُرِطَ له».

إنّما خصّ العمرى بالحكم؛ لأنّها صورة النفي بصحّة البيع، ويلحق بها الرقبی بطريق أولى؛ لانضباطها بالمدّة الرافعة للجهالة عن وقت استحقاق المشتري للانتفاع. وكذا السكنى إنْ قرنت بمدّة، ولو أُطلقت بطلت بالبيع، كغيرها من العقود الجائزة. ولافرق

ص: 544


1- الكافي، ج 7، ص 34، باب ما يجوز من الوقف والصدقة والنحل ...، ح 25؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 140، ح 590؛ الاستبصار، ج 4، ص 398، ح 104.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 450 (الطبعة الحجريّة).

بين كون المشتري هو المعمَر وغيره. ثمّ إنْ علم بالحال انتظر انقضاء المدّة أو العمر، وله قبل ذلك أنْ يبيع ويهب ويعتق وغير ذلك ممّا لا يتعلّق بالمنفعة المستحقّة، وإنْ كان جاهلاً تخيّر بين الصبر مجّاناً إلى انقضاء المدّة وبين الفسخ.

قوله: «وإطلاق السكنى يقتضي أنْ يسكن بنفسه وأهله وأولاده. ولا يجوز أنْ يسكن غيرهم إلّا أنْ يشترط ذلك».

وكذا يجوز إسكان من جرت العادة بإسكانه معه، كجاريته ومرضعة ولده وضيفه ودابّته إذا كان في الدار موضع يصلح لها عادة، وكذا إحراز الغلّة فيها ونحوه. وجوّز بعض الأصحاب له إسكان من شاء مطلقاً وإجارته ونقل ملك المنفعة كيف شاء (1).

والأشهر ما اختاره المصنّف (رحمه الله).

قوله: «وإذا حبس فرسه في سبيل الله أوغلامه في خدمة البيت أو المسجد لزم ذلك».

مورد الحبس مورد الوقف، وصحّ حبس كلّ عين ينتفع بها مع بقاء عينها بالشرائط المتقدّمة على الإنسان مطلقاً وعلى القرب؛ حيث يمكن الانتفاع بها فيها.

ثمّ إن كان على آدمي بطل بموت الحابس، وإن عيّن مدّةً لزم فيها أجمع، وإن وقع لغيره كالجهات المذكورة من سبيل الله ونحوه لزم أبداً، ولم يصحّ الرجوع فيه مطلقاً.

ص: 545


1- جوّزه ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 169.

ص: 546

كتاب الهبات

اشارة

كتاب الهبات (1)

[حقيقة الهبة]

قوله: «الهبة هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض».

إطلاق المعنى المطلوب من هذه الألفاظ على العقد الدالّ عليها مجاز، من باب إطلاق اسم السبب على المسبّب، وقد تقدّم (2) مراراً. ومع ذلك فإنّ التعريف منتقضٌ في عکسه بالهبة المشروط فيها الثواب والمتقرّب بها، فإنّ القربة وإن لم تشترط فيها إلّا أنّها لا تنافيها، بل المتقرّب بها أكمل أفرادها. وكذا ينتقض بالوقف والسكنى وما يلحق بها، بناءً على الأصحّ من عدم اشتراط القربة فيها.

قوله: «وقد يعبّر عنها بالنحلة والعطيّة».

النِحلة - بالكسر - اسم للعطيّة، والمصدر النُحل بالضمّ، والعطيّة تطلق على مطلق الإعطاء المتبرّع به، فيشمل الوقف والصدقة والهبة والهديّة والسكنی.

ومن ثمّ أطلق بعض الفقهاء (3) عليها اسم العطايا وجمعها في كتاب واحد، فيكون أعمّ من الهبة. والنِحلة في معناها، وحينئذٍ فإطلاقها على الهبة كإطلاق الجنس على النوع، لا لكونهما مرادفين لها، كما يظهر من العبارة.

ص: 547


1- إلى هنا نهاية النسخة «ض»، والظاهر أنّه سقط بقيّة الحاشية.
2- تقدّم ص 332.
3- كالعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 449 - 468.

قوله: «ولا يشترط في الإبراء القبول على الأصحّ». قويٌّ.

ويتأدّى بلفظ الإبراء والصدقة والعفو والإسقاط والهبة وما في معناها.

قوله: «ولو أقرّ بالهبة والإقباض، حُكِم عليه بإقراره، ولو كانت في يد الواهب. ولو أنكر بعد ذلك لم يقبل».

لكن لو ادّعى المواطأة على الإقرار، وأنّه لم يكن واقعاً، توجّه له اليمين على المتّهب على حصول القبض، أو على عدم المواطأة.

قوله: «ولو وهب ما هو في يد الموهوب له صحّ، ولم يفتقر إلى إذن الواهب في القبض، ولا أنْ يمضي زمان يمكن فيه القبض، وربما صار إلى ذلك بعض الأصحاب». الإشارة بذلك تعود إلى مضيّ الزمان خاصّة؛ بمعنى أنّه لا يعتبر تجديد الإذن في القبض لكن يفتقر إلى مضيّ زمان يمكن فيه القبض، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (1). ويمكن عوده إلى الأمرين معاً. والأشهر ما اختاره المصنِّف.

قوله: «وهبة المشاع جائزة، وقبضه كقبضه في البيع». فيكفي فيه التخلية إنْ لم يكن منقولاً، وإلّا اعتبر نقله بإذن الشريك، فإنْ امتنع نصب الحاكم أميناً للقبض، فإنْ تعذّر جاز استقلال المتّهب به. والأولى في القسم الأوّل ذلك أيضاً.

قوله: «وإذا قبضت الهبة فإنْ كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع إجماعاً. وكذا إنْ كان ذا رحم غيرهما. وفيه خلاف».

الأقوى لزوم الهبة بالقبض للقربة مطلقاً. وهو المراد من الرحم في هذا الباب وغيره.

قوله: «وهل تلزم بالتصرّف؟ قيل: نعم، وقيل: لا تلزم. وهو الأشبه».

الأظهر اللزوم مع كون التصرّف مغيّراً للعين، أو ناقلاً للملك على وجه لازم، أو مانعاً من الردّ كالاستيلاد، وإلّا فلا.

قوله: «ويستحبّ العطيّة لذوي الرحم... والتسوية بين الأولاد في العطيّة».

ص: 548


1- المبسوط، ج 3، ص 131.

المراد بالتسوية جعل أنصباء الأولاد متساوية، ذكوراً وإناثاً، فتعطى الأُنثى مقدار ما يعطى الذكر وإنْ كان له ضعفها في الإرث، قال صلی الله علیه و آله و سلم: «ساووا بين أولادكم في العطيّة، فلو كنت مفضّلاً أحداً لفضّلت البنات» (1) واستثني من ذلك ترجيح ذي المزيّة؛ لفضيلته، أو زمانة ونحوها، ولا بأس به.

قوله: «ويكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها... وقيل: يجريان مجرى ذوي الرحم».

فيه قوّة.

[في حكم الهبات]

قوله: «الأُولى: لو وهب فأقبض ثمّ باع من آخر، فإن كان الموهوب له رحماً لم يصحّ البيع... أمّا لو كان أجنبيّاً ولم يعوّض، قيل: يبطل ... وقيل: يصحّ؛ لأنّ له الرجوع. والأوّل أشبه».

الأقوى صحّة البيع والفسخ معاً. وكذا القول في بيع ذي الخيار وبیع المدبّر والموصى به مطلقاً، والمكاتب حيث يجوز فسخها.

قوله: «ولو كانت الهبة فاسدة صحّ البيع على الأحوال».

المراد ب-«الأحوال» ما تقدّم تفصيله من كون الهبة لرحم أو غيره، عوِّض عنها أو لم يعوَّض.

ويحتمل أنْ يريد به ما هو أعمّ من ذلك، بحيث يشمل ما لو علم الفسادَ أو لم يعلم. والأظهر مع عدم العلم قبولُ قوله في عدم القصد إليه على تقدير ملكه، ثمّ أنكر القبض؛ لأنّه يمكن أنْ يخبر عن وهمه، بأنْ يوهم أنّ مجرّد العقد يوجب الملك وإنْ لم يقبض - كما يراه بعض العامّة (2) - فيقبل دعواه عدم القبض حيث يمكن في حقّه توهّم ذلك وإنْ

ص: 549


1- الجامع الصغير، ج 1، ص 284، ح 4632؛ المعجم الكبير، الطبراني، ج 11، ص 28، ح 1197؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 177.
2- نسبه ابن القدامة إلى أحمد في المغني، ج 6، ص 280. المسألة 4442.

لم يكن مذهبه. وهذه العبارة أجود من قول غيره: «إنْ اعتقد رأي مالك» (1) ونحو ذلك، فإنّ ذلك غير شرط، بل مجرّد احتمل فهمه ذلك كافٍ في قبول عذره؛ لأنّها مسألة اجتهاديّة فجاز توهّمه فيها غير ما ينبغي اعتقاده.

والتحقيق أنّ ذلك كلّه غير شرط؛ لأنّ الخلاف واقع بين أصحابنا في أنّ القبض هل هو شرط في صحّة الهبة، أو في لزومها؟ فعلى الثاني يحصل الملك وإنْ كان متزلزلاً، كما يحصل لذي الخيار، فجاز استناده في حكمه بالملك إلى ذلك، بل يمكن أنْ يريد ب-«ملكته» مجرّد عقد الهبة؛ لأنّها تقع بلفظ «ملّكت»، ويكون عطف التمليك على الهبة معتدّاً للتاكيد، وهو مقبول وإنْ كانت فائدة التأسيس أقوى، وأولى بالقبول ما لو اقتصر

على لفظ «ملّكته»؛ لظهور احتمال إرادة الهبة من غير أنْ يعارضه التأكيد.

قوله: «الخامسة: إذا وهب وأطلق، لم تكن الهبة مشروطة بالثواب، فإنْ أثاب لم يكن للواهب الرجوع».

إذا وهب شيئاً فلا يخلو: إمّا أنْ يشترط الواهب على المتّهب الثواب، أو التعويض على الهبة، أو يشترط عدمه، أو يطلق. و على تقدير اشتراط الثواب إمّا أنْ يعيّنه في قدر مخصوص، أو يطلق.

فمع اشتراط عدم الثواب لا يلزم مطلقاً، ومع اشتراطه يلزم ما شرطه مطلقاً، ثمّ [إنْ عيّنه] لزم ما عيّن، بمعنى أنّ المتّهب إنْ دفع المشروط وإلّا يسلّط الواهب على الفسخ، وإنْ أطلق اشتراط الثواب لزم الوفاء به، لكن إنْ اتّفقا بعد ذلك على قدر فذاك وإلّا وجب إثابة مقدار الموهوب عيناً أو قيمة، ولا تجب الزيادة وإنْ طلبها الواهب، كما لا يجبر الواهب على قبول الأقلّ.

وإنْ لم يشترط الثواب فالهبة جائزة من قِبَل الواهب إلّا أنْ يثيبه المتَّهب بما يتّفقان عليه، أو بمثله أو قيمته. ولا فرق في ذلك بين هبة الأعلى للأدنى وعكسه والمساوي على الأصحّ.

ص: 550


1- هو قول العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 275.

قوله: «ولو تلفت والحال هذه أو عابت، لم يضمن الموهوب له؛ لأنّ ذلك حدث في ملكه، وفيه تردّد».

أي تلفت العين الموهوبة المشروط فيها الثواب، أو تلفت الهبة بمعنى الموهوب المذكور. ووجه التردّد في ضمانها: من حدوث التلف والنقص في ملك المتّهب فلا يتعقّب ضماناً. ومن أنّه قبضها على وجه مضمون بعينها أو عوضها، أو عموم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (1). وهذا أظهر. وحينئذٍ فالواجب عليه أقلّ الأمرين: من العوض المشروط، وبذل التالف من العين وأجزائها وأوصافها.

قوله: «السادسة: إذا صبغ الموهوب له الثوب... إنْ قلنا: لا يمنع إذا كان الموهوب له أجنبيّاً كان شريكاً بقيمة الصبغ».

المراد بنسبة قيمته إلى قيمة الثوب، فلو كان الثوب يساوي مائة فصبَغه بعشرين، وصار يساوي مائة وعشرين فصاعداً، وصار شريكاً بالسدس. أمّا لو نقص عن القيمتين فإنْ كان النقص بسبب الصبغ فالذاهب على المتّهب، أو بسب الثوب فعلى الواهب. ولا فرق في ذلك بين العين المشتملة على الصفة كالصبغ، والصفة المحضة كالقصارة والطحن. ولو كانت الزيادة عيناً محضة كالغرس فلكلّ منهما ماله، وللمالك طلب الإزالة مع الأرش، أو الإبقاء بالأُجرة مع اتّفاقهما عليه كالعارية.

قوله: «السابعة: إذا وهب في مرضه المخوف... إنْ مات في مرضه ولم تجز الورثة اعتبرت من الثلث، على الأظهر».

الأقوى اعتبار المرض المتّصل بالموت، سواء كان مخوفاً أم لا. وسيأتي البحث فيه حكماً وبياناً.

ص: 551


1- عوالي اللآلي، ج 2، ص 344، ح 9؛ مستدرك الوسائل، ج 14، ص 7 - 8، ح 15944؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 296، ح 3561.

ص: 552

كتاب السبق والرماية

[الفصل الأوّل في الألفاظ المستعملة فيه]

قوله: «فالسابق هو الذي يتقدَّم بالعُنق والكتِد. وقيل: بأُذنه، والأوّل أكثر».

الكتد - بفتح التاء وكسرها - هو مجمع الكتفين، وهو العالي بين أصل العنق والظهر، وقد يطلق على الكاهل، وعلى ما بينه وبين الظهر، ذكره في القاموس (1). والقول بالاكتفاء بالأُذن في التقدّم لابن الجنيد (2). والأجود اعتبار التعيين في العقد؛ لعدم دليل صالح على ترجيح أحد الأُمور المعتبرة في التقدّم عند الإطلاق، وإنْ كان المشهور ما اختاره المصنِّفِ (رحمه الله).

قوله: «والمصلّي هو الذي يحاذي رأسه صَلَوى السابق».

فائدة معرفة المصلّي تظهر على تقدير شرط عوض له، بأنْ يجعل للسابق عوضاً وللمصلّي دونه وهكذا، فيحتاج إلى معرفته أسماء المتسابقين إذا ترتّبوا في الحلبة، وقد جرت العادة بتسمية عشرة منها، وليس لِما بعد العاشر منها اسم إلّا الذي يجيء آخر الخيل كلّها فيقال له الفِسكِل - بكسر الفاء والكاف وبضمّهما -.

فأوّل العشرة: المجلّي - بالتشديد - وهو السابق، سمّي بذلك؛ لأنّه جلّى عن نفسه، أي أظهرها، أو جلّى عن صاحبه وأظهر فروسيّته، أو جلّى همّه حيث سبق.

ص: 553


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 244، «کتد».
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 221، المسألة 180.

والثاني: المصلّي، سمّي بذلك لما ذكره المصنِّف (رحمه الله).

والثالث: التالي.

والرابع: البارع؛ لأنّه برع المتأخّر عنه وفاقه.

والخامس: المرتاح، كما ارتاح ونشط فلحق بالسوابق.

والسادس: الحظي، كأنّه حظي عند صاحبه حين لحق بالسوابق.

والسابع: العاطف؛ لأنّه عطف إلى السوابق، أي مال إليها، أو كرّ عليها فلحقها.

والثامن: المؤمّل؛ لأنّه يؤمّل اللحوق بالسوابق.

والتاسع: اللطيم، فعيل بمعنى مفعول؛ لأنّه يلطم إذا أراد الدخول إلى المكان الجامع للسوابق.

والعاشر: السكيت، مصغّراً مخفّفاً، ويجوز تشديده، سمّي بذلك؛ لسكوت صاحبه إذا قيل لمن هو.

في القاموس: إنّ السكيت آخر خيل الحلبة كالفسكل (1).

قوله: «والسبق - بسكون الباء-: المصدر، وبالتحريك: العوض».

السبق - بالسكون - مصدر «سَبَق» - بالتحريك - كما في التذكرة (2)، أو «سابق»، كما في الصحاح (3). وبالتحريك العوض المبذول للسابق وما في معناه، ويقال له «الخطر» بالمعجمة فالمهملة المفتوحتين، «والنَدَب» بالتحريك أيضاً، و «الرهن».

قوله: «والمحلّل هو الذي يدخل بين المتراهنين».

المحلّل هو الذي يدخل فرسه بين المتراهنين ولا يبذل معهما عوضاً، بل يُجري فرسه بينهما، أو على أحد الجانبين على وجه يتناوله العقد. وحكمه: أنّه إنْ سَبَق أخذ

ص: 554


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 156، «سکت»، وفيه: «ويشدّد: آخر خيل الحلبة».
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 353 (الطبعة الحجريّة).
3- الصحاح، ج 3، ص 1494، «سبق».

العوض المبذول للسابق، وإنْ سُبِق لم يغرم شيئاً .

وسمّي «محلّلاً» لأنّ العقد لا يحلّ بدونه عند بعض أصحابنا (1)، وعند بعض العامّة (2)، أو يحلّ إجماعاً، بخلاف ما إذا خلا عنه، فإنّ فيه خلافاً.

قوله: «والمناضلة: المسابقة والمراماة».

المناضلة مفاعلة من النضل وهو الرمي، قاله الجوهري (3) . وكأنّ المصنِّف (رحمه الله) يجوّز في إطلاقها على ما يشمل المسابقة بالخيل ونحوها.

قوله: «ويقال: رشقُ وجهٍ ويدٍ، ويراد به الرمي على ولاء حتّى يفرغ الرشق».

الرشق هنا - بالكسر - أيضاً بمعنى أنّه مشترك بين العدد الذي يتّفقان عليه وبين الوجه من الرمي لذلك العدد، فكما يقال: رموا رشقاً أي عدداً اتّفقوا عليه، كذلك يقال: رموا رشقاً إذا رموا بأجمعهم في جهة واحدة. والمراد برشق اليد هذا المعنى أيضاً، وإضافته إليها كإضافته إلى الوجه.

قوله: فالحابي: ما زلج على الأرض ثمّ أصاب الغرض».

زلج على الأرض - بالزاي المعجمة والجيم - بمعنى زلق. «والحابي» مأخوذ من حبو الولد على الأرض، وجمعه «حوابي» بالياء المثنّاة من تحت أخيراً. وأمّا «الحواب» بغير ياء فهو نوع من الرمي، قسيم للمبادرة والمحاطّة عند بعضهم.

قوله: «والخاصر: ما أصاب أحد جانبيه».

هو - بالخاء المعجمة ثمّ الصاد المهملة - مأخوذ من الخاصرة؛ لأنّها في أحد جانبي الإنسان، سمّي به لإصابته أحد جانبي الغرض، وهو في معنى خاصرته.

قوله: «والخازق: ما خدشه».

الخازق بالخاء والزاي المعجمتين. وضمير «خدشه» يعود إلى الغرض، وظاهره أنّه

ص: 555


1- كابن الجنيد على ما حكى عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 220، المسألة 179.
2- الأُمّ، الشافعي، ج 4، ص 230؛ مختصر المزني، ص 287.
3- الصحاح، ج 4، ص 1831، «نضل».

لم يثقبه ولم يثبت فيه، وبهذا صرّح في القواعد (1) والتحرير (2).

وكلام أهل اللغة بخلاف ذلك، ففي نهاية ابن الأثير قال: خزق السهم وخسق إذا أصاب الرمية ونفذ فيها (3). وفي الصحاح: الخازق من السهام المُقَرْطَسَ، والخاسق لغة فيه (4). وقال في باب السين: رمى فقَرْطَسَ إذا أصابه (5)، وظاهره أنّه ما أصاب الغرض مطلقاً، وهو مع مخالفته لكلام النهاية توافقه في أنّ الخاسق هو الخازق، خلاف ما ذكره المصنِّف.

قوله: «والخارق: الذي خرج من الغرض نافذاً».

هو بالخاء المعجمة والراء المهملة، ومعناه موافق للمفهوم منه لغةً؛ لأنّ الخرق الشقّ، فإذا شقّه ونفذ فيه - سواء سقط منه أم لا - فقد خرقه، لكنّه ليس من أسمائه المعدودة لغةً. وفي التحرير جعل الخارق بمعنى الخاسق، وجعل الخازق - بالزاي المعجمة - مغايراً له (6)، كما مرّ خلاف ما ذكره أهل اللغة، ولو حمل في كلامه الخارق - بالراء المهملة - على الخازق - بالمعجمة - ليكون مرادفاً للخاسق، كان موافقاً لكلام أهل اللغة، لكن ذكره بعد ذلك الخارق. وتعريفه بأنّه ما خدشه ولم يثقبه يوجب تعيّن كونه بالزاي المعجمة.

قوله: «ويقال: المزدلف الذي يضرب الأرض ثمّ يثب إلى الغرض».

أصل الازدلاف التقدّم، وخصّه هنا بما يقع على الأرض ثمّ يتقدّم إلى الغرض، وعلى هذا فيرادف الحابي. وبه صرّح في القواعد (7) . وفي تأخير المصنِّف ذكر المزدلف عن

ص: 556


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 264.
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 3، ص 167، الرقم 4384.
3- النهاية، ج 2، ص 29.
4- الصحاح، ج 3، ص 1469، «خزق».
5- الصحاح، ج 2، ص 962، «قرطس».
6- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 3، ص 166 - 167، الرقم 4384.
7- قواعد الأحكام، ج 1، ص 264.

الحابي إشعار بالمغايرة بينهما، ولعلّ المزدلف عنده أقوى فعلاً من الحابي، حيث اعتبر فيه ضرب الأرض المقتضي لقوّة اعتماده، بخلاف الحابي فإنّه اقتصر فيه على مجرّد زلقه على الأرض.

قوله: «والمبادرة: هي أنْ يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق، والمحاطّة: هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة».

المراد من «المبادرة» أنْ يتّفقا على رمي عدد، كعشرين سهماً مثلاً، فمن بدر إلى إصابة عدد معيّن منها - كخمسة - فهو ناضل لمن رماها ولم يصبه، أو أصاب مادونه. والمراد من «المحاطّة» أنْ تقابل إصاباتهما من العدد المشترط ويطرح المشترك من الإصابات، فمن زاد فيها بعدد معيّن كخمسة مثلاً فناضل للآخر، فيستحقّ المال المشروط للسابق في العقد.

وممّا ذكرناه يظهر أنّ ما ذكره المصنِّف من تعريفهما غير سديد؛ لدخول كلّ منهما في تعريف الآخر، فإنّ بدار أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق متحقّق ظاهراً مع شرط المحاطّة، وإسقاط ما تساويا فيه من الإصابة يتحقّق مع شرط المبادرة، ومع ذلك فالمقصود من معناهما غير حاصل من اللفظ. فالأسدّ في تعريفهما ما أشرنا إليه من أنّ المبادرة هي اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عدد معيّن من مقدار رشق معيّن مع تساويهما فيه. والمحاطّة هي اشتراط استحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه.

[الفصل الثاني في مايسابق به]

قوله: «ويقتصر في الجواز على النصل و ...، ويدخل تحت النصل السهم، والنشّاب».

المعروف أنّ السهم هو النشّاب، وفي الصحاح: «النشّاب: السهام» (1) وظاهره أنّهما

ص: 557


1- الصحاح، ج 1، ص 224، «نشب».

مترادفان. وعلى هذا فعطف النشاب على السهام من عطف المرادف وإنْ اختلفا بالجمع والإفراد. ويمكن أنْ يختصّ أحدهما أو كلّ منهما بنوع خاصّ أو بلغة، كما قيل (1).

قوله: «ولا يجوز المسابقة بالطيور، ولا على القدم، ولا بالسفن، ولا بالمصارعة».

موضع المنع المسابقة بعقد مشتمل على العوض للسابق، كما هو مقتضى عقد المسابقة، أمّا لو تجرّد الفعل عن العوض فالأظهر الجواز. وقيل: بالمنع مطلقاً (2).

[الفصل الثالث في عقد المسابقة والرماية]

قوله: «وهو يفتقر إلى إيجاب وقبول، وقيل: هي جعالة فلا تفتقر إلى قبول».

الأظهر أنّها عقد لازم فيفتقر إلى الإيجاب والقبول بشرائطهما المعتبرة في العقود اللازمة.

قوله: «وهل يشترط التساوي في الموقف؟ قيل: نعم. والأظهر لا». قويٌّ. وموضع الخلاف مع احتمال السبق من كلّ منهما، وإلّا لم يصحّ قطعاً، لكن يكون المانع من الصحّة ذلك لا التفاوت في الموقف.

قوله: «وأمّا الرمي فيفتقر إلى العلم بأُمور ستّة... وتماثل جنس الآلة».

هو - بالجرّ عطفاً على العلم بالأُمور الستّة - خارج عنها، والعبارة في قوّة افتقاره إلى أمرين:

أحدهما: العلم بالأُمور الستّة خارج عنها، والثاني: تماثل جنس الآلة وإنّما فصله عنها؛ لأنّه ممّا يفتقر إليه في العقد لا ممّا يجب أنْ يعلم، بخلاف الستّة.

والمراد بتماثل الآلة تماثل ما يرميان به من القوس في الصنف، ومن السهم؛ لاختلاف الرمي باختلافه، فيجب ضبطه حذراً من الجهالة، كاختلاف حيوان السباق.

وقيل: لا يشترط التعيين في العقد، ويحمل الإطلاق على المتعارف إنْ كان وإلّا

ص: 558


1- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 690؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 147.
2- قاله الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 692؛ والخلاف، ج 6، ص 101 - 102، المسألة 3 و 4؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 147.

فما يتّفقان عليه (1). وهو أقوى.

قوله: «وفي اشتراط المحاطّة أو المبادرة تردّد، والظاهر أنّه لا يشترط».

الأجود إلى أحدهما تعيّنه، ومن ثمّ اختلف القائلون بعدم اشتراط التعيين في انصرافه إلى كلّ منهما.

[الفصل الرابع في أحكام النضال]

قوله: «الأُولى: إذا قال أجنبي لخمسة: من سبق فله خمسة، فتساووا في بلوغ الغاية، فلا شيء لأحدهم... ولو سبق أحدهم كانت الخمسة له. وإنْ سبق اثنان [منهم] كانت لهما دون الباقين. وكذا لو سبق ثلاثة أو أربعة».

الأقوى أنّه مع سبق اثنين فصاعداً استحقاق كلّ واحد منهما تمام العوض المبذول؛ لأنّه في مقابلة السبق، وقد تحقّق من كلّ واحد منهم، كما لو قال: من دخل داري فله دينار فدخلها جماعة.

قوله: «ولو قال: من سبق فله درهمان، ومن صلّى فله درهم، فلو سبق واحد أو اثنان أو أربعة فلهم الدرهمان». الحكم هنا كالسابق في استحقاق كلّ واحد من المتعدّد مابُذل لمن [في صفته].

٭٭٭

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد [وآله] وسلّم. واقعاً الفراغ من نساختها يوم الأربعاء المبارك رابع عشر جمادى الأُولى سنة 985ه- على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إليه سعد الدين بن محمّد الجزايري الأسدي (عامله الله بلطفه الخفيّ) والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 559


1- لم نعثر على قائله.

ص: 560

حاشية المختصر النافع

اشارة

ص: 561

ص: 562

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم وأهل بيته الطاهرين.

وبعد، فإنّ كتاب المختصر النافع تأليف الشيخ نجم الدين المحقّق الحلّي (602 - 676ه-) من المتون المهمّة للفقه الجعفري، لخصّه المؤلّف من كتاب شرائع الإسلام ولهذا يسمّى أيضاً النافع في مختصر الشرائع.

والكتاب على إيجازه يعدّ أحد المتون المهمّة في فقه الشيعة الإماميّة، التي عوّل عليها كافّة الفقهاء ودارت عليه رحى التدريس والتعليق والشرح من لدن عصر المؤلّف حتّى اليوم، ذكر صاحب الذريعة، له اثنين وثلاثين شرحاً (1). إليك أسماء عدد من الشروح المهمّة:

1 - كشف الرموز، للشيخ الفقيه الحسن بن أبي طالب الفاضل الآبي (م بعد 672ه-)، وهو أوّل الشروح بعد شرح الماتن.

2 - المعتبر في شرح المختصر، للماتن نفسه أبي القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (م 676ه-)

3 - التنقيح الرائع، للفاضل المقداد بن عبد الله السيوري (م 826ه-).

4 - المهذّب البارع، للشيخ جمال الدين أبي العبّاس أحمد بن فهد الحلّي الأسدي (م 841ه-). وغيرها الكثير من الشروح.

ص: 563


1- الذريعة، ج 4، ص 463؛ وج 14، ص 57 - 61؛ وج 23، ص 4؛ وانظر مقدّمه ای بر فقه شیعه، ص 101.

كما دوِّنت عليها حواشٍ وتعليقات كثيرة ومفيدة، منها (1):

1 - الحاشية على الفرائض منها خاصّة، للشيخ نور الدين عليّ بن حسين بن عبد العالي الكركي (م 940ه-).

2 - حاشية الشيخ عليّ بن عبد العالي الكركي أيضاً (م 940ه-).

3 - حاشية الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي، صاحب الشرح المسمّى بإيضاح النافع (م 945ه-) .

4 - حاشية الشيخ السعيد زين الدين الشهيد الثاني (م 966 ه-)، وهو كتابنا هذا.

5 - حاشية الشيخ عبد العالي ابن المحقّق الشيخ عليّ الكركي (م 993ه-).

6 - حاشية الشيخ عليّ بن الشيخ محمّد، سبط الشهيد الثاني وصاحب الدرّ المنثور (م 1014ه-).

7 - حاشية الشيخ عبد النبيّ بن سعد الجزائري (م 1021ه-).

8 - حاشية الشيخ عليّ بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمي (م 1064ه-).

9 - حاشية الشيخ أحمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ الحرّ العاملي.

حاشية الشهيد الثاني

حاشية مختصرة صغيرة الحجم كتبها لتوضيح المهمّ منه: من فقه اللغة، وبيان المراد من المطلقات والمبهمات، وتفصيل المجمل منه، مع الإشارة إلى بعض أدلّة الأحكام وتأييد بعض فتاوى الماتن، وردّ بعض تردّداته.

نسبه إليه من المترجمين له: تلميذه ابن العودي في رسالة بغية المريد، وقال: «ومنها حاشية على المختصر النافع، تشتمل على تحقيق المهمّ منها» (2) . وذكرها الشيخ الحرّ

ص: 564


1- راجع الذريعة، ج 6، ص 193؛ التراث العربي (مكتبة آية الله المرعشي)، ج 2، ص 348.
2- الدرّ المنثور، ج 2، ص 186.

العاملي في أمل الآمل (1)، والبحراني - نقلاً عنه - في اللؤلؤة (2)، والروضاتي في روضات الجنّات (3)، والأفندني الإصفهاني في رياض العلماء (4).

وقال العلّامة أقا بزرك الطهراني في الذريعة:

الحاشية عليه [المختصر النافع] للشيخ السعيد زين الدين الشهيد ... أوّلها بعد الحمد: فهذه تعليقات علّقها من جعله الله للشيعة عيناً وللشريعة زيناً (5) .

ومعلوم أنّ العبارة المنقولة من أوّلها ليست من عبارة الشهيد (طاب ثراه)، بل هي من الكاتب والناسخ.

هذا، ولم يصرّح المصنّف بتأريخ تأليف الحاشية، ولم يرد أيضاً في مصادر ترجمته. وقد طبعت الحاشية لأوّل مرّة في سنة 1422ه- معتمداً في تحقيقها على ثلاث نسخ:

1 - مخطوطة المكتبة المركزيّة بجامعة طهران المرقّمة 1095 (ف 1869/5) استنسخت عام 1291 ه- في 75 ورقة بالقطع الرقعي. ورمزنا لها ب-«د».

2 - مخطوطة مكتبة آية الله العظمى الكلبايكاني (رحمه الله)، بقم المقدّسة، المرقّمة 1004 (ف 163/2) مكتوبة في حاشية مخطوطة المتن. ورمزنا لها ب-«گ».

3 - مخطوطة مكتبة المدرسة الفيضيّة، بقم المقدّسة، المرقّمة 1608 (ف 236/1) مكتوبة أيضاً في حاشية مخطوطة المتن. وهي أكمل النسخ وأحسنها، ولذلك جعلناها أساساً للتحقيق. ورمزنا لها ب-«م».

ويذكر أنّ الكتاب قد تمّ تحقيقه على أيدي جمع من المحقّقين الأفاضل في مركزنا منذ سنوات، نخصّ منهم بالذكر: حجّة الإسلام الشيخ عليّ الأسدي، فإنّه تصدّى

ص: 565


1- أمل الآمل، ج 1، ص 86.
2- لؤلؤة البحرين، ص 38.
3- روضات الجنّات، ج 3، ص 375.
4- رياض العلماء، ج 2، ص 370.
5- الذريعة، ج 6، ص 193.

لتحقيق هذه الحاشية من بدء الاستنساخ حتّى نهاية المطاف. ولمّا تقرر طبع الكتاب ضمن قالب موسوعة الشهيد الثاني، ندب مركزنا كلّاً من حجج الإسلام: الشيخ محمّد الباقري والشيخ عليّ أوسط الناطقي والشيخ نعمة الله الجليلي والشيخ ولي الله القرباني والأُستاذ الأديب أسعد الطيّب والشيخ محسن النوروزي والشيخ عقيل فرزانة والأخ إسماعيل بيك المندلاوي والأخ حسان فرادي، حيث ساهموا في المراجعة النهائيّة للكتاب، وتصحيح الطبعة السابقة، والمقابلة، وتبديل إرجاعات الطبعة السابقة إلى الطبعة الجديدة، فجزاهم الله خير الجزاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مركز إحياء التراث الإسلامي

8 رمضان المبارك 1431ه-

ص: 566

نماذج من مصوّرات النسخ الخطّیّة المعتمدة في التحقیق

الصورة

صورة الصفحة الأُولى من نسخة «د»

ص: 567

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «د»

ص: 568

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: «وحَصِرَت». الحَصَرُ: العِيُّ، يقال: حَصِرَ الرجل يحْصَرُ حَصَراً، مثل تَعِبَ يَتْعَبُ تَعَباً (1).

قوله: «وحَسَرَت». حَسَرَ بَصَرُه يَحْسِرُ حُسُوراً، أي كَلَّ وانقَطَعَ بَصَرُه (2). والمراد هنا عدم الإدراك.

قوله: «وعلى عترته الطاهرين». المراد بالعترة الأَئِمَّةُ الاثنا عَشَرَ وفاطمةُ علیها السلام (3) .

قال الجوهري: عترة الرجل: نَسْلُه ورَهْطُه الأَدْنونَ (4).

يَدْخُلُ في الأوَّلِ مَن عدا عليّ علیه السلام، ويَدْخُلُ هو في الثاني.

قوله: «وتُرْغِمُ». الرَغام: التراب، وإرغام الأنف إلصاقه بالتراب، كِناية عن ذِلَّته (5).

ص: 569


1- الصحاح، ج 2، ص 631، «حصر».
2- الصحاح، ج 2، ص 629، «حسر».
3- كما في معاني الأخبار، ص 90 - 92؛ وكشف الغمّة، ج 3، ص 299.
4- الصحاح، ج 2، ص 735، «عتر».
5- الصحاح، ج 4، ص 1934؛ المصباح المنير، ص 231، «رغم».

كتاب الطهارة

[في المياه]

قوله: «يَرْفَعُ الحَدَثَ ويزيل الخبث».

المراد بالحَدَثِ: الأَثَرُ الحادِثُ للمكلَّفِ عند حصولِ أحدِ الأسبابِ الموجبة لخُصُوصِيَّةِ، المُتَوقِّفِ رفعُها على النيَّةِ. و الخبث هو النَجاسةُ.

قوله: «على أحد أوصافه». أي الثَلاثةِ المَعْهُودَةِ، وهي اللَون والطَعْمُ والرائحَةُ، دون باقي الأوصاف كالبرُودةِ.

قوله: «إذا كان له مادَّة». مع كرِّيَّته وإِلّا يَنْجُسُ كالواقفِ.

ثمَّ إن تساوت سُطُوحُه، اعتبرت كُرِّيَّةُ جميعِ الماء، ولو اخْتَلَفَت وعَرَضَت له نَجاسَةٌ، لم يَنْجُس الأعلى مطلقاً، ولا الأسفلُ إن كان الجميعُ كرّاً، ولو استَوعَب التغيّرُ ما بين حافتَيْه اشْتُرِطَ في عدمِ نَجاسَةِ الأسفلِ كونه كرّاً، ولا يُضَمّ عليه الأعلى ولا الممتَزِجُ.

[منزوحات البئر]

قوله: «في المسكرات». المراد بالمسكرات: النَجِسَةُ المائعَةُ بالأَصالَةِ، فلا تَنجُسُ الحَشِيشةُ ونحوها وإن عَرَضَ لها مَيَعانٌ.

قوله: «تراوَحَ عليها قوم». المراد بالقومِ الرِجالُ، فلا يجزئ النساءُ ولا الخُناثى ولا الصبيان. ولا بدَّ أن يكونوا أربعةً فصاعِداً.

ص: 570

قوله: «وكذا قال الثلاثة (1) في الفَرَسِ والبَقَرَةِ» (2). بل تلْحَقُ بما لا نَصّ فيه.

قوله: «ولموت الإنسان سبعون دلواً». لا فرق في الإنسانِ بين الصغيرِ والكبيرِ، والذكرِ والأُنثى . ويشترط فيه الإسلام إلّا أن يقع مَيِّتاً، فلو وَقَعَ حَيّاً، نُزِحَ الجَمِيعُ.

قوله: «فإن ذابتْ فأربعون أو خمسون». بل خمسون.

قوله: «من ثلاثين إلى أربعين». بل أربعين.

قوله: «ولموت الكلب وشبهه أربعون». وهو كلُّ ما في حَجْمِهِ.

قوله: «ولو كان رضيعاً». المراد بالرضيع مَن لم يَزِدْ سِنُّه على الحَولَينِ مع اغتذائه باللَبَن غالباً.

قوله: «وكذا في العصفور وشبهه». هو ما دون الحَمامة.

قوله: «ويُسْتَوفى المقدَّر». ولو لم يكن لها مقدَّر، نُزِحَ أجمعُ، ومع التعذّرِ يَجِبُ التَراوُحُ.

[الماء المضاف]

قوله: «المرويّ: المنع» (3). الرفع قَوِيّ.

قوله: «عدا ماء الاستنجاء». بشرط أن لا يَتَغيَّرَ بالنجاسَةِ، ولا تلاقيه نجاسَةٌ أُخرى خارجةً عن محلِّه، أو عن حَقيقَةِ الحَدَثِ الخارِج، وأن لا تَنْفَصِلَ مع الماءِ أجزاء من النَجاسة، أي متميّزةً.

ولا فرق بين المخرجَينِ ولا بين المتعدِّي وغيره ما لم يَتَفاحَش.

ص: 571


1- هم: المفيد، والسيّد المرتضى، والشيخ، كما في كشف الرموز، ج 1، ص 49.
2- المقنعة، ص 66؛ المبسوط، ج 1، ص 29؛ النهاية، ص 6؛ نقل قول السيّد عن المصباح المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 61.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 221، ح 630؛ الاستبصار، ج 1، ص 27، ح 71.

[الأسئار]

قوله: «بما لا يُدرِكُه الطَرْف من الدم». أي لا يُدْرِكُه حالَ وُقُوعِه في الماءِ؛ لقِلَّتِه مع كونِه مدْرَكاً قبله.

قوله: «أحوطهما النجاسَةُ». الأقوى النَجاسَةُ.

[الطهارة المائيّة]

قوله: «مِثْلا ما على الحشفة». المِثْلان كنايةٌ عن الغَسْلَتَين، ويُعْتَبر الفصل بينهما ليحصل العَددُ.

قوله: «ولا يستعمل العظم ولا الروث». يُطهِّران وإن أثِمَ.

قوله: «ولا الحَجَر المُسْتَعْمَل». إن كان نجساً، وإلّا جاز استعماله، كما لو طَهُرَ، أو كان أحدَ الثلاثةِ مع زوال عينِ النَجاسَةِ قَبْلَه.

[مكروهات التخلّي]

قوله: «ومواضع اللعن». أبواب الدُورِ.

قوله: «وتحت الأشجار المثمرة». أي التي من شَأنِها الثَمَر، وإن لم تكن مُثْمِرةً بالفعل، أو تبقى النَجاسَةُ إلى أوانِه.

قوله: «وفيها خاتَم عليه اسم الله تعالى». او اسم نبيّ أو إمامٍ مَقْصُودٍ بالكِتابَةِ. وهذا مع عدمِ إصابتِه بالنجاسَة، وإلّا حَرُمَ.

[كيفيّة الوضوء]

قوله: «ويجوز تقديمها عند غَسل اليدين». والمراد به: المستحبّ للوُضُوء؛ إذ لا يجوز تقدِيمُها عند غَسْلِهما قَبْلَه للنجاسَةِ، ونحوها.

ص: 572

ويُشْتَرَط كونُ غَسْلِهما من ماءٍ قليلٍ في إناءٍ واسعِ الرأسِ يغترف منه.

قوله: «واستدامة حكمها». المراد بالاستدامَةِ الحكميَّةِ أَن لا يَنْوِيَ نيَّةً تُنافي النيَّةَ الأُولى.

قوله: «ولا تخليلها». سواء كانت خَفِيفَةً أم كَثِيفَةً، لكن يَجبُ غَسْل البشرةِ الظاهرة خِلال الشعرِ الخَفيفِ وغيره.

قوله: «ولو دهناً». مع تحقّق اسم الجريان.

قوله: «ولا ترتيب فيهما». بل يَجِبُ تقديمُ اليمنى.

قوله: «ولا تَكْرار في المسح». أي ليس التَكْرارُ مَشْرُوعاً، فلو فَعَلُه معتَقِداً مَشْروعيَّتَه أَثِمَ، ولا تَبْطلُ به العِبادَةُ.

قوله: «ولا يجوز أن يُولِّي وُضُوءَه غيرَه اختياراً». ويجوز مع الاِضْطِرارِ، ويَتَوَلَّى المعذورُ النيَّةَ.

قوله: «بعد انصرافه». يَتَحَقَّقُ الانصرافُ بالفَراغِ من الوُضُوءِ وإن لم يَنْتَقِل عن مكانِه.

[غسل الجنابة]

قوله: «وفتور البدن». المراد بفتور البدن انكسارُ شَهْوَتِه بعدَ خُرُوجِهِ. ولا يُشْتَرَط في الحكمِ بكونه مَنِيّاً اجتماعُ الوَصْفَينِ وإِن كانا مُتَلازِمَينِ غالباً.

قوله: «أو ثوبه الذي ينفرد به». دونَ ما يَشْتَرِكُ فِيهِ غَيْرُه.

ويَتَحقَّقُ الاشتِراكُ بأن يَلْبَساه دَفْعَةً أو يناما عليه لا بالتَناوبِ، بل يُحْكَمُ به لذي النَوبَةِ ما لم يعلم انتفاؤه عنه، فيَنْتَفِي عنهما.

قوله: «ولو كان كالدهن». [المراد به] حصول مسمّى الجريان في الغَسْلِ ولو بِمُعاوِنٍ. والتشبيه بالدهن (1) أقلّه الجريان لا عدمه.

ص: 573


1- أي التشبيه بالدهن مبالغة في الإجزاء بالجريان القليل على جهة المجاز لا الحقيقة، كما في مسالك الأفهام، ج 1، ص 41.

قوله: «وتخليل ما لا يَصِلُ الماءُ إليه إلّا به». التخليل إدخال الماء خِلالَه. وضَميرُ «إليه» يَعُودُ إلى البَدَنِ المدلولِ عليه بالبَشَرَةِ، لا إلى المسمّى المخلَّل.

قوله: «وغَسْل يَدَيه ثلاثاً». المرادُ من المِرْفَقَينِ بخلافِ الوُضُوءِ.

قوله: «والمَضْمَضَةُ». يكفِي مُجرَّدُ وَضْعِه في الحَلْقِ.

قوله: «ودخول المساجد». ويَحْرُمُ أيضاً التردّد في المَسْجِد.

قوله: «إلّا اجتيازاً». الاجتياز مكروهٌ مع أمنِ التَلْوِيثِ.

قوله: «ولو رأى بللاً بعد الغُسل، أعاد». المرادُ بالبلل: المُشْتَبَه بِحَيْثُ لا يُعْلَمُ كونُه بولاً أو منيّاً أو غَيْرَهما.

والمراد بالاجتهادِ الاستبراءُ مع تعذّرِ البَولِ، أمّا مع إمكانه، فلا حُكْمَ له. والحاصلُ أنَّه متى كان قد بال واسْتَبرأ، أو بال خاصَّةً أو استبرأ خاصَّةً مع عَدَمِ إمكانِ البَولِ لم يُعِدْ الغُسْلَ، وإلّا أعاده، وذلك في صُورَتين: أن لا يبول ولا يَسْتَبْرِئ، أو يَسْتَبْرِئ مع إمكانِ البولِ.

قوله: «أصحّها: الإتمام والوضوءُ». ما اختاره هو الأقوى.

والخِلافُ المَذْكُورُ في غُسْلِ الجَنابة، أمّا غَيرُه، فيكفي إتمامهُ والوضُوءُ بِغَيرِ إشكالٍ.

[غسل الحيض]

قوله: «فإن اشتبه بالعُذْرَةِ». العُذْرَة - بضمِّ العَينِ المهملةِ وسكونِ الدالِ المُعْجَمَةِ - أي البَكارَة - بِفَتْحِ الباءِ - وفي العِبارَةِ حُذِفَ المضافُ، أي اشتبه بِدَمِ العُذْرَةِ.

قوله: «المرويّ: أنّه حيض» (1). بل يُشْتَرَطُ التَوالي في الثَلاثَةِ.

قوله: «والمضطربة إلى التَمَيّزِ». المراد بالتَمَيّزِ هنا أن يُوجَدَ الدَمُ المُتَجاوِزُ للعَشَرَةِ على نَوعَينِ أو أنواع بَعْضها أقوى من بعض، واشتبه بِدَمِ الحَيضِ، فَتَجْعَلُه المرأةُ حيضاً، والباقي استحاضةً بِشَرْطِ أَن لا يَزِيدَ القويُّ على عَشرَةٍ، ولا يَنْقُص الضَعِيفُ عن عَشرَةٍ.

ص: 574


1- الكافي، ج 3، ص 76، باب أدنى الحيض ...، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157 - 158، ح 452.

قوله: «حتّى يُتَيَقَّن الحَيْضُ». إلى أن تَمْضِيَ ثَلاثَةُ أَيّامٍ عن رُؤيَتِه. الأصحُّ جوازُ تَحَيُّضِها بِرُؤيَتِه مع ظَنِّها أنَّه حَيْضٌ.

قوله: «مع دُخُولِه بها وحُضُورِه». أو حُكم حُضُورِه، وهو الغائبُ عنها غَيْبَةً يُمْكنُهُ استعلامُ حالِها، أمّا الغائب لا كذلك، فإنَّه يَجُوزُ له الطَلاقُ إِذا تَيَقَّنَ انتقالَها مِن طُهْرٍ إلى آخر بِحسب عادَتِها، فلو وافَقَتْ حينئذٍ الحَيْضَ صحَّ. وفي حُكْمِه الحاضِرُ الذي لا يمكنُه العلمُ بها كالمحبوسِ.

قوله: «وهل يجوز أن تسجد؟». المرادُ بالجَوازِ هنا معناه الأعمُّ، وهو ما عدا الحَرامَ. والسَماعُ يَشْملُ الاستماع. والسجود واجب عليها مع الاستماعِ قَطْعاً، ومع السَماعِ المجرَّدِ على الأقوى.

قوله: «الكفّارة دينار في أوّله». المرادُ بالدينارِ هنا المِثْقالُ من الذَهَبِ الخالِصِ المضْرُوبِ. والمراد بأوَّلِ الحَيضِ ووَسَطِه وآخِرِه أجزاءُ مدَّتِه الثَلاثَةُ، بمعنى أن تُقَسِّم عادتها أو مجموعَ حَيضِها ثلاثةَ أقسام: فالثلثُ الأوّلُ أوّلُه، والثاني وَسَطُه، والثلثُ الثالِثُ آخِرُه.

قوله: «وكذا لو أدركت من آخرِ الوقتِ». المعتبر من أوَّلِ الوقتِ مُضِيّ قدرِ الصَّلاةِ وشَرائطِها المفقودَةِ، ومن آخرِه قدرُ ركعةٍ مع الشَرائطِ.

[غسل الاستحاضة والنفاس]

قوله: «ولو كان عَبِيطاً». العَبِيط - بالعَينِ والطاءِ المهمَلَتَينِ - الأحمر الطرِيّ (1).

قوله: «لزمها إبدالها». وغَسْلُ ما ظَهَرَ من الفَرْجِ.

قوله: «وإذا فعلت ذلك، صارت طاهراً». بمعنى أنَّها تَسْتَبِيحُ ما تَسْتَبِيحُه الطاهرُ، لا أنَّها طاهرٌ بالفعلِ.

قوله: «أو انقضاء العَشَرَة». فمع تجاوُزِ العَشَرَةِ يكونُ الزائدُ استحاضةً. ثمَّ إن كانت

ص: 575


1- كما في الصحاح، ج 2، ص 1142، «عبط».

مُبْتَدِئَةً أو مُضْطَرِبَةً [فالعَشَرَة] نِفاسٌ، وإن كانت ذاتَ عادةٍ مُسْتَقِيمَةٍ في الحَيْضِ، رَجَعَتْ إليها. وحُكْمُها في الاستظهارِ بَعْدَ العادَةِ كالحائِض.

[أحكام الاحتضار]

قوله: «استقبال الميّت بالقبلة على أحوط القولين». الوُجُوب قَوِيٌّ.

قوله: «وباطن رجليه إليها». بِحَيْثُ لو جَلَسَ كان وَجْهُهُ إليها.

قوله: «نقله إلى مصلّاه». إن عسر خُرُوجُ رُوحِه، والمراد بالمصلّى ما كان معتاد الصلاة فيه أو عليه.

قوله: «إن مات ليلاً». و كذا إن مات نهاراً وبَقِيَ إلى اللَيلِ.

قوله: «إلّا مع الاشتباه». فَيُسْتبْرَأَ بِعَلاماتِ المَوتِ، مثلُ انخسافِ صُدْغَيه، ومَيلِ أنْفِه واِمتِدادِ جِلْدِه، وانخِلاعِ كفِّه من ذِراعِه، واستِرْخاءِ قَدَمَيه، أو يصبر عليه ثلاثة أيّامٍ.

[غسل الميّت]

قوله: «كفت المرّة بالقَراح». الأصحُّ أنّ الغَسْلَةَ لا تَسْقُطُ بِفَواتِ مَا يُطْرَحُ فيها.

قوله: «و يُفتَق جيبه». بإذنِ الوارِثِ البالِغِ الرَشيدِ.

قوله: «وتُستر عورته». بل يَجِبُ، إلّا أن يَثِقَ الغاسِلُ من نَفْسِه بكفِّ النظر وأمْنِ النَظَرِ، أو كونُه غيرَ مُبْصِرٍ، أو كُونُ الميِّتِ طِفْلاً له دُونَ ثَلاثِ سِنِينَ، فإنّ السترَ في جَمِيعِ ذلك مستحبّ، استِظهاراً من الغَلَطِ.

[الكفن]

قوله: «مئزر». يشترط في المِئزَرِ أن يَسْتُرَ ما بين السُرَّةِ والرُكبَةِ، وفي القَمِيصِ وُصُولُه إلى نِصْفِ الساقِ.

قوله: «ممّا تجوز الصلاة فيه». ولا يجوز في الجِلْدِ وإن جازت الصلاةُ فيه.

ص: 576

قوله: «وخرقة لفَخِذيه». وتسمّى الخامسةَ، طولُها ثلاثُ أذرعٍ ونِصْفِ في عَرْضِ شِبْرٍ ونصفٍ تقريباً.

وكيفيَّة شدّها أن يعمل بَنْدَين ويَرْبِطهما في وَسَطِه ويُدْخِل تحت البَنْدَين الجانب الآخر، ثمّ يلفُّ بِما بقي منها فَخِذَيه لَفّاً شَدِيداً بغيرِ تكرير حتّى ينتهيَ، فيُدْخِل الطرفَ تحتَ الحاشيةِ.

قوله: «وعِمامة». لا تَقْدِيرَ للعِمامَةِ طولاً ولا عرضاً، بل بما يَتَأدّى به الغرضُ المطلوبُ منها مع صدقِ الاسمِ عليها عرفاً.

قوله: «وتزاد المرأة لِفافَة أُخرى». لا تَقْدِيرَ لهذه اللِفافَةِ طولاً ولا عرضاً، بل ما يَتَأدّى به الغرضُ المطلوبُ منها.

قوله: «ونَمَطاً». النمط: ضربٌ من البسطِ، والجَمْعُ أنماط. قاله الجوهري (1). وزاد بعضُ أهلِ اللُغَةِ: أنّ له خَمَلاً رَقِيقاً (2).

ومحلُّه فَوقَ الجَمِيع، ومع عَدَمِه تُبَدَّلُ لِفافَة أُخرى.

قوله: «وإلّا فمن الخِلاف». الخِلافُ بكسر الخاءِ وتخفيفِ اللامِ. فإن فُقدَ فمن الرمّانِ، ومع فقدِه ينتقلُ إلى الشجرِ الرطبِ. والمشهور (3) كونُ طولِ كلِّ واحدةٍ قَدْرَ عَظْمٍ ذِراعِ الميِّتِ تقرِيباً.

[الدفن]

قوله: «فلو كان في البَحْر». المرادُ بالبَحْرِ ما يَعُمّ الأنْهارَ العَظِيمَةَ كالنيل. ويُشْتَرَط في الساترِ كُونُه ثقيلاً بِحَيْثُ يَنْزِلُ في عُمْقِ الماءِ، فلا يكفي الصُنْدُوقُ من الخَشَبِ الذي يَبْقى على وَجْهِ الماءِ، ويَجِبُ الاستقبالُ به حين الإلقاءِ، كالدفنِ.

ص: 577


1- الصحاح، ج 2، ص 1165، «نمط».
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 119، «نمط».
3- نقله عن فاضل الميسي العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 43.

قوله: «وتربيعها». وهو حَمْلُها من جَوانِبِها الأرْبَعِ كَيْفَ اتَّفَقَ، والأفْضَلُ البَدْأَةُ بِمُقَدَّمِ السَرِيرِ الأيمنِ، والخَتْمُ بالأيسرِ دَورَ الرَحى.

قوله: «وأن يُجْعَلَ له لَحْدٌ». المراد باللحدِ: أن يُحْفَرَ في حائِط القبرِ الذي يَلِي القِبْلَةَ بَعْدَ الوصولِ إلى منتهى القَبْرِ مكاناً مُسْتَطِيلاً بِحَيْثُ يمكن وَضْعُ الميِّتِ فيه على الوجهِ المُعْتَبَرِ، وهذا في الأرضِ الصلْبَةِ، أمّا في الرخوَةِ فالشقّ أفضل، والمراد به أنْ يُحْفَرَ في قَعْرِ القَبْرِ شَقّاً يُشْبِهُ النَهْرَ فَيُوضَعَ فيه الميِّتُ، ويُسَقَّفَ عليه بشيء.

قوله: «ويُهيل الحاضرون». أي يَرْمُون التَرابَ.

قوله: «مُرَبَّعاً». مقدار أَرْبَع أصابعَ مُفَرَّجاتٍ إِلى شِبر.

قوله: «يُلَقِّنه الوليّ». أو مأذونه.

قوله: «وتجديده». بالجيم والحاء والخاء، فالأوَّل بعد اندِراسِه وانمحاءِ أَثَرِه عن وجه الأرض، سواء اندَرَسَت عِظامهُ أم لا، إلّا أن يكون في أَرْضِ مُسَبَّلَةٍ وتَنْدَرِس عِظامُه، لا يجوز تَجْدِيدُه حينئذٍ.

والمراد بالثانى تَسْنِيمُه. وبالثالثِ الشَقُّ، أي شَقُّه ثانياً ليُدْفَن فيه ميِّت آخر، هذا إذا أُعدَّ لذلك، وإلّا حرمَ.

وينبغي استثناء قبورِ الأنبياءِ والأئمَّةِ علیهم السلام والعلماء ونَحْوهِم من الأوَّلِ؛ لما في تجدِيدها وإصْلاحِها من تعظيم شعائِر الله، ولإطباق السلفِ والخلفِ عليه.

قوله: «ودفن مَيِّتَينِ في قبرٍ واحدٍ». ابتداءً، أو مع إعْدادِه لِدَفْنِ جَماعَةٍ، أمّا لو دُفِنَ الميِّتُ في غير ذلك لم يجز نبشه لدفنِ آخرَ إلّا أن يندرِسَ.

قوله: «كفن المرأة على زَوجِها». دواماً ومتعةً، شَرَطَت عليه في المُتْعَةِ النَفَقَةَ أم لا وإن كانت في حالِ الحياةِ ناشِزاً؛ لعدم ثُبُوتِ كونِ ذلك تابعاً لوُجُوبِ النَفَقَةِ بالحَياةِ.

قوله: «لا يجوز نَبْشُ القَبْرِ». يَجُوزُ نَبْشُ القَبْرِ في مواضِعَ خَمْسَةِ:

أ: إذا صار المَيِّتُ رَميماً، ويَخْتَلِفُ ذلك بحسب التُرَبِ والأهْوِيَةِ، ومَتى عُلِمَ صَيْرُورَةُ الميِّتِ رَمِيماً حَرُمَ تصوِيرُ القبرِ بصورة المقابر في الأرض المُسَبَّلَةِ؛ لما في ذلك من

ص: 578

المَنْعِ من التَهَجّمِ على دَفْنِ غَيرِه مع سُقُوطٍ حَقِّه.

ب: إذا دُفِنَ الميِّتُ في أرضِ مَغْصُوبةٍ وإن أدّى إلى هَتْكِه.

ج: إِذا كُفِّنَ فِي ثَوبِ مَغْصُوبِ.

د: إذا وقَعَ في القبر ما لَه قيمةٌ.

ه-: لِيُشهد على عَيْنِه، ليُؤخَذَ من تَرَكَتِه قِيمَةُ ما أَتْلَفَ، أو لتعتدَّ زوجتُه عِدَّةً أو ليُقَسَّمَ ميراثُه، ونحو ذلك.

قوله: «وفيه الصدر». وكذا القلبُ وجَمِيعُ عِظامِ الميِّت.

قوله: «ويُغَسَّل الرجل مَحارِمَه». المرادُ مَنْ يَحْرُمُ نِكاحُهُ مؤبَّداً بِنَسَبٍ أو رِضاعٍ أو مُصاهَرَةٍ.

قوله: «وكذا يجب الغسل بمسِّ قطعة فيها عظم». ولو مَسَّ الشعرَ أو الظُفْرَ أو السِنَّ وإنْ اتَّصلا، فلا غُسْلَ عليه.

[الطهارة الترابيَّة]

قوله: «كالبَرْد». لابدَّ من تَقْيِیدِ البَرْدِ بما يَخافُ معه الضَرَرُ من مرضٍ أو شَينٍ، وإلّا فلا يُبيحُ التَيَمّمَ للمَشَقَّةِ خاصَّةً.

قوله: «ما لم يضرّ في الحالِ». أي في حالِ المُكَلَّفِ ولو كان في المآل.

قوله: «وخشي العطش». المُرادُ عطشُه أو عطشُ رَفِيقِه المحترمِ، وكذا كلّ حيوانٍ له حُرْمَةٌ. والمرادُ بخَوفِ العطشِ في الحالِ أو في زمانٍ مُرْتَقَبٍ لا يحصلُ فيه الماءُ عادةً.

قوله: «ومعه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها وتَيَمَّمَ». وفي حكمِه الغُسْل. ووجه تقدِيم الإزالةِ أنّ للماء بدلاً وهو الترابُ، بخلاف إزالة النجاسة. فعلى هذا الطهارةُ لا تَتَجَزَّأ، خلافاً للعامَّةِ (1)، فإنَّهم يتجزَّؤون في طهارَتِهم بعض الأعضاءِ يغسلونَها وبعض يُیَمِّمُونَها.

ص: 579


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 270، المسألة 336؛ المجموع شرح المهذّب، ج 1، ص 268؛ حلية العلماء، ج 1، ص 252.

قوله: «كالحيّ العاجز». أي العاجز بكلِّ وجهٍ حتّى عن وصولِ يَدَيه إلى وجهه، فإنّ الحيَّ العاجِزَ مع القُدْرَةِ على المَسْحِ بِيَدَيه يَتَعَيَّن، بخلاف الميِّت.

قوله: «ويكره بالسبخة». السبخة: أرضٌ مالحةٌ نَشّاشةٌ.

قوله: «بغُبار الثوب واللبدِ وعُرْفِ الدابَّة». نعم، هذه الثلاثةُ ونحوها، ويتَحَرّى الأكثر منها تراباً.

قوله: «أحوطهما التأخير». الأصحُّ وجوبُ التأخيرِ مطلقاً.

قوله: «اختصاص المَسْحِ بالجَبْهَةِ». والجَبِينَينِ، والأولى مسحُ الحاجِبَيْنِ.

قوله: «فإن أخلَّ». الأقوى البطلان بالإخلال بالطلب مع سعَةِ الوقتِ مطلقاً.

قوله: «وهناك ماء يكفي أحدهم». إن كان ملكاً لأحدِهم تَعَيّنَ صَرْفُه إليه، وإن كان مباحاً و استووا في إثباتِ اليدِ عليه وقَصُرَ نَصِيبُ كلّ منهم عن الغَرَضِ المُتَعَلَّقِ به، ويَئِس من حُصُولِ ما تَتِمّ به الطَهَارَةُ، أو بَذَلَ الماءَ باذلٌ للمحتاجِين، استحبّ تَخْصِيصُ الجُنُبِ به على أصحِّ القَولَينِ، ولوكان الماءُ منذوراً للأحوجِ، وَجَبَ صَرْفُه إلى الجُنُبِ على الأصحِّ، كما قلناه.

[النجاسات]

قوله: «ممّا يكون له نفس سائلة». وهو الدمُ الذي يَشْخبُ من عِرْقٍ.

قوله: «كلّ مسكر». مائعٍ بِالأصالَةِ.

قوله: «في نجاسة عرق الجنب من الحَرام». الجارّ في قوله «من الحرام». مُتَعَلِّقٌ بالجُنبِ لا بالعرق، أي الجنب من الحَرام عرقُه نجسٌ.

قوله: «وذَرْق الدجاج». مثلَّث الدال، والفتح أفصح، ولم يذكر الجوهري (1) غَيرَه، والباقي مذكور في تهذِيبِ الأسماءِ والأحكام (2).

ص: 580


1- الصحاح، ج 1، ص 313، «دجج».
2- لم أعثر على هذا الكتاب.

قوله: «عن الثوب والبدن». وعن الأواني؛ لاستعمالها فيما يَتَوَقَّف على الطهارَةِ، وعن الضرائِح المقدَّسَةِ والمصاحِفِ والمساجدِ وآلاتِها.

قوله: «وقد عفي عمّا دون الدرهم سعة». قُدِّرَ الدِرْهَمُ بسعَة أخمصِ الراحَةِ وهو المنخفضُ منها، وبعَقْد الإبهام العليا، وبِعَقْدِ السبّابة، والكلّ جائز.

قوله: «ولو كان متفرِّقاً». الأصحّ أنَّ المتَفَرِّق يُقدَّر مجتَمِعاً. فإن لم يَبْلُغ الدِرْهَمَ عُفِي عنه، وإلّا فلا.

قوله: «وألحق الشيخ به دَمَ الاستحاضة والنفاس» (1). ودَمَ المَيتَةِ ونَجِسِ العينِ.

قوله: «عن دَمِ القروح والجروح التي لا تَرْقأ». أي لا تَنْقَطِع، ومثلُه ما انقطعت زماناً لا يَسَعُ الصلاةَ، والأقوى العفو عنها إلى أن تبرأ.

قوله: «وإن كان يابساً رُشَّ الثوب بالماء». الرَشُّ هو إصابةُ الماءِ للمحلِّ مِن غَيرِ انفصالٍ. والغَسْلُ إصابَتُه مع الانفصالِ.

والصبُّ كالرشِّ، إلّا أنّه يُشْتَرَطُ في الصبِّ استيعابُ الماءِ للمحلِّ النَجِسِ دُونَ الرَشِّ.

قوله: «أشهر هما (2) أنَّ عليه الإعادة». في الوقتِ وخارجِه.

قوله: «أشبههما (3) أنّه لا إعادة». بل يُعِيد في الوقتِ.

قوله: «في أثناء الصلاة أزالها وأتمَّ». بنَاءً على ما اختاره من عَدَمِ إعادة الجاهل في الوقت، وإِلّا وَجَبَ القَطْعُ مع إدراكِ رَكْعَةٍ في الوقتِ مطلقاً، ولو احتمل وُجُودَها حينَ الرُؤيَةِ، طَرَحَه مع الإمكانِ، كما ذُكِرَ.

وله «المربّية للصبيّ». وكذا الصبيَّة. ولا فرق بين الولد المتَّحد والمتعدِّد، ويَلْحَق بها المُرَبِّي لهما أيضاً. وهذا إذا لم يمكن تحصيل غَيرِه بشراءٍ أو استئجارٍ. والرُخْصَةُ

ص: 581


1- النهاية. ص 51؛ المبسوط، ج 1، ص 61.
2- من الروايات المختلفة كما في كشف الرموز، ج 1، ص 113؛ والمهذّب البارع، ج 1، ص 244 - 245 .
3- أشبه بأُصولنا كما في كشف الرموز، ج 1، ص 114؛ والمهذّب البارع، ج 1، ص 246 - 248.

مَخصُوصَةٌ بنجاسَةِ الثَوبِ ببولِ الولد، فلو نجسَ بغيرهِ لم يعف عنه. وكذا البدنُ يَجِبُ غسلُه وإن نجسَ بِبولِ الولدِ.

قوله: «من لم يتمكّن من تطهير ثوبه ألقاه وصلّى عرياناً». الأجود أنَّه يتخيَّر بين الصلاة فيه وعارياً، والصلاة فيه أفضل.

قوله: «الشمس إذا جفَّفت البول أو غيره عن الأرض». وتُطَهِّر ما لا يُنْقَلُ عادةً، كالأبوابِ المُثْبَتَةِ.

قوله: «وتطهِّر الأرض». وتُشْتَرَطُ طهارةُ الأرضِ ومنها الحجر، ولا يُشْتَرَطُ المشي.

قوله: «وقيل في الذَنوب». بِشَرْطِ كونِها كرّاً، وإلّا فلا.

[الأواني]

قوله: «وفي المفضّض قولان». نعم، ويجب اجتنابُ موضِعِ الفِضَّةِ.

قوله: «ما لم تعلم نجاستها بمباشرتهم لها». ليس العلم منحصراً بالمشاهدةِ بالبصرِ، بل هو أقسامٌ، كالمتواتراتِ والخبر المحفُوفِ بالقَرائنِ، كما حُقِّقَ في محلِّه، بل هذان القسمان أقوى من البَيِّنَةِ؛ لأنَّهما من أقسامِ العلمِ، والبيِّنةُ الشرعِيَّةُ إنّما تفيدُ الظنَّ،فتدبَّر.

قوله: «من الوُلوغ». الوُلُوغُ: شُرْبُ الكَلْبِ ممّا فى الإناءِ بِلِسانِه (1)، ويَلْحَق به لَطْمُه الإناء، دون مباشَرتِه له بباقي أعضائه ومباشرتِه غير الإناء فإنّها كسائرِ النجاساتِ.

ص: 582


1- كما في الصحاح، ج 3، ص 1329، «ولغ».

كتاب الصلاة

[عدد النوافل]

قوله: «ونوافلها: أربع وثلاثون ركعة على الأشهر في الحضر». وروي: تسع و عشرون (1) بنقيصة أربعٍ من سنَّةِ العصر والوتيرة، و روي عن الصادق علیه السلام سبع وعشرون (2) فاقتصر من سنَّة المغرب على ركعتَين مع سقوطِ ما مَرَّ في الدروس (3).

قوله: «تُعدّانِ بواحدة» لأنّهما تُصلَّيانِ من جلوس، وثواب الجلوس نصف ثواب القيام. ويجوز فعلهما من قيامٍ، والأوّل أفضل.

قوله: «وفي سقوط الوتيرة قولان». السقوط قويّ.

[أوقات الصلاة]

قوله: «اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها». المَرْجِع في قَدْرِ أدائِها إلى حالِ المصلِّي في الخِفَّةِ والبُطْء، والقصر والتمام، وحصول الشرائط قبل الوقت وعدمه، حتّى لو كان في حال شدّةِ الخوف فاختصاص الظهر بركعَتَين بالتسبيحات الأربعِ.

تنقيح: قال المفيد: آخر وقت العصر أن يتغيَّر لون الشمس باصفرارها للغروب،

ص: 583


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 6، ح 11؛ الاستبصار، ج 1، ص 219 - 220، ح 777.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 7، ح 12.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 57 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

وللمضطرّ والناسي إلى مغيبها (1).

قال الشيخ: آخره أن يصير ظلّ كلِّ شيء مِثْلَيه. واختاره ابن البرّاج وسلّار (2).

تنقيح: قال المفيد: آخر وقت العشاء الآخرة ثلث الليل. وكذا الشيخ في الخلاف (3). ونُقل عن بعض فقهائنا - أظنّه أبا جعفر بن بابويه - أنّ آخره طلوعُ الفجرِ (4).

تنقيح: قال الشيخ وابن بابويه والمرتضى في أحدِ قولَيه: آخر وقت المغرب غيبوبةُ الشفقِ المغربي للمختار، وللمضطرِّ إلى رُبعِ الليلِ (5).

تنقيح: المراد بالأقدام الأسباع بمعنى أنّ وقتَ نافلةِ الظهرِ يمتدّ إلى أن يزيدَ الظلُّ قدرَ سبعي الشخص زيادةً على الموجود منه عند الزوال، والأصحّ امتدادُ نافلةِ الظهرِ إلى أن يزيدَ الظلُّ بقدرِ الشخصِ، والعصر إلى أن يزيدَ قَدَرَه مرّتين.

قوله: «يعلم الزوال بزيادة الظلّ». هذا بالنسبة إلى أهل الموصل، أو حدوثِه بعدَ عدِمِه، كما في مكَّةَ وصنعاءَ.

قوله: «ممّن يستقبل القبلة». أي قِبْلَةَ أهلِ العِراقِ، ولا فرق في ذلك بین مكَّةَ وغيرِها.

قوله: «ويعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقيّة». وهي من سهيل إلى الجَدْي إلى قِمَّة الرأسِ.

قوله: «إلّا لشابّ تمنعه رطوبة رأسه أو مسافر». يَعْسُرُ عليه القيامُ بِسَبَبِ التَعَبِ، ومثلُهما فى جواز التقديم خائفُ البَرْدِ والجَنابَةِ ومُريدُها حيثُ يَعْسُرُ عليه الغُسْلُ ليلاً.

ص: 584


1- المقنعة، ص 93.
2- الخلاف، ج 1، ص 259 - 260، المسألة 5؛ المبسوط، ج 1، ص 112؛ المهذّب، ج 1، ص 69؛ المراسم، ص 62.
3- المقنعة، ص 93؛ الخلاف، ج 1، ص 264 - 265، المسألة 8.
4- نسبه في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 253 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6) إلى ظاهر الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 335 ح 1031.
5- المبسوط، ج 1، ص 115؛ الفقيه، ج 1، ص 219، ذيل الحديث 657؛ المسائل الناصريّات، ص 193، المسألة 73، وفيه: وآخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة، وروي ربع الليل.

قوله: «إذا تلبّس بنافلة الظهر ولو بركعة». الظاهر أنَّ المراد بالركعة ما كَمُلَ رُكُوعُها وسُجُودُها.

قوله: «بدأ بالعشاء». إذا كان قد صلّى ركعتين، فلا يشرع فيما بقي، وإن كان في خِلال الركعتين لم يقطعهما على الأفضل.

قوله: «زاحم بها الصبح». وكذا يزاحم بالشَفع والوترِ إذا أدرك الأربع. وتتحقَّق الأربعُ بالفَراغِ من السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها.

قوله: «ما لم يدخل وقت الفريضة». تستثنى من ذلك نافلةُ الظُهرَين والغَداةِ، والأصحّ جواز النافلة في وقت الفريضة مطلقاً ما لم تضرّ بها.

قوله: «وقيامها نصف النهار». المراد بقيامها انتهاء ارتفاعها المعلوم بانتهاء نقصان الظلِّ.

قوله: «وبعد الصبح». إلى طلوع الشمس.

قوله: «والعصر». إلى الغروب (1).

قوله: «عدا النوافل المرتَّبةِ». المراد حيث تكون هناك نوافل مرتَّبة كما في يوم الجُمُعَةِ على ما يأتي، وكما في نافِلَةِ العصر إذا جَمَعَ مع الإمام.

قوله: «الأفضل في كلِّ صلاة». لا خلاف في أنَّ لكلِّ صلاة وقتَين.

قال الشيخان وابن أبي عقيل وأبو الصلاح: الأوّل للمختار والثاني للإجزاء (2).

قوله: «إلّا ما نستثنيه في مواضعه» تستثنى مواضع: تأخيرُ المغربِ والعِشاء للمُفِيضِ من عَرَفةَ حتّى يصلَ المشعر ولو تَربَّعَ الليلُ أو تَثَلَّثَ، وتأخير المستحاضةِ الظهرَ إلى آخرِ وقتِها لتصلِّي العصر بعدها في أوَّل وقتها جامعةً بينهما بغسلٍ، وكذا المغربَ والعشاءَ، والجمعُ بين الظهرين يومُ الجُمُعَةِ وبعَرَفَةَ، وتأخير الفريضة

ص: 585


1- لتوضيح المطلب راجع مختلف الشيعة، ج 2، ص 74، المسألة 22؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 34 - 36.
2- المقنعة، ص 94؛ المبسوط، ج 1، ص 112؛ الخلاف، ج 1، ص 271، المسألة 13؛ حكى قول ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 31، المسألة 1؛ الكافي في الفقه، ص 137.

المتقدّمة عليها نافلتها حتّى يصلِّي النافلة، ولانتظارِ الإمام ما لم يُطِل، وتأخيرِ التيمّم إلى آخر الوقت، وكذا مَنْ على بدنِه أو ثوبِه نجاسة لا يمكنه إزالتها في أوَّل الوقت، ونحو ذلك.

[القِبلة]

قوله: «مُومِئاً إلى البيت المعمور». في السماء الرابعة.

قوله: «فأهل المشرق». المرادُ بهم أَهلُ العِراقِ.

قوله: «والجَدْي». حالَ ارتفاعِه أو حالَ انخفاضِه. ولو لم يكن كذلك، كانت العلامةُ لقطبَ، وهو نجمٌ خفيّ بين الجَدْي والفَرْقَدَين.

قوله: «يصلِّي إلى أيّ جهة شاء». إن لم يَسَع الوقت إلّا جهةً واحدةً، وإلّا وجب الممكن، وكذا القولُ في الضَرُورَةِ.

قوله: «ومَن ترك الاستقبال عمداً أعاد». في الوقت وخارجه.

قوله: «ما كان بين المشرق والمغرب». بالنسبَةِ إلى قبلةِ العِراقي، ولو قال بدَلَهما: اليمينِ واليسارِ، كان أشمل؛ ليدخل فيه أهلُ باقيِ الجَهاتِ.

قوله: «ما صلّاه إلى المشرق والمغرب». بل إلى اليمين واليسار.

قوله: «ورخّص في النافلة سفراً». ولو كان إلى ما دونَ المَسافَةِ، وكذا رخّص في ذلك للماشي وإن لم يكن مسافراً، وقبلته طريقه، ويُومِئ برأسه للركوع والسجود، ويَزِيدُ للسجودِ انحناءً.

[لباس المصلِّي]

قوله: «وتجوز في الخزِّ الخالص». الخزّ: دابَّة ذاتُ أربعٍ تُصادُ من الماءِ (1)، وذَكاتُها

ص: 586


1- الخزّ: اسم دابّة ثمّ أطلق على الثوب المتّخذ من وبرها. المصباح المنير، ص 168، «الخزّ».

إخراجُها من الماء حيَّةً كالسمك، وإِنَّما تُشْتَرَطُ التَذْكِيَهُ في جِلْدِها، أمّا وَبَرُها فتجوز الصلاةُ فيه مطلقاً (1).

قوله: «وفي التِكّةِ والقَلَنْسُوَةِ من الحرير تردّد». الأقوى أنَّ كلَّ حريرٍ ممّا لا تتمّ الصلاةُ فيه تجوزُ الصلاةُ فيه.

قوله: «ولا بأس بثوب مكفوف به». بأن يُجْعَلَ في رؤوسِ الأكمامِ والذيلِ وحول الزِيق، وكذا تجوز اللبِنَةُ منه وهي الجَيْبُ. وقُدِّر نِهايَةُ عَرْضِ ذلك بأربعِ أصابعَ مضمومةً من مستوِي الخِلْقَةِ.

قوله: «ولا في ما يستر ظهر القدم». الأصحّ الجواز فيه على كَرَاهِيَةٍ.

قوله: «ما عدا العِمامة والخُفّ». والكساء، والصلاةُ في هذه الثَلاثَةِ إذا كانت سوداً ليست مكروهةً، لا أنَّها مستَحَبَّة، وإنّما المستحبّ الأبيض إلّا في النعلِ، فتستحبّ الصَفْراءُ.

قوله: «وأن يشتمل الصمّاء». هو أن يَلْتَحِف الإزارَ ويُدْخِل طَرَفَيه تحتَ يَدِه، ويَجْمَعُهما على مَنْكِبٍ واحدٍ.

قوله: «وفي ثوب يُتَّهَمُ صاحِبُه». بالنجاسة أو الغَصْبِيَّةِ في لباسه.

قوله: «ويكره للرجال اللثامُ». إذا لم يَمْنَع القِراءةَ، وإِلَّا حَرُمَ.

قوله: «وأن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه». كالتصريح في لُبْسِه في الصلاةِ، أو في اللُبسِ مطلقاً، ولا يكفي شاهد الحال هنا كما في المكان(2).

قوله: «بكلِّ ما يَسْتُرُ العَورةَ كالحشيش». إنّما يجوز الاستتار بالحشيش والورق عند تعذّرِ الثوبِ، وبالطِّينِ عند تعذّرِ الحَشيشِ والورقِ، فإن تَعَذَّرَ جميعُ ذلك، استتر بالماءِ الكَدِرِ ثُمَّ بالحَفِيرَةِ.

ص: 587


1- قال الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 178؛ لا خلاف في وبره [الخزّ]، وفي جلده تردّد، والحقّ جوازه.
2- أي كما يكفي شاهد الحال في المكان كما في الصحاري والحمّامات.

قوله: «يصلِّي جالساً مُومِئاً للركوعِ والسجود». برأسه في الحالَينِ، ولا يَجِب في حالةِ القيام الجلوسُ حالةَ الإيماءِ للسجود على الأصحِّ، نعم، يجب الانحناء إلى حدّ يأمن معه بروزَ العَورةِ ولا تَجُوز زيادتُه على ذلك، وينبغي مُقابَلةُ حائطٍ ونحوهِ؛ ليضع الأعضاء السبعة حالةَ الإيماءِ للسجود [عليه].

[مكان المصلِّي]

قوله: «أو مأذوناً فيه». ويكفي الإذنُ بشهادةِ الحالِ به كما في الصحاري والحمّامات ونحوهما.

ولو أَمَرَه المالكُ الآذنُ بالخروج قبل الدخول في الصلاةِ، تشاغل بالخروج، ومع الضيق يَخْرُجُ مصلِّياً، ولو صلّى من غيرِ خروجٍ لم تصحّ، وكذا الغاصب.

قوله: «ولو كانا في مكان لا يمكن فيه التباعد». ولو ضاق الوقت و لم يكن إلّا الاقتران زال التحريم أو الكَراهَةُ.

قوله: «صلّى الرجل أوّلاً». إن كان المكان مباحاً أو ملكاً للرجل، ولو كان ملكاً لها، تخيَّرت مع سعةِ الوقت.

قوله: «إذا لم تتعدّ نجاسته». إذا تعدَّت على وَجْهِ لا يُعْفى عنه، وإلّا لم تضرّ، كما لو وَقَعَت ابتداءً.

قوله: «عدا موضع الجبهة». المرادُ به القَدْرُ المُعْتَبَرُ منها وهو مسمّاه، لا جَمِيعُ ما يَقَع.

قوله: «إذا لم تَتَمكَّن جَبْهَتُه من السجودِ». المرادُ به كمالُ التمكّنِ مع حصولِ القدرِ المجزِئ منه، وهو ما يَحْصُلُ معه الاستِقْرارُ.

قوله: «وبين المقابِرِ». وإليها ولو قَبْرٍ واحدٍ.

قوله: «في جوادِّ (1) الطُرُق». مع عدمِ تعطيل المارَّةِ، وإلَّا حَرُمَ وبَطَلَت الصلاةُ.

ص: 588


1- الجوادّ: واحدها جادّة وهي سواء الطريق ووسطه. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 245، «جود».

قوله: «وأن تكون بين يَدَيه نارٌ مُضْرَمَةٌ». ولو مِجْمَرٌ أو سِراجٌ.

قوله: «أو مُصْحَفٌ مفتوحٌ». للقارئ المُبْصِرِ، وكذا غيرُ المُصْحَفِ من الكتُبِ، ولا فرق بين الكلِّ والبعضِ.

قوله: «وقيل: تكره إلى باب مفتوح» (1). سواء كان داخلاً أو خارجاً.

قوله: «أو إنسانٍ مواجهٍ». أو امرأةٍ نائمةٍ.

[ما يُسْجَدُ عليه]

قوله: «وفي الكتّان والقطن». ولا فرق فيهما بين المَغْزُولَين وغيرِهما علی الأقوى.

قوله: «فعلی کفِّه». يجب كونُه على ظَهْرِه؛ ليَحْصُلَ الجَمعُ بين المسجدين.

قوله: «ولا بأس بالقِرطاس». إذا كان متَّخَذاً من جِنْس ما يصحُّ السجودُ عليه، فلو اتُّخِذ من الحريرِ أو القطنِ أو الكَتّانِ لم يجز.

[الأذان والإقامة]

فائدة: مَنْ أَذَّن لصلاةٍ واحدةٍ إيماناً واحتساباً وتَقَرّباً غَفَرَ الله له ما سَلَفَ من ذُنُوبِه، ومَنَّ عليه بالعِصْمَةِ فيما بقي من عُمْرِه، وجَمَعَ بَيْنَه وبين الشهداء في الجَنَّةِ (2).

عن الصادق علیه السلام: «مَنْ سَمِع من المؤذِّنِ الشهادَتَينِ فقال مثلَه - ثمّ قال : - أكتفي بهما عن كلِّ من أَبى وجَحَدَ وأُعِينُ بهما مَنْ أَقَرَّ وشَهِد، كان له من الأجرِ بِعَدَدِ الجَمِيعِ» (3) .

قوله: «والإسلام». والإيمان.

ص: 589


1- القائل هو أبو الصلاح، حكى عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 116. ولم نعثر عليه في الكافي في الفقه.
2- الفقيه، ج 1، ص 294، ح 905.
3- الفقيه، ج 1، ص 288، ح 891 بتفاوت.

قوله: «فالصبيّ يُؤَذِّن». إذا كان مُميّزاً.

قوله: «وتؤذِّن المرأة للنساء». وللمحارم من الرجالِ.

قوله: «وتُسِرُّ به المرأة». ولو جَهَرَت بِحَيْثُ لا تُسمِعُ الأجانِبَ صحَّ.

قوله: «وقيل: يجبان في الجماعة» (1). المرادُ بالوجوبِ هنا الشَرْطِيَّةُ في حُصُولِ الفَضِيلةِ لا في صحَّةِ الصلاةِ، بمعنى تَوَقّفِ ثوابِها عليهما، لا بمعنى بطلانِها بِتَرْكِهما.

قوله: «ويَجْمَعُ يوم الجُمُعَة بين الظهرين بأذان واحد». أعمّ من أن يكونَ يصلِّي الجُمَعَةَ أو لا، وكذا يَجْمَعُ يوم عَرَفَةَ بين الظُهْرَينِ بأذانٍ وكذا عشاءَي المَشْعَر، والأذان الثاني في الثلاثةِ بِدْعَةٌ.

قوله: «ما دامت الصفوف باقية». يتحقّق بقاء الصفوف بِبَقاء أحدٍ منهم مُعَقِّباً.

قوله: «ولو انفضّت». المراد بانفضاضِهم إعراضُهم عن التَعْقِيبِ وإن بقوا في مَوضِع الصلاةِ، كما لو اشْتَغَلُوا في حديثِ أهلِ الدنيا.

قوله: «حادراً». الحدرُ هو تَقْصيرُ الوقوفِ وإسراع الحروفِ (2).

قوله: «الترجيع». هو تَكرارُ الشَهادتينِ على المُوَظَّفِ (3)، والأصحّ تحريمُه لغير تقيَّةٍ.

قوله: «وقول: الصلاة خير من النوم». الأصحّ تحريمُه لغيرِ تقيَّةٍ إن اعتقدَ مشروعيَّتَه.

قوله: «اقتصر من فصوله على تكبيرتين وقد قامت الصلاة». المراد أن يَقولَ: قد قامت الصلاةُ مَرَّتَينِ، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله (4)، وإن كانت العبارةُ قاصرةً عن ذلك.

ص: 590


1- القائل هو المفيد في المقنعة، ص 97؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 142.
2- كما في النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 353، «حدر».
3- كما قال الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 288، المسألة 32؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 188؛ وكذلك في القاموس المحيط، ج 3، ص 40، «رجع».
4- كما ورد به الخبر راجع الكافي، ج 3، ص 306، باب بدء الأذان والإقامة ...؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 281، ح 1116.

[أفعال الصلاة]

قوله: «بالشرط أشبه». لتقدّمِها على أفعالِ الصلاةِ، فإنَّ أوَّلَها التكبِيرُ كما ورد في الخبر (1)؛ ولمصاحبتِها لجميع الصلاةِ ولو حكماً كباقي الشروط؛ ولأنّها لو كانت جزءاً، لافتقرت إلى نِيّة أُخرى.

[و] الفرق بين الشرطِ والجزءِ أنّ جزءَ الشيء ما يتوقّف عليه تمامُه، وشرطه ما تتوقَّف عليه صحَّتُه.

قوله: «ولو كان مخيّراً». بل يَجِبُ التَعْيِينُ مع التَخْيير.

[التكبير]

قوله: «مع الإشارة». بإصبعه.

قوله: «من غير مدّ». أي مدّ لا يُخْرِجُه عن مَوضُوعِه كمدِّ ألف «الله» التي بين الهاء واللام، أمّا مَدّ همزتِه (2) ومدّ «أكبر» (3) بِحَيْثُ يصير الأوَّل استفهاماً والثاني جَمعاً فإنّه مبطل، ولو لم يبلغ ذلك كان تركه مستحبّاً، كما ذكر.

[القيام]

قوله: «الاستقلال». المراد بالاستقلال أن يكون غير مسْتندٍ إلى شيء بحيثُ لو أُزيلَ السِنادُ سقط.

قوله: «مُضْطَجِعاً». على جانِبِه الأيمنِ، فإن تَعَذَّر فعلى الأيسر.

ص: 591


1- الكافي، ج 3، ص 69، باب النوادر، ح 2؛ الفقيه، ج 1، ص 33، ح 68؛ الجامع الصحيح، ج 2، ص 3، ح 238؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 101، ح 275.
2- أي مدّ همزة (ألله) بحيث يصير استفهاماً ك- (أ الله) فإنّه مبطل.
3- أي أشبع فتحة الباء بحيث صارت ألفاً فقال: (أكبار) فإنّه جمع كَبَرَ بفتح الكاف وهو الطبل له وجه واحد. راجع المصباح المنير، ص 524، «كبر» ؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 236.

قوله: «ويستحبّ أن يَتَربَّع». المراد بالتربِيعِ أَنْ يَجلِسَ على ألْیَیْه (1)كما تفعله المرأة في التَشَهّد، وبِثَنْي الرجلَينِ أن يَفْتَرِشَهما تَحْتَه، ويَعْتَمِدَ على صدورِهما بغيرِ إقعاءٍ، وبالتورّكِ أن يَجْلِسَ على وَرِكه الأيسرِ.

[القراءة]

:قوله «قَرَأ ما يُحسِن». فإن أحسَنَ الفاتحةَ اقتصر عليها، وإن أحسَنَ بعضَها خاصَّةً، فالأصحّ وجُوبُ التعويضِ عمّا جهلَه من غيرِها بقَدْرِه، فإن لم يُحْسِن غيرها كرّر ما يعلمه بقدرِها.

وتجبُ مراعاةُ الترتيبِ بين ما يعلمُ وما يُعوِّض به، فإن علمَ أوَّلَها عَوَّض أخيراً، وبالعكسِ، وهكذا.

قوله: «وإلّا سبّح الله». التسبيحَ المعهودَ في الأخيرَتَينِ.

قوله: «وأدناه أن يُسْمِع نفسه». الأقوى أنّ الجَهْرَ والإخفاتَ كيفيَّتان مُخْتَلِفَتانِ لا تَدْخُلُ إحداهما تحتَ الأُخرى.

قوله: «ولا تجهر المرأة». أي واجباً، فيجوز لها كلٌّ من الجهرِ والإخفاتِ في الجهريّةِ بشرطِ عدمِ سماعِ الأجنبي.

قوله: «وترتيل القِراءة». هو حفظ الوقوف وأداءُ الحروفِ.

قوله: «على قِصار المفَصَّل». المُفَصَّلُ من سورة «محمّد صلی الله علیه و آله و سلم» إلى آخرِ القرآن، وقِصاره من «الضحى» إلى الآخرِ، ومُتَوَسِّطاتُه من «عمَّ» إلى «الضحى» ومُطَوَّلاتُه الباقي.

قوله: «وكذا الشهادتين». وكذا سائر الأذكارِ.

قوله: «وقيل: يكره» (2). التحريمُ أقوى، وكذا في باقي أحوالِ الصلاةِ.

قوله: «وهل تعاد البسملة بينهما». الأصحّ وجوب البسملةِ بينهما، والأفضل ترك

ص: 592


1- والألية بالفتح... فإذا ثنّيْت قلت: أليان، كما في الصحاح، ج 4، ص 2271، «ألي».
2- أي التأمين، قال الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 156: حكى شيخنا (دام ظلّه) - أي المحقّق - في الدرس عن أبي الصلاح، الكراهية وما وجدته في مصنَّفه.

قراءَتِها في الفريضةِ خروجاً من خلافِ البسملةِ، سواء أتى بها أم لا.

قوله: «وروي: تسع» (1). التسع بإسقاط التكبير من الثلاثِ، والعَشْرُ بإتيانِه في الثالثة، والجميعُ جائزٌ إلّا التِسعَ.

[الركوع]

قوله: «أو سبحان الله، ثلاثاً». وروي عن الصادق علیه السلام في تسبيح الركوع والسجود [ثلاث و] ثلاون مَرَّةً (2).

وفي رواية حمزة بن حمران: أربع وثلاثون(3) ، وهو حسن للمنفرد مع إقبالِ القلبِ، وللإمامِ إن رضِي المأمومُ، وإلّا فلا يتجاوزُ الثَلاثَ، ويكرَه النقصانُ عنها مطلقاً إلّا لضرورة.

فائدة: إذا هوى إلى الركوع قبلَ الإمامِ فإن كان عامداً قبل فَراغِ الإمامِ من قراءتِه بطلت صلاتُه، وإن فرغَ منها، وجبَ عليه الاستمرار وأثِمَ بترك المتابَعَة، وإن كان ظانّاً أو ناسياً وجبَ الرجوعُ والركوعُ مع الإمامِ ثانياً، وصحَّت صلاتُه.

[السجود]

قوله: «وقيل: يجزئ: مطلق الذكر فيه و في السجود» (4). الأصحّ الاجتزاء فيه وفي السجود بمطلق الذكر المشتمل على الثناء وإن كان ما اختاره المصنِّف أحوط.

قوله: «والكفّين». الواجب في الكلِّ مسمّاه، ولا يجبُ الجمع بين الأصابع والكفِّ وإن كان مستحبّاً. الذكرى (5).

ص: 593


1- الكافي، ج 3، ص 319، باب القراءة في الركعتين الأخيرتين ...، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 98، ح 367.
2- الكافي، ج 3، ص 329، باب أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع ...، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 300، ح 1210.
3- الكافي، ج 3، ص 329، باب أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع ...، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 300، ح 1210.
4- القائل هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 182، المسألة 101؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 224.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 315 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

قوله: «وإبهامَي الرجلَين». ومع قُصُورِهما على باقي الأصابع.

قوله: «بما يزيد عن لَبِنَةٍ». هي قَدْرُ أربعِ أصابعَ مضمُومَةٍ من مستوِي الخِلقةِ، ويراعي ذلك في باقي المساجِدِ، فتبطلُ في الزيادةِ، وكذا لا يجوز أن يكون سافلاً لما يزيدُ عنها، ولا فرق فيهما بين الأرضِ المنحدرةِ وغيرها.

قوله: «سجد على أحدِ الجَبينَينِ» الأيمنِ، فإن تعذَّر فعلى الأيسرِ؛ لاستغراقِ الجبهةِ من المانعِ، أو لعدمِ تَمكّنِه من الحفيرةِ.

قوله: «وإلّا فعلى ذَقَنِه». ويَجِبُ فرقُ الشعرِ لتقعَ البشرةُ على الأرضِ مع الإمكانِ.

قوله: «وأن يُرْغِمَ بأنفِه». أي يلصقَه على الرَغامِ وهو الترابُ، والمعنى أن يسجدَ عليه كما يسجد على باقي الأعضاء، فتتأدّى الفضيلَةُ بوضعِه على ما يَصحّ السجودُ عليه وإن لم يكن تراباً. وإن كان التُرابُ أفضلَ.

قوله: «ويكره الإقْعاء». الإقعاءُ هو أن يعتمدَ على صدورِ قدميه، ويجعل أَلْيَيْه على عقبَيه.

[التشهّد]

قوله: «وآله». المرادُ به عليٌّ وفاطمةُ والحسنانِ علیهم السلام (1).

[السلام]

قوله: «أو: السلام عليكم ورحمة الله و بركاته». الأُولى جعل المخرِجِ «السلام عليكم» إلى آخرِه بادئاً ب-«السلام علينا» بِنِيَّةِ الاستحبابِ.

قوله: «ويُومِئ بِمُؤخِّرِ عَينه». الإيماءُ بعد التسليم، إن كان منفرِداً، أومأ بِمُؤخِّرِ عينِه، وإن كان إماماً أومأ بصَفْحَةِ وجهه.

وينوِي المنفرِدُ الأنبياءَ والأئمَّةَ والحَفَظَةَ ومسلمي الإنْسِ والجِنِّ، ويزِيدُ الإمامُ قصدَ

ص: 594


1- راجع تفسير القمّي، ج 2، ص 199 ذيل الآية 130 من سورة الصافّات (37)؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 320.

المأمومِ، والمأمومُ يزيد قصدَ الإمامِ بالأُولى، والثانيَةِ مَن علی ذلك الجانب من المأمُومِينَ.

[مندوبات الصلاة]

قوله: «التوجّه بِسَبْعِ تكبيراتٍ». وذهب في الذكرى (1) إلى استحبابِ التوجّهِ بالتكبيراتِ في جميعِ الصلواتِ، ولا بأسَ به.

قوله: «إلّا في الجُمُعَةِ». وإلّا في الوِتْرِ، فإنّ فيها قُنُوتَينِ قَبلَ الركوع وبَعْدَه.

قوله: «ولو نَسِيه قضاه بعدَ الركوعِ». فإن لم يَذْكُر حتّى هوى إلى السجودِ قضاه بعد التسليم، فإن لم يذكُر حتّى انصرف قضاه ولو في الطريق قائماً مستقبلاً .

قوله: «وأفضله تسبيح الزهراء علیها السلام». وهو أبلغُ في طلبِ الرِزْقِ من الضرب في الأرضِ (2)، وفي الحديثِ أنّ تسبيحَ الزهراء علیها السلام يعدلُ ألْفَ رَكْعَةٍ (3). ولو زاد في أثنائِه ساهياً حَذَفَ الزائد، وعامداً أعاد.

[المبطلات]

قوله: «والالتفات دَبْراً». سواء كان بجُملتِه أو بوَجهِه إذا أمكنَ بلوغُه حدَّ الاستدبارِ.

قوله: «وكذا القهقهة». وهي الضحكُ المشتملُ على الصوتِ، وإن وَقَعَتْ على وَجْهِ لا يمكن دفعُه كمقابلةِ ملاعبٍ.

قوله: «والفعل الكثير». المرجعُ فى الفعلِ الكثِيرِ إلى العرفِ، فما يُعَدُّ فاعلُه مُعرضاً عن الصلاةِ يُبْطِلُ وإن اتَّحد، كالوَثبةِ الفاحشةِ، وما لا يُخِلّ بذلك لا يبطِل وإن تعدَّد، كحركةِ الأصابع، والإشارةِ بالرأس، وخلعِ النعلِ، ولبسِ الثوبِ الخفيفِ، وقتلِ الحَيَّةِ

ص: 595


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 195 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- كما ورد في الحديث. راجع تهذيب الأحكام، ج 2، ص 104، ح 391.
3- الكافي، ج 3، ص 343، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء، ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 105، ح 399.

والعقربِ، ودَفعِ المارِّ، والخَطْوَتَيْنِ، أمّا الثَلاثُ فكثِيرةٌ، فإن توالتْ أبطلت، لا إن تفرّقت في الركعاتِ. الموجَز (1).

قوله: «والبكاء لأُمورِ الدنيا». احترز بذلك عن البكاءِ لأُمورِ الآخِرَةِ، فإنّه لا يُبْطِلُ الصلاةَ، بل هو من أفْضلِ الأعمالِ ما لم يَخْرُج عنه حرفان ك-«آه» من خَوفِ النارِ.

قوله: «وقيل: يقطعها الأكل والشرب» (2). الأصحّ أنَّهما لا يَقْطَعانِ إلّا مع الكَثِيرِ، فلو ابتلعَ ما بين أسنانِه لم يَضُرَّ، بخلاف تَناوُلِ اللُقْمَةِ ومَضْعِها واِزدِرادِها فإنّها أفعالٌ مُتَعَدِّدَةٌ.

قوله: «والشعر معقوص» (3). عَقْصُ الشَعْرِ: جَمْعُه في وَسَطِ الرأْسِ وشَدُّه.

قوله: «ويجوز للمُصَلِّي تَسْمِيتُ العاطِسِ». التَسْمِيتُ (4) - بالسِينِ المُهْمَلَةِ أو المعجمة - والمَعْنى على الأوَّلِ الدعاءُ لَه بأن يَجْعَلَه على السَمْتِ الحَسَنِ، وعلى الثاني بِنَفْي الشَوامِتِ.

قوله: «والدعاء في أحوالِ الصلاةِ»، ولو بالتَرْجَمَةِ مختاراً لنَفْسِهِ ولوالَديه وإخوانِه.

[صلاة الجمعة]

قوله: «وتُقضىٰ ظهراً». ضمير «تُقضىٰ» راجعٌ إلى وَظِيفَةِ الوقتِ، أي تُصَلّى وَظِيفَةُ الوقتِ ظهراً؛ لأنَّ وَظيفَةَ الوقتِ يَومَ الجُمُعَةِ الجُمُعَةُ أو الظَهْرُ، ومعنى القضاءِ الإتيانُ لا فِعْلُ الشيء خارِجَ وَقْتِه؛ لأنّ الجُمُعَةَ لا تُقضىٰ مع الفواتِ، فهو من قَبِيلِ قولِه تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوٰةُ) (5) ولا يجوز عودُ ضَمِيرِ «تقضى» إلى الجُمُعةِ؛ لأنّ القضاءَ لا يزيد على كمّيّةِ الأداءِ.

ص: 596


1- الموجز الحاوي، ضمن الرسائل العشر، ص 85.
2- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 173.
3- الصحاح، ج 2، ص 1046، «عقص»؛ وراجع المعتبر، ج 2، ص 260.
4- المصباح المنير، ص 287، «سمت».
5- الجمعة (62): 10.

قوله: «والوصيّة بتقوى الله». المرادُ بتَقْوى اللهِ أن لا يَفْقِدَ العبد حَيثُ أَمَرَه، ولا يراه حَيْثُ نَهاه.

قوله: «وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد». الوجوبُ قويّ.

قوله: «وفي جوازِ إيقاعِهما قبلَ الزوالِ روايتان». الأَولى كَونُهما بعد الزوالِ.

قوله: «ويستحبّ أن يكون الخطيب بَلِيغاً. بمعنى كونه قادراً على التَعْبِيرِ عمّا في نَفْسِه بِعِبارَةٍ فَصِيحَةٍ مع احتِرازهِ عن الإيجاز المُخِلِّ والتَطْوِيلِ المُمِلِّ.

قوله: «أن لا يكون بين الجُمُعَتَينِ أقلّ من ثَلاثَةِ أميالٍ». أقسامُ البَعِيدِ ثَلاثَةٌ:

الأوَّلُ: من يَجِبُ عليهم الحُضُورُ وإِنْ أمكَنَهم إقامَتُها عِنْدَهم، وهم الذِينَ بَيْنَهم وبينها أقلُّ مِن فَرْسَخٍ.

الثاني: مَن بين الفَرْسَخِ والفَرْسَخَينِ، وهؤلاء إن أمكَنَهم إقامَةُ الجُمُعَةِ عِنْدَهم تخيَّروا بَيْنَها وبَينَ الحُضُورِ، وإِلّا وَجَبَ عليهم الحُضُورُ.

الثالث: مَن زاد على الفَرْسَخَين إن أمكَنَهم إقامَتُها عِنْدَهم وجبت، وإلَّا سَقَطَتْ.

قوله: «يَحْرُمُ البَيْعُ بَعْدَ النداء». وكذا يَحْرُمُ غَيرُه من العُقُودِ والإيقاعاتِ.

قوله: «استحبّت الجُمُعَةُ». ليس المُرادُ إيقاعَها مُسْتَحَبّةً بالمعنى المُتَعارَفِ المُقابِلِ للواجِبِ، بل المُرادُ أنَّها أفْضَلُ الفَرْدَينِ الواجِبينِ - وهما الجُمُعَة والظهرُ - بمعنى أنَّه يَتَخَيَّرُ بينَ الجُمُعَةِ والظهرِ، والجُمُعَةُ أفضلُ، فعلى هذا يَنْوِي الوُجُوبَ وتُجزئ عن الظُهْرِ.

قوله: «التنفّل بعشرين ركعة». هذه العشرون هي نَوافلُ الظُهْرَينِ الستَّ عَشَرَة، وتَزِيدُ عليها أرْبَع ركعاتٍ للجُمُعَةِ، وَيَتَخَيَّر في النِيَّةِ بين أن يَنْوِيَ بالجميعِ نَوافل الجُمُعَةِ، و بين أن يَنْوي بالأربعِ خاصَّةً الجُمُعَةَ، ويبقى الباقي على أصلِه. ويجوز فعل الجميعِ يوم الجُمُعَةِ في أيِّ وقتٍ شاء مجتمِعاً ومُتَفَرِّقاً، وإن كان ما ذُكِرَ من التَفْرِيقِ أفضل.

قوله: «على سكينة ووقار». السَكِينَةُ في الأعضاء بمعنى اعتدالِ حَرَكاتِها. والوَقارُ في النَفْسِ بمعنى طُمَأْنِينَتِها وثباتِها على وجهِ يُوجِب الخُشُوعَ والإقبالَ على اللهِ.

ص: 597

[صلاة العيدين]

قوله: «العِيدَين». ولا فرق في العِيْدِ حالَ الغَيْبَةِ بين حُضُورِ الفَقِيه وعَدَمِه. ولا يُشْتَرَطُ التباعُدُ بين نَفلَيها بِفَرْسَخٍ، ولا بَيْنَ فَرْضِها وَنَفْلِها.

قوله: «وأن يَطْعَمَ قبلَ خُرُوجِه في الفطر». يَطْعَمُ - بِفَتْحِ الياءِ وسكونِ الطاء وفتح العين - مُضارعُ «طَعِمَ» بكسرها ك- «عَلِمَ يَعْلَمُ»، أي يأكُلُ. قوله: «وفي الثانية بالشمس». وروي أنَّه يقرأ في الأُولى «الشمس» وفي الثانية «الغاشية» (1) وكلاهما جَيِّدٌ، غَير أنَّ ما ذَكَرَه المُصَنِّفُ أَشهرُ والآخَر أَصَحّ إسناداً.

قوله: «إلّا بمسجد النبيِّ صلی الله علیه و آله و سلم». المرادُ أنَّ مَن كان بالمَدِينَةِ يُسْتَحَبّ له أن يَقْصِدَ المَسْجِدَ قبلَ خُرُوجِه فَيُصَلِّي فيه رَكْعَتَينِ، ثمّ يَخْرُج إِلى المصلّى.

قوله: «قيل: التكبير الزائد واجب» (2). المرادُ به تكبِيرُ القُنُوتِ، أعني التسْعَةَ [و] الأقوى وُجُوبُ التَكْبِيرِ والقُنُوتِ، وعَدَمُ انْحِصارِه في لَفْظِ مَخْصُوصٍ.

قوله: «فهو بالخيار في حضور الجمعة». لا فرق في التَخْيير بين أهل البلدِ وغَيرهم على الأقوى، ويجب على الإمام الحضور للجُمُعَةِ، فإن اجتمع معه تمامُ العَدَدِ، صلّاها، وإلّا سَقَطتْ عنه.

قوله: «وتقديمها بدعة». المرادُ بها أن يُدْخِلَ الإِنسانُ في الدِينِ ما ليس منه.

فائدة: ضابط كلّ صَلاةٍ تُصَلّى بالنَهارِ ولها نَظيرٌ بالليلِ فَوَظِيفَةُ النهارِيَّةِ السِرُّ واللَيليَّةِ الجَهْرُ، كاليَومِيَّةِ، وكصَلاة الخُسُوفِ، وصَلاة الكسوفِ سِرّاً والخُسُوف جهراً. وكلّ صَلاةٍ لا نَظِيرَ في الوَقْتِ الآخرِ لها فَوَظِيفَتُها الجَهْرُ، كالجُمُعَةِ والعِيدِ والزلزلةِ والاستسقاءِ.

وغَيرُها كان مخيَّراً فيها بين الجَهْرِ والإخفاتِ.

ص: 598


1- الكافي، ج 3، ص 460، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 129، ح 278.
2- القائل هو السيّد المرتضى في الانتصار، ص 171 - 172، المسألة 72؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 153 - 154.

[صلاة الكسوف]

قوله: «كسوف الشمس». يقال: كَسَفَتِ الشمسُ وخَسَفَ القمرُ. وقد يُطلَقُ الكُسُوفُ فيهما، وكذا الخُسُوفٌ.

قوله: «ووقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء» الأقوى يمتدّ وَقْتُها إلى تَمامِ الانجلاءِ، وهو خِيَرَةُ المصَنِّفُ في المعتبر (1).

قوله: «ويقضي لو علم وأهمل». فَيَجِبُ القَضاءُ. ويَثْبُتُ ذلك بِشَهادَةِ عَدْلَينِ، أو بشياعٍ يتاخم العِلْمَ.

قوله: «وسورةً إن كان أَتَمَّ في الأُولى». الحاصِلُ أَنَّه مُخَيَّرٌ بين قِراءَةِ سُورَةٍ كَامِلَةٍ بَعْدَ الحمدِ في كُلِّ ركعَةٍ - وهو الأفضل - فَتَجِبُ إعادة الحَمْدِ في كلِّ مرَّةٍ، وبين تَفْرِيقِ السُورَةِ على الخَمْسِ بِحَيْثُ يَقْرَأُ في كلِّ قِيامٍ مِن حَيْثُ قَطَعَ في الذي قَبْلَه، فيكفي في كلِّ قِيامِ آيةٌ، والحَمْدُ في الأوَّلِ خاصَّةً، وبين تَبْعِيضِ السُورَةِ في بَعْضِ الرَكَعَاتِ والإكمال في بَعْضٍ بِحَيْثُ تَتِمُّ له في الخَمْسِ سُورةٌ فصاعداً، ولا يَجِبُ إكمالُها في الخامِسِ والعاشِرِ إذا كان قد أكمل سُورَةً قَبْلَ ذلك في الرَكْعَةِ، ومتى أكْمَلَ سُورَةً في قِيامِ وَجَبَتْ عليه إعادَةُ الحَمْدِ في القيامِ الذي بَعْدَه، وكذا يَحِبُ الحمدُ للقيامِ إِلى الرَكْعَةِ الثانيَةِ مطلقاً.

قوله: «وأن يقنت خمسة قنوتات». يَتَرَتَّبُ على كلِّ مُزْدَوَجٍ، ويكفي على الخامِسِ والعاشِرِ، وأَقَلُّه على العاشِرِ.

قوله: «إذا اتّفق في وقت حاضرة». سواء تَضَيَّقَتِ الكُسُوفُ مع تَضَيّق الحاضِرَةِ أو لا، ولو تَضَيَّقَتِ الكُسُوفُ خاصَّةً، قُدِّمَتْ.

والحاصِلُ أنَّه مع تَوَسُّعِهما يَتَخَيَّرُ، ومع تَضَيّقِهما تُقَدَّمُ الحاضِرَةُ، ومع تَضَيّقِ إحداهما تُقَدَّمُ المُضَيَّقَةُ.

ص: 599


1- المعتبر، ج 2، ص 330.

[صلاة الجنازة]

قوله: تجب الصلاة على كلّ مسلم». احترز به عن الكافرِ الأصلِي، ومُنْتَحِلِ الإسلامِ من الفِرَقِ المحكُومِ بكفرِها، كالنواصِبِ والخَوارجِ والمُجَسِّمَةِ.

وأراد بحكمه وَلَدَه الطفلَ والمجنُون، ولَقيطَ دارِ الإسلامِ أو دارِ الكفرِ وفيها مُسلِمٌ صالحٌ للاستيلادِ. ويُشْتَرَطُ فى الوُجُوبِ إكمالُ السِتِّ.

قوله: «أولاهم بميراثه». الضابِطُ في التَرْتِيبِ أنَّ الوارِثَ أولى مِن غيرهِ من ذي القَرابَةِ، والزَوْجُ أولى من الجَميعِ إن وُجدَ، ثمَّ الأبُ أولى من الابن، وقد عُلِمَ أَنَّ الوَلَدَ أولى من الجدِّ: لأنَّه أولى منه بالمِيراثِ، والأخ من الأبوين أولى منه من أحدِهما، ومن الأبِ أولى منه من الأُمِّ، والعَمّ أولى من الخالِ، وأولادُهم كذلك. والذَكَر من كلِّ مَرْتَبَةٍ أولى من الأُنثى، وإن فُقِدَ الوارثُ أو غاب أو كان غَيرَ مُكلَّفٍ، تولّاه الحاكِمُ، فإن تَعَذَّر، فعُدُولُ المسلمين.

قوله: «والزوج أولى... من الأخ». إن قِيلَ عليه: إنّ الزَوجَ أولى من كلِّ أحدِ إجماعاً، ولا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الأخِ بالذكرِ.

قلت: إِنَّما خَصَّه؛ لأنَّه روى أبان بن أعين عن الصادقِ علیه السلام أَنَّ الأخَ أولى (1). ومِثْله روی حفص بن بختري (2)، فأراد المُصَنِّفُ التَنْبِيهَ على ضَعْفِ الرِوايَتَينِ بِذكْرِ الأَخِ.

قوله: «ولا يصلّى على الميِّتِ إِلّا بَعْدَ تَغْسِيلِهِ». هذا مع الإمكانِ، ولو تَعَذَّر قام التَيَمّمُ مَقامَه في تَرَتُّبِ الصَلاةِ عليه، فإن تَعَذَّرَ سَقَطَ.

قوله: «وعليه إن كان منافقاً». المرادُ بالمنافِقِ المخالِفُ للحَقِّ.

قوله: «إن كان مستضعفاً»: اللهمّ اغفِر لِلَّذينَ تابوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الجحيم (3).

ص: 600


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 205، ح 485. وفيه: «أبان بن عثمان».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 205، ح 486؛ الاستبصار، ج 1، ص 486، ح 1885.
3- غافر (40): 7.

قوله: «إن جهل حاله». اللهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَ هذه النُفُوسَ وأنْتَ أمَتَّها، تَعْلَمُ سَرِيرَتَها وعَلانِيَتَها، أَتَيْناكَ شافِعِين فيها فَشَفَّعْنا فَوَلَّها مع مَنْ تَوَلَّتْ، وَاحْشُرْها مع مَن أحبَّتْ الدروس (1).

قوله: «وفي الطفل». المرادُ ب-«الطفل» مَن دُونَ البُلُوغ وإن وَجَبتِ الصلاةُ عليه، وإِنَّما يدعو لأبَوَيه كذلك مع إيمانِهما، ولو كان أحدُهما مؤمِناً خاصَّةً دعا له. والفَرَطُ بالتَحرِيكِ: الأجْرُ المُتَقَدِّمُ (2) .

قوله: «أَتَمَّ ما بَقِي وِلاءً». أي مِن غيرِ دُعاءِ إن لم نُوجِبِ الدُعاءَ، وإِلّا وَجَبَ تَقْیيدُه بِخَوفِ فَواتِ الجنازَةِ من مَحَلّ تَجُوزُ الصلاةُ عليها فيه اختياراً، وإلّا وَجَبَ الدعاءُ أو ما أَمْكَنَ منه.

قوله: «ولو على القبر». إذا لم يُصَلَّ على المَيِّتِ، فالأقْرَبُ عَدَمُ تَحْدِيدِ زَمانِ للصَّلاةِ عليه، وإلّا فالأجْوَدُ التَرْكُ مطلقاً.

قوله: «تخيَّر في الإتمام على الأُولى». الأولى تَرْك القَطْعِ للنَهْيِ عنه (3)، ويَجُوزُ أن يُدْخِلَ الثانِيَةَ على الأُولى في التكبيراتِ ويَخُصُّ كلَّ واحِدَةٍ بدُعائِها ثمّ يُتِمَّ ما بَقِيَ من الثانِيَةِ.

[صلاة الاستسقاء]

قوله: «كصلاة العيدِ». وَقْتُها وَقْتُ العِيدِ في ظاهِرِ كَلامِ الأصحابِ.

قوله: «وأن يكون الإثنينِ أو الجُمُعَةَ». الإثنينُ منصُوصٌ (4) فَمِن ثَمَّ قَدَّمَه، وفيه خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم للاستسقاء. وأمّا الجُمُعَةُ فقد وَرَد في الحديثِ: أَنّ العَبْدَ يَسْأَلُ الحاجَةَ مِنَ

ص: 601


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 33 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- كما في الصحاح، ج 2، ص 1149، «فرط».
3- في نسخة «د»: لعموم النهي.
4- الكافي، ج 3، ص 462، باب صلاة الاستسقاء، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 148 - 149، ح 322.

اللهِ فَتُؤخَّرُ الإجابَةُ إلى يومِ الجُمُعَةِ (1).

قوله: «وتحويل الإمام الرداء». بأن يَجْعَلَ ما في الأيمَنِ على الأيْسَرِ، وما على الأَيْسَرِ على الأَيْمَنِ.

قوله: «ويُتابِعُه الناسُ». في الأذكارِ ورَفْع الصَوتِ، لا في التَحَوّلِ إلى الجِهاتِ.

[نافلة شهر رمضان]

قوله: «استحباب ألف ركعة». وروي في كلِّ لَيلَةٍ ألفُ رَكْعَةٍ (2)، وأنّ الألفَ في جَمِيعِ الشَهْرِ للضعَفاء. وروي في جَمِيعِه ألفٌ ومائةٌ بإضافَةِ مائةٍ لَيلَة نِصْفِه (3).

قوله: «في كلّ ليلة ثلاثون». على التَرْتِيبِ المذكورِ، يَعْني يُصَلِّي اثْنَتَي عَشْرَةَ ركعةً بَعْدَ المَغْرِبِ، وثَمانِيَ عَشْرَةَ بَعْدَ العِشاءِ.

قوله: «وفي عَشِيَّتِها عِشْرون». العَشْرُ تُصَلّى في نَهارِ الجُمُعَةِ، والعِشْرونَ تُصَلّى لَيلَةَ الجُمُعَةِ الأخِيرةَ ولَيلَةَ آخِرِ سَبْتٍ منه.

[الخلل الواقع في الصلاة]

قوله: «وهو إمّا عمد أو سهو أو شكّ». السَهْوُ: عُزُوبُ المعنى عن القَلْبِ بَعْدَ حُضُورِه بالبالِ. والشَكُّ: تَرَدّدُ الذِهْنِ بَيْنَ النَقِيضَيْنِ. والظَّنُّ: تَرْجِيحُ أَحَدِهما مِن غَيرِ جَزْم. ويقال للنقيض الآخَر المرجوح: وَهْمٌ.

قوله: «شرطاً كان أو جزءاً أو كيفيَّةً». الشَرْطُ: ما تَتَوَقَّفُ عليهِ صحَّةُ الصَلاةِ ولا يكون داخِلاً فيها. والجُزْءُ: ما تَألَّفَتْ منه حَقيقَةُ الصلاةِ. والكيفيَّةُ: ما يُقال في جَوابِ كَيْفَ هو. والتَرْكُ: ما نُهِيَ عنه.

ص: 602


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 5، ح 12؛ الفقيه، ج 1، ص 422، ح 1244 مع تفاوت.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 63، ح 215؛ الاستبصار، ج 1، ص 463، ح 1798.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 62، ح 213؛ الاستبصار، ج 1، ص 462، ح 1796.

قوله «والنَجاسَةُ». بل الأَصَحُّ إعادَةُ جاهِلِ النَجاسَةِ في الوَقْتِ.

قوله: «وإن كان دخل في آخَرَ، أعاد». الظاهِرُ أنَّ المرادَ بالآخرِ الركنُ؛ لأنَّ ذلك هو ضابِطُ البُطلانِ بِنسيانِ الركنِ. وحينئذٍ فلا يَتمُّ في بَعْضِ هذه الأَمْثِلَةِ وهو قُولُه: «أو بالافتتاح حتّى قرأ»، وأنَّ القِراءَةَ ليست ركناً. ولو أُريدَ بالآخرِ ما يَعُمُّ الركنَ، لم يَصِحّ في كَثيرٍ من المَوارِدِ، كما لا يخفى. والضابطُ أنَّ البُطْلانَ بِفَواتِ الركنِ يَحصُلُ بِالدُخُولِ في ركنٍ آخَرَ، ويَزِيدُ على ذلك نِسْيانُ مقارَنَةِ النيّةِ للتكبِيرِ، سواء قرأ أم لم يقرأ.

قوله: «وقيل: إن كان في الأخيرتين من الرباعيّة» (1). الأصَحُّ عَدَمُ الفَرْقِ.

قوله: «ولو نقص من عدد الصلاة ثمّ ذَكَرَ أَتَمّ ولو تكلّم على الأشهر». وكذا لو فَعَلَ ما يُبْطِلُ الصَلاةَ عَمْداً خاصَّةً، ولو فَعَلَ ما يُبْطِلُها عَمْداً وسَهْواً أعاد.

قوله: «أو السجود على الأعضاء السبعة». تُسْتَثْنى من ذلك الجَبْهَةُ؛ إذ لا يَتحَقَّقُ مُسمّى السُجُودِ بدونها، والإخلالُ بها في السَجْدَتَينِ مبطِلٌ، وفي إحداهما يُوجِبُ التَدارُكَ مع سُجُودِ السَهْو.

قوله: «مَن ذكر أنّه لم يقرأ وهو في السورة قرأ». بل يَرْجِعُ إليها ما لم يَصِل إلى حدِّ الراکِعِ.

قوله: «ومَن ذكر قبل السجود أنّه لم يركع قام فركع». إن كان قد نَسِيَ الركوعَ حالَةَ القِيامِ بِحَيْثُ كان هُوِيُّه لأجْلِ السُجُودِ، ولو كان نسيانُه له بَعْدَ أن هوى له، قام مُنْحَنياً إلى حدِّ الراكِعِ.

قوله: «ولو شكَّ في فعل فإن كان في موضعه، أتى به». الضابِطُ في جَمِيعِ أبوابِ الشَكٍّ أنَّه عِنْدَ عُرُوضِهِ يَجِبُ التَرَوِّي، وإن غَلَبَ على ظَنِّه، شيء بنى عليه مطلقاً، وإن تَساوى الاحتمالانِ، لَزِمَهُ ما فُصِّلَ.

قوله: «ثمّ بركعتين من جلوس». وتَجُوزُ بدلهما ركعة من قيامٍ.

قوله: «ولا سهو على من كثر سهوه». تَتَحَقَّقُ الكَثْرَةُ في السَهْوِ في ثَلاثِ فَرائضَ

ص: 603


1- القائل هو الشيخ في الجمل والعقود، ضمن الرسائل العشر، ص 187.

مُتَوالِيَةٍ، أو في فَرِيضَةٍ واحدةٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ، أو في فَرِيضَتَين، وحينئذٍ فَيَسْقُطُ حُكْمُ السَهْوِ في الرابعِ، فلا يَجِبُ به سُجُودُ السَهْوِ لو كان يُوجِبُه قَبْلَ ذلك، ولو شَكَّ في فِعْلٍ بنى على وُقُوعِه وإن كان في مَحَلَّه، ويَبْني على الأكثرِ لو شَكَّ في عَدَدِ الركعاتِ، إلّا أن يَسْتَلْزِمَ الزيادَةَ فَيَبْنِي على المُصَحّحِ، ويَسْتَمِرُّ حكمُ الكَثْرَةِ إلى أن تَخْلُوَ ثلاثُ فرائضَ منه فَيَزولُ حُكْمُ الكَثْرَةِ، وهكذا.

قوله: «ولا على مَنْ سها في سَهْوٍ». كأن سها في سَجْدَتَي السَهوِ عن ذِكْرٍ أو طُمَأْنِينةٍ أو غَيرهما ممّا يُتَلافى لو كان في الصلاةِ، أو يُوجِبُ سَجْدَتَي السَهْوِ، فإنَّه هنا لا يُوجِبُ شيئاً؛ وكذا لو سها في صَلاةِ الاحتياطِ عن مِثلِ ذلك، ولو تَيَقَّنَ تَركَ ما يُبْطِلُ كالركنِ بَطَلَ.

قوله: «والحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة». الأصَحّ تَعَيّنُ الذِكْرِ المذكورِ في الخَبَرِ (1)، ولا دَلالَةَ فيه على سَهْوِ الإمامِ، بل يمكِنُ كَونُهُ وَقَعَ بَياناً.

[قضاء الصلاة]

قوله: «ولا قضاء مع الإغماءِ المُسْتَوعِبِ». الأصَحُّ وجُوبُ القَضاءِ.

قوله: «أحْوَطُه القَضاءُ». بل الأصَحُّ وُجُوبُ القَضاءِ.

قوله: «والفائتَةُ على الحاضِرَةِ». كما لو كان عليه فائِتَةٌ لِظُهرٍ يجب أن يُصَلِّيها قَبْلَ ظُهرِ اليومِ الحاضِرِ على عِبارَةِ المُصنِّف؛ لأنَّ المَسْألةَ مَحَلُّ خِلافٍ، والمُعْتَمَدُ عَدَمُ الوُجُوبِ.

قوله: «وفي وجوب ترتيب الفوائت على الحاضرة». المفهومُ من الترتِيبِ على شيءٍ كَونُه بَعْدَه، والأمْر هنا بالعَكْسِ، وكأنَّه من بابِ القَلْبِ، والأصَحُّ عَدَمُ التَرْتيبِ مطلقاً.

قوله: «ولو قدَّم الحاضرة مع سعة وَقْتِها ذاكراً، أعاد». وجوباً عنده واستحباباً عندنا.

ص: 604


1- الكافي، ج 3، ص 356 - 357، باب من تكلّم في صلاته ...، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 773.

قوله: «واستأنف الفَرِيضَة». بناءً على المَنْعِ من النافِلَةِ لمَنْ عليهِ فَرِيضَةٌ، [و] الأَصَحُّ الجَوازُ ما لم تَضُرَّ بها.

قوله: «صلّى اثنتين وثلاثاً وأربعاً». وَيَتَخَيَّرُ في الأرْبَع بين الجَهْرِ والإخفاتِ، ولو كان في وَقْتِ العِشاءِ رَدَّدَ فيها بَينَ الأداءِ والقَضاءِ.

قوله: «وتستحبّ الصدقة عن كلِّ ركعتين بمدّ». ثُمَّ عن كلِّ أَرْبَعٍ، ثُمَّ عن صلاةِ اليومِ بِمُدّ وصَلاةِ اللَيلِ بِمُدّ، ثُمَّ عن الجَميعِ بِمُدّ.

[صلاة الجماعة]

قوله: «وبإدراكه راكعاً». معنى إدراكِه أنْ يَجْتَمِعَ معه بَعْدَ التَكْبيرِ قائماً في حَدِّ الراكعِ، بِحَيْثُ يَجْتَمِعانِ معاً في حالَةِ الرُكُوعِ وإِن لم يَجْتَمِعا في الذِكرِ.

قوله: «ويجوز في المرأة». بِشَرْطِ أن تَعْلَمَ انتِقالاتِ الإمامِ في رُكُوعِه وسُجُودِه وقِيامِه؛ لتَتَمكَّنَ من المُتابَعَةِ.

قوله: «إلّا مع اتّصال الصفوف». ويُعْتَبَرُ أن يَكونَ بين كُلِّ صَفٍّ وما قَبْلَه ما يُعْتَبرُ بَيْنَ الإِمامِ والمأْمُومِ من القُرْبِ.

قوله: «وتكره القِراءة خَلْفَ الإمامِ في الإخفاتيَّةِ». والأَحْوَطُ تركُ القِراءةِ مطلقاً.

قوله: «فلو رفع قبله ناسياً أعاد». وجوباً، وكذا الظانّ، ولو لم يُعِدْ فكالعامِدِ یأثَمُ به.

قوله: «ولو كان عامداً استمرّ». أي اسْتَمَرَّ قائماً أو قاعداً إلى أنْ يَلْحَقَهُ الإمامُ، ولو عاد العامِدُ بَطَلَتْ صَلاتُه، وفي حُكْمِه الجاهِلُ.

قوله: «ولا يُشْتَرَطُ تَساوي الفرضَينِ». في الكَمِّيَّةِ، فَيَجُوزُ الاقتِداءُ في الصُبْحِ بالظهرِ وبالعَكْسِ، نعم، يُشْتَرَطُ التَساوِي في الكَيفيَّةِ، فلا يَجُوزُ الاقتِداءُ في اليَومِيَّةِ بالكسوفِ ونحوها، وبالعَكْسِ.

ص: 605

قوله: «والمُتَنَفِّل بمثله». المرادُ أنَّ كَلَّ واحِدٍ من هذه الفُرُوضِ يُمْكِنُ تَحَقُّقُه في بَعْضِ الصَلَواتِ لا مطلقاً. وبَيانُ ذلك يَتِمّ بأَرْبَع صُوَرٍ:

أ: اقْتِداءُ المُفْتَرضِ بِمثْلِهِ، وهو جائزٌ مع اتِّحادِ الكَيْفِيَّةِ.

ب: عَكْسُه، وهو اقتِداءُ المُتَنَفِّلِ بالمُتَنَفِّلِ، وهو جائزٌ في العِيدِ المَنْدُوبَةِ والاستِسقاءِ والغَدير على قَولٍ (1)، وفي الصَلاةِ المعادَةِ منهما، كما إذا صَلَّيا منفَرِدَينِ ثُمَّ أرادا الجَماعَةَ، وفي جَماعَةِ الصِبيانِ خَلْفَ المُمَيِّزِ منهم.

ج: اقتداءُ المُفْتَرِضِ بالمتَنَفِّلِ، وذلك في صورةِ الإعادةِ من الإمامِ خاصَّةً، وفي صَلاةِ بَطْنِ النَخْلِ من صَلَواتِ الخَوْفِ.

د: عَكْسُه، وذلك في مُعِيدِ الصَلاةِ خَلْفَ مُبْتَدِئِها، وفي صَلاةِ الصبيّ خَلْفَ البالِغِ.

قوله: «إماماً كان أو مأموماً». والأُولى هي حينئذٍ فَرْضُهُ فَيَنْوِي بالثانِيَةِ النَدْبَ.

قوله: «والبلوغ على الأظهر». يُعْتَبَرُ إلّا أن يَكُونَ المأمُومُ غَيْرَ بالِغٍ.

قوله: «ولا الأُمِّيُ القارئ». المراد بالأُمِّي هنا من لا يُحْسِنُ قِراءةَ الحَمْدِ والسُورَةِ وأبعاضِهما على الوَجْهِ المُعْتَبَر في صِحَّةِ القِراءة. واحْتَرَزَ بالقارئ عمّا لو أمَّ بِمِثْلِه، فإنَّه جائزٌ مع تَساوِيهما في كيفِيَّةِ الأُمِّيَةِ، وعَجْزهما عن التَعَلُّمِ وعن الائتمامِ بالقارِئ.

قوله: «ولا المؤوف (2) اللسان بالسليم». ويَجُوزُ بمثله مع اتِّفاقِ موضِعِ الآفةِ إذا عَجَزا عن التَعَلّم أو ضاق الوَقْتُ.

قوله: «وصاحب المسجد والمنزل». هو الإمامُ الراتِبُ فيه، وهذه الثَلاثَةُ أولى من الهاشمي، والأَصَحُّ أَنَّ مَرْتَبَةَ الهاشِمِي بَعْدَ الأَفْقَهِ.

قوله: «والأغلف». مع عَدَمِ تَمَكَّنِهِ من الخِتانِ، فلو قَدَرَ وأَهْمَلَ فهو فاسِقٌ، ولا تَصِحُّ صَلاتُه بِدُونِه وإن كان منفَرِداً.

ص: 606


1- هو قول أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 160.
2- المؤوف: الذي به آفة.

قوله: «ومَن يكرهه المأمومون» (1). بأن يُريدَ المأمُومُ الائتِمامَ بِغَيره، فإنَّه يُكْرَهُ للإمامِ حينئذٍ أن يَؤُمَّ.

قوله: «والأعرابي بالمهاجرين». الأعْرابِي هو المَنْسُوبُ إلى الأعرابِ، وهم سُكّانُ البادِيَةِ. وَوَجْهُ الكَراهِيَةِ النَصُّ مع نَقصِهِ عن مَكارِمِ الأخلاقِ، التي تُسْتَفادُ من الحَضَرِ. وفي حُكْمِه ساكِنُ القرى التي يَغلِبُ على أهْلِها الجَفاءُ والتَبَعُّدُ عن التَخَلُّقِ بالأخلاقِ الفاضِلَةِ.

قوله: «جاز أن يَمْشِيَ راكعاً ليلتحق». بشرط أن لا يكُونَ المَشْيُ كَثيراً عادَةً، وكونِ ذِكْرِ الركوعِ حالَ اسْتِقْرارِه، وكَونِ تَحرِيمِه في مَوضِعٍ تَصِحّ القُدْوَةُ فيه.

قوله: «إذا كان الإمام في محراب داخل». في مَسْجِدٍ بِحَيْثُ يَمنَعُ رؤيةَ مَن عن جانِبَيْهِ مَن في داخِلِهِ.

قوله: «نقل نِيَّتَه إلى النَفْلِ وأَتَمَّ ركعتين استحباباً». ولو خاف الفَوات بإكْمالِها ركعَتَينِ، قَطَعَها بَعْدَ نَقْلِها إلى النافِلَةِ. والظاهرُ أنَّه يَكْفي في ذلك كُلِّه خَوفُ فَواتِ أوَّلِ الصَلاةِ.

قوله: «وكذا لو أدركه بعد السجود». لكن يَجِبُ تَجْدِيدُ النِيَّةِ متى سَجَدَ معه ولو سَجْدَةً واحِدَةً، وإلّا لم يَجِبِ التَجْدِيدُ، وتُدْرَكُ فَضِيلَةُ الجَماعَةِ في الموضِعَين.

قوله: «تأخّرن وجوباً». مَبْنيٌّ على تَحرِيمِ التَقَدُّمِ والمُحاذاةِ، وإلّا استِحْباباً.

[أحكام المساجد]

قوله: «مكشوفة». يكفي في تَأدِّي السُنَّةِ كَشْفُ بَعْضِها للحاجَةِ إلى الظلِّ غالِباً.

قوله: «ويَجُوزُ نَقْضُ المُسْتَهْدِم». أي المُشْرِفِ على الانهدام.

قوله: «واستعمال آلَتِه في غَيرهِ من المساجِدِ». مع غَنائِه عَنْها، أو كون المَسْجِدِ المنْقُولِ إليه أولى منه لِكَثْرَةِ المُصَلِّين، أو لاستيلاء الخَرابِ عليه.

ص: 607


1- الكافي، ج 3، ص 375، باب من تكره الصلاة خلفه ...، ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 378، ح 1105.

قوله: «وإدخال النَجاسة إليها». مع التَعَدِّي إليها أو إلى آلاتِها.

[صلاة الخوف]

قوله: «وفي المغرب يصلِّي بالأُولى ركعة». هذا هو الأفضلُ، ولو عَكَس بأن صلّى بالأُولى ركعَتَينِ وبالثانِيَةِ رَكْعَةً جاز أيضاً، ولو فَرَّقَهُم في المَغْرِبِ ثَلاثَ فِرَقٍ وصَلَّى بكُلِّ واحِدةٍ رَكْعَةً صَحَّ، كالاثنَينِ.

قوله: «ويَسْجُدُ على قَرَبُوسِ سرجه». بِفَتْح القافِ والراءِ. ويُشْتَرَطُ في جَوازِ السُجُودِ عليه تَعَذّرُ النُزُولِ ولو للسُجُودِ خاصَّةً. ويُغْتَفَرُ الفعلُ الكَثِيرُ كما يُغْتَفَرُ في باقِيِ الأحوالِ. ولو كان القَرَبُوس لا يَصِحّ السُجُودُ عليه، فإن أمكَنَ وَضْعُ شيء منه (1) عليه وَجَبَ، وإِلّا سَقَطَ (2).

قوله: «فإنّه يجزئ عن الركوعِ والسجودِ». وعن القِراءةِ أيضاً، وتَجِبُ قَبْلَه النِيَّةُ والتَكْبِيرُ وبَعْدَه التَشَهُّدُ والتَسْلِيمُ.

[صلاة المسافر]

قوله: «تعويلاً على الوَضْعِ». أي وَضْعِ أَهْلِ اللُغَةِ، وضَعُوا لفْظَ المِيْلِ بقدرِ مَدِّ البَصَرِ مِنَ الْأَرْضِ (3).

قوله: «فلا قصر ولو تمادى في السفر». لكن في الرجوعِ إلى وَطَنِه يُقَصِّرُ مع بلوغِ المَسافَةِ وقَصْدِه.

قوله: «ثمّ تَوَقَّع رفقة قصّر». هذا إذا قَصَدَ انتظارَه لها على رَأسِ المَسافَةِ، أو عَلِمَ مَجِیئَها، أو جَزَمَ بالسَفَرِ مِنْ دُونِها وإلّا أتَمَّ.

ص: 608


1- أي من الشيء الذي يصحّ السجود عليه.
2- أي الوضع.
3- كما في القاموس المحيط ، ج 4، ص 54؛ الصحاح، ج 3، ص 1823، «میل».

قوله: «قد استوطنه ستَّةَ أشهر». وفي حُكْمِ المَنْزِلِ الملكُ، وهو العَقارُ الكائِنُ في محلِّ الاستيطانِ وما في حكمِهِ، ولا تُشْتَرَطُ صَلاحِيّتُه للسكنى، بل تَكْفِي الشَجَرَةُ الواحِدَةُ. ويُشْتَرَطُ ملكُ العَينِ، ولا تكفي المَنْفَعَةُ، ودَوامُه فلو خَرَجَ عَن مِلْكِهِ زالَ حُكْمُهُ. والمراد بالاستيطانِ كَونُه مُقِيماً بِحَيثُ يصلِّي في تلك المُدَّةِ تَماماً، ولا يُشْتَرَطُ التَوالِي في المدَّةِ، ولو لم يكن له ملكٌ اشترِطت في المنزِلِ نيَّةُ الإِقامَةِ على الدوامِ مع استِيطانِ السِتَّةِ.

قوله: «أن يكون السفر مباحاً». تتحقّق إباحَةُ السَفَرِ بكونِ غايَتِه غَيْرَ مُحرَّمَةٍ، فلا يَقْدَحُ وُقُوعُ المَعْصِيَةِ فيه مع إباحَةِ الغايَةِ، كما لو سافَرَ للتِجارَةِ وتَرَكَ الصَلاةَ في الطَريقِ، أو نَحو ذلك.

قوله: «كالمتَّبع للجائر». أي اتِّباعه في جَورِه، لا مَنْ إِتَّبَعَه كُرْهاً أو لِيَعْمَلَ له عَمَلاً مُحَلَّلاً، ونحو ذلك.

قوله: «قيل: يُقصِّر صومه ويُتِمَّ صلاته» (1). بل يُقَصِّرُ بهما معاً.

:قوله «والمَلّاح». صاحِب السَفِينَةِ بأيّ وَجْهِ اسْتَعْمَلَها.

والبَرِيدُ: الرَسُولُ، أي المُعِدُّ نَفْسَه للرِسالَةِ بِحَيْثُ يَتَكَرَّرُ منه السَفَرُ.

قوله: «وضابطه». هذا الضابِطُ غَيرُ ضابِطٍ، بل الضابِطُ أن يُسافِر أكثَرَ مَسافَةٍ ثَلاثَةَ سَفراتٍ بِحَيْثُ لا يَتَخَلَّلُ بينها حُكْمُ الإتمامِ، ولا يُقِيمُ عَشَرَةً في بَلَدِه مطلقاً أو في غَيرِه مع النيَّةِ أو ما في حكمِها، فيَلزَمُه الإتمامُ فى الثالِثَةِ، ويَسْتَمِرُّ إلى أن يَتَحَقَّقَ له أَحَدُ الثلاثَةِ، فَتَنْقَطِعُ الكَثرَةُ، وهكذا.

قوله: «وقيل: هذا يختصّ بالمُكارِي» (2) . لا يَخْتَصُّ.

قوله: «وَيصوم شهر رمضان على رواية» (3). لا عَمَلَ عليها.

ص: 609


1- القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة، ص 349.
2- قال السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 289، ولم نسمع من الشيوخ قائله.
3- الفقيه، ج 1، ص 439 - 440، ح 1279؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 216، ح 531.

قوله: «أو يخفى أذانه» . الأَصَحّ اعتبارُ خَفائِهما معاً ذِهاباً وعوداً.

قوله: «وجامع الكوفة». والأولى اختصاصُ الحُكْمِ بالمساجِدِ الثلاثة دون بلدانِها.

والمرادُ بالحائرِ ما دار عليه سُورُ الحَضْرَةِ الحُسَينيَّةِ (على مُشَرِّفِها السلامُ).

قوله: «والوقت باقٍ قَصَّرَ». بل يُتِمُّ.

قوله: «لا حال الوجوب». تَعَيَّنَ حالُ الفَواتِ في العَودِ وحالُ الوُجُوبِ في الخروجِ وهو الإتمامُ في الحالَينِ.

قوله: «ويستحبّ أن يقول عقيب الصلاة». الاستِحبابُ مَقْصُورٌ على المَقْصُورَةِ لتَتَحَقَّقَ الجُزْئِيَّةُ للصَلاةِ، ولو فَعَلَه عَقِيبَ غَيرِها كان حسناً.

قوله: «قضاها سفراً وحضراً». المرادُ بالقضاءِ هنا الفِعْلُ، فإن كان وَقْتُها باقياً صلّاها أداءً، وإلّا قضاءً.

ص: 610

كتاب الزكاة

[زكاة المال]

قوله: «ولو ضَمِنَ الوَليّ». المراد بِضَمَانِهِ نَقْلُه إِلى مِلْكِهِ بِوَجْهِ شرعيٍ.

وبملائه أن يكون له مالٌ بقَدْرِ مالِ الطفلِ المضمونِ فاضلاً عن المستثنياتِ في الدَينِ وعن قوتِ يومٍ وليلةٍ له ولِعيالِه الواجِبِي النَفقَةِ.

قوله: «صامتاً كان أو غيره». المرادُ بالصامِتِ من المالِ الذَهَبُ والفِضَّةُ، ويُقابِله الناطِقُ وهو المَواشي ونحوها، ذَكَرَه في الصحاح (1).

قوله: «ففي كلِّ خمسين حقّة». ليس ذلك على وَجْهِ التَخْيِيرِ، بل يَجِبُ التَقْدِيرُ بما يحْصُلُ به الاستيعابُ، فإن أمكن بهما تَخَيّر، وإن لم يُمْكِن بهما وَجَبَ اعتبارُ أكثرِهما استيعاباً مراعاةً لحقِّ الفقراءِ، ولو لم يمكن إلّا بهما وَجَبَ الجَمْعُ، فَيَجِبُ تَقْدِيرُ أَوَّلِ هذا النِصابِ - وهو المائَةُ وإحدى وعِشْرُونَ - بالأربعِينَ ، والمائَةُ والخَمْسُونَ بالخَمْسِينَ، والمائَةُ والسَبْعُونَ بهما. ويَتَخَيَّرُ في المائَتَينِ.

وكذا القَولُ في البَقَرِ، فَيَجِبُ تَقْدِيرُ السِتِّينَ بالثَلاثِينَ، والسَبْعِينَ بهما، والثَمانينَ بالأرْبَعينَ، ويَتَخَيَّرُ فى المائَةِ وعِشْرِينَ.

قوله: «من الإبل شَنَقاً». الشَنَقَةُ - بِفَتْحِ النونِ - والوَقَصُ - بفَتحِ القافِ -: ما بين الفَريْضَتَينِ (2).

ص: 611


1- الصحاح، ج 1، ص 257، «صمت».
2- كما في الصحاح، ج 2، ص 1061؛ والمصباح المنير، ص 668، «وقص».

قوله: «السوم». المَرْجِعُ في السَومِ والعَمَلِ إلى العرفِ، فلا يُؤَثِّرُ اليَومُ في السَنَةِ ولا في الشَهْرِ.

قوله: «أقلّها الجذع من الضأن». الجَذَعُ هو ما كَمَلَ سِنُّه سَبْعَةَ أشهرٍ إِلى سَنَةٍ.

قوله: «وبنت المَخاضِ». المَخاضُ - بِفَتْحِ الميمِ - اسمٌ للحوامِلِ، والواحِدة خَلِفَةٌ (1)، ومنه سُمِّيَتْ بِنْتُ المَخاضِ، أي مِن شَأنِها أن تَكُونَ حاملاً سواء أُلقِحَتْ أم لا.

قوله وبنت اللَبُونِ ... والحِقّة». اللَبُونُ - بفتح اللام - أي ذاتُ اللَبُونِ ولو بالصَّلاحِيَّةِ. والحِقَّة - بكسر الحاء -: الأُنثى من الإبلِ إذا مضى لها ثَلاتُ سِنِينَ فاستَحَقَّتْ الحَمْلَ والفَحْلَ.

قوله: «ولا تُؤخَذُ الربّى». الرُبِّى - بضمِّ الراء وتَشْدِيدِ الباء -: وهي المَعْرُ الوالِدُ عن قرْبٍ كالنفساءِ من النِساءِ (2)، فالمانِعُ من إخراجِها كَونُها مَريضةً، ولا تُجْزِئ وإن رَضِي المالِكُ.

قوله: «ولا المَرِيضَة». هذا إذا كان في النِصابِ صَحِيحٌ أو فَتيٌّ أو سَلِيمٌ من العوارِ (3)، أمّا لو كان جَمِيعُه كذلك أجزأ الإخْراجُ منه.

قوله: «ولا تُعَدُّ الأكولة». الأَصَحُّ َأنَّ الأكولَةَ تُعَدُّ ولكن لا تُؤْخَذُ، وكذا يُعَدُّ الفَحْلُ الزائدُ عن العادَةِ لتِلكَ الماشِيَةِ.

قوله: «ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد ولو كانت أدون». إنّما يَجُوزُ ذلك في شاةِ الإبلِ، أو المدفُوعِ من جِنسِ النِصابِ.

قوله: «لا يُجْمَعُ بين مُتَفَرِّق في الملكِ». بمعنى أنَّه لا يَضُمّ مالاً لِشَخْصَينِ ويُخْرِجُ منهما الزكاة مع بلوغِهما معاً النِصابَ وعَدَمِ بلوغِ كلّ منهما منفرداً ومعنى عَدَمِ التَفْرقَةِ بين المجتمع في الملكِ أَنَّه لا يكون لكلِّ واحِدٍ حكم بانفراده، بل يعتبرهما

ص: 612


1- راجع الصحاح، ج 2، ص 1105، «مخض».
2- الصحاح، ج 1، ص 131، «ربب».
3- العوار مثلّثة: العيب القاموس المحيط، ج 2، ص 100، «عور».

مجتَمِعَينِ تقديراً ثُمَّ يُرَتِّب عليهما الحكم.

ومعنى الخُلْطَةِ التي لا اعتبارَ بها أنّه إذا اجتمَعَتْ نَعَم جَمَاعَة فِي مَسْرَحٍ وَاحِدٍ ومُراحٍ واتَّحَدَ فَحْلُها وحِلابُها ومِحْلَبُها، لا يُفيدُ ذلك ضَمَّ بَعْضِها إلى بَعْضٍ عندنا، بل لكلِّ ملكِ واحدٍ منها حكمُ نفسِه.

قوله: «يكون قدر العَشَرَة سبعة مثاقيل». ويكون المثقالُ درهماً وثَلاثَةَ أسباعِ درهمٍ، والدِرْهَمُ نصْفُ مثقالٍ وخُمسُه.

قوله: «ولم تجب لو كان غائباً». إلّا أن يكون في يَدِ وَكِيلِهِ فَتَجِبُ.

قوله: «وما يسقى سَيْحاً». المرادُ بالسَيْح: الجاري (1)، والبَغْلُ: ما يَشْرَبُ بِعروقِهِ، والعذْي - بكسر العين المهملة -: ماء المطر (2)، والدوالي: جمع دالية، وهي الدولاب (3).

والنواضح: جمع ناضِحَةِ، وهو البَعيرُ الذي يُستَقى عليه.

قوله: «ولو اجتمع الأمران حكم للأغلَبِ». المعتَبَرُ في الأَغْلَبِ والتَساوِي النَفْعُ والنُمُوُّ، لا العَدَدُ على الأقوى.

قوله: «والزكاة بعد المؤونة». المراد بالمؤونة ما يَفْتَقِرُ إليه الزَرْعُ عادةً كالحرثِ والحَفْرِ والحَصادِ ونقصِ الآلاتِ والبَذْرِ.

ويُعْتَبَرُ النصابُ بَعْدَ المؤونَةِ المتقَدِّمَةِ على بدوِّ الصَلاحِ، والمتأخِّرةٌ عنه مسْتَثْناةٌ، ولكن لا تَثْلِمُ النِصابَ فيُزَكّى الباقى وإن قَلَّ.

قوله: «دراهم أو دنانير». إن كان أصله، فإن بَلَغَ به نِصاباً استحبّ، وإلّا فلا.

قوله: «عن العَتِيقِ العَتِيقُ كَرِيمُ الأبَوَينِ، والبرْذَون غَيْرُه، سواء كان كَرِيمَ الأبَوَينِ خاصَّةً وهو الهَجينُ، أو الأُمِّ خاصّةً وهو المُقْرِفُ، أو انتفى عنه الكَرَمُ من الطَرَفَينِ وهو البِرذَون بالمعنى الأخَصِّ.

ص: 613


1- الصحاح، ج 1، ص 377، «سوح».
2- راجع الصحاح، ج 4، ص 2433، «عذى».
3- الدولاب: المنجنون التي تديرها الدابّة، فارسي معرب. المصباح المنير، ص 198، «دلب».

قوله: «وتعتبر شرائط الوجوب فيه كلّه». أي يَمْتَدّ استِقْرارُ الوُجُوبِ بكَمالِ الثاني عَشَرَ لا مُطْلَق الوُجُوبِ؛ لأنَّه يَحصُلُ بِدُخُولِ الثاني عَشَرَ، وَبِكَمالِه تَعَيَّنُ الدَفْعُ.

قوله: «جاز تأخیرها شهراً أو شَهْرَين». الأَصَحُّ جوازُ تأخِيرِها شهراً أو شَهْرَينِ للبَسْطِ على الأصنافِ، ولانتظارِ ذي المَزيَّةِ كالقَرابةِ والجارِ والأشدِّ حاجةً والعَدْلِ.

قوله: «ولو تَغَيَّر حال المستحقِّ». يَتَحقَّقُ تَغَيُّرُ حالِهِ بِخرُوجِه عن الاِستِحْقاقِ ولو بالغَناءِ بِنمائِها، لا بأصلِها ولا بِهما.

قوله: «ويَضْمَنُ لو نَقَلَها مع وجودِه». الأَصَحُّ جَوازُ نَقْلِها بِشَرْطِ الضَمَانِ خُصُوصاً للأفضلِ أو للتَعْمِيمِ.

قوله: «ولا ثَمَرَة مهمِّة في تَحقيقهِ». لاشتِراكِهما في الاستِحقاقِ من الزَكاةِ، والأَصَحُّ أنّ المسكِينَ أسْوأ حالاً من الفَقِيرِ، والبائِسَ أَسْوأُ حالاً منهما. وتظهر الفائِدَةُ في النَذْرِ والوَصيّةِ والوَقْفِ لأسوئِهما حالاً.

قوله: «ولا يُمْنَع لو ملك الدار». مع كونِها لائقةً بحالِه، فلو زادَتْ قَدْراً أو وَصْفاً عن حالِه، تَعَيَّنَ بَيْعُها أو الاعِتِياضُ عنها بما يَلِيقُ به، وصَرْفُ الزائد في النَفَقَةِ، وكذا القَولُ في الخادِمِ.

قوله: «وكذا يُمْنَعُ ذو الصَنْعَةِ». يُعْتَبَرُ في الصَنْعَةِ والاكتسابِ كونُهما لائِقَينِ بحالِهِ، ولا يُكَلَّفُ الرَفِيعُ بِبَيعِ الحَطَبِ والحَرْثِ وإن كان يَقْدِرُ عليه، ولو اشْتَغَلَ عن التَكَسّبِ بِطَلَبِ علْمٍ دينيٍ، جاز له أخْذُ الزكاةِ وإن قَدَرَ عليه لو تَركَ إذا لم يمكنه الجَمْعُ.

قوله: «والعاملون». أي الساعُونَ في تَحْصِيلها وتَحصِينِها بأخْذِ وكتابةٍ وحِسابِ وقِسْمَةٍ وحِفْظِ ورعيٍ، ونَحْو ذلك.

قوله: «تحت الشِدَّةِ». المرجِعُ في الشِدَّةِ إلى العُرفِ، ولا بُدَّ فيه من صِيغَةِ العِتْقِ بعد الشِراء ونِيَّةِ الزكاةِ مقارَنةً للعِتْقِ.

قوله: «جاز ابتياع العبد ويعتق». بل يجوز العتق من الزكاة مطلقاً.

قوله: «جاز القَضاء عنه حيّاً ومَيِّتاً». أشار بذلك إلى أنَّ واجِبَ النَفَقَةِ إِنَّما يعطى

ص: 614

المؤونَةَ والمَسْكَنَ ونحوَهما، أمّا ما عَلَيه من الدَيْن فلا يَجبُ قضاؤه على مَنْ تجبُ عليه النَفَقَةُ، فيجوز أن يعطيه من الزَكاةِ ما يُقضىٰ به، وأن يَقْضِيَ عنه مَيّتاً، وكذا يجوز أن يُعطىٰ نَفَقَةَ الزَوجَةِ.

قوله: «ولو كان غنيّاً فى بلده». ويُشْتَرَطُ فيه العَجْزُ عن الاستِدانَةِ على ما في بَلَدِه، أو عن بَيْعِ شيء مِن مالِه ونَحْوه.

قوله « ويعطى أطفال المؤمنين». ويُسَلَّم إلى وليِّه أو إلَيهِ بأمْرِ وليِّه.

قوله: «العَدالةُ، وقد اعتَبَرها قوم» (1). لا تُعْتَبَرُ.

قوله: «وقيل: لا يتجاوز قدر الضَرُورَةِ» (2). المراد بالضَرُورَةِ قُوتُ يَومِه ولَيلَتِه لا مؤونَةُ السَنَةِ؛ لأنّه لا يَمْلِكُ من الخُمْسِ ما زاد على السَنَةِ وهو حَقُّه، فكيف المشروط بالضَّرِوَةِ! وهذا هو الأجْوَدُ. نعم، لو لم تَنْدَفِع الضَرُورَةُ بقُوتِ اليومِ بأن لا يَجِدَ في اليومِ الثاني ما تَنْدَفِعُ به الضَرُورَةُ عادةً، صحّ له أخذُ ما تَنْدَفِعُ به، فلو وَجَدَ الخمسَ قَبْلَ فَنائِه، ففي وُجُوبِ رَدِّه نظر.

قوله: «وتَحِلّ لموالِيهم». أي عَبِيدِهم وإمائِهم المُعْتَقِينَ مع فَقْرِهم.

قوله: «ولو بادرَ المالكُ بإخراجِها أجْزَاتْه». لا تجزئ مع طَلَب الإمامِ؛ لأنَّها عِبادة، وهو حينئذٍ منهيّ، والنهي في العِبادَةِ يدلّ على الفَسادِ.

قوله: «ومع فقدِه إلى الفقيه المأمون». المرادُ بالفقيه - حيث يُطْلَق على وجه الوِلاية - الجامعُ لشرائِط الفتوى. وبالمأمون مَنْ لا يَتَوَصَّل إلى أخذِ الحقوقِ مع غَنَائِهِ عنها بالحِيَلِ الشَرْعِيَّةِ.

قوله: «ولو تلفت». بِخِلافِ ما لو قَبَضَها الوكيلُ.

قوله: «استحبّ عزلها». وتكون في يدِه أمانة، فلا يَضْمَنُها لو تَلَفَت بغيرِ تَعَدّ أو

ص: 615


1- منهم: المفيد في المقنعة، ص 242؛ والشيخ في النهاية، ص 185.
2- القائل هو المفيد في المقنعة، ص 243؛ والشيخ في النهاية، ص 187.

تَفْريطٍ، وليس له إبدالُها بَعْدَ ذلك.

قوله: «والإيصاء بها». مع عدمِ ظَنِّ الموتِ، ومعه يَجِبُ.

قوله: «وقيل: ما يجبُ في الثاني» (1). هذا التقديرُ على سَبِيلِ الاستِحبابِ دونَ الوجوبِ على الأصحِّ.

قوله: «بمِيراثِ وشبهه». مِن شِبْهِهِ شِراءُ الوَكيلِ ودَفْعُه إليه من دَينِهِ مع موافَقَتِه للدَّينِ في الجنسِ والوصفِ.

قوله: «دعا لصاحِبِه». الأفْضَلُ أن يَقُولَ القابِضُ: آجَرَكَ اللهُ فيما أَعْطَيتَ، وبارَكَ لك فيما أبقَيْتَ، ويَقُولُ الدافِعُ: اللهمّ اجعَلها مغْنَماً ولا تَجْعَلْها مَغْرَماً، والحمدُ للهِ على أدائِها.

قوله: «استحباباً على الأظهر». بل وجوباً، وكذا يَجِبُ على نائبه خُصُوصاً أو عُمُوماً، كالساعي والفَقِيهِ، ويُسْتَحَبُّ للفَقِيرِ. ولا يَخْتَصّ الدعاءُ بلفظٍ.

[زكاة الفطر]

قوله: «عند هِلال شَوّالِ». المرادُ ب- «هِلال شَوّال» الغُرُوبُ ودُخُولُ أوَّلِ لَيلَتِه. و ب- «صلاة العِيد» زَوالُ الشَمسِ، وهو آخِرُ وَقْتِها ، ويجوز بناؤه على حَذْفِ المضافِ، أي وَقْتَ صَلاةِ العَيْدِ.

قوله: «يُدِير على عياله». معنى الإدارةِ أن يُخْرِجَ صاعاً عن نَفْسِه بالنِيَّةِ ويَدْفَعَه إلى أحدِ عيالِه، ثُمَّ يُخرجه المدفُوعُ إليه إلى آخَرَ بالنِيَّةِ، وهكذا إلى الآخِرِ ثُمَّ يُخْرِجه الأخيرُ عن نَفْسِه إلى غيرِه من المستَحِقِّين، ولو كانوا أو بَعْضُهم صِغاراً، تَوَلّى النِيَّةَ عنهم الوليّ.

قوله: «ومن اللبن أربعة أرطال». بل الأصَحُّ أنَّه صاعٌ في الجَمِيعِ.

ص: 616


1- القائل هو السيّد المرتضى في جوابات المسائل الموصليات الثالثة، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 225، المسألة السابعة والعشرون.

قوله: «ويجوز تقديمها في شهر رمضان». نَعَم، الأصَحُّ جَوازُ التَقْدِيمِ من أَوَّلِ الشهر؛ لصحيحة الفضلاء - زرارةَ وبكير: ابنَي أعين، ومحمّد بن مسلم - عن الصادقَينِ علیهما السلام: «يُعطي يَومَ الفَطْرِ قَبلَ الصَلاةِ فهو أفضل، وهو في سَعَةٍ أَن يُعْطِيَها من أوَّل يَومٍ يَدْخُلُ من شهرِ رمضانَ» (1) إلى آخره.

قوله: «وإذا عزلها». المرادُ بالعَزْلِ تَعْيِينُها في مالٍ خاصٍّ بِقَدْرِها في وَقْتِها مع النيَّةِ.

قوله: «ولا يجوز نقلها». بل الأصحُّ جَوازُ نَقْلِها على كَراهِيَةِ مع إخراجِها في الوَقْتِ.

قوله: «ولا يعطى الفقير أقلَّ من صاعٍ». الوَجْهُ أنَّ ذلك على جهة الاستِحبابِ، ولا فرق في ذلك بَيْنَ الصاعِ المخْرَجِ عنه أو عمّنْ يَعُولُ.

ص: 617


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 76، ح 215؛ الاستبصار، ج 2، ص 45، ح 147.

كتاب الخمس

قوله: «وفي الحرام إذا اختلط». هذا إذا جَهِلَ مالِكَه وقَدْرَه بكلِّ وَجْهٍ، فلو عَلِمَ مَالِكَه خاصَّةً صالَحَهُ، ولو عَلِمَ قَدْرَه خاصَّةً تَصَدَّقَ به، وإن زاد عن الخُمْسِ مع اليأسِ من مَعْرفَةِ مالِكه، ولو عَلِمَ نُقصانَه عن الخمسِ اقتصر على ما عَلِمَه.

قوله: «عن مؤونة السَنَة له ولِعياله». لا فرق في العِيالِ بين واجِبِ النَفَقَةِ ومندوبها حتّى الضَيفِ، ويَلْحَقُ به ما يأخُذُه الظالِمُ منه قهراً، أو يصانِعُه به اختياراً. ويُعْتَبَرُ في جَمِيعِ ذلكَ ما يَلِيقُ بحالهِ عادَةً.

قوله: «وهل يجوز أن تخصّ به طائفة؟». جَواز الاختصاصِ قَوِيّ، والبَسْطُ أَحْوَطُ.

قوله: «من الصوافي والقطائع». الصَفايا (1) ما يُنْقَلُ، والقطائع (2) ما لا يُنْقَلُ، والمرادُ أنّ كُلَّ ما يَمْلِكُه مَلِكُ أهلِ الحَرْبِ فهو لِمَلِكِ الإسلام، وهو الإمامُ علیه السلام إن لم يكن مغصوباً من مُسْلِمٍ.

قوله: «لا بأس بالمَناكِحِ». المرادُ بالمَناكِحِ مَهْرُ الزَوْجَاتِ وأَثْمَانُ السراري، بمعنى أنَّها مَعْدُودَةٌ من جُمْلَةِ المُؤَنِ، فيُسْتَثْنى ذلك من مَكْسَبٍ سَنَتِه.

ص: 618


1- الصفايا جمع الصفيّة - مثل عطية وعطايا -:ما يختاره الرئيس لنفسه من المغنم قبل القسمة، كما في الصحاح، ج 4، ص 2401 - 2402؛ والمصباح المنير، ص 344، «صفو».
2- راجع الصحاح، ج 3، ص 1268، «قطع».

والمراد بالمَساكِنِ ثَمَنُ المَسْكَنِ، فإنَّه أيضاً مُسْتَثْنى من الأرباحِ ومَعْدُودُ من جُمْلَةِ المَؤُونَةِ، وكذا يُسْتَثْنى المَسْكَنُ الذي في أَرْضِ الإمامِ علیه السلام كَرُؤوسِ الجِبالِ. والمرادُ بالمَتاجِرِ (1) ما يُشْتَرى من الغَنائِم حالَ الغَيْبَةِ، أو مِمَّنْ لا يُخَمِّسُ اِستِحلالاً له، فإنَّه يُباحُ لنا التَصَرُّفُ في المأخُوذِ منه وإن كان للإمامِ وفَرِيقِه حقٌّ فيه.

قوله: «أشبهها جواز دَفْعِه إلى مَن يعجز حاصِلُهم من الخُمْسِ». ويَتَوَلّى ذلك الحاكِمُ الشَرْعِي، وهو الفَقِيهُ العَدْلُ الإماميُ الجامِعُ الشَرائِطِ الفتوى. ولو فَرَّقَه غَيْرُه، ضَمِنَ.

ص: 619


1- لتوضيح المطلب راجع التنقيح الرائع، ج 1، ص 345؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 568.

كتاب الصوم

اشارة

قوله: «ويكفى فى شَهْرٍ رَمَضانَ نِيَّةُ القُرْبَةِ». والأجْوَدُ إضافَةُ الوُجُوبِ إليها، ولو أضافَ إليهما التَّعْيِينَ، كان أفضلَ، وأكْمَلُ من الجَمِيعِ إضافَةُ الأداءِ.

قوله: «وفي النَذْر المُعَيَّنِ تَرَدُّدُ». اعْتِبارُ التَعْيِينِ أولى.

قوله: «ويجوز تجدِيدُها في شَهْرٍ رمضانَ إِلى الزَوالِ». هذا مع النِسيانِ لها، أمّا لو تَرَكَها ليلاً عَمْداً، فَسَدَ ذلك اليَومُ وإن وَجَبَ فيه الإمساكُ. هذا في الأداءِ، أمّا في القَضاءِ فَيَجُوزُ تَجْدِيدُ النِيَّةِ إِلى الزَوالِ ما لم يَتَناول وإن أصبح بِنِيَّةِ الإفْطارِ.

قوله: «أصحّهما مساواة الواجب». الأقوى أَنَّ نِيَّةَ المَنْدُوبِ تَمْتَدُّ بامْتِدادِ النَهارِ بِحَيْثُ يَبْقى بَعْدَ النيَّةِ جُزْءٌ مِن النَهارِ، لكن إن وَقَعَتْ قَبْلَ الزَوالِ حَصَلَ له ثَوابُ صومِ جَمِيعِ النَهار، وإن وَقَعَت بَعْدَه فله ثَوابُ الباقي خاصَّةً.

قوله: «وتجزئ فيه نيَّةٌ واحِدَةٌ». بل تَجِبُ لكلِّ يَومٍ نِيَّةٌ.

[ما يمسك عنه الصائم]

قوله: «وفي فَسادِ الصّومِ... تَرَدُّدُ». الفَسادُ قَوِيٌّ.

قوله: «وكذا في الموطوءِ». يَفْسُدُ كالواطِئِ.

قوله: «والاستمناء». مع الإنزالِ.

قوله: «والارتماس في الماءِ». الارتماسُ مُلاقاةُ الرَأْسِ لمائعٍ شامِلٍ لجَمِيعِهِ دَفْعَةً

ص: 620

عُرْفِيَّةً وإِن بَقِي البَدَنُ، والأصَحُّ أنَّه مُحَرَّمٌ في الصَومِ الواجب لكن لا يُفْسِدُ الصَومَ. [و] لوِ ارْتَمَسَ الإنسانُ في الصَومِ الواجِبِ فَعَلَ حَراماً إنْ تَعَمَّدَ، ولا يَرْتَفِعُ حَدَثُه، والأحوطُ أنَّ عليه القَضاءَ، ولو كان جاهِلاً أو ناسياً اِرتَفَعَ حَدَثُه ولا شَيءَ عليه.

قوله: «أشبههما: التَحْرِيمُ بالمائِع». دون الجامِدِ، كالتحمّلِ بالفتائلِ ونحوِها.

[ما يوجب الكَفّارةَ والقَضاءَ]

قوله: «وكذا لو نام غيرَ ناوٍ للغسل حتّى طَلَعَ الفَجْرُ». الفرقُ بين تَعَمُّدِ البقاءِ على الجَنابَةِ والنَومِ غَيرَ ناوٍ للغسلِ: أَنَّ الأوَّلَ أخَصُّ من الثاني مطلقاً، فإنَّ كلَّ مُتَعَمِّدٍ للبَقاءِ عليها غَيرُ ناوِ للغُسْلِ بخلافِ العَكْسِ؛ فإنَّه قد لا يَخْطُرُ بِبالِه العَزْمُ على البَقاءِ عليها ولا ضِدُّه.

قوله: «أو إطعام سِتِّينَ مسكيناً». التَخْييرُ أقوى.

قوله: «وقيل: هي مُرَتَّبَةُ» (1). بل مُخَيَّرَةٌ.

قوله: «على الإفطارِ بالمحرَّمِ كفّارَةُ الجَمعِ». المراد بالإفطارِ هنا إفسادُ الصَومِ بالمحرَّمِ، ولا فَرْقَ بين التَحرِيمِ الأصْلِي كالزنى والاستمناءِ وإيصال الغُبارِ، والعارِضِي كَأَكْلِ مالِه النَجِسِ وجِماعِ زَوْجَتِه الحائِضِ.

قوله: «والاعتكاف على وَجْهِ». بأن يكون الاعتكافُ واجباً إمّا بِنَذْرٍ وشِبْهِهِ، وإمّا لكَونِهِ ثالِثاً وقد اِعْتَكَفَ يَومَيْنِ قَبْلَه.

قوله: «ولو انتبه ثمَّ نام ثانياً». الضابِطُ في ذلِكَ أنّ المُجْنِبَ يَجُوز له النَومَةُ الأُولى مع نيَّةِ الغُسْلِ واعتيادِه الانتِباهَ ليلاً، فإذا نام واتَّفَقَ عَدَمُ الانتِباهِ فلا شيء عليه، وإن انتَبَهَ ليلاً، حَرُمَ عليه النَومُ ثانياً، فإن عاوَدَ إليه - مع نِيَّةِ الاغتسالِ ليلاً واعتياد الانتباه - ولم يَنْتَبِه حتّى أصْبَحَ، وَجَبَ عليه القَضاءُ خاصَّةً، فإذا انتبه ثانياً تأكَّد عليه تَحْرِيمُ النَومِ، فإن عاوَدَ إليه ولم يَتَّفِق له الانتِباهُ حتّى أَصْبَحَ، وَجَبَ عليه القَضاءُ والكَفَّارَة، ولو لم يَكنُ معتاداً للانتِباهِ أو لم يَعْزِم على الغسل وَجَبَ عليه بأوَّلِ مَرَّةٍ.

ص: 621


1- القائل هو ابن أبي عقيل، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 305، المسألة 54.

ولا تَهْدِم الجَنابَةُ المُتَجَدّدَةُ ما سَبَقَ من العَدَدِ.

قوله: «قال الشيخان: عليه القَضاءُ والكفّارَة» (1). وعليه الفتوى والظاهِرُ أنّه إجماعٌ.

قوله: «وكذا لو ترك قول المخبر بالفجر» (2). إلّا أن يكون المُخْبِرُ بالفَجرِ عدلين فَتَجِب الكفّارة (3).

قوله: «وكذا لو أخلد (4) إليه في دخول الليل». هذا إذا كان المُفْطِرُ ممّن يجوز له التَقْلِيدُ أو كان جاهِلاً بِتَحْريم التَقْلِيدِ مع إمكانِه، وإِلّا اتَّجَهَ وُجُوبُ الكَفَّارَةِ.

قوله: «والإفطار للظلمة الموهمة دُخُولَ اللَيلِ». أي التي لم يَحْصُل معها ظَنُّ الدُخُولِ، بل يَحْصُلُ معها احتِمالٌ مَرْجُوجٌ. والذي يناسِب الأصْلَ وُجُوبُ الكَفَّارَةِ هنا مع العِلْمِ بأنَّ مثلَ ذلك لا يجوِّز الإفطارَ.

قوله: «ولو غلب على ظنِّه دخول الليل لم يقض». بل الأولى وُجُوبُ القَضاءِ مع حُصُولِ الخَطَأِ.

قوله: «ولو ذرعه لم يقض». أي سَبَقَه بِغَيْرِ اختِيارٍ (5). هذا إذا لم يَبْلَع ما صار منه في فَضاءِ الفَمِ، وإِلّا كَفَّرَ مع القضاءِ.

قوله: «وإيصال الماء إلى الحلق متعدِّياً». إذا لم يَحْصُل منه تَقْصِير في التَحَفُّظِ، وإلّا وَجَبَت الكَفَّارَةُ.

قوله: «وكذا من نظر إلى امرأة فأمنى». إلّا مع القَصْدِ أو الاعتيادِ فَيَجِبُ القَضاءُ والكَفّارَةُ، وإلّا فلا شيء، وكذا في الاستِماعِ، ولا فرق بَينَ المُحلَّلَةِ والمُحَرَّمَةِ.

قوله: «وهل تتكرّر بِتَكَرُّرِ الوَطْءِ في اليَومِ الواحد؟». الأَصَحُّ التَكْرارُ مطلقاً، سواء تَخَلَّلَ التَفْكيرُ أم لا، وسَواء اتَّحَدَ الجِنْسُ أم تَعَدَّدَ. ويَحْصُلُ التَعَدُّدُ في الأَكْلِ

ص: 622


1- المقنعة، ص 347؛ النهاية، ص 154.
2- هذه الفقرة في المتن لم ترد في المطبوعة بمؤسّسة البعثة.
3- في نسخة «م»: ولو كان المخبر عدلاً، وجبت الكفّارة أيضاً.
4- أخلدتُ إلى فلان أي رَكنْتُ إليه. راجع الصحاح، ج 1، ص 469، «خلد».
5- كما في الصحاح، ج 3، ص 1210، «ذرع».

والشُرْبِ بِتَعَدّدِ الازدِرادِ، وفي الجِماعِ بالعَودِ بَعْدَ النزْعِ.

قوله: «فإن عاد ثالثة قتل». الأولى قَتْلُه في الرابِعَةِ.

قوله: «لَزِمَه كفَّارَتانِ ويُعَزِّرُ». فَيَتَحَمَّلُ عنها التَعْزِيرَ كما يَتَحَمّل الكفّارة، فَيُعَزِّرُ بِخَمْسِينَ سَوطاً، ولو أكْرَهَتْه غُلِّظَ تَعْزِيرُها، ولا تَتَحمّلُ عنه الكَفَّارَةَ.

[مَنْ لا يَصِحّ منه الصوم]

قوله: «ولا يَصِحّ من المَرِيضِ مع التَضَرُّرِ به». يَحْصُلُ التَضَرُّرُ بِزِيادَةِ المَرَضِ وبُطْء بُرْئِه، ويُعْلَمُ ذلك بقولِ عارِفٍ يُفِيدُ قُولُه الظَنَّ به، وبالتَجْرِبَةِ.

[علامة شهر رمضان]

قوله: «ولو رئي شائعاً». يَتَحَقَّقُ الشياعُ بإخبارِ جَمَاعَةٍ بِالرُؤْيَةِ لا تَجْمَعُهم رابِطَةُ الكِذْبِ، بِحَيثُ يَحْصُلُ بإخْبارِهم الظَنُّ الغالِبُ المقارِبُ ِللعِلْمِ، ولا فَرْقَ فيهِم بين العَدْلِ والفاسِقِ والذَكَرِ والأُنثى، ولا فرق في ذلك بينَ رَمَضان وغَيرِه.

قوله: «وقيل: يقبل شاهدان كيف كان» (1). سَواء كان مِن البَلَدِ أو من خارِجِه، وسَواء كان بالسماءِ عِلَّةٌ أم لا.

قوله: «ولا اعتِبارَ بالجَدْوَلِ». حِسابٌ مَخْصُوصٌ لَا عِبْرَةَ به.

قوله: «ولا بالعَدَدِ». المرادُ بالعَدَدِ نَقْصُ شَعْبانَ دائماً وتمامِيَّةُ رَمَضانَ دائماً. وقيل: العَدَدُ عَدُّ الشهورِ المُغِمَّةِ ثَلاثِينَ ثَلاثِينَ (2).

[شرائط وجوب الصوم وقضائه]

قوله: «والإقامة أو حكمها». حُكْمُ الإقامَةِ كَثْرَةُ السَفَرِ ومُضِيّ ثَلاثِينَ يوماً على

ص: 623


1- القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة، ص 297؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 380. لتوضيح المطلب راجع مختلف الشيعة، ج 3، ص 353، المسألة 88.
2- القائل هو فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 250 - 251.

التَرَدُّدِ، وناوِي إقامَةِ عَشَرَةِ أيّامٍ، وفي حُكْمِهِم العاصِي بسفره.

قوله: «وكذا كلّ تارك عدا الأربعَةِ». الصَغِيرِ والمجنُونِ والمغمى عليه والكافر الأصْلي، فإنّهم لا يَجِبُ عليهم القَضاءُ.

قوله: «ولو ترك القضاء تهاوناً». التَهاوُنُ عَدَمُ العَزْمِ على القَضاءِ، سَواء عَزَمَ على التَرْكِ أم أهْمَل الأمرَينَ، وغَيْرُ المتَهاوِنِ مَن عَزَمَ على القضاءِ حالَ السَعَةِ فلمّا ضاقَ الوقتُ عَرَضَ له المانِعُ. والأقوى وُجُوبُ القضاءِ والفدْيَةِ مع تأخِيرِ القَضاءِ للقادرِ عليه، سَواء تَهاوَنَ أم لا، وهو خِيَرَةُ الدروس (1).

قوله: «يقضي عن الميِّت أَكْبَرُ وُلْدِه». المرادُ ب- «أكْبَرَ» مَن ليس هناك ذَكَرٌ أكْبَر منه، فلو لم يُخَلِّف إلّا ذكراً واحِداً تَعَلَّقَ به الوُجُوبُ، ولو كان غَيْرَ بِالِغ تَعَلَّقَ بِه الوُجُوبُ إِذا بَلَغَ.

قوله: «ولو كان وليّان قضيا بالحِصَص». أي ذَكَرانِ مُتَساوِيانِ في السِنّ، وكذا لو زادوا. ثُمَّ إن طابَقَ عَدَدُ الأيّامِ لعَدَدِهم أو القِسْمَة عليهم من غَيْرِ كسرٍ فظاهِرٌ، ولو انكسر عليهم أو كان يوماً واحداً وَجَبَ عليهم كِفايَةً.

قوله: «ويقضى عن المرأة ما تركته على تردّد». أي يقضي عنها وَليُّها - وهو أكبر الذُكُورِ من أولادِها - كالرَجُلِ، والقَضاءُ عنها هو أحوطُ القَولَينِ. قوله: «إذا كان الأكبر أُنثى فلا قضاء». بل يَقْضِي أكْبَرُ الذُكُورِ.

قوله: «ويتصدَّق عن شهر». الأقوى وُجُوبُ صَومِ الشَهْرَينِ.

قوله: «والمرويّ قضاء الصلاة والصوم»(2). وكذا الحُكْمُ لو نَسِي يَوماً أو أكْثَرَ.

[الصوم المندوب]

قوله: «ويَوم الغَدِيرِ». هو الثامِن عَشَرَ من ذِي الحِجَّةِ، ومَولِد النَبيِّ صلى الله عليه و آله و سلم هو سابِع عَشَرَ

ص: 624


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 249، ح 740.

من رَبِيعِ الأوَّلِ، والمبعَثُ هو السابِعُ والعشْرُونَ من رَجَبَ، ويوم دَحْوِ الأرضِ هو الخامِسُ والعشرون من ذي القَعْدَةِ، والمباهَلة هو الرابِعُ والعشرون من ذي الحِجّةِ، وقيل: الخامِسُ والعِشرون (1).

قوله: «وصوم عاشوراءَ حُزْناً». أشار بقوله «حزناً» إلى أنَّ صَومه ليس صوماً مُعْتَبَراً، بل هو إمساكٌ بدون نِيَّةِ الصَومِ، ويُسْتَحَبُّ الإمساكُ فيه إلى بَعْدِ العَصْرِ ثُمَّ الإفطارُ، وَلْيَكن الإمساكُ بالنِيَّةِ؛ لأنَّه عبادةٌ.

قوله: «من غَير إذنِ مُضِيفِه». وبالعكس. والكَراهِيَةُ أقوى.

قوله: «ولا المرأة من غَيرِ إذنِ الزَوج». عَدَّ في القَواعِدِ (2) صَومَ المرأةِ والمملُوكِ بدون إذن الزوجِ والمالكِ في بابِ المُحَرَّمِ.

قوله: «ولا الولد من غَيرِ إذنِ الوالد». الأولى الكَراهِيَةُ.

قوله: «ودُعِيَ إلى طَعامٍ فالأفْضَلُ الإفطارُ». لا فرقَ بين كونِ الطَعامِ مَعْمُولاً لأجلِه أو لا، ولا بين مَن يَشُقُّ عليه التَرْكُ وغَيْرِه. نعم يُشْتَرَطُ كَونُه مؤمِناً، وكَونُ الباعِثِ على الأكلِ إجابَةَ دُعائِه إن كان عالماً بصَومِه. والحِكْمَةُ في أفضَلِيَّةِ الإفطارِ على الصَومِ الحَثُّ على إجابَةِ دَعْوَةِ المُؤمِنِ وعَدَم مخالَفَةِ أمرِه. وقد روي: أنّ مَنْ دُعِيَ إلى طَعامٍ فأفطَرَ ولم يُعْلِم بِصَومِه كَتَبَ الله له صِيامَ سَنَةٍ (3).

[الصوم المحظور]

قوله: «أيّام التَشريقِ لمن كان بمنى». وهي الحادي عَشَرَ والثاني عَشَرَ والثالث عَشَرَ من ذي الحجّة، ولا فرق في ذلك بين مَنْ كان بمنى ناسكاً وغَيره.

ص: 625


1- القائل هو الشيخ في مصباح المتهجّد، ص 759.
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 384.
3- الكافي، ج 4، ص 150، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله، ح 3 - 4؛ الفقيه، ج 2، ص 84 - 85، ح 1800.

قوله: «والصَمْتُ». نَذْرُ الصَمْتِ هو أن يَنْذر أن يصومَ ساكتاً - كما تفعله النصارى - فإِنَّه مُحَرَّم في شَرْعِنا.

قوله: «أن يجعل عَشاءَه سحورَه». أو يصوم يومينِ من غَيرِ إفطارٍ بينهما.

قوله: «وصوم الواجب سفراً ما عدا ما استثني». وذلك سِتَّةٌ:

الأوّل: النَذْرُ المشروُطُ سَفَراً وحَضَراً.

الثاني: الثلاثَةُ بَدَلَ الهَدْي.

الثالث: الثَمانِيَةَ عَشَرَ بَدَلَ البَدَنَةِ.

الرابع: النذر.

الخامس: صَومُ كَثِيرِ السَفَرِ.

السادس: مع نِيَّةِ الإقامَةِ عَشراً، وكفّارة الصَيدِ على قولٍ (1).

قوله: «وقيل: الشرط خروجه قبل الزوال (2)». المُعْتَبَرُ خُرُوجُه قبلَ الزوالِ، والمرادُ به مجاوَزَةُ مَوضِعِ سماعِ الأذانِ ورُؤيَةِ الجُدْرانِ قبل الزوالِ، فيجوز الإفطارُ حينئذٍ، ولو لم يَبْلُغْ مَحَلَّ التَرَخُصِ حتّى زالت الشمس وجب الإكمال.

قوله: «وذو العطاش». العطاش - بضمّ العين -: داءٌ لا يَرْوَى صاحِبُه من الماء، فيجوز له الشربُ للضرورة دون الأكل، والاقتصارُ من الشُرْبِ على ما يَسدّ به الرَمَق؛ للخبر (3).

قوله: «وتتصدّقان عن كلّ يوم بمدّ وتقضيان». هذا إذا خافتا من الصوم على الولد، أمّا لو خافتا على أنفسِهما أفطرتا وقضتا بِغَيرِ كفَّارَةٍ، کالمريض. والمراد بالطَعامِ هنا الواجب في سائرِ الكفّارات.

ص: 626


1- حكاه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 415 عن ابن بابويه في رسالته؛ راجع مختلف الشيعة، ج 3، ص 433، المسألة 150.
2- القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة، ص 354؛ والشيخ الصدوق في المقنع، ص 197.
3- الكافي، ج 4، ص 117، باب الشيخ والعجوز يضعفان عن الصوم، ح 6؛ الفقيه، ج 2، ص 133، ح 1950.

كتاب الاعتكاف

قوله: «وهو كلّ مسجد جامع». المرادُ بالمَسْجِدِ الجامِعِ المَسْجِدُ الأعظم في البلدِ، واحترز به عن نحوِ مَسْجِدِ القَبِيلةِ. ولو كان للبلد مسجدان أو أكثرُ بالوصفِ جاز الاعتكافُ في الجَمِيعِ.

قوله: «أو شهادة». لا فرق فى الشَهادَةِ بين تَحَمُّلِها وأدائِها، ولا بين تَعَيُّنِها عليه وعدمِه.

قوله: «ولا يصلِّي خارج المسجد». هذا إذا لم يَتَضيَّق الوقتُ عن فِعلِها في المسجدِ، بِحَيثُ يستلزِمُ تأخيرُها إليه فوتَها، وإلّا صلّاها خارجاً. قوله: «المرويّ: أنّه يجب» (1). الوُجُوبُ قويّ . ويَجِبُ تَجْدِيدُ نيَّةِ الوجوبِ قَبْلَ الفَجْرِ الثالثِ، ولو نوى أيضاً قَبْلَ الغُرُوبِ كان أولى؛ لما قيل من دخول الليلة في اليوم.

قوله: «والبيع والشراء». وكذا ما في معناه، كالصلح والإجارَةِ، ومِثْلُه اشتِغالُه بالصنائِعِ، كالخِياطَةِ وغيرِها، إلّا مع الضَرُورَةِ.

قوله: «ولو خصّا ذلك بالثالث كان أليق بمذهبهما»(2). الأصحُّ اختصاصُ الكَفّارَةِ في الندبِ في الثوالث.

ص: 627


1- الكافي، ج 4، ص 177، باب أقلّ ما يكون الاعتكاف، ح 3؛ الفقيه، ج 2، ص 186، ح 2097.
2- قال الماتن: «فقد أطلق الشيخان لزوم الكفّارة» - أي كفّارة إفطار صوم شهر رمضان - إذا ارتكب المعتكف في أيّام اعتكافه ما يفسد الصوم. قال الماتن: «ولو خصّا ذلك بالثالث، كان أليق بمذهبهما» يعني من وجوب الثالث إذا مضى يومان.

كتاب الحجّ

اشارة

قوله: «وقد يجب بالنذرِ وشِبهِه». هو العهدُ واليمينُ.

[شرائط حجّة الإسلام]

قوله: «تخلية السَرْب». وهو - بفتح السين المهملة وإسكان الراء -:الطريق (1)، والمرادُ هنا عَدَمُ المانعِ من سلوكِ الطريقِ.

قوله: «ولو بذل له الزاد والراحلة». لا فرق في ذلك بين الموثوقِ به و غيره، ولا بین البذلِ اللازمِ بالنذرِ وشبهه وغيرِه؛ عملاً بإطلاق النصّ (2). نعم يُشْتَرَطُ بذلُ عَينِ الزادِ والراحِلَةِ، فلو بذل له أثمانَهما لم يجب القبول.

قوله: «وجود مَحْرمٍ». ومع الحاجةِ إليه يشترط في الوجوبِ عليها وجودُه ووُجُودُ ما يحتاج إليه من أُجرةٍ ونَفَقَةٍ إن توقَّف قبوله عليه.

قوله: «والحجّ ماشياً أفضل». وكذا لو مشى لتقليل النفقة فإنَّ الركوبَ أفضل؛ لأنَّ دَفعَ رَذيلَةِ البُخْلِ أولى من تَحصِيلِ هذه الفَضيلَةِ.

قوله: «وإذا استقرَّ الحجّ فأهمل». يَتَحقَّقُ الاستِقرارُ باجتماع الشرائط عند سير

ص: 628


1- كما في الصحاح، ج 1، ص 146، «سرب».
2- الكافي، ج 4 ص 266، باب استطاعة الحجّ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3، ح 3؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 455.

القافِلَةِ، وبقائها إلى حين إمكان فعل ما يصحّ معه الحجّ، وأقلّه مُضِيُّ بعضِ يومِ النحرِ.

قوله: «في مواضع العبور». أي يَقِفُ في السَفِينَةِ وجوباً إِذا عَبَرَ نَهراً، ولو أخلّ بذلك أثِمَ ولم يقدح في صِحَّةِ حَجِّه.

ويجب المشي مِن بلد النذر، ويسقط بعد طَوافِ النساءِ وصَلاتِه.

قوله: «فإن ركب طريقه قَضى ماشياً». الأجودُ أنَّه إن كان مطلقاً أعاد ماشياً، وإن كان معيَّناً أجزأه وكفَّر.

قوله: «يسقط لعجزه». إنّما يسقط الوصف - وهو المشي - لا أصل الحجّ فَيَجِبُ فِعْلُه بحسب المكنَةِ.

[القول في النيابة]

قوله: «عليه الحجّ». مع قُدْرَتِه عليه ولو مشياً، فلو عَجَزَ عنه جاز حجُّه عن غيره.

قوله: «وقيل: يجوز» (1). إن لم يتعيّن على المنوبِ أحدُ النوعين، كما لو استناب تبرُّعاً أو عن نذْرٍ مطلق أو كان ذا منزلين. بمكَّةَ وناءٍ ولم يَغْلِب أحدهما، وحينئذٍ يجوز العدول إلى الأفضل وهو التمتّع، ولا يَنْقُصُ شيء من الأُجرة، ولو تعيَّن أحدهما لم يجز العدول.

قوله: «وقيل: لو شرط عليه الحَجَّ على طريق جاز» (2). إن لم يتعلّق بالطريقِ المعَيّنِ غرض دِيني كزيارة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أو دُنيوِي كتجارة، وإلا تعيَّن المعيّن، ومع المخالَفَةِ يُرْجَعُ عليه بالتَفاوتِ.

قوله: «لكلّ واحد منهما طواف». إن كان الحمل تَبَرُّعاً أو استأجره ليحمله في طوافه، وإلّا اُحتُسِب للمحمولِ خاصَّةً.

قوله: «وإن كانت مجزئةً». الأولى حذف الواو في قوله «وإن»؛ لأنّه مع عدم الإجزاء تَجِبُ الإعادة، وكلامه يقتضي الاستحباب.

ص: 629


1- القائل هو الشيخ في النهاية، ص278؛ والمبسوط، ج 1، ص 439.
2- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 278؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 140، المسألة 106.

قوله: «أنّ الورَثَةَ لا يؤدّون جاز أن يقتطع». المراد بالجواز هنا معناه الأعمّ، فإنّ الاقتطاع حينئذٍ واجب، ويجب استئذان الحاكم إن أمكن إثبات ذلك عنده، وإلّا لم يجب. ويتعدّى إلى غير الحجّ من الحقوق الماليَّةِ والديونِ (1) ويجب استئذان الحاكم مع الإمكان وإلّا فلا، كما مرَّ.

قوله: «وفيه وجه آخر» (2). وهو أنّهما يستويان في الخروج من الأصل، وتُوَزَّع التركةُ عليهما مع القصور، وهو الأصحّ.

[في أنواع الحجّ]

قوله: «ثمّ يُنْشِئ إحراماً بالحَجِّ». يوم التَروِيَةِ، وهو يَومُ الثامِنِ من ذي الحِجَّةِ، وهو أفضلُ أوقاتِ الإحرامِ.

قوله: «والقِران إلّا مع الضَرُورَةِ». كخوف الحيضِ المتقدِّمِ على طوافِ العمرة.

قوله: «وقيل: وعشرة من ذي الحِجَّة» (3). هذا الخلاف لفظيٌ لا تَتَرتَّب عليه فائدةٌ، فإن أُريد بأشهر الحجِّ ما تقع فيه أفعال الحَجِّ في الجملة، فهي الأشهر الثلاثةُ، وإن أُريد بها ما يفوت الحجُّ بفواته، بني على فواته بالاختياريِّ الواجد وعدمه، فهي حينئذٍ تِسْعَةٌ من ذي الحِجَّةِ، أو عَشْرَةٌ مع الشهرَينِ السابِقَينِ.

قوله: «والقِران فرض حاضري مَكَّةَ». ومَن في حكمِهم، وهو مَن بَعُدَ عنها بأقلِّ من ثمانِيَةٍ وأربعينَ ميلاً.

قوله: «وأشعرها يميناً وشمالاً». بأنّ يُشعِر واحدة يَميناً والأُخرى شِمالاً، وهذا كالاستثناء ممّا تقدَّم، ولا يفتقر حينئذٍ إلى أن يجعلها صَفَّينِ إِلى جِهَتَينِ مَتَضادَّتَينِ

ص: 630


1- لتوضيح المطلب راجع التنقيح الرائع، ج 1، ص 433.
2- أي في الحجّ المنذور وجه: وهو أنّه يخرج من أصل المال كحجّة الإسلام، كما قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 379، المسألة 323.
3- القائل هو السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 109؛ وسار في المراسم، ص 104.

ليكونَ إشعارُ الجميعِ في اليمينِ.

قوله: «لكن يجدِّدان التلبية». الأصحّ وُجُوبُ تَجدِيدِ التلبيةِ وبدونه يُحلّان مطلقاً، ومحلّ التلبية بعد صلاة الطواف.

قوله: «إذا دخل بمكَّةَ (1) العدول». هذا إذا لم يكن الإفراد متعيِّناً عليه بأصل الشرع أو بنذر وشبهِه.

قوله: «ولا يجوز القِران بين الحجِّ والعمرة». بأن ينويهما معاً دفعةً واحدةً، وحينئذٍ فلا يقع أحدهما. والمراد بإدخال أحدهما على الآخر أن ينوي بالثاني قبل إكمال الأوّلِ فيَبْطُلُ الداخلُ خاصّةً.

[في المواقيت]

قوله: «وآخره ذات عرق». ويجوز الإحرام من بين هذه المواضِعِ الثَلاثَةِ؛ لأنّ الميقاتَ مجموعُ وادِي العَقيقِ.

قوله: «وكلّ مَن كان منزلُه أقربَ من الميقات». إلى مكَّةَ.

قوله: «ويجرَّد الصبيان من فَخّ». فَخّ بئر على نحوِ فرسخٍ من مكَّةَ، والمرادُ أنَّهم يُحْرِمون من الميقات ولا ينزعون المَخِيطَ إلى فَخّ رخصةً لهم إذا حجَّوا على طريق المدينةِ، ولو حَجّوا على غيرها، كانوا كسائر المحرمين.

قوله: «لو نسي الإحرام حتّى أكمل مناسكه». يتحقَّق نسيانُ الإحرامِ بِنِسيانِ النِيَّةِ أو التَلبيَةِ أو هما معاً، ولا يقدح فيه ترك التجرّدِ من المَخِيط ولُبْسِ ثوبَي الإحرام.

[في أفعال الحَجّ]

قوله: «وهي الإحرام». الإحرام توطِين النفسِ على تركِ المنهيّاتِ المعهودةِ إلى أن يأتِيَ بالمحلِّلِ.

ص: 631


1- في المختصر النافع: «مكّة».

قوله: «توفير شعر رأسه». وكذا يُسْتَحَبّ تَوفِيرُه إذا أراد القِران أو الإفرادَ، ولو أراد العمرةَ المفرَدَةَ استحبّ توفيره شهراً.

قوله: «غسل الليل لليلته ما لم يَنَمْ». أو يُحْدِثْ أو يَفْعَلْ ما ينافي الإحرام.

قوله: «ويُصلِّي نافِلَةَ الإِحرام ولو في وقت الفريضة». المرادُ أنَّه يُسْتَحَبّ أن يصلِّي نافِلَةَ الإحرامِ ستَّ ركعاتٍ وأقلّها ركعتان، ثُمَّ يُصَلِّي الفَرِيضَةً عَقِيبَها، فإن لم يكن وَقت فَرِيضَةٍ أحرم عَقِيبَ النافِلَةِ.

والعِبارَةُ بَعِيدَةٌ عن تأدِيَةِ المعنى، ولو أحرم بعد فريضةٍ مَقْضِيَّةٍ إذا لم يكن وَقْت مؤدّاةٍ كان أفضل.

قوله: «التلبيات الأربع». وتجب مقارَنَتُها لِنيَّةِ الإحرام كما تُقارَنُ تكبيرةُ الإحرامِ لِنيَّةِ الصَلاةِ.

قوله: «أو بالإشعارِ أو التقليدِ على الأظهرِ». قال المرتضى: لا ينعقد إلّا بالتَلبِيَةِ (1).

قوله: «وصورتها: لبّيك». بمعنى أُقِيمُ [أو] أُقابِل.

قوله: «والإشارة بيده». مع عقدِ قلبِه بها.

قوله: «لُبْس ثوبَيِ الإحرامِ». ويجب أن يأتَزِر بأحدهما ويَرْتَدِي بالآخَرِ، بأن يغطِّي مَنْكِبَيه أو يَتَوَشَّح به، بأن يغطِّي أحَدَهما خاصّةً.

قوله: «مقلوباً». بأنْ يَجْعَل ظَاهِرَه باطِنَه أو ذيلَه على الكتفَين، ولو جمع بينهما كان أولى، فلو أخرج يده من كُمِّه، لزمته كَفَّارة المخيط.

قوله: «أشهر هما المنع». الكَراهِيَةُ .أقوى.

قوله: «ولا يطوف إلّا فيهما استحباباً». يجوز [في غيرهما] على كَراهِيَةٍ.

قوله: «البيداء». البَيداءُ على ميلٍ من مسجد الشَجَرةِ، سَمِّيَتْ بذلك؛ لأنّها تَخْسِفُ بجَيْشِ السفياني وتُبِيده.

ص: 632


1- الانتصار، ص 253 - 254، المسألة 137.

قوله: «وقيل: بالتخيير» (1). التفصيل حسن.

قوله: «والاشتراط». محلّ الاشتراط قبل النيَّة بغير فصل، فيقول: اللهمّ إنِّي أرِيد التَمَتُّعَ بالعُمْرَةِ على كتابِك وسنَّةِ نَبِيِّك، فإن عَرَضَ لي شيء يحبسني فَحُلَّني حيث حبستَني بِقَدَرِك الذي قدَّرتَ عليَّ به، اللهمّ إن لم تكن حجَّةً فعُمْرةً (2).

ثمّ يصلِّي بالنِيَّةِ، والتَلْبِيَة.

قوله: «على رواية أبي بصير عن أبي عبدالله علیه السلام» (3). العمل على الروايةِ، وحينئذٍ فتبطل المتعة وتصير حجَّته مفردَةً فيأتي بعدها بعمرة مفردة، ثمّ إن كان فرضه التمتّع لم يجزئه ذلك، بل يجب عليه الحجّ ثانياً.

قوله: «جواز التحلّلِ للمحصورِ». الأقوى عدمُ جوازِ تعجيل المحصورِ بالشرطِ، ومن الجائز كون الشرطِ تَعَبُّداً أو دعاءً مأموراً به يترتَّب على فعله الثوابُ.

قوله: «مِن غير تربّص». فلو لم يشترط، لا يصحّ التحلّل حتّى يُرْسِل هديَه إلى مكَّةَ ويواعدهم على ذَبْحِهِ ثمّ بعد ذلك يُحِلُّ.

وأمّا المصدود سواء شرط أو لم يشترط تَحَلَّل.

[تروك الإحرام]

قوله: «وإشارة ودَلالةً». الإشارةُ باليدِ والرأسِ نَحْوَ الصَيْدِ، والدَلالةُ بالقولِ والكِتابَةِ ونحوِهما؛ لعموم الإطلاق.

قوله: «والطيب». نعم على الإطلاق.

قوله: «ولا بأس بالغِلالة للحائض». - بكسرِ الغين -: ثوبٌ رَقِيقٌ يُلْبَسُ تَحتَ الثِياب.

ص: 633


1- القائل بالتخيير هو الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 456، ذيل الحديث 2960.
2- الكافي، ج 4، ص 331، باب صلاة الإحرام ...، ح 2؛ الفقيه، ج 2، ص 318، ح 2560؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 77، ح 253.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 159، ح 529 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 243، ح 846.

قوله: «ولا بأس بالطَيْلَسان». هو ثَوبٌ منسُوجٌ مُحِيطُ بالبدنِ، ولا يجوز زَرُّه، للنصّ (1)، ومنه يستفاد عدم جواز عقدِ ثَوبَي الإحرام، ويَحْرُمُ أيضاً ما يشبه المَخِيْطَ من الثِيابِ المنسُوجَةِ كالدِرْعِ.

قوله: «وقيل: يشقّ عن القدم» (2). وجُوبُ الشقِّ مع الإمكانِ قويّ.

قوله: «وقتل هوامِّ الجسد». الهَوامّ - بالتشديد - جمع هامَّة: وهي دوابّه (3) كالقَمْلِ والبَراغِيثِ والقُرادِ، وإِنَّما يجوز نقله إلى مكان أحرزَ من الأوَّلِ أو مساوٍ له.

قوله: «ولا بأس بإلقاء القُرادِ». عنه وعن بَعيرِه لا قتلها.

قوله: «والحَلَمُ». هو - بفتح الحاء المهملة -: كِبارُ القُرادِ (4).

قوله: «ويجوز أن تَسدُلَ خِمارَها إلى أنفها». بشرط أن لا يُصِيبَ وجهَها.

قوله: «و يَحْرُمُ تَظليلُ المُحْرِمِ سائراً». إنّما يَحْرُم إذا كان الظلّ فَوقَ رأسِهِ، فلو مشى في ظِلِّ المَحْمِلِ أو إلى جانبه صحّ.

قوله: «وفي الاكتحال بالسواد». يَحْرُمُ.

قوله: «والنظر في المرآة». يَحْرُمُ.

قوله: «ودَلْك الجسدِ». الأقوى التَحرِيمُ في الجميع عدا الدلك ما لم يُدْمِ، ومعه يَحْرُمُ.

قوله: «والحِنّاء للزينة». المَرْجِعُ في السُنَّةِ والزِينَةِ إلى القصدِ، ومثله التختّم.

قوله: «استعمال الرياحين». بل يَحْرُمُ عدا الشِيحِ (5) والخُزامى (6) والإذخرِ والقيصومِ.

قوله: «إحرام المرأة كإحرامِ الرجل إلّا ما استثني». المستثنى جَوازُ المخيطِ، وسَتْرُ

ص: 634


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 69 - 70 ، ح 227.
2- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 434؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 185.
3- كما في القاموس المحيط، ج 4، ص 194، «همّ».
4- كما في الصحاح، ج 4، ص 1903، «حلم».
5- الشيح - بالكسر -:نبت. القاموس المحيط، ج 1، ص 469، «شيح».
6- الخزامی کحباری: نبت أو خيري البرّ. القاموس المحيط، ج 4، ص 107، «خزم».

الرأسِ، وسَتْر القَدَمِ، وجَوازُ التظليلِ، ووُجُوبُ كَشْفِ الوجهِ.

[في الوقوف بعرفات]

قوله: «أجزأه الوقوف ليلاً». والواجب في الوقوف الاضطراري مسمّاه، ولا يجب استيعابُ الليلِ وإن أمكن، بخلاف الاختياري، فإنَّ استيعابَ الوَقْتِ فيه واجبٌ مع الإمكان.

قوله: «وأن يقف في السَفح». سَفح الجبل: أسفله حيث يَسْفَحُ فيه الماء أي يقف. قاله في الصحاح (1) .

قوله: «ويَسُدُّ الخلَلَ به». الجارّ في «به» متعلّق بمحذوفٍ صِفَةً للخللِ، أي الخلل الكائن به وبرحله، بمعنى قطعِ العَلائِق المانعةِ من الاشتغالِ بالدعاءِ وإقبالِ القلب على الله تعالى؛ لأنَّه يومُ دُعاءٍ وسُؤالٍ، ويجوز تَعَلَّقُه بالفعل وهو «يسدّ» بمعنى سَتْرِ الأَرضِ التي يمكنه سَتْرُها برحلِه وبنفسِه لتَلَقِّي رحمةِ الله تعالى، وهذا هو الظاهر من الأخبار، وكلاهما مستحبّ.

قوله: «وقيل: يصحّ [حجّة] ولو أدركه قبل الزوال» (2). أقسامُ الوقوفين بالنِسْبَةِ إلى الاختياري والاضطراري والتفريق ثَمانِيةٌ، كلُّها مجزِئة بوجهٍ إلّا اضطراري عَرَفَةَ وَحْدَه.

[في الوقوف بالمشعر]

قوله: «صلاة الغداة قبل الوقوف». المرادُ بالوقوفِ هنا حقيقته، وهو القِيامُ للدعاءِ.

وأمّا الوقوفُ بمعنىٰ الكونِ بالنِيّةِ فيجب وُقُوعُه بعد الفجرِ بلا فصل.

قوله: «وأن لا يجاوز وادِيَ مُحَسِّرٍ». أي لا يقطعه ولا بعضَه إلى طلوعِها؛ لأنَّ

ص: 635


1- الصحاح، ج 1 ص 375، .«سفح».
2- القائل هو السيّد المرتضى في الانتصار، ص 234، المسألة 120.

وادِيَ مُحَسِّرٍ ليس من المَشْعَرِ فلا يجوز دخولُه قبلَ طلوعِ الشمس، بناءً على وجوبِ استيعابِ الوقتِ الذي بين طلوعِ الفجرِ والشمسِ بالكون في المشعر، فإنّه أصحّ القولين ولو جاوزه قَبْلَ الطلوعِ أَثِمَ ولا كَفّارَةَ.

قوله: «يستحبّ التقاط الحصى من جَمْع». - بفتح الجيم وسكونِ الميم -: اسم للمشعر.

قوله: «قيل: عدا المسجد الحرام ومسجد الخَيف» (1). قويّ مطلقاً.

قوله: «أبكاراً». أي لم يُرْمَ بها قبل ذلك رمياً صحيحاً، فلو رُمي بها بغير نيّة أو لم يصب بجمرةٍ ونحو ذلك، جاز الرمي بها ثانياً، ولم تخرج من كونها بكراً.

قوله: «أن تكون رِخوةً بَرَشاً». المراد بِبَرَشها أن تكون ممتزجةً بين ألوان متعدِّدة.

وبالمنقَّطِ أن تكون الألوان في نفسِ الحصاة الواحدة.

[في مناسك منى]

قوله: «يرمي خَذْفاً». الخذْف هو أن يضع الحصاة على بطن إبهام اليُمنى ويدفعها بظُفْرِ السَبّابَةِ.

قوله: «ولا بأس به في الندب». ليس المرادُ بالندب هديَ الحجِّ المندوب؛ لأنّ الشروع في الحجِّ والعمرةِ يُوجِب إتمامَهما، بل المرادُ به الأُضْحِيَّةُ وهَديُ السِياقِ.

قوله: «الجَذَعُ لِسَنَتِهِ». ابنُ سَبْعَةِ أشهر.

قوله: «ولا العرجاء». وهي الشاة التي كُسِرَ قرنُها الداخِلُ.

قوله: «وتجزئ المشقوقة الأُذن». دون المقطوعة.

قوله: «فبانت مهزولة أجزأته». إنّما تجزئ المهزولة إذا ظهرت كذلك بعدَ الذَبحِ، وأمّا قبله فلا، أمّا المَعِيبَةُ فلا تجزئ مطلقاً. والفَرْقُ ظُهُورُ العيبِ دون السِمَن، فإنَّه مبنيّ على الظَنِّ فيمكن خِلافُه.

ص: 636


1- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 494؛ النهاية، ص 253.

قوله: «وقيل: أن تكون هذه المواضع منها سُوداً» (1). كلاهما حسن، ولها تفسير ثالث، وهو أن يكون السَواد كنايةً عن الخُضْرَةِ، ومنه سُمِّيَتْ أرْضَ السَوادِ، والمرادُ أن تكون نَظَرَتْ ومَشَتْ وبَرَكَتْ فى الخُضْرَةِ، وهو كنايةٌ عن سِمَنِها بسببه.

قوله: «وقيل: يجب الأكل منه» (2). الأقوى وجوب أكل شيء منه وإن قلّ، أمّا الصدقةُ فلا تجزئ أقلَّ من الثلتِ، وكذا الإهداء.

قوله: «صام الوليّ عنه الثَلاثةَ وجوباً». بل يجب صوم ما تمكَّن منه الميِّتُ.

قوله: «ولو ضلّ فذبح عن صاحبه، أجزأه». إن ذُبِحَ في محلِّه وهو مكَّةُ أو مِنى، كما سلف.

قوله: «وتصدَّق بثلثِها». إن كانت القِيَمُ ثلاثاً، ولو كانت اثنتين تصدَّق بنصفها، أو أربعةً فرُبعها، وهكذا.

قوله: «وإعطاؤها الجزّار». أُجرةً، أمّا صَدَقَةً فلا حَرَجَ.

[أحكام الحلق]

قوله: «ولو كان صَرُورَة». هو من لم يَحجَّ.

قوله: «ويجزئ ولو قدر الأنملة». بل الواجب مسمّاه.

قوله: «يجزيه إمرار الموسى». إنّما يجزئ الإمرارُ إذا لم يكن له شيء يقصِّر منه، وإلّا كان مقدَّماً على الإمرارِ؛ لأنّه بدل اضطراري، والتقصير بدل اختياري.

قوله: «فإذا طاف لحَجّة، حلَّ له «الطيب». بل بالسعي.

قوله: «وإذا طاف طواف النساء حللن له». وكذا يَحِلّ له الصيدُ الإحرامي، أمّا الحَرَمِيُ فيبقى ما دام في الحَرَمِ.

ص: 637


1- القائل هو ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 596.
2- القائل هو ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 598.

قوله: «ولو أخَّر أَثِمَ». بل الأقوى جواز تأخيره طولَ ذي الحِجَّةِ وإن كان التعجيلُ أولى.

[في الطواف]

قوله: «فيشترط تقديم الطهارة». إنّما تُشْتَرَطُ الطهارةُ في الطوافِ الواجبِ دون المندوب على الأصحِّ.

قوله: «الخِتان». الخِتانُ مع إمكانِه، فلو تَعَذَّرَ أو تَضَيَّقَ الوقتُ كخوفِ الوقوفِ صحّ بدونه.

قوله: «مغتسلاً من بئر ميمون». بئر ميمون بالأبطح حفرها ميمون بن الحَضْرَمِي في الجاهِلِيّةِ.

قوله: «والبدأة بالحجر والختم به». الواجِبُ في البدأةِ به والختمِ أن يكونَ أوّلُ جزءٍ من مقاديم بَدَنِه محاذِياً لأوَّلِ جزءٍ من الحَجَرِ علماً أو ظَنّاً، ليمرَّ عليهِ بِجَمِيعِ بدنِه بعد النِيَّةِ، ولتكن الحركةُ مُتَّصلَةً بالنِيَّةِ لتُقارِنَ أوَّل العِبادَةِ. ويستحبّ استقبالُ البيتِ عند النِيَّةِ ثُمَّ ينحرف بعدها.

قوله: «ويكون بين المَقامِ والبيتِ». راعى المسافَةَ من كلِّ جانبٍ.

قوله: «فإن منعه زِحام صلّى حيالَه». من كلِّ جانِبٍ وجوباً.

قوله: «والقرآن مبطل». أن يطوف أُسبوعينِ ولا يُصلِّي بينهما ركعَتَينِ.

قوله: «أكملها أُسبوعين». مستحبّاً إن ذكر بعد إكمال شوطٍ، وإلّا قطع وجوباً.

قوله: «ويعيد مَن طاف في ثوب نجس مع العلم». عامداً كان أو ناسياً.

قوله: «ولو علم في أثناء الطواف، أزاله وأتمّ». أي أزال الثوبَ عنه إن لم يَحْتَجْ إلى فعلٍ كثيرٍ ولمّا يُكْمِل أربَعَةَ أشواطٍ، وإلّا وجب الاستئناف. والمعهودُ إزالَةُ النجاسةِ لا الثوبِ، وهي مؤنَّثَةٌ لا يحسن عَودُ الضميرِ المذكّرِ لها.

ص: 638

قوله: «ولو قطعه لصلاة فريضة». بل يستأنف إن كان دون الأربَعِ فيهما (1) كغيرهما.

قوله: «وأتَمَّ الطواف». إن كان قد تَجاوَزَ نِصْفَ الطوافِ بأن طاف أربعاً، وإلّا استأنف الطوافَ والسعي.

قوله: «وأن يقتصد في مشيِه». الاقتصادُ في المشيِ هو التَوَسّطُ بين السُرعَةِ والبُطْء.

قوله: «ويذكرُ ذُنُوبَه». مُفَصَّلَةً.

قوله: «ولو جاوز المستجارَ رَجَعَ والتَزَمَ». ومتى التزم أو استلم حَفِظَ الموضِعَ الذي انتهى إليه طوافه ليعود إليه؛ حَذَراً من التفاوت.

قوله: «ويتطوّع بثلاثِمائة وستِّينَ طوافاً». ويجعل الزيادَةَ في الطوافِ الأخيرِ، وهذا مستثنىً من كَراهَةِ الزيادةِ في الطوافِ المندوبِ.

قوله: «ولو تعذّر العود استناب». المراد بالتَعَذُّرِ هنا المَشَقَّةُ الكَثِيرةُ التي لا تُتَحَمَّل عادةً.

قوله: «مَن شكّ في عدده بعد الانصرافِ». إن كان الشكّ على رأس الشوطِ، وإِلّا بَطَلَ .

قوله: «ولو نسي طواف النساء استناب». إن لم يَتَّفِق حُضُوره في السَنَةِ المُقْبِلَةِ، وإِلّا لم تَجُزْ الاستِنابَةُ.

قوله: «ولا يجوز تأخيره إلى غدِه». الأقوى عدم جواز تأخيره إلى الغدِ أيضاً، نعم، يجوز تأخِيرُه بساعَةٍ وبساعَتينِ للراحة ونحوِها.

قوله: «لا يجوز الطواف وعليه بُرْطُلَّةٌ». هي - بضمِّ الباء والطاء وإسكان الراء و تشديد اللام مع الفتح -: قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ كانت تُلْبَس قديماً (2).

ص: 639


1- أي في صلاة الفريضة والوتر.
2- راجع الصحاح، ج 3، ص 1633، «برطل».

[في السعي]

قوله: «والبدأة بالصفا». وتَتَحقَّق البَدأةُ بأن يُلْصِقَ عَقِبَيه بأوَّله أو يَصْعَدَ عليه، ويُسْتَحَبُّ التَرَقِّي إلى الدَرَجَةِ الرابعةِ، وفي المروَةِ يُلْصِق بها أصابِعَه ليُكْمِل قَطْعَ المسافَة، فإذا أراد العودَ ألصق عَقِبَه بها وأصابع رِجلَيه بالصفا إن لم يَصْعَدْ عليه، وهكذا في كلِّ شَوطٍ.

قوله: «ولا يبطُلُ سهواً»، فإن تَذَكَّرَ مع الزيادَةِ سهواً قبل إكمالِ الشوطِ الثامن قَطَعَ وجوباً وإلّا بَطَلَ، وإن لم يذكُر حتّى أكمَلَه تَخَيَّرَ بين إهدار الثامن وبين إكمالِ أُسبوعَينِ، ويكون الثاني مستحبّاً، ولا يُسْتَحَبُّ السَعْيُ إِلّا هنا.

قوله: «وفي الروايات: يلزمه دم بقرة» (1). استحباباً، إلّا أن يَتَعَمَّدَ فَيَجِبُ ما قُرِّرَ له في بابِ الكَفَّاراتِ.

[في أحكام منى]

قوله: «مشتغلاً بالعِبادَةِ». الواجِبَةِ أو المستَحَبَّةِ، ويجب استيعابُ اللَيلَةِ بالعِبادَةِ، إِلّا ما يضطَرّ إليه من أكلٍ وشُرْبٍ ونومٍ يَغلِبُ عليه.

قوله: «ويحصل الترتيب بأربع حَصَيات». مع النسيانِ أو الجهلِ لا مع العمدِ، فيُعِيدُ الأخِيرتَينِ ويبني على الأربعِ في الأُولى، ولو نَقَصَ عن الأربع بَطَلَ ما بَعْدَه، وفي صحَّتِه قولان: أجودُهما العَدَمُ.

قوله: «ولو حجّ في القابل استحبّ له القضاء» الأقوى وجوبُ القضاءِ في القابِلِ في أيّامِه، لكن إن اتَّفَقَ حُضُورُه وَجَبَتْ عليه المباشَرَةُ، وإلّا جازت الاستنابَةُ وإن أمكن العَودُ، ويجب في القَضاءِ نِيَّتُه.

قوله: «وتستحبّ الإقامة بمنى أيّام التشريق». قد تَقَدَّمَ أَنّ المَبِيتَ بمنى واجب،

ص: 640


1- الفقيه، ج 2، ص 413، ح 2851؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 153، ح 504.

ص: 641

ص: 642

ص: 643

ص: 644

ص: 645

ص: 646

ص: 647

ص: 648

ص: 649

ص: 650

ص: 651

ص: 652

ص: 653

ص: 654

ص: 655

ص: 656

کتاب التجاره

في لواحق البیع

قوله: «كركوب الدابّة». وإن كان في طريق الردِّ، خلافاً للشيخ (1)، أمّا العلف والسقي فليس بتصرّف، ولو نقلها من السوق إلى بلده فإن كان قريباً عادةً فكان كالعلف، وإن كان بعيداً أو مشتملاً على الخطر ففي كونه تصرّفاً نظر.

والضابط أنّ كلّ ما يُقْصَد به الانتفاع فهو تصرّف.

قوله: «إلّا مِن عيب الحبل». مِن مولاها لا مطلقاً.

قوله: «ويردّ معها نصف عُشْر قيمتها». بناءً على الغالب من كون الحامل ثيِّباً ولو كانت بكراً ردّ العُشْرَ.

قوله: «التصرية تدليس». التصرية مشتقّة مِن الصَرْي، وهو الجمع(2) . والمراد بها تحفيل الشاة ونحوها ومنع ولدها مِن رِضاعِها ليُوهِمَ أنّها لبون. قوله: «مِن الثُفْل المعتاد». الثُفل - بالضمِّ - ما يَثْفُلُ من كلِّ شيء (3). والمراد هنا ما في أسفل المائع من الدُرْدِي ونحوِه.

قوله: «فالقول قول البائع مع يمينه». لأصالة عدم التقدّم، والمراد بشاهد الحال نَحْوُ زيادةِ الإصبَعِ واندمال الجُرْحِ مع قصر زمان البيع بحيث لا يُحْتَمَلُ تأخّره عادةً، ويعتبر كونُه مفيداً للقطع، فيقدّم قول المشتري بغير يمين.

قوله: «ما لم تكن هناك قرينة حال». مع إفادة القرينة للقطع لا يمين على مَن شهدت له، وإلّا ثبتت اليمين.

قوله: «رجع إلى القيمة الوسطى». المراد بالقيمة الوسطى قيمة منتزعة من القِيَمِ، فمن الاثنتين النصف، ومن الثلاثة الثلث، وهكذا.

وذلك بأن يُجْمَعَ التفاوت بين كلِّ قيمة صحيحة ومعيبة، فيؤخذ بنسبته مِن الثمن، كما ذكرناه.

ص: 657


1- المبسوط، ج 2، ص 78.
2- المعجم الوسيط، ص 514، «صري»؛ لتوضيح المطلب راجع جامع المقاصد، ج 4، ص 347.
3- الصحاح، ج 3، ص 1646، «ثفل».

فلو باع متاعاً بخمسة عَشَرَ فوجد المشتري به عيباً، واختلف المقوِّمون فقال بعضهم: قيمته صحيحاً اثنا عَشَرَ ومعيباً عَشَرَةٌ، وآخرون: صحيحاً عشرة ومعيباً ثمانية، فالتفاوت بين القيمتين على الأوّلِ سدس، وعلى الثاني خمس، فيؤخذ من الثمن سُدسه وخُمسه، وهو خمسة ونصف، فالأرش نصفها، وهكذا.

قوله: «كان الحكم ثابتاً فيما لم يقبض». له أن يأخذ أرش العيب، وله أن يردَّ الجميعَ لا رَدَّ الجزء المَعِيبِ خاصَّةً.

[في الربا]

قوله: «الدرهم منه أعظم من سبعين زنية. كلّها بذات محرم، روى بذلك هشام بن سالم عن الصادق علیه السلام (1).

قوله: «ويحرم نسيئةً». لأنّ الأجل له قسط من الثمن، فالزيادة حاصلة قطعاً، وتسمّى هذه الزِيادَةُ حُكْميَّةً، وزيادَةُ المقدارِ عَيْنِيَّةً.

قوله: «وجهل المالك والقدر تصدَّق بخمسه». على الهاشميِّين، هذا مع عدم العلم بالزيادة على الخمس، ولو عَلِمَ وَجب الزائد، وتكون الزِيادةُ عن الخمس صَدَقَةً لا خمساً، ولو عَلِمَ نقصه عن الخمس أخرج ما تَيَقَّن دخولُه فيه صَدَقَةً.

قوله: «ولو جَهِلَ التحريم كفاه الانتهاء». الأصحّ وجوبُ ردِّ المال على مالكه وإن كان الآخذ جاهلاً، وتجب عليه التَوبَةُ كالعالم.

قوله: «ولا بين الزوج والزوجة». ولا فرق في ذلك بين الدائم والمنقطع.

قوله: «ولا بين المسلم والحربي». ويأخذ المسلم الزائد لا بالعكس.

قوله: «ویکره بيع الحيوان باللحم». إلّا أن يكون مذبوحاً فيحرم.

ص: 658


1- الكافي، ج 5، ص 144، باب الربا، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 269، ح 2407؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 14، ح 61.

[في الصرف]

قوله: «بيع الأثمان بالأثمان». لا بالفلوس؛ لأنّها متاع.

قوله: «فافترقا قبله بطل». «افترقا» يعود إلى المتبايعين، بمعنى أنّ الوكيل لا يقوم مَقامَ الموكَّل في القبض إذا لم يكن العقد قد وقع معه.

والضابط أنّ المعتبر تفرّق المتبايعين، سواء كانا مالكين أم وكيلين أو بالتفريق.

قوله: «قبل القبض لم يصحّ الثاني». وصحّ الأوّل إن قبض قبل التفرّق.

قوله: «فأمره أن يُحَوِّلها إلى الدراهم». إنّما يصحّ إذا حوّلها بوجه شرعي إلى ذمَّته، وإنّما يصحّ مع عدم القبض؛ لأنّ ما في الذمَّة في حكم المقبوض (1).

قوله: «ولو جمعا، جاز بيعه بهما». وكذا يجوز بيعه بأحدهما مع زيادته عن جنسه؛ ليقابل الآخر وإن قلّ.

قوله: «وكذا لو بان فيه زيادةٌ لا تكون إلّا غلطاً». أي في الثمن مع أنّ الحكم جارٍ في المبيع أيضاً.

قوله: «يجوز أن يُبَدِّلَ له درهماً بدرهمٍ». مع تساوي الدرهمين لا يجوز الشرط وإن كان صِياغَةَ خاتَمٍ؛ لأنّ الرِواية (2) الدالَّةَ على ذلك تضمَّنت بيعَ درهمٍ طازَجٍ بدرهمٍ غلَّةٍ وشَرْطَ صياغة خاتَم. والطازَج: الخالص (3). والغلَّة: غيره. فعلى هذا تكون الصِياغَةُ في مقابَلَةِ النقص، وليس فيها مخالفةٌ للأُصول، فيصحّ على هذا التقدير، ويتعدّى.

قوله: «الأواني المصوغة من الذهب والفضَّة». الأواني المصوغة من النقدين يجوز بيعها بهما مطلقاً، وبأحدهما مع زيادة الثمن على جنسه مطلقاً، أي سواء أمكن تخليصها أم لا، وسواء كان هو الأقلّ أم لا.

ص: 659


1- لتوضيح المطلب راجع التنقيح الرائع، ج 2، ص 99.
2- الكافي، ج 5، ص 249، باب الصروف، ح 20؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 110، ح 471.
3- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 133، «طزج».

قوله: «ضمَّ إليها شيئاً». أي إلى الأثمان، لا إلى الحِلية؛ لاستلزامه زيادة الخطر، ومثله عود الضمير إلى المراكب والسيوف (1).

وهذه العبارة اتّفقت للشيخ (2) فتَبِعَه المصنِّف، والرواية (3) سالمة عن التكلّف.

قوله: «لأنّه مجهول». مع جهالة نسبة الدرهم إلى الدينار، وإلّا صحَّ.

قوله: «يباع بالذهبِ والفضَّةِ». ولو بيع بأحدهما مع العلم بزيادة الثمن عن جنسِه صحَّ أيضاً.

[في بيع الثمار]

قوله: «ما لم يَبْدُ صلاحهما». الأصحّ جواز بيعها وإن لم يبد صلاحها، ولا يَضمُّ إليها شيئاً، ولا يبيعها أزيد من سَنَة، ولا يشترط القطع على كَراهِيَةٍ بدون ذلك كلِّه.

قوله: «لَقْطةً ولَقطات». والمرجع في اللَقْطَةِ والخَرْطَةِ والجَزّة إلى العرف.

قوله: «سقط من الثُنْيا بحسابه». مِن الحِصَّةِ والأرطال دون الشجر.

قوله: «وهي المزابَنَة». مأخوذة من الزَبْنِ وهو الدفع، كلّ منهما يدفع صاحبه في القدر؛ لأنّ الثمرة غير معلومة، والتخيير موجب للتدافع، ومنه سمِّيت الزبانِيَةُ؛ لأنّهم يدفعون الناس إلى نار جهنّم.

قوله: «ولو امتنع فللبائع إزالته». بل يَرْجِع إلى الحاكم مع إمكانه.

قوله: «من الزرع والخضر تردّد». الأولى عدم الجواز مطلقاً.

[في بيع الحيوان]

قوله: «لو باع واستثنى الرأس». المعتمد أنّ الحيوان إن كان مذبوحاً أو شَرَطَ ذَبْحَه

ص: 660


1- لتوضيح المطلب راجع جامع المقاصد، ج 4، ص 189.
2- النهاية، ص 383 - 384.
3- أي الرواية الدالّة على اشتراط انضمام شيء إن أراد البيع بالجنس. راجع الكافي، ج 5، ص 251، باب الصروف، ح 29؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 113، ح 487.

صح ويثبت له ما استثناه وإلّا فلا، وحينئذٍ يبطُلُ الشرط والعقد.

قوله: «كان له بنسبة ما نَقَدَ لا ما شَرَطَ». الحكم كما مرّ.

قوله: «وشرط للشريك الربح دون الخسارة». لا يَصِحّ العقد ولا الشرط، ولا عَمَلَ على الرِواية (1).

قوله: «مَن اشترى عبداً له مال». وتُشتَرط حينئذٍ السلامةُ من الصرف والربا، فلو كان مال العبد من أحد النقدين والثمن كذلك، اشترط تعجيل المقابل وقبضه في المجلس.

قوله: «حتّى تمضي لحملها أربعة أشهر». بل إلى أربعة أشهر و عَشَرَة أيّام إن كان الحمل من زِنىً، ولو كان محترماً أو مجهولَ الحال حَرُمَ حتّى تَضَعَ.

قوله: «أن يعزل له من ميراثه قسطاً». أقلَّ من سهم الرجل في الرجل، وأقلَّ من سهم المرأة في المرأة.

قوله: «تكره التفرقة بين الأطفال وأُمّهاتهم». لا فرق في التفرقة بين البيع وغيره. والخلاف في التحريم وعدمه إنّما هو بعد شرب اللِبأ، أمّا قبله فحرام.

قوله: «وحدّه سبع سنين». إن كان أُنثىً، وإن كان ذكراً فحدّه سنتان.

قوله: «ومنهم مَن حرّم». ومعه يبطل البيع.

قوله: «والعُشْر إن كانت بِكْراً». وكذا أرش البكارَةِ.

قوله: «ولا تكلّف السعي». بل يَرُدّها على المالك أو وكيله، فإن تعذّر فعلى الحاكم ولا تُستَسعى.

قوله: «وفي الفتوى اضطراب». ووجه الاضطراب الحكم بعود الأب إلى سيِّده مع أنّه يدّعي فسادَ البيع، وإمضاء الحجّة بفعل مَن حُكِمَ برِقِّيتِه بغير إذن سيِّده، واستنابة المأذون في الحجّة مع أنّ ظاهر الأمر مباشرتُه لها. وما ذكره المصنِّف من مناسبة الأصل غير واضح؛ لأنّ المأذون لا يمضى إقراره على ما في يده لغير سيِّده، بل الذي يناسب الأصل أن لا يلتفت إلى دعوى مولى الأب لدعواه فسادَ البيع، كما هو

ص: 661


1- الكافي، ج 5، ص 212، باب شراء الرقيق، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 71، ح 304.

المفروض، و تتعارض دعوى ورثة الآمر ومولى المأذون لدعواهما الصحَّة، لكنّهما غير متكافئتين؛ لأنّ مع مولى المأذون مرجِّحاً، وهو اليد على المأذون وما تحت یده فتَتَرجَّح.

هذا كلّه مع عدم البيِّنة لهما، ومعها يبنى على تقديم بيِّنة الداخل أو الخارج، والمشهور الثاني (1).

قوله: «ويطالب بما ابتاعه». إذا لم يكن ما في يده بالصفة، وإلّا انحصر حقّه فيه.

[في السلف]

قوله: «بمال حاضر أو في حكمه». وهو غير الحاضر حال العقد مع قبضه في المجلس، وربما دخل فيه ما كان حاضراً لكنّه لم يعيِّن عِوضاً ثم عيّن بعد العقد.

وإنّما دَخَل هذا القسم في حكم الحاضر مع كونه حاضراً بالفعل، ولم يدخل في الحاضر؛ لأنّ الحاضر في العبارة ما جعل ثَمَناً في متن العقد؛ لأنّه جعله صفةً لمّا قرنه بالباء وهو الثمن.

قوله: «ذكر الجنس والوصف. ضابط الوصف الذي يُشْتَرط ذكره ما يختلف الثمن باختلافه، وربما كان العامي أعرف به من الفقيه؛ لأنّ غرض الفقيه إعطاء القانون الكلّي، ويشترط في الألفاظ الدالّة على ذلك أن تكون مفهومةً للمتعاقدَين، فلو جَهِلها أحدهما بَطَلَ العقد.

قوله: «ولو كان الثمن ديناً على البائع صحّ». إن أسلفه عيناً بنفس الدين الذي في ذمَّته، فالأقوى عدم الجواز، وإن أسلفه عيناً موصوفةً ثمّ تهاترا بما في الذمَّة قبل التفرّق صحّ.

قوله: «ولا يكفي العدد». إلّا أن يقلّ التفاوت، كالنوع الخاصّ من الجوز، فيصحّ عدداً.

ص: 662


1- لتوضيح المطلب راجع جامع المقاصد، ج 4، ص 143 - 144 .

قوله: «على كَراهِية في الطعام». بل يَحْرُم فيه.

قوله: «كان مخيّراً بين الفسخ والصبر». وله أخذ القيمة الآن من غير فسخ ولا صبر.

قوله: «لو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات». بل يصحّ مع مغايَرَة النعجات للمسلم فيه وكونها مشاهَدة مشروطَةَ الجزِّ في الحال.

قوله: «أو غلّة من قراح بعينه لم يضمن». أي لم يصحّ العقد، فإنّه يشترط كون المحلِّ ممّا لا يخيس عادةً.

قوله: «قيل: يتبع به إذا أعتق» (1). نعم إلّا أن يكون من ضروريّات التجارة فيَلْزَم المولى.

[في القرض]

قوله: «والخبز وزناً وعدداً». مع عدم التفاوت وإلّا اعتبر الوزن.

قوله: «ولا يلزم اشتراط الأجل فيه». لو شَرَطَ تأجيله في عقدٍ لازمٍ وَجَبَ الوفاءُ به.

قوله: «ومع اليأسِ قيل: يتصدَّق» (2). قويّ، ويَضْمَنُ لو وُجِدَ، ولو دَفَعَه إلى الحاكمِ صحَّ ولا ضَمانَ.

قوله: «وما تَوِي منهما». تَوِي - بالتاءِ المثنّاةِ من فوقٍ وكسرِ الواو -: أي هَلَكَ (3). وما ذكره من الحكم هو المشهور. وإنّما يكون كذلك إذا قَبَضَه أحدُهما عن الدَينِ. ولو أراد الاختصاص بالمقبوضِ صالَحَه على ما يَسْتَحِقُّه في ذِمَّتِهِ به مع سلامتِه من الرِبا.

قوله: «لم يَلْزَمْ الغريم». بل يَلْزَمُ مع صِحَّةِ البَيع بأن لا يَسْتَلْزِمَ الربا.

ص: 663


1- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 107؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 58 - 57.
2- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 307.
3- الصحاح، ج 4، ص 2290، «توی».

قوله: «ولا يجمع بينهما لواحد». الضمير المثنّى يجوز عوده إلى الأُجرتين، وهو الظاهرُ، بمعنى أنّه لو وكَّله شخصٌ في بَيْعِ متاعٍ وآخَرُ في شِرائِه، لم يَتِمَّ له ذلك على وجه يستحِقُّ به الأُجرتين؛ لوجوب مراعاة المصلحةِ على الوكيل، وهي بالنسبة إلى البائع والمشتري على طَرَفَيِ النقيضِ، فلا يمكنه بذَلُ الجُهْدِ مع الاثنين.

هذا إذا كان مراد كلّ منهما المماكَسَةَ والسَعْيَ على ما فيه الغِبْطَةُ، ولو كان مرادُهما تَوَلِّيَ العقدِ خاصَّةً، مع اتّفاقِهما على الثمنِ، أمكن الجمع بين الأُجرتين، سواء اقترنا في الأمر أم تلاحَقا.

ولو كانت القيمةُ مضبوطَةً في العادةِ بحيث لا تَخْتَلِفُ أصلاً، فالظاهر أنّه كذلك. ويمكن عَودُ الضميرِ إلى الصيغتَيْنِ - أعني الإيجابَ والقبولَ - بِناءً على عدم جوازِ تَوَلَّي الواحدِ طَرَفَيِ العقدِ كما هو مذهب الشيخ (1)، وعليه حَمَلَ الشهيد (رحمه الله) (2) كلامَ الأصحاب.

وفيه بُعد؛ لأنَّه قد عَبَّرَ بذلك مَن قَطَعَ بجوازِ تَوَلَّي الواحدِ الطَرَفَينِ.

ص: 664


1- النهاية، ص 406.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 192(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

كتاب الرهن

قوله: «وهل يُشْتَرَطُ الإقباض؟». لا يُشْتَرَطُ.

قوله: «ولو شَرَطَه مبيعاً عند الأجل لم يصحّ». لأنّ البيع لا يتعلّق، والرهن لا يتوقّت، فيبطلان معاً، ويكون قبل الأجلِ أمانةً؛ لأنّه رهن فاسدٌ، وما لا يُضْمَنُ بصحيحهِ لا يُضْمَنُ بفاسدِه، وبعد الأجل مضمون على القابض؛ لأنّه مبيعٌ فاسدٌ، وما يُضْمَنُ بصحيحه يُضْمَنُ بفاسدِه.

قوله: «بعد الارتهانِ دَخَلَ». لا يَدْخُلُ المتجدِّد إلّا مع الشرطِ.

قوله: «أشبهه: الجواز». بمعنى أنّه يكون موقوفاً على الإجازة.

قوله: «يجوز للمرتهن ابتياع الرهن المراد به إذا كان وكيلاً.

قوله: «وفي الميِّت رواية أُخرى» (1). لا عمل عليها.

قوله: «وعلى الذي يركب ويشرب النفقة». بل يَتَوقَّف رجوع المنفق على إذن المالك إن أمكن، وإلّا رجع إلى الحاكم، ومع تعذّره ينفق ويرجع مع الإشهاد، والظاهر جوازه بدونه.

قوله: «وقيل: أعلى القيم» (2). الأصحّ أنّه من حين التفريط كالغاصب، فيضمن أعلى القيم بالنسبة إلى الذاهب من العين، كما لو كان النقص بسبب الهُزال وشبهه. ولو كان من تفاوت السوق ضمن قيمته يوم التلف.

قوله: «ولو اختلفا». في قيمة الرهن اللازمة للمرتهن.

ص: 665


1- الفقيه، ج 3، ص 310، ح 4114؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 178، ح 784.
2- راجع المبسوط، ج 2، ص 488؛ ونسبه إلى الشيخ في المبسوط السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 174.

كتاب الحَجر

قوله: «بلوغ خَمسَ عَشرَة». المراد ب- «بلوغ خمسَ عَشرَةَ» إكمالها، فلا يكفي الدخول فيها، وكذا القول في التسع.

قوله: «الرشد». فَيُخْتَبَرُ التاجر بجودةِ المعامَلَة وعدم المغابَنَةِ، والصانع بالمحافَظَةِ على صَنْعَتِه، والمرأة بالاستغزال والاستنساج إن كانت مِن أهلِهما، ونحو ذلك.

قوله: «وفي اعتبار العدالة تردّد». لا تعتبر.

منشأ التردّد من حيث قوله علیه السلام: «شارب الخمر سفيه» (1) والسفيه محجور عليه، ومن حيث إنّ المراد بالسفيه المذكور في الخبر سفه الدِين لا السَفَهُ المقابِلُ الرُشْد.

قوله: «والسفيه». وهل يشترط فيه حَجر الحاكم؟ قولان (2) أقواهما عدم الاشتراط، فيمنع من التصرّف بظهور أمارة السفه، ويزول بزواله.

قوله: «وكذا في التبرّعات المنجَّزة». كالعَطيَّة والهِبَةِ والصَدَقَة وغير ذلك من المنجَّزات، فإنّه لا يصحّ إلّا من الثلث على الأقوى.

ص: 666


1- تفسير القمّي، ج 1، ص 139؛ تفسير العيّاشي، ج 1، ص 368.
2- لتوضيح المطلب راجع جامع المقاصد، ج 5، ص 196.

كتاب الضمان

[ضَمان المال]

قوله: «و تشترط فيه الملاءة». والمراد بالملاءة أن يكون مالكاً لمال يوفي به الدَين.

قوله: «أصحّهما: الجواز». الأقوى صِحَّة الضَمان بجميع أقسامه، لكن مع تأجيل الدَين إذا ضَمِنَه حالاً، ليس للضامن مطالبَةُ المضمون عنه إلّا بعد الأجل إِذا ضَمِن بإذنِه.

[الحوالة]

قوله: «وربما اقتصر بعض الأصحاب على رضاء المحيل والمحتال». مع موافقة المال المحتال به لما عليه جنساً ووصفاً، وإلّا اشتراط رضاه.

قوله: «وفي رواية: إن لم يُبْرئه فله الرجوع» (1). لا عمل عليها.

[الكفالة]

قوله: «وفي اشتراط الأجل قولان». عدم الاشتراط قويّ.

ص: 667


1- الكافي، ج 5، ص 104، باب الكفالة والحوالة ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 211، ح 496.

كتاب الصلح

قوله: «إلّا ما حرّم حلالاً أو حلَّل حراماً». كالصلح على شرب الخمر، واسترقاق الحرِّ، والأوّل كالصلح على أن يطأ حليلته، أو لا يأكل لحماً مثلاً.

قوله: «والربح له وللآخر رأس ماله». يصحّ بعد تحقّق الربح أو الخسران، وإلّا فلا.

قوله: «فلمدّعي الكلِّ درهم ونصف». الأقرب أنّه لابدّ من اليمين، فيحلف كلّ منهما على استحقاقه النصف الآخر الذي تصادمت دعواهما فيه وهو ما في يده، فمن نكل منهما قضي به للآخر بعد اليمين المردودة، ولو نكلا معاً أو حلفا معاً قسِّم بينهما نصفين.

قوله: «وتَلَفَ واحد». ولو فرَّط المستودع بالمزج ضمِن الدرهَم.

قوله: «وإلّا بيعا وقسِّم الثمن بينهما أخماساً». هذا إذا لم يمكن بيعهما منفردَينِ، فلو أمكن وتساويا فلا كلام، ولو تفاوتا فالثمن الأقلّ لصاحب الأقلِّ؛ عملاً بالظاهر.

ص: 668

كتاب الشركة

قوله: «لا تنعقد بالأبدان والأعمال». شَرِكَة الأبدان هي اشتراك الصُنّاع في كسبهم. ومثلها شَرِكَة الأعمال، وشَرِكَة الوجوه تَرْجِع إليهما، وهي أن يشترك الوجيهان اللذان لا مال لهما على أن يتصرَّف كلّ منهما بجاهه في ذِمَّتِه والربح بينهما.

والمفاوَضَة وهي أن يشتركا فيما يملكانه ولو متجدِّداً.

قوله: «ولو شَرَطَ أحدهما في الربح زيادةً». إن كان في مقابَلَة الزِيادَةِ لأحدِهما عمل زائد صحّ، وإلّا فلا.

قوله: «لا تصحّ مؤجَّلَةً». المراد بالشَرِكَةِ التي لا تصحّ مؤجَّلةً وتبطل بالموت الإذن في التصرّف من أحد الشريكَين لصاحبه، فإنَّه يطلق عليه الشَرِكَة شرعاً.

وأمّا الشَرِكَة المتحقِّقة بالامتزاج ونحوه، فلا تبطل بالموت.

وإدخال الشَرِكَةِ في كتب العقود باعتبار المعنى الأوّل دون الثاني.

ومعنى عدمِ صحَّة التأجيل في الإذن عدم لزوم الوفاء به إلى الأجل، بل يجوز الرجوع فيه قبله.

ص: 669

كتاب المضارَبة

قوله: «لا يلزم فيها اشتراط الأجل». بمعنى أنّه لا يلزمَ الوفاء بها مدّة الأجل الذي عيِّن، بل يجوز فسخها قبله - كما لو لم يُذْكر لها أجل - لأنّها من العقود الجائزة، أمّا بعد الأجل، فلا يجوز للعامل التصرّف.

قوله: «ما لم يستغرقه». فلا شيء له.

قوله: «قيل: للعامل أُجرة المثل» (1). ضعيف.

قوله: «من الأصل كمال النفقة». المراد بكمال نفقته نفقة السفر أجمع.

قوله: «لا تصحّ بالعُروض». العُروض - بضمِّ العين جمع عَرْض بفتحها ساكن الوسط و يحرَّك - وهو المتاع وكلّ شيء سوى النقدَين، ذكره في القاموس (2).

قوله: «وفيه قول بالجواز» (3). ضعيف.

قوله: «عتق نصيب العامل من الربح». إن لم يكن الربحُ موجوداً حالَ الشراء، وإلّا يسري على العامل؛ لأنّه بمنزلة شِراء حِصّةٍ منه.

قوله: «كان للعامل أُجرته». إن لم يظهر الربح بعد الشروع في العمل وقت الإنضاض، وإن فسخ قبل الشروع لا شيء له.

ص: 670


1- القائل هو المفيد في المقنعة، ص 633؛ والشيخ في النهاية، ص 428.
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 346، «عرض».
3- حكاه عن السيّد المرتضى الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 14 - 15.

وكذا لو فسخ بعد العمل والإنضاض مع عدم الربح على الأقرب. نعم، لو ضارب إلى أجل وفسخ قبله وقد نَضَّ المال، فإنّ في وجوب الأُجرة تردّداً. قوله: «صار الربح له». مستند هذه المسألة رواية محمّد بن قيس عن الباقر علیه السلام: «مَن ضمَّن تاجراً فليس له إلّا رأسُ مالِه وليس له من الربح شيء» (1)، فعلى هذا ضمير «له» يعود إلى العامل بمعنى انقلاب القِراض قرضاً لذلك، عملاً بالرواية. والأجود أنّ ذلك يكون مع قصد القَرض بأن يقول: خُذْه واتَّجرْ به وعليك ضَمانه، ونحوه، وعليه تحمل الرواية.

أمّا لو صرّح بالمضارَبَةَ كأن يقول: خُذْه مضارَبَةً - ونحوه - وعليك ضَمانُه، فإنّه قِراض فاسد، والربح تابع للمال فيكون للمالك.

قوله: «وفيه رواية بالجواز متروكَةٌ»(2) . لا عمل عليها.

ص: 671


1- الكافي، ج 5، ص 240، باب ضمان المضاربة ...، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 229، ح 3850؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 190، ح 839.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 191، ح 845.

كتاب المزارعة والمساقاة

[المزارعة]

قوله: «لا تبطل بالموت». إلّا أن يشترطَ على العامل العمل بنفسه فتبطل بموته.

قوله: «وشروطها ثلاثة». أجزاء المزارعةِ الواقعةِ بين المتعامِلين أربعة: البذر، ،والأرض، والعمل، والعوامل، فمتى كان بعضها من أحدِهما والباقي من الآخر صحّ، ويحصل من ذلك صُوَر كثيرة كلّها جائزة.

قوله: «إلّا أن يشترطه على الزارع». مع العلم بقدره.

قوله: «تثبت أُجرة المثل». هذا إذا كان البذر من صاحب الأرض، أمّا لو كان البذر من العامل، كان الزرع له وعليه أُجرة الأرض.

فالحاصل أنّ الزرع يَتْبَع البذر، فكلّ مَن كان له البذر كان الزرع له.

قوله: «تكره إجارة الأرض للزراعة». إن لم يكن من حاصلها، وإلّا حَرُمَ.

[المساقاة]

قوله: «ما لم تتلف الثمرة». ولو تلف بعض الثمرة لم يسقط شيء من المشروط.

ص: 672

کتاب الوديعة والعارية

[الوديعة]

قوله: «تفتقِر إلى القبول». وكذا تفتقِر إلى الإيجاب، وإنّما تركه لتنبيهه عليه في التعريف، فإنّ الاستنابة تدلّ عليه.

قوله: «ويرجع به على المالك». مع إذنه، فإن تعذَّر استأذَن الحاكم، فإن تعذَّر أشهد ونوى الرجوع واستحقَّه.

قوله: «إن أمكنه الدفع وجب». ولو ببعضها، فإن أخلّ به ضَمِن ما زاد على ما يمكِن الدفع به.

قوله: «ردَّها عليه إن لم يتميَّز». بل يردّها على الحاكم.

[العارية]

قوله: «العاريّة». العارِيّة - بتشديد الياء - كأنّها منسوبة إلى العار؛ لأنّ طلبها عار وعيب، ذكره الجوهري (1).

قوله: «يرجع على المعير بما يغرم». إلّا أن تكون العاريَّة مضمونة لولا الغصب فلا رجوع له.

ص: 673


1- الصحاح، ج 2، ص 761، «عور».

كتاب الإجارة

قوله: «وهل تبطل بالموت؟». الميِّت إن كان هو المؤجِر لا تبطل بموته، إلّا أن تكون العين موقوفةً عليه وبعده على غيره، ويُؤجِر لمصلحته أو للأعمِّ وليس هو الناظر فتبطل بموته.

وإن كان الميِّت المستأجِر لم تبطل بموته، إلّا أن يشتَرِط عليه استيفاء المنفعة بنفسه فتبطل بموته.

قوله: «كلّ ما تصحّ إعارتُه تصحّ إجارتُه». إلّا الشاة للحَلب وما جرى مجراها، فتصحّ إعارتُها ولا تصحّ إجارتُها، وإنّما لم يستثنها لمخالفتها للأصل. قوله: «تُملك الأُجرةُ بنفس العقد». لكن لا يجب التسليم إلّا بالعمل.

قوله: «نقص من أُجرته شيئاً معيَّناً». إن كان جُعالةً، وإن كان إجارةً لم يصحّ، وتثبت له أُجرة المثل ما لم يُحِط الشرطُ بالأُجرة، ومعه فلا شيء له.

قوله: «وللمستأجِر أن يُؤجِر». ومتى جاز له الإيجار آجره لمساويه في الضرر أو دونه لا الأشقّ، كما إذا استأجَر دُكّاناً للتجارة فآجَره للتجارة والقِصارَة ونحوه.

قوله: «تخيَّر المستأجِر في الفسخ». إلّا أن يُعيدَه بسرعةٍ بحيث لا يفوتُ شيء من منافِعِه، فحينئذٍ لا يجوز له الفسخ.

قوله: «له إلزام المالك بإصلاحه». ليس له ذلك.

قوله: «ولو تنازعا في الاستئجار». فإن كان النزاع بعد استيفاء المَنْفَعةِ كلِّها أو

ص: 674

بعضِها ثبتت أُجرة المثل، إلّا أن تزيدَ عمّا يدَّعيه المالك مِن المسمّى فيثبُتُ المسَمّى خاصَّةً.

قوله: «وكذا لو كان في قدر الشيء المستأجر». التحالف هنا أقوى.

وكذا لو اختلفا في قدر الأُجرة، وحينئذٍ تنفسخ الإجارة وتجب أُجرة المثل مع استيفاء المنفعة ما لم تزد عمّا يدّعيه المالك.

قوله: «ولا يَعْمَلُ أجير الخاصِّ لغير المستأجر». فإن عَمِلَ لغيره تخيَّر المستأجِر المطالَبَة بأُجرة ما عَمِلَ أو أُجرة مثلِ المدَّة الفائتة.

ولو حاز مباحاً ونوى تملّكه مَلكَه. ثمّ إن كان في زمان له أُجرة لَزِمَه أُجرتُه، وإلّا فلا.

ص: 675

كتاب الوكالة

قوله: «فلا تصحّ معلَّقةً على شرط ولا صفة». الشرط ما يَحْتَمِلُ الوقوعَ وعَدَمَه، كقدوم المسافر. والصفة ما لابدّ من وقوعِهِ، كرأس الشهر.

قوله: «وإن أشَهَدَ بالعزل». ينعزل بإخبار الثقةِ له بالعزل.

قوله: «تبطل الوكالة بالموت والجنون والإغماء». إلّا في الطواف والسعي؛ فإنّ الوكالة لا تبطل بالإغماء. والفرق أنّه إنّما جازت الوكالة فيهما للعذر، والإغماء زيادة في العذر.

قوله: «أو قيمتها». يوم التلف.

قوله: «في الطلاق للغائب والحاضر». قويّ.

قوله: «ولو عمَّمَ الوكالة صحّ». مع مراعاة المصلحة.

قوله: «إلّا ما يقتضيه الإقرار». بمعنى أنّه لا يجوز التوكيل في الإقرار، ولا يكون التوكيل فيه إقراراً على الأصحّ.

قوله: «ولا الوكيل إلّا أن يؤذن له». صريحاً، أو بقرينة حاليَّة، كاتِّساع ما وُكِّلَ فيه أو ترفّعِه عن مباشَرتِه، أو لفظيَّة ك- «افعل ما شئت» على الأقوى.

قوله: «على المسلم تردّد». تصحّ على كَراهِيَة.

قوله: «ولا يتوكّل على مسلم». لمسلم ولا ذمِّي.

ص: 676

قوله: «إلّا أن يتعلّق بالأجل غرض». إلّا مع الغرض كجودة الثمن فيه أو حِلِّه فيكون موقوفاً.

قوله: «وعلى الوكيل مهرها». المشهور أنّ على الوكيل مع دعوى الوكالة نصفَ المهر، ومع عدمها فلا شيء. والأصحّ أنّه لا شيء عليه مطلقاً، إلّا أن يَضْمَنَه فيلزَمُه ما ضَمِن، لكنّه لو ضَمِن الجميع فطلّق الزوج قبل الدخول لَزِمَه النصف.

ص: 677

كتاب الوقوف والصدقات والهبات

[الوقف]

قوله: «يفتَقِر إلى القرينة». المراد بالقرينة اللفظيَّة، كقوله: «لا يُباع ولا يوهَب ولا يُورَث» ونحو ذلك.

قوله: «ويعتَبَرُ فيه القبض». وكذا القبول.

قوله: «أو الوصيّ». لأحدهما.

قوله: «إخراجه عن نفسه». فلو وَقَفَ على نفسه أو عليه وعلى غيرِه لم يجُزْ، ولو وَقَفَ على العلماء وهو منهم أو على الفقراء وصار منهم شاركهم.

قوله: «أشبههما البطلان»، بل يصحّ ويُتْبَع شرطُه، ويكون حبساً ينقطع بموته.

واختلف في الحاجةِ المشروطةِ، فقيل: عَجْزُه عن قوت سنته، وقيل: عن قوت يومه وليلتِه. والأولى تقديرها بحاجةٍ لا يدفعها إلّا الوقفُ أو بعضُه. قوله: «ويشترط أن يكون عيناً». تطلق العين على ما يقابل الدَين، فيقال: المال إمّا عين أو دَين، وعلى ما يقابل المُبْهَم، وعلى ما يقابل المنفَعَةَ، ويجوز الاحتراز بالعين هنا عن كلِّ واحدٍ من الثلاثةِ؛ لعدم جواز وقفها.

قوله: «النظر لنفسه على الأشبه». المراد به في نفس العقد، فلا أَثَرَ لما يجعل بعد ذلك. ثمّ إن كان الوقف على محصورين فالنظر فيه إليهم، وإن كان على جِهَةٍ عامَّةٍ فالنظر إلى الحاكم. والواقف بعد العقد كالأجنبي إذا لم يكن قد جَعَلَ فيه النظر لنفسه.

ص: 678

قوله: «وإن أطلق فالنظر لأرباب الوقف». إن كانوا محصورين، وإلّا فالنظر للحاكم.

قوله: «انصرف إلى فقراء نِحْلَتِه». انتحل الشيء أي اتَّخذه دِيناً (1).

قوله: «والمسلمون: مَن صلّى إلى القبلةِ». أي اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصلِّ إذا كان غير مستحلّ.

قوله: «والشيعة: الإماميَّة والجاروديَّة». والمراد بهم مَن قدَّم عليّاً علیه السلام على غيره في الإمامة، ومِن ثَمَّ اختصَّ الوقف بالفريقَين دون باقي فرق الزيدِيَّة. والجاروديَّة فرقة من الزيدِيَّة لهم شيخ يعرف بأبي الجارود بن زياد العبدي. يخصّون الإمامة لعلي علیه السلام بعد النبيِّ كالإماميَّة.

قوله: «والفَطَحِيَّة: مَن قال بالأفطح». هو عبد الله بن جعفر، كان أفطح الرجلين، أي متساوي الأخمصين.

قوله: «يرجع في الجيران إلى العرف». المراد بالجار الساكن بجواره عرفاً وإن لم يكن مالكاً للمسكن، فلو كان مستأجِراً أو مستعيراً استحقّ.

وكذا لا يشترط دوام سكناه بل صدق الاسم.

قوله: «والجواز مرويّ» (2). إن شرط ذلك في عقد الوقف صحّ، وإلّا فلا.

قوله: «دخل الأعلَونَ والأدنَونَ» الأعلَونَ: مَن أعتقهم، وإنّما دخل الجميع لشمول اسم المولى لهم. والأصحّ اتِّباع القرينة، فإن فقدت بطل.

قوله: «يُؤدِّي إلى فساده». فيه أو في النفوس، فيجوز بيعه حينئذٍ، ويشتري بثمنه ما يكون وقفاً مماثلاً له في الوصف مع الإمكان.

قوله: «كالولد والزوجة والخادم». والضَيف المعتاد، وله إحراز الطعام في الموضع المعدّ له وإدخال الدوابِّ كذلك، وإلّا فلا.

ص: 679


1- الصحاح، ج 3، ص 1827، «نحل».
2- الكافي، ج 7، ص 31، باب ما يجوز من الوقف ...، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 135 - 136، ح 572.

قوله: «لو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى». ويتخيَّر المشتري في فسخ البيع مع جهله، ومع علمه لا خيار له وينتظر المدَّة.

واحترز بتوقيتها بأحد الأمرين عمّا لو أسكنها مطلقاً، فإنّ بيعها يُبْطِل السكني، والأصحّ اختصاص صحَّة البيع في العمرى بها إذا كان المشتري هو المعمَّر.

قوله: «ما دامت العين باقية». أي عين المحبَّس لا المحبَّس عليه، بل يصرف إلى آخر.

[الصدقة]

قوله: «محرَّم على بني هاشم». اختصاص تحريم المحرّم بالزكاتين أقوى.

قوله: «إلّا أن يُتَّهَمَ». بمنع الحقوق وترك المواساة فيكون إظهارها أولى، وكذا يستحبّ إظهارها إذا قصد بإظهارها تأسِّي غيرِه به.

[الهِبَة]

قوله: «وهِبَة المشاع جائزة». وقبضه بتسليم الجميع إليه، فإن أبى الشريك وكَّله في القبض، فإن امتنع قبضه الحاكم.

والأصحّ أنّ إذن الشريك إنّما يعتبر في المنقول؛ لأنّ قبضَه نقلُه، بخلاف العَقار فإنّه [فيه] التخلية.

قوله: «من ذوي الرحم». ليس له الرجوع في جميع الأرحام، والمراد بهم الأقارب.

قوله: «ولو وهب أحد الزوجين الآخر». دواماً ومتعةً.

قوله: «أشبههما الجواز». إذا كان التصرّف موجباً لتغييرِ العين أو نقلِها عن الملك.

ص: 680

کتاب السبق والرمايَة

قوله: «ولو بَذَل السبق». السَبَق - بالتحريك -:العِوض (1).

قوله: «ولا يشترط المحلِّل عندنا». خلافاً للشافعي (2).

قوله: «تقدير المسافة والخَطَر». أي المالِ (3).

قوله: «وفي اشتراط التساوي في الموقف تردّد». مع احتمال سبق المتأخِّر .

قوله: «يتحقَّق السبق بتقدّم الهادي». وهو العنق.

قوله: «وفي اشتراط المبادَرة». لا يشترط، وتحمل على المحاطَّة.

قوله: «ولا يشترط تعيين السهم». مع عدم الاختلاف، وإلّا اشترط.

ص: 681


1- كما في الصحاح، ج 3، ص 1494، «سبق».
2- المجموع شرح المهذّب، ج 15، ص 150 - 151؛ مغني المحتاج، ج 4، ص 314.
3- كما في المصباح المنير، ص 173، «خطر».

كتاب الوصايا

[الوصيَّة]

قوله: «تكفي الإشارة الدالَّة على القصد». مع العجز عن النطق.

قوله: «كمساعَدَة الظالم». على ظلمه.

[في الموصي]

قوله: «المرويّ الجواز (1)». مطلقاً.

[في الموصى له]

قوله: «وللذمِّي ولو كان أجنبيّاً، وفيه أقوال». هذا أحدها. والثاني: المنع مطلقاً.

والثالث: المنع في غير الرحم.

قوله: «لمكاتب قد تحرَّر بعضه». تصحّ مطلقاً؛ لأنّه اكتساب.

قوله: «وإن نقص عن قيمته سعى في الباقي». تفصيل المصنِّف جيِّد.

قوله: «وفيه وجه آخر ضعيف». للوصيّ العتق منه بقدر الثلث الباقي منه بعد الدَين مطلقاً، سواء كانت قيمته ضِعفَ الدَينِ أو أقلَّ، وهو أجود.

ص: 682


1- الكافي، ج 7، ص 28 - 29، باب وصية الغلام والجارية ...، ح 3-4؛ الفقيه، ج 4، ص 196، ح 5455 - 5453؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 181، ح 726 - 729.

قوله: «ولو أوصى لأهل بيته، دخل الأولاد والآباء». قويّ.

قوله: «ما لم يرجع الموصي على الأشهر». قويّ ما لم يقصد التخصيص.

[في الأوصياء]

قوله: «وفي اعتبار العَدالة تردّد». تعتبر.

قوله: «لو أوصى إلى عدل ففسق». والفرق بينه وبين مَن أوصى إلى فاسق ابتداءً أنّ الأوّل لم يرض باستئمان الفاسق، أو لم يعلم استئمانُه منه، بخلاف الآخر فإنّه رضيَ به، فلا يُؤثِّر فسقه على القول بالجواز.

قوله: «حتّى يبلغ الصبيّ ثمّ يشتركان». إلّا أن يشترط أن لا يتصرّف الكبير حتّى يبلغ الصغير ويُتَّبَع شرطُه.

قوله: «ولو تشاحّا لم يمض إلّا ما لابدّ منه، كمؤونة اليتيم». وعلف الدوابِّ وإحراز المال.

قوله: «فإن تعذّر جاز الاستبدال». بهما أو بأحدهما، ولا يشترط التعدّد في منصوب الحاكم.

قوله: «ولو التمسا القسمة لم يجز». لأنّه خلاف مقتضى الوصيّة من الاجتماع فى التصرّف.

قوله: «ويجوز أن يقتسما». والقسمة غير لازمة، بل يجوز لكلِّ منهما أن يتصرّف في قسمة الآخر، كما يجوز ابتداءً.

قوله: «إلّا مع تعدّ أو تفريط». التفريط ترك ما يجب فعله، والتعدِّي هو فعل ما يجب تركه.

قوله: «وأن يقوِّم مال اليتيم على نفسه». بأن ينقله إليه بعقد ناقل كالبيع.

قوله: «ويأخذ الوصىّ أُجرة المثل». بل أقلّ الأمرين (1) مع فقره.

ص: 683


1- أي من الأُجرة والكفاية.

قوله: «مَن لا وصيّ له فالحاكم وليّ تركته». ولو تعذّر جاز لبعض المؤمنين.

[في الموصى به]

قوله: «صحّ في الثلث وبطل الزائد». بل يَقِف على إجازة الوارث.

قوله: «ويُملَك الموصى به بعد الموت». والقبول، يكون القبول كاشفاً عن سبق الملك بالموت، ولو تأخّر عنه القبول فالنماء المتجدِّد بينه وبين الموت للموصى له.

قوله: «بالمضارَبَة بمال ولده الأصاغر». لكن إن كان في الوصيَّة مُحاباةٌ فهي من الثلث.

قوله: «أُخْرج الواجب من الأصل». إن كان الواجب ماليّاً، كالحجِّ والكفّارة والزكاة والخمس، وإلّا فمِن الثلث.

قوله: «وكذا لو أوصى بصُنْدُوق وفيه مال دخل المال». مع القرينة وإلًّا فلا.

قوله: «استناداً إلى فحوى رواية» (1). ترجع إلى القرينة.

قوله: «وفيه رواية (2) مطروحة». لا عمل عليها.

[في أحكام الوصيَّة]

قوله: «وفي ثبوتها بشاهد ويمين تردَّد». تثبت.

قوله: «ثمّ بانت بخلافه أجزأت». مع الاجتهاد، وإلّا فلا.

قوله: «أمّا الإقرار للأجنبي». الأصحّ أنّ الإقرار يُمضي من الأصل مطلقاً مع انتفاء التهمة. والمراد بالتهمة أن تدلّ القرائن على أنّ الإقرار غير مطابق للواقع، وإنّما قصد تخصيص مَن أقرّ له.

ص: 684


1- الكافي، ج 7، ص 44، باب بدون العنوان، ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 217، ح 5513 .
2- الكافي، ج 7، ص 61، باب النوادر، ح 15؛ الفقيه، ج 4، ص 217، ح 5513.

كتاب النكاح

[في النكاح الدائم]

قوله: «لا تجزئ التَرْجَمَةُ مع القدرة». ويجب على مَن لا يُحْسِن العربيَّة تعلّم ألفاظ النكاح؛ لأنّه شرط في صحّة العقد، ولو عَجَز أحدهما تكلَّم كلّ بلغته إذا فهم كلّ منهما كلامَ الآخر.

قوله: «الكريمة الأصل». من طرف الأب خاصَّةً، ولو كان من الطرفين كان حسناً.

قوله: «وإلى أهل الذمَّة». فإنّه يجوز النظر إلى وجوههم لغير تلذّذٍ ولا ريبةٍ، قطع به العلّامة في التذكرة (1).

قوله: «وإلى محارِمه». المراد بالمحارم مَن يحرم نكاحه مؤبَّداً بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرةٍ.

فخرج بقيد التأبيد أُخت الزوجة وبنت غير مدخول بها، فلا يجوز النظر إليهما إجماعاً.

قوله: «وقيل: مكروه (2)، وهو أشبه». قويّ، والكلام في الدائم.

قوله: «لم تحرم على الأصحّ». إلّا مع الإفضاء فتحرم معه مؤبَّداً.

ص: 685


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 574 (الطبعة الحجريّة).
2- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 482؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 223.

[في أولياء العقد]

قوله: «لا يزوّج الوصيّ إلّا مَن بلغ فاسد العقل». القول بثبوت الوِلاية مع نصِّ الموصي عليها قويّ يجوز للوصيِّ التزويج مع النصِّ.

قوله: «يكفي في الإجازة سكوت البكر». إلّا مع ظهور أمارة الكراهِيَة.

قوله: «ولها المهر للشبهة». مهر المثل لا المسمّى؛ لفساد العقد.

قوله: «وقيل: يلزمها المهر» (1). لا يلزمها مطلقاً إلّا أن تدَّعى الوكالة وتضمَنَ فيلزمها ما ضَمِنَتْه.

قوله: «وأن تختار خِيَرتَه من الأزواج». إلّا أن تكون خِيَرَة الأصغر أكمل.

[في أسباب التحريم]

قوله: «أسباب التحريم». الضابط: أنّه يحرم على الإنسان كلّ قريبٍ عدا أولاد العمومة والخؤولة.

قوله: «والعمَّة وإن ارتفعت». يُرِيد بالارتفاع والعلوّ عمَّتَه وعمَّة أبيه وعمَّة جدِّه، وهكذا عمَّة أُمِّه وعمَّة أجدادها، وكذا القول في الخالة.

وليس المراد عمَّة عمَّتِه وخالةَ خالتِه؛ لأنّ عمَّة العَمَّةِ وخالةَ الخالةِ قد لا تحرمان.

قوله: «أن يكون فى الحولين». إجماعاً؛ لقوله علیه السلام: «لا رضاع بعد فطام» (2).

قوله: «وفي رواية: إذا أحلَّها مولاها طاب لبنها» (3). لا عمل عليها.

[مسائل:]

قوله: «أولاد المرضعة وِلادةً لا رِضاعاً». من غير لبن الفحل.

ص: 686


1- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 468.
2- الكافي، ج 5، ص 443، باب أنّه لا رضاع بعد فطام، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 318، ح 1313.
3- الكافي، ج 5، ص 470، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه ...، ح 12.

قوله: «وإلّا حرمت المرضعة حَسْب». ومتى لم تحرم الصغيرة فإنّ عقدَها يَفْسد؛

للجمع بين الأُمِّ والبنت في وقت واحد، فيجدِّده إن شاء.

قوله: «وإلّا حرمت المرضِعة». دون الصغيرتين، بل ينفسخ عقدهما، وله اختيار أيَّتهما شاء دون الجمع بينهما؛ لأنّهما صارتا أُختين.

قوله: «ثمّ يطأها». ولا تشترط في ذلك مصلحة الطفل، بل انتفاء المفسدة.

قوله: «قيل: تتخيَّر العمَّة و (1) الخالة» (2). بل لهما فسخ عقد الداخلة لا عقدِ أنفسهما .

قوله: «بوطء الشبهة تردَّد». يُحرِّم مع التقدِّم.

قوله: «حرُمَت عليه بناتُهما». إن كان سابقاً وإن نزلت، ولا تأثير إذا كان لاحقاً.

قوله: «لا يجوز نكاح الأمة على الحرَّة». بِناءً على ما تقدَّم مِن حكمه بكَراهَة العقد على الأمة، وعلى ما اخترناه لا يجوز مطلقاً.

قوله: «ولا تحرم به». إن لم يعلم كونها ذاتَ بعل ولم يدخل، وإلّا حرمت به.

قوله: «مَن تزوّج امرأةً في عدَّتِها جاهلاً». بالعدَّة أو التحريم.

قوله: «مَن لاط بغلام فأوقبه». والمراد بالإيقاب هنا الدخول ولو ببعض الحشفة. ولا فرق بين أن يكونا بالغين أو أحدهما أو لا.

وتحرم الأُمّ وإن علت، وبنات الأولاد والأُخت فقط، ولا يحرم على المفعول بسببه شيء.

قوله: «حرمت عليه أُمَّ الغلام وبنته». وإن علت الأُمَّ ونزلت البنت.

قوله: «استيفاء العَدد». - بفتح العين - وهو نوعان: أحدهما: بالنسبة إلى عدد الزَوْجات، فكمال الأربع سبب لتحريم الزائد. والثاني: عدد الطلقات، لتحريم المطلَّقةِ.

قوله: «والمطلَّقة تسعاً للعدَّة». المراد بطلاق العدَّة أن يُطلِّقها على الشرائط ثمَّ يراجعها في العدَّة ويطأ، أعمّ مِن أن يطأ في العدَّة أو غيرها ثمّ يطلِّقُ. ومن هنا يعلم

ص: 687


1- كذا، وفي المختصر النافع: «أو» بدل «و».
2- القائل هو المفيد في المقنعة، ص 505؛ والشيخ في النهاية، ص 459.

أنّ إطلاق المصنِّف التسع للعدَّة مجاز؛ لأنّ الثالثة من كلِّ ثلاث ليست كذلك، فليس فيها إلّا ستّ للعدَّة. ووجه التجوّز إمّا باعتبار المجاوَرَة، أو بإطلاق اسم الأكثر على الأقلِّ.

وتظهر الفائدة فيما لو كان بين كلِّ ثلاث واحدة للعدَّة: فعلى الأوّل تحرم، وعلى الثاني لا تحرم، والثاني أقوى.

قوله: «بإسلام أيّهما اتّفق». إن كان الإسلام بعد الدخول، وإلّا بطل.

قوله: «التساوي في الإسلام». يشترط إيمان الزوج إذا كانت الزوجة مؤمنةً .

قوله: «وجبت إجابته». إلّا أن تريد العدول إلى الأعلى.

قوله: «وإن منعه الوليّ كان عاصياً». إلّا أن يكون ذلك طلباً للأعلى في الدِين أو الدنيا، حينئذٍ لم يكن عاصياً.

قوله: «وأن تزوِّج المؤمنة المخالف». بل يحرم.

قوله: «ولا بأس بالمستضعف». بل يحرم.

قوله: «ومَن لا يعرف بعِناد». بل يحرم تزويج المؤمنة له.

قوله: «إذا انتسب إلى قبيلة». ومثله لو انتسب إلى فرقة.

قوله: «ففي رواية الحلبي: تفسخ النكاح»(1). إن شرط ذلك في العقد وظهر خلافه، وكان أدنى ممّا شرط فلها الفسخ.

قوله: «فليس له الفسخ». لا فسخ إلّا أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً في العقد فيظهر أدنى، فالمعتمد الفسخ؛ لمخالفة الشرط.

قوله: «ويرجع به على الوليِّ». لا يرجع إلّا مع شرط العفّة وتدليس الوليِّ، وحينئذٍ فله الفسخ.

قوله: «ويحرم التصريح في الحالين». ولا تحرُم بذلك.

قوله: «كره لغيرهِ خِطبتُها ولا تحرم». بل تحرُم.

ص: 688


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 432، ح 1724.

[في النكاح المنقطع]

قوله: «بلفظ الإباحة والتحليل». لا ينعقد بهما.

قوله: «ولا يصحّ بالمُشْرِكَةِ». وكذا المجسِّمَة والغالية.

قوله: «أمةً على حرَّة إلّا بإذنها». بِناءً على جواز نكاح الأمة اختياراً، ولا نقول به.

قوله: «لو أخلَّت بشيء مِن المدَّة قاصّها. إن كان المنع اختياراً، فلو كان لعذر كالحيض أو الخوف لم يسقط به شيء على الأقوى.

قوله: «ولا يصحّ بذكر المرَّة والمرّات». أمّا لو شرط ذلك في أجل مضبوط لزم، وليس لهما التجاوز.

قوله: «وفيه رواية بالجواز» (1). لا عمل عليها.

قوله: «يقلبه دائماً». بل يُبْطِل.

[في نكاح الإماء]

قوله: «ففي جواز العقد عليها متعةً». اللام في العقد بدل من الضمير العائد على المولى المحدّث عنه، والمراد ولو هاياها (2) المولى، ففي جواز ... إلى آخره، فإنّ الخلاف إنّما هو في تزويج المولى، أمّا غيره فلا خلاف في عدم الجواز. وممَّن نقل الاتّفاق على ذلك الشهيد في شرح الإرشاد (3)، ولولا ذلك لكان اللفظ شامِلاً للمولى وغيره.

قوله: «وقيل: يشترط تقديم العتق» (4). وفي المسألة قول ثالث، وهو عدم اشتراط تقديم أحدِهما عيناً؛ لأنّ الكلام المتَّصل كالجملة الواحدة، فلم يملك عتقها إلّا أن يجعله

ص: 689


1- الكافي، ج 5، ص 460، باب ما يجوز من الأجل، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 267، ح 1149؛ الاستبصار، ج 3، ص 151، ح 555.
2- المهاياة أن يجعل لها يوماً وللمولى يوماً من خدمتها.
3- غاية المراد، ج 3، ص 55 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
4- القائل هو الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 268 - 269، المسألة 22.

مهراً لنكاحها (1)، وهو المعتمد.

قوله: «لرواية هِشام بن سالم» (2). لا عمل على الرواية.

قوله: «وكذا لو باع أحدهما». أي باع أحد العبدين دون الآخر كان الخيار للبائع والمشتري.

[في العيوب]

قوله: «أشبهه: ثبوته عيباً». إن لم يمكن علاجه أو أمكن وامتنعت.

قوله: «ولا بالعَرَجِ على الأشبه». إلّا أن يبلغ حدَّ الإقعاد.

قوله: «في المتجدِّد بعد العقد تردّد عدا العنن». استثناء مِن التردّد؛ إذ لا خلاف في ثبوت الفسخ به وإن تجدَّد بعد العقد. هذا إذا كان قبل الدخول، ولو كان بعده فقولان:

أصحّهما عدم الفسخ.

ضابطة: كلّما كان العيب سابقاً على العقد فلكلّ مِن الزوجين الفسخ. وكلّما تجدَّد بعد العقد والوطء فلا فسخ لأحدهما إلّا المرأة بجنونه. وكلّما تجدّد بعد العقد وقبل الوطء فلا فسخ لأحدهما أيضاً إلّا المرأة بالعُنّة والجنون.

قوله: «المستغرق لأوقات الصلاة». لا يشترط الاستغراق.

قوله: «وإن تجدّد». وتفسخ بالجنون وإن تجدَّد بعد الدخول.

قوله: «مهر المثل على الواطئ للشبهة». هذا مع جهل الزوجتين، فلو علمتا أو إحداهما أنّها ليست زوجة الداخلة عليه، فلا مهر؛ لأنّها بغيّةٌ.

قوله: «موطوءة». إشارة إلى تقييد ثبوت المهر بالدخول، فلو لم يحصل دخول بهما أو بإحداهما، ردَّت إلى زوجها، ولا مهر ولا عدَّة.

ص: 690


1- هو قول ابن الفهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 3، ص 343.
2- الكافي، ج 6، ص 193، باب نوادر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 231، ح 838؛ الاستبصار، ج 4، ص 10، ح 29.

قوله: «فوجدها ثيِّباً فلا ردّ». الأقوى أنّه له الفسخ مع العلم بسبق الثيبوبة.

[في المهور]

قوله: «فالغنيّ يمتّع بالثوب». المَرْجِع في الغنيِّ وقسيمَيه إلى العرف.

قوله: «قدَّم شيئاً قبل الدخول كان ذلك مهراً». بل الواجب مهر المثل.

ثمّ إن ساواه ما قدَّمه أو زاد فلا شيء، وإلّا فلها التَتمَّة.

ولو ادَّعت كونه هديَّة فالقول قوله.

قوله: «لو شرطت أن لا يفتضَّها صحّ». في المتعة، أمّا في الدائم فيبطل العقد والشرط.

قوله: «ولو أذنت بعده جاز». جواز الافتضاض بالإذن بعد العقد المتضمِّن للشرط في غاية الإشكال؛ لأنّ الفروج لا تباح بالإذن، فالعقد لم يقتضه بل اقتضى منعه، والمتَّجِه عدم الجواز.

قوله: «فإن أخرجها إلى بلد الشرك فلا شرط له». ولا يتعدّى إلى غيره من البلاد.

[في القَسم والشقاق]

قوله: «أمّا القَسْم». القَسْم - بفتح القاف -: مصدر قَسَمَ يَقْسِمُ، وأمّا بالكسر فهو النصيب.

قوله: «وبَعْثُهما تحكيم». ويشترط فيهما العقل والذكورة والحرِّيَّة والعَدالة.

[في أحكام الأولاد]

قوله: «فهو للأوّل». وتحرم على الثاني مؤبَّداً؛ لدخوله في عدَّة الأوّل.

قوله: «وكذا الحكم في الأمة». لكن على تقدير وِلادتها لدون ستَّة أشهر من وطء الثاني. والحكم بلحوقه بالبائع يُثْبِت فسادَ البيع؛ لأنّها أُمّ ولدٍ.

ص: 691

قوله: «لم يجز له إلحاقه ولا نفيه». هذا الحكم مشكل، والرِواية (1) لا تنهض حجَّةً فيه، مع أنَّها معارضة لقوله علیه السلام: «الولد للفراش» (2).

[في الرضاع]

قوله: «لا تجبر المرأة (3) على إرضاع ولدها». وتجبر على إرضاع اللِبأ؛ لأنّ المولود لا يعيش بدونه، ولها الأُجرة عنه.

[في النفقات]

قوله: «من نصيب الحمل على إحدى الروايتين(4) ». لا نفقة لها، وهي أشهر الروايتين (5).

قوله: «ولا تجب على غيرهم من الأقارب». وجوباً عينيّاً، أمّا لو احتاج القريب إلى القوت ونحوه بحيث لا يمكنه دفعه وجبت إعانته، وكذا غير القريب.

ص: 692


1- الفقيه ، ج 4، ص 314 - 315، ح 5680؛ ولتوضيح المطلب راجع نكت النهاية، ج 3، ص 265 - 266.
2- صحيح البخاري، ج 2، ص 724، ح 1948؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 282، ح 2273.
3- في المختصر النافع: «الحُرّة» بدل «المرأة».
4- الكافي، ج 6، ص 115، باب عدّة الحبلى ... ونفقتها، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 152، ح 526.
5- الكافي، ج 6، ص 115، باب عدّة الحبلى ... ونفقتها، ح 8 و 9.

كتاب الطلاق

[في الصيغة]

قوله: «تجريده عن الشرط والصفة». الشرط كقوله: أنتِ طالق إن دخلتِ الدار. ومثال الصفة: أنتِ طالق إذا جاء رأس الشهر.

[في أقسام الطلاق]

قوله: «وطلاق الثلاث المرسلة». أمّا غير الثلاث المرسلة فظاهر (1)، وأمّا الحكم فيها، فيشكل على ظاهره؛ لحكمه فيما تقدَّم بوقوع واحدة، فيمكن أن يكون رجوعاً عنه، ويمكن الجمع بين القولين بحمل عدم الوقوع هنا على المجموع من حيث المجموع، فلا ينافيه الحكم بوقوع واحدة.

قوله: «كما يصحّ للعدّة على الأشبه». الخلاف في السنّة، وأمّا العدّة فبالإجماع، بل للسنّة بالمعنى الأعمّ - هو المقابل للتحريم المؤبّد - فلا تحرم في التاسعة مؤبَّداً، وإنّما تفتقر إلى المحلِّل بعد كلِّ ثالثة.

[في اللواحق]

قوله: «فالمرويّ: القبول إذا كانت ثقة» (2). قويّ مع مضيِّ زمان يمكن فيه ذلك.

ص: 693


1- أي لا يصحّ الطلاق.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 34، ح 105؛ الاستبصار، ج 3، ص 275، ح 980.

[العِدَد]

قوله: «تعتدّ بثلاثة أطهار على الأشهر». قويّ.

قوله: «أكملت العدَّة بشهرين». وإن رأت الحيض مرّتين أكملتها بشهر.

قوله: «لا تحيض إلّا في خمسة أشهر». أو أربعة، والضابط أنّه متى مضت لها ثلاثة لا تحيض فيها اعتدّت بها.

قوله: «بانت به علی تردّد». لا تبين إلّا بوضع الثاني.

[عدَّة الوفاة]

قوله: «تعتدّ الحرّة بأربعة أشهر وعشرة أيّام». دواماً ومتعةً.

قوله: «ولا حِداد على أمة». موطوءة بالملك، إلّا أن تكون أُمَّ ولدٍ.

[المفقود]

قوله: «أجَّلَها أربع سنين». ويبعث أربعة رسل في أربع جِهات ويبحث عنه كلّ واحد أربع سنين ثمّ يطلّقها الحاكم احتياطاً، وتعتدّ عدَّة الوفاة، ويلزمها الحداد، ولا منافاة للرواية (1) .

[عدَّة الإماء]

قوله: «مع الدخول قُرءان». القرء بالضمِّ: الحيض، والطهر ضدّ. وجمع الطهر قروء، وجمع الحيض أقراء، ذكره في القاموس (2) فعلى هذا الآية (3) ليست مشتركةً،

ص: 694


1- الكافي، ج 6، ص 147، باب المفقود، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 547، ح 4886؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 479، ح 1922.
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 25، «قرأ».
3- البقرة (2): 228.

بل دالّة على أنّ المراد الطهر.

قوله: «أُمّ الولد تعتدّ من وفاة الزوج». الذي زوَّجها إيّاه مولاها، وكذا من موت مولاها.

قوله: «وفي الوفاة من حين يبلغها الخبر». وإن لم تثبت به الوفاة، لكن لا تتزوَّج إلّا بعد ثبوتها.

ص: 695

كتاب الخلع والمباراة

قوله: «وهل يَقَعُ بمجردِّه؟». وقوعه بمجردِّه أقوى وإتباعه بالطلاق أحوط.

قوله: «يشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر». الخلاف غير متحقِّقٍ، نعم، به رواية (1).

ص: 696


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 102، ح 346؛ الاستبصار، ج 3، ص 319، ح 1137.

كتاب الظهار

قوله: «وقيل: يقع» (1). لا يقع.

قوله: «وفي صحّته الشرط روايتان». اليمين والشرط يشتركان في أصل التعليق، ويفترقان في أنّ الغرض من الشرط مجرَّد التعليق، ومن اليمين الزجر عن المعلّق عليه، كما لو قال: إن دخلتِ دار فلان فأنتِ عليّ كظهر أُمِّي ، فإن قصد مجرّد تعليق الظهار على دخولها الدار، فهو شرط، وإن قصد منعها من دخولها، فهو يمين.

قوله: «ولا إضرار». بل يقع في الإضرار.

قوله: «وفي اشتراط الدخول تردّد». يشترط.

قوله: «والأقرب: أنّه لا استقرار لوجوبها». بمعنى أنّ وجوبها بالعود - وهو نيَّة الوطء - وجوب متزلزل، وإِنَّما يستقرّ بالوطء وهذا هو الأصحّ.

وتظهر الفائدة فيما لو مات أحدهما أو طلَّقها بائناً قبل الدخول، فإنّ الكفّارة تسقط عنه على الثاني دون الأوَّلِ.

قوله: «وكذا البحث لو كرَّر ظهار الواحدة». إن لم يقصد [التأكيد] (2) .

ص: 697


1- ممّن قال بالوقوع الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 170؛ وابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 298؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 334.
2- لتوضيح المطلب راجع المهذّب البارع، ج 3، ص 539 - 540.

قوله: «وقيل: يجزئ الاستغفار» (1). ليس المراد من الاستغفار الواجب بكفّارة وغيرها مجرَّد قوله: أستغفر الله، بل هو التوبة المشتملة على الندم على ما وقع، والعزم على عدم العود إليه أبداً، والاستغفار باللسان كاشف عن ذلك الندم والعزم.

قوله: «يُضَيَّق عليه». في المطعم والمشرب.

ص: 698


1- القائل هو ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 713؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 422، المسألة 75.

كتاب الإيلاء

اشارة

قوله: «فلو حلف لصلاح لم ينعقد». الإيلاء، وينعقد يميناً بشروطه.

قوله: «أو أزيد من أربعة أشهر». أمّا الأربعة فما دون فلا يقع.

قوله: «حتّى يكفّر ويفي». وهو فعل ما كان واجباً عليه.

قوله: «هل تشترط في ضرب المدَّة المرافعة؟ قال الشيخ نعم» (1). هذا هو المشهور.

[الكفّارات]

قوله: «مَن أفطر يوماً منذوراً على التعيين». الأصحّ أنّ كفّارةَ خلف النذر مطلقاً والعهد كفّارةُ رمضان.

قوله: «كفّارة خلف العهد على تردّد (2) ». المعتمد أنّ كفّارة خلف النذر والعهد واحدة كبرى مخيَّرة ككفّارة رمضان.

قوله: «مَن حلف بالبراءة». الأصحّ أنّه يلزمه مع الحنث إطعام عَشرة مساكين لكلِّ مسكين مدّ ويستغفر الله، كما ورد في توقيع العسكري علیه السلام (3).

ص: 699


1- النهاية، ص 527.
2- في المختصر النافع: «التردّد».
3- الكافي، ج 7، ص 461، باب النوادر، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 299، ح 1108.

قوله: «والاستحباب في الكلِّ أشبه». عدا الأوّل.

قوله: «شقّ الرجل ثوبه بموت ولده». الأقوى أنّه لا كفّارة في الجميع وإن حصل الإثم.

قوله: «مَن نذر صوم يوم فعجز عنه تصدَّق». إن تعيَّن النذر سقط مع العجز وإلّا توقّع المكنة، وما قيل من الكفّارة مستحبّ.

[في خصال الكفّارة]

قوله: «لابدّ من كونها مؤمنة أو مسلمة». بل لابدّ من الإيمان الخاصِّ، وتكفي في الطفل التبعيَّة للأبوين.

قوله: «وهو أشبه». قويّ، وكذا المكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدِّ شيئاً.

قوله: «ولا الخادم». الأقوى عدم وجوب الاستبدال في الخادم مع عدم زيادته عنه عادةً كمِّيّةً، ولا كيفيَّةً، وكذا المسكن والكسوة.

قوله: «ويجوز منضمَّين». إذا كان النصف فما دون.

قوله: «ولو انفردوا احتسب الاثنان بواحد». هذا مع إطعامهم، أمّا لو دفع إليهم، فإنّه يدفع إلى الصغير كما يدفع إلى الكبير، ويجزئ حينئذٍ؛ ولابدّ من إذن الوليِّ في الدفع أو مَن يعبأ بأمرهم.

قوله: «يجزئ الثوب الواحد». ويشترط كونه من جنس ما يصلّى فيه، ولا تجزئ القيمة.

قوله: «لم يلزمه العود». مع استمرار الصوم على الصحّة، فلو طرأ بعد ذلك ما يُفْسِد التتابع وجب العتق مع بقاء القدرة إلى حين الفساد.

قوله: «تصدَّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام». مِن الثمانية عشر.

ص: 700

كتاب اللعان

قوله: «وقول ثالث بالفرق». بين نفي الولد والقذف، فيثبت بالأوّل دون الثاني، عكس الفرق الأوّل.

قوله: «ثمّ تشهد المرأة أربعاً». أشْهَد بالله إنّه لمن الكاذبين فيما رماها به.

قوله: «إلّا أن تقرّ أربعاً على تردّد». الخلاف في ثبوت الحدِّ بعد الإقرار أربعاً وعدمه، أمّا قبل الأربع فلا خلاف في عدم الثبوت.

قوله: «أنّه أرخى عليها الستر لا عنها». الأقوى أنّه لا لعان ولا بينونة، ولا يثبت بذلك دخول، وتحمل الرواية (1)على أنّ إرخاء الستر كناية عن الدخول.

قوله: «وفي إيجاب الجلد إشكال». لا يجب.

ص 332 قوله: «وفي رواية أبي بصير» (2) . لا عمل على الرواية، ويثبت الإرث والحدّ.

ص: 701


1- الكافي، ج 6، ص 165، باب اللعان، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 193، ح 677.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 190، ح 664.

كتاب العتق

[في الرقّ]

قوله: «حكم برقِّيَّته». وإن كان المقرّ له كافراً، ولا يقبل رجوعه.

قوله: «وإذا بِيع في الأسواق». ولا يكفي في الحكم بالرقّيَّة مجرّد وجوده في السوق في يد مَن يدَّعي ملكه، إذا لم يُشاهَد شراؤه وبيعُه وإن كان لونه لون العبد؛ لأصالة الحرّيَّة، سواء أكذبه أم سكت، بل لابدّ من تصديقه له إن كان كبيراً، ولو كان صغيراً فإشكال.

واختار العلّامة في التذكرة (1) فيه الحكم بأصالة الحرّيَّة وفي غيرها (2) الحكم بالرقِّيَّة؛ عملاً بظاهر اليد، وهو أجود.

قوله: «أشهرهما: أنّه ينعتق». قويّ.

[في العتق]

قوله: «وفي لفظ العتق تردّد». يصحّ إن كان صريحاً في الإنشاء، كأنت عتيق أو معتق، دون معتوق. ولو قال: أنتِ حرَّة أو معتقة، وكان اسمها ذلك، فإن قصد الإخبار بالاسم لم تعتق، وإن قصد الإنشاء صحّ، وإن جهل رجع إلى نيَّته.

ص: 702


1- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 399، ذيل المسألة 464.
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 192، الرقم 5630.

قوله: «ولا يصحّ جعله يميناً». صيغة الشرط واليمين واحدة، وإنّما تتميَّزان بالنيَّة، كقوله: إن فعلتُ كذا فأنت حرّ، فإن قصد منع نفسه من فعل ذلك الشيء فألزم نفسه بالعتق؛ زجراً عن ذلك الفعل المعلَّق عليه، أو الشكر عليه إذا كان طاعة والبعث عليه، كان يميناً، وإن قصد مجرّد التعليق على حصول الفعل المذكور، كان شرطاً.

وأمّا الصفة، فهي ما لابدّ من وقوعه، كمجيء رأس الشهر. والفرق بينها وبين الشرط من وجهين: الأوّل: أنّ الشرط يمكن وقوعه في الحال،

والصفة لا يمكن وقوعها كذلك.

الثاني: أنّ الشرط يجوز وقوعه ويجوز أن لا يقع، والصفة لابدّ من وقوعها في ثاني الحال. والإجماع على عدم صحَّة تعليق العتق عليهما.

قوله: «ويجوز أن يشترط مع العتق شيئاً». ولا يشترط قبول المعتَق؛ لأنّه كاستثناء ما كان ملكاً للمالك، أمّا لو شرط عليه مالاً، اشتُرِط رضاه، لأنّ المال ليس نفسَ حقِّ السيّد وإنّما حقّه الخدمة.

قوله: «المرويّ: اللزوم» (1) . لا يصحّ.

قوله: «رواية بالجواز حسنة» (2) . لا يصحّ.

قوله: «وفي وقوعه من الكافر تردّد». إن كان كفره بجحد الإلهيَّة، فلا إشكال في عدم الوقوع، وإلّا فالأجود الوقوع.

قوله: «المرويّ: لا (3) ». العمل على الرواية، لكن لهم المطالبة بالأُجرة، والرواية لا تنافيها.

قوله: «لو ضرب مملوكه ما هو حدّ». يريد أنّه [لو] ضربه لحدّ وتجاوزه، فإنّه

ص: 703


1- الكافي، ج 6، ص 179، باب الشرط في العتق، ح 3.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 248، ح 898.
3- الكافي، ج 1، ص 179، باب الشرط في العتق، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 117، ح 3451؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 222، ح 797.

يستحبّ له عتقه كفّارةً عمّا زاد، وقيل: يجب (1).

[مسائل:]

قوله: «لو نذر تحرير أوّل مملوك [يملكه] فَمَلكَ جماعةً». الفرق بين أوّل مملوك وأوّل ما تلده أنّ «مملوكاً» نكرة في سياق الإثبات ولا يعمّ، و«ما» موصولة عامّة، فتشمل ما زاد على الواحد.

ولو عبّر في الصيغة الأُولى ب- «ما» وفي الثانية ب-«مولود» انعكس الحكم.

قوله: «فولدت توأمين عتقا». إن ولدا دفعة، وإلّا عتق الأوّل خاصَّة، إلّا أن تلده ميِّتاً فينعتق الثاني.

قوله: «فقال: نَعَم، لم ينعتق إلّا مَن سبق عتقه». لأنّ «نعم» ليست من صيغ الإنشاء، وهذا الحكم مخصوص بنفس الأمر، أما ظاهراً، فيحكم عليه بالعتق إن كان مختاراً.

قوله: «فخرجت عن ملكه انحلَّت اليمين». هذا مع قصد التخصيص بكونها مملوكته، أمّا لو عمّم، فلا ريب في عدم الحلِّ بالعود.

قوله: «أعتق مَن كان له في ملكه ستّة أشهر». المستند رواية داود الرقِّي (2)، وضعفها منجبر بالشهرة، ولا يتعدّى إلى نذر المال القديم وغيره.

ولو قَصُرت مدَّة الجميع عن ستَّة أشهر، قيل: بطل العتق(3)، وقيل: يعتق مَن مَلكَه أوّلاً (4). وهو أجود.

قوله: «استخرج الثلث بالقرعة». وتعتبر القيمة لا العدد.

ص: 704


1- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
2- الكافي، ج 1، ص 195، باب نوادر، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 231، ح 835، وفيهما: «داود النهدي» بدل «داود الرقّي».
3- القائل هو فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 483 - 484.
4- القائل هو العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 203.

فإن أمكن التعديل من غير احتياج إلى جزء وجب، وإلّا أكمل الثلث بجزء.

قوله: «إن كان موسراً». وهو مَن يَمْلِك حال العتق زيادةً عن داره وخادمه ودابَّته وثيابه المعتادة، وقوت يومه وليلته له ولعياله ما يسع نصيب الشريك أو بعضه، ولا اعتبار بیساره بعد العتق إذا كان معسراً حالته.

قوله: «وسعى العبد في فكِّ باقيه إن كان المعتق معسراً». هذا هو المشهور (1).

قوله: «فكّه إن كان موسراً». ضعيف.

قوله: «إذا أعتق الحامل تحرَّر الحمل». لا ينعتق الحمل بعتق أُمِّه إلّا مع القصد إلى عتقه على الخصوص.

قوله: «وأمّا العوارض فالعمى». قويّ.

قوله: «وتنكيل المولى بعبده». التنكيل: المثلة به، كجدع أنفه وقطع أُذنيه ورجليه وقلع عينَيه (2).

قوله: «وألحق الأصحاب (3): الإقعاد». قويّ.

قوله: «وكذا إذا أسلم العبد في دار الحرب». لا يكفي الشراء عن عتقه، بل يُعْتِقه الحاكم.

ص: 705


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 496 .
2- المعجم الوسيط، ص 853، «مثل».
3- في المهذّب البارع، ج 4، ص 64: إنّما نسبه إلى الأصحاب لاستناده إلى الإجماع وعدم النصّ.

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد

[التدبير]

قوله: «أمّا التدبير». هو عتق المملوك بعد وفاة سيِّده.

واشتقاقه من الدبر؛ لحصول العتق بعد الوفاة، وهي دبر الحياة.

قوله: «ولابدّ فيه مِن نيَّة» (1). المراد بالنيَّة القصد إلى الصيغة وإن لم يقارنه بالقربة، واحترز بها عن عبارة السكران ونحوه.

قوله: «ولا المُحرَج». أي المكرَه والمضيَّق عليه (2).

قوله: «فالولد مدبَّر كهيئتها». إن كان الولد لاحقاً بها.

قوله: «وفي رواية: إن علم بحَبَلها» (3) . لا عمل عليها.

قوله: «وفيه رواية بالتفصيل» (4). لا عمل عليها.

قوله: «هو حرّ بعد وفاة المخدوم». ولو مات المجعول له الخدمة في حياة المالك، كان التدبير ماضياً مِن الأصل، ولو مات المالك أوّلاً خرج من الثلث، فإن قصر عنه بقي بعضه مدبَّراً يتحرّر بموت المخدوم، ويسعى في باقيه.

ص: 706


1- في المختصر النافع: «النيّة».
2- راجع الصحاح، ج 1، ص 306، «حرج».
3- الكافي، ج 6، ص 183، باب المدبّر، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 121، ح 3463.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 261، ح 950؛ الاستبصار، ج 4، ص 28، ح 91.

[المكاتبة]

قوله: «والكتابة». الكتابة مشتقَّة من الكتب وهو الجمع، ومنه سمِّي الكتاب كتاباً؛

لأنّه يجمع المسائل، وسمِّي هذا العقد كتابةً؛ لأنّه يجمع الآجال، وهو معاملة مستقلَّة، لا بيعاً للعبد من نفسه، ولا عتقاً بصفة.

قوله: «وحدّه أن يؤخّر النجم عن محلِّه». نعم، للرواية الصحيحة (1) ولمخالفة الشرط.

قوله: «وكذا لو علم منه العجز». هذا تمام القول المحكيّ، ومعناه أنّ حدّ العجز أن يؤخِّر نجماً إلى نجم، أو يعلم من حاله العجز بعد حلول النجم الأوّل، فلا يجب الصبر إلى حلول النجم الآخر، بل إذا حلّ نجم وعجز عنه، فإن رجي له الوفاء إلى النجم الآخر صبر عليه حتّى يحلّ عليه النجم الآخر، وإن علم من حاله العجز جاز الفسخ بعد حلول النجم الأوّل، ولا يجب الصبر حتّى يحلّ النجم الآخر. المهذّب البارع (2).

قوله: «أشبه: أنّه لا يعتبر». إن كان العبد كافراً وقلنا بجواز كتابته لم يشترط الإسلام، وإلّا اشترط.

قوله: «ولورثته بنسبة الحرّية إن كانوا أحراراً». كأن تكون أُمّ الأولاد حرّة مثلاً، ولو كانت أمة وقد تجدَّدوا بعد الكتابة، تبعوه في حكمه (3).

قوله: «وأُلْزِموا بما بقي من مال الكتابة». وليس له إجبارهم على السعي.

قوله: «وفي رواية: يؤدّون ما بقي» (4). لا عمل على مدلول الرواية التي ذكرها المصنِّف، والرواية ليست صريحة فيه، بل محتملة لما ذكره المصنِّف.

قوله: «وبطل في الزائد». بل الأقوى صحّة جميع الوصيّة له مطلقاً؛ لأنّ قبولها نوع اكتساب وهو أهل له.

ص: 707


1- الكافي، ج 6، ص 185، باب المكاتب، ح 1.
2- المهذّب البارع، ج 4، ص 92.
3- لتوضيح المطلب راجع المهذّب البارع، ج 4، ص 95.
4- الفقيه، ج 3، ص 131، ح 3489؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 272، ح 991؛ الاستبصار، ج 4، ص 37، ح 125.

قوله: «ولا تتزوّج إلّا بإذنه». وكذا ليس له تزويجها إلّا بإذنها، أي لا يزوِّجها بأحد إلّا بإذنها، ولا وَطؤها - أي لا يَطَأُها وإن أذنت - لا بالعقد ولا بالملك ، ولو وطئها فعليه المهر.

[الاستيلاد]

قوله: «بعلوق أمته في ملكه». وهو أن يتحقَّق كونه مبدأَ نُشُوءِ آدمى ولو علقةً أو مضغةً، سواء كان حيّاً أو ميِّتاً. وفائدة غير الحيِّ انقضاء العدّة به، وإبطال سابق التصرّفات على الوضع إذا وقعت بعد الحمل.

قوله: «تقوّم على ولدها إن كان موسراً». لا تقوَّم عليه.

قوله: «وفي رواية محمّد بن قيس في وليدة نصرانيّة» (1). هذه الرواية مخالفة للأصل من جهَة اشتماله على استرقاق الحرّ؛ لأنّ ولدها حرّ؛ لتولّده عن نصراني محترم لا يجوز استرقاقه، إذ التقدير ذلك. ومن جِهَة تحتّم القتل على المرأة المرتدّة، وهو منتفٍ عن الفطريَّة، فكيف عن الملِّيَّة!.

وإنّما تحبس وتضرب أوقات الصلوات حتّى تموت أو تتوب، فما ذكره في النهاية (2) أجود.

ص: 708


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 213، ح 761؛ الاستبصار، ج 4، ص 255، ح 968.
2- النهاية، ص 499 - 500، قال: يفعل بها ما يفعل بالمرتدّة.

كتاب الإقرار

[الإقرار]

قوله: «وتقوم مقامه الإشارة». نعم مع تعذّر النطق.

قوله: «ولو قال: نَعَم». الفرق بين «نَعَم» و «بلى» أنّ «نَعَم» حرف تصديق، فإذا وقعت في جواب الاستفهام، كانت تصديقاً لما دخل عليه الاستفهام، فتكون تصديقاً للنفي، وذلك منافٍ للإقرار.

وأمّا «بلى»، فإنّها تكذيب له؛ لأنّ أصلها «بل» زيدت عليها الألف، فهي للردِّ والاستدراك، وإذا كان كذلك، فقوله: «بلى» ردّ لقوله: «أليس لي عليك كذا» فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفي له، ونفي النفي إثبات، ومِن هنا قال ابن عبّاس في قوله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ): ولو قالوا: نعم كفروا (1).

ووجه التردّد في نَعَم ممّا ذكر، ومِن قول جماعة من أهل العربيَّة بمساواتها ل-«بلى» حتّى نقل عن سيبويه وقوع «نَعَم» في جواب «ألستُ» (2) والعرف مطابق لذلك أيضاً، ولعلَّه الحجَّة.

فالقول بكونها إقراراً أقوى، كما اختاره الشهيد في الدروس (3).

ص: 709


1- حكى قول ابن عبّاس ابن هشام في مغني اللبيب، ج 1، ص 651 - 652؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 194؛ والآية في سورة الأعراف (7): 172.
2- نقله ابن هشام في مغني اللبيب، ج 1، ص 651 - 652.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

قوله: «قال الشيخ: لا يكون إقراراً (1). وفيه تردّد». إن اقتضى الاستعمال عرفاً عدم الفرق بين «نعم» و «بلى» فهو إقرار، وإلّا فلا.

[في المُقرّ به]

قوله: «ويقبل لو أقرّ للحمل». للإقرار للحمل صور ثلاثة:

أ: أن ينسبه إلى سبب صحيح شرعاً، كالوصيَّة له والميراث، فلا إشكال في الصحّة؛ للاتّفاق على صحَّة الوصيَّة له، وأنّه يرث.

ب: أن يَعْزِيَه إلى سبب ممتنع، كالجانية عليه والمعاملة له. وفي صحَّة الإقرار وجهان:

أحدهما: نعم؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (2)، واللغو الضميمة؛ لاقتضائها إبطال الإقرار، فتكون منافية له فتلغو، ويجري مجرى «له عليّ ألف من ثمن خمر».

والثاني: البطلان؛ لأنّ الكلام لا يتمّ إلّا بآخره. وقد عرفت جوابه.

والأصحّ: الأوّل.

ج: أن يُطْلِقَ، وفيه أيضاً وجهان: أجودهما: الصحَّة؛ تنزيلاً على المحتمل، وصوناً لكلام المكلَّف عن اللغو، ولعموم الخبر، ولأنّا قد بيَّنّا أنّه لو عزاه إلى سبب مبطل، لغى السبب وصحّ الإقرار، فهنا أولى.

[في المُقرّ به]

قوله: «بما يملك وإن قلّ». ولو أقرّ بما لم تجر العادة بملكه كقشر جوزة أو حبَّة حنطة أو بما لا يملك للمسلم كالخمر، لم يقبل منه.

ص: 710


1- المبسوط ، ج 2، ص 402.
2- لم نعثر عليه في الكتب الروائية ولكن ورد في الكتب الفقهية، راجع: مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، المسألة 226؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 428؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 257، ح 5؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 195.

قوله: «فالكلّ دراهم». الفرق (1) أنّ الدرهم لا يصلح لتفسير الألف المبهمة لمكان العطف، بخلاف ما لو وقع مفسِّراً بعد المبهم وإن تعدّد، والاستعمال يدلّ عليه.

قوله: «فلو قال: كذا درهم، فالإقرار بدرهم». هذا مع الرفع أو النصب.

أمّا مع الجرِّ فيلزمه جزء درهم.

أمّا الأوّل: فتقديره شيء هو درهم، فيكون الدرهم بدلاً معنويّاً من كذا، لا صناعيّاً.

وأمّا الثاني: فنصبه على التمييز، فيكون قد ميَّز القدر المبهم جنسُه بدرهم. وقيل: يلزمه عشرون؛ لأنّ أقلَّ عدد مفرد ينصب مميِّزه عشرون فصاعداً، فيحمل على الأقلِّ (2) ، وهو ضعيف.

وأمّا مع الجرِّ فكذا كناية عن الجزء ليطابق العربيَّة؛ لتعذّر جزء درهم. وكذا مع الوقف ؛ لدورانه بين الأقل والأكثر، وصلاحيته لهما، فيقتصر على المتيقَّن.

وقيل: يلزمه مع الجرِّ مائة؛ لأنّ «كذا» كناية عن العدد و «درهم» بالجرِّ بمنزلة المميِّز، وأقلّ عدد مفرد يكون مميِّزه مجروراً مائةٌ (3) . وقد عرفت ضعفه.

[في الاستثناء]

قوله: «ولا نقصان المستثنى عن المستثنى منه». أي عن الباقي منه بعد الاستثناء.

قوله: «لزمه ثمانية». فاستثناء الخمسة ينفي خمسة؛ لأنّها نفي واستثناء الثلاثة يُبْقي ثمانية؛ لأنّها إثبات، وقس على ذلك.

قوله: «كان الإقرار بالأربعة» (4). إنّما كان كذلك؛ لأنّ الاستثناء الأخير إذا كان بقدر الأوّل رجعا جميعاً إلى المستثنى منه، وكذا لو كان الثاني أكثر من الأوّل، وكذا الحكم لو كان الاستثناء بواو العطف، كقوله: له عندي عشر إلّا ثلاثة وإلّا ثلاثة، ففي هذه الصور

ص: 711


1- أي الفرق بين ألف ودرهم وبين مائة وعشرون درهماً.
2- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 415 - 416؛ والخلاف، ج 3، ص 365، المسألة 8.
3- القائل هو الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 367، المسألة 11؛ والمبسوط، ج 2، ص 415 - 416.
4- في المطبوعة: كان إقراراً بأربعة.

[رجعا جميعاً إلى] المستثنى منه. وهذه قاعدة مطَّردة في الاستثناء.

قوله: «لزمه درهمان». هذا بناءً على أنّ الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة ولا يصحّ عوده إلى الأُولى، فلا سبيل إلى صحّة الاستثناء حينئذٍ؛ لكونه مستغرقاً. أمّا على القول بعوده إلى الجملتين فيلزمه درهم فقط.

قوله: «ما لم يستغرق العشرة». فإن استغرق بطل التفسير وطولب بغيره.

[الإقرار بالنسب]

قوله: «يشترط في الإقرار بالولد الصغير». هذا إذا كان المقرّ بالولد الأب.

أمّا الأُمّ، فالأصحّ أنّها كغيره - أي غير الأب من الإنسان - لابدّ في لحوق الولد بها من التصديق، اقتصاراً على محلِّ الوفاق، ولإمكان إقامتها البيِّنة على الوِلادة، بخلاف الأب فإنّ انتساب الولد إليه غير محسوس، فتمتنع إقامة البيِّنة عليه.

قوله: «وإن كذّبه ضمن المقرّ ما كان نصيبه». كما لو أقرّ العمّ بأخ ثمّ أقرّ العمّ بولد، فإن صدّقه الأخ فلا بحث، وإن كذّبه فالتركة للأخ؛ لأنّه استحقّها بالإقرار فلا يلتفت إلى الرجوع، لكن يغرم العمّ للولد التركة؛ لأنّه فوَّتها عليه بإقراره الأوّل على ما اختاره المصنِّف (1).

وفيه نظر؛ لأنّ إقراره بالأخ لا يستلزم كونه وارثاً.

والحقّ التفصيل، فإن كان مع إقراره بالأخ سلَّمه التركة من غير حكم الحاكم ضَمِن، وإن دفعها إليه بعد بحث الحاكم عن الوارث واجتهاده فلم يظهر عليه الأخ، وأَمَرَه بدفعها إليه فلا ضَمان.

ولا فرق في وجوب البحث بين نفي العمِّ وارثاً غير الأخ أو لا، على أصحّ القولين، وكذا الإقرار بالمساوي ثمّ بالأولى.

قوله: «إلّا أن يُكَذِّبَ نفسه فيغرم له». الأصحّ ثبوت غرمه للثاني بمجرّد الإقرار،

ص: 712


1- شرائع الإسلام، ج 3، ص 125؛ ولتوضيح المطلب راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 360.

سواء أكذّب نفسه في الإقرار الأوّل أم لا؟

ولو أظهر لإقراره للثاني (1) تأويلاً يمكن في حقِّه، كما لو قال: إنّ الثاني تزوَّجها في عدَّة الأوّل ثمّ ماتت وظننت أنّه يرثها زوجان، فالأقرب القبول، وإن لم يكن في حقِّه ذلك لم يقبل.

قوله: «وكذا الحكم في الزَوْجات». فإذا أقرَّ بزوجة ثمّ بأُخرى، فإن تصادقتا اقتسمتا الحصّة، وإن كذَّبته الأُولى غرم للثانية نصف النصيب.

ولو أقرَّ بثالثة غرم لها الثلث مع التكذيب، فإن أقرَّ برابعة غرم لها الربع، فإذا أقرَّ بخامسة غرم لها الربع أيضاً بمجرّد الإقرار.

ولو كان الزوج مريضاً وتزوّج بعد الطلاق ودخل صحّ الإقرار، ولم يقف على حدّ إذا مات في سنته، فيشترك الجميع في النصيب مع التصادق، ويغرم للخامسة خمس النصيب، وللسادسة سدسه، وهكذا مع التكذيب.

ص: 713


1- في نسخة «م»: «لإقرار الثاني» بدل: «لإقراره للثاني».

كتاب الأيمان

[ما به تنعقد]

قوله: «وبأسمائه الخاصَّة». كالرحمن والرحيم والقديم والأزلي.

قوله: «دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه، كالموجود». والحيِّ والسميع والبصير وإن نوى بها الحلف؛ لسقوط الحرمة بالمشارَكَة.

قوله: «أو أحلف، حتّى يقول: بالله». لقوله علیه السلام: «مَن كان حالفاً فليحلف بالله أو لَيَذَر» (1).

قوله: «ولو قال: لعمر الله، كان يميناً». «لَعَمْر» بفتح اللام والعين وضمّ الراء، واللام فيه لتوكيد الابتداء. والخبر محذوف، والتقدير: لعمر الله قسمي، فإن لم تأت باللام نصبتَه نصب المصادر، وقلت: «عَمْرَ اللهِ».

ومعنى لعَمْرُ اللهِ وعَمْرَ اللهِ: أحلف ببقاء الله ودوامه، ذكره الجوهري (2) .

قوله: «إذا اتّصل بما جرت به العادة». كأن يفصل بالتنفّس والسُعال وابتلاع اللقمة وقذف النخامة. لكن هل يشترط التلفّظ بالاستثناء أو تكفي النيَّة والاعتقاد؟ حكى الشارح فيه ثلاثة أقوال (3)، أقواها اشتراط التلفّظ به. وقد اشترطه الفاضلان في القواعد والشرائع (4). ولو تراخى عن ذلك من غير عذر لزمت اليمين ويسقط.

ص: 714


1- عوالي اللآلي، ج 3، ص 444، ح 3؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 222، ح 3249.
2- الصحاح، ج 2، ص 756، «عمر».
3- المهذّب البارع، ج 4، ص 126.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 266؛ شرائع الإسلام، ج 3، ص 131.

[الحالف]

قوله: وفي الخلاف (1): لا تصحّ». إن كان الكافر لا يعرف الله سبحانه كأن يجحده أو يشبِّهه - كالمجوس - لم تنعقد يمينه، وإن كان يجحد فريضة علم ثبوتها من الدين ضرورةً، انعقدت يمينه. ثمّ إن كان المحلوف على فعله من الطاعات وجب عليه تقديم الإسلام على فعله، وإلّا وجب عليه فعله مطلقاً.

ومتى حنث وجبت عليه الكفّارة، ولكن لا يصحّ منه أداؤها إلّا بعد الإسلام.

قوله: «والمملوك مع مولاه». الأقوى توقّف يمين الثلاثة (2) على تقديم الإذن، وبدونه تقع باطلةً.

[في متعلّق اليمين]

قوله: «ولا يمين إلّا مع العلم». أي بما يَحْلِف عليه ماضياً ومستقبلاً.

قوله: «ولا يجب بالغموس». الغموس: هي الحلف على الماضي كذباً، سمِّيت بذلك؛ لأنّها تَغْمِس صاحبَها في الذنب (3). وهي إحدى الكبائر المتوعَّد عليها بالنار.

قوله: «ويكره الحلف على القليل». المراد بالقليلِ مِن المال ثلاثون درهماً فما دون.

قوله: «يحرم عليه لبن أولادها ولحومهم». الأصحّ قصر التحريم على المحلوف عليها، والرواية ضعيفة (4).

قوله: «فحلف بالأيمان أن لا يمسَّها». إن كان قصد الحرام أو أطلق، فالعمل بالرواية (5) متّجه، وإن قصد التعميم لم يحلّ إلّا مع رجحان الوطء.

ص: 715


1- الخلاف، ج 6، ص 116 ، المسألة 9.
2- أي الولد والزوجة والمملوك.
3- راجع المصباح المنير، ص 453، «غمس».
4- أي رواية ابن عطيّة. راجع الكافي، ج 7، ص 460 ، باب النوادر ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 292، ح 1082.
5- أي رواية أبي بصير. راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 301، ح 1118.

كتاب النذور والعهود

[في الناذر]

قوله: «كان للزوج والمالك فسخه». بل الأصحّ توقّف انعقاده على الإذن، فبدونه يقع باطلاً.

قوله: «ما لم يكن فعل واجب أو ترك حرام». ولو اشتمل على جزاء توقّف الجزاء على الإذن، كغيرهما: أي كغير فعل الواجب وترك المحرّم.

[في الصيغة]

قوله: «حتّى يكفّر ويفي». وهو فعل ما كان واجباً عليه.

قوله: «أشبههما: الانعقاد». قويّ.

قوله: «أشبههما: أنّه لا ينقعد». قويّ.

[في متعلّق النذر]

قوله: «وكان النذر شكراً». يَتَميَّز الشكر عن الزجر في المسألتين بالقصد، أي والفارق بين الشكر والزجر في المسألتين القصد.

قوله: «مَن نذر في سبيل الله صرفه في البرِّ». وهو كلّ ما فيه قربة، كصدقة ومعونة الحاجّ أو زائر أو طالب علم أو عِمارة مسجد أو مدرسة ونحوها.

ص: 716

قوله: «ولو نذر الصدقة بما يملك». ولا يدخل إلّا ما كان في ملكه حين النذر، لا ما يَتَجدّد، ويجب تعجيل الصدقة بما لا يَضرّ به.

قوله: «أخرج شيئاً فشيئاً». يجب تعجيل الصدقة بما لا يضرّ به.

[في اللواحق]

قوله: «وفي رواية: يتصدَّق عنه بمدّ»(1). يستحبّ.

قوله: «والآخر لا يتضيَّق وهو أشبه». قويّ.

قوله: «ولو فَعَلَ ذلك في غيره أعاد». الأصحّ تعيّن الزمان والمكان بتعيينهما مطلقاً، سواء اشتملا على المزيَّة أم لا.

قوله: «مَن نَذَرَ إِن رُزِقَ ولداً حجَّ به أو حَجَّ عنه». ولو بلغ الصبيّ واستطاع بالمال حجّ به أجزأ عنه وعن النذر.

قوله: «حجّ به أو عنه من أصل التركة». إن تمكّن وأهمل، وإلّا فلا.

قوله: «وفيه إشكال إلّا أن يكون نذراً». إن استوفى شرائط النذر حكم بالتحرير، وإلّا فلا.

قوله: «إلّا أن يقصد ذلك بالنذر». لا يجزئ إلّا أن يقصد ذلك.

قوله: «وإن احتاج إلى ثمنه». يجوز مع الحاجة.

ص: 717


1- راجع الكافي، ج 4، ص 143 ، باب كفّارة الصوم وفديته، ح 1 - 2.

کتاب الصيد والذبائح

[الصيد]

قوله: «والسهم والمعراض إذا خرق». وضابطه كلّ آلة محدَّدة، فلا يحلّ ما يقتله المثقَّل، كالحجر والبندق والخشبة غيرِ المحدَّدة.

قوله: «ويشترط في الكلب أن يكون معلَّماً». ويتحقَّق التعليم بالاسترسال عند الإرسال، وعدم أكل الصيد ثلاث مرّات فتحلّ الثالثة، فلو أكل الصيد بعد التعليم مرَّة أو مرَّتين لم يحرم، بل يحرم في الثالثة، ويستمرّ مقتوله محرَّماً إلى أن يترك ثلاث مرّات، فتحلّ الثالثة، وهكذا.

قوله: «ولا عبرة بالندرة». أي لا عبرة بها في الأمرين معاً، أعني الأكل وما به يحصل التعليم، فلو ندر استرساله عند الإغراء وانزجاره عند الزجر فليس بمعلَّم، كما أنّه لو ندر أكله فليس بقادح.

وتتحقّق العادة بمرَّتين فيحلّ في الثالثة، وينبغي كذلك إلى أن يأكله مرَّتين فيحرم في الثالثة، وهكذا.

قوله: «أن يكون مسلماً أو بحكمه». كالصبيِّ المميِّز، ولا يحلّ مَصيد المجنون ولا الطفل غير المميِّز ، وأمّا المكفوف فإن تصوّر فيه قصد الصيد حلّ، وإلّا فلا. الدروس (1).

قوله: «مسمِّياً عند الإرسال». المراد بالتسمية هنا وفي الذبح والنحر ذكر الله،

ص: 718


1- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 324 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

المشتمل على التعظيم مثل: «بسم الله» و «سبحان الله» و «الله أكبر»، ولو قال: «اللهمّ ارحم» أو «اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد» فالأقرب الإجزاء.

قوله: «فلو ترك التسمية عامداً». ولو ترك التسمية عند الإرسال وسمّى عند عضِّ الكلب فالوجه الجواز.

قوله: «وحياته مستَقِرَّة». ويجب الإسراع حال الإصابة بالسهم أو الكلب ليُدْرِك ذَكاته، فإن أدركها فعل، وإلّا حلّ.

قوله: «لو رمى صيداً فأصاب غيره حلّ». لأنّ المعتبر قصد جنس الصيد لا عينه، فلا يضرّ الخطأ في العين.

[الذابح والآلة]

قوله: «وفي رواية ثالثة: إذا سمعت تسميته فكل» (1). لا عمل عليها، ويحمل الجواز على التقيَّة.

قوله: «لا تحلّ ذبيحة المعادي». وهو الناصبي والخارجي، وفي حكمه الغالي والمجسِّمة.

قوله: «ولو مَرْوَةً أو لِيْطَةً». المروة: حِجارة بيضاء برّاقَةٌ تُوري النار، وأصلب الحجارة. واللِيْطَةُ - بالكسر - قشر القصبة والقوس والقناة. قاموس (2).

قوله: «وفى الظفر والسنِّ مع الضرورة تردّد». الجواز قويّ، وكذا بكلِّ ما يَفْري عند تعذّر الحديد.

[الكيفيّة]

قوله: «وقيل: تكفي الحركة» (3). الأصحّ الاكتفاء بحركته بعد الذبح، وإن خرج

ص: 719


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 68 ، ح 287؛ الاستبصار، ج 4، ص 84، ح 319.
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 392، «مرو»؛ وج 2، ص 398، «لیط».
3- القائل هو الشيخ الصدوق في المقنع، ص 416.

الدم المعتدل كان أولى.

قوله: «المرويّ: أنّها تحرم» (1). يحرم الفعل دون الذبيحة.

قوله: «ونَخْع الذبيحة». هو قطع النخاع قبل أن يموت الحيوان، والأصحّ تحريم الفعل دون الذبيحة.

قوله: «وقلب السكين في الذبح». وهو أن يُدْخِل السكّين في وسط اللحم ويَذْبَح إلى فوق، فيقطع إلى الجلد.

قوله: «يحرم سلخ الذبيحة قبل بردها». يحرم الفعل دون الذبيحة.

قوله: «ما يباع في أسواق المسلمين». المراد بسوق الإسلام ما كان أغلب أهله مسلمين، ولا عبرة بنفوذ الأحكام وتسلّط الحكّام.

قوله: «يجوز ابتياعه من غير فحص». لا واجباً ولا مستحبّاً وإن كان البائع غير معتَقد للحقِّ، ما لم يحكم بكفره.

قوله: «ولا يعتبر في المُخْرِج الإسلام». لكن لا يحلّ ما أخرجه الكافر إلّا مع مشاهدة المسلم الصيد بعد الإخراج حيّاً يضطرب.

قوله: «ذَكاة الجنين ذَكاة أُمِّه». وتجب المبادَرَةُ إلى إخراجه، فلو كان بحيث لو بادر خَرَجَ حيّاً حَرُمَ بتركها إذا وجده ميِّتاً.

قوله: «وقيل: يشترط مع إشعاره أن لا تلجه الروح» (2). لا يشترط.

ص: 720


1- الكافي، ج 6، ص 233، باب ما ذبح لغير القبلة ...، ح2 - 3؛ الفقيه، ج 3، ص 333، ح 4191 ؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 59 - 60 ، ح 251 - 252.
2- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 584، ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 110، ابن حمزة في الوسيلة، ص 361.

كتاب الأطعمة والأشربة

[في حيوان البحر]

قوله: «ولو زال عنه كالكنعَت». الكنعَت بالكافِ والنون والعين المهملة والتاء المثنّاة من فوق ويقال له: الكنعد بالدال: ضرب من السمك له فَلْس ضعيف يَحْتَكّ بالرمل الحرارته، فيذهب عنه فَلْسُه ثُمَّ يَعُود.

قوله: «يُؤكل الرِبِيثا والإرْبِيان والطِمْر والطَبَرانيّ والإبلاميّ». الرِبِيثا بكسر الراء والباء الموحَّدة والياء المثنّاة من تحت الساكنة والثاء المثلَّثة والألف المقصورة.

والإربِيان بكسر الهمزة وكسر الباء الموَحَّدة والياء المثنّاة من تحت، ثمّ الألف المقصورة والنون أخيراً: ضرب من السمك أبيض كالدود.

والطِمْر بكسر الطاء المهملة والميم الساكنة والراء المهملة.

والطَبَراني بالطاء المهملة المفتوحة والباء الموَحَّدة المفتوحة والراء المهملة والنون المكسورة بعد الألف.

والإبلامي بكسر الهمزة وسكون الباء الموَحَّدة.

قوله: «ولا يؤكل السُلَحْفاة». بضمّ السين المهملة، و [فتح] اللام، والحاء المهملة الساكنة.

قوله: «في الزِمار والمارماهيّ والزهر». إن كان لها فَلْس حلَّت، وإلّا فلا.

قوله: «لو وجد في جوف سمكة سمكة أُخرى حلَّت». إن تحقّقت حياتها بعد

ص: 721

الإخراج من الماء، وإلّا فلا.

قوله: «والاجتناب أحوط». يجب الاجتناب.

[في الطير]

قوله: «وفي الغُراب روايتان». الأصحّ تحريم الغُراب بأقسامه.

قوله: «وما ليس له قانصة». وهي بمنزلة المَصارين من غيره (1).

قوله: «ولا صِيصِيَة» الصِيصِيَةُ بكسر أوّلها بغير همز: الإصبع الزائدة في باطن رِجل الطائر بمنزلة الإبهام من بني آدم؛ لأنّها شوك، ويقال للشوكة: صِيصِية أيضاً (2).

قوله: «والكراهيَة أشبه». قويّ.

قوله: «والشقراق». بكسر الشين كقرطاس، والشرقراق بالفتح والكسر والشرقرق كسفرجل: طائر معروف مُرَقَّط بخُضْرَةٍ وحُمْرَةٍ وبَياضٍ، ويكون بأرض الحرم (3).

قوله: «لو شرب خمراً، لم يَحْرُم». يمكن الفرق بين الحكمين: بأنّ الخمر لطيف نفّاذ تشربه الأمعاء فلا تطهر بالغسل فتحرم، والبول كثيف غير نَفّاذ فلا يصلح للتغذية، فتظهر الأمعاء منه بالغسل فلا تحرُم.

[في الجامد]

قوله: «والإنفحة». ويجب غسل ظاهر الإنفحة؛ لملاقاة الميتة جلدها. والإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء مخفَّفة: كَرِش الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كَرِيش (4).

قوله: «والعِلباء والنخاع وذات الأشاجع». العِلباء بالعين المهملة المكسورة واللام

ص: 722


1- المَصارين جمع مَصير: المِعی.
2- راجع الصحاح، ج 2، ص 1044، «صيص».
3- كما في القاموس المحيط ، ج 3، ص 258 ، «شقر».
4- حكاه في الصحاح، ج 1، ص 413، «نفح» عن أبي زيد.

الساكنة والباء الموحّدة المفتوحة والألف الممدودة: عصبتان عریضتان ممدودتان من الرقبة إلى عَجْب الذَنَب.

والنخاع: الخيط الأبيض في وسط الظهر ويسمّى الوَتين، لا قِوام للحيوان بدونه.

وذات الأشاجع: أُصول الأصابع التي تتَّصل بعَصَب ظاهر الكفّ.

قوله: «وخرزة الدِماغ» بكسر الدال: وهي المخّ الكائن في وسط الدِماغ شبه الدودة بقدر الحِمْصَة.

قوله: «أشبهه: الكراهيَة». التحريم في الجميع [قويّ].

قوله: «وفيه: رواية بالجواز» (1). لا عَمَل عليها، لكن لو وَضَعَه بعد الخَبْزِ في الكثير وتخلَّله طَهُرَ.

[في المائعات]

قوله: «لا تحت الأظلَّة». تحريمه تحت الأظلَّة تعبّد شرعيّ لا لنجاسة دخانِة، فإنّ دخان الأعيان النجسة طاهر.

قوله: «إلّا بول الإبل». إن فرض له منفعة حكمِيَّة حلّ، وإلّا فلا.

قوله: «كالأُتن». بضمِّ الهمزة والتاء وسكونها جمع أتان بالفتح: الحمارة للذكر والأُنثى. ولا يقال في الأُنثى: أتانة.

[في اللواحق]

قوله: «فإن اضطرّ استعمل ما لا دسم فيه». يزول دَسَمه بأن يلقى في فخّار ويجعل في النار حتّى يذهب دَسَمه؛ لرواية بَرْد (2) الإسكاف عن الصادق علیه السلام (3)، وغَسَلَ يده مع الرطوبة.

ص: 723


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 414، ح 1304؛ الاستبصار، ج 1، ص 29، ح 75.
2- ورد في النسخ كلّها «يزيد» ؛ والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- الفقيه، ج 3، ص 104، ح 348 - 349؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 84 - 85 ، ح 355.

قوله: «ويجوز الاستقاء بجلود الميتة». لا يجوز.

قوله: «وإن انبسط فهو ميتة». هكذا وردت الرواية (1)، وتوقّف فيه المصنِّف في الشرائع (2)، حيث حكاه بلفظ «قيل».

وأوجب العلّامة اجتنابه للشكّ في التذكية (3). وهو أجود.

قوله: «وفي رواية الحلبي: يباع ممَّن يستحلّ الميتة» (4). لا عمل عليها.

قوله: «ولا يقصد ولا يحمل». الأولى عدم الجواز مطلقاً.

قوله: «الخمر تطهر إذا انقلبت خلّاً». بشرط أن تكون نجاسته مستَنِدةً إلى التخمير، فلو حصلت له نجاسة أُخرى قبل التخليل كمباشَرة الكافر لم تطهر.

قوله: «ويكره الإسلاف في العصير». قبل غليانه، أمّا بعده فيحرم.

قوله: «قبل أن يذهب ثلثاه». الأجود التحريم؛ للرواية (5).

قوله: «والاستشفاء بمياه الجبال». لأنّها تخرج من فَوح (6) جهنَّم.

ص: 724


1- الكافي، ج 6، ص 260 ، باب اختلاط الميتة بالذكي ، ح 1 - 2 .
2- شرائع الإسلام، ج 3، ص 179.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 233.
4- الكافي، ج 6، ص 260 ، باب اختلاط الميتة بالذكي، ح 1 - 2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 47، ح 198.
5- الكافي، ج 6 ، ص 421، باب الطلاء، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 122، ح 526.
6- فَوح جهنّم: غليانها. راجع لسان العرب، ج 2، ص 550، «فوح».

كتاب الغصب

[الغصب]

قوله: «ولا يَضْمَن لو منع المالكَ من إمساك الدابّة المرسلة». الأقوى الضَمان؛ لتوقّف حفظها على مراعاته.

قوله: «وكذا لو منعه من القعود على بساطه». أي فاتّفق التلف، وإنّما لم يَضْمَن؛

لأنّه لم يستقّل بإثبات اليد عليه، ومجرَّد رفع يد المالك غير كافٍ.

قوله: «ويصحّ غصب العَقار». المراد بالصحّة هنا ما يقابل الامتناع، بمعنى أنّ غصب العَقار غير ممتنع، بل يمكن تحقّقه برفع يد المالك والاستقلال. وردّ بذلك على قول بعض العامَّة (1) حيث مَنَعَ مِن تصوّره، بل الاستيلاء عليه - عنده - غصب لنفعه.

ويدلّ على تحقّقه قوله علیه السلام: «مَن غصب شبراً من أرض طوّقه الله من سبع أرضين»(2) .

قوله: «ففي الضَمان قولان». يُضْمَنُ بنسبة الأيدي.

قوله: «ويَضْمَن حمل الدابّة لو غصبها». لأنّ الحمل كالحامل.

قوله: «ويَضْمَنها لو غصبها مِن ذمِّي». بقيمتِها عند مستحلِّيها إن كان الغاصب مسلماً، وبالمثل إن كان كافراً.

ص: 725


1- القائل هو أبو حنيفة وأبو يوسف. انظر بدائع الصنائع، ج 7، ص 147.
2- صحيح مسلم، ج 3، ص 1230، ح 138 / 1610؛ مسند أحمد، ج 1، ص 310، ح 1652 ؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 267، ح 2606.

قوله: «ولا يَضْمَنُ لو أزاله عن عاقل». الفرق قصد العاقل فهو مباشر، وعدم قصد المجنون، فالسبب أقوى منه.

[في الأحكام]

قوله: «ضمن مثله إن كان متساوي الأجزاء». كالحبوب والأدهان.

قوله: «من حين الغصب إلى حين التلف». وهو أن يَضْمَن قيمتها يوم التلف، وهو الأصحّ، لكن ذلك إنّما يتمّ إذا كان اختلاف القيمة بسبب اختلاف السُوق، وهذا هو محلّ الخلاف، أمّا لو كان بسبب نقص في العين أو زيادةٍ كالهُزال والسِمَنِ ونحوه (1)، فإنّ الفائت مضمون قطعاً، فيَضْمَنُ حينئذٍ أعلى القيم.

قوله: «وفيه قول آخر» (2). هو أنّه يَضْمَن أكثر الأمرين من المقدَّر الشرعي والأرش. وهو الأجود؛ لأنّ ضَمان الغاصب باعتبار الماليَّة، فيلْحَقُ المغصوب بالأموال، ويَضْمَن قدر ما نقص منه. بخلاف ما إذا كان الجاني غيرَ الغاصب، فإنّ ضَمانَه ليس باعتبار الماليَّة المحضةِ، بل يَلْحَق العبد بالأحرار، ويلْزَمُه المقدَّر، ويَلْزَم الغاصبَ الزائدُ.

[في اللواحق]

قوله: «لا يملك المشتري ما يَقْبِضه بالبيع الفاسد». ولو كان الثمن باقياً فله الرجوع؛ لأنّ البيع الفاسد لا يَمْنَع المتبايعين من رجوعِ كلّ إلى عين ماله، فيرجع المشتري إلى الثمن.

قوله: «وأُجرة السكنى تردّد». يرجع بالجميع.

قوله: «وقيل: القول قول المغصوب منه» (3). الأوّل هو الأصحّ، إلّا أن يدَّعيَ ما يُعْلَم كذبُه كأن يقول: ثمن الجارية درهم، ونحوه، فلا يُسْمَعُ بل يُطالِبُه بجواب محتَمَلٍ.

ص: 726


1- في نسخة «ك»: الهرم، ولم تردا في «م».
2- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 519.
3- القائل هو المفيد في المقنعة، ص 607؛ والشيخ في النهاية، ص 402.

كتاب الشُفْعَة

اشارة

قوله: «الشفعة». الشفعة مأخوذة من قولك: شَفَعتُ كذا بكذا، أي جعلتُه شَفْعاً أي زوجاً، كأنّ الشفيع يجعَل نصيبه شَفعاً بنصيب صاحبه. وأصلها التقوِية والإعانة، ومنه الشفاعَة والشفيع؛ لأنّ كلَّ واحد من الوترَين يَتَقوّى بالآخر.

[ما تثبت فيه]

قوله: «والأبنية تبعاً للأرض». لو انفردت عن الأرض، كما لو باع شِقْصاً من غرفةٍ مشتركةٍ مبنيَّةٍ على سقفِ صاحب الأسفل فلا شفعة؛ إذ لا أرض لها. ولو كان السقف لهما في ثبوتها إشكال، أقربه: العدم؛ لأنّه ليس بأرض بل هو كسائر السقوف والأبنيَة.

قوله: «ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضائد». وهو الذي لا يَقْبَل القسمَةَ؛ لحصول الضرر بها، وهو إبطال المنفعة المقصودةِ منه.

فلو انتفى الضرر بقسمة الحَمّام والطاحون، كما لو كان الحمّام كبيراً، بحيثُ يُمكن إفراد حصَّة كلّ من الشريكين عن صاحبه من غير تضرّر، أو كانت للطاحونة عدَّة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلّ منهما بشيء منها، أو كان الطريق واسعاً لا تبطُل منفعته بالقسمة ونحو ذلك [ثبتت الشفعة] .

ص: 727

قوله: «وقال المرتضى: تثبُت» (1). إن كان الموقوف عليه واحداً تثبُت، وإلّا فلا.

[في الشفيع]

قوله: «إلّا بالشركة في الطريق أو النهر إذا بيع أحدهما». مع قبولهما القسمة، وإلّا فلا.

قوله: «ثلاثة أيّام ما لم يتضرَّر المشتري». ويتحقَّق الضرر بطول المسافة بما لم تجر العادة بمثله، كسفرٍ من العِراق إلى الشام، ونحو ذلك.

والمَرجِع فيه إلى العرف.

قوله: «أو أفاق المجنون فله الأخذ». إن لم يكن تركه أصلح، وإلّا فليس له ذلك.

[في كيفيّة الأخذ]

قوله: «كالرقيق والجواهر أخذه بقيمته». وقت العقدِ.

قوله: «وللشفيع المطالبة في الحال». والمرجع في ذلك إلى العرف، فلا تجب مخالفة العادة في المشي، ولا قطع العبادة وإن كانت مندوبة، ولا تقديمها على صلاةٍ حضر وقتها، وغير ذلك من أكل وقضاء حاجة.

فلو كان في حمّام فله الإتمام، ولا يكلَّف القطع على خلاف العادة. وكذا لو حضر وقت الأكل وقضاء الحاجة جاز له تقديمها، رجوعاً في كلِّ ذلك إلى العرف. ومنه تشييع المؤمن والجِنازَة وقضاء حاجة طالب الحاجة، وعيادةُ المريض، ونحوه ممّا لم تجرِ العادة به بالإعراض عنه.

قوله: «ولو كان لعذر لم تبطل». ومن العذر الجمل بالشفعة أو الفوريَّةِ.

ص: 728


1- الانتصار، ص 448 - 449. المسألة 256.

قوله: «أمّا لو شَهِد على البائع أو بارك للمشتري». الأصحّ أنّ الشهادةَ على العقد لا تُبْطِلُ الشُفْعَةَ؛ لأنّها تحققِّها لا تنافيها، وكذا الإذن في البيع أو الشراء. وأمّا لو بارك فإن كان قبل البيع لم يضرّ، وإن كان بعده بطلت؛ لمنافاته الفوريَّة.

قوله: «قال الشيخ: الشفعة لا تُورَث» (1). الأصحّ أنَّها تُورَث، وتراعى في أخذ الوارث الفوريَّة كالمورِّث.

قوله: «ولم تسقط». أي الجميع على الأقوى.

ص: 729


1- النهاية، ص 425 - 426؛ الخلاف، ج 3، ص 436، المسألة 12.

كتاب إحياء الموات

قوله: «مَن سبق إلى إحيائه كان أحقّ به». الأصل في إحياء الموات قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَن أحيا أرضاً ميتة فهى له» (1).

قوله: «أن لا يكون في يد مسلم». أو معاهَدٍ، فلو سبق تملّك واحد منهما لم يصحّ الإحياء. نعم، لو تعطَّلت الأرض وجب أحد الأمرين:

إمّا الإذن بغيره أو الانتفاع، فلو امتنع فللحاكم الإذن، وللمالك طَسْقُها على المأذونِ.

قوله: «مثل أن ينصب عليها مِرْزاً». وهو جمع التراب حواليه لينفصل المُحْيا عن غيره، وفي معناه نصب قَصَب وحجر وشوك وشبهه.

قوله: «ويُرجَع في كيفيَّته إلى العادة». كبناء الحائط ولو بالخشب ونحوه، والسقف في إحياء المسكن، والمِرْز وسوق الماء في أرض الزرع إن لم يشرب بالمطر ونحوه، وإلّا لم يحتج إلى السوق وعضد الشجر المضرّ في الأرض الأجَمَة، وقطع الماء الغالب ونحوه، ولو فعل دون هذه الأُمور المحصِّلة للإحياء لم يَملِك، بل يفيد أولويّةً، وهو المعبّر عنه بالتحجير.

قوله: «فحدّه: خمسة أذرع». قويّ إن لم يحتج إلى الأزيد، وإلّا وجب.

قوله: «حريم بئر المَعْطِن». بئر المعطن هو الذي يستقى منه للإبل. والمَعْطِن واحد

ص: 730


1- الجامع الصحيح، ج 3، ص 662 ، ح 1378؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 480، ح 2.

المعاطن، وهي مَبارِك الإبل عند الماء لتشرب (1).

والناضح: البعير يستقى عليه، قاله في الصحاح (2)، فالاعتبار به لا بما يشرب، فيشمل الزرع وغيره.

قوله: «والعين ألف ذراع». وليس للغير استنباط عين أُخرى في هذا القدر.

قوله: «حبسه الأعلى للنخل إلى الكعب». إنّما يبدأ بالأعلى فالأعلى مع جهالة السابق في الإحياء، أو إحيائهم دفعةً، ولو علم السابق بدئ به وإن كانت أرضه أسفل. والمراد بالأعلى مَن يلي فُوَّهَة الماء (3).

قوله: «وللإمام مطلقاً». في ملكه وفي المباح، لنفسه وللمصالح، كنعم الصدقة. ولو زالت المصلحة التي حماها لها فالأقرب جواز الإحياء.

قوله: «والوجه البطلان». لأنّ حقّ الطريق (4) إذا لم يتميَّز بالحدود كان ما وَقَعَ عليه البيع من ملك البائع مجهولاً، فيبطل البيع، وأمّا على تقدير الامتياز فله الفسخ؛ لتبعّض الصفقة.

قوله: «جاز له بيعه بما شاء». الأجود جعلها صلحاً؛ لعدم إمكانه تسليم الماء، وهو شرط في البيع، وانضمام الأرض إليه غير كافٍ غالباً (5)؛ لأنّها غيرُ مقصودة بالذات، بل تابعة للماء المقصود بالذات.

نعم، لو فرضت ضميمته إلى مقصود بالذات معلوم (6) صحّ تبعاً.

قوله: «ويجوز أن يبيع سكناه». أي يؤجرها ولا يبيع رقبتها؛ لأنَّه لا يملكها. وإطلاق اسم البيع على الإجارة تجوّز.

ص: 731


1- الصحاح، ج 4، ص 2165، «عطن».
2- الصحاح، ج 1، ص 411، «نضح».
3- فوَّهَةُ الماء: فمه وأوّله. المعجم الوسيط، ص 707، «فوه».
4- في نسخة «ك» حدّ الطريق بدل: حقّ الطريق.
5- كلمة «غالباً» لم ترد في نسخة «م».
6- كلمة «معلوم» لم ترد في نسخة «م».

كتاب اللُقطة

اشارة

قوله: «اللقطة». - بسكون القاف - اسم للشيء الملقوط، وهو المراد هنا. وبفتح القاف اسم لآخذ اللَقطَة إذا كان كثير الالتقاط؛ لأنّ فُعَلَةَ كذلك كالهُمَزَة واللُمَزَة، أي كثير الهَمْز واللمْز (1). وقد تفتح القاف في الأوّل.

[في اللقيط]

قوله: «وفي اشتراط الإسلام تردّد». يشترط إسلام الملتقط مع الحكم بإسلام اللقيط، كما لو وجد في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد، أخذاً من قوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (2)؛ ولأنّه لا تؤمن مخادَعَته عن الدين.

أمّا لو أخذ من بلاد الشرك ولم يكن فيها مسلم ولو واحداً، فلم يمنع الكافر من التقاطه قولاً واحداً؛ لعدم الحكم بإسلامه.

قوله: «وأخذ اللقيط مستحبّ». الأصحّ وجوبه على الكفاية؛ لأنّه تعاون على البرّ، ودافع لضرورة المضطرّ، وهو اختيار العلّامة (3).

ص: 732


1- كما في تفسير التبيان، ج 10، ص 407.
2- النساء (4): 141.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 200.

قوله: «وفي دار الشرك رقّ». إن لم يوجد فيها مسلم صالح للاستيلاد ولو تاجراً أو أسيراً أو محبوساً يمكن الاستيلاد منه، وإلّا لم يَرِقّ.

قوله: «فإن تعذّر الأمران». وجود السلطان وإعانة المسلمين.

قوله: «ورجع عليه إذا نوى الرجوع». ولا يشترط الإشهاد في جواز الرجوع مع النيَّة على الأصحِّ. نعم قد تحصل به السلامة من اليمين لو ادّعى اللقيط التبرّع.

[في الضوال]

قوله: «ترکه صاحبه من جَهْد في غير كَلإ ولا ماء معاً». الجَهْد: العَطَبُ أعمّ من المرض والكسر وغيرهما.

ويشترط في إباحة المجهود عدم الكَلإ والماء معاً، فلو وجد أحدهما لم يجز الأخذ. متى جاز أخذه مَلكَه الآخذ، ولا عيب عليه دفع القيمة إلى المالك إن ظهر. وهل يجب ردّ العين مع وجودها؟ نظر.

قوله: «لأنّها لا تمنع مِن صغير السباع». مخيَّر بين حفظها أمانةً وبين الدفع إلى الحاكم، ولا ضَمان فيهما، وبين التملّك مع الضَمان.

قوله: «الأشبه: نعم». مع نيَّة الرجوع وتعذّر الحاكم.

قوله: «والوجه: التقاصّ». قويّ.

[اللقطة]

قوله: «وفي قدر الدرهم روايتان». يجب تعريفه.

قوله: «وقيل: يحرم» (1). لا يضمن ما في الحرم، ولا يجوز تملّكها وإن كانت أقلّ من درهم.

ص: 733


1- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 320.

قوله: «ويعرِّف حولاً». ويجب كونه عقيب الالتقاط في موضعه إن أمكن. وليكن كلَّ يوم مرَّةً أو مرَّتين في الأُسبوع الأوّل، ثمّ مرّةً في كلِّ أُسبوع إلى تمام الشهر، ثمّ في كلِّ شهر مرَّةً إلى تمام الحول.

والضابط: أن يتابع بينها بحيث لا ينسى اتّصال التالي بملتوّه. وليكن عند اجتماع الناس، كالغداة والعشيِّ والجُمَع والأعياد والأسواق وأبواب

المساجد.

قوله: «والحبل والعقال وأشباهها». ممّا تقلّ قيمته ويكثر نفعه.

قوله: «أو تحت الأرض فهو لواجده». بعد الخمس إن لم يكن عليه أثر الإسلام، وإِلّا فَلُقَطَة.

قوله: «وإلّا كان لواجده». بل يجب تتبّع الملّاك والبائعين، فإن عرفه أحد منهم فهو له بغير بيِّنة ولا يمين، وإلّا فإن كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة تجري فيه أحكامها.

وإن لم يكن فهو لواجده، وعليه الخمس، هذا هو المناسب لأُصول المذهب.

قوله: «قال الشيخ: أخذه بلا تعريف» (1). إن لم يكن عليه أثر الإسلام، وإلّا فلقطة. والفرق بين السمك والدابّة أنّ الدابَّة مملوكة الأصل فكذا أجزاؤها، وهي مظنَّة أن تكون قد ابتلعت ما هو ملك البائع أو المالك، بخلاف السمكة فإنَّها تملك بالحيازة مع النيَّة، وما في بطنها لم تتعلَّق به النيَّة؛ لعدم العلم به.

قوله: «ما وجده في صُنْدُوقه أو داره فهو له». إن لم يعلم انتفاؤه عنه، وإلّا كان لقطةً.

قوله: «كان كاللقطة إذا أنكره». ولو اعترف به دفعه إليه بغير يمين.

[في الأحكام]

قوله: «لا تدفع اللقطة إلّا بالبيِّنة». لا يكفي الوصف في وجوب الدفع مطلقاً. نعم،

ص: 734


1- النهاية، ص 321 - 322.

يجوز الدفع به إذا ظُنَّ صدقُه؛ لإطنابه في الوصف أو لرجحان عدالته، فلو دفعها بالوصف ثمّ ظهر مدَّعٍ ببيِّنة انتزعت من الواصف، فإن تعذّر ضَمِن الدافع لذي البيِّنة، وله الرجوع على الواصف إذا لم يَقِرَّ له بالملك، وللمالك الرجوع على الواصف ابتداءً، فلا يرجِع على الملتقطِ.

قوله: «على رواية (1) ضعيفة تعضدها الشهرة». العمل على الرواية.

قوله: «وفي ما عداهما أُجرة المثل». الأصحّ ثبوت أُجرة المثل في الجميع مع عدم التعيين.

قوله: «لا يضمن الملتقط في الحول». ما لم يفرِّط، أو ينوِ التملّك ابتداءً من غير تعريف، فإنَّه يضمَن وإن عاد إلى نيَّة التعريف.

ص: 735


1- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 398 - 399، ح 1203.

كتاب المواريث

[موجبات الإرث]

قوله: «فالنسب ثلاث مراتب». المراد بترتّب هذه الطبقات أنّ الثانية لا تَرِث مع وجود واحد من الطبقة الأُولى مستحقّ للميراث، وكذا الثالثة لا تَرِث مع واحد كذلك من الثانية.

[موانع الإرث]

قوله: «وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته». ولو أسلم قبل قسمة البعض شارك في الباقي، واختصّ إن كان أولى. وكذا القول لو أعتق العبد.

قوله: «وفيه تردّد». إن أسلم قبل قسمة الحاكم للزوجة، وإلّا فلا.

قوله: «وفي نصراني مات وله ابن أخ وابن أُخت مسلمان وأولاد صغار».

الأصحّ أنّ الميراث لهما دون الأولاد، ولا إنفاق.

والرِواية (1) منزّلةٌ على الاستحباب.

قوله: «ولو أبي، كان كالمرتدِّ». عن فطرة إن كانا مسلمين أو أحدهما حال انعقاده، وعن ملَّة إن سبق انعقادُه إسلامَهما، وحكم الجدِّ حكم الأب.

ص: 736


1- الكافي، ج 7، ص 143، باب آخر في ميراث أهل الملل، ح 1 ؛ الفقيه، ج 4، ص 337، ح 5732 ؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 368 ، ح 1315.

قوله: «المسلمون يتوارثون وإن اختلفت آراؤهم». عدا الخوارج والغلاة والنواصب والمجسِّمةِ.

قوله: «المرتدّ عن فطرة يقتل». المرتدّ عن فطرة: مَن عَلِقَ بعد إسلام أحد أبويه. والمرتدّ عن ملَّة: مَن كان إسلامه بعد كفر ولو بالتبعيَّة، كما لو أسلم أحد أبويه وهو حَمْل.

قوله: «وتعتدّ زوجته عدَّةَ الطلاق مع الحياة». ولو قتل في أثناء العدَّة أكملت عدَّة الوفاة.

قوله: «وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب» (1). قول الشيخين هو المفتى به.

قوله: «وأعتق ليحوز الإرث». ويتولّى ذلك الإمام أو نائبه، فإن تعذَّر تولّاه غيره. والأولى توقّف عتقه على الإعتاق.

قوله: «وفي الزوج والزوجة تردّد». يفكّ الجميع.

قوله: «ولا المكاتب المشروط». المتولِّي لذلك الحاكم، ولا يعتق إلّا بدفع القيمة والإعتاق، فيجوز لمالكه بيعه بعد موت القريب وعتقه. وكسبه قبل الإعتاق له.

[السهام]

قوله: «المقدّمة الثالثة: في السهام». السهام المذكورة في كتاب الله ستَّة: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفها ونصف نصفها، وصور اجتماعها مِثْلاً ستَّة وثلاثون حاصلة من ضرب ستّة في نفسها، تسقط منها أربعة مكرَّرة، فإنّ النصف مع الربع هو الربع مع النصف، وهكذا في غيره.

وتسقط أيضاً منها سبعة، لامتناعها، تبقى خمس عشرة، ذكر المصنِّف منها عَشْرَةً، وأهمل خمسة.

قوله: «والنصف يجتمع مع مثله». كزوج وأُخت.

ص: 737


1- المبسوط، ج 3، ص 291؛ الخلاف، ج 4، ص 28، المسألة 22؛ وحكى قول المفيد الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 380.

قوله: «ومع الربع». وهذا كزوج وبنت.

قوله: «ومع الثلث». كزوج وأُمّ.

قوله: «والسدس». كزوجة وواحد مِن كَلالة الأُمّ.

قوله: «ولا يجتمع الربع مع الثمن». لأنّ الربع نصيب الزوجة مع عدم الولد، والثمن نصيبها معه، فلا يجتمعان.

قوله: «ويجتمع الربع مع الثلثين». كزوجة وأُختين.

قوله: «والثلث». كزوجة وأُمّ.

قوله: «والسدس». كزوجة وأحد الأبوين مع الولد.

قوله: «ولا يجتمع مع الثلث». لأنّ الثُمْن حقّ الزوجة مع الولد، والثلث حق الأُمِّ لا معه.

قوله: «ولا الثلث مع السدس تسميةً». إنّما قال: «تسمية» لأنّه قد يجتمع معه لكن لا تسميةً بل اتّفاقاً، كزوج وأبوين والأُمّ محجوبة بالإخوة، فللزوج النصف وللأُمّ السدس، والباقي - وهو الثلث - للأب، لكنّه بالقرابة لا بالتسمية.

قوله: «التعصيب (1) باطل». التعصيب: هو إعطاء الفاضل من التركة عن أصحاب الفروض لعَصَبَة الميِّت، وهم المنتسبون إليه من جِهة الأب، كما إذا خلَّف الميِّت بنتاً واحدةً وله أخ، أو أُختاً واحدةً وله عمّ، فإنّ نصفَ التركة الزائد عن فرض الأُنثى للأخ أو العمِّ عند المخالف، وعندنا يردّ على ذات الفرض أو ذوي الفروض؛ لأنّهم أُولو الأرحام، ولإجماع أهل البيت علیهم السلام (2).

قوله: «لا عَولَ في الفرائض». العول في الفرائض: زيادة السِهام عن التركة (3)، وهو

ص: 738


1- قال الخليل في العين، ج 1، ص 309، «عصب»: العصبة: ورثة الرجل عن كلالة من غير ولدٍ ولا والدٍ. فأمّا في الفرائض فكلّ من لم يكن له فريضةً مسمّاة فهو عَصَبَة يأخذ ما بقي من الفرائض، ومنه اشتقّت العصبة.
2- كما في الخلاف، ج 4، ص 62، المسألة 80؛ والتنقيح الرائع، ج 4، ص 153.
3- في العين، ج 2، ص 248؛ والصحاح، ج 3، ص 1778، «عول»، العول: ارتفاع الحساب في الفرائض.

ضدّ التعصيب، كأُختين وزوج، فإنّ للأُختين الثلثين وللزوج النصف، فقد زادت السهام سدساً عن التركة، فعندنا يدخل النقص على مَن يتقرّب بالأب كالبنات والأخوات؛ لتواتر الأخبار (1) عن أهل البيت علیهم السلام وإجماعهم عليه (2). وعند المخالف يُوَزَّع النقص على الجميع.

قوله: «أو على الأب». في ذكر الأب هنا نظر؛ لأنّ الأب مع الولد لا ينقص سهمه عن السدس، ومع عدم الولد ليس بذي فرض، ومسألة العول مختصَّة بذوي الفروض.

[في الأنساب]

قوله: «والباقي يردّ أخماساً». وتَصِحّ من ثلاثين أصل الفريضة ستَّة، للأبوين اثنان، وللبنت ثلاثة، يبقى واحد لا ينقسم على صحَّته، تضرب خمسة - عدد السهام - في أصل الفريضة، ومنها تصحّ المسألة.

ومع الحاجب للأُمِّ تصحّ من أربعة وعشرين حاصلة من ضرب أربعة ضرب أربعة - عدد سهام مَن يُردّ عليه - في أصل الفريضة.

قوله: «وحيث يفضل عن النصف». الفضل يكون مع الزوجة.

وأصل المسألة حينئذٍ من أربعة وعشرين؛ لأنّ فيها ثمناً وسدساً، للزوجة ثلاثة، وللأبوين ثمانية، وللبنت اثنا عشر، ويبقى واحد يردّ على البنت والأبوين أخماساً مع عدم الحاجب، بضرب خمسة في أصل الفريضة تبلغ مائةً وعشرين، ومنها تصحّ. ومع الحاجب، يردّ على البنت والأب أرباعاً، وتصحّ من ستَّة وتسعين حاصلةً من ضرب أربعة في أربعة وعشرين.

قوله: «يردّ على ولد البنت كما يردّ على أُمّه». ردّ بذلك على المرتضى وابن إدريس ومعين الدين المصري (3) حيث جعلوا أولاد الأولاد أولاداً حقيقة.

ص: 739


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 247، ح 958 - 960.
2- كما في الخلاف، ج 4، ص 73، المسألة 81؛ الإعلام، ص 67 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 9).
3- رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 257 - 266؛ السرائر، ج 3، ص 240؛ وحكى قول معين الدين المصري الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 162.

قوله: «يحبى الولد الأكبر بثياب بدن الميِّت». كلّ ما كان منها بلفظ الجمع كالثياب يدخل [الجميع] وإن كثر، ومنها العِمامة والقَلنسوة، سواء لبسها أم لا إذا اتَّخذت للبس، وما كان بلفظ الواحدة كالمصحف والسيف لايدخل الجميع، بل له واحدة منها، فإن اعتاد الانتفاع ببعضها بحيث تدلّ القرينة على إطلاقه عليه أكثر، دخل، وإلّا أقرع.

قوله: «يستحبّ للأب أن يُطْعِم أباه». الضابط أنّه تستحبّ لهما طعمةُ (1) أقلِّ الأمرين من السدس والزيادة مع زيادة نصيب المطعم عن السدس، فلو كانت أُمّ مع بنت أطعمت نصف سدس.

قوله: «استحبّ له طعمة الجدِّ والجدَّة». كما لو خلّف أبوين وإخوةً استحبّ للأب الطعمة خاصَّة، ولو خلَّفت أبوين وزوجاً استحبّ للأُمِّ الطعمة خاصَّة.

قوله: «أو أربع أخوات فما زاد». والخُناثى كالإناث إلّا أن يحكم بالذكوريَّة فيهم.

قوله: «وفي القتلَة قولان». لابدَّ من انتفاء موانع الإرث جميعاً.

قوله: «ولو اجتمعت الكَلالات». المراد بالكَلالة [مَن كان] (2) من الأقارب على حاشية النسب وليس في عموده، وذلك مَن عدا الآباء والأولاد، وقيل غير ذلك.

قوله: «والآخر: يردّ على الفريقَين». الأصحّ اختصاص كلالة الأب بالردِّ؛ لقيامهم مقامَ كَلالة الأبوين؛ ولدخول النقص عليهم؛ وللرواية عن الباقر علیه السلام (3).

قوله: «فيصحّ مِن مائة وثمانية». أصل الفريضة ثلاثة تنكسر على الفريقين، وسِهام أقرباء الأب تسعة وأقرباء الأُمِّ أربعة، وبينهما تباين، فتضرب إحداهما في الأُخرى تبلغ ستّة وثلاثين، ثمَّ تضربها في أصل الفريضة تبلغ مائةً وثمانيةً.

ص: 740


1- قال ابن الأثير في النهاية، ج 3، ص 126: الطُعمة - بالضمّ - : شبه الرزق، يريد به ما كان له من الفيء وغيره. وجمعها طُعَم.
2- «من كان» أضفناها من حاشية إرشاد الأذهان، ص 342 (ضمن الموسوعة، ج 16).
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 322، ح 1157؛ الاستبصار، ج 4، ص 168، ح 637.

قوله: «إلّا ابن عمِّ لأب وأُمّ مع عمّ لأبٍ فابن العمِّ أولى». ولا تتغيَّر الحال بتعدّد أحدِهما أو تعدّدهما، ولا بدخول الزوج والزوجة، وتتغيَّر بالذكوريَّة والأُنوثيّة، فلو كان بدل العمِّ عمّةً أو بدل ابن العمّ بنتاً مُنِعَ الأبعد.

قوله: «ولو اجتمع عمّ الأب وعمَّته وخاله وخالته». وتصحّ من مائة وثمانية؛ لأنّ أصل الفريضة ثلاثة، وسِهام أقرباء الأُمِّ أربعة، وسِهام أقرباء الأب ثمانية عشر، وبينهما توافق بالنصف، فنضرب نصف أحدهما في الآخر، ثمّ الحاصل في أصل الفريضة، تبلغ مائةً وثمانيةً.

وقيل(1): «لخال الأُمِّ وخالتها ثلث الثلث بالسويّة، وثلثاه لعمِّها وعمَّتها بالسويَّة، وصحّتها من أربعة وخمسين؛ لأنّ سِهام أقرباء الأُمّ ستَّةٌ، وهي تداخل سِهام أقرباء الأب، فنكتفي بها، ونضربها في ثلاثة أصل الفريضة تبلغ أربعةً وخمسين.

قوله: «وثلثه لخاله وخالته بالسويّة على قول». القول الآخر يقسّم أثلاثاً (2).

قوله: «مَن اجتمع له سببان، وَرِث بهما». لهذه المسألة صُوَر:

الأُولى (3) : سببان لا يمنع أحدهما الآخر، كابن عمّ هو ابن خالٍ.

الثانية: كذلك لكن يحجب أحدهما الآخر، كأخٍ لأُمّ هو ابن عمّ لأبٍ.

الثالثة: نسبان لواحد ونسب لواحد آخر، كابن أحدهما ابن خالٍ وَرِث ذو النسبين بهما.

الرابعة: سببان في أحدٍ لا يحجب أحدهما الآخر، كزوج هو مُعْتِق أو ضامن جريرة.

الخامسة: سببان يحجب أحدهما الآخر كالإمام، إذا مات عتيقه فإنّه يَرِثُ بالعتق لا بالإمامة.

السادسة: سببان وهناك مَن يحجب أحدهما، كزوجةٍ مُعْتِقَةٍ ولها ولد.

ص: 741


1- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 657؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4. ص 184.
2- نسبه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 230 إلى أفضل المحقّقين نصير الحقّ والدين الطوسي.
3- في نسخة «م» بدل : الأولى - الثانية... إلخ: أ-ب ... .

[ميراث الأزواج]

قوله: «ويَرِثُ الزوج مِن جميع ما تَرَكَتْه المرأة، وكذا المرأة عدا العَقار». الأصحّ أنّ غير ذاتِ الولدِ لا ترث من رقبة الأرض شيئاً، وتعطى قيمة الأشجار النابتة فيها مستحقَّةَ البقاءِ في الأرض حتّى تفنى، وقيمة آلات البناء من خشب وحجارة ونحوهما ثابتة في البناء. وطريق تقويم الشجر ولو كانت الأرض من التركة: أن تقوَّما معاً، ثمّ تقوَّم الأرض وحدها مشغولةً بالشجر مستحِقَّ البقاءِ فيها إلى أن تفنى، فإنّ لها قيمة ما،

وإن كانت مملوءة من الشجر رجي زواله، ثمّ يحسب تفاوت ما تفاوت ما بين القيمتين، وتعطى حصّتها منه.

ولو اجتمع معها ذات ولد، فالظاهر اختصاص الثُمْن من ذلك بها، وتدفع هي القيمة لا الوارث؛ لخروج سهم الزوجيّة عنه، ولها كمال الثُمْن في الأرض بغير قسمةٍ.

ويحتمل اختصاصها بنصف ثُمْنِ ما زاد على الأرض، ودفع الوارث القيمة.

قوله: «طلَّق واحدة من أربع وتزوّج أخرى فاشتبهت». المستند النصّ (1)، ولا يتعدّى الحكم (2) إلى غير مورده.

فلو اشتبهت المطلَّقَةُ بواحدةٍ من الأربعِ خاصَّةً، أو باثنتين، أو اشتبهت بخامسة، أقرع.

قوله: «والباقي بين الأربعةِ بالسويَّة». فتَصِحّ من مائة وثمانيةِ وعشرين. وقيل: بالقرعة بين المشتبهات (3). والأوَّل هو المشهور (4)، و به رواية (5) وعليه الفتوى،

ص: 742


1- الكافي، ج 7، ص 131، باب نادر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 93 ، ح 319.
2- في نسخة «م» النصّ بدل: الحكم.
3- نسب هذا القول إلى ابن إدريس الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 464 ؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 294 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
4- في غاية المراد، ج 3، ص 406 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3)، وهو فتوى الأصحاب ؛ وفي كشف الرموز، ج 2، ص 464، ما أعرف له مخالفاً إلّا المتأخّر.
5- تقدّم تخريجه في الهامش 1.

على أنّ القول بالقرعة لا يخلو من وجه.

قوله: «فإن مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث». وكذا لو ماتت هي قبلَ الدخولِ لم يَرِثها على الأقوى. ولو كان المريضُ الزوجةَ، فكالصحيح.

[في الوَلاء]

قوله: «الوَلاء». هو بفتح الواو، وأصله القرب والدنوّ، والمراد هاهنا تقرّب أحد الشيخين بالآخر على وجه يوجب الإرث بغير نسب ولا زوجيَّة.

قوله: «أظهرها: انتقال الوَلاء إلى الأولاد الذكور دون الإناث». قويّ.

قوله: «إذا كان الأولاد مولودين على الحرِّيَّة». كما لو ولدوا من معتقة أحراراً مع كون أبيهم رقّاً فإنّ ولاءهم لمولى أُمِّهم، فإن أعتق الأب بعد ذلك انجرّ ولاؤهم إليه (1).

قوله: «عدا الزوجة فإنّها تشاركه على الأصحّ». نعم مطلقاً.

قوله: «وكان عليّ علیه السلام يعطيه فقراء بلده» (2). ويتولّى ذلك الحاكم الشرعي حقَّ النيابة كغيره من أمواله.

[ميراث ابن الملاعنة]

قوله: «وورث هو أباه دون غيره». لو قيل: يرثهم إن اعترفوا به وكذَّبوا الأب في اللعان، ويرثونه مع تصديقهم أباه، كان وجهاً.

[ميراث ولد الزنى]

قوله: «وقيل: ترثه أُمّه كابن الملاعنة» (3) . ضعيف.

ص: 743


1- أي مولى الأب.
2- المقنعة، ص 705.
3- القائل هو الشيخ الصدوق في المقنع، ص 177؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 377.

[ميراث الحمل]

قوله: «الحمل يرِث إن سقط حيّاً». ولا تشترط حياته عند موت الموروث، فلو كان نطفة وَرِث إذا انفصل حيّاً، ولا يشترط استقرار الحياة، فلو سقط بجناية جانٍ وتحرَّك حركةً تدلّ على الحياة وَرِث، وانتقل ماله إلى وارثه، ولا يشترط الاستهلال؛ لأنّه قد يكون أخرس، بل تكفي الحركة الإراديَّة.

قوله: «ولم يكلَّف أحدهما البيّنة». إذا كانا مجهُولَي النسب. ولا عبرة بتصادقهما إذا كانا معروفَين لغيره.

قوله: «وقال في الخلاف» (1). العمل على خِيَرَةِ الخلاف.

قوله: «حتّى تمضي مدَّةٌ لا يعيش مثله إليها». بحسب العادة، ولا تقدير لها، بل تختلف باختلاف القرون، وفي زماننا هذا يكفي التربّص مائةً وعشرين سنةً من حين ولادته.

قوله: «لو تبرَّاً من جريرة ولده». لا اعتبار بالتبرُّؤ والإرث بحاله.

[ميراث الخنثى]

قوله: «قيل: للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة وللأُنثى سهمان» (2) . هذا الطريق الثاني يسمّى طريق التنزيل، وهو أشهر الطريقين. ويظهر التفاوت بينهما في بعض الصور، ومن مواضع اختلافِه: ما لو اجتمع أُنثى وخنثى وذكر، فإنّ للخنثى على الطريق الأوّل ثلاثة من تسعة، وهي ثلثها، وله على الطريق الثاني ثلاثة عَشَرَ من أربعين، وهي لا تبلغ ثلث الفريضة.

ص: 744


1- الخلاف، ج 4، ص 119 ، المسألة 136.
2- القائل هو العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 5، ص 74، الرقم 6398؛ وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 4، ص 428.

وقيل: القسم الثاني أشهر بين الأصحاب (1).

قوله: «مثاله: خنثى وذكر تفرضهما». وطريقه على هذا القول أن تصحَّحَ المسألةُ على تقدير الذكوريَّة ثمّ على تقدير الأُنوثيَّة، ثمّ تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، وفي وَفْقِهما إن توافقتا، ثمّ يضرب الحاصل في اثنين، ويعطى كلُّ وارثٍ نصفَ ما حصل له في المسألتين، ففي الفرض المذكور - وهو خنثى وذَكَرٌ - مسألة الذكوريَّة مِن اثنتين، والأنوثيَّة من ثلاثة، وهما متباينان، فتضرب إحداهما في الأُخرى ثمّ في اثنتين، تبلغ اثنَي عَشَرِ.

ومثله خنثى وأُنثى لو اجتمعا معه، فمع فرضه ذَكَراً الفريضة خمسة، ومع فرضه أُنثى أربعة، ومضروب إحداهما في الأُخرى تبلغ عشرين، ثمّ نضربها في اثنين تبلغ أربعين: للخنثى ثلاثةَ عَشَرَ، وللذكر ثمانيةَ عَشَرَ، وللأُنثى تسعةٌ.

ومثال التوافق: أحد الأبوَين مع خنثى، فريضة الذكوريَّة ستَّة، والأنوثيَّةِ أربعة، وهما متوافقان بالنصف، فنضرب اثنين في ستَّةٍ، ثمّ المجتمع في اثنين تبلغ، أربعةً وعشرين، فلأحد الأبوَين خمسة، وللخنثى تسعةَ عَشَرَ.

قوله: «ولو شاركهم زوج أو زوجة». فنضرب في الفرض المذكور مع زوج أربعةً في اثنَي عَشَرَ، تبلغ ثمانيةً وأربعين، للزوج اثنا عَشَر، ويقسم الباقي بين الخنثى والذكر، فَمَنْ حصل له من الأصل شيء أخذه مضروباً في ثلاثة، فللخنثى خمسةَ عَشَرَ، وللذكر أحد وعشرون، ولو كان زوجةً، ضربت الاثنا عَشَر في ثمانية، تبلغ ستَّةً وتسعين، للزوجة اثنا عَشَر، وللذكر مضروبُ سبعة في سبعة تسعةٌ وأربعون، وللخنثى مضروبُ

خمسةٍ في سبعةٍ خمسة وثلاثون.

قوله: «فإن انتبه أحدهما فهما اثنان». في الميراث، وكذا التَفصيل في الشَهادةَ، وفي النكاح واحد، وفي التكليف اثنان.

ص: 745


1- القائل هو السيوري في التنقيح الرائع، ج 4. ص 214؛ ولتوضيح المطلب راجع إيضاح الفوائد، ج 4، ص 252 - 254.

والأولى في الوضوء أن يغسِّل كلّ منهما أعضاءَ كلّ منهما.

[في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم]

قوله: «وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغَرَقِ والهَدْمِ تردّد». لا يثبت؛ لعدم النصِّ، فمع الاشتباه لا يرث أحدهما الآخر بل ميراث كلّ لوارثه.

قوله: «يورّث الأضعف أوّلاً، ثمّ الأقوى». أي الأضعف نصيباً كالزوجة مع الزوج؛ تعبّداً (1) لا لعلَّة مقبولة، إلّا أن يحكم بالتوارث ممّا وَرِث من صاحبه.

قوله: «والتقديم على الاستحباب». قويّ.

[في ميراث المجوس]

قوله: «عن الفضل بن شاذان: أنّه يورّثهم بالنسب، صحيحه وفاسده». العمل على مقالة الفضل (2).

قوله: «ولو خلَّف جدَّةً هي أُخت، وَرِثت بهما». كما لو تزوَّج مجوسي بأُمِّ أُمِّه فأولد منها وَلَداً، فأُمّ الأب أُخت لهذا الولد؛ لكونها بنت أُمِّه وجدّة لكونها أُمّ أبيه.

[في حساب الفرائض]

قوله: «لأنّه لا وَفْق بين نصيبهنّ». المتوافقان: هما العددان اللذان يعدّهما عدد ثالث غير الواحد، أو اللَذان إذا أسقطتَ أقلّهما من الأكثر مرَّةً أو مراراً بقي أكثر من واحد، كعشرة واثنَي عَشَر يعدّهما الاثنان، وإذا أسقطت أقلّهما من الأكثر بقي اثنان، فَيُجْتَزى

ص: 746


1- الكافي، ج 7، ص 137 - 138، باب ميراث الغرقى وأصحاب الهدم، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 359، ح 1281 - 1282.
2- نقل قول الفضل الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 483؛ لتوضيح المطلب راجع التنقيح الرائع، ج 4، ص 221.

بضرب أحدهما في الكسر الذي ذلك المشترك سمّي له، كالنصفِ في الأربعة والستَّةِ، والثلثِ في الستَّةِ والتسعةِ، والربعِ في الثمانيةِ والاثنَي عَشَر. ولو لم يعدّهما إلّا الواحد فهما متباينان. ولو عدَّ أقلّهما الأكثر ولم يتجاوز نصفه، فهما متداخلان.

[في المناسخات]

قوله: «فإن اختلف الوارث أو الاستحقاق أو هما». الصور أربع:

أ: اتّحد الوارث والاستحقاق، كإخوَةٍ ثلاثةٍ مات أخ ثمّ آخر وبقي أخ، فالمال له، فالوارث واحد، وكذا الاستحقاق بالأخوَّة.

ب: اختلافهما معاً، كأخوَين مات أحدهما ثمّ مات الآخر عن ابن، فالمال له، فوارث الأوّل غير الثاني، والاستحقاق في الأوَّل بالأُخوَّة، وفي الثاني بالبُنُوَّة.

ج: اختلاف الوارث خاصَّةً، كمَن مات عن وَلَدَين، ثمّ أحدهما عن ابن، فوارث الثاني غير الأوَّل، والاستحقاق بالبُنُوَّة فيهما.

د: اختلاف الاستحقاق خاصَّة، كَمَن تَرَكَ زوجةً وابناً، ثمّ تموت الزوجةُ عن هذا الابن، فوارث الثاني هو وارث الأوَّل، والاستحقاق في الأوَّل بالزوجِيَّة، وفي الثاني بالبُنُوَّة.

قوله: «وإلّا فاضرب الوَفْق من الفريضة الثانية في الفريضة الأُولى». كأَبَوَين وابن، ثمّ يموت الابن ويترك ابنين وبنتين، فالفريضة الأُولى من ستَّةِ، ونصيبُ الابن أربعةٌ، وسِهامُ ورثتِه ستّةٌ توافقتا بالنصف، فتضرب ثلاثة في ستَّة، تبلغ ثمانيةَ عَشَر، للابن اثنا عَشَر، تنقسم على ورثته.

وما ذكره المصنّف من اعتبارِ التناسبِ بين الفريضتَين ليس بجيِّدٍ، وإنّما المعتبر ما ذكرناه.

قوله: «فما بلغ صحَّت منه الفريضتان». كالأبوَين وابنٍ، ثمّ مات الابن وترك ابنين وبنتاً، فنصيبُه أربعةٌ في الفريضة الأُولى، وسِهام ورثته خمسة، فتضرب خمسة في ستّة تبلغ ثلاثين.

ص: 747

كتاب القضاء

[صفات القاضي]

قوله: «وهل يشترط علمه بالكتابة؟». المشهور اعتبار الكتابة والبصر.

قوله: «وفي اشتراط الحرِّيَّة تردّد». الاشتراط قويّ، وإلّا لزم انعزاله بانعزال المولى.

قوله: «نعم، لو تراضی اثنان بواحد من الرعيَّة». ويشترط في المتراضى به استجماع شرائط الفتوى، وإنّما يتوقَّف حكمه على التراضي؛ لأنّه ليس منصوباً من قبل الإمام؛ إذ لا يتصوّر التحكيم إلّا مع حضور الإمام علیه السلام، أمّا مع غَيْبَتِه، فينفذ قضاء الجامع للشرائط مطلقاً، ولا ينفذ قضاء غيره إجماعاً.

قوله: «وربَّما وجب». إذا لم يوجد غيره مستجمعاً للشرائط، وإذا أمره الإمام به وإن وجد غيره.

[في آداب القضاء]

قوله: «أن يستحضر من أهل العلم مَن يخاوضه في المسائل المشتبهة». للتنبيه على المأخذ والخطأ لا للتقليد، فإنّه غير جائز وإن ضاق الوقت، ولا ينفذ قضاء المقلِّد إجماعاً ذكره العلّامة في المختلف (1) وغيره (2) .

ص: 748


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 431، المسألة 33.
2- نهج الحقّ: ص 562.

قوله: «وفي حقوق الله قولان» (1). الأصحّ أنّه يقضي بعلمه مطلقاً.

قوله: «وإن جهل الأمرين فالأصحّ التوقّف». هذا هو المشهور.

قوله: «لا تسمع شهادة الجرح إلّا مفصَّلَةً». والأقوى: وجوب التفصيل فيهما معاً.

قوله: «الرشوة على الحاكم حرام». على الراشي والمرتشي.

نعم، لو توقّف التوصّل إلى الحقِّ على الرشوَة حَرُمَت على القاضي خاصَّةً.

[في وظائف الحاكم]

قوله: «التسوية بين الخصوم». هذه الوظائف كلّها واجبة، أمّا التسوية في الميل القلبي، فمستحبَّة.

قوله: «أو ما ناسبه». مثل: ليتكلّم المدّعي منكما، ولا يخصِّص أحدهما بالخطاب.

قوله: «فإن (2) اجتمع خصوم». المراد باجتماعهم دفعةً، فيكتب أسماء المدَّعِين كلَّ واحد في رُقْعَة، ويضع الرِقاع بين يديه و يَخْلِطها بحيث تشتبه، ثمّ يُخْرِجُ رُقْعَةً وينظر في أمر صاحبها، وخَصْمِهِ في حكومة واحدة، ثمّ يؤخِّر الأُخرى إن كان؟ حتّى يفرُغَ من الجميع، ثمّ ينظر في دعوى الأوّل ثمّ الثاني، وهكذا.

قوله: «واستدعى مَن يخرج اسمه». إلّا مع ضرورة أحدهم، كالمسافر المستوفِز (3) والمرأة.

[في جواب المدّعى عليه]

قوله: «ولو ادّعى الإعسار كُلّف البيِّنة». إنّما يكلَّف البيِّنة بالإعسار إذا كان له أصل

ص: 749


1- الأكثرون على أنّ للحاكم أن يحكم بعلمه، ومنهم الشيخ: في الخلاف، ج 6، ص 242، المسألة 41 ؛ وقال ابن الجنيد بالعدم ؛ حكى قوله السيّد المرتضى في الانتصار، ص 487 - 488، المسألة 271.
2- في المختصر النافع: «وإن».
3- في النسخ: «المتوقّف» بدل «المستوفز».

مال أو كان أصل الدعوى مالاً، أمّا لو لم يعرف له أصل مال ولا كان أصل الدعوى مالاً بل جنايةً أو صداقاً أو نفقة زوجته أو قريب استدان عليه بإذن منه أو من الحاكم، فإنّه يقنع بيمينه، وله ردّ اليمين على الغريم.

قوله: «وأشهر منها: تَخليته». قويّ، لكن يجب عليه التكسّب ولو بإيجار نفسه فيما يليق به.

قوله: «وفي تكفيل المدّعى عليه تردّد». لا يجب التكفيل؛ لأنّه تعجيل عقوبةٍ لم يثبت سببها.

قوله: «وقيل: يُردّ اليمين على المدَّعي» (1). قويّ.

قوله: «إِلّا فى الدَّين على الميِّت». وفي حكمه الدعوى على الصبيّ والمجنون والغائب. ووجه الاستظهار احتمال أن يكون المدَّعي قد استوفى ماله، أو أبرأه و لم يعلم الشهود، فيستظهر الحاكم باليمين.

واحترز بالدين عن العين، كما لو أقام بيِّنةً بعاريتها أو غصبها من الميِّت وشبهه، فإنّه ينزعها مِن غير يمين؛ لأنّ قِيامَ البيِّنةِ له بذلك يستلزم الشهادة له بالملك، والأصل بقاؤه.

[كيفيّة الاستحلاف]

قوله: «ويجوز تغليظ اليمين بالقول». التغليظ بالقول أن يأتي بالألفاظ المشتملة على الثناء عليه المختصّ به، كقوله : وَاللهِ الذي لا إله إلّا هو الطالب الغالب الضارّ النافع المدرك المهلك، الذي يعلم من السرِّ ما يعلمه مِن العَلانيةِ، ونحوه. والزمان كالجُمُعَةِ والعِيد وبعد الزوال. والمكان كالمسجد والحرم.

ص: 750


1- القائل هو الشيخ في الخلاف، ج 6، ص 290، المسألة 38؛ والمبسوط، ج 5، ص 574 ؛ وابن ادريس في السرائر، ج 2، ص 180.

ويغلّظ على الكافر بما يعتقده مُشَرَّفاً من القول والزمان والمكان.

ولو امتنع الحالف من [التغليظ ] يُجْبر عليه (1).

قوله: «ويحلف الأخرس بالإشارة». المراد بالإشارة: المُفهمة لليمين، وهذا هو المشهور (2)، والأجود.

قوله: «إلّا مع دعوى علمِه بموته». ويحلف الوارث - عند تمامِ الدعوى عليه بالقيودِ الثلاثةِ (3) في العلم بالموت أو الحقّ - على نفي العلم، وفي ادّعاء المال في يده على البَتّ.

قوله: «ولا يثبت مال غيره». وإن كان نفعه عائداً عليه، كما لو ادّعى غريم الميِّت مالاً للميِّت على غيره وأقام شاهداً، فإنّ الغريم لا يحلف معه وإن كان الدَين مستوعِباً، بل الوارث، فإن امتنع من اليمين لم يثبت الحقّ، ولا يُجْبَر عليها.

قوله: «إنفاذ ذلك الحكم». بمعنى إمضائه، لا الحكم بموجبِه وصحَّتِه. والفائدة قطعُ الخصومةِ لو عاود الخصمان المنازَعَةَ.

قوله: «وإذا عدِّلت السِهام». المراد بتعديلها تسويتُها من غيرِ احتياجٍ إلى شيء يجعل معها.

ولو تضمَّنت ردّاً من أحدٍ لم يجبر الممتنع عليها؛ لاستلزامها المعاوَضَةَ على بعضِ العينِ.

قوله: «إذا لم يكن في القسمة ضرر». يتحقَّق الضرر بنقص القيمة. ولو كان من أحد الجانبين فرضي، أُجبر الآخر.

ص: 751


1- أي لا يعدّ ناكلاً، كما ذهب إليه بعض العامّة.
2- التنقيح الرائع، ج 4، ص 257؛ إيضاح الفوائد، ج 4، ص 336.
3- أي دعوى المدّعي علم الوارث بموت المورِّث، وأنّ المورِّث مديون، وأنّ الميّت ترك مالاً في يد الوارث، بانتفاء أحد هذه القيود الثلاثة تنتفي تماميّة الدعوى. لتوضيح المطلب راجع مسالك الأفهام، ج 13، ص 492؛ جواهر الکلام، ج 40، ص 250.

[المدّعي]

قوله: «وقيل: هو الذي يدَّعي خلاف الأصل أو أمراً خفيّاً»(1). وهو المعبّر عنه بمدَّعي خلاف الظاهر؛ لأنّ الخفيَّ يقابل الظاهرَ، والمنكر يقابله في الجميع. وهذه التعريفات تجتمع غالباً، كما لو ادّعى زيد على عمرو ديناً، فإنّ زيداً وسكوتَه، أي يترك لو ترك الخصومة، ويدَّعي خلاف الأصل؛ لأنّ الأصل براءة ذمَّة عمرو من الدين، ويدَّعي أيضاً أمراً خفيّاً، وعمر و يقابله فيها. وربَّما تعارضت في مواضع: منها ما لو أسلم الزَوْجان قبل الدخول، فقال الزوج: أسلمنا معاً فالنكاح باقٍ، وقالت المرأة: بل على التعاقب فلا نكاح بيننا، فعلى الأصل هى المدَّعية؛ لأنّ الأصل عدم تقدّم كلّ منهما على الآخر.

قيل : وكذا على التخلية؛ لأنّها لو سكتت لم يعرض لها الزوج واستمرّ النكاح. وعلى الظاهر هو المدَّعي؛ لأنّ التقارن خلاف الظاهر (2).

قوله: «وإيراد الدعوى بصيغة الجزم». فيما لا يعسر الاطِّلاع عليه، كالسرقة، وإلّا لم يشترط على الأقوى، ولا يتوجَّه هنا ردّ (3) اليمين على المدَّعي.

قوله: «أشبهه: الجواز». قويّ. قوله: «فهو لمخرجه». إن أعرض مالكه جاز أخذه. ويجوز رجوع مالكه فيه ما لم يتصرَّف.

قوله: «وفي الرواية (4) ضعف». يمكن حملها على الإعراض عمّا يقذفه البحر لإياس منه، فإن فرض ذلك صحّ أخذه، وإلّا فهو لمالكه، ولا أُجرة للمخرج إلّا أن يأمره المالك.

ص: 752


1- راجع التنقيح الرائع، ج 4، ص 266 ؛ المهذّب البارع، ج 4، ص 482.
2- القائل الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ، ج 4، ص 266 - 267؛ وابن البرّاج في المهذّب البارع، ج 4، ص 482 - 483.
3- كلمة: «ردّ» لم ترد في نسخة «م».
4- وهي رواية أميّة بن عمرو عن الشعيري في مسألة السفينة. راجع تهذيب الأحكام، ج 1، ص 295، ح 822.

قوله: «ويمكن حمل ذلك على مَن خَلَط المال ولم يأذن له صاحبه». هذا الحمل ليس بجيِّد على ما نقله في صدر الرواية (1) أنّ حمله بخلطها في العبارة صفة للبضاعة، وحينئذٍ لا يتوجَّه خلط المال بغير إذن صاحبه، لاقتضاء الأوّل إذنه فيه.

وأمّا حكم المسألة مع قطع النظر عن الرواية، فهو أنّه إن خلطها بغير إذنه ضَمِن، وإلّا اعتبر التفريط.

قوله: «إلّا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك». لأنّ الموضوع عنده مع دعاء الأجير إليه كوكيله، فيده يده، بخلاف الأوّل، فإنّ الأُجرة في ضَمان المستأجر حتّى يقبضها الأجير أو مَن يقوم مقامه.

[الاختلاف في الدعوى]

قوله: «وللآخر إحلافه». وكذا له إحلاف مَن كانت في يده. ثمّ إن ادّعى عليه العلم كفى حلفه على عدمه، وإن ادّعى عليه غصبها منه ونحوه حلف على البَتّ.

قوله: «إذا تداعيا خُصّاً، قضي لمَن إليه القِمْط». القمط - بكسر القاف -: ما يشدّ به الأخصاص (2).

ووجه الرواية (3): أنّ الظاهر أنّ مَن كانت إليه المعاقد وقف في ملكه وعقد. والمشهور العمل على الرواية وضعفها منجَبرٌ بالشهرة (4).

قوله: «وفيه رواية (5) بالفرق». بين الأب وغيره، ضعيفة.

ص: 753


1- وهي رواية حريز عن أبي عبيدة في مسألة البضاعة. راجع تهذيب الأحكام، ج 6، ص 288 ، ح 799.
2- كما في الصحاح، ج 2 ص 1155، «قَمَط»؛ وفيه زيادة: ومنه معاقد القِمط. والأخصاص جمع خُصّ: البيت من القصب. المصباح المنير، ص 171، «خصص».
3- وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر. الفقيه، ج 3 ص 100 ، ح 3416.
4- راجع التنقيح الرائع، ج 4، ص 275؛ السرائر، ج 2، ص 194 - 195.
5- الكافي، ج 7، ص 431، باب النوادر من كتاب القضاء، ح 18 ؛ الفقيه، ج 3، ص 110، ح 3432؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 289، ح 800.

قوله: «ويدهما عليه، كان بينهما». الأصحّ أنّه إن كان هناك عرفٌ عامٌّ أو خاصٌّ حكم به، وإلّا حكم بما يصلح للرجل له، وللمرأة لها، وما يصلح لهما بينهما، كلّ ذلك مع التحالف.

وحكم ورثتِهما أو ورثة أحدهما حكمهما.

[تعارض البيّنات]

قوله: «على الأشبه». قويّ.

قوله: «القضاء للخارج». قويّ.

قوله: «والأوّل أشبه». قوىّ.

ص: 754

كتاب الشهادات

[صفات الشاهد]

قوله: «وهو شاذّ». ضعيف.

قوله: «وفي اعتبار الغربة تردّد». اعتبارُها أولى.

ويشترط عَدالتُهما في دِينِهما، وكونُ الوصيَّةِ بالمال لا بالوِلايةِ.

والأولى إحلافه بعد العصرِ؛ عملاً بظاهرِ الآية (1).

قوله: «العَدالة». العَدالة: هيئة نفسانيَّة راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروءة بحيث لا يفعل الكبائر، ولا يُصِرّ على الصغائِر، وهذا هو المراد بالتقوى.

وأمّا المُرُوءة، فهي تنزيهُ النفسِ عن الدَناءةِ التي لا تليق بأمثاله، كالسخريّة وكثرة الضحك، ولُبسِ الفقيه لباس الجندي بحيث يسخر به. وكشفِ العورة التي يتأكّد استحباب سترها في الصلاة، وغير ذلك.

قوله: «إلّا في الإملاك» (2). يشترط أن لا يكون مصنَّجاً.

قوله: «وحدّ توبَتِه: إكذابُ نفسِه». ويُورّي باطناً إن كان صادقاً.

والقول الآخر (3): إنّ الصادق يُخَطَّئُ [نفسَه] بأن يقول: أخطأتُ، ولا يقول: كذّبتُ

ص: 755


1- المائدة (5): 106.
2- الإملاك: التزويج . الصحاح، ج 3، ص 1610؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 467، «ملك».
3- هذا مختار العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 494.

نفسي في الملأ، ولا يكذِّبها.

ويضعَّف بأنَّه قذف تعريضي، وبأنّ الله تعالى سمّى القاذف الذي لا يأتي بالشهود كاذباً (1).

قوله: «ولا شهادة ذي العداوة الدنيويَّة». ولو اختصَّت العداوة بأحد الجانبين، اختصَّ بالقبول الخالي منهما.

واحترز بالدنيويّة عن الدينيَّة، فإنّها لا تمنع القبول؛ لقبول شهادة المسلم على أهل الأديان.

قوله: «وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف». القبول قويّ؛ للآية (2) والخبر (3) وفي حكمه الجدّ وإن علا.

قوله: «وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره» (4). لا يشترط.

قوله: «وربَّما صحَّ فيها الاشتراط». لا يشترط أيضاً، فتُثْبِت مفردةً ربع الوصيَّة.

قوله: «كالضيف والأجير على الأشبه». قويّ.

قوله: «أشهر هما: القبول». قويّ.

قوله: «أظهر هما: المنع». قويّ.

قوله: «وقيل: تقبل في الشيء الدون» (5) . ضعيف.

قوله: «التبرّع بالأداء قبل الاستنطاق». المراد استنطاق الحاكم، ولا عبرة بالتبرّع وعنده غيره.

ولا فرق بين التبرّع قبل الدعوى أو بعدها. ولا يصير بالردِّ مجروحاً.

ص: 756


1- النور (24): 13.
2- النساء (4): 135.
3- الكافي، ج 7، ص 381 باب الرجل يسمع الشهادة ولم يشهد عليها، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 276، ح 257.
4- المشترط هو الشيخ في النهاية، ص 330؛ وراجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 511، المسألة 85.
5- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 326.

والأصحّ أنّ المنع مخصوص بحقِّ الآدمي، فلا يقدح في حقِّ الله، ولو اشترك - كحدِّ القذف - فالظاهر الردّ.

قوله: «يمنع القبول». في ذلك المجلس.

قوله: «وهل يمنع في حقوق الله؟». لا يمنع.

قوله: «وامرأة واحدة في ربع الوصيَّة». كلّ ذلك بغير يمين.

ولو حلف مع مرأتين ثبت الجميع. ولا يجوز للمرأة تضعيف المال ليصير ما أُوصي به الربع، فلو فعلت قبل ظاهراً، ويستبيحه المشهود له مع الحكم على الأقوى إن علم بالوصيَّة.

[فيما يصير به شاهداً]

قوله: «أمّا السماع، فيثبت به النسب». والموت والوِلاية والملك والعتق والرقّ. ويشترط فيه إخبار جماعة يتاخم قولهم العلم. وقيل: يحصّله. ولو تعارض في ملك يد واستفاضة، فاليد أولى.

والمراد بالملك الذي يثبت بالاستفاضة: المطلق، لا المسبَّب عن بَيع ونحوه. فلو شَهِدَ بالملك وأسنده إلى ما لا يثبت بالاستفاضة كالبيع، قُبِل في أصل الملك، لا في السبب.

وتظهر الفائدة في ترجيحه على مدَّعٍ آخر.

ولو أسنده إلى سبب يثبت بالاستفاضة كالإرث قُبِل.

قوله: «وإذا دعي الشاهد للإقامة». ولو كان صاحب الحقِّ لا يعلم بشهادته، وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحقِّ بدون الشهادة. هذا إذا كان الشاهد عدلاً، ولو كان فاسقاً ففي وجوب التعريف عليه نظر، أقربه: الوجوب؛ لتوقّع العَدالة بالتوبة.

قوله: «المرويّ الوجوب» (1). يجب.

ص: 757


1- الكافي، ج 6 ، ص 379 باب الرجل يُدعىٰ إلى الشهادة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 275، ح 751.

قوله: «ولا يُقِيمها بالإقرار». أي لا يشهد أنّه أقرّ؛ لأنّه إخبار يقتضي اللفظ، وإنّما يشهد عليه بأنّ في ذمَّته كذا، أو نحو ذلك.

قوله: «قيل: يكفي في الشهادة بالملك (1): مشاهدته يتصرّف فيه». قويّ.

قوله: «ولو رأى خطَّه». وإن أمِن التزوير، كما لو حَفِظه بنفسه، ما لم يعلم الحال.

قوله: «وفي رواية: إن شَهِد مع آخر» (2). لا عمل عليها.

قوله: «ما لم يخش بطلان الحقِّ إن امتنع». لا فرق بين مَن استشهد وغيره في وجوب الإقامة على الأصحّ.

[في الشهادة على الشهادة]

قوله: «ولا يجزئ إلّا اثنان على شاهد الأصل». ولو شَهِدَ الاثنان على شهادة كلّ منهما جاز، بل يجوز أن يشهد شاهد الأصل مع آخر على شهادة الأصل الثاني. وليس على شهود الفرع تزكية شهود الأصل. ولابدّ من تعيين شاهدَي الأصل، فلا يكفي أشهدنا عدلان.

قوله: «لمرضٍ». تكفي في ذلك مشقَّة الحضور.

قوله: «أو غَيبَةٍ». ولا تقدير للغَيبَةِ، بل ضابطها اعتبار المشقَّةِ على شاهدَي الأصل في حضوره. ولا تشترط مسافة القصر.

قوله: «وفيه إشكال». بل يبطل إن كان قبل الحكم، ولو كان بعده لم ينقض.

[في اللواحق]

قوله: «إذا ثبت أنّهما شاهدا زور». وإنّما يثبت التزوير بقاطع، كعلم الحاكم، لا

ص: 758


1- القائل هو الشيخ في الخلاف، ج 6 ، ص 264 ، المسألة 14.
2- الكافي، ج 7، ص 382، باب الرجل ينسى الشهادة ويعرف خطّه بالشهادة، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 72، ح 3364؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 258 ، ح 681.

بشهادة غيرهما؛ لأنّه تعارض، ولا بالإقرار (1)؛ لأنّه رجوع، كذا نبَّه عليه في الدروس (2).

قوله: «وفي النهاية: يَردّ الباقون من شهود الزنى» (3). الأصحّ عدم الغرم إلّا مع التصديق، ولو صدَّقه الباقون في كذبِه في الشهادة، لا في كذب الشهادة اختصّ القتل به، ولا يؤخذ منهم شيء.

قوله: «ثمَّ رجعا، ضمنا المهر». ويَغْرَمان نصف المهر الذي غَرِمَه الزوج إن كان قبل الدخول؛ لأنّه إن كان في معرض السقوط بِرِدَّتِها أو الفسخ لعيب ولو كان بعد الدخول، فلا ضَمان.

ص: 759


1- في المصدر: «ولا بإقرارهما» بدل «ولا بالإقرار».
2- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 118 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- النهاية، ص 335.

كتاب الحدود

[موجب الزنى]

قوله: «ويتحقّق بغَيبوبة الحشفة». أو بقدرها من مقطوعها.

قوله: «ولا يكون العقد بمجرّده شبهة». بمعنى أنَّه لو عقد علمه بفساده؛ لعدم قبول الموطوءة للعقد بوجه من الوجوه، لم يكن العقد بمجرَّده شبهةً في سقوط الحدِّ؛ خلافاً لأبي حنيفة (1) نفى وجوب الحدّ.

قوله: «ففي وجوب الحدِّ تردّد». أي على المجنون، والأصحّ عدم الحدّ. أمّا العاقلة، فتحدّ مع المطاوَعَةِ.

قوله: «له فرج مملوك بالعقد الدائم أو الملك». بحيث إذا سافر إليه غدوةً وصل إليه الظهر، أو الظهر وصل عشيَّةً فما دون.

قوله: «ولو ادّعيا الجهالة أو أحدُهما، قبل على الأصحّ». قويّ.

قوله: «ولو راجع المخالع، لم يتوجّه عليه الرجم حتّى يطأ». لأنّ الوطء السابق على الخلع قد زال أثره بزوال الزوجيَّةِ بالطلاق البائن، فلابدَّ من الوطء بعد رجوع المخالِع في تحقّق الإحصان.

وكذا العبد إذا كان متزوِّجاً داخلاً بالزوجيَّة ثمَّ أعتق، فلابدّ في تحقّق إحصانه من

ص: 760


1- بدائع الصنائع، ج 7، ص 35؛ المبسوط، السرخسي، ج 10، ص 85.

الوطء بعد العتق؛ لأنّ الوطء السابق كان في حال الرِقيَّة التي لا يتحقّق معها الإحصان.

وكذا القول في المكاتَب إذا كان متزوّجاً ثمَّ تحرَّر بأداء مال الكِتابةِ.

قوله: «أشبهه: أنّه لا يشترط». قويّ؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم» (1) جائز ولإطلاق الأخبار (2). ووجه الاشتراط قضيَّة ماعز بن مالك الأنصاري (3).

قوله «ضرب حتّى ينهى عن نفسه». والمستند رواية محمّد بن قيس عن الباقر علیه السلام (4).

والحقّ إنّه إن أقرَّ مرَّةً لم يتجاوز التعزير؛ لأنّ الحدَّ لا يثبت بالإقرار مرَّةً، وإن أقرَّ مرَّتين لم يتجاوز الثمانين؛ لأنّ حدَّ الشرب يثبت بالإقرار مرَّتين، وإن أقرَّ أربعاً لم يتجاوز المائةَ.

قوله: «على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد». فلو اختلفوا في الزمان أو المكان أو الحالة - كالزنى عارياً ومكسيّاً - بحيث لا يمكن الجمع، حدّ الشهود.

واحترز بعدم إمكان الجمع عمّا لو شهد أحدهم بأنّه زنى وعليه قميص أبيض، والبعض الآخر: وعليه قميص أسود، فلا حدّ عليهم؛ لإمكان الجمع. وفي ثبوت الحدّ عليه نظر.

[في حدّ الزنى]

قوله: «وألحق الشيخ امرأةَ الأب» (5). الأصحّ عدم الإلحاقِ.

ص: 761


1- عوالي اللآلي، ج 3، ص 551، ح 24.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 8، ح 21؛ الاستبصار، ج 4، ص 204، ح 762 .
3- صحيح مسلم، ج 3، ص 1323. ح 1695/23.
4- الكافي، ج 7، ص 219، باب ما يجب على مَن أقرّ على نفسه بحدّ ...، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 45 ، ح 160 .
5- النهاية، ص 693.

قوله: «وفي جلده قبل القتل تردّد». الأجود الجمع بينهما جمعاً بين الآية (1) والرواية (2) .

قوله: «ويجمع للشيخ والشيخة بين الحدِّ والرجم». الشيخ والشيخة: من جاوز سنّه الأربعين. والشابّ: من تجاوز البلوغ إلى الثلاثين، وما بينهما كَهْلٌ (3).

قوله: «ويغرَّب عن بلده سنةً». ويشترط كون التغريب إلى مسافة القصر فصاعداً. وإليه التخيير في جِهات السفر.

ولو كانت الطريق مخوفةً لم ينتظر الأمن إلّا أن يخشى تلفه. ومؤونة التغريب على الزاني.

قوله: «وتُرْضِع الولد». إن لم يوجد مرضع غيرها أُنظرت حتّى تُكْمِل الرَضاعَةَ، وإن وُجِد غيرها أُنظِرت حتّى تُشْرِب اللِبأ خاصَّة؛ إذ لا قِوام للولد بدونه. ولا فرق بين ولد الزنى وغيره في ذلك.

قوله: «ولو رأى الحاكم التعجيل ضَرَبَه بالضغْثِ». الضِغْثُ قبضة من سياط أو عصاً ونحوِها، فإن اشتمل على تمام العدد، کفی به ضربةٌ واحدةٌ مُؤلِمَةٌ يتثاقل عليه جميع العدد.

ولو اشتمل على أقلَّ من العدد كرَّره، فيضرب بالخمسين مرَّتين، وهكذا.

ولو احتمل سِياطاً خِفافاً، فهو أولى من الضِغْثِ.

قوله: «وقيل: إن لم تصبه الحِجارَةُ، أعيدُ» (4). لا يشترط إصابتها.

قوله: «وأقلّها واحد»، بل أقلّها ثلاثة وجوباً.

قوله: «ولا يرجمه مَن لله قبله حدّ، وقيل: يكره» (5). بل يحرم.

ص: 762


1- النور (24): 2.
2- كحسنة زرارة في الكافي، ج 7، ص 189، باب الرجل يغتصب المرأة فرجها، ح 3.
3- كما في مجمع البحرين، ج 2، ص 436، «شيخ».
4- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 700.
5- القائل هو الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 549.

[في اللواحق]

قوله: «فشهدت أربع نساء بِالبكارة، فلا حدّ». الأصحّ عدم الحدّ؛ لإمكان عود البِكارة، فلا يعلم الفِرْيَةُ (1) .

قوله: «إذا كان الزوج أحد الأربعة». تقبل شهادته، ويجب الحدّ، إلّا أن يسبق بالقذف، فيُحدّ هو والشهود.

قوله: «فعليه مع تكرار الإقرار حدّان». حدُّ الزِنى وحدُّ القذفِ.

قوله: «وفيهما تردّد». قويّ، إلّا أن تفسِّر بالإكراه ونحوه، فتعزَّر.

[في اللواط والسحق والقيادة]

قوله: «ويقتل الموقب». أقلّ الإيقاب غَيبوبة الحشفة في الدُبُرِ. ولا فرق بين المحصَن وغيره.

قوله: «ولا يُحَدّ المجنون ولو كان فاعلاً على الأصحِّ». قويّ.

قوله: «وعلى زوجته الحدّ والمهر». المراد به مهر المثل. وإنّما وجب لها المهر دون الزانية؛ لأنّ الزانية أذنت في الافتضاض دون هذه.

[في حدِّ القذف]

قوله: «وكذا لو قال لمَن أقرَّ بُنوَّته: لستَ بِوَلدي». فيجب على الأب الحدّ. وكذا لو قال إنسان لولده: لَستَ لأبِيك، ونحوه.

قوله: «فالحدّ للمنسوبة إلى الزنى دون المواجَه». ويعزَّر للمواجَه في جميع هذه الصور.

قوله: «وفي ثبوته للمرأة تردّد». يثبت.

ص: 763


1- الفرية: الكَذْبة كما في النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 443، «فرى».

قوله: «وكذا لو قال لامرأته: لم أجدِكِ عذراء». إذ لم يوضع للقذف عرفاً أو وضعاً، كقوله: أنتَ ولد حرام، أو حملت بك أُمُّك في حيضِها، أو لستَ بولد حلال.

قوله: «أو قال لغيره ما يُوجب أذىً، كالخسيس». ومثله الكلب والخنزير، والفاسق والكافر والمرتدّ، والتعیير ببلاء الله، مثل: أجذم وأبرص وأعور وغير ذلك ممّا يُوجِب الأذى إذا لم يكن المقول له مستَحِقّاً للاستخفاف، ولو كان مستحقّاً له سقط التعزير.

قوله: «وكذا لو قال: يا فاسق، أو: يا شارب الخمر». إلّا أن يكون المقول له مستَحِقّاً للاستخفاف فيسقط التعزير.

[في أحكام القذف]

قوله: «ولو قال: ابنك زانٍ أو ابنتك زانية، فالحدّ لهما». إذا كانا بالغَين كاملَين، وإلّا فللأب، ويثبت التعزير للمواجَه على التقديرَين.

قوله: «ويَحلّ دمه لكل سامع إذا أمِنَ». على نفسه وماله أو غيره من أهل الإيمان. وحكم أُمِّه علیه السلام وبنتِه حكمُه في ذلك.

قوله: «يقتل مدّعي النُبُوَّة». وكذا مصدِّق مدَّعِيها.

قوله: «يقتل الساحر». وهو عقدٌ أو رُقىً أو كلام يَتَكَلَّم به أو يكتُبُه، أو يعمل شيئاً يُؤَثِّر فى بدن المسحور أو عقله أو قلبه من غير مُباشَرَة. ومنه التفريق بين الرجل والمرأة وبغض أحدهما لصاحبه، ومحبَّة أحد الشخصين للآخر.

[في حدّ المسكر]

قوله: «وكذا العَصِير». أي العِنَبي خاصَّةً.

قوله: «ويسقط الحدّ عمّنَ جَهِل المشروب». إذا أمكن ذلك في حقِّه، كقرب عهده بالإسلام، أو كونه نَشَأَ في بادية لا يعلمون معالم الإسلام.

ص: 764

قوله: «وقال الشيخ في الخلاف: في الرابعة» (1). أولى.

قوله: «لو شَهِد واحد بشربها وآخر بقيئها حدّ». لما رُوي: أنّه ماقاء إلّا وقد شرب(2) . وكذا لو شَهِدا بقيئها؛ لشهادة التعليل.

قوله: «وقيل: حكمه حكم المرتّد» (3). فإن كان ولد على الفطرة قتل، وإلّا استتيب كما ذكر، فإن تاب، وإلّا قتل.

وكذا القول في كلِّ مَن اعتقد إباحة ما أُجمع على تحريمه، كالزنى ونكاح المحرَّمات وغيرها.

[في حدِّ السرقة]

قوله: «يقطع لو زاد عن نصيبه قدر النصاب». الأصحّ عدم القطع.

وكذا القول في كلِّ ما للسارق فيه حقّ، كبيت المال، ومال الزكاة والخمس للفقير والعلوي.

قوله: «ويقطع الأجير إذا أحرز المال مِن دونه». قويّ.

قوله: «وفي رواية: لا يقطع» (4). تحمل الرواية على ما لو سرق ما لم يحرز عنه، وإلّا قطع.

قوله: «ولابدّ من كونه محرزاً». المرجع في الحرز إلى العرف؛ لعدم تنصيص الشارع عليه على الخصوص.

قوله: «وقيل: كلّ موضع ليس لغير المالك دخوله» (5). ضعيف.

ص: 765


1- الخلاف، ج 5، ص 473، المسألة 1، كتاب الأشربة.
2- الكافي، ج 7، ص 401 باب النوادر من الشهادات، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 42 ، ح 3290؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 280 ، ح 772.
3- القائل هو ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 476.
4- الكافي، ج 7، ص 223، باب حدّ القطع وكيف هو ، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 104 ، ح 406.
5- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 714.

قوله: «ويقطع لو كانا باطنين». المراد بالباطن ما جعل عقده إلى داخل الثوب، والظاهر ما جعل إلى خارجه.

قوله: «ولا قطع في الثمر على الشجر». إلّا أن تكون الشجرة في موضع محرز كالدار ونحوها، فيقطع.

قوله: «في عام سنَةٍ». أي في عام مَجاعَةٍ (1).

قوله: «ويقطع سارق الكفن». القبر حرز للكفن خاصَّة، ومنه العِمامة، فلو أُلبس الميِّت ثياباً ونحوها فلا قطع على سارقها.

قوله: «وقيل: لا يشترط» (2). بل يشترط.

قوله: «بل تقطع اليمين ولو كانت شلّاء». إن أمكن انحسامها، وإلّا لم تقطع.

قوله: «وفي رواية: لا تقطع» (3). لا عمل على الرواية، ولا على ما في النهاية (4).

[في حدّ المحارب]

قوله: «وهو كلّ مجرِّدٍ سلاحاً». لا يشترط السلاح، بل لو أخاف بالحجر والعصا فهو قاطع طريق.

قوله: «ولو شهد بعض اللصوص على بعض، لم تقبل». نعم، لو قالوا: عرضوا لنا وأخذوا هؤلاء، قُبِل. وكذا لو شهد اثنان على بعض اللصوص أنّهم أخذوا قوماً، وشهد القوم على بعض آخرين من اللصوص أنّهم أخذوا الشهود، قبل الجميع.

قوله: «قال المفيد بالتخيير (5). وهو الوجه». قويّ.

ص: 766


1- عام سَنَةٍ وعام مَجاعَة لفظان مترادفتان، وهو عام القحط والجدب. راجع النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 407، «سنت»؛ والقاموس المحيط، ج 3، ص 23، «جاع».
2- القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة، ص 804؛ وسلّار في المراسم، ص 258.
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 10، ص 108 ، ح 421 ؛ الاستبصار، ج 4، ص 242، ح 917.
4- النهاية، ص 717.
5- المقنعة، ص 804.

قوله: «ولا يقطع المستَلب ولا المختَلس». المستلب آخذ المال من غير غفلة المالك، والمختلس عكسه، وكلاهما ليس بذي شوكةٍ.

قوله: «ولا المبنِّج». ولو جنى المبنِّج أو المرقِد على البدن، ضَمِن الفاعل.

[في إتيان البهائم ووطء الأموات وما يتبعه]

قوله: «وتُذْبَح وتُخْرَق». وليس الإحراق عقوبةً لها، بل لحكمةٍ خَفيَّة.

والذَبح للأمن من شياع نسلها، وتعذّر اجتنابه. والإحراق حذراً من اشتباه لحمها لولاه.

قوله: «ومَن استمنى بیده، عزِّر بما يراه الإمام». لا فرق بين الاستمناء بيده وغيره حتّى يد زوجته ومملوكته.

ص: 767

كتاب القِصاص

[في قصاص النفس]

قوله: «إزهاق البالغ العاقل النفس». الإزهاق: الإخراج.

قال الجوهري: زَهَقَت نفسُه تَزْهَقُ زُهُوقاً، أي خرجت (1)، وخروج النفس هنا على طريق المجاز لا الحَقِيقة (2) .

قوله: «المكافئة». فى الإسلام والحرِّيَّة وغيرها من الاعتبارات.

قوله: «فالأشهر أنّه خطأ كالضرب بالحصاة». الأصحّ أنّه شبيه عمد، فتثبت فيه الديةُ على القاتل.

قوله: «فالقِصاص على القاتل لا المكره». إن كان المكرَه صغيراً أو مجنوناً فالقِصاص على الآمر؛ لأنَّهما كالآلة، وإن كان مميّزاً غيرَ بالغ فالدية على عاقلته، وإن كان بالغاً فعليه القِصاص.

قوله: «أشبههما: أنَّه كغيره». إن كان كبيراً عاقلاً فعليه القَوَد. وإن كان صغيراً أو مجنوناً فالقَوَد على سيِّده، وإن كان صغيراً مميّزاً فلا قَوَد، وتجب الدية في رقبته.

قوله: «فإن فضل للمقتولين فضل». كما لو قتل ثلاثة واحداً فاختار الوليّ قتل اثنين، فيأخذ من الثالث ثلث دية، ويردّ على أولياء المقتولَين ديةً وثلثاً، لكلِّ واحدٍ ثلثان.

ص: 768


1- الصحاح، ج 3، ص 1493، «زهق».
2- لتوضيح المطلب راجع التنقيح الرائع، ج 4. ص 404.

قوله: «وإن فضل منهم، كان له». كما لو قتل رجل وخنثى رجلاً فقتل الوليّ الخنثى، فإنّ الرجل يردّ خمسمائة دينار، لورثة الخنثى مائتان وخمسون ديناراً، ولورثة الرجل المقتول مائتان وخمسون.

[في الشرائط المعتبرة في القصاص]

قوله: «ولا يقتل الحرّ بالعبد». وكذا مَن انعتق بعضه لا يقتل بالقِنِّ، ولا بمَن انعتق منه أقلّ وإن كانت قيمتُه أكثر.

قوله: «ولو كان العبد ملكه عزِّر وكفّر». يستحبّ.

قوله: «وفي الصدقة بقيمته رواية» (1). تستحبّ.

قوله: «فيها ضعف». لا عمل عليها.

قوله: «وفي رواية: إن اعتاد ذلك قتل به» (2). لا عمل عليها.

قوله: «فداه بأرش الجناية». بل بأقلِّ الأمرين.

قوله: «وإن كانا لاثنين، فللمولى قتله». إن تساوَيا في القيمة.

ولو تفاوتا، قتل الناقص قيمةً بالكامل، ولا يرجع مالكه بشيء، والكامل بالناقص مع ردِّ الفاضل، وإن لم يقتله مولى الناقص كان له أن يسترقَّ منه بقدر قيمة عبده على أصحّ القولين.

قوله: «وفي رواية عليّ بن جعفر» (3). لا عمل عليها.

قوله: «لو قتل حُرّ حُرَّين فليس للأولياء إلّا قتله». بمعنى أن ليس لهم أخذ دية الزائد عن واحد.

ص: 769


1- الكافي، ج 7، ص 303، باب الرجل يقتل مملوكه ...، ح 6؛ الفقيه، ج 4، ص 153 ح 5342؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 235، ح 933.
2- الكافي، ج 7، ص 303، باب الرجل يقتل مملوكه ...، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 192، ح 758؛ الاستبصار، ج 4، ص 273، ح 1036.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 201، ح 795؛ الاستبصار، ج 4، ص 277، ح 1049.

نعم، لو قتله واحد منهم عن صاحبه فالأقرب أنّ للباقين الدِية.

قوله: «ولو قتل العبد حرَّين على التعاقب، ففي رواية»(1) . لا فرق بين أن تكون الجِناية على النفس أو الطرف إذا كانت كلّ واحدة منهما تحيط بقيمتِه، وإن لم تحط كلّ واحدةٍ وأحاطتا تشاركا فيه مع وفاء قيمته بهما، وإن فضل فيه فضل كان للسيِّد، وإن قصرت قيمته عنهما قسِّم بينهما على نسبة استحقاقهما مع عدم اختيار الأوّل.

قوله: «ولعلّه استناداً إلى رواية حبيب السجستاني» (2). العمل على الرواية.

قوله: «والأشبه: اشتراط الصحّة بتقدّم الضَمان». بل إن دفع الدية أوّلاً أو ضَمِنها ورضي الوليّ صحّ، وإلّا فلا.

قوله: لو اعتاد ذلك جاز الاقتصاص». ويتحقّق الاعتياد بالقتل مرَّتين، فيقتل في الثالثة، وقيل في الثانية (3).

قوله: «وفي قتل الجدِّ بوَلد الوَلد تردّد». لا يقتل به.

قوله: «ولا يُقتل العاقل بالمجنون». ولو اختلف العاقل ووليّ المجنون في قصد الدفاع وغيره، فالقول قول العاقل مع اليمين، ولا شيء عليه. قوله: «ولا قَوَد على النائم، وعليه الدية». بل على العاقلة على المعتمد ؛ لأنّه خطأ محض.

قوله: «أنّه كالمبصر في توجّه القِصاص». قويّ.

قوله: «أن يكون المقتول محقون الدم». فلا يقتل المسلم بالمرتدِّ، والزاني المحصَن واللائط وإن وجب عليه الإثم؛ لأنّ قتلَه موقوف على إذن الإمام أو مَن نَصَبَه. وأمّا القاتل الذي يتوجَّه عليه القِصاص، فإنَّه معصوم بالنسبة إلى غير المستحقِّ، فيقتصّ له منه لو قتله.

ص: 770


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 195، ح 774 ؛ الاستبصار، ج 4، ص 274، ح 1040.
2- الكافي، ج 7، ص 319 - 320، باب انّ الجروح قصاص، ح 4 ؛ الفقيه، ج 4، ص 132، ح 5287 ؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 259، ح 1022.
3- حكاه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 426؛ وابن الفهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 5، ص 182.

قوله: «أمّا الإقرار، فتكفي المرَّة». قويّ.

قوله: «وفي قتلهما إشكال». لأنَّ كلَّ واحد من البيِّنة والإقرار يقتضي الانفراد وعدم الاشتراك، فلا وجه لقتلهما معاً.

وفيها إشكال من وجه آخر، وهو تضمّنها استيفاء الوليّ أكثر ممّا له؛ لأنّه على تقدير قتلهما يكون الواجب عليه ردَّ ديةٍ كاملةٍ؛ لأنّه قتل اثنين، وله قتل واحد.

قوله: «قيل: يحبس المتَّهم بالدم» (1). عدم الحبس قويّ.

قوله: «وأمّا القَسامة». القسامة: الأيمان الكثيرة، وقد تطلق على الحالفين، واشتقاقها من القَسَم، وهو الحَلْف.

والقَسامة تخالف غيرها في أُمور:

أ: كون اليمين ابتداءً على المدَّعي.

ب: جواز حلف الإنسان لإثبات حقِّ غيره.

ج: تعدّد الأيمان فيها.

قوله: «وفي الخطأ: خمس وعشرون على الأظهر». بل خمسون كالعمد.

قوله: «فالأشهر: أنَّ القَسامة ستّة رجال». الأولى ثبوت خمسين فيما فيه الدِية كالذكر والأنف، وما نقص بحسابها ففي اليد خمس وعشرون، وفي الإصبع خمس أيمان.

[في كيفيّة الاستيفاء]

قوله: «وللوليّ الواحد المبادَرة بالقِصاص». قويّ.

قوله: «ولو بادر أحدهم جاز». لا تجوز لأحدهم المبادَرة من دون إذن الباقين، لكن لو بادر ضَمِن حِصَصَهم وأثِمَ.

ص: 771


1- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 744.

قوله: «فالمرويّ: وجوب الدية في ماله» (1). قويّ.

قوله: «وقيل: لا دِية» (2). قويّ.

قوله: «فإن كان بما يسوغ به الاقتصاص لم يقتصّ من الوليّ». قويّ، وله قتله ثانياً.

[في قِصاص الطرف]

قوله: «مع الردّ فيما زاد عن الثلث». وقدر الثلث كالزائد.

قوله: «فلا يقطع العضو الصحيح بالأشلِّ». والشلل فساد في العضو، والمرجِع في الانحسام إلى أهل الخِبرَة، فإن أخبروا بعدمه وجبت الدِية.

قوله: «بل يراعى حصول اسم الشَجَّة». لاختلاف الناس في السِمن والهُزال.

قوله: «وإن عَمِي». فإنّ الحقَّ أعماه، فلا يطلق عليه إذهاب نظر كامل بنصف.

قوله: «ففي رواية: يقطع كفّ القاطع» (3). عدم القطع قويّ.

قوله: «ويضيَّق عليه». بأن يُطْعَم من الطعام ويُسقى من الشراب ما لا يحتمله مثله عادةً ليَخْرُج.

ص: 772


1- الكافي، ج 7، ص 365، باب العاقلة، ح 3؛ الفقيه، ج 4، ص 167، ح 5382؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 170، ح 671.
2- القائل هو ابن ادريس في السرائر، ج 3، ص 329 - 330؛ وحكاه عن الشيخ ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 5، ص 225؛ وراجع المبسوط، ج 5، ص 75.
3- الكافي، ج 7، ص 317، باب نادر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 276، ح 1082.

كتاب الديات

[في مقادير الديات]

قوله: «الديات». الدِيات جمع دِية بتخفيف الياء، سمِّيت بها؛ لأنَّها تُؤدّى عِوضاً عن النفس، وقد تسمّى عقلاً ؛ لمنعها من التجرؤ على الدِماء.

قوله: «مائة مِن مَسانِّ الإبل». المسانّ - بتشديد النون جمع مُسِنِّة - وهي من الإبل ما دخل في السادسة، وتسمّى الثَنيَّة أيضاً حتّى تدخل في التاسعة فهي بازل أي طلع نابها، فإذا دخلت في العاشرة فهي بازل عامٍ، ثمَّ بازل عامين، وهكذا.

قوله: «أو مائتا بقرة». مسِنَّة فما فوقها.

قوله: «كلّ حُلَّة ثوبان مِن برود اليمن». والتخيير في ذلك للجاني وإن تفاوت الأثمان.

قوله: «ثلاث وثلاثون بنت لبون». هذا هو المشهور بين المتأخِّرين. والرواية غير معلومة (1) فضلاً عن الشهرة.

قوله: «طَرُوقَة الفَحْل». أي حوامل.

قوله: «ويضمن هذه الجاني لا العاقلة». أو أحد الخمسة المتقدِّمة. وهذه الدِية مخفَّفة عن دِية العمد بأمرِين: أحدهما: في سنِّ الإبل، فإنّها في العمد كلّها ثَنايا.

ص: 773


1- كما اعترف به الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 632؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 463.

والثاني: في مدَّة الاستيفاء فإنّها هناك سنة وهنا سنتان.

قوله: «وقال المفيد: تستأدى في سنتين» (1). هذا هو المشهور (2)، والمستند غير معلوم.

قوله: «وهل يلزم مثل ذلك في الحرم؟». الوجه مساواته للشهر في الاحترام وزيادةُ، لتضاعُف كفّارة الصيد فيه على المُحْرِم.

ولا فرق في ذلك بين الذَكَر والأُنثى، والحرِّ والعبدِ، والمسلمِ والكافرِ.

قوله: «ودِية المرأة على النصف من الجميع». ودِيَة الخنثى ثلاثة أرباع دِية الذكر؛ لانّ ذلك نصف الدِيتين.

قوله: «كدِية المسلم الحرِّ». قويّ.

قوله: «حتّى يدفع العبدِ بِرُمَّته». الرُمَّة - بضمِّ الراء - قطعة من الحبل بالِيَةٌ. والجمع رُمَمَ، ومنه قولهم: دَفَعَ إليه الشيء بِرُمَّتِه.

وأصله أنّ رجلاً دفع إلى رجل بعيراً بحبل في عنقه، فقيل ذلك لكلِّ مَن دفع شيئاً بجملتِه (3).

قوله: «وللمولى فكّه بأرش الجناية». بل بأقلِّ الأمرَين.

قوله: «أو أُمّ ولد على التردّد». اللام في «التردّد» ظاهره في العهد الذكريِّ، ولم يسبق له في هذا الكتاب كلام في جنايتها وتعلّق الأرش برقبتِها، وأنّه هل يجوز تسليمها إلى المجنيّ عليه أم لا حتّى يكون هو المعهود؟ بل ولا سبق له تردّد في باب أُمِّ الولد، بل هو جَزَمَ أنَّها لا تباع إلّا في ثمن رقبتها. نعم تردَّد في المسألة في الشرائع (4). قلت: ويمكن كون اللام للعهد الذهني؛ إذ الخلاف فيها معهود في أذهان العلماء

ص: 774


1- المقنعة ص 736 .
2- كما في المهذّب البارع، ج 5، ص 247.
3- كما في الصحاح، ج 4، ص 1937 ؛ المصباح المنير، ص 240، «رمم».
4- شرائع الإسلام، ج 4، ص 248.

مشهور، كاللام في «ادخل السوق» حيث لا عهد في الخارج، و (يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (1)، وهو كثير.

ويجوز كون اللام فيه زائدةً، وهو باب متَّسِع.

[في موجبات الضمان]

قوله: «لا يصحّ لأنّه إبراء ممّا لم يجب». قويّ.

قوله: «ضَمِن في ماله على تردّد». بل على العاقلة.

قوله: «أمّا الظئر». الظئر - بالكسر -: العاطفة على ولد غيرها، المرضعة له في الناس وغيرهم، [للذكر والأنثى] (2) قاموس (3) .

قوله: «فالدية على العاقلة». بل على العاقلة مطلقاً. ومستند التفصيل رواية (4) مجهولة السند.

قوله: «ضَمِن الدية». في ماله؛ لأنَّه حينئذٍ شبيه عمدٍ.

قوله: «وفي الرواية (5) ضعف». أي الرِواية المتضمِّنة بالأمانة وعدمها، والأقوى الضَمان مطلقاً.

قوله: «فالضمان على الدافع». قويّ.

قوله: «وخرَّج المتأخِّر (6) وجهاً ثالثاً». قوىّ.

قوله: «فأخرجه من منزله ليلاً ضَمِنه». مع عدم المواعَدة.

قوله: «وعليه الدية». قويّ.

ص: 775


1- الفتح (48): 18.
2- أضفناه من المصدر.
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 83، «ظئر».
4- الكافي، ج 7، ص 370، باب النوادر من كتاب الديات، ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 161 - 162، ح 5366.
5- الكافي، ج 7، ص 374، باب النوادر من كتاب الديات، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 209 ، ح 827.
6- السرائر، ج 3، ص 374.

قوله: «أشبههما اللزوم». قويّ.

قوله «فجمع متاعاً ووَطِئ صاحبة المنزل». هذه قضيَّة في واقعة فلا تتعدّى، بل يُرْجَع إلى أُصول المذهب.

ويمكن حمل أربعة آلاف على كونها مهر أمثالها، وقتل اللصِّ على الدِفاع، وضَمان الدِية لفوات محلِّ القِصاص.

قوله: «في امرأة أدخلت الحَجَلَة صديقاً». الحَجَلَة - محرّكةً كالقبَّة -: موضع يزيَّن بالثياب والسُتُور للعروس. قاموس (1).

قوله: «والوجه أنّ دم الصديق هدر». الأقوى أنّها تقتل بالزوج، ولا تضمن الصديق إلّا أن تدعوه ليلاً.

قوله: «ففي رواية محمّد بن قيس» (2) . لا عمل على الرِواية لكن تفيد اللوث.

قوله: «ففي رواية السكونيِّ» (3). المتَّجِه هنا ثبوت اللوث.

[في التسبيب]

قوله: «وفي ضَمان ما يتلف به قولان» (4). الأجود التفصيل، وهو أنَّ الساقط إن كان هو القدر الخارج عن الحائط ضَمِن الجميع، وإن كان الساقط الجميع ضَمِن النصف، كلّ ذلك مع عدم التفريط، وإلّا ضَمِن بغير إشكال.

قوله: «والوجه اعتبار التفريط». قويّ.

قوله: «ضَمِن دون الراكب». إلّا أن يتولّى الراكب حفظَها فيَضْمَن.

ص: 776


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 366، «حجل».
2- الكافي، ج 7، ص 284 ، باب الجماعة يجتمعون على قتل واحد، ح 5؛ الفقيه، ج 4، ص 118، ح 5239؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 240، ح 956.
3- الكافي، ج 7، ص 284، باب الجماعة يجتمعون على قتل واحد، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 239، ح 953.
4- نقلهما ابن الفهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 5، ص 288 - 289 .

قوله: «ومن الأصحاب مَن شرط في ضَمان المولى». المشترط هو ابن إدريسَ (1)، وهو قويّ، فلو كان كبيراً فالضَمان على العبد، يُتْبَعُ به بعد العتق.

قوله: «فالضَمان على الحافر على تردّد». ضَمان الحافر متَّجِه (2)؛ لضعف المباشر.

قوله: «وللثاني ثلث الدية». الأقوى أنّ دِية الثاني على الأوّل، والثالث على الثاني، والرابع على الثالث.

[في الجناية على الأطراف]

قوله: «في اللحية: إن نبتت ثلث الدية». بل الأرش.

قوله: «وفي كلِّ واحد: ربع الدية» قويّ.

قوله: «أشهر هما: ثلث الدية». قويّ.

قوله: «وفي الحاجز: نصف الدية». بل الأقوى الثلث.

قوله: «وفي رواية: ثلث الدية» (3). قويّ.

قوله: «وهي ثمانية وعشرون حرفاً». الأقوى اعتبار أكثر الأمرَين من الحروف الذاهبة ومساحة المقطوع.

قوله: «فإن خرج الدم أسود صدّق». بل الأقوى هنا القَسامة.

قوله: «وفي كلِّ واحدة: عُشَر الدية». قويّ.

قوله: «قال ابن بابويه: في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية» (4). الأقوى أنّه كالمرأة.

قوله: «وفي كلِّ واحدة: نصف الدية». قويّ.

قوله: «وفي أُدرة الخصيتين أربعمائة دينار». الأُدرة بالدال المهملة (5): نَفْخَة في

ص: 777


1- السرائر، ج 3، ص 372.
2- في نسخة «د»: أقوى، بدل متّجه.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 261، ح 1034.
4- الفقيه، ج 4. ص 91، ح 5153.
5- كما في الصحاح، ج 2، ص 577، «أدر».

الخُصْيَة يقال: رجل آدَرُ بيِّن الأُدرة.

قوله: «لو كسر بُعْصوص الإنسان أو عِجانه». البُعْصُوص: عظم دقيق حول الدبر (1) . والعِجان: ما بين الفَقْحَةِ والخُصْيَة. والفَقْحَة: ثقب الدبر.

قوله: «روي: أنّ مَن داس بطن إنسان» (2). المشهور العمل بالرواية، وجعلوا ضعفَها منجبِراً بالشهرة.

[في الجناية على المنافع]

قوله: «لم تتداخل الجنايتان». قويّ.

قوله: «ويتوخّى القياس في سكون الهواء». وفي الأرض المعتدلة.

قوله: «وقيل في سلس البول الدية» (3). قويّ.

[في الشِجاج والجراح]

قوله: «فهي - إذن - التي تأخذ في اللحم يسيراً، وفيها بعيران» .قويّ.

قوله: «فالباضعة غير المتلاحمة». الأقوى أنّ الباضعة هي المتلاحمة؛ لأنّ الباضعة غير الدامية، والباضعة هي النافذة التي تأخذ في اللحم كثيراً بحيث لا يبلغ منتهاه.

قوله: «والهاشمة هي التي تهشم العظم، وفيها عشرة أبعرة». ثمَّ إن كانت خطأً، فهى بنتا مخاص وابنا لبون، وثلاث بنات لبون، وثلاث حقق، وإن كانت شبيه عمد، فهي ثلاث بنات لبون، وثلاث حقق، وأربع ثنايا حوامل، وإن كانت عمداً، فالعشرة من

ص: 778


1- كما في مجمع البحرين، ج 4، ص 164، «بعص».
2- الكافي، ج 7، ص 377، باب النوادر من كتاب الديات : الفقيه، ج 4، ص 147، ح 5329؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 251، ح 993.
3- القائل هو الشيخ في النهاية، ص 769 ؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 442.

مَسانِّ الإبل.

قوله: «وهل له العفو؟ المرويّ: لا» (1). العمل على الرواية.

[في دية الجنين]

قوله: «ولو لم يكتس اللحم، ففي دِيته قولان: أحدهما: غرَّة» (2). الأقوى أنّ دِيته غُرَّة، وهي عبد أو أمّة ليس بمعيب ولا بشيخ كبير، ولا ينقص سنّه عن سبع سنين.

قوله: «ونصف الديتين عن الجنين إن جهل حاله». قويّ.

قوله: «والأشبه: الاستحباب». قويّ.

[في الجناية على الحيوان]

قوله: «والأشبه لا». قويّ.

قوله: «ولو أتلفه لا بالذكاة لزمته قيمته يوم إتلافه». إن لم تكن لبعض أجزائه قيمة، كالصوف والشعر، وإلّا وضع من القيمة.

قوله: «وهو حكم في واقعة فلا تتعدّى». الأقوى اعتبار التفريط في الضَمان وعدمه، ويمكن حمل الرواية (3) على ما إذا أودعهم ففرَّطوا.

[في كفّارة القتل]

قوله: «ولو ظنَّه حربيّاً، فلا دِية، وعليه الكفّارة». هذا إذا لم يكن أسيراً، بأن يكون

ص: 779


1- الكافي، ج 7، ص 359، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 107، ح 5207؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 178، ح 697 .
2- اختاره الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 219؛ القول الثاني هو التوزيع، وهو المشهور، وهو مختار الشيخ في النهاية، ص 778.
3- أي رواية محمّد بن قيس عن الباقر علیه السلام في قضاء عليّ علیه السلام . انظر الفقيه، ج 4، ص 173، ح 5402 ؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 231، ح 910.

قادراً على الخروج ولم يخرج، أمّا الأسير، فالأصحّ وجوب الدِية في قتله خطأً؛ لعجزه عن التخلّص.

[في العاقلة]

قوله: «وقيل: هم الذين يَرثون دِية القاتل». قال المصنِّف في الشرائع:

وفي هذا الإطلاق وهم، فإنّ الزوجَين والمتقرِّب بالأُمِّ يَرِثون من الدِية وليسوا بعصبة، وأيضاً فإنّ الأُنثى المتقرِّبة بالأب تَرِث من الدِية وليست بعصبة (1).

قوله: «غير أنّ في الرواية (2)ضعفاً». الأقوى أنَّها لا تحمل ما نقص.

قوله: «أو مَن نصبه للحكومة». عموماً أو خصوصاً.

٭٭٭

في نسخة «د»: إلى هنا تمَّت الحاشية - لخاتم المجتهدين (قدَّس الله روحه) الشهيد الثاني الشيخ زين الدين - على النافع.

ص: 780


1- شرائع الإسلام، ج 4، ص 271.
2- الكافي، ج 7، ص 365، باب العاقلة، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 170 ، ح 669.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.