مصائب قمر بني هاشم العباس (علیه السلام) وبعض المقامات (5)

هوية الكتاب

مصائب قمر بني هاشم العباس (علیه السلام) وبعض المقامات المجلد 4

الجزء الرابع

الشيخ عباس الحلفي

سنة الطبع: 1445 ه- / 2023 م.

محرر الرقمي:محمد المنصوري

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

مصائب قمر بني هاشم العباس (علیه السلام) وبعض المقامات المجلد 4

الجزء الرابع

الشيخ عباس الحلفي

محرر الرقمي:محمد المنصوري

ص: 3

* جميع الحقوق محفوظة *

-------------------------------------------

-------------------------------------------------------------------

© اسم الكتاب: مصائب قمر بني هاشم العباس (علیه السلام) وبعض المقامات .

© تأليف: الشيخ عباس الحلفي .

© عدد النسخ: .

© الطبعة: .

© سنة الطبع: 1445 ه- / 2023 م.

-------------------------------------------------------------------

-------------------------------------------

ص: 4

ورَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عِلِّيّينَ

الاهداء

الى امام زماننا الحجة بن الحسن (عجل الله تعالی فرجه الشریف) اهدي هذه الأوراق التي تحمل اسم عمه العباس (علیه السلام) وماجري عليه من مصائب التي ابكت سيد الشهداء (علیه السلام) والعقيلة زينب (علیها السلام)والاولياء والصالحين ونسال الله عزوجل بحق تلك الدموع ان يرزقنا البكاء والحزن على مصائبهم.

وأقول ياصاحب الزمان سيدي مولاي قليل منك يكفيني وقليلك لا يقال له قليل.

ص: 5

ص: 6

الزيارات المأثورة للمولى العبّاس (علیه السلام)

ص: 7

ص: 8

الزيارات المأثورة للمولى العبّاس (علیه السلام)

زيارة العبّاس (علیه السلام) المطلقة

روى ابن قولويه، والشيخ المفيد زيارةً له عليه السلام غير مقيّدة بوقت من الأوقات، قالا: إذا وَرَدتَ إنْ شاءَ اللهُ أرضَ كربلاء، فانزلْ منها بشاطئ العَلْقَمِيّ، ثمّ اغتسل غسل الزيارة مندوباً، ثمّ امْشِ حتّى تأتي مشهد العبّاس بن عليّ عليه السلام (وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر)(1) فإذا أتيت، فقفْ على باب السقيفة، وقل: سلامُ الله وسلامُ ملائكته المُقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعبداه الصالحين، وجميع الشهداء والصِدِّيقين، والزكيات الطيِّباتُ في ما تغتدي وتروحُ، عليك يا ابن أمير المؤمنين، أشهدُ لَكَ بِالتسليمِ والتصديقِ والوفاءِ والنصيحةِ لِخَلَفِ النّبيِّ صلّى الله عليه واله المُرسَلِ، والسِبطِ المُنتَجَبِ، والدَليلِ العالمِ، والوَصِيِّ المُبلِّغِ، والمَظلُومِ المُهْتَضَمِ، فجزاكَ اللهُ عن رسولِهِ وعن فاطِمةَ وعن أمير المؤمنين وعن الحَسَنِ والحُسينِ أفضلَ الجزاءِ بِما صبرتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ، فنعمَ عقبى الدار. لعنَ اللهُ مَنْ قتلكَ ولعنَ اللهُ من جهلَ حقَّكَ واستخفَّ بِحُرمتِكَ ولعنَ اللهُ مَنْ حالَ بينَكَ وبينَ ماءِ الفُراتِ، أشهدُ

ص: 9


1- ما بين القوسين من كامل الزيارات، ولاحظ ما ذكرناه عن (الحائر المقدس) في هذا الكتاب.

أنّك قُتِلْتَ مَظلُوماً، وأنّ اللهَ مُنجزٌ لكُم ما وَعَدَكمْ، جئتُكَ يا ابنَ أمير المؤمنين وافِداً إليكُم، وقلبي مُسَلِّمٌ لكمْ وأنا لكم تابِعٌ ونُصرَتي لكمْ مُعَدَّةٌ، حتّى يحكُمَ اللهُ وهُو خيرُ الحاكمين، فَمَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكمْ إنّي بكمْ وبإيابِكُمْ من المؤمنين، وبِمَنْ خالَفَكُمْ وقَتَلَكُمْ من الكافرين، لعنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيديْ والألْسُن.

ثمّ ادخل وانكبَّ على القبر وقل:

السلامُ عليك أيّها العبدُ الصالحُ المُطيعُ للهِ ولِرسولِهِ ولأمير المؤمنين والحسنِ والحُسينِ صلّى الله عليهم وسلّم. والسلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومغفرتُهُ، وعلى روحك وبدنك.أشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البَدْرِيّون والمُجاهِدُون في سبيل الله، المُناصِحُون لهُ في جهاد أعدائه، المُبالِغُون في نُصرةِ أوليائه الذابُّون عن أحبّائِه.

فجزاكَ اللهُ أفضلَ الجزاء وأوفر جزاءِ أحَدٍ ممّنْ وفي بِبَيْعَتِهِ، واستجابَ لهُ دعوَتَهُ، وأطاعَ وُلاةَ أمرِهِ، أشهدُ أنّك قدْ بالغتَ في النَصِيحَةِ، وأعطيتَ غايَةَ المَجهودِ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُهداءِ، وجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُعَداءِ، وأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً، وأفْضَلَها غُرَفاً، ورَفَعَ ذِكْرَكَ في العِلِّيِّيْنَ، وحشركَ مَعَ النَبِيِّينَ والصِدِّيْقِينَ، والشُهداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولئكَ رَفيقاً، أشهدُ أنّكَ لَمْ تَهِنْ ولمْ تَنْكُلْ، وأنّكَ مَضَيْتَ على بصيرةٍ من أمرِكَ، مُقْتَدِياً بِالصالِحِينَ، ومُتَّبِعاً لِلنَبِيِّين،

ص: 10

فَجَمَعَ اللهُ بَينَنا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولِهِ وأولِيائِهِ في منازِلَ المُخْبِتِينَ، فإنّهُ أرحَمُ الراحمين.

ثُمّ انحرِفْ إلى عند الرأس، فَصَلِّ رَكعتين، ثُمَّ صَلِّ بَعدَهُما ما بَدا لَكَ، وادعُ اللهَ كثيراً، وقُلْ عقيبَ الرَكَعاتِ:

اللهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، ولا تَدَعْ لي في هذا المكان المُكرّمِ، والمشهدِ المُعظّمِ، ذَنْباً إلاّ غَفَرَتَهُ، ولا هَمّاً إلاّ فَرَّجْتَهُ، ولا مرضاً إلاّ شفيته، ولا عَيْباً إلاّ سَتَرْتَهُ، ولا رِزْقاً إلاّ بَسَطْتَهُ، ولا خَوْفاً إلاّ آمَنْتَهُ، ولا شَمْلاً إلاّ جَمَعْتَهُ، ولا غائِباً إلاّ حَفِظْتَهُ وأدْنَيْتَهُ، ولا حاجَةً من حوائِجِ الدُّنْيا والآخِرَةِ لَكَ فِيها رضاً ولِيَ فِيها صَلاحٌ إلاّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الراحِمين.

ثُمّ عُدْ إلى الضريحِ فقفْ عندَ الرِجلين، وقُلْ:

السلامُ عليك يا أبا الفَضْلِ العبّاس ابن أمير المؤمنين، السلامُ عليكَ يا ابنَ سيّدِ الوَصيّين، السلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القومِ إسلاماً، وأقْدَمِهم إيْماناً، وأقْوَمِهمْ بِدِينِ اللهِ، وأحْوَطِهم على الإسلامِ، أشهدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِهِ ولأخِيْكَ، فنعمَ الأخُ المُواسِي، فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكَ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلام، فَنِعْمَ الصابِرُ المُجاهِدُ، المُحامي الناصِرُ، والأخُ الدافِعُ عن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ، الراغِبُ في ما زَهَدَ فِيهِ غيرُهُ من الثوابِ الجزيْلِ والثَناءِ الجَميلِ، فألْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ في دارِ النَعيمِ.

اللهمّ إنّي تَعَرَّضْتُ لِزيارَةِ أوْلِيائِكَ، رَغْبَةً في ثوابِكَ، ورَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وجَزِيْلِ إحسانِكَ، فأسْألُكَ أنْ تصلّيَ على محمّدٍ وآله الطاهرين، وأنْ

ص: 11

تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ دارّاً، وعَيْشَي قارّاً، وزِيارَتِي بِهِمْمقبُولَةً، وحياتِي بِهِم طيّبَةً، وأدْرِجْنِي إدْراجَ المُكَرَّمِيْنَ، واجْعَلْني مِمّنْ يَنْقَلِبُ مِن زِيارَةِ مَشاهِدِ أحِبّائِكَ مُنْجِحاً، قد اسْتَوْجَبَ غُفرانَ الذُنُوبِ، وسَتْرَ العُيُوبِ، وكَشْفَ الكُرُوبِ، إنّكَ أهْلُ التَقْوى وأهلُ المَغْفِرَةِ.

فإذا أردتَ وَداعَهُ للانصراف، فقفْ عندَ القبرِ، وقل:

أستوْدِعُكَ اللهَ وأسْتَرْعِيكَ وأقْرأُ عليكَ السلامَ، آمَنّا بِاللهِ وبِرسولِهِ وبِكِتابِهِ، وبِما جاءَ بِهِ من عندِ اللهِ، اللهمّ اكتُبْنا مَعَ الشاهدين، اللهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زِيارَةِ قبرِ ابنِ أخِي رسولِكَ، وارزُقْني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَنِي، واحْشُرْنِي مَعَهُ ومَعَ آبائِهِ في الجِنانِ، وعرِّفْ بَيْنِي وبَيْنَهُ وبَيْنَ رَسُولِكَ وأولِيائِكَ، اللهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، وتَوَفَّنِي على الإيْمانِ بِكَ، والتصدِيقِ بِرسولِكَ، والوَلايَةِ لِعليِّ بن أبي طالب والأئِمّةِ عليهم السلام والبراءَةِ مِن عَدُوِّهِم، فإنّي رَضِيْتُ بِذلِكَ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ.

ثُمّ ادْعُ لِنفسكَ ولِوالِدَيكَ ولِلمؤمِنينَ والمُؤمِناتِ، وتَخَيَّرْ من الدُّعاء ما شِئْتَ(1).

وللعباس عليه السلام زياراتٌ خاصّة في يوم الأربعين العشرين من شهر صفر، وفي أوّل يوم من شهر رجب، وفي ليلة النصف من شهر رجب ونهاره، وفي النصف من شهر شعبان، وفي ليالي القدر الثلاث،

ص: 12


1- ابن قولويه في كامل الزيارات (ص 256 - 258) ونقله المجلسي في البحار (98 / 206، 217 - 219) و(98 / 277 - 278).

وفي ليلتي عيدَي الفطر والأضحى ونهارهما، وفي يوم عَرَفة ليلها ونهارها.ومن مجموع ذلك يستدلّ على استحباب زيارة العبّاس (علیه السلام) كلّما زار المؤمنُ الإمامَ الحُسينَ (علیه السلام).

وقد وردت زيارة للعباس عليه السلام في التراث الزيدي - أيضاً - كما فيما نقل عن عبد الله بن حمزة (ت 614 ه) في كتاب «الزيارات» بعنوان «زيارة الحسين وأهل البيت عليهم السلام» ما نصّه بعد ذكر زيارة الامام الحسين (علیه السلام).

ثمّ قال: وتُسلّمُ بعدَ ذلكَ على العبّاس بن عليَّ وعلى أهل البيت، بالطَفِّ، وتقول: السلامُ عليك يا عبّاسُ، يا ثابتَ الأساس، ونُورَ النِبْراس، وعروس الأفراس السلامُ عليك يا ليثَ الطِراد، وسيفَالجِلاد، وسمّ الأعادِ. السلامُ عليك يا مَنْ احْتَسَبَ نَفْسهُ وبني أمّهِ وأبيهِ دُونَ أَخِيه.

السلامُ عليك يا ابنَ مَنْ كاعَتْ عنهُ الفوارسُ الشوامِسُ. السلامُ عليك يا ساقيَ الماءَ الطيّبين المُهتدِين، ومُبِيحَ حِمَى الجبّارينَ المُعْتَدِين. ثمّ أتبع السلام على عليّ بن الحسين، وعموم بني هاشم، وعلى أوليائهم الشهداء(1).

ص: 13


1- مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص 276 - 277).

ص: 14

بعض كلمات المعصومين (علیهم السلام) بحقه (علیه السلام)

وبيانات العلماء

ص: 15

ص: 16

بعض كلمات المعصومين (علیهم السلام) بحقه (علیه السلام)

اشارة

وبيانات العلماء

اركبْ بِنفسي

قال الامام الحسين (علیه السلام) اركبْ بِنفسي أنْتَ، يا أخي

هذه كلمة لها أهميتها وقدرها، فإنها تنبئ عن مكانة أبي الفضل العباس (علیه السلام) عند أخيه وسيده وإمام زمانه الإمام الحسين (علیه السلام) وتخبرعن خطر منزلته لديه

رواية ارکب بنفسي أنت يا أخي

العباس (علیه السلام) يستمهل القوم

قال الشيخ المفيد رحمه الله: فقال له العباس بن علي (علیه السلام): يا أخي أتاک القوم، فنهض ثم قال: ارکب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم، وتقول لهم: ما لکم؟ وما بدا لکم؟ وتسألهم عما جاء بهم؟

فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا، [فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر]، فقال لهم العباس عليه السلام: ما بدا لکم؟ وما تريدون؟

ص: 17

قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حکمه أو نناجزکم.

قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلي أبي عبد الله، فأعرض عليه ما ذکرتم. فوقفوا فقالوا القه وأعلمه، ثم القنا بما يقول لک.

فانصرف العباس راجعا يرکض إلي الحسين عليه السلام يخبره الخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويکفونهم عن قتال الحسين.

فجاء العباس إلي الحسين عليه السلام وأخبره بما قال القوم، فقال: ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلي غد، تدفعهم عنّا العشية لعلنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي کنت قد أحبّ الصلاة له، وتلاوة کتابه، وکثره الدعاء والاستغفار.فمضي العباس إلي القوم الأشقياء، وقال لهم: هذا ابن بنت نبييكم يستمهلكم سواد هذه الليلة، ويقول: إنّها آخر ليله من عمره، وهو يريد أن يصلّي فيها لربه ويودع عباده ربّه.

فروي في بعض کتب العلماء: أنّ ابن سعد أبي أن يمهلهم، فضجّ عليه العسکر وقالوا: والله لو أنّهم من الترک والديلم وسألونا مثل ذلک لأجبناهم، فکيف وهم آل محمد صلي الله عليه و آله وقد استمهلوکم للعباده.

فلمّا رأي عمر بن سعد ذلک أمر مناديه فنادي: إنّا قد أجلناكم إلي غد، فإن استسلمتم سرحنا بکم إلي عبيد الله بن زياد، وإن أبيتم فلسنا

ص: 18

بتارکيکم، فانصرف وجمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء(1).

بيانات العلماء

السيد الجلالي

يقول السيد محمد رضا الحسيني الجلالي أنّ الإمام (علیه السلام) خاطب أخاهُ العَبّاس، عند زحف جيش الكوفة نحو المخيّم الحسينيّ، عصر التاسع من المحرّم، فقال الإمام عليه السلام له:

يا عبّاسُ، اركبْ - بِنفسي أنْتَ، يا أخي! - حتّى تلقاهم، فتقول لهم: مالكُم؟ وما بدا لكُم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم(2)؟

إنّ تخصيصَ الإمام عليه السلام لأخيه العَبّاس لهذه الرسالة المهمّة فيها من الدلالة على المدى الفائق في اعتماده عليه بلا ريبٍ، وهذا ما سنتحدّث عنه في الباب التالي من هذا الكتاب.

لكن تَفَدِّي الإمامِ بنفسهِ الشريفةِ أخاهُ العباسَ بقوله: «بِنفسي أنْتَ، يا أخي!...» فيه دلالةٌ أكبرُ، لأنّ نفس الإمام عليه السلام هي أشرفُ نفسٍ على وجه الأرض، والعَبّاس وكلُّ مَن معهُ إنّما حَضَرُوا معهُ لِيُحافِظُوا على نَفسهِ العزيزة والعظيمة، وهذا واجبُهُم الإلهيّ، فكيفَ يَتفَدّى الإمامُ بِنفسهِ هذِهِ لِلعبّاسِ!

ص: 19


1- مهيّج الأحزان وموقد النيران في قلوب أهل الإيمان ص: 132.
2- تاريخ الطبري (5 / 416).

إنّ في ذلك تقديساً لِلعَبّاسِ يُساوي قُدسيّة نفسِ الإمامِ عليه السلام ويرفع مستوى عظمة العَبّاس وكرامته إلى مُستوى اليقينِ بعظمةِ الإمامِ وكرامته(1).

الشيخ العاملي

يقول العاملي ومعنى واركب بنفسي.. أي أنني أنا الإمام الحسين سيد الكائنات أفديك يا أخي بنفسي؛ فالباء هنا للتفدية بحسب وضعها اللغوي والبلاغي، فقد جعل الإمام سيد الشهداء أخاه المولى العباس عليه نفسه، بل إنه يفديه بنفسه وكأنه يقول له: فديتك نفسي أو نفسي لك الوقا يا أخي أبا الفضل.. اركب حتى تلقاهم وتكلمهم بإلقاء المحجة على النواصب الملعونين.. وقد وردت تفدية المعصوم للمعصوم كثيرة في الأخبار والزيارات، فتأمل.

وبناء عليه: إن جملة و إركب بنفسي أنت؟ هي نفسها الواردة في مقاطع الزيارات لا سيما ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة وزيارة وارث قول المعصوم (علیه السلام): بأبي أنتم وأمي.. بأبي أنت وأمي..» ولم يذهب أحد من أعلام اللغة وأصول البلاغة إلى أن الباء هنا للعوض إلا ما ادعاه العلامة المجلسي في كتابه الكبير (البحار)(2) عند شرحه للخبر الوارد عن

ص: 20


1- العبّاس ابو الفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
2- بحار الأنوار ج66 ص 289.

النبي رسول الله هؤلاء أولياء الله؟ حيث نقل عن الشيخ البهائي العاملي موقع حيث قال: «هذه الباء يسميها بعض النحاة باء التفدية، وفعلها محذوف غالبا، والتقدير نفديك بآبائنا وأمهاتنا، وهي في الحقيقة باء العوض نحو خذ هذا بهذا، وعد منه قوله تعالى: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(1) ووافقه الشيخ الطريحي صاحب مجمع البحرين، ويبدو أن الطريحي أخذه من البهائي، لأن البهائي توفي عام 1031ه- بينما توفي الطريحي عام 1085ه.

ولا أدري كيف فرق البهائي والطريحي بين باء العوض وباء التفدية في المثال النبوي (بابائنا وأمهاتنا) إذ لا فرق بينهما من الناحية الدلالية إلا بشيء يسير؛ فأي فرق بين أن تكون للعوض في المثال الوارد في الخبر عن رسول الله أو للتفدية.. فإنها ليست للعوض على نحو الوكالة والبدلية بخطاب القوم وإبلاغهم الخيمة،بل هي عوض على نحو التفقدية، فالفرق واضح بين المثال الذي ضربه شيخنا البهائي العاملي جولة وبين ما ورد في الخبر والآية...!!

وبعبارة أخرى: إن المثل الذي ضربه الشيخ البهائي (خذ هذا بهذا) لا يصلح للتفدية، بل هو صريح بالوكالة والنيابة وأين هذا من قول المسلمين لرسول الله: "بابائنا وأمهاتنا یا رسول الله هؤلاء أولياء الله"...؟

ص: 21


1- سورة النحل: الآية 32.

إشكال حول باء التفدية

لقد ذهب أحد العلماء المعاصرين إلى أن الباء في قول إمامنا الحسين (علیه السلام) لأخيه العباس (علیه السلام): واركب بنفسي أنت وإنما هي للبدلية أي بدلا عنه في خطاب القوم ليس إلا. وكأنه أراد التشكيك بالكرامة النفسية للمولی العباس عليه، وعلو مقامه الشريف...!

والجواب من ثلاثة وجوه هي ما يلي

الوجه الأول: حتى بناء على ما ذهب إليه صاحب الدعوى، فإن الإمام الحسين (علیه السلام)، قد جعل المولى العباس (علیه السلام)، بمثابة نفسه في خطابه للنواصب يومذاك، فكلاهما نفس واحدة، فلا يهم ساعتئذ أيهما الراكب أولا وتاليا، لأن كليهما واحد، ذلك لأن حكم البدل والمبدل منه هو واحد في كل الحالات والظروف.

الوجه الثاني: إن المتبادر من الباء في قول الإمام سيد الشهداء عليه، إنما هو باء التفدية لا باء البدلية، والحمل على البدلية بحاجة إلى مؤنة زائدة ينبغي وجودها في نص الخطاب الحسيني، وهي مفقودة في البين.

الوجه الثالث: إن الأصل في الباء عند دوران أمرها بين باء التفدية والبدلية هو الحكم عليها بالتفدية حتى تأتينا قرينة واضحة تصرفها من الحقيقة إلى المجاز؛ ذلك لأن باء التفدية كالحقيقة، بينما باء البدلية

ص: 22

كالمجاز، ولا يصح البناء على المجاز من دون قرينة صارفة عن الحقيقة.. فتأمل.

وبالجملة: لا فرق بين أن نقول: "أنفسنا وآباؤنا محل فداء عوضا عنك أو بدلا منك" وبين أن نقول: "نفدي أنفسنا وآباءنا وقاء لك"؛ فالباء في قوله الشريف: و بنفسي و لا تصلح للعوضية إلا بتقدير مضاف هكذا (إن آبائنا.. محل فداء لك..) أي أن أنفسنا تفديك عوضا عنك.. وهو مساو لباء التفدية؛ بينما لا يصح ذلك لوقلنا: "إن آباءنا وأنفسنا تكون بدلا منك"، فإنه مجاز لا يصح التمسك به من دون وجود القرينة الصارفة في الخطاب الحسيني وهي مفقودة في خطابه لأخيه أبي الفضل العباس (علیه السلام)؛ ولو سلمنا وجود فرق بينهما إلا أنه فرق طفيف لا يخل بمقصود باء التفدية، فالمرجع والمصير في باء العوض هو التفدية بنحو من الأنحاء لا في كل الأنحاء.

إشكال حول تفدية المعصوم (علیه السلام)، لغير المعصوم

مفاد الإشكال: هنا نسجل على أنفسنا إشكالا عويصا حيث قلنا سابقا إن المعصوم عليه يفدي نفسه لأجل معصوم آخر، إلا أن ثمة مقطع في زیارة وارث يشير إلى أن الإمام الصادق (علیه السلام)، قد فدى نفسه الشريفة بشهداء کربلاء له بنفس التعبير الوارد بحق المولى أبي الفضل العباس (علیه السلام).

ص: 23

وبعبارة أخرى: إن قول الإمام الحسين (علیه السلام): هو إركب بنفسي أنت يا أخي ولا تدل على أن أبا الفضل العباس (علیه السلام) يشاطر الإمام الحسين (علیه السلام) بالعصمة وذروة القداسة.. وذلك لأن الإمام المعصوم (علیه السلام)، عبر عن شهداء كربلاء المقدسة بنفس التعبير الوارد بحق المولى أبي الفضل (علیه السلام)، فقد جاء في زيارة شهداء كربلاء بقوله: وبأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم؟ ومن المقطوع به بأن شهداء كربلاء من أصحاب الإمام الحسين (علیه السلام)، ليسوا بمعصومین قطعا، ومع هذا فقد ساواهم الإمام (علیه السلام) بنفسه مع أنهم ليسوا بمستوى الإمام (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).. فتنتفي المساواة بالعصمة التي ادعيتموها لأبي الفضل العباس (علیه السلام)، وهو خلف ما أشرتم إليها من تفدية المعصوم لمعصوم مثله...!

والجواب:

إن الإمام الصادق (علیه السلام) في هذه الزيارة لم يكن هو المخاطب لهم وإنما هو (علیه السلام)، في مقام تعليم صفوان الجمال عند زيارتهم أن يخاطبهم بذلك الخطاب فإن الرواية جاءت كما في (مصباح المتهجد) للشيخ الطوسي: أن صفوان قال: استأذنت الإمام الصادق (علیه السلام) لزيارة الإمام الحسين (علیه السلام)، وسألته أن يعرفني ما أعمل عليه، فقال له: (يا صفوان: صم قبل خروجك ثلاثة أيام...) إلى أن قال: ثم إذا أتيت الحائر فقل: الله أكبر كبيرة ثم ساق الزيارة إلى أن قال: و ثمأخرج من الباب الذي يلي رجلي علي بن الحسين (علیه السلام) وتوجه إلى الشهداء وقل: السلام عليكم يا أولياء

ص: 24

الله... إلى آخرها..؛ فالإمام الصادق (علیه السلام)، في مقام تعليم صفوان أن يقول في السلام على الشهداء ذلك، وليس في الرواية ما يدل على أن الإمام الصادق (علیه السلام) ماذا يقول لو أراد السلام عليهم لأن الإمام باعتباره حجة الله على خلقه لا يفدي أباه المعصوم - فضلا عن أمه المعصومة حيث إننا نعتقد أيضا بعصمة أمهات الأئمة الطاهرين - لأجل غير المعصوم.

وبما تقدم يتضح: أن تفدية المعصوم لا تكون إلا لمعصوم مثله، ولا يصح في الحكمة الإلهية أن يفدي المعصوم نفسه لغير المعصوم فتأمل.

الأمر السابع: ومما يدل على أن المولى العباس عليه من أهل الاصطفاء الأول، ما ورد أنه من آل أمير المؤمنين علي (علیه السلام)، ومولانا أمير المؤمنين من آل محمد، وآل محمد لا يقاس بهم أحد من الناس كما فصلنا ذلك في كتابنا القيم الموسوم ب(العصمة الكبرى لولي الله العباس عليه) فليراجع.

الأمر الثامن: إن المولى العباس (علیه السلام)، هو قطعة من آل إبراهيم لرجوعه بالنسب إلى أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام)، بمقتضى قوله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)(1) فلم تفرق الآية بين معصوم وآخر في الإصطفاء، بل جعلتهم في مرتبة واحدة بمقتضى الإطلاق فيها، ولم يأتنا تقييد بآية أو رواية.. فيبقى الإطلاق منعقدة في الظهور، فيثبت المطلوب.

ص: 25


1- سورة آل عمران: الآية 33.

إن قيل لنا: إن آية التطهير والأخبار المفسرة لها قيدت الطهارة المطلقة بالأئمة الأطهار (علیهم السلام)، فكيف تدعون عدم وجود مقيد...؟

قلنا في الجواب: إن آية الاصطفاء لم تشر إلى مراتب الإصطفاء على نحو التعدد المصداقي، بل هي دالة على أصل علو الطهارة بما هي طهارة، بغض النظر عن التعدد في مراتب الاصطفاء.. فالإصطفاء بمعنى الإنتخاب وهو يستلزم العصمة التي تعني التنزه عن الذنوب والخطايا، وكل من ينطوي تحتها يكون مشمولا" لدليل العصمة الكلية.. بينما آية التطهير تشير إلى علو التطهير، وهو تطهير زائد فوق مرتبة الإصطفاء.. فآية التطهيرهي بمنزلة تطهير فوق تطهير. وحيث إن المولى العباس (علیه السلام) غير خارج منه باعتباره من أهل بيت لا يقاس بهم أحد من الأنبياء والمرسلين، فهو إذا ممن اصطفاهم الله تعالى وطهرهم تطهيرة بمقتضى كونه نفس الإمام الحسين عليه الذي يعد من أكابر أهل الكساء الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير؛ وقد أكد مولانا الإمام الصادق (علیه السلام) في إنشائه لزيارة المولى علي الأكبر بقوله الشريف: (إذ من الله عليك وجعلك من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرة) فقد حكم على المولى علي الأكبر أنه من أهل البيت (علیهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرة أي أنهم نالوا أعلى درجة في العصمة.. فكيف سيكون الحال بالمولى العباس (علیه السلام) الذي عبر عنه الإمام سيد الشهداء بأنه "مهجة قلبه وعينه وظهره ونفسه.." فإنه من أهل بيت طهرهم الله تطهيرة بطريق المساواة أو بطريق أولى؛ وعبارات المديح

ص: 26

لأخيه العباس (علیه السلام)، هي من العبارات البليغة التي لم نجده يلصقها بابنه الحبيب علي الأكبر (علیه السلام)...؟!

الاصطفاء واحد، والتطهير متعدد المراتب

وبناء على ما تقدم يتضح: أن المولى المعظم سيدنا أبي الفضل العباس (علیه السلام)، من جملة المصطفين الأخيار، ولا يوجد إلا اصطفاء واحد، نعم التطهير متعدد، وسيدانا المعظمين العباس وعلي الأكبر (علیه السلام) من نفس المطهرين المنصوص عليهم في آية التطهير، إلا أن التفاوت بالمنزلة والدرجة من حیثیتین:

الحيثية الأولى: وقوع التفاوت في الدرجات بين الأئمة الأطهار أنفسهم بحسب ما دلت عليه الأخبار الشريفة من أن أمير المؤمنين وزوجته الصديقة الكبرى مولاتنا فاطمة الزهراء (علیها السلام) أفضل من الإمامين الحسنين وبقية الأئمة الأطهار (علیه السلام) بالرغم من كونهم كلهم مشمولين بالتطهير الكلي في آية التطهير.. وليكن المقام في الدرجات كذلك بالنسبة للمولى أبي الفضل العباس (علیه السلام) فالإمام (علیه السلام)، أعلى درجة من المعصوم غير الإمام کمولانا أبي العباس وعلي الأكبر (علیهم السلام).

ذلك كله بناء على عدم تخيير الله سبحانه للمولى أبي الفضل العباس (علیه السلام) بين الإمامة والولاية، وأما بناء على نظريتنا بالتخيير كما سوف نبین لاحقا، فاختار - والله العالم - الولاية على الإمامة، فلااعتبار بوجود تفاوت بين المولى المعظم سید الشهداء (علیه السلام)، وبين أخيه المولى المعظم أبي

ص: 27

الفضل العباس (علیه السلام)، فيكون المولى العباس (علیه السلام) إمامة بالقوة لا بالفعل، وبالرغم من ذلك كله يبقى التفاوت موجودة بينهما بحسب المراتب الوجودية التسلسلية في المقامات الكمالية الإثباتية لا الثبوتية، وذلك لأن مقامهما واحد في عالم الثبوت بحسب ما جاء في زيارة الإمام الصادق عليه لعمه المولى العباس علی، حيث خاطبه في زيارة وارث يوم عرفة بقوله الشريف: (وألحقك الله بدرجة آبائك في دار النعيم إنه حميد مجيد).

ولكن الإنصاف أن يقال: إن الاختلاف بين المراتب الإثباتية والثبوتية لا يجري في هذا المقام بالنسبة للوليين الكريمين سيد الشهداء وأخيه أبي الفضل العباس (علیه السلام) ذلك لأن من خير بين مقام الإمامة والولاية، فاختار الولاية على الإمامة لأجل الحب الكامل للمولی سید الشهداء والاستغراق في الإنقياد إليه يستلزم أن يكون في نفس المنزلة التي كانت لمولانا وسيدنا أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) والله العالم.

الحيثية الثانية: إن درجة المعصوم الإمام أفضل من درجة المعصوم غير الإمام إلا في مقام السيدة الزهراء لها فهي ليست إمامة إلا أنها أفضل من الأئمة الأطهار (علیهم السلام) كما أشرنا أعلاه.. فالأئمة الأطهار أفضل من المولى العباس (علیه السلام)، بمقام الإمامة فقط.. وهنا ينقدح في الذهن السؤال الآتي:

ما دام المولى العباس (علیه السلام) نفس الإمام سيد الشهداء (علیه السلام)، فلماذا لم يجعله الله تعالی إمام؟

ص: 28

والجواب: إن هذا السؤال لم يتبادر إلى ذهن أحد من أعلام علم الكلام من المتقدمين والمتأخرين، ويبدو لنا أن عدم تساؤلهم يعود إلى أنهم لا ينظرون إلى المولى المعظم العباس بن أمير المؤمنين ‘ أنه معصوم بالعصمة الذاتية، بل يعتبرونه من الصالحين المقربين، وهي نظرة سطحية قشرية، إن دلت على شيء فإنما تدل على عدم معرفتهم بمقام ذاك العبد الصالح المسند من قبل الله تعالى كما كان الحال عند غيره من المعصومين، كما تدل نظرتهم السطحية إلى عدم تضلعهم بالأخبار وسبرهم لأغوارها ودلالاتها.. وكل إناء بما فيه ينضح...!لقد قمنا بالإجابة على التساؤل المتقدم في كتابنا القيم الموسوم ب (میزاب الرحمة) تحت عنوان: "وجه الحكمة في انتفاء الإمامة عن سيدنا المعظم العباس عليه"، وقلنا هناك مع زيادة بيان هنا(1).

أقول وانا اتي لك بماذكره في الكتاب المذكور.

وجه الحكمة في انتفاء الإمامة عن سيدنا المعظم العباس (علیه السلام)

النصوص الشريفة متفقة كلها على أن عدد الأئمة الأطهار (علیهم السلام) هو ثلاثة عشر إماما: أولهم رسول الله وآخرهم الإمام المعظم الحجة القائم (أرواحنا له الفداء)، وليس ثمة خبر يشير إلى إمامة سيدنا المعظم أبي الفضل العباس (علیه السلام)؛ ولعل في ذلك حكمة خفية لا تصل إليها عقولنا الناقصة، فلربما تدور ضمن الوجوه الآتية:

ص: 29


1- خاتمة الخواتم ص210.

الوجه الأول: وجود من هو أفضل من المولى أبي الفضل العباس (علیه السلام) من بيت آل محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) بعد الإمام سيد الشهداء (علیه السلام) كمولانا الإمام المعظم زین العابدين (علیه السلام)، فهو أفضل من المولى العباس (علیه السلام).

الوجه الثاني: لعل الله تعالی خیر المولى أبا الفضل العباس (علیه السلام) في عالم الذر بين أن يكون إماما وبين أن يكون وليا وتابعا لأخيه الإمام الحسين (علیه السلام)، ففضل الموالاة والمتابعة لأخيه على أن يكون إماما مستقلا كما سوف نوضحه في الوجه الثالث؛ ولهذا نظير في تاريخ لقمان الحكيم الذي خيره الله تعالی بين أن يكون نبيا وبين أن يكون حكيمة، فاختار الثاني على الأول.

الوجه الثالث: لعل الحكمة هي أن المولى أبا الفضل (علیه السلام) هو مهجة قلب الإمام الحسين (علیه السلام) و نفسه الشريفة، كما يشير إليه قول مولانا الإمام الحسين (علیه السلام) لأخيه أبي الفضل العباس (علیه السلام) عشية التاسع من محرم الحرام لما زحف النواصب الظالمون على مخيمه الشريف: " إركب بنفسي أنت يا أخي" وقوله عليه السلام لما خر أخوه المولى العباس (علیه السلام) صريعا: " وا مهجة قلباه"، فلم يرد الله تعالى أن يفصله عن الإمام الحسين (علیه السلام) لعلمه بأن المولى أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يحب الانفصال عن أخيه سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين (علیه السلام)؛ والسر في ذلك أن المقام التنفيذي للإمامة - على فرض ارتضاه المولى أبو الفضل العباس (علیه السلام) في عالم الذر الأول. يستلزم انفصاله الزمني عن أخيه المولى المعظم سید الشهداء (علیه السلام) وهو ما لا يحب سيدنا أبو الفضل (علیه السلام) أن

ص: 30

يحصل، ولكن الله تبارك شأنه حفظ له هذا الحب والوداد لأخيه سيد العباد والشهداء سیدنا المعظم أبي عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين (علیهم السلام) فجعله وليا عظيما تخضع له رقاب الأنبياء (علیه السلام)؛ فمقام ولايته الكبرى المستمدة من ولاية الله تعالی وولاية النبي وأهل بيته الطيبين (علیه السلام) أعظم من مقام الإمامة، ويشهد لما قلنا مقام ولاية سيدة نساء العالمين مولاتنا فاطمة الزهراء (علیها السلام) فإئها بالرغم من عدم كونها إمام، إلا أنها ولية الله الكبرى الحاكمة على النبوة والإمامة، وكذلك مقام العبد الصالح الخضر (علیه السلام) حيث كانت ولايته أعظم من مقام نبوة ورسالة موسی بن عمران (علیه السلام)، فقد أمر الله تعالى النبي موسى (علیه السلام) بالإنقياد للعبد الصالح الخضر (علیه السلام)، وما كان ذلك إلا لأن مقام الولاية أعظم من مقامي النبوة والرسالة، وإلا لما جاز في الحكمة الإلهية أن يأمر الأعلى بالإنقياد إلى الأدنى؛ وما أشرنا إليه لا يعني بالضرورة أننا نقلل من شأن الإمامة...کلا وألف کلا؛ بل لأن مقام ولاية النبي وأهل بيته العظام (علیه السلام) أعظم من بقية المقامات الأخرى كالنبوة والإمامة، فمقام ولايتهم أعظم من مقام إمامتهم؛ يرجی التدبر فإنه دقيق لا يستوعبه الرعاع من الناس، بل لا يحتمله إلا صدور أمينة وقلوب سليمة؛ وقد فصلنا ذلك في كتابنا "الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية" وبقية بحوثنا العالية في الولاية والإمامة. والحاصل: إن المولى أبا الفضل العباس (علیه السلام) لم يكن إمامة، ولكنه كان ولا كبيرة عند الله تعالى، وهو لقب عظيم من جملة ألقابه السامية الأخرى الخاصة به، ولو كان مساغا شرعا إصباغ لقب "إمام"

ص: 31

عليه، لما توانت الأخبار عن ذكره والإفصاح عنه مع أنها في مقام البيان بحسب مقدمات الحكمة المعروفة في أصول الفقه.. فإذا لم يجز إطلاق هذا اللقب الخاص على المولى المعظم أبي الفضل العباس (علیه السلام) مع ماله من العظمة والشأن الكبير عند الله تعالى وأوليائه المطهرين (علیهم السلام) فلا يجوز - والحال هذه - إطلاقها على غير المنصوص عليهم بالإمامة بطريق أولى، اللهم إلا أن يكون غيرهم أئمة من أئمة الضلال، قال الله سبحانه وتعالى: ( ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)(1)(2).

قال الإمام (علیه السلام) (الآن انكسر ظهري)

قال الإمام (علیه السلام) (الآن انكسر ظهري)(3)

الوحيد الخرساني

وقف الإمام الحسين عليه السلام، وهو ملاذ العالم الوحيد، وموئل عالم الإمکان، وقف إلي جانب جسد أبي الفضل العباس عليه السلام، وقال کلاما لا بد أن نفهم منه حجم المصيبه؛ فمن اکتوي فؤاده بولده علي الأکبر (علیه السلام)، وحمل بيديه جسده إلي المخيم، لم يقل مثل هذه الجمله التي قالها حينما وقف إلي جانب جسد أخيه العباس عليه السلام: «أَلانَ إنکَسَرَ ظَهرِي وَ انقَطَعَ رَجائِي» ثم عاد وحيدا إلي الخيام. لماذا لم يحمل

ص: 32


1- سورة القصص: الآية 41.
2- علامات ظهور الامام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) الموسوم بميزاب الرحمة ج 1 ص206.
3- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2) / (30 والبحار 45) / (42.

الحسين (علیه السلام) جسد العباس (علیه السلام) إلي الخيام؟ فقد جمعت هناک جميع الأجساد، إلا ذلک الجسد الذي بقي في مکانه، لست أقوي علي ذکر السبب؛ فإن جسده الطاهر کان مقطع الأعضاء، متي ما حمل منه عضو سقط العضو الآخر. ولما وصل الحسين (علیه السلام) إلي الخيام هرع إليه النساء والأطفال، يسألونه عن العباس (علیه السلام)، فلم ينبس ببنت شفه، بل ذهب إلي خيمه أخيه، فأزال عمودها لتهوي(1).

الدربندي

ومنها: أنا قد بينا مرارا، أن كل شيء مما يرى ومما لا يرى من أي عالم كان من عوالم الإمكان، في ربقة إطاعة صاحب الولاية المطلقة، وفي سلسلة الانقياد لأوامره وإراداته، فإذا انكسر ظهر ولي الله الذي هو بمنزلة القلب في عوالم الإمكان في كل نشأة من النشآت بأي معنى أخذت الكسر - أي من حقيقته ومجازه، وظاهره وباطنه، وما يشمل الكل - انكسر ظهر جميع الموجودات من عوالم الإمكان، أي انكسار ظهر كل من ذلك انما هو بحسبه وصنعه، وذلك الانكسار في الكل كان في الوقت الذي تكلم الإمام (علیه السلام) بذلك، بل لا استبعاد في سريان حكمه في الأعصار والدهور وأهلها، أي في عصر بعد عصر، وفي جيل بعد جيل وهلم جرا، فخذ ذلك واغتنم.

ص: 33


1- مصباح الهدي و سفينه النجاة ص: 539.

ومنها: أن الأعداء الكفار کانوا ما دام العباس حيا في خوف واضطراب ودهشة ووحشة، بحيث كادت أن تفارقهم أرواحهم، وكانوا يظنون أن تكون الغلبة من جانب سيد الشهداء (علیه السلام)، ولو كانت تلك الغلبة له بعد شهادة جميع الأصحاب والعترة الهاشمية، لأن هيبة العباس وسطوته قد أظلمت قلوبهم وأحرقتها، وأعمت عيونهم...

أن لحياة العباس كانت عند حرم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والنساء الطاهرات والبنات الهاشميات، بمنزلة حياة جميع الشهداء من الأصحاب والعترة النبوية الهاشمية، أي من الجهة الراجعة إلى سکون واطمئنان قلوب الحرم والنساء الطاهرات وقوة أفئدتهن وزوال الخوف والدهشة والوحشة والاضطراب عنهن، بل ان فائدة حياته عندهن كانت أزيد من حياة كل المستشهدين بين يدي الإمام (علیه السلام) - أي من الجهة المذكورة -(1).

العاملي

فالمولى العبد الصالح (علیه السلام) هوالعمود الفقري للإمام سيّد الشهداء أرواحنا له الفداء، ولولا العمود الفقري لما استقام جسم الإنسان بل لم تستقم حياته، فالعباس المولى أرواحنا فداه هو العمود الفقري للتوحيد الإلهي المتمثل بأعظم آدميّ بل أعظم مخلوق في عوالم التكوين عنيت به المولى المعظم أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه وآله، فهو نفسه

ص: 34


1- اسرار الشهادات الدربندي.

وعاموده الفقري بل هو حياته وقلبه وعينيه اللتين وضع كفيّ أخيه العباس عليهما بعد تقبيلهما، فأيّ كف ككف أبي الفضل (علیه السلام) تستحق أن يقبلها أعظم إمام على وجه البسيطة؟؟! وكأن الإمام الحسين (علیه السلام) يريد أن يسجل علينا كرامة عظمى لأخيه العبد الصالح (علیه السلام) فكأنه يريد القول بأن هاتين الكفين هما نور بصري الذي أرى بهما العرش والكرسي والملكوت والجبروت واللاهوت، وهل تستحق كفان لم يصلا إلى مرحلة العصمة الكبرى أن يقبلهما الإمام صاحب العصمة الكبرى بل المطلقة؟؟!! كلا ثم كلا..!!(1).

المقرم

أصحيح أنّ الحسين عليه السلام ينظر إلى تلكم الفجائع ومعه حياة تقدمه، أو عافية تنهض به؟ لا والله، لم يبقَ الحسين (علیه السلام) بعد أبي الفضل إلاّ هيكلاً شاخصاً مُعرّى عن لوازم الحياة، وقد أعرب سلام الله عليه عن هذا الحال بقوله: «الآن انكسرَ ظَهرِي، وقلَّتْ حِيلَتِي، وشمتَ بِي عدوِّي»(2).

ورفع ذكرك في علّيّين

روى الشيخ الأجل جعفر بن قولويه القمي بسند معتبر عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق (علیه السلام) قال: إذا أردت زيارة قبر العباس بن علي (علیه السلام)..

ص: 35


1- العصمة الكبرى لوليّ الله العباس بن أمير المؤمنين ص29.
2- العبّاس (علیه السلام) المقرّم ص214.

وَرَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عِلِّيّينَ

أقول ان زيارة المولى قمر بن هاشم (علیه السلام) خزانة معرفية تكشف عن مقامات عالية وتشير الى اسرار دقيقية ونحن لسنا بصدد التعمق في المطالب ولكن نشير على نحو الإشارة الى هذه الفقرة.

عليون: في اللغة

ونرجع إلى مصادر اللغة فنجد: علّيّون: جمع عِلِّيّ: المكان العالي ويقال أيضاً: عِلّيه وعُلّيه. وقد أورد العلامة المجلسي لهذه المفردة عدة معانٍ فقال:

"عليون" اسم للسماء السابعة،

وقيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد.

وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة(1).

فهل المراد بعلّيّين في الآيات المباركة المتقدمة اسم مكان في أعلى الجنة كما تبنى هذا الرأي جماعة؟ أم أنه اسم سكان هذا المكان العالي كما تبنى هذا الرأي جماعة آخرون؟

الواقع أنه يمكن الجمع بين هذين الرأيين بتقريبين:

الأول: علّيون اسم مكان يسكنه أناس لهم ميزة ليست لغيرهم، ودرجة من القرب إلى الله عزَّ وجلّ عالية لا يصل إليها سواهم، ولاختصاص هذا المكان ودرجته بهم، فهم "عِلِّيون".

ص: 36


1- المجلسي، البحار 64/ 78. نقلاً عن النهاية.

الثاني: علِّيون في الأصل اسم لهؤلاء "العالين" وحيث أن " المكان بالمكين" فقد اتخذ المكان الخاص بهم هذا الاسم فأصبح يقال له" عِلِّيون".

والثاني أرجح ويؤيده بحث "الأعراف" في القرآن الكريم وخلاصته أنا نطلق اللفظ على المكان لأن أهله هم "الأعراف".

كما يؤيده أنه قد ورد في الروايات استعمال علّيّين بمعنى المكان وبمعنى أصحاب المكان.

أن العالين مستغرقون لا يشعرون بغيره تعالى

قوله تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)(1).

يقول العلامة في الميزان و قوله: "استكبرت أم كنت من العالين" استفهام توبيخ أي أ كان عدم سجودك لأنك استكبرت أم كنت من الذين يعلون أي يعلو قدرهم أن يؤمروا بالسجود، و لذا قال بعضهم بالاستفادة من الآية أن العالين قوم من خلقه تعالى مستغرقون في التوجه إلى ربهم لا يشعرون بغيره تعالى.

و قيل: المراد بالعلو الاستكبار كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ )(2) والمعنى استكبرت حين أمرت بالسجدة أم كنت من قبل من المستكبرين؟

ص: 37


1- سورة ص: الآية 75.
2- سورة يونس: الآية 83.

و يدفعه أنه لا يلائم مقتضى المقام فإن مقتضاه تعلق الغرض باستعلام أصل استكباره لا تعيين كون استكباره قديما أو حديثا.

و قيل: المراد بالعالين ملائكة السماء فإن المأمورين بالسجود هم ملائكة الأرض.و يدفعه ما في الآية من العموم(1).

والنتيجة هي أن هناك مكاناً عالياً جداً في الجنة أطلق عليه اسم عليين لأنه مكان "العالين".

لم يؤمروا بالسّجود إلاّ لأجلنا

عن أبي سعيد الخدريّ قال: كنّا جلوساً عند رسول الله ’ إذا قبل إليه رجل فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزّ وجلّلإبليس: (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ )(2)، من هم يا رسول الله الّذين هم أعلى من الملائكة المقرّبين (علیهم السلام) فقال رسول الله ’: أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، كنّا في سرادق العرش نسبّح الله فسبّحت الملائكة بتسبحنا قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم بألفي عام، فلمّا خلق الله عزّ وجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، ولم يؤمروا بالسّجود إلاّ لأجلنا، فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلاّ إبليس أبي أن يسجد، فقال الله تبارك وتعالى:

ص: 38


1- ا الميزان ج 17 ص 226.
2- سورة ص: الآية 75.

(يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)(1) أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش. فنحن باب الله الّذي يؤتى منه، وبنا يهتدي المهتدون، فمن أحبّنا أحبّه الله وأسكنه جنّته، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره، ولا يحبّنا إلاّ من طاب مولده(2).

والنتيجة و ان عليين أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى و أن العالين قوم من خلقه تعالى مستغرقون في التوجه إلى ربهم لا يشعرون بغيره تعالى.

وذكر العباس (علیه السلام) رفعه الله عزوجل في اعلى واشرف المراتب عند العالين الذين هم اعلى واشرف خلقه.

ص: 39


1- سورة ص: الآية 75.
2- تأويل الآيات: 2 ص 509.

ص: 40

أقول العلماء في بيان بعض مقامات العباس (علیه السلام)

ص: 41

ص: 42

أقول العلماء في بيان بعض مقامات العباس (علیه السلام)

أعلى وأهمّ مظاهر الإعجاز في كربلاء

المحقق السيد الجلالي هنا: العَبّاسُ مُعجزةُ الحُسين (علیهم السلام)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن الأصبغ بن نُباتة، قال خرج علينا أَميْر المُؤْمِنِيْنَ علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام وهو يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ويدي في يده، هكذا، وهو يقول: «خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم ومولى كلّ مؤمن، بعد وفاتي».ألا، وإنّي أقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن ومولى كلّ مؤمن، بعد وفاتي. ألا وإنّه سيُظلم بعدي كما ظُلمتُ بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني: أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء.أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة(1).

أقولُ: وإذا كانوا كلّهم من سادة الشهداء، فلا ريب أنّ الحسين عليه السلام وهو إمامهم فله السيادة عليهم أيضاً، فهو سيّد السادة، وإذن فما

ص: 43


1- إكمال الدين وإتمام النعمة (1 / 259) الحديث 5 من الباب 24.

هو مقام العَبّاس عليه السلام بين هؤلاء؟ وهو أمير جيشه وحامل لوائه وعميد عسكره، وهو من هو كما عرفنا عنه من المزايا الكبيرة في سماته المنيرة، وسيرته المثيرة؟

أقول: إنّ العَبّاس هو معجزة الحسين (علیه السلام):

كثيرون - حتّى من المعتقدين بإمامة الحسين عليه السلام فضلاً عن محبّيه من غير أُولئك - يُعلنون عن أنّ قضية كربلاء لم تُبنَ على الإعجاز الغيبيّ، وإلاّ لكان لِيَدِ الإعجاز أنْ تُبيد الأعداء، وأنْ تُحرق كياناتهم بإصبعٍ من الغيب! وأنْ يكون للحسين ولكربلاء شأنٌ آخر.

لكنّ الأمر في مفهوم (المعجزة) وتقديرها وتصوّر أهدافها يختلف من شخصٍ إلى آخر.فإنْ كانَ المنظورُ منها «إتمامُ الحُجّة» فإنّ قضايا كربلاء قد احتوتْ على الحُجج التامّة، لا على الأعداء المُعتدين فقطْ، بل على الأُمّة الإسلاميّة المغلوبة على أمرها - مدى التاريخ - فضلاً عن الطغاة الظالمين في العالم أجمع!

وإنْ كانَ الإعجازُ من منظار الانتصار، فإنّ الانتصار الحقيقيّ ليس بمجرّد الاستمرار في الحياة والبقاء في الدُنيا، بل هو انتصار الحقّ، بتحقّق الأهداف المطلوبة من المواقف والوقائع، واستمرارها في كيان الإنسانيّة، وأداء أثرها، وهو ما قد حَصَلَ من كربلاء.

ولكن المعجزة الّتي تحقّقت في كربلاء هي من نوعٍ آخر فإنّ أعلى وأهمّ مظاهر الإعجاز في كربلاء هو (العَبّاس عليه السلام) نفسه، حيث

ص: 44

احتوى بمفردهِ على كلّ تلك المكارم والمآثر في سماته وسيرته؛ فبلغ من المقام والرفعة (درجةً يغبطُهُ بِها الشُهداء يوم القيامة).

ومع أنّ العبّاس لم يكن إماماً، وقد ورد النصّ بذلك عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1)؛ قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين عليهم السلام؛ فلمّا مضى عليٌّ، لم يكن يستطيع عليٌّ، ولم يكن ليفعل: أن يُدخِلَ محمّدَ بن عليّ، ولا العبّاسَ بن عليّ، ولا واحداً(2) من ولده(3).

كما لم يكن العبّاس معصوماً، بل ليس من شأننا الحديث عن ثبوت العصمةَ له، بعد أنّ انحصر المعصومون من أهل البيت بالأئمّة الإثني عشر عليهم السلام لكنّ العباس - بلا شكٍّ - كانَ أكبرَ معجزةٍ لأخيه الإمام المعصوم، وذلك لأنّ قتل الحسين عليه السلام هو من دلائل النبوّة، لأنّ النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أخبر عنه، وهو من إخباره بالغيب بأُمور تحقّقت في المستقبل، كما أورده أرباب الكتب الجامعة لدلائل النبوّة، كالبيهقي، وأبي نعيم الأصفهاني، والسيوطي،وغيرهم، كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخبر عن مقتله، وهذا - أيضاً - من دلائل الإمامة.

ص: 45


1- سورة النساء: الآية 59.
2- في بعض النّسخ [أحداً].
3- تفسير العيّاشي (1 / 409) وتفسير فرات (ص 110 ح 27) والكافي (1 / 286 - 288).

فهذه كلّها معجزاتٌ؛ لتحقُّقِها، واقترانِ أخبارها باليقين، فليستْ إلاّ من الوحي المُبين من ربّ العالمين على نبيّه الأمين.

وبذلك، فإنّ وجود العبّاس عليه السلام في واقعة الطفّ في كربلاء وهو من أعلامها وأعيانها، وعليه تدورُ أكثر قضاياها المهمّة.

بل؛ وجوده وجودٌ عضويّ في إنجازها، كلّ ذلك يدخله في المعجزة، وتحقّق به الإعجاز. مع أنّ خروج العبّاس عليه السلام مع الحسين عليه السلام وقيامه بتلك المهمّات وفي جميع أدوارها الحسّاسة؛ لهو من خوارق العادة، فليكن بذاته معجزةً للحسين عليه السلام حيث كان مثلُ العبّاس طوعَ إرادته، ومُقتدياً به، يميل معه حيث مال، بل يسيرُ أَمَامَهُ في تلك الظروف الرهيبة، حتّى الشهادة بين يديه.

فسلامُ الله يومَ وُلِدَ، ويومَ قُتِلَ شهيداً، ويومَ يُبْعَثُ في الجنان(1).

ابدال يدي العباس (علیه السلام) بجناحين

القزويني يقول نقل ما ذكره بعض افاضل المعاصرين قد الله سره في اربعينه عند ذكر حديث الثمالي عن السجاد (علیه السلام) وابدال يدي العباس وجعفر بالأجنحة وانهما يطيران قال ما ذكره في هذا الجسم من ابدال يدي العباس بالجناحين مما دله على تقسيم الاعمال وان لكل عمل صوره برزخيه ناس به فلما كان اليد في الانسان عائله للقدرة والاخذ كان قطعهما موجبا للعجز

ص: 46


1- العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته ص233.

والعز في هذه النشاط طلبا لمرضاته الله تعالى والجهاد في سبيله ساره سبب القدرة التامة في عالم الأخرة فكان اعطاء الجناحين والطيران مع الملائكة والقدرة على طيب يعرض الجنة عوضا عن قطع اليدين هذا تجسس مهمه في الجنة الجسمانية وامات جسمه في الجنة العالية في الجناح انهم القوه العلمية والعملية اللتين هما تترك نفوس وتطير الى اغصان المعرفة والارتداد لصنوف المعارف الربانية وال تغني بالحان النغمات الشوقي وهذا المعنى هو المناسب لرفع ثم قام العباس وعلو شانه فان كان من الاولياء عارفبالله بكلماتي و الى هذه المرتبة الرفيعة اشار بقوله وانزل عباس منزله يغبطه بها جميع الشهداء انتهى كلامه رفع في الخلد مقاعد(1).

نافذ البصيرة

رَوَي الشَّيخُ أبو نَصرٍ البُخارِيُّ عَنِ المُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: قالَ الصّادِقُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ (علیه السلام):کانَ عَمُّنَا العَبّاسُ بنُ عَلِيٍّ نافِذَ البصيرة، صَلبَ الإِيمانِ، جاهَدَ مَعَ أبي عَبدِ الله وأبلي بَلاءً حَسَناً، ومَضي شَهيداً(2).

القزويني

قوله نافذ البصيرة وصلب الايمان من اضافة الصفة الى الموصوف اي بصيرته نافذه وايمانه صلب قوله نافذ من نفذه بالنور والذال والالف

ص: 47


1- كتاب الامام الحسين عليه السلام واصحابه صفحه 127.
2- سرّ السلسلة العلوية: ص 89.

المعجمتين من النفوذ بمعنى العبور وفي بعض النسخ ناقد البصيرة من نقد الدراهم ويخلصها ويحتمل ان يكون الناقد بالقاف والذال من نقد اي سلمه والكل يحتمل وخير الامور اوسطها(1).

سيدعلي جمال اشرف الحسيني

وقد بلغ العبّاس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) الدرجة العليا للإيمان، لأنّ الإمام (عليه السلام) أثبت له أمرين: قوّه الإيمان والبصيرة، وأثبت هو لنفسه - کما عرفت في ما مضي - درجه صدق اليقين، وسري الإيمان في جميع جوارحه، وأنبثّ في عامه أعضائه، وخالط لحمه ودمه، واستغرق في حبّ الله - تعالي - وفني إحساسه في حبّ الذات الصمدية، فليس يري في الوجود إلاّ الله، ولا يشعر بغير کمالاته - تعالي -، فإنّ الحبّ الصحيح يوجب الاستغراق، ويستولي علي کيان الشعور، ويستلب المشاعر والحواسّ(2).

اكرم بركات

والبصيرة من البصر، فالبصر للعين، والبصيرة للقلب، ونفوذ البصيرة تعبير عن عمق الوعي الذي كان يحمله العباس (عليه السلام)،

ص: 48


1- كتاب الامام الحسين عليه السلام واصحابه صفحه 114.
2- العباس ابن اميرالمؤمنين حامل لواء الحسين (علیه السلام) ص: 373.

هذا الوعي الذي كان واضحًا عند قادة المعسكر الآخر، وهو ما ذكره أحد قادة جيش عمر بن سعد حينما نادى أصحابه: أتدرون من تقاتلون، تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقومًا مستميتين".

لقد كان العباس يعرف بوضوح أنّ معركة كربلاء لا تنحصر بحدودها الجغرافيّة، ولا بنطاقها الزمنيّ، وإنّما هي معركة ترتبط بأصل الدين، وهذا ما نلتمسه في بيانات العباس في كربلاء، فشعرُهُ السابق يعبِّر عن هذه البصيرة، إذ يقول فيه:

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

*** *** ***

إذًا هو يقي ويحمي بشهادته النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) بمعنى دينه.

وهو الذي قال لإخوته من أمّه حينما كثرت القتلى في أهله: يا بني أمي، تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله"(1).

المظفر

إيمان العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» وبصيرته هو فيهما في درجة أهل بيته لأنه «عليه السلام» قد جمع كل هذه الأسباب الموجبة لنفاذ البصيرة من الأخبار الصادقة عن الأئمة الطاهرين كأبيه وأخويه السيدين الحسن والحسين «عليهما السلام» ومشاهدة المعجزة والتفكر في

ص: 49


1- اكرم بركات مقالة الإلكترونية.

صحيفة الوجود وصفاء النفس والكشف، فقد صح أن أصحاب الحسين «عليه السلام» كشف لهم وليس وراء عبادان قرية، يشهد له الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» فيما رواه السيد الداودي وغيره ولفظه في عمدة الطالب (1): قال الصادق جعفر بن محمد «عليهما السلام»: كان عمنا العباس بن علي «عليهما السلام» نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله «عليه السلام» وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً، ودم العباس «عليه السلام» في بني حنيفة، إنتهى.وقوله «عليه السلام» في زيارته التي رواها ابن قولويه في كامل الزيارة: «أشهد أنك لم تهن ولم تنكل وأشهد أنك مضيت على بصيرة من دينك مقتدياً بالصالحين ومتبعاً للنبيين» الخ(1).

فناء العباس بالحسين (علیه السلام)

ان العباس هو ابن امير المؤمنين الذي لا نظير له في الدنيا والأخرة بل غمض عينه عنهما بل هو فان في اخيه الحسين لا يرى الا اخاه بلا يرى الا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كلما رأى اخاه رأى رسول الله كما قال في رزجه:

نفسي لنفسي المصطفى الطهر وقا

*** *** ***

بل لا يرى الا اليه وهو ممسوس في ذات الله فكيف تنسب الى هذه

ص: 50


1- بطل العلقمي ج1(339).

النسبة الشائنة وهو في حالة يقطع بانه لا يمسي عصمنا الله من العصبية وزلة القدم(1).

الشيخ محمّد طه نجف

ذكر الشيخ العلم الشيخ محمّد طه نجف (قدس سره) في رجاله حين ذكر العبّاس (عليه السلام) حيث قال: «هو أجلّ من أن يُذكر في المقام، بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل بيته المعصومين عليه وعليهم أفضل التحيّة والسلام»(2).

أشهر وأوضح من أن يحتاج إلى بيان

يقول السيد الخوئي (قدّس سرّه) إن فضائله ومناقبه (علیه السلام) أشهر وأوضح من أن يحتاج إلى بيان(3).

قمر بني هاشم تالي الحسنين (علیهم السلام)

الشيخ ذبيح الله المحلاتي وغاية القول أنّ قمر بني هاشم تالي الحسنين عليهما السلام في صلابة الإيمان وشريف الآداب والأخلاق،

ص: 51


1- كتاب الامام الحسين عليه السلام واصحابه صفحه 120.
2- /إتقان المقال: ص75.
3- معجم رجال الحديث، ج 10 ص 255 رقم 6194).

وهو الأوّل من أولاد أمير المؤمنين عليه السلام بعدهما في جميع الصفات الكماليّة ولم يدانه مخلوق في هذه الصفات، شهد بذلك العبارات الواردة في زياراته المرويّة، والأخبار المرويّة عن الإمام زين العابدين والإمام الصادق عليهما السلام التي تصفه بكلّ صفات حميدة وأخلاق جميلة المختصّة به دون من عداه من أئمّة الهدى(1).

منزلة كبرى لم ينلها غيره

يقول السيد المقرم: إنّي لا أحسب القارئ في حاجة إلى الإفاضة في هذه الغاية، بعد ما أوقفناه على مكانة أبي الفضل (عليه السلام)، من العلم والتقى والملكات الفاضلة، من إباء وشمم وتضحية في سبيل الهدى، وتهالك في العبادة، فإنّ أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم السلام) يُقدّرون لمن هو دونه في تلكم الأحوال فضله، فكيف به وهو من لحمتهم، وفرع أرومتهم، وغصن باسق في دوحتهم؟! وقد أثبت له الإمام السجاد (عليه السلام) منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيار، فقال (عليه السلام):

"رحم الله عمّي العبّاس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله الله عزّوجلّ جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى

ص: 52


1- فرسان الهيجاء.

منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة" ولفظ (الجميع) يشمل مثل حمزة وجعفر الشاهدين للأنبياء بالتبليغ وأداء الرسالة، وقد نفى البُعد عنه العلاّمة المُحقّق المُتبحّر في الكبريت الأحمر ص 47 ج 3. ولعلّ ما جاء في زيارة الشُّهداء يشهد له: «السّلامُ عليكُمْ أيُّها الرَّبّانيّونَ، أنتُمْ لنا فرطٌ وسَلفٌ ونحنُ لكُمْ أتباعٌ وأنصارٌ، أنتُمْ سادةُ وكذلك قوله عليه السلام فيهم: إنّهم لم يسبقهم سابقٌ، ولا يلحقهم لاحقٌ.

فقد أثبت لهم السّيادة على جميع الشُّهداء، أنّهم لم يسبقهم ولا يلحقهم أيُّ أحدٍ، وأبو الفضل في جملتهم بهذا التفضيل، وقد انفرد عنهم بما أثبته له الإمام السّجاد عليه السلام من المنزلة التي لم تكن لأيِّ شهيد.

ولهذه الغايات الثمينة والمراتب العُليا؛ كان أهلُ البيت (علیهم السلام) يُدخلونه في أعالي اُمورهم ما لا يتدخّل فيه إنسانٌ عادي، فمِن ذلك: مُشاطرتُه الحسينَ عليه السلام في غسل الحسن عليه السلام وأنتَ بعد ما علمت مرتبة الإمامة، وموقف صاحبها من العظمة، وأنّه لا يلي أمره إلاّ إمامٌ مثله، فلا ندحة لك إلاّ الإيمان بأنّ مَن له أيّ تدخل في ذلك - بالخدمة من جلب الماء وما يقتضيه الحال - [هو] أعظم رجلٍ في العالم بعد أئمّة الدِّين عليهم السلام؛ فإنّ جثمان المعصوم عليه السلام عند سيره إلى المبدأ الأعلى - تقدّست أسماؤه - لا يُمكن أنْ يقربَ أو ينظر إليه مَن تقاعس عن تلك المرتبة؛ إذ هو مقامُ قابَ قوسين أو أدنى، ذلك الذي لم يطق الروح الأمين أنْ يصل إليه حتّى تقهقر، وغاب النّبيُّ

ص: 53

الأقدس في سبحات الملكوت والجلال وحدهُ إلى أنْ وقف الموقف الرهيب(1).

يعد في المرتبة الأولى بعد المعصومين الأربعة عشر

المركز العقائدي: إن المتتبع لتأريخ حياة أبي الفضل (علیه السلام) يلمس بوضوح بلوغ العباس بن علي (علیهم السلام) درجة عالية من الالتزام بالشريعة وطاعة أولي الأمر المتمثلين بالأئمة المعصومين (علیهم السلام) بأن يوكل اليه مهمة حمل رايته في واقعة الطف وقيادة البيت الهاشمي في تلك المعركة، وفي فقرات الزيارة الواردة عن الامام الصادق (علیه السلام) بسند معتبر - والتي يذكرها الشيخ القمي في (مفاتيح الجنان) - يلمس القارئ سمو منزلة أبي الفضل (علیه السلام) وشهادة المعصوم (علیه السلام) بحقّه في بلوغه مراتب عدة كما هو المستفاد، من هذه الفقرات:

أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم).

أشهد أنك قتلت مظلوماً وأن الله منجز لكم ما وعدكم.

أشهد وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله.

أشهد أنك لم تهن ولم تنكل وأنك مضيت على بصيرة من أمرك.

وغيرها من الفقرات التي يستفاد منها أن أبا الفضل العباس (علیه السلام) يعد في المرتبة الأولى بعد المعصومين الأربعة عشر (علیهم السلام).

ص: 54


1- العبّاس (علیه السلام) المقرّم 198.

وأما تحديد هذه المرتبة ومقدارها فعلمها عند الله، لان العصمة لطف إلهي وملكة نفسانية لا يتسنى الاطلاع عليها نعم يمكن للمعصوم أن يخبر عنها.

كان العباس سيدهم، وإمام جماعتهم، بعد أخيه الحسين

يقول الشيخ محمد علي الغروي الأوردبادي وفيما رواه الصدوق عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قوله: «یابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما الأرض شبيهون - الحديث»(1).

فهؤلاء الصفوة - الذين لا يدانيهم ولا يشبههم أحد ممن تقدم عليهم أو تأخر عنهم؛ في سوامي رتبهم ومقاماتهم وكراماتهم - كان العباس سيدهم، وعميدهم، وحامل رايتهم، وقاعدة شرفهم، وسمط جامعتهم، وإمام جماعتهم، بعد أخيه الحسين (علیه السلام)(2).

ص: 55


1- عيون اخبار الرضا /2/286.
2- حياة ابي الفضل العباس الاوردبادي ص 24.

ص: 56

مصائبه (علیه السلام)

ص: 57

ص: 58

مصائبه (علیه السلام)

هو شريك الامام (علیه السلام) في كل الهموم والغموم

كان العباس قد شاهد كل ما جرى على الامام من مصائب الا مصيبة الطفل الرضيع فهو شريكه في كل الهموم والغموم الى تلك الساعة وقد شاهد العباس وحدة المظلوم وغربته وبقاءه وحيدا فريدا بين اولئك الاوغاد الادعياء اذ لم يبقى احد من المضحين غيره وكان هذا سببا ومنشئا للكثير من الغموم والهموم والاهتمام بالنسبة للأمام و لابي الفضل العباس وكان العباس اخر من بقى مع الامام الغريب مع كل ما فيه من محبة واخاء ووفاء وتضحية وكان ظهر امام الناس مسندا وقويا بزبدة الناس فلما استشهد انكسر ظهر الامام عالي المقام فقال تلك القولة العظيمة وبكى بكاء شديدا حتى اغمي عليه من شده المصيبة والالم(1).

أعظم المصائب على سيد الشهداء (علیه السلام)

الملا حبيب الله الشريف الكاشاني

ولا يخفى على اهل البصائر ان أعظم مصيبة في الطف بعد مصيبة سيد الشهداء (علیه السلام) كانت مصيبة العباس (علیه السلام) كيف لا وقد انكسر ظهر

ص: 59


1- /مخزن البكاء للبرغاني ج2 ص 298.

الامام وهو ركن الاسلام في هذه الواقعة وقلة حيله الامام وهو ملجا الانام وكهف الملهوفين ومغيث المستغيثين أتظن ان لو كان رسول الله صلى الله عليه واله وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء حضور في تلك الواقعة لما بكوا عليه كم بكي عليه الحسين (علیه السلام) اما سمعت بقصة جعفر بن ابي طالب حينما قطعت يداه في مؤته فلما سمع النبي بذلك اولما اخبره جبرائيل بذلك بكى وقال:علي مثل جعفر فلتبكي البواكي ولما سمعت فاطمة (علیها السلام)صاحت واعماه وبكيت بكاء عاليا والحال ان جراحاته لم تتعد التسعين جراحة فكيف بهم اذا رأوا أو سمعوا ان الاعداء جعلوا بدن العباس قطعا و رفعوها على الرماح وبضعوه بالسيوف والخناجر اربا اربا بعد ان قطعوا يديه لا شك انا فاطمه التي صرخت في مصيبة جعفر واعماه فانها ستنحب وتنادي واولداه وقرة عيناه ولعل قوله (صلی الله علیه و آله و سلم)على مثل جعفر فليبك الباكون اشارة الى البكاء على العباس لانها قطعت يداه مثل جعفر عليه السلام وان مصيبته ستكون اعظم وحديث ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام افضل برهان على ان مصيبه العباس اعظم المصائب(1).

الشيخ نوروز البسطامي

معاشر الشيعة يستفاد من هذا الكلام الذي يفتت الاكباد ويحرك القلوب حينما قال عليه السلام الان انكسر ظهري ان مصيبة السقاء

ص: 60


1- تذكرة الشهداء ص332.

العطشان أعظم وأشد على الامام المظلوم من جميع مصائب الاصحاب والاحباب وذلك انه عليه السلام كان يتذكر مواقف زبدة الناس ومحبته وحنانه وتضحياته من قبيل

انه قدم اخوته الثلاث لامه فداء للحسين عليه السلام

ثم خروجه مذهولا للفرات يستسقي للأطفال العطشى وهو يتلظى من العطش وكبده كصالية الغضا فدخل الشريعة وملأ كفه من الماء المعين فتذكر عطش عزيز الزهراء واهل بيته واطفاله فرمى الماء من كفه وخرج من الشريعة ظاميا وبلغ غاية المجهود في سبيل ايصال الماء الى الخيام ولم يبال بما أصابه من جراحات ولم يكن له هم سوى ايصال الماء الى تلك الشفاه الذابلات له من العطش ولم يزل يحامي حتى ضربوه بعمود من حديد فلقى هامته فسقط مخ رأسه على كتفيه ونصرع عفيرا.

انه كان يمر بخاطره الشريف كل هذا فكيف كان يتمالك ويكف دموعه هذا بالإضافة الى ان زبدة الناس المولى ابا الفضل العباس عليه السلام كان قد تقلد ثمانية عشر منصبا عند الامام المظلوم وقد اتينا على ذكرها في كتاب سرور العارفين انه كان ابن فخر البشر وهو من الحسين (علیه السلام) بمنزله هارون من موسى وزيرا ومشيرا وفي مقام جبرائيل في السماء حارس للوحي والنبوة والرسالة واميرا وشريك جميع الانصار في خدمه ابن سيد الابرار وفي وقت الحراسة يجول معسكر اهل البيت فينعمون بوجوده بالأمن والاستقرار وهو طليعة الجيش والعسكر حامل لواء عسكر ابن البتول الاطهروسيدي اهل التسليم المشهور بالسقاء امير

ص: 61

العسكر وباعث الرعب في قلوب الاعداء ومدمر المعاندين والمنافقين الاشقياء و مقوى قلوب الاصحاب والاحباب عند المنازلة والمقدم اخوانه واصحابه عند المقاتلة ومفرق جيوش الضلالة والجهالة الرائد المقدام والبطل الهمام هازم جيش الاشرار ابن حيدر الكرار.

ولهذا لما وقف الامام المألوم في تلك المصيبة على جسد أخيه العباس اضطرب اظطرابا شديدا وبكى حتى غشي عليه وتراكم الهم والغم عليه وأحس بالغربة والوحده حتى قال: الان انكسر ظهري وقلت حيلتي ولم يقل عليه السلام ذلك في شهادة اي واحد من اصحابه واهل بيته واحبابه الا في مصيبه المظلوم العطشان(1).

وصية امير المؤمنين (علیه السلام)

ورد أنّ السيّدة زينب (علیها السلام) لمّا رأت أباها أمير المؤمنين (علیه السلام) قد جمع أولاده وأهل بيته ساعة الاحتضار، وأخذ يودّعهم ويوصيهم، ويعيّن الوصيّ والإمام من بعده عليهم، تقدّمت إليه وقالت بكلّ حزن وأسى على ما كانت تراه بأبيها، وعلى ما أخبرها به من وقعت كربلاء: اُريد يا أبتاه وأنت بعدُ في الحياة أن تختار لي من إخوتي مَنْ يواسيني في رخائي وشدّتي، ويكفلني في سفري وحضري.

فقال لها أمير المؤمنين (علیه السلام) بكلّ عطف وحنان: هؤلاء إخوتك ورجال أهل بيتك فاختاري منهم مَنْ تريدين، فإنّهم أكفاء لما ترومين.

ص: 62


1- امواج البكاء ص 108.

فقالت (علیها السلام) وببصيرة كاملة: يا أبتاه، إنّ الحسن والحسين (عليه السّلام) أئمّتي وسادتي، وعليَّ أن أخدمهما وأقوم بحمايتهما، وأن اُواسيهما واُؤثرهما على نفسي، ولكنّي اُريد من إخوتي مَنْ يخدمني ويواسيني، ويقوم بحمايتي وكفالتي.

فقال (علیه السلام) لها وهو يرقّ على حالها ومصابها بأبيها: اختاري منهم مَنْ شئتِ.

فأجالت السيّدة زينب (علیها السلام) ببصرها على إخوتها حتّى إذا وقع نظرها على أخيها أبي الفضل العبّاس (علیه السلام) لم تتجاوزه إلى غيره، وإنّما التفتت إلى أبيها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وأشارت بيدها إلى أخيها أبي الفضل العبّاس (علیه السلام)، وقالت: يا أبتاه، اُريد أخي هذا. عندها التفت الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى ولده أبيالفضل العبّاس (عليه السّلام)، وأشار عليه بالدنو منه، فلما دنا منه أخذ بيده ووضع يد السيّدة زينب (عليها السلام) في يده، وقال: ولدي عبّاس، عليك بأختك هذه؛ فإنّها بقيّة اُمّها الزهراء (علیها السلام)، فلا تقصّر في خدمتها ورعايتها، ولا تتوان في حفظها وحمايتها.

فقال أبو الفضل العبّاس (علیه السلام)، وقد تحادرت دموعه على خدَيه: يا أبتاه، لأنعمنَّكَ عيناً، ولأكوننَّ عند حسن ظنّك، فإنّي سأبذل قصارى جهدي، وغاية جدّي ومجهودي في حفظها وحراستها، وأرعى حرمتها وحقّها.

ص: 63

وهنا أخذ الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) يطيل النظر إلى ولده العبّاس (علیه السلام) وإلى ابنته السيّدة زينب (علیها السلام)ويبكي من موقفهما وموافقتهما، وكأنّه يستعرض ما سيجري عليهما، ويتذكّر ما سيصيبهما من الشهادة والأسر في كربلاء(1).

ص: 64


1- الخصائص العباسية 225

مصائب الوداع في يوم عاشوراء

ص: 65

ص: 66

مصائب الوداع في يوم عاشوراء

خذي انت بطرف رداء العباس (علیه السلام)

وقد كانت زينب قالت لأختها ام كلثوم: اخيّه في هذا اليوم كل من برز إلى القتال يأتينا إلى المخيم ويودعنا والآن لم يبق من اخواننا إلّا الحسين والعباس (علیهم السلام) فإذا جاء إلينا نقسم عليهم بالجلوس فإذا جلسا خذي انت بطرف رداء العباس وانا آخذ بطرف رداء الحسين ولا ندعهما يخرجان من الخيمة فلما رأتهما الحوراء زينب اقسمت عليهما بالجلوس فجلسا فقامت زينب وجلست إلى جنب أخيها الحسين كذلك ام كلثوم وبيدها رداء العباس وهن يبكين فبينا هم كذلك وإذا بالمنادي ينادي يا حسين ويا أبا الفضل جبنتما عن الحرب وجلستما بإزاء النساء، فنبض العرقُ الهاشمي بين عيني العباس، فاجتذب رداءه من اخته ام كلثوم وقام فتعلقت به ام كلثوم، فناداها الحسين اخيّه دعيه يمضي فقد اشتاق الحبيب إلى حبيبه، فصاحت زينب امري وامركما إلى الله فقام العباس وركب جواده(1).

حتّى ابتلّت لحيته المباركة بالدّموع

أنّ العبّاس بن عليّ (علیه السلام) كان حامل لواء أخيه الحسين (علیه السلام) فلمّا رأى

ص: 67


1- ثمرات الأعواد المطلب الثاني والأربعون في ترجمة العباس بن علي عليهما السلام ومصرعه.

جميع عسكر الحسين (علیه السلام) قتلوا وإخوانه وبنو عمّه بكى وأنّ [و] إلى لقاء ربّه اشتاق وحنّ، فحمل الرّاية، وجاء نحو أخيه الحسين (علیه السلام)، وقال: يا أخي! هل رخصة؟ فبكى الحسين (علیه السلام) بكاء شديدا، حتّى ابتلّت لحيته المباركة بالدّموع، ثمّ قال: يا أخي! كنت العلامة من عسكري ومجمع عددنا، فإذا أنت غدوت، يؤول جمعنا إلى الشّتات، وعمارتنا تنبعث إلى الخراب. فقال العبّاس: فداك روح أخيك يا سيّدي، قد ضاق صدري من حياة الدّنيا، وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين (علیه السلام): إذا غدوت إلى الجهاد، فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء(1).

وقبّل بين عينيه وودّعه

إنّه لمّا نادى الحسين (علیه السلام): أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) خرج إليه أخوه العبّاس وقبّل بين عينيه وودّعه، وسار حتّى أتى إلى الشّريعة وإذا دونها عشرة آلاف فارس مدرّعة، فلم يهوّلوه(2).

فطأطأ رأسه إلى الأرض، وبكى حتّى بلّ أزيافه

فلمّا أجاز الحسين (علیه السلام) أخاه العبّاس للبراز، برز كالجبل العظيم، وقلبه كالطّود الجسيم، لأنّه كان فارسا هماما، وبطلا ضرغاما، وكان جسورا على

ص: 68


1- الطّريحي، المنتخب، 2/ 312 - 314.
2- الدّمعة السّاكبة، 4/ 324.

الطّعن والضّرب في ميدان الكفاح والحرب، فلمّا توسّط الميدان وقف، وقال: يا عمر بن سعد! هذا الحسين ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: إنّكم قتلتم أصحابه وإخوته وبني عمّه، وبقي فريدا مع أولاده وهم عطاشا، قد أحرق الظّمأ قلوبهم، فاسقوه شربة من الماء، لأنّ أطفاله وعياله وصلوا إلى الهلاك، وهو مع ذلك يقول لكم: دعوني أخرج إلى أطراف الرّوم، والهند، وأخلي لكم الحجاز، والعراق، والشّرط لكم أنّ غدا في القيامة لا أخاصمكم عند الله حتّى يفعل الله بكم ما يريد. فلمّا أوصل العبّاس إليهم الكلام عن أخيه، فمنهم من سكت ولم يردّ جوابا، ومنهم من جلس يبكي. فخرج الشّمر وشبث بن ربعيّ (لعنهما الله)، فجاءا نحو العبّاس وقالا: يا ابن أبي تراب، قل لأخيك لو كان كلّ وجه الأرض ماء، وهو تحت أيدينا، ما أسقيناكم منه قطرة إلّا أن تدخلوا في بيعة يزيد. فتبسّم العبّاس ومضى إلى أخيه الحسين وعرض عليه ما قالوا، فطأطأ رأسه إلى الأرض، وبكى حتّى بلّ أزيافه، فسمع الحسين (علیه السلام) الأطفال ينادون العطش. فلمّا سمع العبّاس ذلك، رمق بطرفه إلى السّماء، وقال: إلهي وسيّدي! أريد أعتدّ بعدّتي، وأملئ لهؤلاء الأطفال قربة من الماء. فركب فرسه، وأخذ رمحه والقربة في كتفه(1).

لما كان يعلم بعلم الإمامة انه لا يرجع اليه؟

لما سمع العباس صراخ الاطفال وهم ينادون العطش العطش حمل

ص: 69


1- الطّريحي، المنتخب، 2/ 312 - 314 - عنه: المازندراني، معالي السّبطين، 1/ 444 - 445، 446.

قربته وقصد الفرات ولم يودع احدا الا ان الامام عليه السلام لما كان يعلم بعلم الامامة انه لا يرجع اليه ذهب اليه وعانقه وودعه ومشى خلفه وهو ينظر اليه نظر مودع ويتنفس الصعداء ويبكي وخفق قلب الحسين (علیه السلام) وأسبل دموعه وبكى حتى اضطربت ملائكة السماء ولا أدرى ماذا جرى على قلب ذلك الامام لمظلوم في تلك اللحظات من مصاب(1).

اخي اصبر هنيئة حتى اراك مرة اخرى

وفي رواية ان الامام (علیه السلام) لم يصبر على فراق وجه اخيه العباس فناداه فالتفت اليه العباس فرأى اخاه باكي العين وهو يقول اخي اصبر هنيئة حتى اراك مرة اخرى فلما رأى العباس دموع اخيه وسمع مقالته قال أو اقتل يا ابا عبد الله؟ فبكى الامام واعتنقا وجعلي يبكيان حتى كادا يسقطان مغمى عليهما ثم ان الحسين قبله في جبهته وودعه(2).

وادعوا الله اي يرجعني اليكم سالما

وفي بعض الكتب ان العباس حمله قربته جاء الى الاطفال وقال لهم لا تبكوا وادعوا الله اي يرجعني اليكم سالما حتى اسقيكم الماء فرفع الاطفال ايديهم بالدعاء وهم يقولون اللهم ارجع عمنا العباس سالما فقد أهلكنا العطش واحرق اكبادنا(3).

ص: 70


1- تذكرة الشهداء ص 317.
2- تذكرة الشهداء ص 318.
3- تذكرة الشهداء ص 318

في شجاعته (علیه السلام)

ص: 71

ص: 72

في شجاعته (علیه السلام)

السيف أيام طفولته (علیه السلام)

أن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان جالسا ذات يوم في مسجد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وهو يحدثهم ويشوقهم إلى الجنة ويحذرهم من النار إذ جاء اعرابي وعقل راحلته على باب المسجد ودخل وإذا عنده صندوق فجاء وسلم على أمير المؤمنين (علیه السلام) وقبل يديه وقال مولاي جئتك بهدية قال وما هي فأحضر أمامه الصندوق فأمر (علیه السلام) بفتحه وإذا فيه شيء ملفوف فأمر بفله وإذا هو سيف وله حمائل فأخذه الإمام عليه السلام بيده يقبله إذ دخل العباس فجاء وسلم على أبيه ووقف متأدبا وأخذ يطيل النظر إلى السيف فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) بني أتحب أن أقلدك بهذا السيف؟ قال له العباس: نعم يا أبه أحب ذلك فقال له ادن مني فدنى منه فقلده إياه فطالت حمائل السيف على العباس فقصرها عليه ثم جعل أمير المؤمنين (علیه السلام) ينظر إلى ولده العباس ويطيل النظر إليه ثم تحادرت دموعه على خديه وبكى فقيل وما يبكيك يا أمير المؤمنين فقال (علیه السلام) كأني بولدي هذا قد أحاطت به

ص: 73

الأعداء وهو يُضرب بهذا السيف يمنه ويسرة حتى تقطع يداه ويضرب رأسه بعمد من الحديد ثم بكى وبكى من كان حاضرا(1).

شجاعته (علیه السلام) في معركة صفّين

وعن شجاعة العبّاس في معركة صفّين، والتي جرت عام (37 ه)، يروى أنّه خرج من بين صفوف جيش الإمام علي في صفّين شاب مقنّع في خطوات ثابتة نحو أفراد جيش معاوية، وارتقى مرتفعاً من الأرض في وسط سهل صفّين، وصاح بأعلى صوته [يتحدّى] فيه نزال أشجع شجعان جيش معاوية.

فتقاعس أهل الشام من منازلته؛ ظناً منهم أنّه الإمام علي (علیه السلام)، أو أحد قادته البارزين، وجلسوا ينظرون إليه حيث لفّهم الخوفوالخشية، ولم يبرز أحد منهم لمنازلته. وهنا نادى معاوية رجلاً من أصحابه (كان محسوباً من شجعانهم)، وكان يُعدّ بألف فارس، ويدعى (أبو الشعشاع)، فقال له: إنّك أبرع فارس في الشام، فتقدّم واقتل هذا الرجل ليكون في قتله عبرة للآخرين.

فأجابه أبو الشعشاع: كلاّ، إنّ أهل الشام يعدّوني بألف فارس، وهو لا يستحق أن اُنازله، وسأبعث إليه أحد أولادي ليقتله.

ص: 74


1- النص الجلي في مولد العباس بن علي عليه السلام ص 49 محمد علي الناصري البحراني.

فنادى أبو الشعشاع أحد أولاده، وكان رجلاً قوياً، فتبارز مع الشاب المُقنّع فقُتل، ثمّ بعث إليه آخر فقتله الشاب أيضاً، حتّى بعث إليه سائر أولاده - ويُقال: إنّ عددهم كان سبعة - فقتلهم الشاب جميعاً، وألحق آخرهم بأوّلهم.

وإثر ذلك برز أبو الشعشاع بنفسه لمواجهة هذا الشاب المقنّع، وسار نحوه وهو يخاطبه: لقد قتلت أيّها الشاب كافة أولادي، والله لأقتلنّك الآن شرّ قتلة، وأثكل بك أباك واُمّك.

وهنا استل أبو الشعشاع سيفه واندفع بقوّة نحو الشاب، حيث جرت بينهما معركة عنيفة تمكّن الشاب من ضرب خصمه ضربة قاضية قضت عليه، وألحقته بأولاده غير مأسوف عليه وعليهم. ثمّ تقدّم الشاب أمام صفوف جيش العدوان وهو يصيح بهم: هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد، أو يخرج إليه مَنْ ينازله من بين صفوف الخصم. وعاد الشاب المقنّع إلى صفوف جيش الإمام (علیه السلام) حيث تعجّب أفراده من بسالة هذا الشاب النادرة، والذي صرع أشجع شجعان الشام، والتي لم يعرف العرب لها مثيلاً إلاّ في بطولة الإمام علي (علیه السلام)، أو الحمزة بن عبد المطلب، أو جعفر الطيار.

وهنا دعاه الإمام علي (علیه السلام) وأزال اللثام (القناع) عن وجهه، فإذا هو ابنه العبّاس قمر بني هاشم، فقبّل الإمام ما بين عينيه، وباركه على شجاعته وبسالته التي أبداها في منازلة الأعداء(1).

ص: 75


1- العبّاس بن علي - محمّد كامل حسن، نقلاً عن كتاب مقتل الحسين (عليه السّلام) - للخوارزمي، العبّاس بطولة الروح وشجاعة السيف - محمّد هادي.

كسر حصار بني أمية للماء في واقعة صفين

الإمام العباس والحسن والحسين (علیهم السلام) يكسرون حصار بني أمية للماء ويبيحونه في واقعة صفين:إنّ معاوية لمّا نزل بجيشه على الفرات إبّان معركة صفين وجعلها في حيِّزه، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها. وبعث أمير المؤمنين عليه السلام صعصعة بن صوحان إلى معاوية، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء، فرجع صعصعة فأخبره عليه السلام بما كان من إصرار جيش الشام على منعهم الماء!

فلمَّا سمع عليٌّ (علیه السلام) ى ذلك قال: «قاتلوهم على الماء»، فأرسل كتائب من عسكره، فتقاتلوا، واشتدَّ القتال، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام وفيهم الإمامين الحسن والحسين والعباس بن علي عليهم السلام. أشدَّ شجاعة، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ (علیه السلام)(1).

العباس (علیه السلام) في النهروان

روي - قد أبدى من نفسه في حرب النهروان - والنهروان بلد من بغداد بأربعة فراسخ - جدارة عالية في حراسة القنطرة، والجسر الذي كان قد أوكله أبوه أمير المؤمنين (علیه السلام) مع مجموعة من الفرسان بحفظه يوم

ص: 76


1- الحائري المازندراني / معالي السبطين ج1/ ص437.

النهروان من الخوارج، وسجّل عليه مواقف شجاعة وبطولات هاشمية مشرّفة.

فإنّه لم يدع بشجاعته وبسالته جيش الخوارج أن يعبروا من عليه، ولا أن يجتازوه إلى حيث يريدون، بل صمد أمامهم بسيفه وصارمه، وصدّهم عمّا كانوا ينوونه بعزمه وبأسه؛ ولذلك لمّا دخل وقت الصلاة وطلب الإمام أمير المؤمنين ماءً يتوضّأ به أقبل فارس والإمام (علیه السلام) يتوضّأ، وقال: يا أمير المؤمنين، لقد عبر القوم - ويقصد بهم الخوارج - وإنهم عبروا القنطرة التي أوكل بها الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ابنه العبّاس (علیه السلام) مع مجموعة من الفرسان.

فلم يرفع الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إليه رأسه، ولم يلتفت إليه؛ وذلك وثوقاً منه بشجاعة ولده المقدام أبي الفضل العبّاس (علیه السلام) الذي أوكله بحفظ القنطرة من سيطرة الأعداء، وأمره بحراستها من عبورهم عليها وتجاوزهم عنها.

هذا مضافاً إلى ما أخبره به رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عن الله في شأن الخوارج، وما يؤول إليه أمرهم وفتنتهم، وما أطلعه (صلی الله علیه و آله و سلم) على جزئياتقضيّتهم، وكيفية مقاتلتهم له، ومواقع نزولهم وركوبهم، وسوء عواقبهم ومصارعهم. على إثر ذلك كلّه أجاب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ذلك الفارس بقوله: إنّهم ما عبروا ولا يعبرونه، ولا يفلت منهم إلاّ دون العشرة، ويقتل منكم إلاّ دون العشرة. ثمّ قال (علیه السلام): يؤكد ذلك: والله ما

ص: 77

كذبتُ ولا كُذّبت. فتعجّب الناس من كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لذلك الفارس.

وكان هنالك مع الإمام رجل وهو في شكّ من أمره فقال: إن صحّ ما قال فلا أحتاج بعده إلى دليل غيره، فبينما هم كذلك إذ أقبل فارس فقال: يا أمير المؤمنين، القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة.

مع خوارج النهروان

ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) صلّى بالناس صلاة الظهر وأمرهم بالمسير إليهم وهم دون القنطرة، ثمّ حمل (علیه السلام) عليهم بأصحابه حملة رجل واحد، وذلك بعد أن أتمّ (عليه السّلام) الحجّة عليهم، واستتابهم ممّا جنوه من قتل عبد الله بن خباب وبَقْر بطن زوجته وإخراج طفلها وقتله، فرجع منهم ثمانية آلاف وبقي أربعة آلاف لم يتوبوا، وقالوا له: لنقتلنّك كما قتلناه.

فحمل (علیه السلام) عليهم، واختلطوا فلم يكن إلاّ ساعة حتّى قتلوا بأجمعهم ولم يفلت منهم إلاّ تسعة أنفس؛ فرجلان هربا إلى خراسان وإلى أرض سجستان وبهما نسلهما، ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يسمّى السّن، ورجلان صارا إلى بلاد عمّان وفيها نسلهما إلى الآن، ورجلان صارا إلى بلاد اليمن، ورجل آخر هرب إلى البرّ ثمّ بعد ذلك دخل الكوفة وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي.

ص: 78

كما إنّه لم يقتل من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إلاّ تسعة، فكان كما أخبر به أمير المؤمنين (علیه السلام) تماماً من دون زيادة ولا نقصان(1).

وواجه ثلاثة من فرسان القوم وشجعناهم

وواجه العباس بن علي (علیه السلام) ثلاثة من فرسان القوم وشجعناهم، هم: مارد بن صُدَيف، الذي حمل على العباس عليه السلام برمحه، فأمسك به، وألقاه من ظهر فرسه، ثم قتله برمحه.

والثاني صفوان بن الأبطح المعروف بمهارته برمي النبال إلاّ أنّ العباس عليه السلام تمكّن منه، ولكنه تركه جريحاً، ولم يجهز عليه.

والثالث عبد الله بن عقبة الغنوي، الذي فرّ مذعوراً عند مبارزة العباس (علیه السلام) بعد أن كان مصراً عليها(2).

فحمل عليهم (علیه السلام) فاستنقاذهم

من شجاعة الإمام العباس (علیه السلام) في واقعة كربلاء:

قال الطبري في معرض حديثه عن وقائع يوم عاشوراء: «فأمّا عمرو بن خالد الصيداوي، وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبد الله العائذي، فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا

ص: 79


1- الخصائصُ العبّاسيَّةُ ص156.
2- المقرم / العباس (عليه السلام) / ص153.

مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ (علیه السلام) فاستنقاذهم(1).

كالجبل الأصمّ لا تحرّكه العواصف

يقول بحر العلوم قد سره

وناهيك في شجاعته: أنّ الحسين (علیه السلام) ما أجازه للقتال في يوم عاشوراء، بل أرسله ليأتي بالماء، وقيّد يديه ورجليه بإتيان الماء، و حمل القربة، و مع ذلك، لمّا ركب فرسه و أخذ رمحه و القربة، و قصد الفرات، و قد أحاط به أربعة آلاف، و في رواية ستّة آلاف، و في (الأسرار) عشرة آلاف محارب، فحمل عليهم العبّاس و قتل منهم شجعانا، و نكّس منهم فرسانا، و تفرّقوا عنه هاربين كمايتفرّق عن الذّئب الغنم، و صعد قوم على التّلال و الأكمات، و أخذوا يرمونه بالسّهام، حتّى قال إسحاق بن حيوة (لع): فثوّرنا عليه النّبال كالجراد الطّائر، فصيّرنا جلده كالقنفذ، و مع ذلك كان كالجبل الأصمّ لا تحرّكه العواصف، و لا تزيله القواصف، فغاص العبّاس في أوساطهم، و قتل منهم ثمانين فارسا، و قيل:

ص: 80


1- المصدر: الطبري / تاريخ الطبري / ج5 / ص446 == الكامل في التاريخ / ج3 / ص293== الأمين / أعيان الشيعة / ج7 / ص 430 == الحائري المازندراني / معالي السبطين / ج1 / ص 443.

ثمانمائة فارس، وقيل: أكثر من ذلك، وهو بينهم يرتجز ويقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقى *** حتّى أوارى في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطّهر وقى *** إنّي أنا العبّاس أغدو بالسّقا

ولا أخاف الشّرّ يوم الملتقى(1)

فلو كان بيني وبين الفرات بحراً من نارٍ فإنّي سأقتحمه

وقد حضرني في المقام حکايهٌ تثير الزفره وتُجري العَبره، وتسلب الإنسان راحته ودعته ووقاره، فقد حُکي أنّ شابّاً من الأنصار يقول:

رأيت في سوق الکوفه رجلاً يقرف الناظر إليه ويتقزّز، فحاولتُ الابتعاد منه، فتبعني مسرعاً واستجدي منّي، وقال: إنّي جائعٌ فأطعِمْني. فقلت له: لا أُطعمک حتّي تخبرني خبرک. فأطرق برأسه ومشي معي، وقال:سأُخبرک قبل أن تسألني، أنا إسحاق بن حنوه، کنتُ في عسکر ابن زيادٍ اللعين، فخرجتُ إلي کربلاء مع عمر بن سعد، فوکّلني بالماء، فجهدت جُهدي لمنع الحسين وأصحابه عن الماء يوم تاسوعاء وعاشوراء حتّي لا يذوقوا منه قطره.

فسمعت في الليل الحسين يکلّم أخاه العبّاس ويقول: «يا أخي، إذا انقضي الليل وجاء النهار وبلغ الوقت الظهر، فإنّ العيال والأطفال سيموتون عطشاً». فلمّا سمع العبّاس کلام أخيه جرت دموعه أنهاراً،

ص: 81


1- مقتل الحسين (علیه السلام) بحر العلوم،/ 318 – 324.

وقال: لا تحزن يا أخي ولا تغتمّ، فلو کان بيني وبين الفرات بحراً من نارٍ فإنّي سأقتحمه، لعلّي أحمل شيئاً من الماء إليهم. فلمّاسمعتُ کلامهما خشيتُ أن نُغلَب، فقصدت عمر بن سعد أستمدّه، فأمر أربعه آلافٍ فجعلهم علي الماء زيادهً علي مَن کان، ليحفظوا الماء ويمنعوهم أشدّ المنع.

فلمّا انقضت ليله العاشر وطلعت الشمس، رأيتُ العبّاس کأنّه حيدر الکرّار، يحمل سيفه البتّار ويحصد رؤوس عسکر الأشرار، حتّي أقحم فرسه الفرات..(1).

شجاعة العبّاس الأكبر (علیه السلام)

[...] ويكفي لإثبات شجاعته عليه السّلام ما كان منه يوم كربلاء، (أمّا عدد من قتلهم)، فمختلف فيه (ففخر الدّين الطّريحيّ) رحمه الله ومن وافقه من العلماء (رضوان الله عليهم)، فيقولون:

قتل ثمانين بطلا. وصاحب (الكبريت الأحمر) وصاحب (أسرار الشّهادة) وصاحب (نور العين) الشّافعيّ، فيقولون ثمانمائة فارس، والجمع بين القولين سهل بحمل الثّمانين على المشاهير من الأبطال، وباقي العدد على ما دونهم، وبين هذين القولين أقوال بالزّيادة والنّقصان، وأنا أذكر القولين وأترك ما عداهما(2).

ص: 82


1- مخزن البكاء للبرغاني ج3 ص: 400.
2- المظفّر، بطل العلقمي، 2/ 204، 237.

قالوا في شجاعته

1- قال سلمان هادي طعمة:

كان العباس شجاعاً مقداماً في الحرب، اجتمعت فيه مزايا الكمال وحازَ جلُّ الفضائل(1).

2- قال السيّد عبد الرزاق المقرّم:

لقد كان من عطف المولى سبحانه وتعالى على وليه المقدّس سلالة صاحب الخلافة الكبرى سيد الأوصياء أن جمعَ فيه صفات الجلالة من بأس وشجاعة وإباء ونجدةُ وخلال الجمال من سؤود وكرم ودماثة في الخلق(2).

كما قال أيضاً:«وقد ظهرت في أبي الفضل (العباس) الشجاعتان الهاشمية التي هي الأربى والأرقى فمن ناحية أبيه سيّد الوصيين، والعامرية فمن ناحية أمه أم البنين»(3).

3- قال الفاضل الدر بندي: إن الذين قتلهم العباس (علیه السلام) من الأعداء لا بدّ أن يكون عددهم أكثر من عدد جميع من قتلهم سائر الشهداء، وذلك لأن شجاعة العباس (علیه السلام) توازي شجاعة الكل، عدا علي الأكبر (علیه السلام)(4).

ص: 83


1- في كتاب تاريخ مرقدي الحسين والعباس / ص236.
2- في كتاب قمر بني هاشم / ص20.
3- العباس بن أمير المؤمنين طبعة قم / ص 28.
4- (أسرار الشهادة، ص 345).

4- قال الشيخ باقر شريف القرشي:

لقد أبدى أبو الفضل يَومَ الطف من الصمود الهائل والإرادة الصلبة ما يفوق الوصف، فكان برباطة جأشه وقوة عزيمته جيشاً لا يقهر، وقد أرعب عسكر بن زياد وهزمهم نفسياً كما هزمهم في ميادين الحرب(1).

5- قال الكاتب المصري محمّد كامل المحامي: لقد كان مثلاً أعلى في البطولة والعظمة الروحيّة والإيمان العميق بالله والإخلاص والتفاني والنصيحة والإنسانية السامية الرفيعة التي تكاد ترقى الى مرتبة الملائكة(2).

6- السيد محمّد علي يوسف الأشقر

لقد اشترك العبّاس قمر بني هاشم وفخر عدنان مع أبيه عليٍّ (عليه السّلام) في جميع حروبه ومعاركه، وكان يحارب فيها شجعان العرب ويجندهم على الأرض كالأسد الضاري.

وهكذا فكما كان علي (علیه السلام) معجزة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فقد كان العبّاس (علیه السلام) معجزة علي، وكما تكرّر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في علي وفي سبطيه فقد تكرّر علي في العبّاس.

هذا وفي كلّ معركة لم يكن الإمام ليأذن لولده العبّاس بالنزال، إمّا حبّاً له لصغر سنه بالنسبة إلى أعمار سواد الجيش، أو صوناً من أن تصيبه

ص: 84


1- في كتاب العباس رائد الكرامة والفداء في الإسلام / ص9.
2- في كتاب عظماء الإسلام / ص146.

عيون الأعداء، رغم أنّه كان يلحّ في طلب النزال،وينتهز الفرص المواتية لمقابلة الأعداء وحربهم عند تطلب الحال، وربّما مقنّعاً من دون إجازة.

كما وكان الإمام علي (علیه السلام) أيضاً لا يكلّف ولديه الحسن والحسين (عليهما السّلام) منازلةَ الأعداء كثيراً، وإنّما كان يكلّف ولده الآخر محمّد بن الحنفيّة بأكثر منهما ومن سواهما وعندما سُئل ابن الحنفيّة مرّة عن علّة ذلك أجاب: إنّ الحسن والحسين هما عينا والدي، وأنا ذراعه، وإنّ الذراع هي التي تحمي العينين.

كما وقال الإمام علي (علیه السلام) عن هذه الحالة بأحرف:

أخشى أن يصيب الحسنين مكروه فتذهب ذرّيّة رسول الله(1).

ص: 85


1- العبّاس (عليه السلام) رجل العقيدة والجهاد ص 61.

ص: 86

السقاء

ساقي عطاشا كربلاء

ص: 87

ص: 88

السقاء ساقي عطاشا كربلاء

اشارة

عن الإمام جعفر الصادق (علیه السلام): مَنْ سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمَنْ أعتق رقبة، ومَنْ سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمَنْ أحيا نفساً، ومَنْ أحياها فكأنّما أحيا الناس أجمعين.

لقد ثبتت فضيلة السِّقاية وإرواء العطاشى لأبي الفضل العبّاس (علیه السلام) حتّى عُرف بالسّقّاء، واشتهر أنّه ساقي عطاشا كربلاء.

النصوص التاريخية

النص الأول

شرح الأخبار للقاضي النعمان المصري (ت: 363 ه) قال: "عبأ الحسينُ بن عليٍّ أصحابَه يوم الطفِّ وأعطى الرايةَ أخاه العباس بن عليٍّ، وسُمِّي العبَّاس: السقَّاء، لأنَّ الحسين (عليه السلام) عطش، وقد منعوه الماءَ، وأخذَ العباسُ قُربةً ومضى نحو الماء، واتَّبعه إخوتُه من ولد عليٍّ (عليه السلام): عثمان وجعفر وعبد الله. فكشفوا أصحابَ عُبيد الله عن

ص: 89

الماء. وملأ العباسُ القُربة، وجاء بها فحملَها على ظهرِه إلى الحسين وحدَه. وقد قُتلَ إخوتُه"(1).

النص الثاني

شرح الأخبار للقاضي النعمان المصري (ت: 363 ه) قال: "وكان الذي وليَ قتل العباس بن عليٍّ يومئذٍ يزيدُ بن زياد الحنفي وأخذَ سلبه حكيمُ بن طفيل الطائي، وقيل إنَّه شرَك في قتله يزيد. وكان بعد أنْ قُتل إخوتُه عبد الله وعثمان وجعفر معه قاصدين الماء. ويرجعُ وحده بالقُربة فيحملُ على أصحاب عُبيد الله بن زياد الحائلين دون الماء. فيقتِلُ منهم، ويضربُ فيهم حتى يتفرَّجوا عن الماء فيأتي الفرات فيملأُ القُربة، ويحملُها، ويأتي بها الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فيَسقيهم حتى تكاثروا عليه، وأوهنته الجُراحمن النبل، فقتلوه كذلك بين الفرات والسرادق، وهو يحملُ الماء، وثَمَّ قبرَه رحمه الله"(2).

النص الثالث

الثقات لابن حبَّان (ت: 353 ه) قال: "والعباس يُقال له السقَّاء، لأنَّ الحسينَ طلبَ الماء في عطشِه وهو يُقاتل فخرجَ العباسُ وأخوه

ص: 90


1- شرح الأخبار - للقاضي النعمان المصري - ج 3 / ص 182.
2- شرح الأخبار - للقاضي النعمان المصري - ج 3 / ص 191.

واحتال حمل إداوةَ ماءٍ ودفعَها إلى الحسين، فلمَّا أراد الحسينُ أنْ يشربَ من تلك الإداوة جاء سهمٌ فدخل حلقَه فحال بينَه وبين ما أراد من الشُرب، فاحترشتْه السيوفُ حتى قُتل فسُمِّى العباسُ بن عليٍّ السقَّاء لهذا السبب"(1).

النص الرابع

نسب قريش للمصعب الزبيري: "والعباس بن علي، ولده يسمونه "السقَّاء"، ويُكنونه أبا قِربة؛ شهِدَ مع الحسين كربلاء؛ فعطِش الحسينُ؛ فأخذ قربةً، واتَّبعه إخوتُه لأبيه وأمِّه بنو عليٍّ، وهم: عثمان، وجعفر، وعبد الله، فقُتل إخوتُه قبلَه، وجاء بالقِربةِ يحملُها إلى الحسين مملوءةً؛ فشربَ منها الحسين؛ ثم قُتل العبَّاس بن علي بعد إخوتِه مع الحسين"(2).

وأورد ذات النص ابن أبي الدنيا (ت: 281 ه) في كتابه مقتل أمير المؤمنين قال: حدَّثنا الحسين... وولده يُسمُّونه السقَّاء ويُكنُّونه أبا قربة شهِد مع الحسين عليه السلام كربلاء فعطش الحسين فأخذ قِربةً واتَّبعه إخوتُه لأمِّه بنو عليٍّ وهم عثمان وجعفر وعبد الله فقُتل إخوتُه قبلَه.. وجاء بالقِربة فحملَها إلى الحسين عليه السلام مملوءةً فشربَ منها الحسينُ ثم قُتل العبَّاسُ بنُ عليٍّ بعد إخوتِه مع الحسين صلوات الله عليهم"(3).

ص: 91


1- الثقات - ابن حبَّان - ج 2 / ص 310.
2- نسب قريش للمصعب الزبيري - ج 2 / ص 43.
3- مقتل أمير المؤمنين - ابن أبي الدنيا - ص 102.

النص الخامس

أنساب الأشراف للبلاذري (ت: 279 ه) قال في سياق التعداد لأولاد عليٍّ (علیه السلام): "وولد (علیه السلام) أيضا العباس الأكبر، وهو السقَّاء، كان حملَ قربةَ ماءٍ للحسين بكربلاء، ويُكنَّى أبا قِربة"(1).

النص السادس

إعلام الورى للطبرسي (ت: 548) قال: "وكان العباسُ يُكنى أبا قِربة لحملِه الماء لأخيه الحسين (علیه السلام) ويُقال له: السقَّاء، وقُتل وله أربعٌ وثلاثون سنةً، وله فضائل.. "(2).

النص السابع

زيارة الناحية (علیه السلام) قال: "السلامُ على العبَّاسِ بن أميرِ المؤمنين، المواسي أخاه بنفسِه، الآخذِ لغدِه مِن أمسِه، الفادي له الواقي، الساعي إليه بمائِه، المقطوعةِ يداه"(3).

النص الثامن

المخصص لابن سيده (ت 458 ه) قال: “.. دَعوا العباس بن عليٍّ

ص: 92


1- أنساب الأشراف- البلاذري - ج 2 / ص 193.
2- إعلام الورى - الطبرسي - ج 1 / ص 295.
3- المزار الكبير - المشهدي - ص 489.

أبا قِربة وسَمَّوْهُ السَّقَّاء لأخْذِه القِربة حين عطش الحسين عليه السّلام وتوجهه إلى الفرات واتَّبعه أخوتُه لأمِّه بنو علي عثمان وجعفر وعبد الله فقُتل إخوتُه قبله وجاء بالقِربة يحملُها إلى الحسين فشرب منها ثم قُتل العباس بعدُ.. "(1).

منشأ تلقيب العباس (علیه السلام) بالسقاء

لأنّه استسقى الماء لأخيه الحسين عليه السّلام يوم الطّف

السّيّد الدّاوديّ قد سقط سقطة فاضحة، حيث قال: يكنّى أبا الفضل ويلقّب السّقّاء، لأنّه استسقى الماء لأخيه الحسين عليه السّلام يوم الطّف، وقتل دون أن يبلغه إيّاه، إلى آخره.

وفي هذا الكلام غلط واشتباه. أمّا الغلط، فلأنّه زعم أنّه سمّي سقّاء لسقايته له مرّة واحدة ثمّ نفاها، وكيف يسمّى إنسان بما لميفعل، وإنّما عزم على الفعل، وهذا غلط؛ لا يسمّى الرّسول رسولا حتّى ينفذ بالرّسالة، ولا الضّارب ضاربا حتّى يقع منه الضّرب(2).

«أمّا الاشتباه» فلظنّه أنّه عليه السّلام ما استسقى إلّا عند قرب مقتله، وهذا اشتباه قطعا.

أنَّه جاء بالماء لمعسكر الحسين (علیه السلام) في ليل التاسع أو العاشر من المحرَّم

هذا وقد يُقال أنَّ منشأ تلقيب العباس (علیه السلام) بالسقَّاء هو أنَّه جاء بالماء

ص: 93


1- المخصص - ابن سِيده - ج 4 - ص 174.
2- «عمدة الطّالب» ص 323

لمعسكر الحسين (علیه السلام) في ليل التاسع أو العاشر من المحرَّم بعد أن اشتدَّ العطشُ بالحسين وأصحاب الحسين وأسرتِه الطاهرة، إلا أنَّ ذلك مستبعدٌ بل هو في غاية البُعد، فمجيءُ العباس بالماء ليلًا وإنْ كان ثابتًا وقد أرَّخ له عامَّة المؤرِّخين - تقريبًا - ممَّن تصدَّى لبيان تفاصيل واقعة الطف إلا أنَّ هذا الحدَث لا يصحُّ أنْ يكون هو منشأ تلقيب العبَّاس (علیه السلام) بالسقَّاء، فالعبَّاس لم يكن وحدَه الذي جاء بالماء في هذه الواقعة بل ذهب -كما نصَّ على ذلك المؤرِّخون- بصحبة ثلاثين فارسًا وعشرينَ راجلًا وقصدوا المشرعة واشتبك الفُرسان مع العساكر الموكَّلة بحراسة المشرعة وشاغلوهم فتمكَّن الرجَّالة وهم عشرون من اقتحام المشرعة فملأوا القِرَب ثم عاد العباسُ بمَن معه بالماء دون أن يُقتل منهم أحد.

فعمليَّة الإتيان بالماء إلى معسكر الحسين (علیه السلام) اشترك في إنجازها ثلاثون فارسًا وعشرون راجلًا فمن المُستبعد أنْ يخصَّ المؤرِّخون -خصوصًا من الفريق الآخر- العباسَ بلقبِ السقَّاء بسبب هذه العمليَّة وإنْ كان هو القائد لها، فوصولُ الماء لمعسكر الحسين وقع بجهدٍ مشترك ثم إنَّ العديد من المؤرِّخين ذكروا أنَّ العباس صار يُكنى بأبي قِربة، وهذه العمليَّة لا تُصحِّح تكنيته بأبي قِربة فهو لم يكن ممَّن حمل القِرَب ولا كان ممَّن ملأَها.

بسبب ما تميَّز به يوم عاشوراء من بسالةٍ وشدَّةٍ

فالصحيحُ بمقتضى النصوص التى نقلناها والمُعطيات والشواهدِ التأريخيَّة أنَّ تلقيب العباس (علیه السلام) بالسقَّاء إنَّما كان بسبب ما تميَّز به يوم

ص: 94

عاشوراء من بسالةٍ وشدَّةٍ في البأس مكَّنته من كشفِ المئات من الرجال عن المشرعة ثم اقتحمها غيرَ عابئٍ بالعواقبفملأ القِربة التي كان يحملُها ثم صال في الجموع التي تكاثرتْ حول المشرعة فبدَّد جمعَهم وجالدَ مَن اعترض طريقَه وكان أكثرُهم يتحاماه لعظيم بأسِه حتى تهيأ له الوصول بالماء إلى الحسين (علیه السلام) فلعمري كان مستميتًا حريصًا على الوصول وهم كانوا أحرصَ الناس على حياة.

كانت السقاية بيد العباس ليلا ونهارا حضرا وسفرا

انما كانت ليله خروجه من المدينة ان تقسيم الاشغال كما هو دئب الاكابر والاشراف والسلاطين عندما يريدون السفر وذكروا ان علي بن الحسين عليه السلام كان وكيل خروجه حين الخروج من المدينة كان الحجاج مئذنة ويلزم ركابه وهكذا وكانت السقاية بيد العباس ليلا ونهارا حضرا وسفرا خصوصا سقاية النساء والاطفال من المدينة الى حين استشهاده.

ان تسميته بالسقا كان في زمن ابيه (علیه السلام)

وقد يقال ان تسميته بالسقا كان في زمن ابيه عليه السلام على ما نقل انه كان في المسجد وعنده الحسين في عطش الحسين واستقى فاتاه العباس بالماء وهو صغير وسمي عند ذلك بالثقافة(1).

ص: 95


1- كتاب الامام الحسين عليه السلام واصحابه ص 111.

معنى دقيق لا يعرفه الأكثر

يقول العلامة الشيخ فضل علي القزويني قد سره

قوله (علیه السلام) (اغدوا بالسقا) كان يخطر ببالي سابقا انه قال ذلك مفتخرا بانه سقاء الحسين واصحابه واهل بيته وهذا فخروا له واي فخر مضافا الى انه اخوه لان من بيده السقاية في الدنيا والاخرة في سلطان الحسين في الدارين يليق له ان يفتخر على الثقلين جميع وهذا معنى دقيق لا يعرفه الأكثر.

وهنا معنى اخر وهو الظاهر بحسب الظاهر وهو انه عليه السلام في قوله اغدوا بالسقا نبههم واطلعهم على قانون عسكري اذ من القوانين الجارية في نظام العسكر بل في كل حرب ومحاربة سواء كان نظاميا جنديا عسكريا اوحربا عشائريا قوميا من العصر الجاهلي بل من اول وقوع الحرب في الدنيا الى زمانه عليه السلام ومنه الى زماننا هذا في جميع الحروب ان جماعة تستثنى من الضرب والقتل والايذاءلايعترضون بشيء اذ ليسوا محاربين منهم العريف وهو الذي يعرف الأشخاص من الطرفين ومنهم كاتب الوقائع ومنهم من جاء بالنظر والنظارة ومنهم السقاء فانهم خصوصا السقاء لايتعرضون لهم بشيء خصوصا بعد حمل الماء وعلى الأخص اذا امتنعوا من الماء وحاز السقاء الماء فكانه عليه السلام يذكرهم بانه ما جاء للحرب بل يقصد السقاية وهو معفو عنه عقلا وقانونا الا انهم لم يراعوا قوانين الجاهلية أيضا وهذا نظير قوله عليه السلام فارجعوا الى احسابكم واسلافكم ان كنتم عربا كما تزعمون(1).

ص: 96


1- كتاب الامام الحسين عليه السلام واصحابه ص 120

أبو الفضل (علیه السلام)

ص: 97

ص: 98

أبو الفضل (علیه السلام)

الفضل

هو الزيادة على ما هو اللازم المقرّر، لا مطلقا.

وبهذا اللحاظ يطلق على الخير والباقي والإحسان والشرف وترك شي ء بعد الطعام وفواضل المال.

فَالْفَضِيلَةُ: ما يزيد على ما هو اللازم الجاري. والإِفْضَالُ: هو الإعطاء زائدا على ما هو المعمول المقرّر. والمُتَفَضِّلُ: من يدّعى زيادة على ما هو المتعارف المتوقّع.

والفَضْلُ من الله تعالى: عبارة عن عطائه زائدا على ما هو اللازم المقرّر في مقام تأمين المعاش المادّى والروحانىّ.

ومن مصاديقه: الرحمة، والأجر العظيم، والرضوان منه تعالى، والعفو والمغفرة، ورفيع المقام تكوينا أو تشريعا.

ثمّ إنّ الفَضْلَ

إمّا ابتدائىّ تكوينا وفي أصل الخلقة أو بعده، وإمّا مسبوق بأمور توجد من جانب من يتعلّق به. فالفضل الابتدائىّ التكوينىّ: كما في:

ص: 99

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله ولا يخفى أنّ الفضيلة في كلّ موضوع بحسب اقتضاء المورد وبمناسبة الوظيفة المتوجّهة اليه من جانب الله عزّ وجلّ، وأمّا الاستعداد في مقام الرسالة: فهو مطلق في الجملة ومنبسط ومتّسع، فانّ الرسالة خلافة من الله تعالى في أرضه، والرسول حجّة الله على خلقه، فلا بدّ أن يتّصف بصفات الله الحميدة.

ويدلّ على اختلاف الاستعدادات باختلاف المقامات: قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، فانّ الرسل إذا كانوا مختلفين من جهة الفضيلة والاستعداد الذاتىّ، على حسب مأموريّتهم واختلاف طبقاتهم: فالاختلاف في سائر الطبقات يكون بطريق اولى. فان الفضل الإلهىّ الابتدائىّ خارج عن اختيار العبد، ولا يحصل بالطلب والتمنّى، فانّه على حسب الحكمة والتدبير واقتضاء النظم والتقدير.وأمّا الفضل الإلحاقىّ الثانوىّ: فلا بدّ من أن يكون تحقّقه في أثر الأعمال الصالحة والنيّات الخالصة والمجاهدات الحقّه المستمرّة، فللعبد أن يتوسّل الى هذه الوسائل والمقدّمات، وهذا معنى قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا)(1)... الآية.

ثمّ إنّ الفضل الثانوىّ من الله عزّ وجلّ يلحقه بحسب اقتضاء الحال وبمقتضى لسان السؤال حالا ومقالا- ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)(2).

ص: 100


1- سورة النساء: الآية 32.
2- سورة النور: الآية 32.

لا يقال إنّ الفضائل الذاتيّة الابتدائية لقوم دون آخرين توجب اعتراضا وانزجارا وسؤالا من جانب هؤلاء الّذين فضّلوا عليهم، بأن هذا على خلاف العدل واللطف والمساواة. وهذا هو الفضل الثانوىّ الإلحاقىّ والفيض المتعلّق بالناس في أثر دعوتهم وتحقّق الاقتضاء في حالاتهم: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(1).

(وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)(2).

(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ )(3).

(ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)(4).

قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(5)، الفضل هو الزائد عن الاقتصاد، و يستعمل في المحمود كما أن الفضول يستعمل في المذموم، قال الراغب: و كل عطية لا تلزم من يعطي يقال لها فضل نحو قوله: و اسألوا الله من فضله - ذلك فضل الله - ذو الفضل العظيم، و على هذا قوله: قل بفضل الله - و لو لا فضل الله انتهى.

وعلى هذا فقوله: ( إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) إن الفضل بيد الله، من قبيل الإيجاز بالقناعة بكبرى البيان القياسي، والتقدير: قل إن هذا الإنزال

ص: 101


1- سورة البقرة: الآية 268.
2- سورة النساء: الآية 113.
3- سورة آل عمران: الآية 73.
4- سورة المائدة: الآية 54.
5- سورة آل عمران: الآية 73.

والإيتاء الإلهي الذي تحتالون في تخصيصه بأنفسكمبالتظاهر على الإيمان والكفر، والإيصاد بالكتمان أمر لا نستوجبه معاشر الناس على الله تعالى بل هو من الفضل، والفضل بيد الله الذي له الملك وله الحكم فله أن يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.

ففي الكلام نفي ما يدل عليه قولهم وفعلهم من تخصيص النعمة الإلهية بأنفسهم بجميع جهاته المحتملة فإن تنعم بعض الناس بفضل الله تعالى دون البعض كتنعم اليهود بنعمة الدين والقبلة، وحرمان غيرهم إما أن يكون لأن الفضل منه تعالى يمكن أن يقع تحت تأثير الغير فيزاحم المشية الإلهية، ويحبس فضله عن جانب، ويصرفه إلى آخر، وليس كذلك فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

وإما أن يكون لأن الفضل قليل غير واف والمفضل عليهم كثيرون فيكون إيتاؤه على البعض دون البعض يحتاج إلى انضمام مرجح فيحتال إلى إقامة مرجح لتخصيص البعض الذي ينعم عليه، وليس كذلك فإن الله سبحانه واسع الفضل والمقدرة.

وإما أن يكون لأن الفضل وإن كان واسعا وبيد الله لكن يمكن أن يحتجب المفضل عليه عنه تعالى بجهل منه فلا ينال الفضل فيحتال في حجبه وستر حاله عنه تعالى حتى يحرم من فضله، وليس كذلك فإن الله سبحانه عليم لا يطرأ عليه جهل.

ص: 102

قوله تعالى: ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(1)، فلما كان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وكان واسعا عليما أمكن أن يختص بعض عباده ببعض نعمه فإن له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، وليس إذا لم يكن ممنوع التصرف في فضله وإيتائه عباده أن يجب عليه أن يؤتي كل فضله كل أحد فإن هذا أيضا نوع ممنوعية في التصرف بل له أن يختص بفضله من يشاء. و قد ختم الكلام بقوله:

(وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وهو بمنزلة التعليل لجميع المعاني السابقة فإن لازم عظمة الفضل على الإطلاق أن يكون بيده يؤتيه من يشاء، و أن يكون واسعا في فضله، و أن يكون عليما بحال عباده و ما هو اللائق بحالهم من الفضل، و أن يكون له أن يختص بفضله من يشاء.

وفي تبديل الفضل بالرحمة في قوله: يختص برحمته من يشاء، دلالة على أن الفضل وهو العطية غير الواجبة من شعب الرحمة، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (2)، وقال: ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)(3)، وقال تعالى: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ)(4).

ص: 103


1- سورة البقرة: الآية 105.
2- سورة الأعراف: الآية 156.
3- سورة النور: الآية 21.
4- سورة الإسراء: الآية 100.

بيان الشيخ محلاتي

أنّ أبا الفضل عليه السلام له جميع مكارم الأخلاق ومستجمع لجميع الفضائل التكوينيّة والتشريعيّة كثرت ألقابه ولكن أشهرها هو (قمر بني هاشم) لأنّ ضياء غرّته تضيء حالك كلّ ظلام، وجمال صورته وكمال هيئته بلغت حدّاً إلى أنّه متى ما ساير ابن أخيه عليّ الأكبر في دروب المدينة خرج العواتق من خدورهنّ وتشوّف الرجال إلهما ليشاهدوا جمال طلعتي هذين الشّابّين ويستبقوا للفوز بذلك(1).

بيان العلامة الاوردبادي

والعباس عليه السلام هو الذي اوقفهم على سنن الطريق وعلمهم جدد السبيل وسيأتي ذلك ان شاء الله فله عليهم حق التعليم وله فضائله الخاصة فهو في كل منقبة لهم جذيلها المحكك وعذيقها المرجب الى غيرها مما يدل على فضل هولاء على من تقدمهم من الشهداء والصديقين ومنهم جعفر بن ابي طالب سلام الله عليه ومهما بلغوا من الفضل فلابي الفضل منه النصيب الاوفر ولا عجب فهم في كل فضيلة كنار على علم(2).

بيان القائيني البير جندي

واما كنيته بابي الفضل اراحنا فداه معناها ملازمة الفضل ومصاحبته

ص: 104


1- فرسان الهيجاء في ترجمة على الاكبر (علیه السلام).
2- حياة ابي الفضل العباس عليه السلام ص 26.

له وفي الظاهر ان له من لبابة ابنة العباس بن عبد المطلب (الصحيح انها ابنة عبيد الله بن العباس راجع المعارف لابن قتيبة ص 96) ولدين أحدهما يسمى الفضل وبه مان يكنى والأخر عبيد الله ومنه عقبه هذا معنى كنيته في الظاهر واما فيالباطن فان جميع الفضائل والأخلاق الحسنة على النحو الاتم والاكمل اجتمعت في وجود هذا السيد المعظم ورئيس العالم(1).

بيان السيد احمد النجفي

وانقل هذا الكلام عن رجل جليل كان من اهل النظر في مايتعلق بهذا الباب وهو المرحوم السيد الزنجاني الذي كان من زمرة العاشقين والواصلين فيما يرتبط بباب الولاية ومفاد كلام هذا السيد الجليل انه ما خلا الأربعة عشر معصوما (علیهم السلام) فان كل ولي تمكن منذ ابتداء الخلق حتى انتهائه من الوصول الى احد المناصب الولائية انما تمكن من ذلك عن طريق قناة ابي الفضل العباس (علیهم السلام) كما قال ذلك الرجل الكبير نفسه انه امضى أربعة عشر سنة من حياته واقفا على عتبة ذلك العظيم في الليل والنهار والشتاء والصيف حتى فتح امامه الباب وتفضل عليبه بتعريف نفسه ولهذا نوكد ان لابي الفضل العباس (علیهم السلام) حق في اعناق اهل الولاية(2).

ص: 105


1- الكبريت الأحمر ج2 ص 324.
2- كربلاء الشهود ص 186

ص: 106

ذكر عطش الامام الحسين (علیه السلام)

ص: 107

ص: 108

ذكر عطش الامام الحسين (علیه السلام)

اشارة

روى المجلسي قدس سره ونزل المشرعة، وملأ القربة، ومدّ يده ليشرب، ذكر عطش الحسين (علیه السلام) فقال: والله لا ذقته وسيّدي الحسين عطشان(1).

هل كان العباس (علیه السلام) ناسيا فتذكر عطش الحسين (علیه السلام)

وصل إلى المشرعة وأزال عنها أربعة آلاف فارس كما نقلو ا على رأسهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ونزل إلى شاطئ الفرات هو وصف للمؤرخين والا من يعلم ماذا يختلج في نفسه (علیه السلام) إنَّ لوعة العطش لم تُنسه عطش قائده وسيده، فمنعته غيرته، ومنعه وفاؤه، ومنعته جنديته المُخلصة والخالصة عن أن يُقدّم نفسه على مولاه، فيا نفس من بعد الحسين هوني.

هل كان أبو الفضل العباس ناسيا لعطش الحسين (علیه السلام) عندما اقتحم نهر الفرات، (فتذكر) عطش الحسين (علیه السلام) لما أراد الشرب؟ وألم يكن المناسب أن يشرب الماء لكي يتقوى على قتال الأعداء؟ أو كان يجب عليه

ص: 109


1- مجلسي، جلاء العيون، / 678 - 680

الشرب لكي يحافظ على نفسه من الهلاك؟

الجواب: أصل الخبر هو ما ورد في مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي كما نقل: (.. فقال له الحسين (علیه السلام). ان عزمت فاستسق لنا ماءا، فاخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة قالوا واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش الحسين (علیه السلام) فرمى بها وقال:

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت ان تكوني

هذا الحسين وارد المنون *** وتشربين بارد المعين

هذا هو المصدر الرئيس للخبر، وقد ذكره في البحار بعنوان في بعض تأليفات اصحابنا. الموجود هو وصف المؤرخين لحالة أبي الفضل العباس وهو ليس سوى وصف ظاهري، للواقعة مندون أن يعلم الراوي عما كان يعتلج في نفس العباس حينئذ. كما أنه لم يرد ذلك في نص روائي معتبر عن المعصوم حتى يفيدنا علما بالموضوع.

يضاف إلى ذلك أن الذكر حينئذ لا يلزم منه الغفلة قبله. خصوصا وأن للذكر مراتب تتفاوت شدة وضعفا.

كما أنه يمكن على فرض صحة الوصف وكشفه عن حالة أبي الفضل سلام الله عليه، أن يقال بأن العباس الذي قد قدم لتوه من عمل عسكري ضخم حيث اخترق الصفوف حتى وصل إلى المشرعة وأزال عنها أربعة آلاف فارس - كما نقلوا - على رأسهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ونزل إلى شاطيء الفرات، وهنا قد يكون الأمر على نحو الحركة اللاشعورية التي تحدث للظاميء والعطشان عندما يرى الماء فإنه يسارع

ص: 110

إليه، في رد فعل سريع لرؤيته، ويملأ كفه، لكن مع أدنى توجه إلى تلك الحركة اللاشعورية، يقوم أبو الفضل بسكب الماء مرة أخرى ويمتنع عن الشرب.

ويا بعد ما بين الشطر الأول والشطر الثاني من السؤال، فإن الأول يستكثر على أبي الفضل تلك الحركة اللاشعورية للظاميء بينما يطالبه الشطر الثاني بأن يشرب الماء وأن يلتذ به!!

والجواب عليه: أما حكاية المحافظة على النفس، والنجاة من الموت، فلم يعلم أن أبا الفضل (علیه السلام) كان قد بلغ به العطش مبلغا يؤدي إلى إنهاء حياته حتى يجب المحافظة عليها بشرب الماء، وذلك أننا رأيناه يقاتل بعد ذلك قتال الأبطال لفترة غير قصيرة، ومن حاله هكذا لم يكن ليهلكه العطش. وأما أنه لماذا لم يشرب حتى يتقوى على قتال الأعداء، فإضافة إلى الجواب السابق، نقول هؤلاء قوم ليس مشروعهم في الحياة، البقاء، وإنما مشروعهم تقديم النموذج الايماني والأخلاقي العالي. حتى تأتي الأجيال وتقتدي بهم في إيمانها، وصمودها، ودفاعها. وإلا فما قيمة شربة ماء لن تقدم أو تؤخر في الصورة النهائية للمعركة؟ إنما قيمة الامتناع عنها هي التي تؤسس معنى في الإيثار، والأخوة لم يسبق له نظير.

إن الموقف الذي يطالب السائل هو الموقف الذي يلتزم به أكثر الناس، في هذه المواقف حيث لا يقدّمون في مضمار سباق القيم، والحاجات الشخصية إلا الثانية. لكن أهل البيت عليهم السلام ومن

ص: 111

تأثر بهم يريدون أن يرفعوا الانسان إلى سماء أخرى، ذات آفاق أرحب. لا سيما في كيفية العلاقة مع الأئمة والقادة.

1 - العجيب أن القندوزي في ينابيع المودة ج 3 قد نقل الحادثة عن أبي مخنف كما يفترض لكن مع شيء من التغيير، أنهم حفروا بئرا، فصادفتهم صخرة ثم أخرى فصادفتهم صخرة أخرى كذلك، فقال لأخيه امض قال له: "امض الى الفرات وآتينا الماء"، فقال: "سمعا وطاعة"، فضم إليه الرجال، فمنعهم جيش عمر بن سعد، فحمل عليهم العباس فقتل رجالا من الاعداء حتى كشفهم عن المشرعة، ودفعهم عنها، ونزل فملا القربة، وأخذ غرفة من الماء ليشرب فذكر عطش الحسين وأهل بيته فنفض الماء من يده وقال: "والله لا أذوق الماء وأطفاله عطاش والحسين" وأنشأ يقول... إلخ.. يقول ضم إليه الرجال مع أنه في هذه الحملة لم يكن مع الحسين غير أبي الفضل كما تذكر الروايات التاريخية، ولعل القندوزي اشتبه عليه الأمر بين الحملة الأولى التي تمت في اليوم السابع حيث كان مع العباس عدد من الرجال وانتهت بأن جلبوا الماء للمخيم،وبين الثانية التي كان فيها وحده واستشهد على إثرها.

2 - مقتل الحسين (علیه السلام)- أبو مخنف الازدي ص 179 3 - إننا نجد حتى الذين يقفون في طرف المنافسة أو العداء، لا يملكون أنفسهم من الاعجاب بمواقف أهل البيت في كربلاء، فهذا مصعب بن الزبير، كما قيل لما أراد قتال عبد الملك بن مروان، بلغ الحائر فوقف على قبر الحسين

ص: 112

فقال: يا أبا عبد الله أما والله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك، ثم قال:

وإن الألى بالطف من آل هاشم *** تآسوا فسنوا للكرام التأسيا

نقل الورع الثقة واحد عصره في الاطلاع على التاريخ والسيرة والحديث، فخر

وما خصّ العبّاس (علیه السلام) من بينهم بكونه «آثر وواسى» إلاّ لأنّ من عدا العبّاس لمّا لم يكن قد ملك الماء يوم الطفّ يكون تحمّله للعطش لنفسه، لا لمواساة الحسين عليه السلام بعطشه، ولكنّ العبّاس عليه السلام لنفوذ بصيرته وصلابة إيمانه قاسى شديد العطش وكابده لأجل المواساة لا لغيرها، فخصّ بتلك الكلمات دون غيره (نقل الورع الثقة واحد عصره في الاطلاع على التاريخ والسيرة والحديث، فخر الذاكرين، الشيخ الميرزا هادي الخراساني النجفيعن كتاب «عدّة الشهور» أنّ أمير المؤمنين عند وفاته دعا العبّاس فضمّه إليه وقبّل عينيه وأوصاه، وأخذ عليه العهد أنّه إذا ملك الماء يوم الطفّ أن لا يذوق منه قطرة وأخوه الحسين عطشان).

إن كانت على العبّاس تبعة فهي أنّه أراد شرب الماء وهمّ به، لا أنّه ترك شربه ونفضه من يده؛ لأنّ الواجب عليه وقد ملك الماء إيصاله إلى إمامه وإمام المسلمين أخيه الحسين عليه السلام ليحفظ حشاشته الشريفة، فإنّ حفظها أهمّ من حفظ كلّ نفس معصومة.

ص: 113

ولولا أنّ العبّاس علم أنّه لا يسوغ له التواني بمقدار زمان شربة غرفة من الماء بيده، لشرب الغرفة وزاد عليها، ولكنّه من صلابة إيمانه ونفوذ بصيرته في دينه كابد الظمأ المجهد ولم يتأخّر لحظة واحدة عن إيصال الماء إلى الحسين عليه السلام مقدّمة للواجب الأهم. وعلى هذا يكون قول أرباب المقاتل في العبّاس: لما اغترف من الماء غرفة ذكر عطش الحسين عليه السلام أنّه ذكر عطشه، وانّه موصى عند ذكر عطشه أن يواسيه في العطش ولا يشرب دونه.

وأخرى أنّ الإيثار المشروع لا يقف على حدّ الضرر بالنفس، كما يدلّ عليه قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)(1).

وقد جاء في حديث المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام(2) «إن ريّ الإنسان مع ظمأ أخيه المؤمن من الإجحاف بحقّه» قال عليه السلام فيه: «الخامس - يعني الحقّ الخامس من الحقوق السبعة المذكورة في الحديث - ألا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى».

عن أبي مخنف عن الجلودي أنّ الحسين عليه السلام لمّا أقحم فرسه على الفرات وولجه وغرف منه غرفة ليشرب، سمع صائح القوم يقول: «يا حسين أدرك خيمة النساء فقد هتكت» فرمى الماء من يده وخرج، فإذا الخيمة سالمة.

ص: 114


1- سورة الحشر: الآية 9.
2- «الكافي» [2: 169 حديث2]

أتراه لا يعلم سلامة الخيمة؟أم أنّ عدم انذعار النساء في الخيمة بمقدار زمان شربة غرفة من ماء بيده كان أهم من حفظ حشاشة نفسه من العطش الذي حال بينه وبين السماء كالدخان؟

فإن كان شرب الماء هو الأهم، فلماذا نفضه الحسين عليه السلام من يده إن صحّ ذلك؟ والحسين عليه السلام معصوم عند جميع الشيعة.

وإن كان الأهم عنده حفظ الخيام، بحيث لا يجوز له التأخّر والتواني بمقدار زمان شربه لغرفة ماء بيده، فإنّ ترك العبّاس عليه السلام شرب غرفة في يده لأجل الإسراع في إيصال الماء إلى الحسين عليه السلام ليحفظ نفسه المقدّسة من الظمأ أولى أن يكون هو اللازم عليه وإن أضرّ نفسه.

من كتاب أضواء على ثورة الامام الحسين (علیه السلام)

فقد يخطر في البال السؤال عمّا إذا كان الأولى بالعبّاس (علیه السلام) شُرب الماء، للتقوّي على الأعداء، ومن ثَمّ نصرة الحسين (علیه السلام)، ومن ثمّ نصرة الدين أساساً؟

إلاّ أنّه ينبغي أن يكون الجواب واضحاً بعد كلّ الذي سبقَ أن عرفناه؛ وذلك على عدّة مستويات، نذكر منها:

المستوى الأوّل: إنّه لم يكن يوجد أيّ سبب في ذلك الحين ممّا يؤدي إلى نجاة الحسين (علیه السلام) من القتل، فحتّى لو شَرب العبّاس الماء بالمقدار الذي يحتاجه جسمه أو أكثر، وتشجّع وقاتلَ أكثر ممّا قاتل، فإنّه لم يكن

ص: 115

بالممكن أن ينجو هو ولا أخوه الحسين (علیه السلام) من القتل، بل السبب لقتلهم موجود ومتحكّم لا محالة.

المستوى الثاني: إنّه وجدَ من الخيانة لأخيه وذويه أن يكون ريّاناً بالماء وهم عطاشا، وهذا ما يُصرّح به التاريخ، وقد نطقَ به الشعر الذي نقلناه عنه بصراحة، وهو أدب إسلامي عالي أمام الله سبحانه، ومن هنا قال: (تالله ما هذا فعال ديني).

المستوى الثالث: إنّه شعرَ بتكليفه في ذلك الحين بوجوب الإعراض عن شُرب الماء وأطاع تكليفه ذاك، وهذا الشعور يكون بأحد أساليب: إمّا بالإلهام، أو بالرواية عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، أو عن فاطمة الزهراء (علیه السلام)، كما نُقل في بعض الروايات

المستوى الرابع: إنّه (علیه السلام) أراد أن يموت عطشاناً عَمداً أمام الله سبحانه؛ لأنّ ذلك أكثر أجراً وأعلى مقاماً، ومن هذا القبيل ما رويَ عن أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) عندما دُعي إلى مأدبة، فأكلَ ثلاث لقمفقط ثمّ سحبَ يده، فقال له ابن عبّاس: هلاّ أكلتَ يا أمير المؤمنين؟ فقال: (إن هي إلاّ ثلاث وأريد أن ألقى ربّي خميصاً إذاً فكان أمير المؤمنين يريد أن يلقى الله جوعاناً، فكذلك ابنه العبّاس يريد أن يلقى الله عطشاناً.

وينبغي أن نلتفت أنّ المستوى الأوّل هو الأهمّ فقهيّاً، وهو الذي فتحَ الباب للعبّاس (علیه السلام) إلى أحد المستويات الثلاثة الأخرى؛ لوضوح أنّ شرب الماء لو كان سبباً للنجاة كان واجباً، ولا تقوم أمامه المستويات الأخرى إطلاقاً، إلاّ أنّنا عرفنا أنّه لا يُحتمل فيه ذلك.

ص: 116

رأى العباسّ (علیه السلام) إنّ وجود الحسين (علیه السلام) أولى من وجوده في كل الأُمور حتى أنّه لما ملك المشرعة لم يشرب الماء قبل أخيه الحسين عليه السلام

إيثار العباس للحسين (علیهم السلام) بالنوعين معاً فإنه آثره بنفسه وعلى نفسه:أما إيثاره بنفسه فمستبين من تضحية نفسه أمامه وقد صرحت بهذا أشعاره التي منها:

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا

*** *** ***

وأما إيثاره للحسين «عليه السلام» على نفسه فذاك حين رمى الماء من يده وقال: لا ذقت الماء وابن رسول الله عطشان مع كونه قد أشرف على التلف من الظمأ وقد نطقت بذلك أشعاره كقوله:

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني

هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين

قد صرح (علیه السلام) في هذا الشعر أنه آثر أخاه الحسين عليه السلام ليس على سبيل الأرتكاز الجبلي لا بداعي الطبع الفطري ولا طاوع فيه الخلق الغريزي وإنما كان ذلك عن فقه في الدين وعلم بما للمؤثر على نفسه من عظيم الأجر وبالأخص إذا كان الإيثار للإمام المفترض الطاعة وذلك حيث يقول فيه:

وليس هذا من شعار ديني *** ولا فعال صادق اليقين

ص: 117

المطهم فرس العباس (علیه السلام) لم يذق الماء

يقول حبيب الله الكاشاني في تذكرة الشهداء وفي بعض الكتب ان جواد ابي الفضل العباس لما راى العباس رمي بالماء ولم يشرب رفع راسه ولم يشرب هو أيضا(1).

ص: 118


1- تذكرة الشهداء ص 319.

مقتله (علیه السلام)

حديث الشهادة

ص: 119

ص: 120

مقتله (علیه السلام) حديث الشهادة

فصيّرنا جلده كالقنفذ

في رواية عبد الله الأهوازيّ، عن جدّه، قال إسحاق بن جثوه (لعنه الله): لمّا أقبل العبّاس - والجواد خلفه - فثوّرنا عليه النّبال كالجراد الطّاير، فصيّرنا جلده كالقنفذ. ونرجع إلى ما كنّا فيه. قال: فحمل عليهم العبّاس، فتفرّقوا عنه هاربين كما يتفرّق عن الذّئب الغنم(1).

وأخذ السّيف بفمه

ثمّ صعد المشرعة، فأخذه النّبل من كلّ مكان حتّى صار جلده كالقنفذ من كثرته، فحمل عليه رجل من القوم، فضربه ضربة قطع بها يمينه، فأخذ السّيف بشماله، فحلّ عليه آخر، فقطعها، فانكبّ، وأخذ السّيف بفمه، فحمل عليه رجل، فضربه بعمود من حديد على رأسه، ففلق هامته، فوقع على الأرض، وهو ينادي: يا أبا عبد الله! عليك منّي

ص: 121


1- موسوعة الامام الحسين (عليه السلام)، ج 4، ص: 246

السّلام. فلمّا رأى الحسين أخاه وقد انصرع، صرخ: وا أخاه! وا عبّاساه!

وا مهجة قلباه! يعزّ والله عليّ فراقك(1).

فحمل عليه السّلام القربة بأسنانه، وجعل يركض ليوصل الماء

أضاف في الدّمعة السّاكبة: «قال: فحمل عليه السّلام القربة بأسنانه، وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاش أهل البيت، فجاءه سهم، فأصاب القربة، وأريق مائها، ثمّ جاء سهم آخر، فأصاب صدره، فانقلب عن فرسه، وصاح إلى أخيه الحسين (علیه السلام): أدركني(2).

ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره

وملأ القربة وحملها على كتفه الايمن، وتوجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب، فحاربهم حتى ضربه نوفل الازرق على يده اليمنى فقطعها، فحمل القربة على كتفه الايسر فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند، فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة واريق ماؤها، ثم جاءه سهم آخر فاصاب صدره، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين: أدركني، فلما أتاه رآه صريعا فبكى وحمله إلى الخيمة(3).

ص: 122


1- الطّريحي، المنتخب، 2/ 441 - 443.
2- الطّريحي، المنتخب، 2/ 441 - 443.
3- الدمعة الساكبة 4: 322.

وقطعوا يديه ورجليه حنقا عليه

وكان الّذي ولي قتل العبّاس بن عليّ يومئذ يزيد بن زياد الحنفيّ، وأخذ سلبه حكيم ابن طفيل الطّائيّ، وقيل: إنّه شرك في قتله يزيد. وكان بعد أن قتل إخوته عبد الله وعثمان وجعفر معه قاصدين الماء. ويرجع وحده بالقربة، فيحمل على أصحاب عبيد الله بن زياد الحائلين دون الماء. فيقتل منهم، و يضرب فيهم حتّى يتفرّجوا عن الماء، فيأتي الفرات، فيملأ القربة، و يحملها، و يأتي بها الحسين عليه السّلام و أصحابه، فيسقيهم حتّى تكاثروا عليه، و أوهنته الجراح من النّبل، فقتلوه كذلك بين الفرات و السّرادق، و هو يحمل الماء، و ثمّ قبره رحمه الله. وقطعوا يديه ورجليه حنقا عليه(1).

يقول الشيخ علي الرباني الخلخالي: ولربما كان قطع رجلي العباس عليه السلام ليمنعوه عن إيصال الماء؛ لأنه (علیه السلام) ترك فرسه وسارع يركض برجليه، إضافة إلى حنقهم لعنهم الله. فعند ذلك أمنوا سطوته وتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة(2).

وحملوا عليه بالرماح حملة واحدة حتّى قطّعوا لحم أعضائه

إنّ ظاهر بعض الأخبار تفيد أنّ کثرة الجراحات في بدن المظلوم

ص: 123


1- القاضي النّعمان، شرح الأخبار، 3/ 191 – 194.
2- ام البنين عليها السلام النجم الساطع في مدينة النبي الأمين 117.

جعلَته أشلاء بحيث لا يمکن نقله، فقد رُوي عن محمّد بن أنس أنّه قال: کنتُ عند الإمام الحسين حين ارتفع صوت العبّاس مستغيثاً: يا أخي، أدرِکْ أخاک! فلمّا سمع الإمام صوت أخيه الحنون بکي، فلمّا رأيتُ بکاء الحسين وسمعتُ صوت العبّاس سارعتُ إلى الموضع، فرأيت العبّاس مرمَّلاً بالدماء مقطَّع الأعضاء، قد حلّقت روحه المقدّسه إلي جنان الخلد، فألقيتُ نفسي علي بدنه المضرّج بالدماء، وارتفع منّي العويل واشتدّ البکاء، فبينا أنا کذلک إذ رأيتُ جماعهً من الفرسان والرجّاله أحاطوا بالبدن المقدّس الغارق بالدم، وحملوا عليه بالرماح حملهً واحدهً حتّي قطّعوا لحم أعضائه إرباً إرباً(1).

كل قطعة من بدنه على راس رمح ورفعوه

فلما سمع الامام المظلوم صوت اخيه المحروم ركض اليه راجلا وروي انه ركب ذا الجناح وقصد الفرات فلما رأى العسكر الحسين عليه السلام مقبل الى اخيه احاطوا بالعباس وجعلوا يضربونه بالسيوف ويضربونه بالسيوف ويطعنونه بالرماح حتى قطعوه اربا اربا وجعلوا كل قطعة من بدنه على راس رمح ورفعوه(2).

ص: 124


1- روضه الشهداء للکاشفي: 336.
2- تذكرة الشهداء ص 328

عمدُ الحديد

ص: 125

ص: 126

عمدُ الحديد

ممن ضرب بعمود من حديد في يوم عاشوراء

أم وهب بن عبد الله الكلبي

قال ابن الأثير لما رجع ابن جابر لعنه الله إلى زوجته قالت له أعنت على ابن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء لا كلمتك بعدها أبدا.

ثم خرج وهب بن عبد الله الكلبي وكانت معه أمه وزوجته. ويظهر من ان في أصحاب الحسين (علیه السلام) رجل آخر يسمى وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم على يد الحسين (علیه السلام) في الطريق. وكانت أم وهب تحثه على القتال وتقول له قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله فاستأذن الحسين (علیه السلام) وانحدر إلى المعركة وقاتل حتى قتل جماعة ورجع إلى أمه. وقال: أرضيت يا أماه فقالت: لا أرضى حتى تقتل بين يدي أبي عبد الله. فرجع من فوره وقتل تسعة عشر فارسا واثني عشر راجلا. وفي ناسخ التواريخ: انهم قطعوا يمينه فصار يقاتل بشماله فقطعوا شماله فأخذت زوجته عمودا من حديد وانحدرت إلى المعركة تقاتل فقال: الآن كنت تنهينني عن القتال وتقولين لي لا تفجعني بنفسك فما بدا لك؟ فقالت سمعت من الحسين (علیه السلام) كلامات قطع نياط جناني وهد اركاني ورغبت معه عن الحياة. سمعته ينادي وا غربتاه وا قلة ناصراه وا وحدتاه. أما من

ص: 127

مجير يجيرنا أما من ذاب يذب عنا. وسمعت أصوات نسائه قد ارتفعت بالبكاء في الخيمة وخرجت لأقتل معك وأنال السعادة.

يقول صاحب الناسخ: ولما لم تكن له يد ان عض بأسنانه على ثيابها ليرجعها إلى الخيمة فافلتت نفسها منه وعادت إلى الحرب فاستغاث وهب بالحسين (علیه السلام) فقال جزيتم من أهل بيت خيرا ارجعي إلى النساء بارك الله فيك فانه ليس عليكن قتال ولم يزل بها حتى أرجعها فوقفت تنظر ما يكون من زوجها حتى قتل فجاءت وجعلت تخضب شعرها بدمه وتمسح جبينها بنحره فأمر الشمر لعنه الله غلاما له يقال له رستم فضربها بعمود من حديد فصرعت إلى جنب زوجها رحمة الله عليهما.

قال: وهي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين (علیه السلام) ويظهر من هذا انه قتل في عسكره (علیه السلام) عدة نساء.وحمل جسد وهب إلى ابن سعد فجعل ينظر إليه ويقول ما اشد صولتك وأمر فقطع رأسه ورمى به إلى معسكر الحسين فآخذته أمه وجعلت تمسح الدم والتراب عنه وتقول الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي أبي عبد الله (علیه السلام) ثم قالت: الحكم لله يا أمة السوء. ان النصارى في كنائسها واليهود في بيعها لخير منكم، ثم رمت برأس ولدها عسكر ابن سعد.

ص: 128

يقول صاحب الناسخ: فمن عجيب الاتفاق انه أصاب صدر قاتل وهب فقتله. ثم أخذت عمود خيمة وتوجهت إلى المعركة فقتلت نفرين وجاء الحسين (علیه السلام) وردها إلى الخيمة(1).

علي الأكبر (علیه السلام)

وبرز من بعده عليّ بن الحسين، وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ *** نحن وبيت الله أولى بالنّبيّ

أضربكم بالسّيف حتّى يفلل *** ضرب غلام هاشميّ بطل

أطعنكم بالرّمح وسط القسطل

قال: وحمل على القوم المارقين، ولم يزل يقاتل حتّى قتل مائة وثمانين فارسا، فكمن له لعون، فضربه بعمود من حديد على أمّ رأسه، فانجدل صريعا إلى الأرض، واستوى جالسا، وهو ينادي: يا أبتاه! عليك منّي السّلام، فهذا جدّي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهذا أبي عليّ (علیه السلام)، وهذه جدّتي فاطمة، و هم يقولون لك: العجل، العجل، و هم مشتاقون إليك و قضى نحبه (علیه السلام)(2).

ص: 129


1- مقتل الحسين (ع) كاشف الغطاء رحمه الله ص 35.
2- موسوعة الامام الحسين (عليه السلام)، ج 4، ص: 34.

العباس (علیه السلام)

إن حكيم بن الطفيل ضربه بعمود من حديد على رأسه(1).قال ابن شهر آشوب: فقاتَلَ حتّى ضَعُفَ، فكَمَنَ لهُ حُكَيْمُ بن الطُفَيْل الطائِيّ من وراء نخلةٍ، فضَرَبَهُ على شِمالِهِ، فقالَ:

يا نَفْسُ، لا تَخْشَيْ منَ الكُفّارِ *** وأَبْشِرِيْ بِرَحْمَةِ الجَبّارِ

معَ النَّبِيّ المُصْطَفَى المُخْتارِ *** قدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسارِيْ

فَأَصْلِهِمْ يا رَبِّ حَرَّ النارِ *** فقتله الملعُون بعمود الحديد(2)

وقال السماويّ: فحمل عليه رجلٌ تميميٌّ من أبان بن دارم، فضربه بعمودٍ على رأسه، فخرّ صريعاً على الأرض. ونادى بأعلى صوته: «أدركني، يا أخي».

يقول حسين بن الشيخ علي الفرطوسي الحويزي

ومن تأدبه لم يكن يخاطب الحسين (علیه السلام) الا ويقول ياسيدي يا ابا عبد الله يابن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وما كان يخاطبه بالأخوة قيل في مدة عمره الامرة واحدة خاطب الحسين (علیه السلام) بالاخوة، فقط الساعة التي ضربوه بعمود من حديد ناداه ادركني يا اخي(3).

ص: 130


1- البحار ج 45 ص 40 و41 وينابيع المودة ج 3 ص 68 والعوالم ص 283 وعن المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 256 ونور العين في مشهد الحسين ص 41 و42 وإبصار العين في أنصار الحسين ص 62 والعوالم (الإمام الحسين عليه السلام).
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 - الصفحة 40.
3- مناهج البكاء فى فجائع كربلاء ص 137.

فاجعة: فاعتوره الرجّالةُ برماحهم فقتلُوه

وقال أبو العَبّاس الحَسَنيّ في ذكر آخر من قُتِلَ من أهل البيت عليهم السلام مع الحسين: ثمّ العَبّاس بن علي بن أبي طالب، وكان يُقاتلُ قتالاً شديداً، فاعتوره الرجّالةُ برماحهم فقتلُوه، فبقي الحسين عليه السلام وحدَهُ ليسَ معهُ أَحَدٌ(1).

جاء في القاموس الفقهي:

اعتور القوم الشيء: تداولوه فيما بينهم، وقال غيره: اعتورته السيوف فخلطت أجزاءه، أي: تناولته من كل جهة. ف الاعتراء فهو ما يصيب الشيء فيصيره من الحال التي هو فيها إلى ما هو أسوء.

حكيم بن طفيل الطّائيّ سلب العبّاس بن عليّ ثيابه

وكان حكيم بن طفيل الطّائيّ سلب العبّاس بن عليّ ثيابه، ورمى الحسين بسهم، فكان يقول: تعلّق سهمي بسرباله وما ضرّه.فبعث إليه عبد الله بن كامل، فأخذه، فاستغاث أهله بعدي بن حاتم، فكلّم فيه ابن كامل فقال: أمره إلى الأمير المختار، وبادر به إلى المختار قبل شفاعة ابن حاتم له إلى المختار، فأمر به المختار فعرّي، ورمي بالسّهام حتّى مات(2).

ص: 131


1- المصابيح (ص (331.
2- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6/ 407

ص: 132

مجيء الامام الحسين (علیه السلام) ساعة مقتله

ص: 133

ص: 134

مجيء الامام الحسين (علیه السلام) ساعة مقتله

ركب فرسه وانقض على الأعداء

فلمّا سمع سيد الشهداء (علیه السلام) صوت المقتول المظلوم رکب فرسه وانقض على الأعداء ففرقهم عنه، فرآه مقطوع اليدين، مفضوخ الرأس، مفلوق الهامة، مرمّلاً بالدماء، فبکي بکاءا شديدا وقال: الآن انکسر ظهري وقلّت حيلتي(1).

واأخاه وا عباساه وا مهجه قلباه

فلمّا رأي الحسين عليه السلام أخاه وقد انصرع صرخ: وا أخاه وا عباساه وا مهجه قلباه، يعزّ والله عليّ فراقک، ثم حمل على القوم وکشفهم عنه، ثم نزل اليه فحمله على ظهر جواده، وأقبل به الي الخيمه، فطرحه وهو يبکي حتى أغمي عليه(2).

فأخذهما وجعل يمسحهما على وجهه ويقبلهما

لما سمع الحسين (علیه السلام) صوت العباس حمل على القوم وهم يفرون بين

ص: 135


1- بحار الأنوار: 45/ 42.
2- المنتخب: 2/ 430.

يديه وهو يقول الى اين تفرون وقد قتلتم اخي وكسرتم ظهري فقتل منهم جماعة وفرقهم ونادى اين انت يا اخي؟

فوقف ذو الجناح ولم ينبعث خطوة واحدة فنظر الامام وإذا بكفي ابي الفضل العباس على الأرض فنزل الحسين (علیه السلام) فاخذ هما وجعل يمسحهما على وجهه ويقبلهما وقال لقد قتلوا اخي. فركب مرة اخرى وهو ينادي اخي عباس فمضى قليلا ثم توقف ذو الجناح ثانيه فنظر وإذا بالقربة ممزقه وهي على الأرض فبكى ومضى حتى وصل الى الفرات فرأى أخاه مقطع عن اربا اربا(1).

فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التّراب

أخذ الحسين (علیه السلام) رأسه، و وضعه في حجره، و جعل يمسح الدّم عن عينيه، فرآه و هو يبكي، فقال الحسين (علیه السلام) ما يبكيك يا أبا الفضل؟ قال: أخي، يا نور عيني، و كيف لا أبكي و مثلك الآن جئتني و أخذت رأسي عن التّراب، فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التّراب و من يمسح التّراب عن وجهك و كان الحسين (علیه السلام) جالسا، إذ شهق العبّاس شهقة، و فارقت روحه الطّيّبة، و صاح الحسين (علیه السلام) وا أخاه، وا عبّاساه(2).

ص: 136


1- أمواج البكاء ص 106.
2- المازندراني، معالي السّبطين، 1/ 441 - مثله الزّنجاني، وسيلة الدّارين، / 273 - 274.

الإمام الحسين (علیه السلام) يأخذ برأس أبي الفضل (علیه السلام)

لما وصل الحسين إلى أخيه أبي الفضل نزل عنده، اخذ رأسه، تركه في حجره، ثم جعل ينظر إلى يديه القطيعتين، ورأسه المفلوق بعمود من حديد، وجسده الذي تناثر لحمه، من ضرب السيوف، وطعن الرماح، ورمي السهام وهو يبكي وينادي: وا أخاه، فأحس العباس بحركة عند رأسه، فظن أن رجلا من الأعداء يريد حز رأسه، فقال بالله عليك أمهلني حتى يأتي إلى ابن والدي، فقال الحسين عليه السلام: أخي عباس أنا أخوك الحسين. فرفع العباس رأسه، ووضعه على التراب، فأخذ الحسين ووضعه في حجره، قم رفع العباس رأسه ووضعه على التراب، ثم أخذ الحسين رأس العباس ووضعه في حجرة وعاد العباس فرفعه ثالثة ووضعه على التراب، قال الحسين: أخي عباس لماذا تصنع هكذا؟ قال: أخي يا نور عيني كيف لا أصنع هكذا؟ وأنت الآن جئتني وأخذت برأسي. ولكن بعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب؟ ومن يمسح التراب عن وجهك(1).

وفي مصدر اخر

أخذ الحسين (علیه السلام) ... رأسه ووضعه في حجره، وجعل يمسح الدم عن عينيه، فرآه وهو يبكي. فقال الحسين (علیه السلام): ما يبكيك يا أبا الفضل؟. قال: يا

ص: 137


1- معالي السبطين ج 1 ص 450.

نور عيني، وكيف لا أبكي ومثلك الآن جئتني وأخذت رأسي،فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب، ومن يمسح التراب عن وجهك!(1).

تأثير شهادة العباس على الامام الحسين أعظم من شهادة جميع الانصار

كانت تاثير شهاده العباس على الامام الحسين اعظم من شهاده جميع الانصار وذلك ان الامام تذكر حنانه ومحبته وفداه من قبيل تقديم ابي الفضل اخوته من امه الواحد تلو الاخر امامه الى ميدان الحرب ثم انه بقي حتى صك سمعه مع استغاثة الصبية والنساء وصراخهن وهن ينادين العطش العطش فحمل قربته متسعجلا واقدم الى الميدان مسرعا والعطش قد احرق كبده حتى صار كصالية الغضا فرفع كفا من الماء ليشرب فتذكر عطش الحسين واهل بيته فرمى الماء وجد وبذل غاية المجهود ليوصل الماء الى تلك الخيام ليروي غليله الصبية والايتام حتى قطعت يداه فاخذ القربة باسنانه وساق فرسه ودافع العدو ليوصل الماء الى تلك الاكباد الحرى.

فكانت هذه الصوره تطوف في خاطر الامام فيبكي ويندب اخاه وقد اشتد به الوجد على اخيه حتى اغمي عليه من شده الالم وقد زادت شهاده العباس من وحده الامام الغريب وراكمت عليه الهموم والغموم حتى صاح الان انكسر ظهري وقلت حيلتي(2).

ص: 138


1- (الفاجعة العظمى) للسيد عبد الحسين الموسوي، ص 146:
2- مخزن البكاء للبرغاني ج 2 ص 296

ما هو السبب في عدم حمل العباس (علیه السلام) للمخيم

ص: 139

ص: 140

ما هو السبب في عدم حمل العباس (علیه السلام) للمخيم

اشارة

أقول: المعروف عند أرباب المقاتل: أنّ الحسين (علیه السلام) ترك أخاه العبّاس في مكانه حول المسنّاة، و قام عنه بعدما فاضت نفسه الزّكيّة، و لم يحمله إلى الفسطاط الّذي كان يحمل القتلى من أهل بيته و أصحابه إليه.

لأنّ الأعداء قطّعوه بسيوفهم إربا إربا

ولعلّ السرّ في ذلك - كما ذكره بعض الأكابر- كثرة ما أصاب العبّاس عليه السّلام من الجراحات لأنّ الأعداء قطّعوه بسيوفهم إربا إربا.

ويؤيّد ذلك ما ذكره بعض أرباب المقاتل: من أنّ السّجّاد (علیه السلام) حينما جاء القتلى في اليوم الثّالث عشر من المحرّم، ذكر له بنو أسد بعد دفن القتلى بطلا مطروحا حول المسنّاة كلّما حملوا منه جانبا سقط الآخر من كثرة الجراحات.

أو لعلّ السّرّ في ذلك: أنّ العبّاس (علیه السلام)، حيث كان آخر من قتل من أصحاب الحسين وأهل بيته - على ما هو التّحقيق -، فهدّ مقتله الحسين وقصم ظهره، ولم يكن عنده من يعينه ويساعده على حمله إلى المخيّم، ولم

ص: 141

يستطع حمله بنفسه المقدّسة، فإنّهم ذكروا، أنّه قام من عنده محنيّ الظّهر منكسرا حزينا:

هوى فوقه رمحا فقام صفيحة *** تثلّم منها حدّها وغرارها

فهل تركت تلك المصائب العظام الّتي أصيب بها سيّد الشّهداء يوم الطّفّ: من فقد أحبّته وأنصاره وأهل بيته وفلذة كبده شبيه جدّه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و عويل عياله و صراخ أطفاله و همّه و غمّه و تفكيره فيما سيجري بعد قتله على عقائل الرّسالة و بنات الزّهراء، من الذّلّ و الأسر و السّبي من بلد إلى بلد و من مجلس إلى آخر، و قد تركهنّ بلا محام و لا كفيل، غير مضنى، عليل يكابد ألم السّقم و جور الأعداء.فهل تركت له هذه المصائب الّتي بعضها يهدّ الجبال الرّواسي قامة معتدلة و طاقة يستطيع بهما حمل الجثمان الطّاهر إلى المخيّم؟

قد عجبت من صبره الأملاك *** و لا يحيط وصفه الإدراك

أو لعلّ السّرّ في ذلك - كما يقول بعض أرباب المقاتل -: أنّ العبّاس عليه السّلام هو الّذي طلب من أخيه الحسين إبقاءه في مكانه. فقد ذكروا: أنّ الحسين (علیه السلام) حينما أقبل إلى أخيه العبّاس، و وجد فيه رمق الحياة، انحنى عليه و أراد حمله إلى المخيّم.

فأحسّ العبّاس بأخيه و علم ماذا يريد؟ فقال له: يا أخي، إلى أين تريد حملي؟

قال الحسين: أريد حملك إلى المخيّم.

ص: 142

فقال العبّاس: يا أخي بحقّ جدّك رسول الله صلّى الله عليه و اله و سلّم عليك أن لا تحملني، و دعني في مكاني هذا؟

فقال الحسين: لماذا يا أخي؟

قال العبّاس: لأنّي مستح من ابنتك سكينة، و قد وعدتها بالماء و لم آت به. فتركه الحسين في مكانه(1).

من المعلوم ان مرقد أبي الفضل العباس (علیه السلام) يبعد عن مرقد أخيه سيد الشهداء الإمام الحسين (علیه السلام) مايقرب من ثلاثمائة وخمسين مترا تقريبا. السؤال ما هو السر في استقلال مرقد أبي الفضل (علیه السلام) عن باقي الشهداء؟

السر في ابقائه

حيث سقط ان الحسين عليه السلام لم يحمل العباس عليه السلام الى خيمه الشهداء كم حمل اليها بقيه الشهداء من اصحابه واهل بيته لانه عليه السلام نصب خيمه في وسط المعركه يحمل اليها كل من استشهد من اصحابه واهل بيته وربما افردها من المخيم وجعلها وسط لدواعي عديدة منها.

الداعي الاول

الداعي الحفاظي وذلك انه عليه السلام من لباب ارباب الحفاظ

ص: 143


1- موسوعة الامام الحسين (عليه السلام)، ج 9، ص: 450.

والشيم وساده ارباب االغير والحميه الذين يغارون على الحرم و يغالون في صونها بذل المجهود وبكل ما في وسع الجهود وفي جيشه نساء مخدرة و عقائل محترمه مصونه بصيانه الجلاله و العظمه ومستوره بستر الاحترام والتجله مرخا عليها رواق الحشمه والعظمه والمراءه مهما كانت محتفظة بوقارها مبالغه في التمسك بسترها اذا رات بعينها فقيدا عزيزا تنذهل وقد يغلبها الجزع لعظم العظم الصدمه فربما يصعب والممارسه الوقار التام والاحتشام الكامل وربما ينكشف وجهها فان المذهول المندهش لخوف شديدا او لصدمة جائحة ممضة لايتحفظ كما في انات الامن والسرور وقد قال الربيع بن زياد احد بني عبس ورئيسهم في الجاهليه في رثاء مالك بن زهير العبسي لما قتلته فزارة:

من كان مسرورا بمقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار

يجد النساء حواسرا يلطمن دفنه *** يلطمن اوجههن بالاسحار

فمحافظه على هذا المقاصد العليا والغايات الشريفة ابعد اشخاص الشهداء عن اعين العقائل فالحسين عليه السلام حافظ تمام المحافظه على عدم عدم ازعاج العقائل من خدورهن كي لا تصاب لمذهوله غره وتنال من مدعورة غفله بسقوط حمار او رفع برقع او كشف النقاب عن وجهي محجبه لازاله تصونه النبوه بقداستها ويستره الوحي بجلاله فلم يحمل اخاه العباس عليه السلام الى هذه القيمه التي تجمع الشهداء من أنصاره واهل بيته التي يغير بعيده عن المخيم الحسيني ولا نائية عن اخبية النساء.

ص: 144

الداعي الثاني

راعى في ابقاء العباس عليه السلام في موضوع سقوط غير ما ذكرنا امورا اخرى تشف لمتاملها عن عظمه شانه وترمز الى شموخ محله وسموه منصبه اذ انه عنوان الفضائل ورمز الجلاله انه عليه السلام قصد بذلك اظهار فضيلته المستقبله وابان جلالته في الاجيال الاتية ليعرف قدره ويستبين تفوقه الذي يلتئم مع شخصيته الفذة ويتفق مع اهليته فاحب لذلك ان يبقى هناك يدفن في موضعه حتى يكون له قبر مشيد بانفراده و وعلم ظاهر ومرقدمشهور فيمتاز بعد وفاته كما امتاز في حياته وليبقى ذاك القبر المقدس والضريح المتسامي للضراح والقبه السامقه تفاخر نجوم الثريا شموخا وارتقاء ويبقى ذاك المرقد المنيف مقصد العدو الذي يسميه الامام العباس عليه السلام والولي الذي يسمى قاضي الحاجات على السواء و ليخضع على الجريء في عتابه فيقول بعاميته الترهب بيبانه هذا سر الواضح يتجلى لنا نوره متئلقا.

الداعي الثالث

انه عليه السلام حين صرع اخوه العباس عليه السلام لم يبقى معه احد من انصاره واهل بيته من يحمله فان العباس عليه السلام كان بطلا ممتازا بالجسامه ومعروف بالضخامه فيحتاج الى من يحمله ليحامي عن الحسين عليه السلام ويدفع عنه الاعداء فانه لو حمله هو بنفسه ما وجد

ص: 145

له من يحمي ظهره من العدو الغادر الذي يتحين الفرص في قتله ويتحرى الوصول الى القضاء عليه بكل ما امكنه من جهود وحيث لا حي في الخيام ممن له قابليه الدفاع لانه قتلوه وجرحوا جراحات تمنعهم من الجلاد فاذا ليس الامام العليل (علیه السلام) الذي اسقط عنه الدفاع عدم التمكن من القيام وعدم الاسقلال بالنهوض وحده الا متوكئا على شيء او معنمدا على انسان ومن كان بهذه الصفة لايستطيع ان يحمي ظهر المحارب الذي شغل بالحمل عن الحملة وهنالك صبيه صغار ونسوه مذاعير فلا مجال لحمله عليه السلام ولم تسنح فرصه لنقله.

الداعي الرابع

ان الحسين عليه السلام لما وصل الى اخيه العباس عليه السلام عقيب عقيب ندائه ادركني يا اخي وشقه اليه الصفوف العدوانيه المتكد سه على مصراعيه شقا وصدع جموعها بجولته الفاه باخر رمق من الحياه يا كاد ان يلفظ اخر نفسه له وما كلمه تلك الكلمات الوجيزة الحارة اللاذعه الا ولفض مع اخرها روحه الزكيه وختم بها حياته الطيبه ولا معنى لحمل من حضرة الموت الذي لابد منه مع ان الغرض الذي يحمل من اجله الشهداء وهو الخوف من ان يجهز العدو على الجريح قد زال بوفاته فابقاه في موقعه.

ص: 146

الداعي الخامس

ان في المخيم من نساء واطفال وجرحه في خيمة القتله كانوا جميعا غير مرتاحين ولا مزعجين وحياه العباس عليه السلام قائمه واثقين شبحه قائما في المعركه يجلد الاعداء فهم في منعه واملهم وطيدا بانه سيدفع عنهم التعديات العدوانيه وانه يقوم بالدفاع المشترك مع أخيه الحسين عليه السلام والتعاون معه وبذلك الدفاع الثنائي من الاخوين سيكون المخيم كاعرينة الليث وسيبقى المنزل العائلي كغابة الاسود امامه السباع الضواري ومادامت الاسود تهدر والنمور نزأر لاتدنوا الوحوش فلا تقترب الذئاب الساغبه فيها فاذا هذا الصوت الاسد الصاخب من ناحيه اقتحامها الذئب المخاثل هذا ويرون ان حياة الحسين عليه السلام مظمونة بظمان السلامة ماقام ابو الفضل عليه السلام ينافح عنه ويكافح دونه وقد جعل نفسه وقاية له و حياته فداء لحياته فاذا حمله الى الخيمة فانهم ولا شك اذا راوا قتيلا يرتاعون اشد الارتياع ويندهشون اعظم الاندهاش و يخالجهم الرعب والذعر الذي لايخالجهم وشخصه بالوجود ويحسبون لقتل الحسين عليه السلام الف حساب وقد عقدوا فيه امالهم.

فاذا قتل العباس (علیه السلام) فانه سيتقتل ويستهدف للاعداء ويصحر لهم وقد فقد المحامي والمدافع لا ريب في ذلك لانه مطلوب اهل الكوفة والغايه المقصودة من تحشهدهم وقد فتحت الثغرة بقتل العباس عليه السلام ولاحت الثلمة في الحصن لرامقها فترك العباس عليه السلام في

ص: 147

موضوع سقوطه متعين لهذه المصلحه الحربيه والحسين عليه السلام معروفة مهاراته الحربية وخبرته بفنون القتال فهو القائد المحنك والزعيم المجرب فابقاه الفقيد العزير اقرب للمصطلحة الحربيه من تهايج النساء المذعورة وهيجان الصبية المرعوبة فان ازعاجها وقلقها يزعج راحت قلب الغيور ويغلقه.

الداعي السادس

ان بعض اهل المقاتل يصرح ان العباس عليه السلام أحب ذلك واختاره لامرين

أحدهما: ما ذكرنا في نزول الموت به

وثانيهما:الاستحياء من الوعد الذي قطعه لسكينه عليه السلام باحضار الماء لها ولم ياته به لحيلولة الاقدار دون ذلك فاقسم علىاخيه الحسين عليه السلام بحرمة جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان يدعه في مكان ولاخفاء ان خلف الوعد ولو كان لسبب قهري صعب عند ذوي الشهامه والمرؤة والاعتذار عسير عند صاحب الاباء والحفيظة ونفس العباس عليه السلام الحره وشعوره الحي ويقظته الوقادة تأبى ان تتوسم في ملامحه او ترتسم في اساريره غرته الغراء اثار الخلف وعدم الوفاء بالموعود ولو كان بغير اختيار لغلبة الاقدار وحيلولة القضاء بينه وبين مبتغاه وعرقلة المنية لنجاح مسعاه و الفوز والظفر بموعوده وهنا يقول اليزدي في مصائب المعصومين عليهم

ص: 148

السلام روي في بعض المقاتل انه لما رأى الحسين عليه السلام اخاه العباس عليه السلام قد وقع على الارض مقطع الاعضاء مرملا بالدماء بكاء بكاء عاليا فقال له هل من وصيه قال يا اخي وصيتي الا تحملني الى الخيام ما دمت حيا فسأله عن سببه قال اني استحي من سكينه ما قدرت على الاتيان لها بشربه من الماء ثم ارتحل روحنالروه الفداء

هكذا تجد النفوس الزكيه والارواح الطيبه ان نظر الموعد الى وجه الموعود كسرا و هظما اذا لم يبلغه الامل ولم يصل الى البغية ولم يمكنه من المراد.

الداعي السابع

يظهر من بعض المقاتل ما يمكن ان نعده سببا اخر وهو ان جسد العباس عليه السلام قد وزعته اسلحة الاعداء توزيع او فصلتهم فاصلا واربا بحيث لا يمكن حمله لتساقط اعضائه فيحتاج في حمله الى وعاء سدية لتجمع اعضاءه الموزعه وهذا غير بعيد عن النظر الدقيق فان التفكر في قسوه جيش السقيفه وغلظة اكباد امرائه وقواده وجلفيتهم واخلاقهم الجافيه في عموم بني الانسان فاذا اظيف الى هذا بغضهم لال علي عليه السلام الذي اباد اسلافهم في حروبه ونظر الى حنقهم الزائد على العباس عليه السلام خاصة وتاثرهم من حد صارمه الخاطف في ساحه الجلاد والذين نثر جمامجم اعيانهم وهام ابطالهم على وهاد كربلاء قادهم الى التشفي الغليظ الشائك منهم بتوزيع اشلائه المباركة غيضا

ص: 149

وحنقا عليه روي في بعض الكتب ان من كثرة الجراحات الحالة عليه لم يقدرالحسين عليه السلام ان يحمله الى محل الشهداء فترك جسده الشريف في محل مقتله ورجع عليه السلام باكيا الى الخيام(1).

ص: 150


1- العباس بن امير المومنين عليه السلام حامل الواء ص 521

رجوع الامام الحسين (علیه السلام) الى المخيم

ص: 151

ص: 152

رجوع الامام الحسين (علیه السلام) الى المخيم

وهو يكفكف دموعه بكمّه

روى الدّربندي ورجع الحسين (علیه السلام) إلى الخيمة وهو يكفكف دموعه بكمّه فلمّا رأوه مقبلا أتت إليه سكينة ولزمت عنان جواده وقالت: يا أبتاه، هل لك علم بعمّي العبّاس؟ أراه أبطأ وقد وعدني بالماء وليس له عادة أن يخلف وعده، فهل شرب ماء أو بلّ غليله، ونسي ما وراءه؟ أم هو يجاهد الأعداء؟ فعندها بكى الحسين عليه السّلام وقال: يا بنتاه، أنّ عمّك العبّاس قتل وبلغت روحه الجنان، فلمّا سمعت زينب صرخت ونادت: وا أخاه! وا عبّاساه! وا قلّة ناصراه! وا ضيعتاه! وا انقطاع ظهراه! فجعلن النّساء يبكين ويندبن عليه و بكى الحسين (علیه السلام) معهم(1).

وارادت الحوراء زينب ان تذهب لمصرعه

صاحب عدة الخطيب: وارادت الحوراء زينب ان تذهب لمصرع اخيها العباس لكن الحسين وضع يده على صدرها (علیه السلام) وقال اخيه

ص: 153


1- الدّربندي، أسرار الشّهادة،/ 337 - عنه: المازندراني، معالي السّبطين، 1/ 449، 441.

ارجعي لا تشمتي بنا الاعداء فقالت يبن امي لا تلمني ان مصاب اخي العباس (علیه السلام) قد قطع نياط قلبي ولم أستطع صبرا(1).

الإمام زين العابدين (علیه السلام) يبكي عمه العباس (علیه السلام)

يا أبتاه أين عمي العباس (علیه السلام) فلما سأل الإمام زين العابدين سأل عن عمه اختنقت زينب بعبرتها وجعلت تنظر إلى أخيها كيف تجيبه؟ لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس خوفا من يشتد مرضه.فقال يا بني ان عمك قد قتل وقطعوا يديه على شاطئ الفرات فبكى (علیه السلام)(2).

أن أعضاءه مقطعة إربا إربا فلم أستطع حمله

لما رأت زينب (علیها السلام)أخاها رجع إلى المخيم باكيا منكسرا منحني الظهر يكفكف دموعه بكمه صاحت وهي تقول: "واأَخَاه! واعَبَّاسَاه! واقِلَّةَ نَاصِرَاه! واضَيْعَتَنا مِن بَعْدِك!" ثم قالت السيدة زينب (علیها السلام)لأخيها الحسين (علیه السلام): لِمَ لَمْ تأتِ بأخي العباس (علیه السلام)؟!

فقال لها الحسين (علیه السلام): أختاه، كلما أردت حمل أخي العباس رأيت أن أعضاءه مقطعة إربا إربا فلم أستطع حمله!!(3).

ص: 154


1- عدة الخطيب، ج 4 ص 623.
2- الهنداوي، مجمع مصائب اهل البيت (علیهم السلام)، ج 1 ص 38.
3- الكبريت الأحمر (للتستري): 162.

الحسين (علیه السلام) يستغيث بعد مقتل العبّاس (علیه السلام)

فصاح الحسين عند ذلك: أما من مجير يجيرنا، أما من مغيث يغيثنا، أما من طالب حقّ فينصرنا، أما من خائف من النّار فيذبّ عنّا.

وأقبلت إليه سكينة، وقالت له: أين عمّي العبّاس، أراه أبطأ بالماء علينا؟

فقال لها: إن عمّك قد قتل. فصرخت ونادت: وا عمّاه! وا عبّاساه.

وسمعتها العقيلة زينب، فصاحت: وا أخاه! وا عبّاساه! وا ضيعتاه من بعدك.

فقال الحسين: إي والله: وا ضيعتاه! وا انقطاع ظهراه بعدك أبا الفضل! يعزّ عليّ والله فراقك.

الحسين يبكي مع النّساء على أخيه فاجتمعت النّساء حوله وجعلن يبكينه ويندبنه، والحسين يبكي معهنّ، حتّى قيل: بأنّه أغمي عليه من شدّة البكاء(1).

سر استقلال ابي الفضل (علیه السلام) بقبر لوحده

الجواب: هناك عدة احتمالات لفهم سر استقلال ابي الفضل عليه السلام بقبر لوحده:

الاول: نقل ابن عباس شاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في يوم عاشوراء اشعثا مغبرا وسأله فقال ’: الان فرغت من دفن جسد الحسين عليه السلام

ص: 155


1- بحر العلوم، مقتل الحسين عليه السّلام، / 317، 319 - 324.

واصحابه: قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه قال: فلما كانت الليلة القابلة رأيت رسول الله ص في منامي أغبرَ أشعث، فذكرت له ذلك، وسألته عن شأنه فقال لي: ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه. لأمالي، الطوسي: 314 - 315 ح87... و المشهور ان الامام السجاد عليه السلام دفنهم يوم 13 محرم سنة 61 هجرية، فكيف نجمع بين الروايتين؟

قلنا: ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) خط في الارض موضع القبور ثم احتفرتها ال اسد بأمر الامام السجاد عليه السلام وتم دفنهم. اذن ان العباس عليه السلام دفن في قبره حسب ارادة النبوة الخاتمة، وان النبي صلى الله عليه واله خط موضع قبره كي يدفن فيه وهذا تفسير اول للاستقلالية بقبر العباس عليه السلام دون سائر الشهداء.

الثاني: ان من قرر دفنه في هذا الموضع هو الامام الحسين عليه السلام عندما تركه على المشرعة مقطعا سواء بطلب من ابي الفضل كما نقلنا نصوصا في ذلك فقد كانت ارادة العباس (علیه السلام) ان يبقى بمكانه الذي جرح فيه وسقط من على ظهر جواده للأرض.

الثالث: ان الامام الحسين (علیه السلام) لم يستطع حمله فابقاه، وسبب عدم حمله لا لعجز في قوته الجسدية بل لان المصيبة هدت ركن ابي عبد الله الحسين (علیه السلام) .

الرابع: لم يحمله لتقطع اعضاؤه فأن الإمام الحسين كما هو معروف لدى أرباب المقاتل كان يأمر فتيانه بحمل الشهداء من أهل بيته

ص: 156

وأصحابه إلى الفسطاط. سوى العباس (علیه السلام) لأنه كلما كان يحمل جانبا منه يسقط الجانب الآخر لكثرة جروحه و تقطع أوصاله و توزيع أشلائه، فقد كان العدو من الشدة و الغلظة و قساوة القلب و البغض أن قطعوه إربا إربا تشفيا من شبل علي عليه السلام و لما لاقوه من القوة و البأس وهو ينكس أبطالهم و يصرع شجعانهم و ينثر جماجمهم. ويؤيد هذا التفسير جواب سيد الشهداء على أخته أم المصائب زينب (علیها السلام)التي سألته عن السبب لعدم إحضار أخيها العباس، فقال: (رأيته و قد قطعت أعضاؤه إربا إربا فلم أستطع حمله).

الخامس: ما ذكره عدد من الباحثين في كتبهم من أن يكون للعباس عليه السلام مقام مستقل ومشهد قائم بذاته يقصد بالحوائج والزيارات فتظهر الكرامات الباهرات وتعرف الأمة مكانته السامية ومنزلته عند الله تعالى(1).

ص: 157


1- الشيخ عقيل الحمداني دامت بركاته

ص: 158

دفنه (علیه السلام)

ص: 159

ص: 160

دفنه (علیه السلام)

رواية الدفن

روي أنّه لمّا ارتحل عمر بن سعد (لعنه الله) من كربلاء وساروا بالسّبايا والرّؤوس إلى الكوفة نزل بنو أسد مكانهم وبنوا بيوتهم وذهبت نسائهم إلى الماء، إذا هنّ رأين جثثا حول المسنّاة وجثثا نائية عن الفرات، وبينهنّ جثة قد جلّلتهم بأنوارها وعطرتهم بطيبها، فتصارخن النّساء وقلن: هذا و الله جسد الحسين و أهل بيته عليهم السّلام، فرجعن إلى بيوتهنّ صارخات، و قلن:

يا بني أسد أنتم جلوس في بيوتكم و هذا الحسين و أهل بيته و أصحابه مجزّرون كالأضاحي على الرّمال، و تسفي عليهم الرّياح، فإن كنتم ما نعهده فيكم من المحبّة و الموالاة فقوموا و ادفنوا هذه الجثث. فإن لم تدفنوها نتولّى دفنها بأنفسنا. فقال بعضهم لبعض: إنّا نخشى من ابن زياد و ابن سعد (لعنهم الله) أن تصبحنا خيولهم فينهبوننا أو يقتلون أحدنا. فقال كبيرهم: الرّأي أن نجعل لنا عينا ينظر إلى طريق الكوفة و نحن نتولّى دفنهم. فقالوا: إنّ هذا الرّأي السّديد، ثمّ إنّهم وضعوا لهم عينا و أقبلوا إلى جسد الحسين عليه السّلام، و صار لهم بكاء و عويل،

ص: 161

ثمّ إنّهم اجتهدوا على أن يحرّكوه عليه السّلام من مكانه ليشقّوا له ضريحا فلم يقدروا أن يحرّكوا عضوا من أعضائه.

فقال كبيرهم: ما ترون؟ قالوا: الرّأي أن نجتهد أوّلا في دفن أهل بيته، ثمّ نرى رأينا فيه. فقال كبيرهم: كيف يكون لكم دفنهم و ما فيكم من يعرف من هذا و من هذا؟

و هم كما ترون جثث بلا رؤوس قد غيّرتهم الشّمس و التّراب من الرّيح، فلربّما نسأل عنهم، فما الجواب؟

فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم أعرابيّ على متن جواده، فلمّا رأوه انكشفوا عن تلك الجثث الزّواكي.

قال: فأقبل الأعرابي و نزل عن ظهر جواده إلى الأرض و صار منحنيا كهيئة الرّاكع حتّى أتى و رمى بنفسه على جسد الحسين عليه السّلام و جعل يقبلّه تارة و يشمّه أخرى، و قد بلّ لثامه من دموع عينيه، ثمّ رفع رأسه و نظر إلينا فقال: ما كانوقوفكم حول هذه الجثث؟ فقالوا: أتينا لنتفرّج عليها. فقال عليه السّلام: ما كان هذا قصدكم. فقالوا: نعم يا أخا العرب الآن نطلعك على ما في ضمائرنا. أتينا لندفن جسد الحسين عليه السّلام فلم نقدر أن نحرّك عضوا من أعضائه، ثمّ اجتهدنا في دفن أهل بيته و ما فينا من يعرف من هذا و من هذا؟

و هم كما ترى جثث بلا رؤوس، قد غيّرتهم الشّمس و التّراب، فبينما نحن في الكلام إذ طلعت علينا، فخشينا أنّك من أصحاب ابن زياد (لعنه الله) فانكشفنا عن تلك الجثث.

ص: 162

قال: فقام فخطّ لنا خطا و قال: احفروا هاهنا، ففعلنا فيها فقال: قدموا هذا و أخّروا هذا فوضعنا سبعة عشر جثة بلا رأس، ثمّ خطّ لنا خطّا فقال: احفروا هاهنا، ففعلنا فوضعنا فيها باقي الجثث و استثنى منها جثّة واحدة، و أمر لنا أن نشقّ لها ضريحا ممّا يلي الرّأس الشّريف، ففعلنا، فدفّناها ثمّ أقبلنا إليه لنعينه على جسد الحسين عليه السّلام، و إذا هو يقول لنا بخضوع و خشوع: أنا أكفيكم أمره، فقلنا له: يا أخا العرب كيف تكفينا أمره و كلّنا قد اجتهدنا على أن نحرّك عضوا من أعضائه فلم نقدر عليه. فبكى بكاء شديدا فقال عليه السّلام: معي من يعينني ثمّ إنّه بسط كفيه تحت ظهره الشّريف و قال: بسم الله و بالله و في سبيل الله و على ملّة رسول الله صلّى الله عليه و اله، هذا ما وعدنا الله تعالى و رسوله و صدق الله و رسوله ما شاء الله لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. ثمّ أنزله وحده و لم يشرك معه أحدا منّا، ثمّ وضع خدّه بنحره الشّريف و هو يبكي فسمعناه يقول: طوبى لأرض تضمّنت جسدك الشّريف، أما الدّنيا فبعدك مظلمة و الآخرة فبنورك مشرقة.

قيم بها، فعليك منّي السّلام يا ابن رسول الله و رحمة الله و بركاته، ثمّ شرج عليه اللّبن و أهال عليه التّراب، ثمّ وضع كفّه على القبر و خطّه بأنامله و كتب: «هذا قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب الّذي قتلوه عطشانا غريبا». ثمّ التفت إلينا و قال: انظروا هل بقي أحد؟ قالوا: نعم يا أخا العرب، قد بقي بطل مطروح حول المسنّاة و حوله جثّتان، و كلّما حملنا جانبا منه سقط الآخر لكثرة ضرب السّيوف و السّهام. فقال:

ص: 163

امضوا بنا إليه، فمضينا إليه. فلمّا رآه انكبّ عليه يقبلّه و يبكي و يقول: «على الدّنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، فعليك منّي السّلام من شهيد محتسبو رحمة الله و بركاته»، ثمّ أمر لنا أن نشقّ له ضريحا ففعلنا، ثمّ أنزله وحده و لم يشرك معه أحدا منّا. ثمّ شرج عليه اللّبن و أهال عليه التّراب، ثم أمرنا بدفن الجثتين حوله، ففعلنا ثمّ مضى إلى جواده فتبعناه و درنا عليه لنسأله عن نفسه، و إذا به يقول: أمّا ضريح الحسين عليه السّلام فقد علمتم، و أمّا الحفيرة الأولى ففيها أهل بيته و الأقرب إليه ولده عليّ الأكبر، و أمّا الحفيرة الثّانية ففيها أصحابه، و أمّا القبر المنفرد فهو حامل لواء الحسين عليه السّلام حبيب بن مظاهر، و أمّا البطل المطروح حول المسناة فهو العبّاس بن أمير المؤمنين عليهما السّلام.

و أمّا الجثتان فهما من أولاد أمير المؤمنين (علیه السلام)، فإذا سألكم سائل فأعلموه.

فقلنا له: يا أخا العرب نسألك بحق الجسد الّذي واريته بنفسك و ما أشركت معك أحدا منّا، من أنت؟

فبكى بكاء شديدا فقال: أنا إمامكم عليّ بن الحسين عليه السّلام، فقلنا: أنت عليّ؟ فقال:نعم فغاب عن أبصارنا(1).

ص: 164


1- موسوعة الامام الحسين (عليه السلام)؛ ج 9؛ ص 497

مصائب راس العباس (علیه السلام)

ص: 165

ص: 166

مصائب راس العباس (علیه السلام)

نظرت إليه كأنه يضحك

عن (كامل البهائي) قال سهل بن سعد:

رأيت الرؤوس على الرماح، ويقدمهم رأس العباس بن علي عليهالسلام، نظرت إليه كأنه يضحك. ورأس الإمام الحسين عليهالسلام كان وراء الرؤوس أمام المخدّرات. وللرأس الشريف مهابة عظيمة، ويشرق منه النور، بلحية مدوّرة، قد خالطها الشيب، وقد خضبت بالوسمة [نوع من الصباغ النباتي]، أدعج العينين، أزجّ الحاجبين، واضح الجبين، أقنى الأنف [أي في قصبة أنفه ارتفاع]، متبسما إلى السماء، شاخصا ببصره إلى نحو الأفق، والريح تلعب بلحيته الشريفة يمينا وشمالا، كأنه أمير المؤمنين عليهالسلام(1).

ثمّ أقبل رأس العبّاس

في رواية الشّعبيّ على ما نقل عنه: ثمّ أشرفت تسع عشرة راية حمراء، و أشرفت السّبايا مهتكات بلا وطاء و لا غطاء، ثمّ أقبل رأس العبّاس

ص: 167


1- (معالي السبطين للمازندراني، ج 2 ص 84)

بن عليّ عليهما السّلام يحمله ثعلبة ابن مرّة الكلبيّ و هو بيده على رمح طويل و هو ينشد و يقول:

أنا صاحب الرّمح الطّويل الّذي به *** أصول على الأعداء في حومة الحرب

طعنت به آل النّبيّ محمّد *** لأنّ بقلبي منهم أعظم الكرب

فقالت أمّ كلثوم: ويلك أتفتخر بقتل آل محمّد، فعليك لعنة الله تعالى، فهمّ أن يضربها بسوطه فخشي على نفسه الخجل من النّاس(1).

أتيتك بذكرى من ولدك العباس

جاء في كتاب تذكره الشهداء للملا حبيب الله الكاشاني: يروى انه فجائتها أم البنين فاعتنقتها وقالت:يا ابنة أمير المؤمنين ما خبر أولادي؟ فقالت قتلوا أجمعين فقالت ام البنين روحي واروح الجميع فداء للحسين عليه السلام وما خبر الحسين عليه السلام فقالت قتلوه عطشانا فشبكت ام البنين عشرها على رأسها ونادت واحسيناه فقالت زينب يام البنين عندي لك ذكرى من ولدك العباس فقالت واي شيء هو؟

فرفعت زينب عليه السلام ملحفتها واخرجت لها درع العباس ملطخا بالدماء فلما نظرت اليه ام البنين وصاحت ووقعت مغمى عليها(2).

ص: 168


1- موسوعة الامام الحسين (عليه السلام)، ج 9، ص: 546
2- تذكره الشهداء للملا حبيب الله الكاشاني ص 517

أتيتك بذكرى من ولدك العباس:(علیها السلام) ثم قالت لها زينب البنين: وما هي فأخرجت زينب ترس أبي الفضل والملطخ بدمه الزاكي ذلك تفطر قلبها حزنا ولم (علیها السلام) من تحت أزارها ولما رأت ام البنين تتحمل فوقعت مغشيا عليها انتهى.

ص: 169

ص: 170

مصائبه على لسان العلماء

ص: 171

ص: 172

مصائبه على لسان العلماء

ويداه مقطوعتان فبماذا يتلقّى الأرض؟

في كتاب (مقتل الإمام الحسين (علیه السلام)) للمقرّم: أنّ العالم الفاضل، والخطيب البارع الشيخ كاظم السبتي (رحمه الله) قال لي ذات مرّة: أتاني بعض العلماء الثقاة وقال: إنّي رسول من قبل العبّاس (علیه السلام) إليك , فقد رأيته (علیه السلام) في المنام يعتب عليك، ويقول: إنّ الشيخ كاظم السبتي لم يذكر مصيبتي، ولم يتعرّض لها.

فقلت له: يا سيّدي، ما زلت أسمعه يذكر مصائبك ويندبك بها!

فقال (علیه السلام): أعني هذه المصيبة فإنّه لم يذكرها ولم يتعرّض لها؛ قل له يذكر هذه المصيبة للناس، ويقول لهم: إنّ الفارس إذا سقط من فرسه يتلقّى الأرض بيديه، فإذا كانت السهام في صدره ويداه مقطوعتان فبماذا يتلقّى الأرض؟

وهذا أيضاً ممّا يدلّ على شدّة مظلوميّة أبي الفضل العبّاس (علیه السلام)، وكبير مصيبته وعظم رزيّته.هامش مقتل المقرم.

العبّاس (عليه السّلام) وإصابة السهم عينه

نُقِلَ عن المرحوم آية الله السيّد محمّد إبراهيم القزويني أنّه يؤم الناس

ص: 173

في صلاة الجماعة في صحن الروضة المقدّسة لأبي الفضل العبّاس (علیه السلام)، وكان يرق المنبر بعد انقضاء صلاة الجماعة، الخطيب الشهير، والواعظ المعروف آنذاك سماحة الشيخ محمّد علي الخراساني، وفي ليلة من الليالي تعرّض سماحة الشيخ الخراساني في منبره لطريقة استشهاد أبي الفضل العبّاس (علیه السلام)، وتذكّر بالخصوص إصابة السهم عينه الكريمة، فبكى المرحوم آية الله السيّد القزويني على إثر حكاية سماحة الشيخ الخراساني هذا المصاب بكاءً شديداً، وتأثّر من ذلك تأثّراً كبيراً.

فلمّا نزل سماحة الشيخ الخراساني من المنبر قال له آية الله السيّد القزويني: شيخنا، أرجو من سماحتكم أن لا تذكروا في منبركم مثل هذه المصائب العظيمة، والرزايا المفجعة والمشجية التي يظنّ أنّه لا سند قوي لها، ولا أصل ثابت يمدها ظاهراً.

ولكن المرحوم آية الله السيّد القزويني نفسه التقى سماحة الشيخ الخراساني في اليوم التالي وأخذ يعتذر من سماحة الشيخ، ويطلب عفوه من اعتراضه عليه يوم أمس، فلمّا سأله سماحة الشيخ الخراساني عن سبب الاعتذار أجاب قائلاً: لقد رأيت البارحة في منامي أبا الفضل العبّاس (عليه السّلام) فتشرّفت بخدمته، وفزت بلقائه، وسعدت بتنبيهه (عليه السّلام) إيّاي؛ فإنّه (عليه السّلام) التفت إليّ مشيراً إلى ما جرى بيني وبينك بالأمس، وقال مخاطباً إيّاي: أيّها السيّد، كيف اعترضت على الشيخ الخراساني في ما ذكره من المصاب مع أنّك لم تكن حاضراً واقعة كربلاء، ولم تكن شاهداً ما جرى عليَّ يوم عاشوراء؟

ص: 174

اعلم أيّها السيّد إنّهم لمّا قطعوا يديّ

غدراً وغيلة، وظلماً وعدواناً، رشقوني بالسهام كرشق المطر، ورموني بالنبال رمي النار الشرر، فأصاب عيني سهم منها ونبت في حدقتها، فحاولت إخراجه وإزاحته من عيني، وحيث أنّه لا يد لي حركت رأسي بشدّة ليقع السهم منها، ولكن كلّما حركت رأسي لم يخرج السهم وإنّما وقعت العمامة من رأسي، عندها رفعت ركبتي وقربت رأسي حتّى أخرج السهم بركبتي، فإذا بي اُجابه بضربة عمد من حديد على رأسي أدّت بي إلى أن أهوى من على ظهر جوادي إلى الأرض.

قال السيّد: عندها بكيت واشتدّ بكائي، وعلى إثره انتبهت من نومي نادماً حزيناً، وعلمت أنّي كنت مشتبهاً في اعتراضي، مخطئاً في انتقادي، وأنا الآن استغفر الله وأتوب إليه ممّا صدر منّي.

من جراحات مقتل العباس (علیه السلام)

في منامه مضطجعا (علیه السلام) ينقل: أن شيخا من العلماء رأى الحسين (علیه السلام) على مرقده الشريف وجراحاته تشخب دما فقال: يا سيدي ما هذه الجراحات قال: هذه الجراحات من ضرب سيوف بني أمية وطعن رماحهم، فانتبه العالم من نومه فزعا مرعوبا. فلما صار يوم الثاني رأى في منامه ولكن تلك الجراحات لم يجد لها اثراً، فقال يا (علیه السلام) الحسين سيدي ما صارت جراحاتك؟ فقال ان زواري اخذوا علي? بالبكاء فبرئت تلك الجراحات لكنه بقى جراحتان في قلبي لما تندمل وهما لا من ضرب

ص: 175

السيوف ولا من طعن الرماح بل ظهر احدهماحين سقط ولدي عند ظهر جواده ونادى راجعا صوته أبتاه عليك مني السلام والأخرى حين سقط العباس من على ظهر جواده(1).

مثّلوا به وهو حيّ، وقطّعوه إرباً إرباً

جاء في التاريخ أنّ مرقد أبي الفضل العبّاس (علیه السلام) أصابه ذات مرّة خسف، واحتيج إلى التعمير والترميم، وكان ذلك في زمان العلاّمة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، المتوفّى أوائل القرن الثالث عشر الهجري القمري، والذي كان هو واحد من كبار علماء الشيعة، وكان كثيراً ما يتشرّف بزيارة الإمام المهدي صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، وله المقام المرموق عند أهل البيت وشيعتهم، فأخبروا العلاّمة بذلك، فانتدب العلاّمة أحد المعماريين الماهرين لترميم المرقد الشريف، وجاء معه إلى روضة أبي الفضل العبّاس (علیه السلام)، ونزلا معاً في السرداب الذي يقع فيه القبر الطاهر.

فلمّا وقع عين المعمار على القبر المبارك ورآه من حيث الحجم والمساحة أقل من الحجم والمساحة المتعارفة لبقيّة قبور الناس المتوسطين في الطول والقامة، بينما يلزم أن يكون قبر العبّاس (عليه السّلام) مع ما اشتهر عن العبّاس (عليه السّلام) من طول القامة، ورشادة الهيكل

ص: 176


1- المازندراني، شجرة طوبى: ج 2،ص 418.

والهندام أن يكون في الحجم والمساحة أكبر وأطول من بقيّة القبور المتعارفة، فتولّد في ذهن المعمار سؤال حول هذا الموضوع الذي أثار تعجّبه وحيرته، فالتفت إلى العلاّمة السيّد بحر العلوم، وقال له: أتأذن لي يا سيّدي في السؤال عن موضوع بدر إلى ذهني، وأشغل بالي منذ رأيت قبر العبّاس بن علي (عليه السّلام)؟

فقال له العلاّمة وبكلّ رحابة: نعم، تفضّل واطرح سؤالك.

فقال المعمار، والتعجّب ظاهر على ملامح وجهه ونبرات صوته: إنّ كلّ ما سمعناه وقرأناه عن أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) هو أنّه كان رشيداً، طويل القامة، بحيث إنّه إذا ركب الفرس المطهّم بقيت رجلاه تخطّان في الأرض خطّاً، وهذا لا يتلائم مع صغر القبر وقصر مساحته طولاً، وإنّما يستدعي امتداد مساحة القبر في الطول بصورة أكثر من القبور المتعارفة!

ثمّ أضاف قائلاً: فما هو - يا سيّدنا - حلّ ما سمعناه وقرأناه، وهذا الذي نراه بأمّ أعيننا؟!طرح المعمار سؤاله على العلاّمة وبقي ينتظر الجواب على ذلك، لكنّه فوجئ حيث إنّه لم يسمع من العلاّمة جواباً سوى رجعات صوت بكائه، وزفرات حنينه وأنينه، فندم المعمار من سؤاله، وأخذ يعتذر من العلاّمة على إزعاجه وإبكائه، فأجابه العلاّمة بعد بكاء طويل: إنّما سمعته وقرأته عن رشادة أبي الفضل العبّاس، وطول قامته صحيح، غير أنّ جيش بني اُميّة القساة نكّلوا بالعباس (عليه السّلام) ومثّلوا به، وبتروا يديه ورجليه، وقطّعوه بسيوفهم إرباً

ص: 177

إرباً، وسؤالك هذا عن صغر قبره ذكّرني بما جرى عليه (عليه السّلام) من المصائب والبلايا، ونبّهني على عظيم مصاب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) الذي جمع بيديه الشريفتين أشلاء عمّه العبّاس (عليه السّلام)، ودفنه بنفسه الكريمة في هذا القبر الذي شقّه له بيديه، فلم أتمالك نفسي، وأخذتني العبرة وأجهشت بالبكاء.

ص: 178

اللواء

ص: 179

ص: 180

اللواء

الراية في حماية العبّاس (علیه السلام)

ولمّا كان يوم عاشوراء وعبّأ الإمام الحسين (علیه السلام) أصحابه للقتال، أعطى الراية أخاه أبا الفضل العبّاس (علیه السلام)، وخصّه بها من بين جميع أهل بيته وأصحابه، وإنّ هذا ليدلّ على جدارة أبي الفضل العبّاس (علیه السلام) بحماية الراية وحفظها، وكفاءته في القيام بهذه المهمّة، مهمّة الدفاع والحماية عن معسكر الإمام الحسين (علیه السلام) ومحاماته لهم.

وبعد أن عبّأ الإمام الحسين (علیه السلام) أصحابه، وأعطى الراية أخاه أبا الفضل العبّاس (علیه السلام)، دعا براحلته فركبها، ونادى بصوت عالٍ يسمعه جلّهم، قائلاً: أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليَّ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي، وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل.

اللواء مع الغنائم في الشام

ولقد جاء في التاريخ: إنّ جيش بني اُميّة بقيادة ابن سعد لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسين (علیه السلام) بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه،

ص: 181

وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم وبعثوا بها إلى الشام كان في جملتها اللواء الذي كان يحمله العبّاس (علیه السلام)، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومَنْ كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلاّ محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: مَنْ كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟ قالوا: العبّاس بن علي (علیه السلام).

فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العبّاس (علیه السلام) قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات؛ تعجّباً من شجاعة العبّاس (علیه السلام)، واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى مَنْ حضره وقال: انظروا إلى هذا العلم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلاّ مقبض اليد التي تحمله! إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته، حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات بصبر وصمود دون أن يترك اللواء لينتكس ويدعه ليسقط.ثمّ قال: أبَيت اللعن يا عبّاس! هكذا يكون وفاء الأخ لأخيه. وهذا اعتراف من العدو في حقّ العبّاس (علیه السلام)، والفضل ما شهدت به الأعداء ولقد جاء في التاريخ: إنّ جيش بني اُميّة بقيادة ابن سعد لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسين (علیه السلام) بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم وبعثوا بها إلى الشام كان في جملتها اللواء الذي كان يحمله العبّاس (علیه السلام)، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومَنْ كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلاّ محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: مَنْ كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟

ص: 182

قالوا: العبّاس بن علي (علیه السلام).

فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العبّاس (علیه السلام) قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات؛ تعجّباً من شجاعة العبّاس (علیه السلام)، واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى مَنْ حضره وقال: انظروا إلى هذا العلم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلاّ مقبض اليد التي تحمله! إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته، حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات بصبر وصمود دون أن يترك اللواء لينتكس ويدعه ليسقط.

ثمّ قال: أبَيت اللعن يا عبّاس! هكذا يكون وفاء الأخ لأخيه. وهذا اعتراف من العدو في حقّ العبّاس (علیه السلام)، والفضل ما شهدت به الأعداء.

ص: 183

ص: 184

أولاده (علیه السلام)

ص: 185

ص: 186

أولاده (علیه السلام)

فائدة في زوجته

زوجته لبابة بنت عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب، كان له من الأولاد خمسة: عبيدالله والفضل والحسن والقاسم، وبنتاً. وعدّ ابن شهرآشوب في الطف ولد له وهم: محمد وعبيدالله والفضل أمهما لبابة بنت عبيدالله(1).

ذكر السيد عبد الرزاق المقرم أنه كان للعباس (علیه السلام) خمسة أولاد: الفضل وعبيد الله والحسن والقاسم وبنت واحدة. وعدّ ابن شهر اشوب في مناقبه من الشهداء يوم الطف من ولد العباس عليه السلام: محمّد بن العباس عليه السلام ... أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب. وليس للعباس (علیه السلام) نسل إلا من ولده عبيد الله(2).

شهادة محمّد والقاسم وعبد الله بنو العبّاس (علیه السلام)

وفي كتاب (نور العين) لأبي إسحاق الإسفراينيّ من العامّة: كان

ص: 187


1- ثمرات الاعواد.
2- العباس قمر بني هاشم ص 195.

للعبّاس بالطّفّ زوجة وولد، وفي (المناقب) في ذكر المستشهدين من بني هاشم مع الحسين عليه السّلام يوم الطّفّ قال: وقتل مع الحسين (علیه السلام) محمّد بن العبّاس(1).

أمّا محمّد و القاسم، فذكر محمّدا في الشهداء ابن شهر آشوب في المناقب، و تبعه المجلسيّ في البحار، و ذكرهما معا في الشهداء أبو إسحاق الأسفراينيّ الشّافعيّ في (نور العين) و صاحب (مطلوب كلّ طالب في أنساب آل أبي طالب) فارسي مطبوع ذكرا: أنّهما بارزا، و سنذكر كلامهما(2).

محمّد والقاسم الشهيدان مع عمّهما الحسين (علیه السلام)

هما ولدا العبّاس بن عليّ (علیه السلام) و لا عقب لهما، و استشهدا مع عمّهما الحسين (علیه السلام) بطفّ كربلاء. أمّا محمّد وحده، فنصّ عليه الثّقة الثّبت محمّد ابن شهر آشوب في المناقب في شهداء الطّفّ، و قال: قتل مع أبيه العبّاس (علیه السلام)، و تبعه الفاضل المجلسيّ رحمه الله في البحار، و الدّربنديّ في (أسرار الشّهادة) و ملّا عبد الله في مقتل العوالم، و نصّ على شهادته و شهادة أخيه القاسم، و أنّهما قتلا محاربين مبارزة: أبو إسحاق الأسفرائينيّ الشّافعيّ من أهل السّنّة، و النّسّابة صاحب مطلوب كلّ

ص: 188


1- المازندراني، معالي السّبطين، 1/ 435.
2- المظفّر، بطل العلقمي، 3/ 429.

طالب، المطبوع في ايران فارسيّ، و القائنيّ في الكبريت الأحمر، و هو فارسيّ أيضا، و ملخّص ما ترجمناه منهما، أنّ العبّاس (علیه السلام) لمّا ضرب بالعمود، و سقط على المسنّاة، و أنّ الحسين (علیه السلام) مشى إليه، و رآه بتلك الحالة، و أنّه بعد رجوعه منه، جعل ينادي: وا غوثاه بك يا الله، وا قلّة ناصراه، فخرج إليه من الخيمة محمّد بن العبّاس و القاسم بن العبّاس يناديان: لبّيك يا مولانا، نحن بين يديك؛ و أجابهما الحسين (علیه السلام): بشهادة أبيكما الكفاية، فقالا: لا و الله يا عمّاه، و بعد وداع عمّها خرجا إلى الميدان؛ ثمّ ذكرا أنّهما قتلا عددا كثيرا من الأعداء، و ثلما من جيش أهل الكوفة ثلمة كبيرة، و أنّ محمّدا قتل أكثر من مائتين، و أخوه القاسم قتل أكثر منه، و لا عجب، فالشّبل من ذاك الأسد، أبوهما العبّاس، و جدّهما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فارس المشارق و المغارب، و عمومتهما الحسن و الحسين و محمّد ابن الحنفيّة، و عمومة الأب: جعفر الطّيّار و طالب و عقيل، و عمومة الجدّ: حمزة و الزّبير و العبّاس، و أخوالهما: الفضل و عبد الله و قثم، و أخوال الأب: ملاعب الأسنّة، و نزال المضيق، و فارس قرزل، و مدرك الثّار، و إربد الحتوف. أمّا أبو إسحاق، فذكر في (نور العين) ص 20: إنّه بعد نداء الحسين عليه السّلام و استغاثته و طلبه المساعد عند فقد الأنصار، و بعد شهادة العبّاس (علیه السلام)، خرج إليه من الخيمة غلامان:

أحدهما: محمّد بن العبّاس، و الثّاني أخوه القاسم، و هما يقولان: لبّيك يا مولانا، نحن بين يديك. فقال: كفّا كما قتل والدكما؟ فقالا: لا و

ص: 189

الله يا عمّاه، بل أنفسنا لك الفداء، فأذن لنا بالبراز، و ساق قصّة شهادتهما، و فيهما الكميّة الّتي قتلاها من الجيشالكوفيّ.

هذا ما نقله هؤلاء الثّلاثة من أهل العلم، و نقلته بمعناه، و لم أحك الألفاظ، فليراجعها من أرادها.

أسر أحد أبنائه

و الّذين أسروا منهم بعد من قتل منهم يومئذ:

عليّ بن الحسين عليه السّلام و كان عليلا دنفا، و قد ذكرنا خبره. و كان يومئذ ابن ثلاث [و] ثلاثين سنة. و ابنه محمّد بن عليّ، و كان طفلا صغيرا. و الحسن بن الحسن، و عبد الله ابن الحسن. و القاسم بن عبد الله بن جعفر، و عمرو بن الحسين، و محمّد بن الحسين، و محمّد بن عقيل، و القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب، و عبد الله بن العبّاس بن عليّ ابن أبي طالب.

و عبد الله مكبّرا مذكور في بعض كتب الأنساب المخطوطة، و في رياض الجنان طبع بمبئي ص 368: إنّ عبد الله بن العبّاس بن عليّ كان طفلا في الطّفّ، و أخذ مع السّبايا(1).

ص: 190


1- المظفّر، بطل العلقمي، 3/ 429.

اخوته (علیه السلام)

ص: 191

ص: 192

اخوته (علیه السلام)

اقول المؤرخين

ابن سعد

قال: وقد كان العباس بن علي قال لجعفر وعبدالله ابني علي: تقدّما فان قتلتما ورثتكما، وإن قتلت بعد كما ورثني ولدي، وان قتلت قبلكما ثم قتلتما ورثكما محمد بن الحنفية! فتقدّما فقتلا ولم يكن لهما ولد ثم قتل العباس بعدهما(1).

الطبري

قال: و زعموا أنّ العبّاس بن عليّ قال لإخوته من أمّه: عبد الله، و جعفر و عثمان: يا بني أمّي، تقدّموا حتّى أرثكم، فإنّه لا ولد لكم. ففعلوا، فقتلوا(2).

أبو الفرج

في مقاتل الطالبيين: " قدّم أخاه جعفر بين يديه، لأنّه لم يكن له ولد

ص: 193


1- ترجمة الامام الحسين عليه السلام { لابن سعد } / 76.
2- الطّبري، التّاريخ، 5/ 448 - 449 - عنه: المحمودي، العبرات، 2/ 83.

ليحوز ميراثه العبّاس، فشدّ عليه هاني بن ثبيت فقتله "(1).

وفي مقتل العبّاس قال: "قدّم أُخوته لأُمه وأبيه، فقتلوا جميعاً، فحاز مواريثهم، ثُمّ تقدّم وقتل فورثهم وإياه عبيد الله، ونازعه في ذلك عمّه عمر بن علي، فصولح على شيء رضي به"(2).

الشيخ المفيد

«يابَنِي أُمّي! تَقَدَّمُوا حتّى أراكُم قد نَصَحْتُمْ للهِ ولِرسوله»(3).

فلمّا رأى العبّاس بن عليّ كثرة القتلى في أهله، قال لإخوته من أمّه و هم: عبد الله و جعفر و عثمان: يا بني أمّي! تقدّموا حتّىأراكم قد نصحتم للّه، و لرسوله فإنّه لا ولد لكم.

أضاف في المعالي: «تقدّموا بنفسي أنتم، فحاموا عن سيّدكم حتّى تموتوا دونه»، و أضاف في أعيان الشّيعة: «فتقدّموا فقاتلوا حتّى قتلوا»].

فأراد العبّاس أن ينزل، فقال له الحسين: قدّم أخويك بين يديك. و هما عبد الله و جعفر، فإنّهما ليس لهما ولد، و لك ولد حتّى تربّهما و تحتسبهما. فأمر أخويه(4).

ص: 194


1- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: 54.
2- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: 55.
3- الإرشاد للمفيد 2 / 110.
4- الشّجري، الأمالي 1/ 175.

و قال العبّاس بن عليّ لإخوته من أمّه عبد الله، و جعفر، و عثمان: تقدّموا حتّى أرثكم، فإنّه لا ولد لكم. ففعلوا، فقتلوا(1).

قالوا: وأوّل من دعاه من إخوته عبد الله، فقال له: «تقدّم يا أخي حتّى أراك قتيلا، وأحتسبك، فإنّه لا ولد لك»(2).

السيد الأمين

ولما رأى العباس بن علي (علیه السلام) كثرة القتلى من أهله قال لإخوته من أمه وأبيه، وهم عبد الله وجعفر وعثمان عليهالسلام، وأمهم أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية: يا بني أمي تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله، فإنه لا ولد لكم(3).

روي في بعض كتب المقاتل: أنّ العباس عليه السلام قال لاخوته يوم العاشر: اشتروا الجنة اليوم وذبّوا عن سيدنا وإمامنا.

وقال أيضاً: تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله... تقدموا بنفسي أنتم فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه. فاقدموا على عسكر بن سعد إقدام الشجعان، واملأوا صدورهم ووجوههم بالضرب والرمي والطعان... لا تقصروا في نصرة إمامكم وافدوه بأرواحكم، ولا تقولوا نحن أبناء أب واحد، فانّه إمامنا وسيدنا وحجة الله على من فوق الثرى،

ص: 195


1- ابن الأثير، الكامل، 3/ 294.
2- بحر العلوم، مقتل الحسين (علیه السلام)، / 316.
3- لواعج الأشجان للسيد الأمين، ص 179 ط 4.

أمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وهو قرة عين النبي الأمين.

ولو تأمل جيداً في تقديمه إياهم للقتل لعرفنا كبر نفسه وغاية مفاداته عن أخيه السبط، فلذة كبد النبي صلى الله عليه وآله ومهجةالبتول، فانّ من الواضح البين أنّ غرضه من تقديمهم للقتل:

أولاً: إمّا لأجل أن يشتدّ حزنه ويعظم صبره ويزرأ بهم، ويكون هو المطالب بهم يوم القيامة؛ إذ لا ولد لهم يطالبون بهم.

ثانياً: وإمّا لأجل حصول الاطمئنان والثقة من المفاداة دون الدين أمام سيد الشهداء، ويشهد له ما ذكره الشيخ المفيد في «الارشاد» وابن نما في «مثير الأحزان» من قوله لهم: تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فانه لا ولد لكم».

ولم يقصد بهم المخايل وإنّما رام أبو الفضل أن يتعرف مقدار ولائهم لقتيل العبرة، وهذا منه عليه السلام إرفاقاً بهم وحناناً عليهم وأداء حق الاخوة بارشادهم إلى ما هو الأصلح لهم.

ثالثاً: وإمّا أن يكون غرضه الفوز بأجر الشهادة بنفسه والتجهيز للجهاد بتقديم اخوته ليثاب أيضاً بأجر الصابرين ويحوز كلتا السعادتين.

وربما يدل عليه ما ذكره أبو الفرج في مقتل عبد الله من قول العباس له: «تقدم بين يدي حتى أراك قتيلاً واحتسبك» فكان أول من قتل من أخوته.

وذكر أبو حنيفة الدينوري: أنّ العباس قال لأخوته: تقدموا بنفسي

ص: 196

أنتم وحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه، فتقدموا جميعاً وقتلوا.

ولو أراد أبو الفضل من تقديمهم للقتل حيازة مواريثهم - وحاشاه - لم يكن لاحتساب أخيه عبد الله معنى، كما لا معنى لتفديتهم بنفسه الكريمة كما في «الأخبار الطوال».

وهناك مانع آخر من ميراث العباس لهم وحده، حتى لو قلنا - على بعد ومنع - بوفاة أم البنين يوم الطف، فان ولد العباس لم يكن هو الحائز لمواريثهم لوجود الأطراف وعبيد الله بن النهشلية، فانهما يشتركان مع العباس في الميراث، كما يشاركهم سيد شباب أهل الجنة وزينب العقيلة وأم كلثوم ورقية وغيرهم من أولاد أمير المؤمنين (علیه السلام).

فكيف - والحال هذا - يختص العباس بالميراث وحده.

هذا كله إن قلنا بوفاة أم البنين يوم الطف، ولكن التاريخ يثبت حياتها يومئذٍ وأنّها بقيت بالمدينة وهي التي كانت ترثي أولادها الأربعة.

والذي أظنه أنّ منشأ ذلك التقوّل على العباس أنّه أوقفهم السيرعلى قوله لاخوته «لا ولد لكم» من غير روية وتفكير في غرضه ومراده، فحسبوه أنّه يريد الميراث، فنوّه به واحد باجتهاده أو إحتماله، وحسبه الآخرون رواية، فشوّهوا به وجه التاريخ ولم يفهموا المراد، ولا أصابوا شاكلة الغرض، فان غرضه من قوله «لا ولد لكم» تراقبون حاله بعدكم، فأسرعوا في نيل الشهادة والفوز بنعيم الجنان.

ص: 197

على أنّ العلامة الشيخ عبد الحسين الحلي في «النقد النزيه»(1) احتمل تصحيف «أرثكم» من «أزء بكم» أو «أرزأكم» وليس هذا ببعيد.وأقرب منه احتمال الشيخ الحجة آغا بزرك مؤلف «كتاب الذريعة» تصحيف «أرثكم» من «أرثيكم» فكأنّه (علیه السلام) أراد:

أولاً: أن يفوز بالارشاد إلى ناحية الحق.

وثانياً: تجهيز المجاهدين.

وثالثاً: البكاء عليهم ورثاءهم فانه محبوب للمولى تعالى.

ويشبه قول العباس لأخوته قول عابس بن أبي شبيب الشاكري لشوذب مولى شاكر: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟

قال: أقاتل معك دون ابن نبي رسول الله حتى أقتل.

فقال: ذلك الظن لك، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من الصحابة، وحتى احتسبك أنا فانه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى احتسبه، فانّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه، فانّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب(2).

عبد الله بن علي بن أبي طالب (علیه السلام)

في الزيارة المروية عن الامام صاحب الزمان «عجل الله فرجه» التي

ص: 198


1- النقد النزيه 1/ 99.
2- الطبري 1/ 254.

رواها السيد ابن طاووس في كتاب «الاقبال» والمجلسي في «البحار» وفيها يقول (علیه السلام):

«السلام على عبد الله بن أمير المؤمنين مبلي البلاء، والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء، والمضروب مقبلاً ومدبراً، لعن الله قاتله هاناء بن ثبيت الحضرمي».

وفي هذه الفقرة شهادة من الامام صاحب الأمر «عجل اللهفرجه» لعبد الله بثلاثة من الفضائل:

الأولى: أنّه أعلن بولاء الحسين عليه السلام بين الصفوف ونادى بالولاية في عرصة كربلاء.

الثانية: أنّه كان له بلاء محمود أكثر من غيره في دفاعه ومحاماته عن أخيه الحسين عليه السلام، وقد أدى ما عليه دفاعاً عن دينه وإمامه، وإلّا لما كان لذكر «مبلي البلاء» محل.

الثالثة: ثباته في ذلك الموقف الرهيب والمعترك الهائل العصيب حيث وقف هدفاً للسلاح في وسط الحومة حتى أصيب مقبلاً ومدبراً، يريد أنّه أحيط به من كلّ جانب، واكتنفه الأعداء من كلّ جهة، وكان هو كاراً عليهم الكرة بعد الكرة، فيقبل على جماعة فيهزمهم ويعود إلى أخرى فيطردهم، ولم يقتل محاطاً به إلّا الحسين (علیه السلام) والعباس وعلي بن الحسين الأكبر عليه السلام ومسلم بن عقيل قتيل الكوفة وعبد الله بن علي شقيق العباس (علیه السلام).

وقد تضمنت هذه الفقرة أنّه ضرب مقبلاً ومدبراً، ومن المعلوم أن

ص: 199

العسكر لا يتكاتف ويحمي بعضه بعضاً على كثرته إلّا لشدة بأس البطل المهاجم له، والشجاع المنازل له، الذي تعجز عن مواجهته الأبطال، وهذه غاية الشجاعة ونهاية البطولة.

وورد أيضاً في زيارته:

السلام عليك يا عبد الله بن علي بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته، فانك الغرة الوضحة، واللمعة اللائحة، ضاعف الله رضاه عنك، وأحسن لك ثواب ما بذلته منك، فلقد واسيت أخاك وبذلت مهجتك في رضا ربّك(1).

ولد بعد أخيه العباس بنحو ثمان سنين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه ست سنين، ومع أخيه الحسن ست عشرة سنة، ومع أخيه الحسين خمساً وعشرين سنة، وذلك مدة عمره، ولم يعقب(2).

جعفر بن علي بن أبي طالب (علیه السلام)

أبو عبد الله، جعفر الأكبر، شقيق العباس عليه السلام، أحد الشهداء مع الحسين (علیه السلام).

ص: 200


1- بحار الأنوار (98) / (245) باب (35).
2- وهو معروف عند جمهور العلماء ذكره ابن قتيبة في المعارف والشبلنجي في نور الابصار، والمحب الطبري في ذخائر العقبى والرياض النضرة، وابن الصباغ في الفصول المهمة والكنجي الشافعي في كفاية الطالب والمسعودي في التاريخ والشيخ المفيد في الارشاد وأخرون يطول تعدادهم.

كان يلقب بجعفر الأكبر، ويكنى بأبي عبد الله، أمه أم البنين الكلابية.

أبو عبد الله، جعفر الأكبر، شقيق العباس عليه السلام، أحد الشهداء مع الحسين (علیه السلام).

كان يلقب بجعفر الأكبر، ويكنى بأبي عبد الله، أمه أم البنين الكلابية.

قال أبو الفرج الاصفهاني في «مقاتل الطابيين»: وجعفر بن علي بن أبي طالب أمه أم البنين.. قتل وهو ابن 19 سنة.

وقال أبو مخنف في حديث الضحاك المشرقي: إنّ العباس بن علي قدّم أخاه جعفراً بين يديه؛ لأنه لم يكن له ولد،... فشدّ عليه هاني بن ثبيت الحضرمي الذي قتل أخاه.

وقال نصر بن مزاحم عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام: إنّ خولي بن يزيد الأصبحي «لعنه الله» قتل جعفر بن علي (علیه السلام).

قال في ناسخ التاريخ: جعفر الأكبر، ويكنى أبا عبد الله، وأمه أم البنين أم العباس، وعمر 23 سنة..(1) وعند أبي الفرج الاصفهاني أنّ عمره 19 سنة.

وقال السماوي في «إبصار العين»: ولد بعد أخيه عثمان بنحو سنتين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه نحو سنتين، ومع أخيه الحسن نحو اثنتي عشرة سنة، ومع أخيه الحسين عليه السلام نحو إحدى وعشرين

ص: 201


1- ناسخ التاريخ (5) / (306).

سنة، وذلك مدة عمره(1).

وقال المظفر في «بطل العلقمي»: وما أعرف عمن أخذ السماوي تقدير عمره ب- 21 سنة وتقسيمه على إمامة أبيه وأخويه(2). وذكر صاحب «الدر النظيم»: إنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) سماه باسم أخيه جعفر الطيار لأن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان شديد المحبة له. قال أهل السير: لما قتل أخو العباس لأبيه وأمه وعبد الله وعثمان دعا جعفراً فقال له: تقدم إلى الحرب حتى أراك قتيلاً كأخويكفاحتسبك كما احتسبتهما فانه لا ولد لكم، فتقدم وشدّ على الأعداء يضرب فيهم بسيفه وهو يقول:

إني أنا جعفر ذو المعالي *** ابن علي الخير ذي النوال

ذاك الوصي ذو الندى والوالي *** حسبي بعمى شرفاً وخالي

فشدّ عليه خولي بن يزيد الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينيه فقتله.

وقال أبو مخنف: بل شدّ عليه هانيء بن ثبيت الحضرمي الذي قتل أخاه فقتله.

قال الامام المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في زيارة الناحية:

السلام على جعفر بن أمير المؤمنين، الصابر بنفسه محتسباً، والنائي عن الأوطان مغترباً، المستسلم للقتال، المستقدم للنزال، المكثور بالرجال، لعن الله قاتله هاناء بن ثبيت الحضرمي.

ويظهر من عبارات الامام - أرواحنا فداه - من الفضائل لجعفر بن

ص: 202


1- إبصار العين: (35).
2- أنظر: بطل العلقمي (3) / (511).

أمير المؤمنين ما يميزه عمن سواه من الشهداء، فقوله (علیه السلام)، وبأي معنى أخذ الصبر سواء كان الصبر على مكابدة الأهوال ومكافحة الأبطال، ففي ذلك غاية المدح بالفروسية.

وإن كان الصبر على محبته لإمامه الحسين (علیه السلام) وموالاته له وثباته وعزمه أن يفديه بنفسه ويقيد بمهجته ففي ذلك غاية المدح من الوجهتين: البصيرة والمعرفة بحق الامام المفترض الطاعة، وهذا دليل العلم والفقاهة، ومن حب المواسات له بالنفس التأسي به في جميع الحالات، فهذا دليل على أنّه في غاية الكمال ونهاية الأدب. وإن أريد بالصبر الصبر على معاناة الأمور الشاقة من الجوع والعطش لأنهم حصروا في فلاة جرداء قاحلة، وبادية قفراء قاحلة، قد ملك عليهم الأعداء شريعة الفرات، وقطعوا عليهم طريق الميرة، وصدوا القوافل التي تحمل الأقوات اليهم، فعطشوا وجاعوا، وفي تخصيص جعفر بالصبر على هذا لا يخفى ما فيه من مزيد الفضل، والاشارة إلى ما فيه من الايثار والتضحية والتحمل والمعاناة.

وأما قوله (علیه السلام): «النائي عن الأوطان» مع أنّ كلّ من كان مع الحسين (علیه السلام) كان نائياً عن الاوطان وجميعهم قد اغتربوا، فما معنى تخصيص جعفر؟!

فالظاهر - والله العالم - أنّه إنّما خصّ بذلك لأنّه كان بعد شابصغير لم يذق طعم الغربة ولم يجربها من قبل، سيما أنّه كان صاحب نضارة ورونق جميل، قد تربى في الحضارة، لم يقوى على لفحات السموم ومعاناة شعل الهجير، لأنه أصغر اخوته، ومن المعلوم أن صغير الأولاد

ص: 203

يكون في الموضع الأتم من الشفقة في نظر الأم الشفيقة، فانّها تبره كثيراً وتتعاهده بالنظافة والتعطير وترجيل الشعر ولذيذ المطعم وشهي المشرب، فاذا كان نائياً عن الأوطان - والحال هذه - فانه يلاقي عنتاً، ويجابه شدة شديدة، ويعاني صعوبة صعبة، ومشقة شاقة، سيما من فقد بر الوالدة المشفقة وعطفها وحدبها عليه والطافها.

ومن هنا يعرف أنّ ولد أمير المؤمنين (علیه السلام) أشجع العرب، لأنهم ما شاهدوا حروباً، ولا خاضوا المعارك، ولا وقفوا في صف قبال الأعداء، سوى الحسنين عليهما السلام وابن الحنفية والعباس (علیه السلام)، وهم جميعاً شباب في ريعان الشبيبة ونضرة الصبا، بين من أدرك البلوغ وبين من تجاوزه بيسير، وقد شبوا ونشاؤا في أحضان المدينة حتى إذا كشفت حرب كربلاء عن ساقها، وبرزت كالحة عابسة شوهاء المنظر كريهة المخبر، شمروا السواعد، وشحذوا المرهفات القواطع، وساقوا تلك الأبطال المحنكة والفرسان المجربة سوق الأغنام، وفرت أمامهم كاليعافير أو الحمر المستنفرة، وطاروا بين أيديهم طيران القطا والنعام المشرد، وتفرقوا تفرق الجراد المنتشر، ولو لا غلبة الأقدار ما كثرتهم تلك الجماهير، ولا غلبتهم كثرة الجموع، وقد علم حملة التاريخ والأثر وعلماء الأخبار والسير أنهم أفنوا جماهير أهل الكوفة، وقد تركوا في كلّ حي من أحيائها نائحة وفي كلّ بيت من بيوتها صارخة:

آل علي يوم طف كربلا *** قد تركوا في كل دار نائحة

من دخل الكوفة لم يسمع بها *** في سائر الاحياء إلّا صائحة

ص: 204

قد خلد التاريخ للحشر لهم *** أعمال مجد وفعالاً صالحة

فيا لها فادحة خالدة *** قد أنست الشيعة كل فادحة

أولئك الشبان المنعمون من أهل البيت النبوي أظهروا البسالة والشجاعة ما أدهش الأبطال المجربة والشجعان الخبراء بفن البطولة.

وبقية الفقرة تصف ثبات جعفر الأكبر في ساحات الوغى وغبار المعمعة، وتذكر أنهم ما قتلوه إلّا تكاثروا عليه واحتوشوه من كلّ مكان، والكثرة مهما كانت فان لها الغلبة وفي المثل الشعبي«الكثرة تأخذ البصرة».

حكى جعفر في كربلا بأس جعفر *** كما قد حكى بالضرب والده القرما

وأدى حقوق المجد والفخر من حكى *** بأفعاله الغر الأب القرم والعما(1)

عثمان بن علي بن أبي طالب (علیه السلام)

روي عن عبيد الله بن الحسن وعبد الله بن عباس انه قتل وهو ابن 21 سنة.

وقال السماوي في «إبصار العين»: ولد بعد أخيه عبد الله بنحو سنتين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه نحو أربع سنين، ومع أخيه الحسن نحو أربع عشرة سنة، ومع أخيه الحسين عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة، وذلك مدة عمره.

ص: 205


1- بطل العلقمي: (514).

وروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قال: إنّما سميته عثمان بعثمان بن مضعون أخي.

وعثمان بن مضعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي.

أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وكان أول رجل مات بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة، وكان ممن حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية، وممن أراد الاختصاء في الاسلام فنهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: عليك بالصيام فانه مجفرة - أي قاطع للجماع -.

ولما مات جاء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى بيته وقال: رحمك الله أبا السائب، ثم انحنى عليه فقبله، ثم صلّى عليه ودفنه في بقيع الغرقد، ووضع حجراً على قبره وجعل يزوره.

ثم لما مات إبراهيم (علیه السلام) ولده بعده قال: إلحق - يا بني - بفرطنا عثمان ابن مضعون.

ولما ماتت زينب ابنته (علیها السلام)قال: إلحقي بسلفنا الخير عثمان بن مضعون.

وإنّما استطردنا في ذكر عثمان شيئاً ما إمتثالاً للمولى أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي سمّى ولده باسمه، ونعود إلى عثمان ابن أميرالمؤمنين (علیه السلام).

قال أهل السير: لما قتل عبد الله بن علي دعا العباس عثمان وقال له: تقدّم يا أخي، كما قال لعبد الله، فتقدم إلى الحرب يضرب بسيفه ويقول:

إني أنا عثمان ذو المفاخر *** شيخي علي ذو الفعال الطاهر

ص: 206

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأوهطه(1) حتى سقط لجنبه، فجاءه رجل من بني أبان بن درارم فقتله واحتز رأسه(2).

قال الامام المنتظر - عجل الله تعالى فرجه - في زيارة الناحية: السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سمّي عثمان بم مضعون، لعن الله راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الأيادي والاباني الدارمي.

وجاء في زيارته أيضاً:

السلام عليك يا عثمان بن علي بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته، فما أجل قدرك، وأطيب ذكرك، وأبين أثرك، وأشهر خيرك، وأعلى مدحك، وأعظم مجدك...(3).

واللائح من هذه الفقرات أن عثمان عليه السلام كان عالماً عارفاً فقيهاً خلوقاً بحيث استحق هذه الصفات النادرة والمدائح التي لا يستحقها إلّا من كان جديراً بها.

وجلالة القدر وطيب الذكر وبيان الأثر وشهرة الخير وعلو المدح وعظمة المجد كلها تناسب العالم الذي قد ذاع صيته وانتشر علمه وأدبه وخلف من وراءه تراثاً ينفع ويؤتي أكله كل حين باذن ربه فيكون له لسان صدق في الآخرين.

ص: 207


1- أوهطه: أضعفه وأثخنه بالجراحة وصرعه صرعة لا يقوم منها.
2- إبصار العين: (35).
3- البحار (98) / (245) باب (35).

قاتل العباس (علیه السلام) في الدنيا

فمكث ذلك الرّجل [قاتل العبّاس (علیه السلام)] يسيرا، ثمّ صبّ الله عليه الظّمأ، فجعل لا يروى، و كان يصيح من الحرّ في بطنه، و البرد في ظهره، و بين يديه المراوح و الثّلج، و خلفه كانون، و كان بردله الماء، فيه السّكر و عساس، فيها اللّبن، و هو يقول: اسقوني، أهلكني العطش. فيؤتى بالعسّ أو القلّة، فيه الماء و اللّبن، و السّويق يكفي جماعة، فيشربه، و يضطجع هنيئة، ثمّ يقول: اسقوني، قتلني الظّمأ. فما زال كذلك حتّى انقدّت بطنه انقداد بطن البعير(1).

زيد بن رقاد الجنبي

ولمّا ظفر به الشيعة بالكوفة نصبوه غرضا ورموه حتي لم يبق قدر الدرهم من جسده إلاّ وفيه سهم(2).

قصص

أجرك علي أبي الفضل العباس

يروي آيه الله الشيخ محمد الرازي - أحد تلامذة المرحوم الشيخ

ص: 208


1- موسوعة الامام الحسين (عليه السلام)، ج 4، ص: 265
2- الامام الحسين بن علي بن ابي طالب من کتاب الحدائق الوردية للسيد علي حمال اشرف ص: 102.

محمد تقي البافقي في الأخلاق - هذه الحادثه: يقول: کان أستاذنا المرحوم الشيخ البافقي قد أمر خادمه الحاج عبسا اليزدي أن يدع باب الدار مفتوحاً خلال الليل، وألا يرد أحداً ألجأته الحاجه إلي المجيء في جوف الليل. وأمره کذلک أن يوقظه في أيه ساعه، إذا اقتضي الأمر.. لکيلا يرجع أحد من باب داره خائباً.

وروي الحاج عباس اليزدي، فقال: کنت نائماً في منتصف إحدي الليالي، في غرفه مطله علي باحه دار الشيخ محمد تقي البافقي... لما أيقظني في تلک الأثناء سمعت صوت وقع أقدام تخطو في داخل الباحه، فنهضت واقفاً علي الفور... لاح لي شاب قد دخل الدار.. ووقف في الباحه. مضيت إليه أسأله عما أقدمه في هذه الساعه من الليل، لکنه تلکأ في الجواب؛ إذ لعل لسانه قد انعقد من الخوف، أو أنه لم يفهم ما قلت له بالفارسيه (وقد تبين فيما بعد أنه عربي من بغداد). وقبل أن أقول له شيئاً.. سمعت صوت الشيخ البافقي يأتي من داخل غرفته قائلاً: يا حاج عباس.. إنه يونس الأرمني، جاء لشغل، فدله علي مکاني.

دللته علي مکان الشيخ، فدخل إليه في غرفته. وما إن رآه الشيخ حتي قال له بلا مقدمات: أهلاً وسهلاً... تريد أن تُسلِم؟وأجاب الشاب بلا أخذ ورد:نعم، أتيت لأدخل في الإسلام.

عندئذ بادر الشيخ فشرح له الآداب والشرائط الخاصه بالدخول في الإسلام..

فأعلن الشاب إسلامه.

ص: 209

کان ما حدث - بالنسبه إلي - أمراً غير عادي - سألت يونس هذا الذي أسلم آنفاً. ما حکايتک؟ وکيف أسلمت هکذا بلا مقدمات؟ ولم آثرت المجيء في هذا الوقت من الليل؟

قال: أنا من بغداد، لدي حافله شحن أنقل بها الحموله ما بين المدن. وفي إحدي المرات کنت قد تحرکت من بغداد قاصداً کربلاء. وفي الطريق رأيت رجلاً ذاشيبه واقعاً علي جانب الجاده، وهو يکاد يموت من العطش. أوقفت الحافله، ونزلت له. فناولته مقداراً من الماء کان معي في زمزميّه، ثم أرکبته معي في السياره ومضيت باتجاه کربلاء، وهو لا يدري أني مسيحي أرمني. ولما وصلنا ونزل.. قال لي:

اذهب أيها الشاب.. أجرک علي أبي الفضل العباس.

ثم أني ودعته ومضيت. وبعد أيام شحنت حموله کان علي أن أنقلها إلي طهران. وقد وصلت إلي طهران في أول ليلتي هذه. کنت متعباً من السفر، فخلدت إلي النوم. وفي عالم الرؤيا رأيت کأني في بيت، وسمعت طارقاً يطرق الباب، ولما فتحت الباب رأيت رجلاً علي فرس.

قال لي: أنا أبو الفضل العباس.. جئت أعطيک حقک الذي عليّ. قلت له: أي حق؟

قال: حق تعبک مع ذلک الرجل الأشيب.

ثم قال: حين تستيقظ من النوم تذهب إلي مدينه «الري» حيث سيأخذک رجل - بدون أن تسأله - إلي دار الشيخ محمد تقي البافقي، فإذا صرت عند الشيخ، فادخل في الإسلام.

ص: 210

قلت: علي عيني.

ثم ودعني وانصرف. عندها أفقت من النوم، وتوجهت تلقاء مزار السيد عبد العظيم. وخلال الطريق لقيت رجلاً جليلاً، صعد معي في السياره... فدلني علي دار الشيخ دون أن أسأله. وهکذا أسلمت.

ولما سألت المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي: کيف عرفتموه وعلمتم أنه جاء ليُسلِم؟

قال من أوصله إلي هنا أي الإمام الحجه ابن الحسن (عجل الله تعالی فرجه الشریف) هو الذي قال لي أنه سيأتي، وذکر لي اسمه وحاجته(1).

نقل لي سماحة آية الله السيد أحمد المددي (دام ظله) عن هذا السيد الجليل قوله: حينما كنت في النجف الأشرف كان يزدحم الناس في بيتنا طلباً للاستخارة، وكان ذات مرة في الحاضرين واحد من طلبة العلوم الدينية اسمه الشيخ الشيرازي، فلما كنت متعباً لكثرة الاستخارات في ذلك اليوم قلت للشيخ: أجّل استخارتك وقم لنمشي معاً إلى الحرم الشريف، ونحن نمشي داخلتني حالة عُجب، وحينما وضعت قدمي في الصحن خطر ببالي أن لا أحد على وجه الأرض غيري بعد الإمام الحجة (علیه السلام) بهذا المستوى من القدرة على استكشاف حقائق نوايا أصحاب الإستخارة، وبينما كنت بهذا الخيال جلسنا جانباً في الصحن، وبعد قليل جلست في جانبٍ آخر امرأة فاجتمعت حولها النساء، تطلب كل واحدة منهن استخارةً وهي تمسك بسُبحة الزهراء (علیه السلام) وتقرأ الصلوات على محمد وآله ثلاث مرات،

ص: 211


1- القصص الغريبة لرجال ونساء رأوا الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)لمجموعه من العلماء ص: 23.

فتخبرها عن نواياها بشكل عجيب وتقول لها أن تُقْدم أو تحجم!..

هنا قلت في نفسي: هكذا يريد الله أن ينبّهك أيها السيد كي لا يأخذك العُجب.. فطلبتها أن تأتي بالقرب منا لأسألها كيف حصلت على هذه القدرة وهي لا تبدو أنها عالمة دارسة.. فلما سألتها أجابتني قائلة: إن زوجي لما طلّقني - ربما لعدم الإنجاب، الترديد من ناقل القصة - صرت في ضائقةٍ ماليةٍ شديدة، فجئت إلى النجف وتوسلت بأمير المؤمنين (ع) فرأيت الإمام في المنام يقول لي: حاجتك مقضية عند ابني أبي الفضل العباس (ع)، فاذهبي إلى كربلاء.

فذهبت فوراً وهناك رأيت العباس (علیه السلام) في المنام قال لي: درّي معاشكِ من عمل الاستخارة للناس، فقلت له: أنا أمّية لا أعرف شيئاً، فقال: خذي قبضةً من السُبحة واقرئي الصلوات ثلاث مرات وأنا أُلقي في قلب ماذا تقولين.. وهكذا كان.

هنا انبرى الشيخ الشيرازي الذي كان معي فطلب منها استخارةً، فأخذت له وقالت: يا شيخ لحيتك بيد الظلاّم لا تذهب إليهم!.. فوقع الشيخ في تعجب وشغل باله ولم يقل شيئاً.. فطلبت منها استخارةً لنفسي، فأخذتها وقالت لي: يا سيد أنت تريد أنتسافر ولكن الذين من حولك يمنعوك؟.. وأخيراً بعد أن ذهبت المرأة سألت الشيخ: لأي شيء كانت استخارتك حتى هكذا انقلب حالك؟..

قال: إن جواز سفري عند الشرطة، كنت أريد أن أراجعهم لأسافر إلى إيران، فالخيرة تنهاني عن الذهاب والمراجعة، فلربما هناك مشكلة

ص: 212

تنتظرني على أيدي الظلمة.

وأما استخارتي أنا فقد كانت لأجل أن أنتقل لأعيش في إيران، فتبيّن حقاً أن قراري هذا لا يوافقني عليه مَن حولي.. وهكذا راجعت نفسي فبدأت استغفر الله على العُجب الذي داخلني وكاد أن يسقطني من توفيقاتي التي وفّقني الله لها.. فقلت لنفسي: يا سيد كل الناس أعلم منك حتى النساء المخدرات!(1).

مدينا لابي الفضل العباس (علیه السلام)

في كتاب قصص وخواطر: ذكر العلامة الشيخ محمد شريف الرازي: حكى لي العالم الرباني المعروف المرحوم الحاج ملا اقا جان (محمود الزنجاني): انه بعد الحرب العالمية الاولى سافرت مشيا على الاقدام لزيارة العتبات المقدسة في العراق ولما وصلت الى خانقين ذهبت الى الصلاة في مسجد هناك، فرأيت في المسجد رجل ابيض البشرة يصلي بطريقتنا تعجبت لان هؤلاء البيض ليسوا الا من شمال روسيا. فماذا يفعل هنا ويصلي مثلنا؟ فانتظرته حتى يفرغ من صلاته عند ذلك دنوت منه وسلمت عليه فعرفت من لهجته انه روسي بالفعل وسألته عن محل اقامته وسبب دخوله الاسلام والتشيع فقال: انا من مدينة (لينغراد) كنت ضابطا في الجيش وكانت تحت امرتي الفان من الجنود الروس

ص: 213


1- قصص العلماء المهتدي البحراني ص214.

وعسكرنا على بعد مسافة من مدينة كربلاء ننتظر الامر بالهجوم لاحتلالها في ليلة شاهدت في عالم الرؤيا شخصا مهيبا نورانيا لم اتصور هيبته وقامته من قبل قال لي: ان عساكركم منهزمة في هذا المحور من جبهات القتال (الحرب) وسوف ينتشر الخبر فيقتل هؤلاء الجنود بين العرب المسلمين فقبل ان تقتل تعال واعتنق الاسلام لأنقذك من الهلاك، قلت له: من انت انني لم ارى من قبل احداً مثلك في هذه الاخلاق الطيبة والهيبة والشجاعة. فقال: انا ابو الفضل العباسالذي يقسم المسلمون بإسمي فانجذبت الى كلامه العذب واعتنقت الدين الاسلامي بتلقينه لي، فقلت له: لكن ليس لي مكان في هذه البلاد قال العباس عليه السلام: في القرب من خيمتك فرس اركبه فسيأخذك الى مدينة ابي - النجف - عند وكيلنا السيد ابي الحسن الاصفهاني المرجع الشيعي في ذلك الزمان. قال فلما أفقت من النوم فلما اشاهد الرجل ولكن رأيت خيمتي منوره، وشممت عطرا ًورائحة طيبة جداً فركبت الفرس ووصلت الطريق في الزقاق حتى وقف عند باب منزل وبينما كنت متحيراً عند الباب لا ادري ماذا افعل، واذا بالباب يفتح فيخرج منه سيد كبير من السن نوراني الوجه يرافقه شيخ تكلم معي الشيخ باللغة الروسية ,ثم ادخلاني الى المنزل سألت الشيخ من هذا السيد قال: هو الذي ارسلك اليه ابو الفضل العباس عليه السلام وقد اوصاه بك فأقشعر جلدي ثم امر السيد الاصفهاني ليلقناني الاحكام الشرعية وفي اليوم التالي انتشر نبأ هزيمة الحكومة الروسية، فقد هجم المسلمون العرب على الجنود الروس ولم يبقون احداً منهم على قيد الحياة انني

ص: 214

اشكر الله تعالى على هدايتي وارى نفسي مدينا لابي الفضل العباس عليه السلام الذي كان سبباً لهدايتي(1).

عشق أحزمة حذاء خادم أبي الفضل (علیه السلام)

سمعتُ أحد الثقات يقول: «ذهب أحد المعمّمين يوماً لعيادة المرحوم العلاّمة الأمينيّ رحمه الله في منزله المؤقّت في طهران في منطقة «پيچ شميران»، و كان العلاّمة صاحب «الغدير» مريضاً قد رقد على ظهره و ثقل عليه المرض، فدار الحديث بينهما و كان من بين كلامه أن قال له: سماحة الشيخ! إذا لم يكن المرء محبّاً لأبي الفضل العبّاس - مثلاً - فماذا يضرّ ذلك بإيمانه؟!

فتغيّر حال العلاّمة و نهض جالساً بالرغم من مرضه و قال:

«دع عنك أبا الفضل عليه السلام فأمره واضح! بل لو لم يكن يحبّ أحزمة حذائي أنا أحد خدّام أبي الفضل لأنّي من خدّامه عليه السلام، لأكبّوه - و الله - على وجهه في نار جهنّم!»(2).

إغاثة العبّاس (علیه السلام) المستغيثين به

ونقل عن أحد المراجع العظام نقلاً عن بعض العلماء المقيمين في قم المقدّسة أنّه قال: عرضت لي مشكلة فتوسّلت بإمام العصر الحجة بن

ص: 215


1- (قصص وخواطر ص670_671،الرقم 624).
2- المعاد، ج 7، ص: 57.

الحسن العسكري (علیه السلام) إلى الله تعالى في حلّها، وكنت أذهب في ذلك إلى مسجد جمكران المعروف في قم المقدّسة.

مضت على ذلك مدّة من الزمان ولم أرَ أثراً من الإجابة، فانكسر قلبي ذات مرّة وأنا في الصلاة المستحبة التي تُصلّى في مسجد جمكران، وأخذت أُخاطب سيّدي ومولاي الإمام الحجة (عليه السّلام) وأقول: سيّدي ومولاي، لقد توسّلت بك إلى الله تعالى في حلّ مشكلتي وقضاء حاجتي فلم أرَ أثراً للإجابة، فهل يسوغ لي أن أتوسّل بغيرك وأنت إمامي، ومَنْ له حق الطاعة عليّ في عنقي؟!

ثمّ قلت: فإنّي لا أسمح لنفسي أن أتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد سواك حتّى لو كان وجيهاً عند الله مثل باب الحوائج أبي الفضل العبّاس (علیه السلام).

ثمّ قال: وهنا غلبني الحزن والبكاء وانكسار القلب والخاطر، وبينما أنا كذلك إذ سمعت مَنْ يقول لي: لا بأس عليك بالتوسّل إلى الله تعالى بعمّنا أبي الفضل العبّاس (علیه السلام) ، ونحن ندلّك على ما تقوله عند التوسّل إلى الله تعالى به، فإذا كانت لك حاجة فتوسّل به إلى الله تعالى بهذه العبارة وقل: يا أبا الغوث أغثني.

ص: 216

الفهرس

الزيارات المأثورة للمولى العبّاس (علیه السلام)

زيارة العبّاس (علیه السلام) المطلقة. 9

بعض كلمات المعصومين (علیهم السلام) بحقه (علیه السلام) وبيانات العلماء

اركبْ بِنفسي. 17

العباس (علیه السلام) يستمهل القوم 17

بيانات العلماء. 19

السيد الجلالي. 19

الشيخ العاملي. 20

إشكال حول باء التفدية. 22

والجواب من ثلاثة وجوه هي ما يلي. 22

إشكال حول تفدية المعصوم (علیه السلام)، لغير المعصوم 23

الاصطفاء واحد، والتطهير متعدد المراتب.. 27

وجه الحكمة في انتفاء الإمامة عن سيدنا المعظم العباس (علیه السلام). 29

قال الإمام (علیه السلام) (الآن انكسر ظهري) 32

الوحيد الخرساني. 32

ص: 217

الدربندي.. 33

العاملي. 34

المقرم 35

ورفع ذكرك في علّيّين. 35

أن العالين مستغرقون لا يشعرون بغيره تعالى. 37

لم يؤمروا بالسّجود إلاّ لأجلنا 38

أقول العلماء في بيان بعض مقامات العباس (علیه السلام)

أعلى وأهمّ مظاهر الإعجاز في كربلاء. 43

ابدال يدي العباس (علیه السلام) بجناحين. 46

نافذ البصيرة 47

القزويني. 47

سيدعلي جمال اشرف الحسيني. 48

اكرم بركات.. 48

المظفر. 49

فناء العباس بالحسين (علیه السلام). 50

الشيخ محمّد طه نجف.. 51

أشهر وأوضح من أن يحتاج إلى بيان. 51

قمر بني هاشم تالي الحسنين (علیهم السلام). 51

منزلة كبرى لم ينلها غيره 52

ص: 218

يعد في المرتبة الأولى بعد المعصومين الأربعة عشر. 54

كان العباس سيدهم، وإمام جماعتهم، بعد أخيه الحسين. 55

مصائبه (علیه السلام)

هو شريك الامام (علیه السلام) في كل الهموم والغموم 59

أعظم المصائب على سيد الشهداء (علیه السلام). 59

الملا حبيب الله الشريف الكاشاني. 59

الشيخ نوروز البسطامي. 60

وصية امير المؤمنين (علیه السلام). 62

مصائب الوداع في يوم عاشوراء

خذي انت بطرف رداء العباس (علیه السلام). 67

حتّى ابتلّت لحيته المباركة بالدّموع. 67

وقبّل بين عينيه وودّعه. 68

فطأطأ رأسه إلى الأرض، وبكى حتّى بلّ أزيافه. 68

لما كان يعلم بعلم الإمامة انه لا يرجع اليه؟ 69

اخي اصبر هنيئة حتى اراك مرة اخرى.. 70

وادعوا الله اي يرجعني اليكم سالما 70

ص: 219

في شجاعته (علیه السلام)

السيف أيام طفولته (علیه السلام). 73

شجاعته (علیه السلام) في معركة صفّين. 74

كسر حصار بني أمية للماء في واقعة صفين. 76

العباس (علیه السلام) في النهروان. 76

مع خوارج النهروان. 78

وواجه ثلاثة من فرسان القوم وشجعناهم 79

فحمل عليهم (علیه السلام) فاستنقاذهم 79

كالجبل الأصمّ لا تحرّكه العواصف.. 80

فلو كان بيني وبين الفرات بحراً من نارٍ فإنّي سأقتحمه. 81

شجاعة العبّاس الأكبر (علیه السلام). 82

قالوا في شجاعته. 83

السقاء ساقي عطاشا كربلاء

النصوص التاريخية. 89

النص الأول. 89

النص الثاني. 90

النص الثالث.. 90

النص الرابع. 91

النص الخامس.. 92

ص: 220

النص السادس.. 92

النص السابع. 92

النص الثامن. 92

منشأ تلقيب العباس (علیه السلام) بالسقاء. 93

لأنّه استسقى الماء لأخيه الحسين عليه السّلام يوم الطّف.. 93

أنَّه جاء بالماء لمعسكر الحسين (علیه السلام) في ليل التاسع أو العاشر من المحرَّم 93

بسبب ما تميَّز به يوم عاشوراء من بسالةٍ وشدَّةٍ 94

كانت السقاية بيد العباس ليلا ونهارا حضرا وسفرا 95

ان تسميته بالسقا كان في زمن ابيه (علیه السلام). 95

معنى دقيق لا يعرفه الأكثر. 96

أبو الفضل (علیه السلام)

الفضل. 99

ثمّ إنّ الفَضْلَ. 99

بيان الشيخ محلاتي. 104

بيان العلامة الاوردبادي.. 104

بيان القائيني البير جندي.. 104

بيان السيد احمد النجفي. 105

ص: 221

ذكر عطش الامام الحسين (علیه السلام)

هل كان العباس (علیه السلام) ناسيا فتذكر عطش الحسين (علیه السلام). 109

المطهم فرس العباس (علیه السلام) لم يذق الماء. 118

مقتله (علیه السلام) حديث الشهادة

فصيّرنا جلده كالقنفذ 121

وأخذ السّيف بفمه. 121

فحمل عليه السّلام القربة بأسنانه، وجعل يركض ليوصل الماء. 122

ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره 122

وقطعوا يديه ورجليه حنقا عليه. 123

وحملوا عليه بالرماح حملة واحدة حتّى قطّعوا لحم أعضائه. 123

كل قطعة من بدنه على راس رمح ورفعوه 124

عمدُ الحديد

ممن ضرب بعمود من حديد في يوم عاشوراء. 127

أم وهب بن عبد الله الكلبي. 127

علي الأكبر (علیه السلام). 129

العباس (علیه السلام). 130

فاجعة: فاعتوره الرجّالةُ برماحهم فقتلُوه 131

حكيم بن طفيل الطّائيّ سلب العبّاس بن عليّ ثيابه. 131

ص: 222

مجيء الامام الحسين (علیه السلام) ساعة مقتله

ركب فرسه وانقض على الأعداء. 135

واأخاه وا عباساه وا مهجه قلباه 135

فأخذهما وجعل يمسحهما على وجهه ويقبلهما 135

فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التّراب.. 136

الإمام الحسين (علیه السلام) يأخذ برأس أبي الفضل (علیه السلام). 137

وفي مصدر اخر. 137

تأثير شهادة العباس على الامام الحسين أعظم من شهادة جميع الانصار. 138

ما هو السبب في عدم حمل العباس (علیه السلام) للمخيم

لأنّ الأعداء قطّعوه بسيوفهم إربا إربا 141

السر في ابقائه. 143

الداعي الاول. 143

الداعي الثاني. 145

الداعي الثالث.. 145

الداعي الرابع. 146

الداعي الخامس.. 147

الداعي السادس.. 148

الداعي السابع. 149

ص: 223

رجوع الامام الحسين (علیه السلام) الى المخيم

وهو يكفكف دموعه بكمّه. 153

وارادت الحوراء زينب ان تذهب لمصرعه. 153

الإمام زين العابدين (علیه السلام) يبكي عمه العباس (علیه السلام). 154

أن أعضاءه مقطعة إربا إربا فلم أستطع حمله. 154

الحسين (علیه السلام) يستغيث بعد مقتل العبّاس (علیه السلام). 155

سر استقلال ابي الفضل (علیه السلام) بقبر لوحده 155

دفنه (علیه السلام)

رواية الدفن. 161

مصائب راس العباس (علیه السلام)

نظرت إليه كأنه يضحك. 167

ثمّ أقبل رأس العبّاس.. 167

أتيتك بذكرى من ولدك العباس.. 168

مصائبه على لسان العلماء

ويداه مقطوعتان فبماذا يتلقّى الأرض؟ 173

العبّاس (عليه السّلام) وإصابة السهم عينه. 173

من جراحات مقتل العباس (علیه السلام). 175

ص: 224

مثّلوا به وهو حيّ، وقطّعوه إرباً إرباً 176

اللواء

الراية في حماية العبّاس (علیه السلام). 181

اللواء مع الغنائم في الشام 181

أولاده (علیه السلام)

فائدة في زوجته. 187

شهادة محمّد والقاسم وعبد الله بنو العبّاس (علیه السلام). 187

محمّد والقاسم الشهيدان مع عمّهما الحسين (علیه السلام). 188

أسر أحد أبنائه. 190

اخوته (علیه السلام)

اقول المؤرخين. 193

ابن سعد 193

الطبري.. 193

أبو الفرج. 193

الشيخ المفيد 194

السيد الأمين. 195

عبد الله بن علي بن أبي طالب (علیه السلام). 198

ص: 225

جعفر بن علي بن أبي طالب (علیه السلام). 200

عثمان بن علي بن أبي طالب (علیه السلام). 205

قاتل العباس (علیه السلام) في الدنيا 208

زيد بن رقاد الجنبي. 208

قصص... 208

أجرك علي أبي الفضل العباس.. 208

مدينا لابي الفضل العباس (علیه السلام). 213

عشق أحزمة حذاء خادم أبي الفضل (علیه السلام). 215

إغاثة العبّاس (علیه السلام) المستغيثين به. 215

الفهرس.. 215

ص: 226

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.