نام كتاب: الأرض
نويسنده: خالد فائق العبيدى
موضوع: اعجاز علمى
تاريخ وفات مؤلف: معاصر
زبان: عربى
تعداد جلد: 1
ناشر: دارالكتب العلمية
مكان چاپ: بيروت
سال چاپ: 1426 / 2005
نوبت چاپ: اوّل
ص: 1
ص: 2
الكتاب الرابع: الأرض
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على أفضل و أشرف رسله و أنبيائه سيدنا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و على آله و صحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد.
فهذا هو لقاؤنا الرابع معكم في سلسلتنا (ومضات إعجازية)، لنتكلم فيه عن السبق القرآني في مجال مهم آخر و هو علوم الأرض.
لعل الدخول في موضوع الأرض و علومها و ما فيها من كنوز المعادن النفيسة من الأهمية و الإمتاع بمكان بحيث إن القارئ و الباحث ليجد فيه تشويق و لذة تدفعه إلى المزيد من البحث و التفحص في مكامن هذا البحر العميق.
إن موضوع الإعجاز القرآني الخاص بالأرض طبوغرافيتها، أصل تكوينها، حركاتها و كل ما تحويه من معادن و كنوز يعتبر من أهم المواضيع التي بحثت و درست، و فيه من الكتب و المؤلفات ما يغني عن الذكر، فلا يكاد يخلو مصدر من مصادر كتب الإعجاز إلا و ذكر فيه هذا العلم العظيم الواسع الذي أقسم اللّه تعالى به.
و حسبنا أن نذكر أن الإمام الرازي رحمه اللّه كان أول من تكلم عن كروية الأرض و قد استنتجها من خلال قراءاته و تأملاته في القرآن الكريم.
جاء لفظ الأرض في القرآن الكريم ليعني معان عديدة، فتارة يعني بقعة محددة منها كأرض مكة أو أرض المدينة أو أرض مصر أو أرض بابل أو أرض الشام أو غيرها و حسب ورود النص و سياقه. و تارة يعني مستوى الأرض كما هو حال أدنى الأرض التي ذكرت في سورة الروم، و التي جرت عليها المعركة بين الروم و الفرس و التي تنبأ بها القرآن الكريم و بيناها في كتاب الآثار (الكتاب الأول من هذه السلسلة). و تارة يعني كل ما يدبّ عليه من يابسة، و تارة يعني الكرة الأرضية ذات الشكل البيضوي كما فصل النص القرآني تصريحا، و تارة يعني طبقات الأرض، و تارة يعني الانبساط عكس الارتفاع، و غير ذلك و كما سنفصل في هذا الكتاب.
ص: 3
و قد يتطلب الأمر منا مجلدات حتى نفي هذا الموضوع المهم حقه، و لكننا سنحاول في هذا الكتاب جاهدين أن نلخص و نسهل الموضوع قدر الإمكان لنستنشق عبق بعض زهور هذه الرياض الفسيحة.
ص: 4
الأرض هي أحد الكواكب في المجموعة الشمسية، و هي تحمل الترتيب الثالث من حيث بعدها عن الشمس بعد عطارد و الزهرة فيبلغ معدل بعدها عن الشمس 149,503,000 كم أي 92,897,000 ميل، كما و أنها الخامسة من حيث الحجم و الوحيدة التي يوجد فيها حياة رغم أن هناك عدد من الكواكب السيارة لها غلاف جوي و فيها ماء كالمريخ مثلا. الأرض ليست كروية تماما بل أن فيها تفلطح عند القطبين، فهناك فرق بين قطر الأرض عند القطبين عما هو عند المنتصف بحوالي 42 كم.
فالأرض تحمل صفة التسطح و الكروية معا و هذه في الرياضيات معناها الشكل البيضوي.
في آخر الاكتشافات الفلكية فإن الأرض تتحرك في الكون 14 حركة مختلفة دائرية و دورانية بفعل قوى مختلفة، و منها حركة اهتزازية تشبه حركة مهد الطفل فيقول عنها العلماء أن لها تأثيرا واضحا في نوم الكائنات الحيوانية و البشرية التي عليها.
فالأرض تتحرك مع المجموعة الشمسية برمتها بمعدل سرعة 20,1 كم/ثانية (12,5 ميل/ثانية)، أي ما يعادل 72,360 كم/ساعة (45,000 ميل/ساعة)، باتجاه مجموعة الهيركوليز النجمية. المجرة التي تحتضن المجموعة الشمسية و هي درب التبانة ككل تتحرك باتجاه مجموعة ليو النجمية بمعدل سرعة نحو 600 كم/ثانية (375 ميل/ثانية). هناك أيضا حركة الأرض مع قمرها بمسار إهليلجي بيضوي حول الشمس بسرعة نحو 106,000 كم/ساعة (66,000 ميل/ساعة)، هذا المدار له شذوذ بسيط عن الدائرية و له طول يصل إلى 938,900,000 كم (583,400,000 ميل).
و الأرض أيضا تدور حول نفسها أي محورها مرة كل 23 ساعة و 56 دقيقة و 4,1 ثانية (مبنية على السنة الشمسية). و لكن هذه الحركة تختلف بين مكان و آخر على سطح الأرض، فعند خط الاستواء تتحرك بسرعة معدلها يزيد بقليل عن 1600 كم/ ساعة (1000 ميل/ساعة)، بينما عند خط عرض بورتلاند مثلا (45 درجة شمالا) يدور بسرعة 1073 كم/ساعة (667 ميل/ساعة).
ص: 5
بالإضافة إلى هذه الحركات الأساسية، هناك حركات أخرى، منها ثلاثة مركبات للحركة. منها الحركة المتأتية من اختلاف ميل محور الأرض الناتج عن قوى الجذب للأرض من قبل الشمس و القمر، و كذلك تقدم و تأخر الاعتدال الربيعي و الخريفي، و اختلاف خطوط العرض في مناطق الأرض المختلفة.
لنلاحظ كيف يعالج القرآن الكريم هذه النقطة المتعلقة بحركات الشمس و الأرض و تابعها القمر و المجموعة الشمسية برمتها، يقول اللّه تعالى:
وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (النمل: 88).
وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
ص: 6
(يس: 37-40).
في الآية الأولى، هنا الجبال كناية عن الأرض لأنها أعظم تركيبة فيها من حيث الحجم و الضخامة، أي أننا عند ما ننظر إليها نتوقع أنها ثابتة و لكنها تسير سيرا حثيثا شبهه القرآن الكريم بسير السحاب و لم يستخدم أداة تشبيه، أي أن سرعة جريانها تشبه سرعة جريان الرياح التي تحمل السحب. فكانت هذه أول إشارة في تأريخ البشر لدوران الأرض حول نفسها، و هنا يتجلى أمران:
1 - الحركة النسبية للجبال نسبة لدوران الأرض حول نفسها و حول الشمس و دوران المجموعة الشمسية حول مركز المجرة و هكذا. هذه الحركة التي لا يحسها الإنسان لأنه ساكن على سطح هذه الذرة الصغيرة السابحة في الفضاء الفسيح.
2 - هذا التشبيه الرائع بين سرعة الجبال و سرعة السحاب إذ لو درست سرعة الرياح الكاملة للسحب في طبقات الجو و قورنت مع سرعة الأرض حول نفسها لوجد الباحث عظمة هذا الربط الرائع.. فالمعلوم أن سرعة الأرض بحركتها الدائرية حول الشمس هي تقريبا 100000 كم/ساعة، و بحركتها الدورانية حول نفسها حوالي 1650 كم/ساعة، و طبعا فإن الجبال تتحرك ضمن الأرض التي تحتضنها.. و إذا ما قارنا هذه السرع مع سرعة الريح و التي هي أصلا جزء من الغلاف الجوي الأرضي فسرعتها إذا كانت ساكنة مساوية لسرعة الأرض (1650 كلم/ساعة)، أما إذا كانت متحركة فتختلف سرعتها باختلاف عوامل عديدة فتصل في حالات مختلفة إلى حوالي 300 كم/ساعة.
و من هذا يتبين لنا دقة الربط بين حركة الجبال و تشبيهها بحركة السحب، و في هذا دلالة على أن الجبال ثابتة شامخة و لها علاقة وطيدة بنزول المطر. و لكنها في نفس الوقت تدور مع دوران الأرض و لكننا نراها ثابتة لأننا نرى الأرض كذلك، و اللّه أعلم.
أما الآية الثانية فتؤشر بشكل جلي دوران الشمس و قد ذكرنا أن العلم الحديث اكتشف دوران المجموعة الشمسية ككل باتجاه مجموعة هيركوليز النجمية. و كذلك ذكرت الآية دوران و جريان القمر و هو ما اكتشف حديثا من دورانه حول الأرض و معها حول الشمس و معهما و بضمن المجموعة الشمسية. و بالتالي فإن الأرض تدور و تجري ضمن هذه الدورانات و الجريانات. و قوله تعالى (تجري) و (فلك) دلالة على الحركة الدائرية، بينما قوله تعالى (يسبحون) دلالة على الحركة الدورانية لأن السباحة تتطلب
ص: 7
تحريك أجزاء الجسم السابح، كما تثبت أن الكون ليس فراغا لأن السباحة لا تكون في فراغ بل في وسط مادي، و هذا ما عرف حديثا من أن الكون يتكون ليس من فراغ بل من طور مادي اسمه مادة الكون المظلم ( Dark Matter ).
كذلك يتضح لنا من هذه الآيات الكريمات من سورة يس من قوله تعالى وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)، و إلى نهاية الآيات، ما يعرف بحركة الأرض حول الشمس لتكوين ظاهرتي الليل و النهار اللتين تشكلان دورة يومية مهمة في حياة الكائنات الحية و على رأسها البشر، إذ لولاها لما كان هناك غذاء أو راحة أو عمل و ما إلى ذلك و لأصبحت الحياة مستحيلة، و هذه الحركة الدورانية للأرض حول نفسها و كذلك حركة الأرض الدائرية حول الشمس فضلا عن حركات الشمس حول المجرة و القمر حول نفسه و الأرض و الشمس تكون منتظمة مرتبة بحساب لذلك ختمت الآيات الكريمات بالقول الكريم لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40). و يعضد هذه الآية آيات عديدة في القرآن الكريم تعطي نفس المعنى، منها قوله تعالى:
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27)، (آل عمران: 27).. إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54)، (الأعراف: 54).. وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)، (الرعد: 3).. وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (12)، (الإسراء: 12)، و غيرها من الآيات الكثير..
و كل تلك الآيات الكريمات المباركات تدل على الحركة التعاقبية لليل و النهار و تبادلهما مما يؤشر حقيقة دوران الأرض حول الشمس، كما و يؤشر حقيقة ميكانيكية الظل الناتجة من ضوء الشمس و سقوطه على الأشياء، و التي شرحناها في كتاب الفلك،
ص: 8
و كذلك تداخل الليل و الذي يشير لغروب الشمس و حلول الظلام مع النهار الذي هو ببساطة دليل لدور الشمس و طاقتها في حياة الكائنات المختلفة. فمعاني كلمات الآيات المباركات تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ من الولوج أي الدخول و التداخل لأحدهما على الآخر مما يزيد من طوله أو ينقص منه، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً من تغطية أحدهما الآخر و جريان النهار (الضوء أي شروق الشمس) خلف الليل (الظلام أي غياب الشمس)، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً
أي جعلنا لسلطان الضوء و طاقته القادمة من الشمس القدرة و الإمكانية لإزالة الظلمة..
و كل تلك الآيات و غيرها الكثير تدل على الزيادة و النقصان في أوقات الليل و النهار على مناطق مختلفة من العالم بشكل منظم لا يقبل الخطأ، و هذا بدوره يدل على دوران الأرض حول نفسها و حول الشمس، ذلك تقدير العزيز العليم..
أما الحركات الأخرى فواضحة في قوله تعالى:
اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى (53) (طه: 53).
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَ الْجِبالَ أَوْتاداً (7) وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8) وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11) وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12) وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً (13) (النبأ: 6-13).
المهد: أي كالفراش الذي يوطأ للطفل. و في الآية الثانية جعل النوم السبات في الليل متسلسلا مع جعل الأرض كالمهد للطفل. أما دليلنا أن معنى المهد هو فراش الطفل الذي ينام فيه فمن اللغة و القرآن:
فبالرغم من الوجه البلاغي في الاستعارة التي يستخدمها القرآن الكريم لذلك فإذا أردنا أن نترجمها إلى لغات أخرى لا يسعنا إلا أن نقول أن المعنى هنا لكلمة المهد هو ليس فقط السكنى و الاستقرار و كونه مستقرا للمعيشة و إنما هو فعلا فراشا للنوم بسبب حركة الأرض الاهتزازية التي ذكرنا. و عليه يكون القرآن الكريم هو مؤسس هذا العلم و ليس غاليلو و نيوتن..
ص: 9
يعرف علم الجيولوجيا بأنه علم الطبقات التحتية للأرض فالمقطع ( Geo ) يعني باللاتيني التحتي، و المقطع الثاني ( Logy ) يعني العلم، و يختص هذا العلم عموما بدراسة المكونات للقشرة الأرضية من نواحي تركيبها الكيمياوي و المعدني و خواصها الطبيعية و الكيمياوية و الميكانيكية. و تقسم علوم الأرض إلى:
1 - الجيوكيمياء: و يقسم إلى علم البلورات و علم المعادن و علم الصخور و كيمياء الأرض.
2 - الجيوفيزياء: و تشمل طرقه الطرق التثاقلية و المغناطيسية و الكهربية و السيزمية (الزلزالية).
3 - الجيولوجيا الديناميكية: و تقسم إلى علم الترسيب و المياه و المحيطات و علم الصهارة و البراكين و الزلازل و الجيولوجيا التركيبية.
4 - علم الجيولوجيا التأريخية: و تشمل علم الحفريات و الجيولوجيا الطبقية و الجغرافية القديمة.
5 - الجيولوجيا التطبيقية: و تشمل جيولوجيا التعدين و البترول و الفحم و النظائر المشعة و المياه الأرضية و الجيولوجيا الهندسية و الزراعية.
أما الجيولوجيا الهندسية فتشمل دراسة الصخور و خصائصها سواء كانت صخور سطحية أو تحتية لتمكن المهندس من الإنشاء و البناء فوقها، و كذلك تشمل التعرف على التراكيب الجيولوجية و تحديد الحاجة إلى استخدام الستائر الجانبية من عدمه، و كذلك تحديد الميول الجانبية إذا لزم الأمر و من ثم التعرف على طبيعة المياه الجوفية و حركتها و منسوبها و تحديد مصادرها بما يفيد في الهندسة الصحية و الري و البزل.
علميا تقسم الأرض من الناحية الجيولوجية أو ما يعرف بعلم الأرض إلى خمسة أقسام رئيسية، و إذا أردنا تفصيل هذه الأجزاء الرئيسية الخمسة فإن الطبقة الأولى هي الطبقة الغازية المسماة الغلاف الجوي الأرضي ( atmosphere )، و هو غلاف غازي يحيط بالجزء الصلب و يحتضنه و يصل ارتفاعه إلى حوالي 1100 كم (700 ميل)، و لكن الكتلة الرئيسية له تتركز في الارتفاع الذي يصل إلى 5,6 كم (3,5 ميل).
أما الثانية فهي طبقة المائية المسماة ال ( hydrosphere ) و هي طبقة البحار
ص: 10
و المحيطات التي تغطي حوالي 70,8% من سطح الأرض. و بينما الطبقات الثلاثة الأخرى تكون صلبة و هي ال ( lithosphere )، الدثار أو المانتل ( mantle )، ثم اللب ( core ) الذي يشكل جل كتلة الأرض لاحتوائه على المواد الأثقل.
الطبقة المائية تشمل جميع المياه السطحية على الأرض من محيطات و بحار و بحيرات و أنهار و جداول و مستنقعات و كذلك المياه الجوفية التي نجدها على شكل آبار عيون و ينابيع و غيرها. معدل عمق المحيطات يصل إلى 4794 م أي خمسة أضعاف ارتفاع اليابسة في القارات. تشكل البحار كتلة تعادل 4400/1 من كتلة الأرض الكلية (1,35 * 10 18 طن متري).
يتكون الليثوسفير من قشرتين الأولى القشرة الأرضية الصلبة و الثانية المانتل العلوي، الذي يتكون من العديد من الصفائح البنائية أو التكتونية، فالقشرة الأرضية نفسها تتكون من صفيحتين أو قشرتين العلوية أو ما يعرف بالسيال ( sialic ) و التي تتكون من صخور نارية و رسوبية و الذي يتكون تركيبها الكيميائي أساسا من مواد تشبه تركيب الكرانايت بكثافة 2,7. و أما القشرة السفلية المسماة السيما ( simatic ) التي تشكل قيعان المحيطات تتشكل من صخور نارية أثقل و أكثر عمقا مثل الكابرو و البازلت بكثافة 3. أي أن القشرة الأرضية تتكون من طبقات صخرية تختلف من حيث كثافتها و طبيعة تركيبها المعدني و يطلق على القشرة السطحية للأرض اسم السيال ( Sial ) و ذلك لان مقاومة صخورها تتراكب أساسا من سليكات الألمنيوم و تبلغ متوسط كثافتها نحو 2,8 و يتراوح سمكها من 2 إلى 15 كلم. و أسفل طبقة السيال تقع طبقات أخرى من الصخور الأكثر كثافة حيث تتركب من معادن ثقيلة و نطلق عليها طبقات السيما ( Sima ) نظرا لان معظم صخورها تتركب أساسا من سليكات المغنيسيوم و تزيد كثافتها عن 3,4، و يصل متوسط سمك القشرة الأرضية (طبقات السيال و السيما معا) بحوالي 72 كم و تعرف هذه الطبقة الصخرية الخارجية باسم الليثوسفير ( Lithosphere ).
و يقع اسفل القشرة الخارجية للأرض طبقة صخرية أعظم سمكا و تتركب من معادن و صخور أكبر كثافة و ثقلا من تلك التي تتمثل في القشرة الخارجية و يطلق على هذه الطبقة اسم طبقة المانتل ( Mantle ) (الطبقة الغطائية الداخلية) و يبلغ متوسط سمكها حوالي 2880 كلم و تتراوح كثافة المواد التي تتألف منها من 5-8 و من ثم تتركب
ص: 11
من مواد معدنية ثقيلة.
كما أن الليثوسفير يتكون من المانتل العلوي الذي تصل كثافة صخوره إلى 3,3.
تفصل القشرة عن المانتل الذي يقع أسفله بطبقة زلزالية منقطعة تسمى موهو، و عن المانتل السفلي بمناطق ضعف تسمى آزثينوسفير ( asthenosphere ). إن قوى القص للصخور اللدنة شبه المنصهرة لهذه الطبقة ( asthenosphere ) التي يصل سمكها إلى 100 كم تمكن الجرف القاري أو اليابسة من التحرك خلال سطح الأرض و المحيطات انغلاقا و انفتاحا. المانتل السميك هذا الذي يصل سمكه إلى 2900 كم (1800 ميل) يغطي الجزء الداخلي من الأرض المسمى باللب. تتراوح كثافة المانتل هذا من 3,3 إلى 6 ما عدا طبقة ( asthenosphere ) و تزداد مع العمق. الجزء العلوي من المانتل يتكون من الحديد و سليكات المغنيسيوم كما هو معرف علميا بمعدن الأوليفين، و بينما الجزء السفلي من المانتل يتكون من خليط من أكاسيد المغنيسيوم و السليكون و الحديد.
إن مناطق الضعف هذه سميت بالصدوع الأرضية و التي منها تتكون الحركة التكتونية لقشرة الأرض السابحة على بحر من المنصهرات الساخنة (لاحظ الشكل).
و تقع أسفل هذه الطبقة الأخيرة باطن الأرض ( Core ) أو لب الأرض أو ما يعرف باسم النواة الداخلية المركزية ( Centrosphere ) و تتألف من مواد ذات كثافة و ثقل اكبر من تلك التي تتركب منها بقية قطاعات الأرض و تتألف عادة من النيكل و الحديد
ص: 12
و متوسط كثافتها 11 و سمكها حوالي 6400 كلم. أوضحت الدراسات الزلزالية الحديثة أن طبقة مركز الأرض المسماة باللب تتكون من قشرتين، الأولى هي الخارجية بسمك 2225 كم (1380 ميل)، و هي صلبة و لكن سطحها الخارجي يحوي تجاويف و قمم تتكون في المناطق التي ترتفع فيها سخونة المواد و على هذا فإنها يغلب عليها صفة الانصهار، بينما القشرة الداخلية التي يصل نصف قطرها إلى 1275 كم (795 ميل) تكون صلبة جدا، و الجزءان معا يتشكلان من الحديد في الغالب مع نسب بسيطة من النيكل و مواد أخرى. تصل درجة حرارة اللب الداخلي إلى حوالي 6650 درجة مئوية (12,000 فهرنهايت)، و معدل الكثافة يصل إلى 13.
بعض العلماء قسم الأرض إلى أربعة أغلفة منها الكيمياوي و الفيزياوي و الحراري الخ، إلا أن كل هذه التقسيمات و التصنيفات تشترك بتصنيف الطبقات الأساسية للأرض.
إن طبقات الأرض المختلفة المفصلة أعلاه متداخلة في بعضها و لكن الحدود الفاصلة بينها واضحة، فهناك قشرتان أرضية قارية ( Continental crust ) و مائية ( Oceanic crust ) و عموما فإن كوكب الأرض يقسم إلى قشرة ( Crust ) و دثار ( Mantle ) و لب خارجي ( outer core ) و لب داخلي ( inner core ).. الجوف الأرضي يبعث موجات قذف أثناء ثوران البراكين و من ضمن هذه المواد المنبعثة خلال انفجار البراكين خامات الحديد بشكل متحد و متراكب مع عناصر أخرى و المتأتية في الواقع من أعماق سحيقة في جوف الأرض. كما أنه من الواضح أنه على الرغم من اختلاف التقسيمات بين العلماء إلا أن الصفة الغالبة للتقسيمات العلمية هي سبعة طبقات.
أي أن تركيب الأرض تقسم إلى خمسة أغلفة رئيسية و الأخير يقسم بدوره إلى اثنتان ثانويتان فيصبح العدد الكلي سبعة و هي:
أ - غلاف هوائي Atmosphere .
ب - غلاف مائي Hydrosphere .
ج - غلاف يابس Lithosphere .
د - غلاف الحياة Biosphere (القشرة الأرضية).
ه - جوف الأرض Centrosphere و هذا يقسم بدوره:
أولا - طبقات من السليكات الخفيفة و الثقيلة ثانيا - طبقة الأكاسيد و الكبريتات
ص: 13
ثالثا - نواة الأرض المكونة من الحديد و النيكل المنصهر.
و هذا يعني أن التقسيم العلمي لطبقات الأرض هو سبعة.
و حسب آخر الأرصاد الزلزالية لطبقات الأرض فإن طبقات الأرض عدا الغلاف الجوي الهوائي هي سبعة أراضي متلاصقة، و هي كما يأتي:
1. طبقة القشرة و الطبقة المائية ( HydrosphereCrust ) 2. طبقة المانتل العلوي ( Upper Mantle )، و هي طبقة المنصهرات الجزئية ( Partial Melting ).
3. طبقة الأوليفاين و البايروكسين ( OlivinePyroxene Garnet ).
4. الطبقة الانتقالية ( Transition Zone ).
5. طبقة المانتل السفلي ( Lower Mantle ).
6. اللب الخارجي ( Outer Core )، و هي طبقة الحديد و النيكل المنصهرين.
7. اللب الداخلي ( Inner Core )، و هي طبقة الكرة المركزية الحديدية للأرض.
ص: 14
نزل الحديد من المستعرات في الكون السحيق إلى كواكب مجموعتنا الشمسية و منها الأرض ليستقر فيها فكانت هذه المرحلة الأولى لتكون الحديد و نزوله. بعد ذلك أصبحت كتلة الأرض كبيرة جدا فكونت لها تبعا لذلك غلافا جويا من الهواء و هو طبقة الأتموسفير، و نتيجة لذلك بدأت مرحلة تبريد الأرض الساخنة، فبدأت دورات الأمطار و الاستمطارات التي استمرت سنين طويلة كونت معها جل حجم المياه في الأرض فكانت المرحلة الثانية لاستقرار الحديد في جوف الأرض.
ص: 15
ص: 16
و قد ساعدت عمليات دوران الأرض حول محورها من جهة و البرودة التدريجية التي تعرضت لها من جهة أخرى على تنسيق و ترتيب مواد الأرض تبعا لاختلاف كثافتها و تكوين الغلاف الصخري الخارجي أو القشرة الأرضية الخارجية التي تتألف من صخور بردت تماما و تختلف عن المصهورات الممثلة في باطن الأرض، و كما يذكر علماء الفلك و الجيولوجيا.
هذه الطبقات السبعة لجيولوجيا الأرض هو ما صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً (12)، (الطلاق: 12)، و قد بينا في كتاب الفلك معنى الطبقات السبعة للسماوات، و ها هو العلم يذعن لتقسيم القرآن للأرض بأنها سبعة طبقات، و اللّه أعلم. و إذا ما نظرنا للآية الكريمة من منظار آخر، و هو أن معنى الأرض لغة هو كل ما تطأه قدمك، لذا اقتضى المعنى هنا كل ما يتعلق بما تدب عليه أحياء برية كالبشر و الحيوان. و حيث أن العلم لم يتوصل إلى وجود كوكب آخر فيه حياة عامرة بالحركة من كل الأصناف الحية في ماءه و بره عدا كوكبنا الفريد هذا رغم المحاولات الحثيثة للتوصل لهذا الاكتشاف، إذ بلغ ما رصد من أنظمة شمسية مشابهة لنظامنا الشمسي في الكون المرئي لحد اليوم مئات و لكن لا يوجد كوكب واحد مكتشف لحد اليوم يثبت وجود حياة. فلذلك فالمعنى يصبح الأرض التي تطأها أقدام الكائنات الحية، و عليه فأن المعنى لا يشمل الطبقات التحتية، و إنما يختص بالمنطقة الملامسة للقدم، و من هنا فإن التقسيم السباعي للأرض في الآية الكريمة ينطبق على القشرة الأرضية حسب و بجزئها البري فقط.
و إذا ما تأملنا القارات التي تتقسم منها الكرة الأرضية فإننا نجدها سبعة - بمعنى العدد سبعة إذا أخذت الآية على الحقيقة - و هي قارتي القطبين الشمالية و الجنوبية، و قارة إفريقيا، و الأمريكتين كل منهما قارة، و قارة أستراليا، و قارتي أوربا و آسيا تعتبران واحدة لعدم وجود عازل واضح يفصلهما. أما إذا أخذت الآية على المجاز، و العرب تستخدم العدد سبعة للكثرة فإن الكثرة هنا تعني الجزر الكثيرة و العديدة التي تتكل منها القشرة الأرضية، و اللّه أعلم. و يؤيد هذا الرأي ما جاء في آية الفتق و الرتق التي ذكرناها في كتاب الفلك - الآية 30 من سورة الأنبياء - و هي قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ
ص: 17
و إذا ما تأملنا القارات التي تتقسم منها الكرة الأرضية فإننا نجدها سبعة - بمعنى العدد سبعة إذا أخذت الآية على الحقيقة - و هي قارتي القطبين الشمالية و الجنوبية، و قارة إفريقيا، و الأمريكتين كل منهما قارة، و قارة أستراليا، و قارتي أوربا و آسيا تعتبران واحدة لعدم وجود عازل واضح يفصلهما. أما إذا أخذت الآية على المجاز، و العرب تستخدم العدد سبعة للكثرة فإن الكثرة هنا تعني الجزر الكثيرة و العديدة التي تتكل منها القشرة الأرضية، و اللّه أعلم. و يؤيد هذا الرأي ما جاء في آية الفتق و الرتق التي ذكرناها في كتاب الفلك - الآية 30 من سورة الأنبياء - و هي قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ
(30). فإذا أخذنا المعنى من قوله تعالى السماوات و الأرض على اختلاف الجنس - أي أن السماوات شيء و الأرض شيء آخر - كان المعنى ما ذكرناه في كتاب الفلك، أما إذا ما اعتبرنا أن المعنى يؤخذ على التتابع كقولنا (كريم أحمد و علي)، أي أن أحمد له صفة الكرم و علي كذلك، و عليه المعنى يكون أن السماوات كانت رتقا أي جزءا واحدا ففصلت كما بينا في كتاب الفلك و هو ما أيدته اكتشافات الانفجار الكبير، و الأرض أيضا كانت جزءا واحدا ثم فصلت، و هذا ما أيدته نظرية تباعد القارات التي أصبحت بمثابة الحقيقة نظرا للمكتشفات الحجرية التي تثبت تلاصق القارات في أول تكون الأرض ثم تباعدها و تحركها بالشكل الذي أصبحت عليه اليوم، و العملية مستمرة. و حيث أن تتمة الآية ذكرت أن الماء جعل منه كل شيء حي من المخلوقات، فإن انفصال القارات و ما نتج عنه من تشكل المحيطات بشكلها المعروف حاليا - أي تداخل ماءها بين هذه القارات - أدى لاحقا إلى بدء و تكون الحياة و تدرجها على الكوكب، و اللّه أعلم.
هذا فضلا على أن المعنى يشمل أيضا ما ذكره كل من الأستاذ الدكتور منصور حسب النبي رحمه اللّه تعالى و الأستاذ الدكتور زغلول النجار في أن المعنى يؤخذ على انفصال الغلاف الجوي عن جسم الأرض لتشكل طبقات نزول المطر و ما به من ماء يجعل منه كل شيء حي، و اللّه أعلم... و قد تكون الآية الكريمة عنت كل ما ذكر من المعنيين، لأن الاصطلاح و اللغة تسمح كما و أن و الحقائق العلمية أثبتت ذلك، و اللّه أعلم.
ص: 18
ص: 19
ص: 20
من التقسيم أعلاه نستخلص ما يلي:
1. أن القرآن ذكر الأرض بالمفرد دائما و السماوات بصيغة جمع في الغالب. و جاء ذكر سبعة أراضي بصيغة تشبيه للسماوات. يقول اللّه تعالى: اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً (12)، (الطلاق: 12). أي سبعة أراضي و اللّه أعلم.. ففي قوله تعالى ... وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ... ، إشارة واضحة جلية على عدد طبقات الأرض لأنها لم تجمع كما في كلمة السماوات، و ليس كما يقول البعض أن سبعة هنا دلالة على الكثرة كما هو معروف عند العرب. و حيث أن الأرض لغة هي كل ما تدب أو يمشي عليه قدمك أي كل ما يكون أسفل منك، فإن الغلاف الهوائي للأرض لا يدخل ضمن ما عنته الآية و اللّه أعلم، فيكون آخر ما توصل إليه الرصد الزلزالي الذي ذكرناه آنفا هو التقسيم الأكثر دقة لطبقات الأرض التي نمشي عليها.
2. و إذا لاحظنا الأوزان النوعية و سمك الطبقات نلاحظ إن اللب يشكل أكثف و أثقل و أسمك جزء في طبقات الأرض على الإطلاق. أي أن الأجزاء أو الطبقات التي تم اكتشافها بالبحث التجريبي تجعل الوزن و الكثافة تزداد بازدياد العمق أي أن الطبقات التي في الجوف اثقل من الطبقات التي فوقها. و هذا ما عنته الآية الكريمة وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2)، (الزلزلة: 2)، و هي أول إشارة في التاريخ البشري تتحدث عن هذه الحقيقة العلمية قبل اكتشافها بالملموس بحوالي 1400 عام. و يعضد هذه الآية قوله تعالى: وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ (4) (الانشقاق: 3 و 4)، و كل هذه من علامات يوم القيامة و لكنها تشكل حقيقة كون ما في الأرض أثقل من سطحها من جهة، و من جهة أخرى أن ما في داخلها يخرج إلى سطحها.
3. أن الأرض ليست كروية و إنما بيضوية، يقول اللّه تعالى في الآية المباركة وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) (النازعات: 30)، و عن لفظه دَحاها بالذات ما نصه: و هي اللفظة الوحيدة في اللغة العربية التي تشمل البسط و التكوير و في ذات الوقت و رياضيا فإن (الانبساط + التكوير) يعني بالضبط الشكل البيضوي أو Ellipse و هو
ص: 21
شكل الأرض الحقيقي كما هو مبين في الجدول. و هذا لعمري منتهى الدقة و الاحتكام في اللفظ لإعطاء المعنى العلمي لشكل الأرض. و كذلك قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) (الرعد: 41)، و قوله تعالى: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَ فَلا يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ (44) (الأنبياء: 44).
هاتين الآيتين تحويان مصطلح أطراف الأرض، فسرت وقت النزول أن الأرض هنا أرض الجزيرة ينقص اللّه بها أرض الكفار بنصر المسلمين و فتوحاتهم. و لكن البعد المستقبلي في الخطاب القرآني يؤكد أن المعنى للأرض هنا هو هذا الكوكب الذي نعيش. فكلمة أطراف لا تناسب الكروية في الهندسة و الرياضيات، فالشكل الكروي لا طرف له، بينما الشكل الذي فيه خاصية التدوير مع خاصية الأطراف هو الشكل البيضوي. و إذا ما علمنا أن قوله تعالى (أَ وَ لَمْ يَرَوْا) ، (أَ فَلا يَرَوْنَ) تخص أمرا لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى و هي كذلك كلما وردت في القرآن، يتبين لنا معنى النص بصورة جلية.
4. و يدعم كون الأرض منبسطة و مكورة قوله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ تَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66)، (النمل: 60-66).
فقوله تعالى (قرارا) تعني مستقرة بالدحو و التسوية كما فسرها العلماء من السلف
ص: 22
الصالح، و هنا نشير إلى أن الإمام الرازي رحمه اللّه تعالى كان قد قال في تفسيره أن الأرض مكورة. ثم عطفت الآيات المباركات وجود الجبال و الأنهار و البحار على خلق السماوات و الأرض، و قد ذكرنا في كتابنا (تفصيل النحاس و الحديد في الكتاب المجيد) كيف أن الحديد مع غيره من العناصر موجود في كل هذه الأمكنة و له دورة طبيعية في الكون.
5. أن للأرض صدوع، و هذا ما ثبته القرآن الكريم قبل العلم الحديث بقوله تعالى:
وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12)، (الطارق: 12). و الصدع في اللغة هو الشق، و قد فسرت في وقت النزول أن الأرض تنشق عند خروج الزرع منها.
6. لقد أدى هذا إلى تمايز أرضنا فأصبحت تتكون من لب صلب يغلب على تركيبه الحديد و النيكل يغطيه إلى الخارج لب سائل، توجد به أيضا نسبة عالية من الحديد و النيكل المنصهر، و يلي ذلك إلى الخارج أربعة أنماط من الأوشحة المتباينة في صفاتها الكيميائية و الطبيعية، و يغلف ذلك كله الغلاف الصخري للأرض. بما أن الحديد من العناصر الانتقالية ذات درجات الانصهار العالية و الكثافة الكبيرة و الخاصية المغناطيسية العظيمة، و هو أثقل من العناصر الأخرى، فإنه ترسب إلى طبقة عميقة من الأرض، و وصل إلى مركز الأرض مشكلا منطقة الحديد السائل في مركز الأرض، و لما كانت غالبية أرضنا من العناصر الخفيفة، استقرت هذه العناصر الحديدية في لب أرضنا و ساعدت على تشكلها بهيئتها الحالية و هذه هي المرحلة الثانية من نزول الحديد(1) ، و هو معنى قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)، (الحديد: 25)، و التي سنتطرق لبعض تفاصيلها في فصل لاحق من هذا الكتاب.
فسبحان الذي أوحى إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ذلك النبي الأمي، بهذه الحقيقة الكونية قبل ألف و أربعمائة سنة، و في وقت لم يكن لأحد على سطح الأرض القدرة على إدراك و لو جزء من هذه الحقيقة. فسبحان الذي خلق لنا الأشياء كلها بمقدرته و سخرها لنا بحكمته سبحانه ما أعظم شأنه و أكبر سلطانه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.).
ص: 23
لكي نستكمل الصورة الجيولوجية لطبقات الأرض و محتوياتها يجب التطرق إلى الجبال، تلك المنشآت الربانية الأرضية العظيمة التي تشكلت بعد تكوين الأرض بحوالي 1,5 مليار عام أي قبل 3 مليار عام تقريبا و كما مبين في الشكل. و لقد كان لتكونها العامل الأساسي بدورة حفظ بيئة الأرض و الحياة عليها، و كانت بصفتها و شكلها الأول يختلف عن الشكل و الهيئة الحالية، إذ بفعل عوامل التعرية و طول الفترة الزمنية حصل تغيير على هذه الهيئة.
إن مناطق الضعف في القشرة الأرضية التي تحدثنا عنها في حلقة سابقة و التي تسمى الصدوع الأرضية جعلت من حركة القارات و اليابسة عموما أمرا ممكنا، و بالتالي عند اصطدام لوحين تكتونيين أو جزءين من اليابسة يبرز نتوء على وجه الأرض و قد يكون تلا، هضبة، أو جبلا تبعا لقوة الصدمة في مناطق الصدع، و كذلك لعوامل أخرى.
و قد اكتشف حديثا و عن طريق التصوير بالأقمار الصناعية أن الجبال تتكون تحت البحار و المحيطات و تخرج شيئا فشيئا خصوصا عند مناطق الصدوع التي تحدثنا عنها.
ص: 24
يعرف الجبل Mountain بأنه نتوء ارضي يرتفع فوق ما يحيط به من سطح الأرض، و يعلو عن التل Hill و يحدد بعض العلماء 300 مترا فوق سطح الأرض لتسمية المرتفع جبلا بينما يحدد البعض الآخر 610 مترا، و ما دون ذلك فهو مرتفع من الروابي أو التلال. و توجد الجبال منفردة أو متصلة ببعضها فيما يسمى «الطوف الجبلي» الذي يتألف من تتابع من الجبال ذات قمم أو بدون قمم لكنها متشابهة البنية و الموضع و الاتجاه و العمر. و تعرف الموسوعة البريطانية الجبل بأنه منطقة من الأرض تعلو نسبيا الأراضي المحيطة بها و عليه فإن ما يدعى بالتلال في مناطق الأطواف الجبلية العظيمة كجبال الهمالايا تعتبر جبالا إذا وجدت في إطار منطقة أخرى ذات تضاريس أقل، بينما تعرف الموسوعة الأمريكية الجبل بأنه جزء من سطح الأرض يرتفع فوق مستوى المنطقة المحيطة به و يتناقص ارتفاع الطوف الجبلي بصفة عامة على مراحل إلى أن يصل إلى السهول، مرورا بمرحلة التلال، و لكن في بعض الحالات يكون الانتقال من الجبل إلى السهل مفاجئا في شكل منحدر شديد. و يختلف الجبل عن الهضبة، فالأول مساحة قمته أصغر بكثير من مساحة قاعدته، و الثانية تبدو بمساحة شاسعة مرتفعة عن الأرض بلا قمة. كما أن الجبال قلما توجد في شكل قمم منفصلة أو منعزلة، بل تنتظم في شكل مجموعات متتابعة تعرف بالسلاسل الجبلية، و كلما أكلت عوامل التعرية من قمم الجبال العالية فإنها تطفو إلى أعلى بفعل دفع مادة و شاح الأرض لها باستمرار، و تستمر هذه العملية حتى يتساوى طول الجزء المغموس من الجبل مع سمك الغلاف الصخري للأرض، فتتوقف حركة الجبل و تظل عوامل التعرية تبريه حتى تظهر الأجزاء السفلى منه على سطح الأرض. و هكذا تقتصر التعريفات المعاصرة للجبال على وصف الشكل الخارجي لها دون إشارة إلى امتدادها تحت سطح الأرض، و التي ثبت مؤخرا أنها تصل إلى أضعاف ارتفاعها الخارجي و هو ما أشارت إليه الآيات المباركات التي عبرت عن الجبل بأنه وتد، و من شأن الوتد أن يكون جزءه المغموس أي المختفي منه في الأرض أكبر بكثير من الجزء الخارجي الظاهر فوق سطح الأرض. و لقد أثبت العلم الحديث أن معظم الجبال تخترق الغلاف الصخري للأرض، و تطفو في طبقة لدنة عالية الكثافة عالية اللزوجة، و موجودة تحت الغلاف الصخري و تحكمه في ذلك قوانين الطفو. كما أثبت العلم الحديث أيضا أن امتدادات الجبال المخترقة للقشرة الأرضية قد تصل إلى عدة أضعاف لارتفاع الجبل فوق سطح الأرض. و لم يتوصل العلم إلى هذه الحقيقة الجيولوجية إلاّ في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي و إن كانت الملاحظة الأولية التي بدأت بها
ص: 25
البحوث و الاكتشافات مع بداية القرن الثامن عشر الميلادي و قام بها و سجلها أحد العلماء خلال دراسته بجبال الأنديز و استنتج أن هناك كتلة صخرية هائلة للجبل تختفي تحت سطح القشرة الأرضية. ثم تقدمت القياسات السايزمية - الاهتزازية - تحت الأرضية، و ثبت بها و بطرق غيرها، أن اتزان القشرة الأرضية بما تحمله من جبال و تلال و وديان لا يتحقق على طبقة الوشاح إلاّ بسبب امتدادات من مادة القشرة داخل نطاق الوشاح و تشبه هذه الامتدادات الأوتاد التي تثبت الخيمة بسطح الأرض، و هنالك معالم لدقة تشبيه الجبال بأوتاد الأرض نوجزها بما يلي:
لكي يكون الوتد وتدا حقيقيا فلا بد أن يكون جزؤه المغموس تحت سطح الأرض أضخم من الجزء الظاهر فيه، و قد ثبت هذا في القرن العشرين الميلادي، إذ رصد العلماء الجزء المخفي منها إلى خمسة أمثال الجزء الظاهر - مثل جبال الهمالايا التي لا يتعدى ارتفاع الجزء الظاهر منها 9 كيلومترات بينما الجزء المختفي منها تحت سطح الأرض يصل إلى 75 كيلومترا - و بالتالي فإذا اهتزت القشرة الأرضية اهتزت الجبال معها لشدة ارتباطها بها.. و كما أن الأوتاد تثبت الخيمة و تمنعها من الزوال بفعل الرياح و العواصف و القوى الأخرى، فإن الجبال بأوتادها - أي بجذورها الضاربة في القشرة الأرضية و الوشاح أحيانا - و بارتفاعها الشاهق فوق سطح الأرض ساعدت على الاحتفاظ بالغلاف الجوي مربوطا بفعل الجاذبية الأرضية، و الغلاف الجوي هنا يمثل الخيمة التي تظلنا و تحمينا من الأشعة الضارة و الشهب و ما شابه.
أثبت العلم الحديث أن الجبال ذات جذور صلبة مغموسة في مادة الوشاح و تحت قشرة الأرض فترسو كما ترسو السفن، أو تطفو في هذه المادة اللزجة كما تطفو السفن في ماء البحر أو المحيط، مما يفيدنا في فهم النص القرآني الذي يقول المولى جل و علا فيه وَ الْجِبالَ أَرْساها (32)، (النازعات: 32).. فمن هذه الآيات يتضح أن:
1 - وظيفة الجبال في تثبيت الأرض يشبه وظيفة الأوتاد في تثبيت الخيمة.
2 - أن هناك نوعا من الجبال قد ألقي من فوق سطح الأرض و لا يخرج من باطنها.
أكد القرآن الكريم ما كشف عنه العلم الحديث سنة 1956 م عن طبيعة الجبال و وظيفتها. فقد أكد العلم الحديث إن الجبال لها جذور ممتدة تحت القشرة الأرضية.
فقد وجد أن سمك القشرة الأرضية تحت المحيطات حوالي 5 كم. أما سمكها تحت الجبال فيقدر بحوالي 35 كم. و تتخذ شكل الأوتاد و وظيفتها. فالجبال مسّاكات للقارات
ص: 26
في الصخور السائلة التي توجد تحت القشرة الأرضية الصلبة و لو لا جذور هذه الجبال لطفت القشرة فوق صخور الباطن اللينة ( Sima ) و لا نعدم توازنها و ثباتها فوقها. و لو لا انغراس الجبال في مواد السيما ( Sima ) لتحركت الجبال و القارات من أماكنها نظرا لضئلة كثافتها... و إذا طغت القارات و سبحت لاضطربت الأرض تحت أقدامنا و مادت..
أما من حيث تشابه طبيعة الجبال بأوتاد الخيمة.. فمن حيث البروز عن سطح الأرض و الرسوخ فيها متشابهان... و الأوتاد تختلف فيما بينهما من حيث مدى البروز و درجة الميل و الجبال كذلك. و الأوتاد تختلف رسوخها باختلاف درجة صلابتها و شكلها و مدى تعمق جذورها في الأرض و طبيعة تلك الأرض و الجبال كذلك. و الأهم من ذلك أن الأوتاد يجب أن تكون قد تم خرطها و تشكيلها قبل أن تثبت في الأرض.. و الجبال كذلك فقد تشكلت أولا بفعل عوامل التعرية ثم أظهرتها قوى التضاغط الجانبي للقارات القديمة..
و الأوتاد لا تنغرس وحدها في الأرض و إنما لا بد من قوة تعمل على تثبيتها، و هو ما يحصل بواسطة قوة التثاقل بالضغط الراسي.. كما إن تناقص الجبال بفعل عوامل التعرية يشبه تناقص الأوتاد بنفس العوامل مع طول الزمن.. أما الجبال التي ألقيت من فوق سطح الأرض فهي الجبال الرسوبية التي نقلت موادها بواسطة عوامل التعرية من قمم الجبال النارية القديمة و أرسبتها على شكل طبقات على هوامش البحار القديمة..
و الجبال أنواع حسب صخورها و مكوناتها الجيولوجية، فمنها الجبال النارية التي تتكون صخورها من الكرانيت و البازلت و المرمر و غيرها، و هي الجبال التي تحوي بعضها على فوهات بركانية لأنها تتحمل ضغط و حرارة البراكين، و هذه الجبال الأصلية التي تكونت في بداية عمر الأرض.. النوع الثاني هو الجبال المتكونة من الصخور و الحبيبات الرسوبية، و التي تكونت بفعل عوامل التعرية على النوع الأول، و من صخورها الجبس و الجير و غير ذلك، و هذه الصخور تلقى دقائقها و حبيباتها الرملية و الحصوية و الترابية من الأعلى بفعل الرياح و الأمطار. و النوع الثالث من صخور الجبال هو المتحول الذي تحول من النوع الأول بسبب الضغط و الحرارة.
و الآن لنتدبر:
1. وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) (النحل: 15).
2. وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) (الأنبياء: 31).
ص: 27
2. وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) (الأنبياء: 31).
3. خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) (لقمان: 10).
4. وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) (الرعد: 3).
5. وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ (19) (الحجر: 19).
6. أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) (النمل: 61).
7. وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ سَواءً لِلسّائِلِينَ (10) (فصلت: 10).
8. وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) (ق: 7).
9. وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27) (المرسلات: 27).
10. أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَ الْجِبالَ أَوْتاداً (7) وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8) وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11) وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12) وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً (13)، (النبأ: 6-13).
11. وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً (107)، (طه: 105-107).
12. وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10)، (المرسلات: 10).
13. وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)، (القارعة: 5).
و تفسير هذه الآيات المباركات قديما كان يعني لأهل التفسير من علماء الأمة الأفاضل رحمهم اللّه تعالى إن الجبال تمسك بالأرض و قد اقتربوا من الواقع العلمي كثيرا إذ إن العلم الحديث أثبت أن للجبال جذورا تحتها، لم يستطيعوا أن يصلوا إلى أعماق هذه الجذور على وجه الدقة إذ تعجز الأجهزة الحديثة عن متابعة ذلك إلا أنهم قدروها بحوالي 2-3 مرات من ارتفاع الجبل و حسب الأرض أو المكان
ص: 28
الذي يقع فيه.
و لكن ما الذي يجعل الأرض و ما عليها تدور بثبات و اتزان برغم تباين كثافة الجبال و البحار و الأنهار و القشرة الأرضية و مادة سيما ( Sima ) فائقة الكثافة؟!، الجواب على هذا هو قوله تعالى في الآية المباركة التي ذكرناها في الحلقة السابقة:
وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) (النمل: 88).
و هو قوله تعالى (صنع اللّه الذي أتقن كل شىء)... انه في مصطلح العلم الحديث يسمى قانون التوازن ( Isostasy ) حيث إن الأرض يقوم توازنها على أساس الارتفاع و العمق في أجزائها المختلفة حيث إن المادة الأقل وزنا ارتفعت على سطح الأرض و إن المادة الثقيلة أصبحت خنادق هاوية على شكل بحار و محيطات. و قد بحثت حالة 246 جبلا فوجدت أنها موزعة توزيعا جغرافيا مذهلا بحيث تقع على طول دائرتين في شكل سور له ثغرات يحتضن حوضا هائلا تعلوه الكتل الهوائية و تنخفض فيه و تعمل على انتظام دوران الأرض. و الدائرتان الجبليتان إحداهما شمالية و الأخرى جنوبية و تتماس هاتان الدائرتان عند خط العرض المار بالبحر الأبيض المتوسط و هذه السلاسل الجبلية توجد في الغالب في أطراف القارات.
هذا التوازن موجود في قوانين ضبط حركة الأرض أفقيا و راسيا أي أنه إذا حدث و أن نقصت كتلة أحد الجبال بفعل عوامل التعرية لقمته فان قاعدته ترتفع. في منطقة السيما اللينة بما يساوي ما نقص منه في القمة. كذلك فان المناطق التي ترسب فيها مواد التعرية تهبط في الطبقة اللينة السيما. و هكذا يظل مستوى الجبال في توازن مستمر و الأرض في اتزان كذلك.
و مصطلح حركة و متحرك و نحوها ذكرت مرة واحدة في القرآن، بينما سكن و ساكن ذكرت أربع مرات، أما نحو ذلك من كلمات السكون و الاستقرار فجاءت (43) مرة.
إن الآيات المباركات السابقات تبين لنا عدة حقائق علمية دامغة سبقت العلم الحديث في اكتشافه لها:
1. الجبال هي الأوتاد و المساكات التي تمسك اليابسة من أن تتحرك باتجاهات أفقية و هو قوله تعالى (تميد).
2. أن للجبل جذور عميقة تمنعه من الحركة كما يدق أحدنا مسمارا في قطعة ورق أو خشب ليلصقها في الجدار أو الأرض، و هو قوله تعالى (و الجبال أوتادا)، فالوتد لغة
ص: 29
هو العمود الذي يدق على الخيمة و تشد به حبالها ليثبتها في الأرض و يمنعها من أن تذهب بعيدا بفعل الرياح.
3. أن القشرة الأرضية تطفو على سائل و هو الجوف المنصهر و هو قوله تعالى (رواسي)، إذ أن الصلب لا يرسو على صلب مثله لغة، و إنما تستخدم هذه الكلمة في العربية لوصف حالة طفو جسم صلب على جسم سائل كما نقول رست السفينة أي استقرت بالمرساة التي ألقيت في أعماق البحر كي تمنعها من أن تذهب بعيدا عن المرسى و الميناء.
4. أن هيكلية الجبال تظل قوية صامدة ضد عوامل التعرية رغم التغير الذي يطرأ عليها خلال الحقب الجيولوجية المتتابعة عبر ملايين السنين، و هو قوله تعالى (شامخات) أي صامدات.
5. أن النوع الأول من الجبال أي النارية الصخور عبرت عنها الآيات التي ذكرت أنها جعلت أي خلقت - و جعل لها رواسي -، إذ قال تعالى وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ... (المرسلات: 27) و أما النوع الثاني أي الرسوبية فهي تلك التي ألقيت - و ألقينا فيها رواسي -.
6. أن الجبال رغم ضخامتها تتشقق و تتصدع، و هو قوله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) (الحشر: 21).
7. أن للجبال دور أساسي في حفظ الأرض و دورة الرياح و المياه لذلك ترى أن كل ذكر للجبال يتبعه ذكر للمطر و الرياح و المياه و الزرع.
8. أن الجبال ثقيلة جدا بفعل وجود المعادن الثقيلة فيها و أهمها العناصر الثقيلة التي تحدثنا عنها آنفا و منها الحديد و النحاس و غيرهما، و رغم ثقلها فإنها تدور و تتحرك مع الأرض التي هي جزء منها، وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88)، (النمل: 88).
9. أن الجبال تتكون من معادن ذات ألوان و تراكيب مختلفة كما جاء في قوله تعالى:
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ (27)، (فاطر: 27).
10. أن نهاية نوعي الجبال النارية و الرسوبية ذكرت في الكتاب العزيز، فالنارية مصيرها الانفجار و النسف يوم القيامة بفعل استمرار البراكين في فوهاتها بشكل مستمر فتنسف
ص: 30
بفعل الحرارة و الضغط الهائلين - ينسفها ربي نسفا -. و أما الرسوبية فتنفجر لتتطاير ذراتها الرملية و الترابية كما يتطاير الريش أو الصوف - كالعهن المنفوش -، و هذه من أهوال القيامة التي سنتحدث عنها في كتاب لاحق من هذه السلسلة.
فمن يا ترى أعطى كل هذه المعلومات الدقيقة لنبي الرحمة صلوات ربي و سلامه عليه.. أترك الجواب لعقلكم النير كي تجيبوا الجواب الجلي الواضح كوضوح الشمس في وضح النهار.
ص: 31
تحصل الزلازل إما بسبب الحركة التكتونية للأرض ( Tectonic Motion ) و هو التشقق أو الحركة الفجائية خلال صدع موجود لصفيحة من صفائح القارات أو خلال تفرعاتها، أو بسبب حالات بركانية ( Volcanic Reasons ) أي بسبب حصول بركان فإن قوة اندفاع الكتل البركانية و هيجانات الطبقات التحتية تؤدي إلى حصول ارتجاجات و اهتزازات أرضية، و قد أضيف إليها حديثا الهزات الحاصلة بسبب التفجيرات النووية التي يقوم بها الإنسان تحت سطح الأرض. و قد وضعت نظريات عديدة للزلازل منها نظرية الرجعة المرنة ( Elastic Rebound THeory ) و التي تفترض حصول انفراج مفاجئ لانفعالات متراكمة ( Sudden Release of Accumulated Strains ) تحصل خلال القشرة الصخرية لشق أو صدع خلال مناطق الضعف ( Area of Weakness ) و تطلق هذه النظرية تسمية بؤرة الزلزال أو مركز الزلزال ( Hypocentre or Focus ) الموجود في عمق معين يطلق عليه العمق البؤري أو ( Focal Depth )، و أما النقطة المقابلة لهذا المركز على سطح الأرض فيسمى ( Epicentre )، أما بعد البؤرة عن منطقة وضع المقياس الخاص بقياس قوة الهزة فيسمى ( Distance Epicentral ) أو المسافة المركزية الأرضية و تقسم طبيعة الحركات و الهزات الزلزالية إلى:
1 - أولية ( Primary ) و هي بسبب عملية تسبق الهزة بقليل و تسمى ( Causative
Process ).
2 - ثانوية ( Secondary ): تحدث بسبب الهزات الأرضية الناتجة من سريان الموجات الزلزالية خلال الأرض لمختلف الاتجاهات، و تقسم بدورها إلى:
أ - انزلاق الأرض ( Land Slides ) و تحصل فيها انزلاق التربة و انضمامها ( Soil
Consolidation and Liquefaction ) ب - التأثيرات الحركية الذاتية ( Dynamic Inertial Effects ).. أما بالنسبة لأنواع الموجات المتنقلة أثناء الزلزال فهي:
ص: 32
1 - الموجات الطولية ( Longitudinal Waves )، و هي موجات سريعة الحدوث و الزوال و غير مهمة و يرمز لها ( P-Waves ) أو موجات ( P ).
2 - الموجات القصية المستعرضة ( Transverse Shear Waves )، و يرمز لها ( S-Waves ) أو موجات ( S ).
3 - موجات ريلاي ( Religh-Waves )، و يرمز لها ( R-Waves ) أو موجات ( R ).
4 - موجات لوف ( Love Waves )، و يرمز لها ( Q-Waves ) أو موجات ( Q ).
تقاس الزلازل أما بشدتها ( Intensity ) أو قيمتها ( Magnitude ). أما قيمتها فهي مقياس للطاقة المتحررة ( Released Energy ) و المنطلقة بشكل موجات حركية زلزالية و تحسب عن طريق حساب التشوهات الذبذبية الحاصلة للأرض ( Amplitudes
of Ground Motion ) و لمسافات محددة عن مركز الهزة أو البؤرة، و هي كما أشرنا تسمى بالمسافات المركزية الأرضية، و يعتبر مقياس ريختر ( Richter Scale )، و هو مقياس يعتمد على التشوهات الذبذبية للراسم المرتبط بعتلة تتحرك مع حركة الأرض و ترسم على خرائط خاصة ( Trace ) بشكل نموذجي تسمى ( Seismograph ) توضع على بعد 100 كلم من المركز الأرضي السابق الذكر و تحسب حسب المعادلة ( Log E =
11,4+1,5 M ).. حيث أن ( E ) هو الطاقة المتحررة مقاسة ب (غم * سم - 1) أو ما يعرف بال (أرج Ergs )، أما ( M ) فهو قيمة مقياس ريختر، و الرمز ( Log ) يعني اللوغاريتم الرياضي. أن أعلى زلزال رصد لحد الآن كانت له قيمة مقدارها (8,9) درجة بينما يقسم مقياس ريختر إلى 9 درجات.
أما بالنسبة إلى الشدة فهي تصف مقدار الخراب و التدمير الحاصل بسبب الزلزال و تضع لذلك درجات تقيس على أساسها شدة الزلزال في مكان معين. و المقياس المستخدم لذلك هو مقياس مارسيلي المطور ( Modified Mercalli-MM-Scale ) و هو مكون من 12 درجة أو تقسيمه للشدة و كما موضح في الجدول أدناه.
إن مقدار الشدة تقاس حسب المعادلة ( I =3 Log a+1,5 )، حيث أن ( I ) هو الشدة، و ( a ) هي تعجيل الهزة و يقاس بالمسافة على مربع الزمن (سم/ثانية، cm / sec' ). إن واحد من أكبر الزلازل المسجلة لحد الآن هو زلزال ايلسنترو الذي حصل بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة ( Elcentro-California-USA ) بتاريخ
ص: 33
الخامس عشر من أيار 1940، و يوضح الجدول التالي بعض التفاصيل لأهم الزلازل التي رصدت في القرن العشرين و شدتها و قيمتها حسب مقياس مارسيلي المطور و ريختر(1). و قد حصل بتقدير اللّه تعالى في بداية عام 1994 زلزال عظيم في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية دمر الكثير من البناء و العمران و قتل به و شرد الآلاف من الناس في نفس اليوم الذي ضرب به الأمريكان العراق عام 1991 م - أي يوم 17/16 كانون الثاني - وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ، حتى أن العلماء تصوروا أنه الزلزال المنتظر الذي سيعمل على تدمير مدن بأكملها. و يذكر أن شبه جزيرة على البحر الأمريكي الغربي المطل على ساحل المحيط الهادئ و الحاوية على مدن سان فرانسيسكو و لوس أنجلوس و غيرها مهددة بزلزال عظيم يمحقها من الوجود و يغرقها في المحيط على حسب توقع علماء الرصد الزلزالي. و توجد مناطق رصد و خرائط زلزالية توزع العالم إلى مناطق مختلفة حسب قوة و شدة زلازلها حيث أن لكل بلد و كل منطقة خرائط زلزالية خاصة به.
The modified Mercalli intensity scale and corresponding
approximate ground accelerations
وصف الحالة التدميرية للزلزال حسب الدرجة I-Not felt except by a very few under especially favorable
circumstances.
غير محسوس إلا من قبل عدد قليل جدا من الناس.
II-Felt by only few person at rest.Especially on upper floor of
building.Delicately suspended objects may swing.
يحس من قلة من سكان الطوابق العلوية و اهتزاز الأشياء المعلقة.
III-Felt quite noticeably on upper floors of building.But
many people do not recognize it as an earthquake.Standing
motor cars may rock slightly.Vibrations like passing truck.
Duration estimated.
يحس بشكل واضح من سكنة الطوابق العليا، و لكن قليل منهم تستطيع تمييز الزلزال. و تتحرك العجلات الواقفة قليلا.
IV-During the day felt indoors by many.Outdoor by few.At
ص: 34
وصف الحالة التدميرية للزلزال حسب الدرجة night some awakened,dishes,windows,doors disturbed.
Walls make creaking sound. Sensation like heavy truck
striking building.Standing motor cars rocked noticeably.
في النهار، سكنة الدور يشعرون بها، بينما الناس في الشوارع يشعرون بها بشكل أقل. و في الليل يستيقظ الناس و الأشياء الخفيفة تتكسر، و الجدران تصدر أصوات، و الشعور كأن البناية صدمت بشيء ثقيل، و الآليات تتحرك أقوى.
V-Felt by nearly every one:many awakened.Some dishes,
window,etc.broken:a few instance of cracked plaster:
unstable objects overturned.Disturbances of trees,poles,and
other tall objects sometime noticed.Pendulum clocks may
stop.
يحس بها أغلب الناس و بعض الأشياء تتكسر و تشقق الإنهاءات و تنقلب الأشياء غير الثابتة و تهتز الأشجار و الأشياء الطويلة و يتوقف بندول الساعة.
VI-Felt by all:many.Frightened and run outdoors.Some
heavy furniture moved:a few instance of fallen plaster or
damaged chimneys.Damage slight.
الجميع يشعر بها و تصاحبه الخوف و الهلع و الهروب من المنازل و تتطاير بعض الأثاث و تتشقق الأبنية العالية كالمداخن و بعض الإضرار لإنهاءات الجدران.
VII-Every body runs outdoors.Damage negligible in
building of good design and construction,slight to moderate
in well-built ordinary structures,considerable in poorly built
or badly designed structures,some chimneys broken. Notice
by persons driving motor cars.
الجميع يهرعون خارجا و الأبنية الجيدة تبقى و الوسط تضررها أكبر و الضعيفة تتضرر بشدة مع تكسر المداخن.
VIII-damage slightly in specially design structure,
considerable in ordinary substantial buildings. With partial
collapse great in poorly built structures.Panel wall thrown
out of frame structures.Fell of chimneys,factory stacks,
columns,monuments,walls heavy furniture overturned.Sand
and mud ejected in small amounts.Changes in well water.
Disturbs persons driving motor cars.
الإضرار تشتد و تصبح بدرجة أكبر للبنايات الجيدة و خطرة للوسطى و سقوط الأبنية الضعيفة و الجدران الداخلية و تمايل شديد للبنايات العالية و سقوط المداخن و قذف بعض الرمال و الأطيان.
ص: 35
وصف الحالة التدميرية للزلزال حسب الدرجة XI-Damage considerable in specially designed structures;
well-designed frame structures thrown out of plumb,great in
substantial building,with partial collapse.Building shited off
foundations.Ground cracked conspicuously.Underground
pipes broken.
أضرار خطيرة للبنايات الجيدة و سقوط بعض الهياكل، و الأبنية الأقل درجة يسقط قسم كبير منها و زحف الأبنية عن أسسها و تشقق الأرض و تتكسر الأنابيب المدفونة.
X-Some well-built,wooden structures destroyed;with
foundation;ground badly cracked.Rails bent.Landslides
considerable from river banks and steep slops,Shifted sand
and mud.Water splashed over bank.
تهشم بعض الأبنية و خصوصا الخشبية مع أسسها و تشقق الأرض و انحناء سكك الحديد و انزلاق الأرض مع حافة النهر و انفصال الطين عن الرمال.
XI-Few,if any(masonry)structures remain standing.
Bridges destroyed.Broad fissures in ground.Underground
pipelines completely out of service.Earth slumps and land
slips in soft ground.Rails bent greatly.
تهدم الجسور و الأبنية عموما و تكسر الأجزاء المدفونة و السكك و انزلاق شديد جدا للأرض.
XII-Damage total.Waves seen on ground surfaces.Lines of
sight and level distorted.Objects thrown upward into the air.
تهدم كامل و مشاهدة موجات الهزة على سطح الأرض و تشوه شديد للرؤيا و قذف الأشياء الثقيلة و الخفيفة بعيدا في الفضاء.
ص: 36
ص: 37
و لعل المتدبر لقصص ما قد سلف من الأمم و الحضارات يتعلم الكثير من قصصهم المليئة بالعبر و الآثار البالغة، إذ كانوا أولو قوة و بأس و صناعة و بذخ و فسوق و تجبر كان حديث العالم في حينه و لكنهم أصبحوا أثرا بعد عين، و لعل المتأمل لقصة أهل مدينة
ص: 38
بومباي بخليج نابولي بإيطاليا و ما حصل لهم ليقف متعجبا لحال قوم سادوا ثم بادوا من جراء ما اقتربت أيديهم، فهل من متعظ!!.
يحكى أن مدينة رومانية قديمة اسمها بومباي تقع في خليج نابولي في إيطاليا اليوم ثار عليهم بركان عظيم من جبل يطل على خليجهم يسمى فيزوف قبل حوالي 2000 عام، و بالتحديد عام 79 ق. م. و قد كانوا قوما مترفين مفسدين فعاقبهم اللّه تعالى بأن سلط عليهم بركانا مدمرا هو بركان فيزوفيوس أو فيزوف..
يقع جبل فيوس في خليج نابولي و كان و ما زال يطل على عدة مدن ساحلية، من هذه المدن القديمة هيروكليوم و مدينة بومباي التي كانت حاضرة الدولة الرومانية على شواطئ المتوسط المطلة على شمال إفريقيا. يقول العلماء إن هذا البركان يثور كل 2000 عام ثورانا مدمرا سمي بالثوران البليني نسبة لبلينيوس الرجل الذي وصف ما حصل من دمار هائل و سحب و أعمدة بركانية وصلت لحد 15 كلم في السماء، لكن هذه الوثائق لم تصدق من قبل من قرأها حتى جاء العلم الحديث ليثبتها بالرصد و التحليل الدقيقين.
بدأ البركان بالثوران في 24 يوليو من عام 79 ق. م. بعد احتقان الماغما و الصخور النارية بضغوط هائلة طيلة 150 عاما خلت قبل ذلك التاريخ، فانفجر على عدة مراحل تجد عند تحليلك لها و كأن تلك المراحل لاحقت سكان المدينة و من حولهم أينما ذهبوا لتفنيهم عن بكرة أبيهم، و قد قذفت 10 مليون طن من الصخور الحامية بدرجات حرارة أضعاف الغليان و أكثر. البداية كانت في مرحلة العمود الصخري و سحب الدخان و الصخور الخفيفة و الثقيلة ذات الحرارة الهائلة التي قذفت للسماء و حملتها الريح باتجاه مدينة بومباي لتغطي سماء المدينة و تجعل نهارها ليلا و بدأ مطر الحجارة ينزل ليقتل الناس و من ثم على أسطح المنازل ليثقل كاهلها ثم تسقط على ساكنيها فتقتل أهل البيوت، أما من استطاع الخروج من المدينة باتجاه الشمال فسلط عليه جزء من عمود المقذوفات لينهار عليه بسرعة 100 كلم بالساعة ليحطم الناس الذين وصلوا ساحل نابولي و مدينة هيروكليوم فيجعلهم فحما متحجرين و لتغلي الأدمغة و تتبخر السوائل من الأجسام الطرية في خلال ثوان. أما مدينة بومباي فجاءتها المحلة الثانية و هي مرحلة انهيار الجزء الوسطي من العمود المقذوف ليسرع باتجاهها و لكنه يتوقف بشكل عجيب و فجائي قبل الوصول لها، و لكن يسلط عليها سموم غازات ثاني أوكسيد الكربون و حامض الكبريتيك ليسمم الناس و يقتلهم خنقا، ثم تأتي الضربة القاضية و هي المرحلة الثالثة الأعنف من المأساة، إذ انهار المتبقي من العمود و حصل هجوم كاسح من الإعصار
ص: 39
الحجري الحار و السريع و هو ما عرف في العلم الحديث بالانهيار البركاني فزحف على المدينة و على كل خليج نابولي ليجعلها أثرا بعد عين و يمسحها من الوجود فحنطت الجثث التي تبخرت مباشرة بفعل الكاربون الذي حرقها، فبقيت جثث الناس و الحيوانات منهم من كان يصرخ و منهم من كان يفعل الفاحشة و منهم من كان يهم لجمع نقوده التي وجدت بجانب هيكله العظمي و منهم من تعلق بأمه من الأطفال و غير ذلك من الصور المرعبة، و كأن المدينة أحيطت بجدار حجري زمني ليحفظها مدمرة كما هي لتكتشف بعد 1500 عام لتبقى شاهدة على عذاب ربك لقوم مسرفين من أهل الروم كي يراهم من يأتي من بعدهم ليتعظ و يتدبر، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) (الروم: 42).. ترى هل وردت هذه الآية الكريمة التي تحثنا على النظر في سير الأمم السابقة و ما أصابها جراء فسقها و شركها في سورة الروم صدفة، أم أنها عنت هؤلاء القوم بالتحديد، اللّه تعالى أعلم و إن في ذلك لعبرة لقوم يتفكرون!.
بعد هذا العرض الموجز عن علم الزلازل الواسع و الذي تم الاهتمام به في القرن الأخير فقط - بسبب كثرة حصول الزلازل بشكل أكثر من الماضي و هذا ما تنبأ به المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم من جهة و لعدم توفر الوسائل العلمية الدقيقة لقياس الزلازل من جهة أخرى - نتطرق إلى المقياس القرآني للزلازل الذي وصفه اللّه تعالى، و قد أورد هذا الربط اللطيف الدكتور المهندس أحمد محمد إسماعيل في كتابه الذي سبق و أن أشرنا إليه في الباب الثاني في موضوع الرياضيات و الإحصاء و الأرقام في القرآن. حيث أشار إلى الآيات المباركات التي تذكر حركات الأرض و اهتزازاتها و ارتجاجاتها و ما تتبعها من تدمير و فتك و هلاك لمن عليها و خصوصا الآيات التي تبدأ بكلمة «إذا» و ربطها مع شدة الزلزال و سمى هذا المقياس بالمقياس الإلهي أو المقياس القرآني و من هذه الآيات:
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) (الزلزلة: 1).. وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) (الزلزلة: 2).. إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) (الواقعة: 4).. وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) (الواقعة: 5، 6).. وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) (الانشقاق: 3)..
وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ (4) (الانشقاق: 4).. إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) (الفجر: 21).. وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) (الانفطار: 3).. وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
ص: 40
(الانفطار: 4).. يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً.. (ق: 44).. وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14) (الحاقة: 14).. يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (14) (المزمل: 14).. و غيرها العديد من آيات اللّه المباركات التي تضع لنا مقياسا لمدى التدمير و الهلاك الرهيب الذي تكاد كل البراكين و الزلازل التي حصلت و تحصل و نراها بشكل يومي في الأخبار تقف قزما أمامها. فإذا ما قارنا المقياس التدميري الذي وصفه القرآن للزلازل و البراكين و قارناه مع مقياس ريختر و غيره نرى بونا شاسعا بين الاثنين من حيث الشدة و التدمير الذي ينبئنا به القرآن العظيم، و لنقرأ بعض الأسطر من كتاب الدكتور أحمد محمد إسماعيل حيث يقول:
لم تتفق الآراء و منذ القديم حول معنى الحروف المقطعة في بداية سور القرآن الكريم و تعددت الآراء و يمكن الرجوع إلى كراس (عبد الجبار شرارة) الذي فيه مسح جيد لتلك الآراء و هو بعنوان (الحروف المقطعة في القرآن الكريم). أن اللغة العربية ربما تختلف عن كل اللغات إذ أعطت لكل حرف من حروفها معنى ف (ق) يعني قف، و (ن) الدواة، و (س) القمر، و (ص) النحاس و هكذا.
و اللغة العربية قد تطورت بعض كلماتها من نواة مكونة من حرف أو حرفين. ففي كل اللهجات العربية القديمة، السبئية و البابلية و الكنعانية و السريانية و العبرية و الحضرموتية كانت كلمة (ال) تعني الرب و لعلها كانت نواة كلمة اللّه.
ص: 41
و في اللهجات العربية القديمة كان للحرف (ذ) معنى و تعني القوة فكلمتي (ذ - سموي) في تلك اللهجات تعني قوة السماء و لعل الحرف (ذ) كانت نواة كلمة (إذا) و التي تعني حدوث شيء مؤكد الوقوع من خلال قوة ربانية ثم انسحب معناها على الأمور التي تحدث بقوة أخرى، و من هنا كان القرآن الكريم يعبر عن وقوع الحوادث من خلال كلمة (إذا) حيث أن الكوارث الكونية عبر عنها في بداية السور بكلمة إذا.. إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1)، إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) لقد بين التحليل الإحصائي للحرفين (ال) في السور التي تبدأ ب (الم، الر) و الحقائق التي تحكم تكرارها لذا أصبح مناسبا التحري العميق عن تكرار الحرف (ذ)، نواة كلمة القوة الإلهية، في الكوارث الكونية من خلال السور التي تبدأ بكلمة (إذا) و التي موضوعها تلك الكوارث و قد كانت نتيجة ذلك التحري هو اكتشاف المقياس القرآني للكوارث الكونية، و لا بد من القول أن السور القرآنية التي تعبر عن حدث معين لا يقتصر موضوعها على ذلك إذ يتطرق في الوقت نفسه إلى أحداث أخرى في نفس السورة قد كانت نتيجة لعصيان الأقوام التي تحدثت عنهم السورة - و هذه مزية في القرآن الكريم - و يعني أن موضوع السور لا يعني أن السورة بكاملها متخصصة لذلك الموضوع، و من جهة أخرى أن الحدث في السورة القرآنية لا يشترط أن يكون وصفا لحالة الأرض التي نعيش عليها و لكنها أحداث كونية مقايسة بأحداث الأرض لذلك أطلقنا على هذا المقياس (المقياس الكوني للكوارث). و حقا أن القرآن كتاب لا تنتهي عجائبه كما وصفه الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و سلّم. لقد حاول بعض العلماء أمثال ريختر و مارسيلي وضع مقياس يوضح شدة الهزات الأرضية من خلال المشاهدات الميدانية فمقياس مارسيلي المكون من (12) درجة يمكن وصفه بما يلي - و كما وضحناه في الجداول أعلاه -.
الدرجة الأولى (ضعيفة لا يمكن متابعتها إلا بالأجهزة الحساسة)، الدرجة الثانية (يشعر بها الإنسان عند الراحة)، الدرجة الثالثة (تتحرك الأبواب و كأن حافلة تمر قرب الدار)، الدرجة الرابعة (تنطبق الأبواب و الشبابيك المفتوحة)، الدرجة الخامسة (يمكن الإحساس بها خارج الدار. يقف رقاص الساعة)، و السادسة (يشعر بها الجميع، فطور بسيطة في الأبنية)، و السابعة (المداخن القديمة تسقط، تحدث موجة في المياه الراكدة)، ثم الثامنة (أضرار كبيرة في الأبنية، تشقق الطبقات الأرضية)، فالتاسعة (تتحطم الخزانات و تتكسر الأنابيب المدفونة)، فالعاشرة (هياكل البنية تتحطم، تزحف بعض طبقات الأرض)، ثم الحادية عشرة (قليل من الأبنية يبقى، شقوق على سطح الأرض)، و أخيرا الثانية عشرة (الدمار يعم الجميع و تحدث الفوالق و الطيات).
ص: 42
لم يحاول العلماء التدرج في مقياسهم لما بعد الدمار المؤشر في الدرجة (12) في مقياس مارسيلي و (9) في مقياس ريختر، لكن القرآن الكريم وضع المقياس الشامل الذي يبدأ بالحوادث الطبيعية البسيطة و ينتهي في نهاية الكون و لقد أفرد القرآن الكريم سورة خاصة لكل كارثة و وضع للكوارث تسلسلا عجيبا هو:
1 - الزلزال: و هي الحركات الأرضية التي لا يحدث عنها انفطار في الأرض و لا تحدث خللا في وعي الإنسان و قوله تعالى وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) (الزلزلة: 3) و هو تساءل عن وعي مقصود و يمكن وصفها: إنها تبدأ من درجة (1) إلى نهاية الدرجة (5) في مقياس مارسيلي.
2 - الانفطار: هي الحركات الأكثر شدة و التي تظهر فيها الفطور على سطح الأرض و يمكن وصفها في مقياس مارسيلي بدرجة تتراوح بين (5-10) انظر قوله تعالى في السورة وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)، (الانفطار: 3، 4).
3 - الانشقاق: هي الهزات العنيفة التي تتشقق الأرض فيها و ينهار البناء و يحدث الموت لكثير من الناس انظر قوله تعالى في السورة يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6)، (الانشقاق: 6). و يمكن وصفها بالدرجة (11) في مقياس مارسيلي.
4 - الواقعة: الدمار يعم الجميع إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6)، (الواقعة: 4-6)، هكذا عبر القرآن عن هذه الدرجة و يمكن وصفها بدرجة (12) في مقياس مارسيلي.
5 - التكوير: و هي القيامة و قوله تعالى وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)، و فيها تتحطم الأرض و تتناثر و تبدأ في الدوران و هذا معنى التكوير. إن السور القرآنية الزلزلة، الانفطار، الانشقاق، الواقعة و التكوير كلها تبدأ بكلمة (إذا) و لنتأمل هذه البداية و نسلط الضوء على أحد حروفها و هو (ذ) و نرى نظام تكراره في هذه السور.
سورة الزلزلة يتكرر فيها الحرف (ذ) 5 مرات، سورة الانفطار يتكرر الحرف (ذ) 7 مرات، سورة الانشقاق يتكرر الحرف (ذ) 10 مرات، سورة الواقعة يتكرر الحرف (ذ) 16 مرة، سورة التكوير يتكرر الحرف (ذ) 19 مرة، و من خلال ملاحظة تكرار الحرف (ذ) نستخلص الحقائق الآتية:
أولا: إن عدد الحرف (ذ) يزداد مع شدة الحدث فسورة الانفطار عدد الحرف (ذ) 7 فيها و هو أكثر من تكرار الحرف (ذ) في سورة الزلزلة الذي هو أقل شدة من
ص: 43
الانفطار و التي عدد الحروف (ذ) في سورته 5 كما هو أقل من الانشقاق شدة و عدد حروف (ذ) في سورة الانشقاق (10) و ينطبق هذا على كافة سور الكوارث الخمس.
ثانيا: أن اللّه تعالى وضع نظام الحرف (ذ) بشكل مقصود و وضع تسلسل تلك الأحداث بشكل مقصود فانظر في الآية (90) من سورة مريم كيف قدم الحدث البسيط على الأكثر شدة في قوله تعالى تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ و هو مؤشر آخر على أن هناك معنى تسلسلي لتلك الأحداث.
ثالثا: ألا يستدعي ذلك أن نضع احتمالا بأن عدد الحرف (ذ) هو درجة قياس الحدث ما دامت متناسبة معه. لا شك أن مرسيلي وضع مقياسه وفق مشاهدات ميدانية ففي مقياسه يبدأ الانفطار بدرجة (6) و في القرآن الكريم يبدأ بدرجة (7) الذي هو عدد الحرف (ذ) في سورة الانفطار و في مقياسه يبدأ الانشقاق بدرجة (11) و في القرآن الكريم يبدأ الانشقاق و هذا يعطينا الحق بأن نستنتج أن الحرف (ذ) هو درجة الحدث وفق الاعتبارات الميدانية و المشاهدات الحقلية.
رابعا: إن درجة التكوير (19) لها معنى رياضي فنهاية مقياس رختر (9) و مقياس مرسيلي ينتهي بدرجة (12) و هي أرقام افتراضية ليس لها مدلول أو معنى فيزياوي و إلا لما أصبح ممكنا وضع مقياسين، أما الرقم (19) الذي يعبر عن الدوران فهو أقل رقم صحيح له مضاعفات متقاربة مع النسبة الثابتة (3,1415926) إذ بقسمة الرقم (19) عليه نحصل على (6,04788) و لا يوجد عدد صحيح يقبل القسمة على النسبة الثابتة بهذا التقريب سوى الرقم (19) و الرقم (66) و هذا يعطي قوة و تأكيدا لهذا المقياس(1).
خامسا: إن العدد (19) له مدلول قرآني عجيب و سورة التكوير التي تعبر عن النهاية القصوى للأحداث بعد انهيار الأرض و تطاير أجزائها في الكون بحركة دائرية يتكرر فيها حرف (ذ) تسع عشرة مرة. إن في القرآن الكريم مقياسا للكوارث الكونية و هذا المقياس يتكون من (19) درجة و يمكن وضعه بهذه الصيغة:
و هذا المقياس تم استنباطه من تكرار الحرف (ذ) في السور التي سميت بهذه الأحداث و هو إعجاز رباني.. و اللّه أعلم(2).. و قد تكلم الشيخ جوهري طنطاوي عن3.
ص: 44
الزلازل و البراكين في تفسيره (الجواهر) و في عدة أماكن.
أما بالنسبة للحركات المصاحبة للزلازل و مصادرها فقد فصلها القرآن تفصيلا رائعا قبل اكتشاف العلم الحديث لها.. ففي وصف القرآن الكريم لهول زلازل الأرض يوم القيامة يحدثنا عن الحركات التي تصاحب هذه الزلازل و هي كما يأتي:
(1)ة.
ص: 45
من وجهة نظر الثوابت القرآنية الشاملة يكون لدينا مقياس قرآنيا آخر و حسب الجدول الذي بيناه في كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم).
و قد فصل الدكتور أحمد حسنين حشّاد في بحثه الموسوم (الزلازل و البراكين - رؤية إيمانية) المنشور في مجلة الإعجاز العلمي السعودية - العدد الثاني، ص 52 - في هذا الموضوع مؤكدا أن القرآن الكريم قرر قبل العلم حقيقتان مفادهما أن الزلازل و البراكين لهما ارتباط وثيق فيما بينهما، و أن جوف الأرض يحوي على المعادن الأثقل وزنا(1).
[و أما ما يتعلق بقصة هذا المسجد الذي ظل صامدا في زلزال تركيا عام 1999 م و كما هو واضح في الصورة الخاصة به في الصفحات السابقة، فتحليل علمي بسيط و بالرجوع للجدول الذي بيناه آنفا حول قوة الزلازل تجد أنه يجب من الناحية العلمية أن ينهار المسجد و القبة و المنارة أو تتصدع على الأقل عند المرحلة الرابعة أو الخامسة من التدرجات ال 12 التي تحويها المقاييس، و لكنه و رغم أن الزلزال الذي حصل كان عند المراحل الأكثر تقدما، فإنه ظل صامدا و لم يحصل له أو للبناية المجاورة أي تصدع أو ضرر، أي ليس هناك تعليل علمي لما حصل.. التعليل أيها الإخوة هو أن هذا المسجد أسس على تقوى اللّه، كيف يا ترى؟!.
بني هذا المسجد قبل قرنين من الزمن، بناه رجل بسيط كان يمني النفس بأن يمد اللّه في عمره كي يبني مسجدا، و لكن العين بصيرة و اليد قصيرة، فقرر أن يعمل و يجتهد و يجمع المال و لو على حساب طعامه و شرابه و ملبسه.. و هكذا استمر يعمل و كلما يحين طعام الغداء ينظر لما عنده من مال فيقول، كم أنفق للغداء و الطعام، ثم يعود لنفسه و يقول كأنني أكلت و شبعت، و تمضي الأيام و الرجل على هذا الحال يأكل وجبة و يجمع للمسجد وجبة من طعامه و يخاطب نفسه فيقول لها (كأنني أكلت)، حتى أتى عليه يوم و إذا بنقوده تكفي لبناء المسجد فتوكل على اللّه و بناه فأتمه، فصدق اللّه فصدقه اللّه، و بني المسجد على تقوى اللّه و من الحلال المطلق، و من الإيثار و الصدق مع اللّه، و سمي المسجد باللغة التركية مسجد (كأنني أكلت).. حتى إذا جاء الزلزال ظل صامدا رغم كل شيء و معه العمارة الملاصقة له و التي تخدمه، لأن اللّه قد حماه جراء تقوى الرجل و صلاحه و صدقه مع ربه و حبه لدينه و تفانيه من أجله، فسبحان اللّه و هل من متعظ؟!.م.
ص: 46
نحتاج في عصرنا اليوم من يدفع لدينه جزءا يسيرا مما دفعه صاحب المسجد هذا رحمه اللّه تعالى].
ص: 47
الهبوط في المنشآت: يقصد بهبوط المنشآت حركتها إلى أسفل أثناء و بعد إتمام عمليات الإنشاء و التي تسببها الاجهادات الناشئة عن الأحمال الساكنة و المتحركة و يمكن إجمال أسباب الهبوط بما يأتي:
1 - الإجهادات الناشئة في التربة الحاوية على أساسات المنشأة نتيجة للأحمال الساكنة و المتحركة، و يمكن تقسيمها إلى ما يلي:
(أ) يمثل هبوط المبنى حيث الأحمال الواقعة على التربة أكبر من قوة تحملها.
(ب) هبوط سطح الأرض نتيجة للقوى الأفقية الزائدة الواقعة على الستائر.
(ج) انهيار كامل للمبنى نتيجة لوجود طبقة تربة طينية ضعيفة أسفل المبنى.
2 - نتيجة لوجود حفر قريب من أساسات المنشآت حتى في حالة وجود ستائر لحماية هذه الأساسات فإن أي حركة عرضية سوف تتسبب في هبوط المبنى و قد ينشأ عن ذلك تشققات أو انهيارات حسب الاجهادات الناتجة و هذا بالطبع يتوقف على طبيعة التربة.
3 - الانهيار نتيجة لاجهاد القص: تسبب حالات انهيار القص ميل المنشأ أو هبوطه، و قد يكون هذا الهبوط غير منتظم فتحدث التشققات. فمثلا إذا كانت الرمال ناعمة محبوسة فإنها تكون الوسط الصالح للأساسات بعكس ما إذا كانت مشبعة بالرطوبة و استطاعت لسبب ما أن تزحف في الاتجاهات الجانبية فإنها تزحف بما تحمله من منشآت أيضا مسببة لها هبوط عن منسوب الإنشاء.
4 - تذبذب منسوب المياه الأرضية: من المعروف أن وزن الجزء المغمور من الأرض أو المنشأ في المياه الأرضية أقل من وزن الجزء غير المغمور و عند ما يهبط منسوب المياه الأرضية لأي سبب من الأسباب يزول تأثير الطفو عن الأجزاء المغمورة و يزداد طبقا لذلك وزنها، و هذه الزيادة بالطبع قد تتسبب في هبوط المنشأ إذا لم يؤخذ مثل هذا التذبذب في منسوب المياه في الاعتبار عند تصميم المنشأ.. كما أن تسرب المياه الأرضية في اتجاه
ص: 48
المناطق المنخفضة أو الأنهار يتسبب في سحب التربة الناعمة و نحر قد ينتج عنه انهيار أو تصدع للمنشآت.
5 - زيادة المسطح المحمل: كلما زاد المسطح المحمل على التربة كلما كان تأثير ذلك لعمق أكبر (لنفس قيمة الإجهاد) فإذا تواجدت طبقات ضعيفة أسفل الأساس فإن ذلك يتسبب في ظهور هبوط أكبر(1).
ذكرنا في بداية الفصل آيات اللّه في القرآن الكريم حول موضوع الخسف للأرض و انهيار التربة و هبوط الأبنية و هذا لوحده إعجاز ينبئنا القرآن به قبل أكثر من 14 قرنا من الزمان، إذ أن هذا العلم يدخل ضمن علم التربة و كان المفروض أن أدرجه ضمن الفصل الخامس إلا أنني حبذت أن أبقيه مع هذا الفصل لأنه يدخل أيضا ضمن موضوع الأحمال و الأثقال و القوى. و هذا العلم لم يحض بالاهتمام و الدراسة العلمية الدقيقة إلا من عقود قليلة خلت. و قد حاولنا إعطاء بعض المعلومات السطحية عنه في المطلب السابق، و نكتفي بالقول أنه سبحان من بيده ملكوت كل شيء و هو القاهر فوق عباده و نسأله أن يعيذنا من الغفلة و يغفر لنا تقصيرنا و إسرافنا في أمرنا و يهدينا سبل السلام.. وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (43) (العنكبوت: 43).
و موضوع الخسف هذا هو بالضبط ما يعرف في علم الجيولوجيا بالانزلاقات الأرضية، انظر الأشكال.
لنتدبر قول اللّه تعالى محدثا من كارثة قارون بعد أن تكبر على اللّه و عباده فكانت عقوبته متناسبة مع ما اقترف من الكبر و التعالي و لكن متعاكسة معها، فالكبر يعني العلو و جاءت العقوبة بمعنى السفل و الحضيض فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ (القصص: 81)، يقول صاحب المستفاد عن هذه الآية «كما ذكر اللّه تعالى اختيال قارون في زينته، و فخره على قومه و بغيه عليهم، عقّب ذلك بأنه تعالى خسف به و بداره الأرض»(2). فالخسف في لغة العرب له معان كثيرة، منها الغور، التغييب، النقصان، الذلة، تحميل الإنسان
ص: 49
ما يكره، الحفر في الحجارة و العمى، أما الخسف فيأتي بمعنى الظلم و الذل(1). و كذلك قوله تعالى إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ (سبأ: 9).. و قوله: أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16) (الملك: 16) و غيرها من الآيات المباركات..
فصدق اللّه العظيم القائل: وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً (89) (الإسراء: 89).6.
ص: 50
و لعل قوله تعالى في سورة التوبة و التي تتحدث عن البنيان على الجرف الهاري تمثل الصورة القرآنية الرائعة للبناء الفكري الآئل للسقوط شأنه شأن البنيان على منحدر خطر فيه تربة منزلقة معرضة للخسف و الانهيار في أية لحظة. يقول تعالى أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (109)، (التوبة: 109).
ص: 51
ذكرنا في كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم) تفاصيل عديدة و مهمة من السبق القرآني و النبوي في موضوع المعادن المهمة في حياة البشر كالذهب و الفضة و الحديد و النحاس و الرصاص و غيرها. و في كتابنا (تفصيل النحاس و الحديد في الكتاب المجيد) ذكرنا تفاصيل أكثر حول عنصري الحديد و النحاس في القرآن و السنة.
في هذا الفصل سنذكر بعض المقتطفات من هذا السبق، و من أراد الاستزادة فعليه بالرجوع لكتابينا المذكورين، و للّه الفضل و المنة من قبل و من بعد.
ذكرنا في الكتاب السابق المتعلق بالفلك كيف نشأ الكون نتيجة الانفجار الكبير بعد الأمر الإلهي بكلمة كن، و كيف أن الأرض انفصلت عن الشمس بعد سلسلة الانفصالات و التكونات التي شهدها الكون بعد انفجاره و بسرعة هائلة.
ثم ذكرنا في بداية كتابنا هذا حركات الأرض و جيولوجيتها و طبقاتها، و من ذلك أنها تحتوي في جوفها على معادن ثقيلة كالحديد الذي يشكل الثقل الأعظم لهذا الجوف و الكوبلت و النيكل و الألمنيوم.
ترى كيف نشأت هذه المعادن الثقيلة في الأرض علما أن 98% من الكون الابتدائي و الحالي يتشكل من الهيدروجين و الهيليوم.
الحديد(1)
لقد حصل منذ بلايين السنين انفجار في مركز هذا الكون المليء بالدخان يسمى الانفجار الكبير ( The Big Bang ) و كون النجوم و هي الشموس التي تشبه شمسنا و شمسنا هذه واحدة منها. و من دراستنا لصخور القمر و عينات من الشهب و النيازك
ص: 52
و عينات من صخور الأرض اتضح أن المجموعة الشمسية كانت في يوم من الأيام كتلة واحدة ثم بدأت مكوناتها في التناثر نتيجة لانفجارات حصلت فيها. فالعناصر الثقيلة لم تبتعد عن مركز المجموعة و كونت الكواكب الداخلية (الأرض و المريخ و الزهرة و عطارد) و تتكون عناصرها من المعادن و السيليكات أما العناصر الخفيفة فقد ابتعدت عن مركز المجموعة و كونت الكواكب الخارجية (المشتري و بلوتو و نبتون و أورانيوس) و تتكون في معظمها من غازات مثل الهيدروجين و الهيليوم و الماء(1).
كما و أثبتت دراسات على مذهب هالي احتواءه على نسب من الحديد و أيضا احتواء النفط على الحديد كما بينا ذلك بالتفصيل في الفصل السابق.
لقد لوحظ في دراسة توزيع العناصر المختلفة في الكون أن غاز الهيدروجين هو أكثر العناصر شيوعا، و يليه في الكثرة غاز الهيليوم و هما يكونان معا أكثر من 98% من مادة الكون المنظور، بينما تكون بقية العناصر المعروفة لنا مجتمعة أقل من 2% و قد أدى ذلك إلى الاستنتاج المنطقي و هو أن العناصر المعروفة لنا تتكون في داخل النجوم عن طريق تفاعلات نووية حرارية تعرف ب (الاندماج النووي)، تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة، فشمسنا تتكون أساسا من غاز الهيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها في درجات حرارة مرتفعة جدا لتكون غاز الهيليوم بانطلاق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية. و يتحكم في هذا التفاعل النووي عاملان هامان هما ازدياد نسبة غاز الهيليوم المتكون بالتدرج و زيادة تمدد الشمس، باستمرار هذه العملية تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا، و بازديادها ينتقل التفاعل إلى المرحلة التالية، التي تندمج فيها ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجة الكربون 12، ثم الأوكسجين 16، ثم النيون 20... و هكذا.
و تقدر درجة حرارة سطح الشمس بحوالي 6000 درجة مئوية. و تزداد هذه الحرارة تدريجيا نحو المركز إلى أكثر من 25 مليون درجة مئوية. و يقدر العلماء أنه عند ما يتحول نصف الهيدروجين الشمسي تقريبا إلى هيليوم ستصل درجة حرارة هذا النجم إلى نحو 100 مليون درجة مئوية، مما يؤدي بالهيليوم المتكون إلى الاندفاع نحو المراحل التاليةة.
ص: 53
في الاندماج النووي، فيكون عناصر أقل في وزنها الذري، و يطلق طاقة حرارية هائلة.
و يقدر العلماء أنه عند درجة 600 مليون درجة مئوية يتحول الكربون إلى صوديوم و مغنيسيوم و نيون، ثم تنتج التفاعلات النووية الآتية عناصر الألمنيوم، و السيليكون، و الكبريت، و الفسفور، و الكلور، و الأرغون، و البوتاسيوم، و الكالسيوم على التوالي، مع ارتفاع مطرد لدرجة الحرارة. و في النهاية تصل درجة حرارة النجم إلى 2000 مليون درجة مئوية فتتحول هذه العناصر إلى مجموعة الحديد و التيتانيوم (و التي تشمل كلا من الكروم، و المنغنيز، و الحديد، و النيكل، و النحاس و الزنك).
و لما كانت هذه التفاعلات تحتاج درجات حرارة مرتفعة جدا لا توجد إلا في داخل نجوم خاصة تعرف باسم المستعرات ( Nova ) أو فوق المستعرات ( Super Nova )، و في فترات محددة من تاريخها، و لما كانت نسبة الحديد إلى السيليكون في شمسنا أقل منها في الأرض، و كذلك في النيازك التي تصل إليها، و لما كانت درجة الحرارة في داخل الشمس لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكنها من إنتاج السيليكون أو الماغنسيوم أو الحديد.
لهذا و ذاك، كان من البديهي الافتراض بأن الشمس استمدت هذه العناصر من مصدر آخر، و كان لزاما على العلماء أن يسلموا بعملية تطور العناصر هذه.
و هي العملية التي لخصها كل من العالم البريطاني فريد هويل ( Fred Hoyle )، و زميله الأمريكي فولر ( Fawlor ).
يرى هذان العالمان أن كل العناصر المعروفة (و التي عرف الإنسان أكثر من 100 عنصر) تنشأ بعملية الاندماج النووي لذرات غاز الهيدروجين في داخل النجوم، و بذلك تزداد درجة حرارة النجم الداخلية تدريجيا، و يزداد تمدده حتى لا تستطيع الاحتفاظ بكل مكوناته فتنفصل أجزاء منه على هيئة أفلاك تنطلق بواسطة القوة الطاردة المركزية بعيدا عن النجم، و تظل منطلقة بعيدة عنه حتى يتساوى قدر القوة الطاردة المركزية مع قوة جاذبية النجم الأم، و عندئذ تقف هذه الأفلاك المنفصلة على مسافات محددة من النجم ثم يدور كل منها حول النجم الأم في مدار محدد.
و قد أجريت حسابات نظرية لما سوف تكون عليه الشمس مستقبلا، بسبب استمرار عملية الاندماج النووي بداخلها، فاستنتج العلماء أنه لو استمر الأمر على ما هو عليه الآن فسوف تزداد شدة ضياء الشمس إلى ألف مرة قدر ضياءها الحالي. و يزداد نصف
ص: 54
قطرها إلى مائة مليون ضعف قدره الحالي.
و بعد ذلك التوهج و الاندماج ستنكمش الشمس لتصبح 5% من حجمها الحالي عند ما تتوقف التفاعلات النووية بداخلها، و تصبح شمسنا المشرقة نوعا من النجوم البيضاء الباردة المعروفة باسم: النجوم البيضاء القزمة».
و بالنظر في الكون المحيط بنا نرى السدم التي تتكون بداخلها النجوم، و نرى أنماطا مختلفة من النجوم في دورات متتالية من مراحل تكوينها و اندثارها، و نرى أن الأرض التي نحيا عليها لها لب صلب يغلب على تركيبه الحديد و النيكل، و يمثل هذا اللب الصلب غالبية كتلة الأرض. و نرى أنماطا من النيازك التي تصل إلى أرضنا من الفضاء الكوني يغلب على تركيبها الحديد (النيازك الحديدية). و من هنا كان الافتراض المنطقي المقبول أن الكون بدأ بسحابة دخانية تشبه السدم حاليا، و أن هذه السدم بدأت مادتها تتكثف على هيئة نجوم تشبه شمسنا، بينما دارت حولها فضلات من هذا الدخان الذي تكسر إلى دوامات ذات أحجام و كتل و ترتيب مختلف في داخل كل منطقة نصف قطرية حول النجم.
و بتكثف كل من هذه الدوامات على أبعاد نصف قطرية من النجم تكونت الكواكب الابتدائية، و منها أرضنا الابتدائية. و بديهي ان الكواكب الحالية أصغر بكثير في حجمها من نظائرها الابتدائية و مختلفة عنها في التركيب، و يقدر العلماء ان الأرض الابتدائية كانت أكبر من أرضنا الحالية بنحو 500 مرة في حجمها، و قد بدأت في التكثف على بعضها ككومة من التراب، كانت في بادئ أمرها باردة تماما ثم أخذت درجة حرارتها في الارتفاع تدريجيا بواسطة عملية الإشعاع، و بواسطة الطاقة الناتجة عن استقرار مادة لب الأرض في قلبها. و لما كانت درجة حرارة الشمس التي تتبعها أرضنا لا تسمح بتكون الحديد فيها، و لما كانت كمية الحديد و النيكل في لب الأرض تشكل غالبية كتلة الأرض، اتجه العلماء إلى تقدير أن الأرض الابتدائية في مراحل تكونها الأولي (و هي على هيئة كتلة ترابية تتكثف على بعضها البعض) تعرضت إلى وابل من النيازك الحديدية، انطلقت إليها من الفضاء الكوني و استقرت في لبها، نظرا لكثافتها العالية، و انصهرت بواسطة كل من حرارة الاستقرار و حرارة الإشعاع.
و قد أدى هذا إلى تمايز أرضنا فأصبحت تتكون من لب صلب يغلب على تركيبه
ص: 55
الحديد و النيكل يغطيه إلى الخارج لب سائل، توجد به أيضا نسبة عالية من الحديد و النيكل المنصهر، و يلي ذلك إلى الخارج أربعة أنماط من الأوشحة المتباينة في صفاتها الكيميائية و الطبيعية، و يغلف ذلك كله الغلاف الصخري للأرض.
و من هنا ساد بين العلماء المعاصرين الاعتقاد بأن مجموعة المعادن الموجودة في الأرض، و التي تشكل غالبية كتلتها، لا يمكن أن تكون قد تكونت في الشمس، التي لم تصل درجة حرارتها بعد إلى الدرجة المطلوبة لتكون العناصر بعملية الاندماج النووي. بل لا بدّ لتلك المعادن الثقيلة من أن تكون قد تكونت في داخل بعض المستعرات و فوق المستعرات من النجوم التي انفجرت فتناثرت أشلاؤها الحديدية على هيئة وابل من النيازك الحديدية وصل إلى أرضنا الابتدائية. و لما كانت غالبية أرضنا من العناصر الخفيفة، استقرت هذه العناصر الحديدية في لب أرضنا و ساعدت على تشكلها بهيئتها الحالية.
من هنا أصبح من الثابت أن حديد الأرض ليس من الأرض و إنما قد أرسل إليها من الفضاء الكوني، و هذه عملية لم يتوصل العلماء إلى فهمها إلا منذ سنوات قليلة، و في المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن و السنة الذي عقد بمدينة إسلام آباد بباكستان عام 1987، قدم العالم (روبرت كولمان) من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية و آخرون بحثا قالوا فيه: و نحن نعلم الآن أن الطاقة التي أحتاج إليها تشكل الحديد قد حدثت قبل نحو 13 ألف مليون سنة (أي بعد الانفجار العظيم الذي حدث به تشكل الكون) و قد تشكلت العناصر الثقيلة كالحديد، من الهيدروجين و الهيليوم داخل المجرة، ثم هبطت إلى الأرض. و بما أن الحديد أثقل من العناصر الأخرى، فإنه ترسب إلى طبقة عميقة من الأرض، و وصل إلى مركز الأرض مشكلا منطقة الحديد السائل في مركز الأرض، فسبحان الذي أوحى إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ذلك النبي الأمي، بهذه الحقيقة الكونية قبل ألف و أربعمائة سنة، و في وقت لم يكن لأحد على سطح الأرض القدرة على إدراك و لو جزء من هذه الحقيقة(1).ج.
ص: 56
ص: 57
و هذا ما نلاحظه في اللفظة القرآنية في قول اللّه تبارك و تعالى وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ (سورة الحديد: 25).
إن لفظة وَ أَنْزَلْنا بمعنى إنزال الحديد على الأرض من مصدر خارجي عنها لم يتوصل إليه علماء الفضاء و الفيزياء النووية إلا حديثا جدا، رغم أن القرآن أشار إلى حدوثها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، على رجل أمي لا يعرف القراءة و الكتابة هو محمد بن عبد اللّه سيد الأنبياء و المرسلين، أشرف و أطهر من خطا بقدمه على الأرض صلّى اللّه عليه و سلّم، اختاره اللّه تبارك و تعالى من بين خلقه جميعا ليكون رسولا يتلقى القرآن العظيم و يبلغه للناس، و يهدي به كل أشكال و ألوان البشر في بقاع الكوكب الأرضي كله صلّى اللّه عليه و سلّم، و على آله و صحبه أجمعين، و على كل من اتبعه، و استن بسنته و اقتفى أثره إلى يوم الدين(1).
و لقد أثبتت البحوث أنه لو لا الحديد الموجود في لب الأرض لما أمكن العيش عليها، إذ أنه سبب لوجود المجال الكهرومغناطيسي للأرض على شكل حلقات (فان الن) الثلاثة المحيطة بالأرض كالمعصم و هي تحمي الأرض من الجسيمات الذرية الساقطة عليها من أعماق الكون، و كما فصلنا ذلك في كتاب الفلك.
إذا ما لاحظنا الجدول الدوري الجدول - كتاب المادة و الطاقة -، نلاحظ أن المعادن و منها التي ذكرت في القرآن الكريم كالذهب و الفضة النحاس و الحديد تقع ضمن العناصر الفلزية. فالحديد له وزن ذري 55,847، و النيكل 58,71، و الألمنيوم 26,981 بينما السليكون غير فلزي و وزنه الذري 28,086 و تبعا لأوزان المعادن النوعي يعتبر الحديد و النحاس و الذهب و الفضة من المعادن الثقيلة.
الحديد هو العنصر الخامس الأكثر انتشارا في قشرة الأرض، و مسحوق الحديد ( Taconite ) مركز و موجود بحيث يسهل تعدينه و استخراجه و لا يمكن وجود الحديد في الطبيعة بشكل حر إنما يكون مخلوطا بنسب مختلفة من الكربون و غيره من العناصر و هو يتكون بالطبيعة بالأساس إما بشكل ( Iron-Carbide ) ( FE3C أو ( Iron-Ferrite ) ( Fe ).).
ص: 58
تتغير جزئية الحديد بحالات استقرار و لا استقرار خلال فترات الحرارة و البرودة و تزداد و تقل نسبة الكربون تبعا لذلك كما و يتفاعل هذا الجزء مع جزئيات أخرى طبيعيا أو صناعيا كالمنغنيس و السليكون و الكبريت و الفسفور و النيكل و الألمنيوم و الكالسيوم و المغنيسيوم و التيتانيوم و الكورميوم و التنغستون و الموليبونيوم و غيرها لتكون سبائك لا حصر لها.
كما يشير علم الآثار فإن استخدام الحديد من قبل الإنسان كان في العصر الحديدي الذي سمي كذلك نسبة إلى استخدام الحديد لأول مرة فيه و هذا العصر سحيق في القدم إذ أنه جاء بعد الانتقال إلى مرحلة الحياة في الكهوف و البربرة و البداوة إلى مرحلة التحضر و الاستقرار و التمدن، و أول ظهور للصخور الحديدية على سطح الأرض (و ليس جوفها) كان في حقبة الحياة الوسطى ( Mesozolic ) و بالضبط في العصر الجوراسي ( Jurrassic ) قبل 135-181 مليون سنة(1).
لغرض معرفة خواص هذا العنصر لمختلف الظواهر يجب أولا معرفة ما الذي يجب معرفته و ما هي الخصائص الواجب دراستها، حيث يجب فهم خصائص الحديد الميكانيكية و الحرارية و المغناطيسية و الكهربائية و الإشعاعية (باختلاف أنواعها الصوتية و الضوئية) و الذرية كما يوضح أيضا الخصائص الواجب معرفتها لكل نوع من هذه الأنواع. و على العموم يعتبر الحديد ذا كثافة قيمتها (7,869 غم/سم 3) و درجة انصهاره (1535 م)، و درجة غليانه تتراوح (2750-3000) م و تحوي على نسب مختلفة من الكربون و نسب مختلفة من المضافات المعدنية المهمة.
تعرف معاملات الانتشار ( Coefficient of Diffusion ) بأنها العلاقة الكيمياوية للمحلول الكيمياوي بين المذاب و المذيب، و قد تبين(2) أن إذابة الكربون بالحديد و السليكون بالألمنيوم و النحاس بالألمنيوم و النيكل و النحاس تعطي أعلى قيمة لمعامل الانتشار الأمر الذي يعني أنها المحاليل الكيمياوية الأكثر تجانسا و تعاشقا و انتشارا فيما بينها من غيرها، و هنا نذكر ان هذه العناصر (الحديد و الألمنيوم و السليكون)ن.
ص: 59
هي العناصر المكونة للب الأرض و أن الحديد - كربون زوجين لا ينفصلان و أن النحاس و الحديد تعطيان خصائص مهمة كيمياويا، ف سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمّا لا يَعْلَمُونَ (36) (يس: 36).
المعروف في علم الكيمياء أن (العدد الذري) هو عدد البروتونات في الذرة، و أن (الوزن الذري) يتعلق بعدد (البروتونات + النيوترونات)، فهل هناك قصد في ترتيب السورة وفق الوزن الذري للحديد و الذي هو (57) و الذي يطابق جمل كلمة (الحديد)؟! قد يقول البعض إن الوزن الذري للحديد هو (55,8) و ليس (57). و الصحيح أن للحديد (5) نظائر أوزانها الذرية (55، 56، 57، 58، 59)، و اللافت للانتباه أن النظير (57) جاء في منتصف الأوزان. أما (55,8) فهو لا يتعلق ببنية الذرات و إنما هو متعلق بنسبة انتشار كل نظير في الطبيعة(1).
و فيما يلي ملاحظات ترجّح أنّ للعدد (57) أهمية خاصة في هذا المقام، مع مقارنات أخرى:
أ - ترتيب سورة الحديد في المصحف هو (57)، و عدد آيات سورة الحديد هو (29). و إذا ضربنا (29 * 57) يكون الناتج (1653) و هذا هو مجموع الأرقام من (1-57).
ب - وردت كلمة (حديد) في القرآن الكريم في السور (الحج، ق)، و كلمة (حديدا) في سورة (الإسراء)، و وردت كلمة (الحديد) في سورة (الكهف) و (سبأ) و (الحديد)، و بعد سورة الحديد لم تذكر كلمة الحديد. و عليه تكون كلمة (الحديد) تكررت في القرآن الكريم (6) مرات، في (6) سور، و هو نفس عدد أوجه التركيبة (حديد كاربون)، كما و أن أعلى درجة لتأكسد الحديد هو (6) - شكل سداسي التكافؤ -، و كذلك عدد أطياف عنصر الحديد هو (6) ( R, O, Y, E, D, V )، و الأواصر التي يرتبط بها في بعض المركبات العضوية هو (6)(2).
ج - كلمة (حديدا) في سورة الإسراء هي الكلمة رقم (667) في السورة، أي إذا8.
ص: 60
قمنا بعدّ الكلمات من بداية السورة فستكون كلمة (حديدا) هي الكلمة (667)، أما كلمة (الحديد) في سورة (الكهف) هي الكلمة رقم (368)، و كلمة (الحديد) في سورة (سبأ) هي الكلمة رقم (177)، و كلمة (حديد) في سورة (ق) هي الكلمة رقم (183)، و كلمة (الحديد) في سورة (الحديد) هي الكلمة رقم (461)، و عليه يكون مجموع المواقع: (667 + 1402 + 368 + 177 + 183 + 461) (3258) و الجذر التربيعي لهذا الرقم هو (57,0788) على وجه التقريب.
د - وردت كلمة الحديد في سورة الحديد في الآية (25): وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ... و لو سألت ما الحكمة من إنزاله؟، يكون الجواب: فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وفق رسم المصحف يكون مجموع جمّل هذه الكلمات هو (3263)، و الجذر التربيعي لهذا العدد هو (57,12) على وجه التقريب، و الملحوظ أن الفرق بين هذا العدد (3263) و مجموع مواقع كلمة حديد هو (5)، فما السر(1) ؟!.ف.
ص: 61
نقطة أخرى أريد أن أبينها أن الموضوع هنا هو فهم المعاني الهندسية للآيات الكريمات و ليس من منظار علمي آخر كالطب مثلا، إذ ربط الأطباء آيات الحديد مع أهمية عنصر الحديد لجسم الإنسان مستندين أن كلمة البأس الشديد وردت في القرآن ثلاث مرات و كلها جاءت لتعطي معاني صحية و طبية و منها آية الحديد(1) ، و هذا بالطبع منظار آخر لكتاب اللّه و آياته.
لنتأمل الآن إحصائية الأستاذ بسام جرار و الموضحة في الجدول و نحاول فهمه من خلال الخواص الحديدية التي اكتشفها العلم الحديث و التي سبق أن وضحناها في جداول عديدة خلال مسيرتنا في هذا الفصل. نلاحظ من الجدول الدقة المتناهية للحقيقة القرآنية المتعلقة بعلم الحديد و ثوابته و خصائصه و كيف أن هذه الحقيقة سبقت العلوم المعاصرة التي اعتمدت على العلم التجريبي و التطبيقي و الرياضي لاكتشاف خواص الحديد. هذا بالنسبة للتسلسلات، أما بالنسب للنسب فنرى أن الجدول الآخر يوضح الحقيقة القرآنية بثوابته الشاملة حول موضوع الحديد.
(2)6.
ص: 62
ص: 63
و من الجدول أعلاه يتوضح لنا ما يأتي:
1 - مجموع النسب الثلاثة لمجموع الآيات الواردة يعادل معدل كثافة الحديد، أو ما يساوي (7,932)، و هو ما يشكل (99,21%) فرق للرقم العلمي لمعدل كثافة الحديد الذي هو (7,85) طن/م 3 عن الحقيقة القرآنية، و اللّه أعلم.
2 - النسبة 1 لسورة الحديد (0,5) يعطينا مؤشر عن معدل احتكاك الحديد على الحديد و المتراوح بين (0,2-0,8). علما أن وجود سورة الحديد في منتصف سور القرآن البالغة 114 قد يعطي معاني أخرى مهمة و كما بينا ذلك في العدد (57)، و اللّه أعلم.
3 - إن بقية النسب لها دلالاتها العلمية حتما إلا أن الأمر يحتاج إلى بحث و دراسة مستمرين و كما مبين في الجداول التي استعرضناها.
و هناك أمور غاية في الروعة تتعلق بالسبق القرآني في موضوع الحديد أحيل القارئ الكريم إليها في كتابينا المذكورين آنفا.
النحاس هو من العناصر المعدنية التي استخدمت منذ الحضارات القديمة فهو معدن مائل إلى الحمرة ذي تركيب بلوري نوع FCC و كثافة 8,96 غم/سم و رغم أن أغلب المعادن لا تأخذ شكلها الصناعي المعروف إلا من خلال سباكتها و مضافاتها فالنحاس أيضا لا يخرج عن هذه القاعدة، إلا أن هنالك تطبيقات صناعية كثيرة و له ضمن وضعه
ص: 64
النقي الطبيعي و هو يأتي بالمرتبة الثانية بعد الفضة من حيث التوصيل الكهربائي و الحراري و له قابلية كبيرة جدا لمقاومة التآكل فهو من أهم المعادن المقاومة للتآكل و التعرية يجعله من المواد المستخدمة بشكل واسع في التطبيقات الهندسية.. فبالنسبة للنحاس المستخدم في ( ETP ) - و هي سبيكة نحاسية - مثلا يجب أن لا يتعرض لحرارة أكثر من 400 م لأن تفاعل الغازات المشعة مع دقائق الأوكاسيد عند الحدود المحببة ( Grain Boundaries ) تؤدي إلى حصول تقصف أو هشاشة للمعدن ( Embrittement )(1).. و النحاس معدن رخو عالي المطاوعة و له تحمل شد يصل إلى 35 (كيب/انج) و هو بهذا ينافس الحديد بمقاومته للشد، كما و أن له قابلية استطالة عالية 40% لكل 2 انج و هو لوحده ضعيف الصلادة إلا أن إضافته إلى معادن أخرى أو إضافة معادن أخرى إليه يحسن هذه الخاصية.
تجد في القرآن الكريم تفاصيل رائعة حول هذا المعدن خصوصا في سورة الكهف و قصة ذي القرنين، و كذلك ما سخره اللّه تعالى لسيدنا داود عليه السلام من تسييل عين للنحاس. و لقد فصلنا في هذا في كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم)، و كمثل على السبق القرآني العجيب في أمور الثوابت العلمية للعناصر، فإن النسبة (3) التي ذكرنا تفاصيلها في كتاب المادة و الطاقة، و التي تتعلق بكلمة (قطرا) التي تسلسلها في سورة الكهف (1418) هي (0,896) و هي بالضبط كثافة النحاس التي تساوي (0,896 ديكاغم/سم)، فسبحان من جعل كونه المقروء مرآة لكونه المنظور... و لتفاصيل أروع يراجع كتابينا المذكورين آنفا.
الذهب و الفضة(2):
وردت كلمة ذهب في القرآن الكريم (8) مرات و زخرف و تعني الذهب و الزينة (4) مرات، فجاءت مرتان بمعنى الذهب و مرتان بمعنى الزينة، أما كلمة فضة فجاءت ستة مرات في القرآن الكريم، فلم هذا الاهتمام؟، و لما ذا أطلقت اسم الزخرف على سورة كاملة في القرآن الكريم؟.
لمعرفة ذلك علينا أولا أن ندرس الذهب و الفضة علميا ثم ندرس تفسير الآيات
ص: 65
و الأحاديث المتعلقة بالذهب و الفضة و كذلك ما يرتبط بهما و يعضدهما من آيات و أحاديث أخرى.
إذا ما عدنا إلى الجدول الدوري نلاحظ أن هذه المعادن الذهب و الفضة تعتبر معادن كريمة - و هي الذهب و الفضة و البلاتين -. إذ تتميز هذه العناصر بأنها ذات خواص نادرة تعتبر مهمة كمواد هندسية بالإضافة إلى إنها معادن كريمة غير حديدية.
من بين 118 عنصر اكتشفت لحد الآن تشكل جدول مندليف الدوري للعناصر، 92 من هذه العناصر طبيعية و البقية صناعية لا يزيد عمرها عن أجزاء قليلة من الثانية، تبرز العناصر الفلزية و منها المعادن. و لعل أكثر هذه المعادن ندرة و جمالا هي المعادن النفيسة (الذهب، الفضة، البلاتين). و تتشكل في الأرض من العناصر الكيميائية أنواع كثيرة من التشكيلات المعدنية ( Minerals ) تربو على 3000 نوع، أندرها و أروعها الأحجار الكريمة مثل الياقوت و الماس و الزبرجد.
يعتبر الذهب معدنا كريما و نفيسا أملس السطح أصفر اللون براق كما يوضح الشكل بكثافة مقدارها 19,3 غم/سم 3 و بشكل تركيبي ( FCC ) أو ( Face Center Cubic ) كما في الشكل(1). و قد عرفه الإنسان منذ القدم و استخدمه كمجوهرات و حلي و له قيمة دولية كبيرة في سوق العملات حيث إنه يعادل قيم العملات المتداولة عالميا و كذلك يستخدم للأثاث و الديكور و استخدامات أخرى عديدة.
الذهب الصافي هو ذهب عيار (24 قيراط) لذلك فإن عيار 21 قيراط يحوي 8/7 ذهب و 18 قيراط يحوي 75% ذهب و هكذا دائما السبائك هي ذهب عيار 14 قيراط و 18 قيراط يخلط بمضافات من النحاس لأن الذهب الصافي يعطي صقالية عالية جدا و لا يعطي صلابة كافية أو خصائص جيدة للاستخدام. إن الذهب يحوي خصائص نفيسة عديدة مما يجعله مهما صناعيا حيث إنه له خصائص مطاوعة و قابلية طرق غير عادية بالإمكان حقنه في سلك أخف من شعرة الإنسان و كذلك فإن أونسة مفردة ( Troy ) وزن 31 غم بالإمكان فرشها على مساحة 300 فوت مربع، و هو معدن مقاوم للصدإ و لا يمكن
ص: 66
مهاجمته بواسطة وسط ملوث حتى و لو كانت حوامض لذلك يوجد حرا في الطبيعة و غير متحد مع عناصر أخرى و هذه الصفة مهمة جدا للخواص الهندسية حيث إنه حر من الأكسدة و فقدان اللمعان و هذه الحرية جعلته مهما في صناعات متعددة و من أهمها المماسات الإلكترونية الذهبية ( GOld Electrical Contacts ) في تطبيقات تحتاج إلى موثوقية و تكامل خاص حيث يكون مناسبا للاستخدامات الطبية و خصوصا في تغليف الأسنان، و هو يحمل صفات توصيل و انعكاسا حراريا ممتازا و هو يستخدم في طلاءات خاصة مانعة للحرارة تسمى ( Electrode Posited ) لحماية حرارية لأجزاء في الأقمار الصناعية و منشآت فضائية أخرى(1).
الفضة هو معدن كريم و نفيس أبيض لماع له تركيبة مشابهة للذهب ( FCC ) يوضحه الشكل أدناه، لها كثافة قدرها 10,49 غم/سم 3، و هو أيضا عرف منذ القدم للإنسان و استخدم مثل الذهب للحلي و الأثاث الفاخرة و كرصيد مادي عالي و استخدم تاريخيا لصك النقود و الجواهر و أثاث الموائد. الفضة النقية أيضا تعتبر ملساء جدا و غير عملية للاستخدام لذلك تضاف له معادن أخرى لتقوية الصلابة و التحمل ( Hardness
and Strength ) و لذلك تطبيقات كثيرة من الجواهر الفضية التي تحوي معادن أخرى مثل نظام (فضة - نحاس) و كمثل عليه (الفضة الإسترلينية) تحتوي 92,5% فضة ( Ag ) و 7,5% نحاس ( Cu ). الفضة كذلك لها خواص مهمة جدا للصناعات الهندسية و كمثل لذلك فإن الفضة لها توصيل كهربي عالي جدا على الرغم من الكلفة العالية لها إلا أن استخداماتها خاصة و حسب الحالة و الحاجة، فالفضة تستخدم في Transveneous)
(Heart Pace Makers Leads in و هو (السلك الواصل للقلب لتنظيم سرعة دقاته) و الفضة كذلك حساسة للضوء جدا كشكل ( Silver Halides ) أو ما يعرف ب (هاليدات الفضة) أو شبه ملحية فهي مهمة في الصناعة الهندسية الفوتوغرافية مثل مادة كلوريد الفضة أو برومايد الفضة. إن فعالية الفضة لإشعاع الضوء (الفوتونات) عالية فهي تؤدي إلى تفكك الهاليدات ( Silver Halide ) كما موضح في المعادلة:
ص: 67
(سبيكة فضة زبروم أيون الفضة + أيون البروميد ( AgBr Ag + Br ) و هذا يحدث أثناء تعرض الفضة للإشعاعات الضوئية في أثناء تطور التفاعلات و ينتج ما يسمى بملح الفضة ( Silver Salt ) و إذا ما تعرض هو الآخر لضوء فإنه سيقل تركيزه و بالتالي فإن الفضة المعدنية ( Metallic Silver ) ( Ago ) تترسب كمسحوق أسود دقيق أو ما يعرف (بالسخام) و بالتالي الصورة الكامنة أو المستترة تتحول إلى صورة مرئية ( Negative ) سالبة و هذا ما يستفاد منه في صناعة الأفلام لذلك تعتبر الفضة سيدة المعادن لصناعة الأفلام الفوتوغرافية.
الفضة مهمة كذلك في صناعات الأسنان حيث تكمن أهميتها في خلطة العلك ( Amalgam ) و هو )Silver-Tin-Mercury) أو (فضة - قصدير - زئبق) المستخدمة في حشوة الأسنان و قد اكتشف مؤخرا أن المضاف الحاوي على (فضة - نحاس) و الذي يضاف إلى خلطة العلكة أعلاه بحيث تعطي نسب خلط 70% فضة ( Ag )، 16% قصدير ( Sn )، 13% نحاس ( Cu )، 1% زنك ( Zn ) تعطي مقاومة أعلى بكثير لما يسمى التعرية الشقية ( Crevies Corrosion ) حيث أن النحاس يهاجم و يتفاعل مع القصدير في الخلطة أعلاه و يلغي تأثير ما يسمى بالطور الغني للقصدير ( Tin-Rech-Phase ) و المسئول بالدرجة الأساس عن التعرية و التآكل الحاصل في حشوة الأسنان(1).
إن المعادن الستة المكونة للمجموعة الثامنة - ب، و التي تضم البلاتين هي:
البلاتينيوم Platiunium ، البلاديوم Palladium ، الايريديوم Irridium ، روديوم Rhodium ، روثينيوم Ruthenium ، اوسميوم Osimium .
و تشترك هذه المجموعة مع بعضها بخواص معينة لتكون مجموعة البلاتين و اجتماعها هذا له سبب و هو أنه لها نفس المدار الخارجي. إن الذي يجعل هذه المعادن مهمة هو مقاومتها غير الطبيعية للتآكل و الأكسدة. لهذه المعادن خاصية أخرى هي علو قيمتها الجوهرية أو الفعلية ( Intrinsic Value )، و سبب ذلك كما في حالة الذهب إنها نادرة نسبيا ( Scarce ). و لأن البلاتينيوم هو أقل ندرة ( rare ) و أكثر استخداما لذلك سميت المجموعة باسم هذا المعدن و سوف ندرسه على انفراد.
ص: 68
البلاتين معدن فضي أبيض و بنفس التركيبة للفضة و الذهب و هي ( FCC ) و كثافة 21,43 غم/سم 3. و ينتج صناعيا كمنتوج ثانوي لتنقية النيكل ( Nickel Refining ) و هو عنصر مثل الذهب مطاوع و قابل للطرق إذا كان نقيا و يستعمل في المجوهرات و الأثاث و له استخدامات في الأسلاك الحرارية المزدوجة ( Thermo Couple Wire ) للمختبرات و العدد المختبرية مثل ( Electrochemical Anodes ) و البوادق ( Crucibles ) المستخدمة لأغراض الديكور الكرستالي، و كذلك في الموصلات الإلكترونية ( Electrical Contacts ) بالإضافة إلى استخدامه الواسع في الصناعات البتروكيمياوية كمعجل للتفاعل ( Catalytic Agent )(1).
إذا ما دققنا النظر في جدول الخصائص نلاحظ أن الخصائص الميكانيكية للذهب و الفضة متقارب حيث أن معامل المرونة للذهب هو (11,6 * 610) باوند لكل إنش مربع بينما هو للفضة (11 * 610) باوند لكل إنش مربع لذلك فإن الخواص الميكانيكية للمادتين متقاربة مع أن الذهب أكثر مطاوعة من الفضة، أما درجة الانصهار فللذهب هي 1063 درجة مئوية بينما الفضة 961 درجة مئوية و هي أيضا متقاربة، إذن فالخواص الحرارية متقاربة و كذلك فإن التركيب البلوري هو نفسه ( FCC )، أما الكتلة الذرية للذهب فهي 197 آمو ( amu ) و للفضة فهي 107,88 آمو ( amu )، و كما بينا فإن الكثافة هي للذهب 19,32 غم/سم 3 و للفضة 10,49 غم/سم 3.
يتم تصنيف الأحجار الكريمة اليوم حسب صلابتها عن طريق مقارنتها بعشرة شواهد من البلورات اختبرت من قبل الفيزيائي ( Mohs ) و هي: ماس (10)، ياقوت (9)، زبرجد (8)، المرو (بلور الصخر (7)، و البلور المستقيم (6)، و هكذا و قد اتضح أن الماس أصلب 140 مرة من الياقوت و هو بدوره أصلب من الزبرجد ب 6 مرات و هذا أصلب 1,5 مرة من المرو غير أن ما يلفت الانتباه كون كل معدنين من الدرجة نفسها في مقياس ( Mohs ) يستطيع أحدهما تثليم الآخر كما يستطيع أي معدن تثليم جميع المعادن التي تليه و مبدئيا فإن بإمكان الماس تثليم جميع المعادن غير أنه لا يثلم من قبل أي منها و لكن يبدو أن الفولاذ المسقي بالبورون أو بورون التيتان (لم يتمكن العلماء من
ص: 69
تحديد مرجعه بعد) يمكنه تثليم الماس(1).. و قد أوردنا ما جاء من السبق القرآني لهذه الأحجار في كتابنا (المنظار..).
هناك آيات تلميحية واضحة تكاد تصل إلى درجة التصريح بوجود المعادن بشتى أنواعها في باطن الأرض و أن اللّه تعالى قد جعل في جوف الأرض ما يفيد البشر في مسير حياتهم، و منها:
أ - أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65)، (الحج: 65). ففي هذه الآية الكريمة إقرار بمبدإ التسخير الذي بدأت به الآية المباركة و توضيحا لنعم اللّه تعالى على عباده، فجاءت نعمة تسخير ما في الأرض في البداية لأهميتها، و الضمير (ما) هنا جاء لغير العاقل بينما الحرف (في) يقتضي الدخول في الجوف، و هي الإشارات لما تحويه الأرض من مواد تفيد الناس في حياتهم و منها المعادن باختلاف أنواعها و طبعا تأتي النفيسة منها في المقدمة. كذلك تتلمس في هذه الآية أن توزيع الثروات في الأرض مهيأ ليتمتع به كل البشر، لكن سوء الإدارة البشرية لهذا التوزيع أدى لتفاوت الحالات الاقتصادية للأفراد و الدول.
ص: 70
ص: 71
ص: 72
ص: 73
ص: 74
ب - لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى (6)، (طه: 6)..
هذه الآية المباركة فيها توضيح أكثر من سابقتها، إذ أن (ما) الضمير لغير العاقل، تحت الثرى، أي تحت السطح المرئي من تراب و رمال كله للّه تعالى و هو مسخر لبني آدم.
ت - يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)، (سبأ: 2).. تعدد الآية الكريمة حالات و أمور لا تعلم بالحس الواضح الملموس فهي من الغيب، و لكنها قد تعلم بالبحث و التمحيص، و هي من علم اللّه تعالى رغم توصل الإنسان الحديث بتقنياته المتطورة إلى فك بعض أسرار تلك الأمور. من هذه الأمور ما يخرج من بطن الأرض من كنوز.
ث - هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)، (الحديد: 4). يصدق عليها ما يصدق على سابقتها.
نجد في آيات القرآن الكريم و أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في موضوع الذهب و الفضة و ما يتعلق بهما.. لعل أهم آية جاءت في الذهب و الفضة هو قوله تعالى في سورة (آل عمران) الآية 14 زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)، (آل عمران: 14).. فلو لاحظنا الآية المباركة و تدبرناها جيدا للاحظنا أمرين أساسيين، أولهما أن الذهب و الفضة هي الحالتان الماديتان الوحيدتان اللتان خصصتا لما يملكه الإنسان من أهل و زروع و مواشي و غيرها، فهي الرصيد المخزون أي الحلي التي تخزن للتجمل و الفائدة و جمع الأموال المسكوكة، و ثانيهما أن تسلسلهما جاء بعد الأهل مباشرة و قبل الزرع و الجياد و المواشي و غيرها من الأملاك و هذا المنوال لم يتغير لحد يومنا هذا، فالقناطير باللغة هي مقدار معين من المال كالأوقية مثلا، و هذه القناطير من الذهب و الفضة توسطت الشهوات الغريزية لغريزة الجنس و القوة التي تمثلهما النساء و الأولاد، ثم غريزة التملك و التمتع التي تمثلهما
ص: 75
الزروع و المواشي و الجياد، و هنا تبرز أهمية الذهب و الفضة كوسيلة لشراء بقية النعم و الشهوات التي تليها، أما المرأة و الأهل و الولد فهؤلاء أسمى و أكبر من أن يقارنون بشيء مادي لذلك جاء تسلسلهم قبل البقية و هذه أهمية القيمة الحقيقية للإنسان عند خالقه، و اللّه أعلم.
ربطت هذه الآية المباركة الشهوات بالتسلسل فإذا بالمرأة التي هي أقوى الشهوات للرجل تصبح بمساعدة القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة المطحنة و الجاروشة التي تطحن الرجال و الأمم، و هذا ما كان في تاريخ البشرية و في حاضرها و في مستقبلها إلا ما رحم ربي. و من أراد التخلص من هذا الإعصار الجارف و التيار الهائل الذي لم يرحم و لن يرحم أحد فما عليه إلا التمسك بزورق النجاة الذي هو في حمى ملك الملوك ألا و هو الإسلام الحنيف و لا يهمه في ذلك تعليقات الجهال و الفسقة و السفهاء فهؤلاء هم المحرقة التي تتقد فيها نيران هذه الفتن.
ينقل عن ابن كثير: ما أقول لكم: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول (إذا كنز الناس الذهب و الفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك الثبات في الأمر و العزيمة على الرشد و أسألك شكر نعمتك و أسألك حسن عبادتك و أسألك قلبا سليما و أسألك لسانا صادقا و أسألك من خير ما تعلم و أعوذ بك من شر ما تعلم و أستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب).. و قال القرطبي رحمه اللّه بأن اللّه قد خص الذهب و الفضة بالذكر لأنه مما لا يطلع عليه بخلاف سائر الأموال قال الطبري: الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض كان أو على ظهرها سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب و الفضة لأنها تنفض فتتفرق و منه قوله تعالى من سورة الجمعة الآية: 11.. انْفَضُّوا إِلَيْها... ، و الآية 159 من سورة آل عمران... لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ... .
مفهوم التمتع بهذين العنصرين كحلي و زينة لم يقتصر على الدنيا حسب، بل أنهما اعتبرتا من أعظم جوائز الجنة كما تبين الآيات المباركات الآتية:
أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)، (الكهف: 31).. إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ، (الحج: 23).. جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23)، (فاطر: 33)،.. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (71)، (الزخرف: 71).. عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21)، (الإنسان: 21).
ص: 76
أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)، (الكهف: 31).. إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ، (الحج: 23).. جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23)، (فاطر: 33)،.. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (71)، (الزخرف: 71).. عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21)، (الإنسان: 21).
و رغم أن الآيات تتحدث عن حلي الآخرة إلا أنها توضح أهمية و قيمة الذهب و الفضة كحلي حتى إنها اختيرت دون غيرها لحلي أهل الجنة.
عرف المسلمون أغلب العناصر الفلزية و المعادن و المواد الأخرى، و كان للقرآن الكريم و سنة المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم دور أساسي في ذلك.
يقول اللّه سبحانه و تعالى في سورة الرعد أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ (17)، (الآية: 17).
اتفق المفسرون قديمهم و حديثهم على أن المثل القرآني في هذه الآية يقصد به تشبيه زبد الماء بزبد أو خبث صناعة المعادن و منها الحلي كالذهب و الفضة.
يقول صاحب الظلال في تفسير هذه الآية ما نصه: أن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية و هو يلم في طريقه غثاء فيطفو على وجهه في صورة الزبد ليحجب الزبد الماء في بعض الأحيان هذا الزبد نافش تراب منتفخ.. و لكنه بعد غثاء. و الماء من تحته سارب ساكن هادئ... و لكنه هو الماء الذي يحمل الخير و البركة.. كذلك يقع في المعادن التي تذاب لتصنع منها حلية كالذهب و الفضة، أو آنية أو آلة نافعة للحياة كالحديد و الرصاص، فإن الخبث يطفو و قد يحجب المعدن الأصيل، و لكنه بعد خبث يذهب و يبقى المعدن في نقاء ذلك مثل الحق و الباطل في هذه الحياة، فالباطل يطفو و يعلو و ينتفخ و يبدو رابيا طافيا و لكنه بعد زبد أو خبث، ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحا لا حقيقة
ص: 77
له و لا تماسك فيه، و الحق يظل هادئا ساكنا «ربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات. لكنه هو الباقي في الأرض كالماء المحيي و المعدن الصريح، ينفع الناس.
و كذلك يضرب اللّه الأمثال للناس» و كذلك يعزز مصائر الدعوات و مصائر الاعتقادات و مصائر الأعمال و الأقوال.. هو اللّه الواحد القهار.. المدبر للكون و الحياة العليم بالظاهر و الباطن.. و الحق و الباطل و الباقي و الزائل(1).
الوصف القرآني لحرارة الاتقاد و الصهر لعنصري الحلي الرئيسيين الذهب و الفضة تتجلى في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35). بمراجعة سريعة للتفاسير نجد أن المقصود بالآية هو الذين لا يؤدون زكاة أموالهم خصوصا الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا يؤدون حق اللّه و العباد فيها. النتيجة ستكون أنها سيحمى عليها فتكوى بها أجسادهم. و في اللغة يحمى على الشيء أي بعد أن يصبح نارا.. فلو لاحظنا ان اختيار الذهب و الفضة نفسها التي يخزن في الدنيا لغير وجه اللّه تعالى كان من جنس العمل الذي قام به هؤلاء البخلاء أنفسهم في حق أنفسهم و دينهم، أضف إلى ذلك أن درجة انصهار الذهب هي 1063 م و الفضة هي 961 م، و كما موضحة في الجدول، و لكم ان تتصوروا ذلك العذاب الهائل و الحرارة العالية التي سيتعرض لها هؤلاء الناس يوم القيامة و العياذ باللّه.
يمكن ربط المعادن مع السيراميكيات و الزجاجيات من الناحية العلمية كما اكتشف حديثا عبر ثورة المواد التي يشهدها عصرنا الراهن، إذ توجد في المختبرات الكيميائية الإنكليزية نافذة من الرصاص الشفاف بسمك 2 م دلالة على التقدم التقني الذي توصل له البشر بخلط المعادن بالفخاريات، إلا أن القرآن العظيم قد سبق هذا بإشارته إلى هذا الموضوع.
ففي موضوع الفخاريات و السيراميكيات كالزجاج و الصناعات الزجاجية و كذلك
ص: 78
الطين و الصناعات الفخارية و استخداماتها في البناء و الأثاث يأخذنا قوله سبحانه و تعالى في سورة الإنسان محدثا عن أهل الجنة وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16). (الإنسان: 15 و 16).. و القوارير كما معروف هو الزجاج أو الأواني المزججة فكيف تكون من فضة. يقول صاحب الظلال في معرض تفسيره لهذه الآية المباركة: فهم في متاعهم متكئون على الأرائك بين الظلال الوارفة و القطوف الدانية و الجو الرائق يطاف عليهم بآنية من فضة و في أكواب من فضة كذلك و لكنها شفة (أي شفافة) كالقوارير مما لم يعهده أهل الأرض من آنية الفضة و هي بأحجام متعددة تقديرا يحقق المتاع و الجمال(1).. و قد وردت كلمة القوارير و الزجاج في القرآن عدة مرات في سور مختلفة كي تعطي لأهمية هذه الصناعة دورها البارز في حياتنا.
لقد ثبت القرآن الكريم سبقا مهما في صدد مزج المعادن بالزجاجيات و كيفية يمكن للفضة ان تكون شفافة رغم أن الحديث كان عن صفات أهل الجنة، إلا أنه يؤشر أهمية خاصة، فمن المعروف أن الحرف (من) يأتي للتبعيض أحيانا أو للتخصيص أحيانا أخرى، و ما دام اللفظ القرآني قد خصص مادة الأكواب الزجاجية (القوارير) و التي جعلها من فضة تحديدا فإن المعنى مقصودا و هو حقيقة و ليس مجازا.
هذا الاكتشاف أيضا يدفع المسلم للبحث عن مادة جديدة تأخذ صفات الفضة (و هي معدن) مع صفات زجاج (و هي فخار رملي)، فهل جعلنا ذلك الأمر مدعاة للبحث و الاستقصاء. و تلك دعوة للإخوة الباحثين كي يستغلوا هذا السبق القرآني و هذه الدعوة الإلهية الكريمة و يستكشفوا لنا مادة قد تكون ذات أهمية عظيمة. فرغم أنها من مواصفات مواد الجنة إلا أن ذلك لا يمنع من سبر أغوارهما في الدنيا لأن تخصيص القرآن لهما دليل على الأهمية، فالقرآن الكريم لا يأتي بالمثل المعين إلا لحكمة معينة و على الناس أن يكتشفوها إن كانت منفعة دنيوية، و أما إذا كان الغرض منها أخرويا فقد تعهد القرآن الكريم بتبيان و تفصيل أمرها.
أما الآيات الاستنباطية ففيها من السبق القرآني ما يبعث على العجب حقا. و هي تنقسم إلى الاستنباط العددي، و الاستنباط اللغوي.
ص: 79
1 - إن عدد ورود آيات الذهب و الفضة عموما هي (8) مرات للذهب و (6) مرات للفضة، و جاءت الفضة لوحدها دون الذهب (4) مرات بينما الذهب لوحده دون الفضة (6) مرات.. و إذا ما أمعنا النظر في الشكل الذي يمثل ترتيب جزئية ( FCC ) الذي تتشكل به جزئية الفضة و الذهب، نرى (8) ذرات طرفية و (6) ذرات داخلية، فالتركيب البلوري لخلية ( FCC ) التي تتكون منها مادة الذهب و الفضة تحتوي على (8) ذرات على الزوايا و (6) ذرات على الأوجه، و الذرات الستة نصفها لكل خلية ( FCC ) و النصف الآخر للخلية المجاورة، بينما الثمان ذرات الخاصة بالزوايا يكون لكل خلية ( FCC ) ثمن من حصتها و السبعة أثمان المتبقية للخلايا الملاصقة، و عليه يكون المجموع للذرات لكل خلية ( FCC ) هو (4) ذرات صافية(1) ، فهل يا ترى كان هذا من باب الصدفة؟، سبحان اللّه عما يصفون.
و إذا ما أمعنا النظر في الشكل الذي يمثل ترتيب جزئية ( FCC ) الذي تتشكل به جزيئة الفضة و الذهب، نرى (8) ذرات طرفية و (6) ذرات داخلية، فالتركيب البلوري لخلية ( FCC ) التي تتكون منها مادة الذهب و الفضة تحتوي على (8) ذرات على الزوايا و (6) ذرات على الأوجه، و الذرات الستة نصفها لكل خلية ( FCC ) و النصف الآخر للخلية المجاورة، بينما الذرات الثمانية ذرات الخاصة بالزوايا يكون لكل خلية ( FCC ) ثمن من حصتها و السبعة أثمان المتبقية للخلايا الملاصقة، و عليه يكون المجموع للذرات لكل خلية ( FCC ) هو (4) ذرات صافية.
2 - إن العدد الذري للذهب هو (79) و للفضة (47)، أما الوزن الذري للذهب فهو (197) و للفضة (108) تقريبا، و الذهب له تنظيم (79:118:79)، و عليه فإن نسبة الوسط إلى الأطراف لهذا التنظيم (نسبة النيوترون إلى الإلكترون أو البروتون) هو (1,494) أي تقريبا (1,5)، و هي نفس نسبة تكرار ذهب/فضة منفصلين. و أما النسبة للذهب إلى الفضة من حيث العدد الذري فهي (1,681) و نسبتهما من حيث الوزن الذري (1,826).. أما في القرآن الكريم فنسبة ورودهما منفردين فهي (1,334)
ص: 80
و مجتمعين (1,5) - نفس نسبة التنظيم الذري للذهب -، و إذا أخذنا نسبتي الوزن الذري و العدد الذري فسيكون تقريبا (1,75) و فرق هذه النسبة عن نسبة ورود الكلمتين مجتمعتين الذي هو (1,5) هو (7/1) و هو تقريبا ضعف نسبة عدد ورود الذهب إلى عدده الذري و تقريبا أربعة أضعاف نسبة الورود إلى الوزن الذري للفضة، و إذا جمعنا هاتين النسبتين فسيكون الناتج (6) الذي هو تكرار ورود الذهب مع الفضة مجتمعا. و كذلك الحال للفضة فحاصل تقسيم عدد مرات الورود على الوزن الذري يكون تقريبا نفس النسبة مقسومة على أربعة بينما حاصل تقسيم عدد مرات الورود على العدد الذري يكون (0,085) أي انه النسبة نفسها (7/1) مقسومة على (1,68) و الذي هو نسبة العدد الذري للذهب إلى الفضة التي ذكرناها سابقا. لاحظ الشكل.
ص: 81
بإمكان القارئ الكريم الرجوع لكتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم) ليجد تفاصيل أكثر في السبق القرآني لهذا الموضوع المهم.
كان لكل نبي معجزات عديدة، فهي إما أن تظهر على يديه دون طلب من قومه، أو إثر طلب يطلبه قومه تأييدا لما يدعيه من نبوة، و لما كانت سنة اللّه في عباده أن ينزل بهم العذاب الذي يقضي عليهم إذا ما كذبوا بالمعجزات، فقد حصلت هذه الحالة في مرات عديدة كما يقصها علينا القرآن الكريم في قصص سيدنا نوح و سيدنا موسى عليهما السلام إذ نزل العذاب على قومهم بعد حين من الزمن لكرامة هذين الرسولين العظيمين، و قوم صالح عليه السّلام و غيرها من القصص.. و كما في قصة المائدة التي أنزلت على حواريي سيدنا عيسى عليه السّلام (سورة المائدة: 112-115) و هنا آمن الحواريون فلم ينزل بهم العذاب، و أما من كذب من بني إسرائيل فتوعدهم اللّه تعالى بأن يعذبهم أسوأ العذاب يوم القيامة.
و في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كانت المعجزات المادية تظهر على يديه الشريفتين دون طلب من قومه - و هي عديدة كما هو معروف -، فإذا ما طلبوا منه المعجزات كان اللّه أرحم بهم من أنفسهم إذ يعلم سبحانه أنهم سيكذبون بها و عليه سيستحقون إنزال العذاب بهم لذلك قال:
وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً (59)، (الإسراء: 59).. وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)، (الأنفال: 33)..
و عجيب أمر هذا الإنسان يرى أمامه كل الحجج و الدلائل الدامغة ثم يتولى مستكبرا و هذا ديدن البشر دائما و هو ما نراه اليوم أمامنا كما كان في كل عصر الأنبياء و الرسالات يرون كل آيات اللّه في الآفاق و في الأنفس و لكنهم لا يعودون إلى اللّه مستغفرين تائبين وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا ، (النمل: من الآية 14).
و عند ما حاجّ الكفار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و طلبوا منه طلبات تعجيزية جاء القرآن الكريم ليجيبهم عليها قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً (89) وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)، (الإسراء: 88-96)، فجاء جواب القرآن عليهم متماشيا مع فلسفة العمل بالأسباب التي ثبتها الإسلام... هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً .
ص: 82
و عند ما حاجّ الكفار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و طلبوا منه طلبات تعجيزية جاء القرآن الكريم ليجيبهم عليها قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً (89) وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)، (الإسراء: 88-96)، فجاء جواب القرآن عليهم متماشيا مع فلسفة العمل بالأسباب التي ثبتها الإسلام... هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً .
و عند ما اعترضوا على نزول القرآن على رجل فقير و لم لم ينزل على كبار القوم كما في سورة الزخرف من قوله تعالى: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (32) وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (34) وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)، (الزخرف: 31-40).
فلما ذا حدد اللّه تعالى نوع السقف بأنها من فضة حصرا؟، فمن النص الكريم تجد أن جميع الأمور التي ذكرتها الآية و التي يجعلها اللّه تعالى للكافرين لم تحدد نوعية مادتها إلا السقف... فهل الموضوع متعلق بتكريم الكافر دنيويا لغرض استدراجه
ص: 83
به و إذا كان كذلك فلما ذا لم يقل سقفا من ذهب أو ماس أو غير ذلك مما هو أنفس من الفضة؟..
بينما في سورة (الإسراء: 93) في قوله سبحانه و تعالى: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً (93)، نجد أن الكفار يحاجون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن يأتيهم بمعجزات تؤيده و منها بيت من زخرف و معروف أن الزخرف هو الذهب(1) فما الفرق بين الحالتين؟.
علينا أولا فهم معنى السقف، ثم ننتقل لتفسير الآية لغة و اصطلاحا و سببا.
يقول تعالى قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) (النحل: 26)، و في قوله سبحانه و تعالى في سورة الأنبياء وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ
(32) (الآية: 32).
السقف في اللغة كما أورده الإمام الرازي في صحاحه: (السقف) للبيت و الجمع سقوف، و (سقف) بضمتين عن الأخفش كرهن و رهن و قرئ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ إنما هو جمع سقيف كثيب و كثيب. و (سقف) البيت من باب قصر، و (السّقف) السماء و (السّقف) بفتحتين طول في انحناء يقال رجل (أسقف) قال ابن سكيت و منها اشتق (أسقف) النصارى لأنه يتخاشع و هو رئيس من رؤسائهم في الدين(2)...
نعود إلى الآية الكريمة من سورة الزخرف، و التي رأيت أن أفصل بعض الشيء في سرد نصوص بعض التفاسير المهمة من أجيال مختلفة كي نحاول تدبر المسألة بروية و تمهل.
يفسرها ابن كثير رحمه اللّه تعالى بقوله: أي لو لا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال هذا5.
ص: 84
معنى قول ابن عباس و الحسن و قتادة و السدي و غيرهم لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ أي سلالم و درجا من فضة قاله ابن عباس و مجاهد و قتادة و السدي و ابن زيد و غيرهم عَلَيْها يَظْهَرُونَ أي يصعدون(1)..
أما القرطبي فيفسرها بقوله: فيه خمس مسائل:
الأولى: قال العلماء: ذكر حقارة الدنيا و قلة خطرها، و إنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة و درجها ذهبا و فضة لو لا غلبة حب الدنيا على القلوب؛ فيجعل ذلك على الكفر.. قال الحسن: المعنى لو لا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا و تركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه؛ لهوان الدنيا عند اللّه تعالى و على هذا أكثر المفسرين ابن عباس و السدي و غيرهم.. و قال ابن زيد: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً في طلب الدنيا و اختيارها على الآخرة لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ .. و قال الكسائي: المعنى لو لا أن يكون الناس في الكفار غني و فقير و في المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها.
الثانية: قرأ ابن كثير و أبو عمرو «سقفا» بفتح السين و إسكان القاف على الواحد و معناه الجمع؛ اعتبارا بقوله سبحانه و تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ (النحل: 26).
و قرأ الباقون بضم السين و القاف على الجمع؛ مثل رهن و رهن. قال أبو عبيد: و لا ثالث لهما. و قيل: جمع سقيف؛ مثل كثيب و كثب، و رغيف و رغف؛ قاله الفراء. و قيل هو جمع سقوف؛ فصير جمع الجمع: سقف و سقوف، نحو فلس و فلوس. ثم جعلوا فعولا كأنه اسم واحد فجمعوه على فعل. و روي عن مجاهد «سقفا» بإسكان القاف. و قيل:
اللام في «لبيوتهم» بمعنى على؛ أي على بيوتهم و قيل بدل؛ كما تقول: فعلت هذا لزيد لكرامته؛ قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (النساء: 11) كذلك قال هنا: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ .
الثالثة: قوله سبحانه و تعالى: وَ مَعارِجَ يعني الدرج؛ قال ابن عباس و هو قول الجمهور.
واحدها معراج، و المعراج السلم، و منه ليلة المعراج. و الجمع معارج و معاريج؛ مثل مفتاحف.
ص: 85
و مفاتيح؛ لغتان. «و معاريج» قرأه أبو رجاء العطاردي و طلحة بن مصرف؛ و هي المراقي و السلاليم. قال الأخفش: ان شئت جعلت الواحد معرج و معرج؛ مثل مرقاة و مرقاة.. عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) أي على المعارج يرتقون و يصعدون؛ يقال: ظهرت على البيت أي علوت سطحه. و هذا لأن من علا شيئا و ارتفع عليه ظهر للناظرين. و يقال: ظهرت على الشيء أي علمته. و ظهرت على العدو أي غلبته و أنشد نابغة بني جعدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله:
علونا السماء عزة و مهابة و إنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أي مصعدا؛ فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: (إلى أين)؟ قال إلى الجنة؛ قال: (أجل إن شاء اللّه). قال الحسن: و اللّه لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها و ما فعل ذلك! فكيف لو فعل؟! الرابعة: استدل بعض العلماء بهذه الآية على ان السقف لاحق فيه لرب العلو؛ لأن اللّه تعالى جعل السقوف للبيوت كما جعل الأبواب لها. و هذا مذهب مالك رحمه اللّه. قال ابن العربي: و ذلك لأن البيت عبارة عن قاعة و جدار و سقف و باب، فمن له البيت فله أركانه. و لا خلاف أن العلو إلى السماء. و اختلفوا في السفل، فمنهم من قال هو له، و منهم من قال ليس له في باطن الأرض شيء و في مذهبنا القولان.
و قد بين حديث الإسرائيلي الصحيح فيما تقدم: أن رجلا باع من رجل دارا فبناها فوجد فيها جرة من ذهب فجاء بها إلى البائع قال: إنما اشتريت الدار دون الجرة، و قال البائع: إنما بعت الدار بما فيها؛ و كلهم تدافعها فقضى بينهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يزوج أحدهما ولده من بنت الآخر و يكون المال لهما و الصحيح أن العلو و السفل له إلا أن يخرج عنهما بالبيع، فإذا باع أحدهما أحد الموضعين فله منه ما ينفع به و باقيه للمبتاع منه.
الخامسة: من أحكام العلو و السفل. إذا كان العلو و السفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه، فذكر سحنون عن أشهب انه قال: إذا أراد صاحب السفل أو يهدم، أو أراد صاحب العلو أن يبني علوه فليس لصاحب السفل أن يهدم إلا من ضرورة، و يكون هدمه له أرفق لصاحب العلو، لئلا ينهدم بانهدامه العلو، و ليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل. و لو انكسرت خشبة من سقف العلو لأدخل مكانها خشبة ما لم تكن
ص: 86
أثقل منها و يخاف ضررها على صاحب السفل.. قال أشهب و باب الدار على صاحب السفل قال: و لو انهدم السفل أجبر صاحبه على بنائه و ليس على صاحب العلو أن يبني السفل، فإن أبى صاحب السفل من البناء قيل له بع ممن يبني. و روى ابن القاسم عن مالك في السفل لرجل و العلو لآخر فاعتل السفل، فإن صلاحه على رب السفل و عليه تعليق العلو حتى يصلح سفله، لأن عليه إما أن يحمله على بنيان أو على تعليق، و كذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب الأوسط. و قد قيل: أن تعليق العلو الثاني على رب العلو حتى يبني الأسفل. و حديث النعمان بن بشير عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «مثل القائم على حدود اللّه و الواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا و إن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا جميعا» - اصل في هذا الباب و هو حجة لمالك و أشهب. و فيه دليل على أن صاحب السفل ليس له أن يحدث على صاحب العلو ما يضيره، و أنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه دون صاحب العلو، و إن صاحب العلو منعه من الضرر، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فإن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا جميعا» و لا يجوز الأخذ إلا على يد الظالم أو من هو ممنوع من إحداث ما لا يجوز له في السنة.. و فيه دليل على استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،.
و فيه دليل على جواز القرعة و استعمالها(1).
أما صاحب الضلال فيفسرها بقوله: فهكذا لو لا أن يفتتن الناس. و اللّه أعلم بضعفهم تأثير عرض الدنيا في قلوبهم - يجعل لمن يكفر بالرحمن صاحب الرحمة الكبيرة العميقة - بيوتا سقفها من فضة و سلالمها من ذهب. بيوتا ذات أبواب كثيرة قصورا فيها سرر للاتكاء، و فيها زخرف للزينة، رمزا لهوان هذه الفضة و الذهب و الزخرف و المتاع، بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن «و أن كل ذلك لمتاع الحياة الدنيا» متاع زائل لا يتجاوز حدود هذه الدنيا و متاع زهيد يليق بالحياة الدنيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ و هؤلاء هم المكرمون عند اللّه فهو يدخر لهم ما هو أكرم و أبقى، و يؤثرهم بماف.
ص: 87
هو أقوم و أغلى و يميزهم على من يكفر بالرحمن، ممن يبذل لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان!(1).. و فسرها البخاري رحمه اللّه بقوله: لو لا أن يجعل الناس كلهم كفارا لجعلت لبيوت الكفار سقوفا من فضة و معارج من فضة و هي درج و سرر فضة(2).
أما الأستاذ الشيخ محمد حسنين مخلوف فيقول حول هذه الآية ما نصه: بيان لحقارة الدنيا عند اللّه تعالى. أي لو لا كراهة أن يكفر الناس جميعا إذا رأوا الكفار في سعة من الرزق، بسبب ميلهم إلى الدنيا و تركهم الآخرة لأعطينا الكفار في الدنيا ما وصفنا من أسباب التنعم لهوانها علينا، و لكن اقتضت الحكمة أن يكون فيهم الغني و الفقير، كما اقتضت أن يكون ذلك في المؤمنين، ليتميز من يطلب الدنيا للدنيا، و من يطلبها لتكون زادا للآخرة، (أمة واحدة) أي مجتمعة على الكفر، (سقفا من فضة) جمع سقف (و معارج) مصاعد من الدرج من فضة، جمع معرج (عليها يظهرون) يرتقون (و سررا) من فضة (و زخرفا) ذهبا أو زينة. أي و جعلنا لهم زخرفا ليجعلوه في السقف و المعارج و الأبواب و السرر، ليكون بعض كل منها من فضة و بعضه من ذهب(3).
و لم يزد الشيخ جوهري طنطاوي في تفسيره «الجواهر في تفسير القرآن» لهذه الآية عمّا تقدم من التفاسير الأخرى(4) ، و لكنه تكلم بالتفصيل عن الفضة و الذهب و المعادن في عدة أماكن من تفسيره المكون من 26 جزءا.
بعد هذه الجولة في تفاسير السلف و الخلف، يبقى السؤال قائما، و هو لما ذا اختار اللّه تعالى الفضة تحديدا في حالة الكفار، لما ذا السقف و لم يختر تحديد المواد التي تصنع منها السرر و المعارج و الأبواب و البيوت و كبقية التكريمات الاستدراجية التي أراد اللّه تعالى أن يعطيها للكفار لو لا أن يكون الناس أمة واحدة؟.. بينما في حالة الآية الأخرى من سورة الإسراء كان تحدي الكفار لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن ينزل من السماء بيتا من ذهب؟.
ص: 88
نعم إنّ الفكرة واضحة جدا و هي أن هذه العطايا ليست لحب اللّه لهم و إنما لاستدراجهم حتى يزيدوا في غيهم حتى إذا أخذهم اللّه لم يمهلهم و لكن لما ذا لم يكن السقف ذهبا أو غير ذلك من المعادن و الأحجار الكريمة التي عددناها سابقا؟.
لنحاول الآن أن نربط الأمور العلمية المكتشفة حديثا ببعضها عسى أن نستطيع أن نجد جوابا لهذه الأسئلة. ذكرنا آنفا أن الفضة يتشابه مع الذهب و البلاتين بمواصفات عديدة منها درجة الانصهار و المرونة و تقريبا المطاوعة و الاستخدامات الصناعية العديدة و لكنه أقل منهما أي المقاومة للتعرية و التآكل الكيميائي و التأثيرات الجوية و رأينا كيف يتكون ملح الفضة أو السخام إذا ما تعرضت لأشعة الشمس أو الضوء عموما و هذا ما نلحظه عند ما نلبس خاتما فضيا أو حلية فضية نراها تتوسخ فنضطر لصقلها و تنظيفها بصورة مستمرة بالإضافة إلى استخدامها في صناعة الأفلام الفوتوغرافية، لذلك نقول و باللّه التوفيق و السداد رابطين لا مفسرين و اللّه و رسوله أعلم:
إن تحديد مادة السقف بأنها من الفضة جاءت لأن السقف معرض بصورة دائمية لأشعة الشمس و هذا التعرض سيؤدي حتما إلى حدوث الحالة التي شرحناها آنفا و هي تكون المادة المسحوقية السوداء أو (السخام) على هذه السقوف و بالتالي فإن السقوف بمرور الزمن ستصبح سوداء لتعطي علامة مميزة لصاحب البيت دليلا على كفره و أن هذا الاستدراج يصحبه دليل قاطع على ذلة و مهانة صاحب هذا التكريم فهو دليل على آنيته و زواله فإنه تكريم مصحوب ببيوت ترهقها الذلة و تصحبها المهانة و سواد الأوجه. فكما أن المؤمنين سيماهم في وجوههم من أثر السجود فإن الكافرين ستكون سيماهم في بيوتهم من أثر البطر و الغفلة و حب الدنيا. و كما قال اللّه تعالى منبئا عن أحوال الكافرين يوم القيامة وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) (الزمر: 60)، فليس كبيرا على اللّه أن يجعل تكريما لهم استدراجيا في الدنيا و لكن بصحبته سواد الأوجه و علامته هنا سواد البيوت و سخامها..
و لو ربطنا قوله تعالى: وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ (الإنسان: 21)، مع قوله تعالى في نفس الآية: لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً (13)، و هم الفائزون بالجنة لعلمنا لما ذا كرموا بالفضة بالجنة حيث لا ضوء يؤثر عليها كما في الدنيا - هذا على افتراض بقاء نفس القوانين التي نعرفها في الدنيا -.
ص: 89
و يؤيد هذا التوجه المعنى اللغوي لكلمة (لو لا) فهي حرف امتناع لوجود، أي ما منعنا أن نفعل هذا الاستدراج للكفار إلا أن يجتمع الناس على هذا الأمر ظانين أنه أمر تكريمي، فالناس بطبيعتهم مزين لهم حب الشهوات كما أنبأنا القرآن الكريم. إلا أن الواقع أن هذا تكريم استدراجي مع مهانة و تحقير، كما أن مرادفات (لو لا) في اللغة هي (لو ما، هلا، ألا)، ف (لو ما) حرف امتناع لوجود مع الحث على فعل الشيء، بينما (هلا) و (ألا) فيها دعوة إلى ذلك، و اللّه تعالى لا يحث و لا يدعو الناس إلى الكفر - حاشا للّه - لذلك لم تستخدم هذه المرادفات بدلا عن (لو لا)، و اللّه أعلم.
إن موضوع ظهور طبقة سوداء تغطي الفضة المعرضة للجو كان أمرا ملاحظا منذ القدم أي منذ ظهور الفضة و استخدامها في غابر العصور و كان الناس يعرفون كيف يجلون هذه الطبقة و ينظفونها إما باستخدام حجر صلد أو معدن قوي فيحكوها به ليصقلوها و يزيلون الطبقة السوداء لترجع الفضة ناصعة كما كانت و لكنهم لم يعرفوا التفسير العلمي الكيمياوي لهذه الظاهرة كما فسره العلم الحديث. و كان لظهور الإسلام في الجزيرة قد أعطى دفعا جديدا و معنا آخر لهذا الاستخدام، كما أعطى دفعا للمسلمين كي يبحثوا و يدرسوا كل خلق اللّه و يتعلموا ليستفيدوا و ليغيروا أنفسهم و أمتهم في كل أمور الدنيا و الآخرة، إذ كيف نفسر معرفة المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهذه الحقيقة و غيرها من الحقائق التي تخص هذا المعدن و غيره إلا أنه جاء بها من لدن حكيم خبير، فاسمع إلى حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ما جاءه أحدهم شاكيا له أنفه الذي شج فأبدله بأنف من فضة فإذا بالأنف البديل يسبب له قيحا في أنفه فنصحه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإبدال الفضة بالذهب و جعل الأنف البديل من الذهب فقد ذكر الترمذي في سننه في كتاب (اللباس 1770) قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا ابن يزيد بن زريع عن أبي الأشهب قال حدثني عبد الرحمن بن طرفة عن عرجمة بن سعد بن عريب قال و كان جده قال حدثني أنه رأى جده أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية قال فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يتخذه من ذهب(1).
و سبب هذا التبديل لأنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يعلم، و هذا ما أنباه به العليم الحكيم، أن الذهب لا يتآكل و لا يتأثر بالجو فلا يؤثر على الجسم و لا يقيح الجسم له، أما الفضة فيسبب هذه الخاصية فيها و كما أشرنا السخام هذا الذي يؤدي إلى ظهور القيح و الجراحة في).
ص: 90
أنف الرجل و في هذه الحالة كان استخدام الذهب ضرورة و الضرورات تبيح المحضورات.
أما لما ذا يستخدمون الفضة في تحشية الأسنان ذلك لأن الفم اغلب الأوقات مظلم لا تدخله أشعة الشمس أو أي ضياء أخر لذلك لا تتكون هذه الطبقة السوداء إلا نادرا و لا تؤدي إلى القيح أو الجراحة، أ ليست هذه دعوة لإخواننا الأطباء كي يبحثوا في هذا الأمر و يعلمونا مما علمهم اللّه؟. قد يقول البعض فكيف أحل اللّه الفضة للمؤمنين من الذكور في الدنيا إذا. نقول هنا اختصاص لحالة عامة حيث إن التحريم للذهب جاء للذكور لأسباب عدة منها صحية و منها نفسية و اجتماعية و غيرها و كما ذكرنا سابقا أن الفضة أرخص بكثير من الذهب و هي تلائم حالة الأمة الوسط التي أرادها اللّه لأمتنا كما أن تحليلها للمرأة جاء لأسباب منها صحية و اجتماعية و هي بالتأكيد لتكريمها و علو شأنها في الإسلام و لعظمة دورها في المجتمع الإسلامي، و كما أن الذهب يتعب لاستحصاله فهو إما في باطن الأرض أو عند الجواهري فلا يستحصل إلا بمال كثير فكذلك المرأة المسلمة كنز لا يرى إلا لصاحبه و لا يستحصل إلا بتعب و ثمن غال و كل من يريد أن يغير هذه السنة ألا و هي كرامة المرأة و سترها و حجابها و عدم ظهور زينتها إلا لزوجها و المحارم فقد ساهم في تغيير سنة اللّه في خلقه و تناغم مخلوقاته وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) (النساء: 27)، و اللّه أعلم.
كما و أن ظهور حالة السخام التي تصيب الفضة بالإمكان معالجتها لحالة الحلي بالتنظيف و الصقل لصغر حجمها و سهولة تنقلها أما السقوف فليس من المعقول أن تجلى و تنظف بصورة مستمرة خصوصا و هي كبيرة الحجم و معرضة بصورة دائمية و حتى لو تم ذلك من قبل أصحاب البيوت فإنه مع استمرار الزمن سيصيبه الكلل من هذا العمل لصعوبته و تكلفته و عدم جدواه لتبقى السقوف مسخمة (و يحصل الغرض المطلوب و هو إهانة الكافر).. و يؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91) (آل عمران: 91)، فهنا جاء العقاب في الآخرة للكافرين متحديا إياهم أن يبعدوا عن أنفسهم العذاب، و لكن هيهات لهذا أن يحدث حتى و لو افتدوا أنفسهم بوزن الأرض ذهبا. فالذهب هنا جاء بقيمته المادية التي هي أغلى من الفضة و بقية المعادن النفيسة، و لم تقل الآية الكريمة ملء الأرض فضة، و هنا يتبين الفرق بين
ص: 91
القيمة المادية للمعدن النفيس و بين الحالة التي يضرب اللّه تعالى بها المثل، و كما في حالتنا هذه و التي هي السقوف المصنوعة من الفضة.
عامل آخر هو لو أنه كانت السقوف ذهبية و كما ذكرنا أن من أهم مزايا الذهب أنه براق عاكس للأشعة و بالتالي فإن انعكاس أشعة الشمس للذهب أقوى بكثير من الفضة و لنا أن نتصور سقوف بأحجام كبيرة و لبيوت عديدة بل قد تكون لمدن بأكملها تعكس أشعة الشمس الساقطة عليها دفعة واحدة فهل يستطيع أحد أن ينظر إلى هذا المنظر البراق، و بالتأكيد أنه سيصاب بالعمى و هذا يعني أن الناس جميعا سيعمون و يفقدون البصر، أضف إلى ذلك أن التمدد الحراري للفضة أكثر من الذهب كما مبين في جدول خواص المادتين، و هذا يوضح لنا أن الذهب لا يتمدد مثل الفضة لأنه يعكس أغلب الأشعة الساقطة عليه بينما الفضة تمتص بعض الأشعة و يؤدي هذا إلى تمددها أكثر من الذهب و هذا يعني هندسيا و من الناحية الإنشائية أن للفضة إجهادات عالية تحدث في السقوف المصنوعة منها و هذه الإجهادات ستنتقل إلى الأجزاء التي تجلس عليها السقوف كالأعمدة و الجسور و الجدران و الأسس و بالتالي يتطلب هذا بناء قويا جدا يتحمل هذه الإجهادات التي هي بواقع الحال تساوي أضعاف الإجهادات الناتجة من الأحمال و الأوزان خصوصا للمناطق الحارة مما قد يسبب انهيار و فشل المنشآت بالإضافة إلى تكلفتها العالية و تكلفة صيانتها و بمقارنة الفضة مع الحديد نلاحظ أن الفضة لها تمدد حراري مقداره 10,9 إنش لكل درجة مئوية واحدة بينما الحديد يتراوح بين (6-10,8) إنش لكل درجة مئوية واحدة و هو بكل الأحوال أقل من الفضة و هذا يعني أن استخدام الفضة كسقف يرهق كاهل مستخدمه بأمور عديدة لا طاقة له بها و هذا كله يسبب خواص هذا المعدن الذي ما أراد اللّه تعالى للكفار بتكريمهم الاستدراجي به إلا إهانتهم و إذلالهم و استدراجهم و في هذا الأمر دعوة إلى الإخوة الباحثين في هذا المجال أن يزيدونا من علومهم و نتائج بحوثهم ففي هذا الأمر مجال واسع للبحث؟.
نقطة أخرى تتعلق بإمكانية الفضة العالية لاستنساخ الصورة إذا ما عرضت إلى الضوء (مع الفضة)، و في هذا إقرار قرآني إلى أن هذه السقوف الفضية ستشهد على أصحابها بما يفعلوه.
ص: 92
يبدر سؤال مهم في بال أي شخص متدبر لشئون الخلق و مسيرتهم على هذه السفينة الفضائية، ألا و هو ما السر الذي جعل مكة المكرمة المكان الذي يختاره اللّه تعالى ليكون مكان بيته الحرام و مبعث خاتم أنبياءه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟!..
و هذا الأمر لا نعرف على وجه التحديد جوابه فهو من أمر اللّه و غيب اللّه، إلا أننا قد نجد في بعض بحوثنا التي تجود بها قرائحنا و عقولنا القاصة بعض الأجوبة التي قد تشبع فضولنا و شغفنا و عطشنا لعلم اللّه الذي لا نهاية له، ففي حقل الجيولوجيا الهندسية هنالك ما يعرف بعلم المساحة و الخرائط.. في هذا العلم الجميل و الواسع استطاع فريق علمي يرأسه د. حسين كمال الدين أستاذ المساحة في إثبات أن مكة المكرمة هي مركز اليابسة في الكرة الأرضية و قد كان هدفه في البداية الوصول إلى وسيلة تساعد أي مسلم من تحديد مكان القبلة من أي مكان هو فيه على الأرض إلا أنه توصل أثناء بحثه إلى ما يشبه النظرية الجغرافية بأن مكة المكرمة هي مركز لدائرة تمر بأطراف جميع القارات فقد اتجه إلى رسم خريطة الكرة الأرضية تحدد عليها اتجاهات القبلة فبعد أن قام برسم القارات، حسب أبعاد كل الأماكن على القارات الستّ و موقعها من مدينة مكة المكرمة ثم أوصل بين الخطوط المتساوية مع بعضها ليعرف كيف يكون إسقاط خطوط الطول و خطوط العرض عليها فتبين له أن مكة المكرمة هي بؤرة هذه الخطوط ثم رسم خطوط القارات و سائر التفاصيل على هذه الشبكة و استعان في بحثه بالعقل الإلكتروني لتحديد المسافات و الانحرافات المطلوبة، و لاحظ أنه يستطيع أن يرسم دائرة يكون مركزها مكة المكرمة و حدودها خارج القارات الأرضية و محيطها يدور مع حدود القارات الخارجية و توصل في نظريته إلى مغزى الحكمة الإلهية من اختيار مكة المكرمة مكانا لبيت اللّه الحرام(1). و قد أكدت هذه النظرية التي وضعت في السبعينات صور الأقمار الصناعية و تحليلاتها لطبوغرافية و طبقية و جغرافية الأرض التي أجريت في هذا
ص: 93
العقد التسعيني للقرن العشرين الميلادي.
و حول هذا الموضوع يقول سبحانه و تعالى في سورة (الأنعام: 92) وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92)، فلما ذا مكة أم القرى؟ و لما ذا أطلق اللّه تعالى على بقية الأرض لفظ من حولها؟ و كأن الأمر يتعلق بمركز ما و الأفلاك التي تدور حوله؟!... لنتدبر المسألة جيدا:
فضل اللّه تبارك و تعالى بعض الساعات على بعض كتفضيل ساعة الفجر حينما أقسم في كتابه المجيد في سورة (الفجر: 1) وَ الْفَجْرِ (1)، فأصبحت أفضل ساعات النهار، و فضل بعض الأيام على بعض كتفضيل يوم الجمعة على سائر الأيام الأسبوع، و فضل بعض الشهور على بعض، كتفضيل شهر رمضان على سائر شهور السنة، و فضل بعض الليالي على بعض، كتفضيل ليلة القدر على سائر ليالي العام، و فضل بعض الرسل على بعض كما في قوله تعالى في سورة (البقرة: 253) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ . و فضّل جل و علا بعض الأماكن على بعض كتفضيل مكة على سائر بقاع العالم لتكون مركزا لظهور الدين الخاتم و انتشاره إلى سائر بقاع الأرض. و معلوم أن عدد القارات في الأرض سبعة قارات منها خمسة مأهولة بالسكان و القارتان القطبيتان خاليتان من الحياة البشرية و كذلك من المعروف أن الرقم (7) ذو أهمية كبيرة في الحقائق الكونية فهناك سبعة قارات و سبعة ألوان للطيف و سبع سماوات (إذ أن آخر تقسيم علمي فلكي لطبقات السماء هو 7)(1). أما في القرآن فإن الرقم (7) له دلالة و أهمية عظيمة جدا فهناك سبع سماوات و سبع أرضين و سبعة أبواب لجهنم و سبع أسماء لجهنم و غير ذلك، أما الرقم (5) الذي يشير إلى خمسة قارات مسكونة من قبل البشر فهناك من يربط هذا بالصلوات الخمسة للمسلمين، و الحقيقة أن القارات سبعة أيضا كما بينا في بداية الكتاب، و اللّه أعلم.
فضّل اللّه تبارك و تعالى مكة و كرمها حين جعلها مركز جذب الإشعاعات الروحية، مركزا يحج إليه المسلمون من كل فج عميق، و شاءت إرادة اللّه تبارك و تعالى أن يوضع..
ص: 94
أول بيت للناس لعبادته وحده لا شريك له في مكة، فهي وجهة الناس و متجههم في الحج و العمرة و هي ذات موقع متوسط في العالم إذ أنها تمثل المعنى و المفهوم الجغرافي لوسطية الأمة الإسلامية، كما قال تعالى:
وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) (البقرة: 143)، و هذه الوسطية في الإسلام شاملة المعاني، وسطية في التمتع بطيبات الحياة دون إفراط أو تفريط، وسطية في الأمور العامة و الخاصة فلا تبذير و لا تقتير، ثم أنها وسطية بالموقع و المكان و لذلك اختارها اللّه تبارك و تعالى لتكون مهبط خاتم رسالاته إلى البشر أجمعين و هي التي يقول عنها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن الصلاة في بيتها الحرام يعدل مائة ألف ركعة و هو ما مروي عنه في الحديث الصحيح.
و مكة كما هو معروف تحتل موقعا متميزا منذ أقدم العصور، و هي حتى الآن منطقة عبور القوافل التجارية و طريقا رئيسيا للتجارة الدولية، فلقد اعتمدت التجارة الدولية على طريقين رئيسيين هما طريق مكة التجاري، و طريق الخليج العربي شمال شبه الجزيرة العربية. و لكي نثبت هذا دعونا نتكلم بعض الشيء عن الجغرافية و علم المساحة و الخرائط الذي سبق أن أشرنا إليه.
تطور علم الخرائط تطورا كبيرا بعد اختراع الأقمار الصناعية و سفن الفضاء، و هي التي قامت و لا تزال بتصوير وجه الكرة الأرضية من أبعاد و اتجاهات مختلفة و ظهرت حقائق علمية عديدة لم تكن معلومة للإنسان عن مساحات، و مسافات، و تضاريس لقارات، و بحار، و جزر، و محيطات. و توضع على الخرائط الجغرافية خطوط و دوائر، أما الخطوط فهي خطوط الطول و هي عبارة عن خطوط يتصورها العلماء على سطح الكرة الأرضية، و تصل فيما بين القطبين، و خط الطول الأساسي فيها يأخذ رقم الصفر، و هو الخط المار بضاحية غرينتش بالقرب من لندن، و عدد خطوط الطول هذه هو 360 خطأ نصفها شرق غرينتش، و النصف الآخر غربه، تساعد هذه الخطوط على تحديد المكان على سطح الكرة الأرضية. و أما الدوائر فهي دوائر يتصورها العلماء على وجه الأرض و منها دائرة أو خط الاستواء، و تقع في منتصف المسافة بين القطبين و درجتها الصفر، ثم
ص: 95
توجد دوائر موازية لخط الاستواء هذا عند 90 درجة شماله و كذلك 90 درجة جنوبه، و المسافة بين دوائر العرض واحدة تقريبا على خرائط العالم، أما فائدتها فهي بعد الموقع محدد بالدرجات عن خط الاستواء شمالا أو جنوبا.
و حديثا استطاع العلماء أن يتحققوا من وسطية مكة المكرمة بواسطة الصور الحقيقية التي يصورها القمر الصناعي عند ما يلتقط صورا للكرة الأرضية مبتعدا عن سطحها بما لا يقل عن مائة كيلومتر في الفضاء و هو البعد الذي تستطيع أجهزة التصوير بالقمر الصناعي أن تلتقط صورا للكرة الأرضية مشتملة على القطبين. و باستعمال أجهزة التكبير في فحص هذه الصور الحقيقية تتضح وسطية مكة بين أقصى يابسة في القطب الشمالي، و أقصى يابسة في القطب الجنوبي.
و في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، قام أحد العلماء الأمريكان المتخصص في علم الطبوغرافيا بإجراء بحوث استنتج منها أن مكة المكرمة هي المركز المغناطيسي للكرة الأرضية. و قد قامت بحوث هذا العلم على أساس ظاهرة كونية موجودة منذ خلق الكون، و هي ظاهرة التجاذب فيما بين الأجرام السماوية (التجاذب المتبادل فيما بينها)، و تصدر فاعلية هذا التجاذب من مراكز هذه الأجرام أي الكواكب و النجوم، و الكرة الأرضية شأنها شأن أي كوكب آخر، تصدر قوة جذبها للأشياء من مركزها في باطنها، و هي النقطة أو المركز الذي درسه ذلك العالم الأمريكي و تحقق من وجوده و موقعه و المكان الذي يدل عليه على سطح الأرض، و إذا به يجد أن موقع مكة هو الموقع الذي تتلاقى فيه الإشعاعات الكونية و أعلن بحوثه هذه دون أن يدفعه على إجرائها أو إعلانها أي وازع ديني.
و بعد ذلك نشرت جريدة الأهرام القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 1977/2/4 م نبأ العالم المصري الدكتور حسين كمال الدين الذي كان يعمل آنذاك رئيسا لقسم المساحة التصويرية بجامعة الرياض في السعودية، تذكر فيه أنه توصل لنفس النتيجة التي توصل إليها العالم الأمريكي، و هي أن مكة مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي بالكرة الأرضية(1) ، و الأشكال أدناه توضح وسطية مكة المكرمة ليابسة العالم.ف.
ص: 96
ص: 97
ص: 98
لا يحصل زلازل في منطقة الحجاز و سهل العراق (الوادي الخصيب) لكون المنطقة تطفو على أفضل ارتفاع حراري تحتها، فالحرارة الداخلية لا تسمح لحصول الزلازل، كما و إن سطح المنطقة يعتبر جيولوجيا رمليا و طمويا و ليس صخريا و هذا يشكل ما يسمى بالمخمد للإجهادات الاهتزازية فيمنع حصول الزلازل كما ستوضح الخرائط لاحقا، و هذا هو حمى اللّه لبيته العتيق.. و هذه معلومة مفيدة جدا، إذ يمكن من خلالها فهم أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التي تخص علامات قيام الساعة، من خروج نار من اليمن و الحجاز تحشر الناس إلى محشرهم، فالاحتباس الحراري هذا آية ستعرض على أهل ذلك الزمان - على شكل نار - تؤكد لهم صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يؤكد لنا حقيقة خدمة العلم لكتاب اللّه لا كما يروج له أعداء الإسلام من تناقض العلم و الإيمان.
أن المكان ذات مستوى مناخي و طقس ثابت طول أيام السنة، فالحرارة فيه تقريبا ثابتة و التي في مجملها تكون حارة حتى في الشتاء مما يجعل لبس ملابس الإحرام طيلة السنة يسير و لا يشكل حرجا لا من برد و لا من حر، فتغير أشهر و فصول السنة الشمسية مقابل أشهر الحج القمرية لن يشكل عائقا للحجاج الذين يأتون من أقطار الأرض على اختلاف مناخاتها و من كل فج عميق لا من حيث الصحة و لا من حيث المصاريف أو غير ذلك، و كما ستجد ذلك موضحا بالخرائط الخاصة بالطقس.
توسطها بين قارات و بحار الأرض و كما أسلفنا، فالوصول لها من جميع الطرق يسير و على اختلاف الأزمنة و مر الدهور، منذ أيام الجمال و السفن الشراعية و حتى أيامنا التي عرفت بتطور وسائل نقلها.
الذي يقلّب صفحات التاريخ يتعجب لكون أن ما حصل لمكة المكرمة من أحداث و تقلبات تعتبر قليلة بل و تكاد تكون معدومة مقارنة بما حصل لسواها من المدن عبر التاريخ.
فإنك لا تجد مثلا أحداثا دامية أو مذابح أو أمور مشابهة حصلت لهذه المدينة عبر التاريخ. بل حتى ما حصل في حالات الصراعات القبلية في هذه المدينة منذ تكوينها بين خزاعة و جرهم أهل سيدنا إسماعيل عليه السلام، و من ثم الغزوات الأجنبية كغزو الأحباش و الذي ذكرنا قصته في الكتاب الأول، ثم في عهد البعثة الشريفة و ما حصل في فتح مكة إذ أطلق الرحمة المهداة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للناس و لم يعاقبهم على ما فعلوه بالمسلمين، فحمى
ص: 99
اللّه تعالى بيته العتيق و منع أن يتطور الصراع إلى أن يكون دمويا.. أما ما حصل في أوقات أخرى من التاريخ الإسلامي كما في حالة ثورة عبد اللّه ابن الزبير رضي اللّه عنهما أو غيرها سواء في مكة أو في المدينة، ثم ما حصل في العهد العباسي و العثماني و المماليكي وصولا إلى غزو الجيش المصري في عهد محمد علي باشا لإخماد الحركة الوهابية، لم يكن دمويا أو مأساويا كما حصل لتاريخ مدن اخرى.. أما ما حصل من أمر القرامطة و سرقة الحجر الأسود و ما فعله في سنة 317 ه أبو طاهر سليمان الجنابي فهو من أشنع و أدهى ما حصل لهذه الأرض المقدسة، و ذلك أنه سار بجنده إلى مكة فوافاها يوم التروية فلم يرع حرمة البيت الحرام، بل نهب هو و أصحابه أموال الحجاج و قتلوهم حتى في المسجد الحرام و في البيت نفسه و قلع الحجر الأسود و أنفذه إلى هجر فخرج إليه أمير مكة في جماعة من الأشراف فسألوه في أموالهم فلم يشفعهم فقاتلوه فقتلهم أجمعين و قلع باب البيت و طرح القتلى في بئر زمزم و دفن الباقين في المسجد الحرام حيث قتلوا بغير غسل و لا كفن و لا صلى على أحد منهم و أخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه و نهب دور أهل مكة. و لم يحصل في التاريخ أن انتهكت حرمة هذا البيت إلى هذا الحد، حتى أن المهدي عبيد اللّه العلوي لما علم ذلك كتب إلى أبي طاهر ينكر عليه ذلك و يلومه و يلعنه و يقيم عليه القيامة و يقول: قد حققت على شيعتنا و دعاة دولتنا اسم الكفر و الإلحاد بما فعلت و إن لم ترد على أهل مكة و على الحجاج و غيرهم ما أخذت منهم و ترد الحجر الأسود إلى مكانه و ترد كسوة الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا و الآخرة، و لما وصله هذا الكتاب أعاد الحجر الأسود و استعاد ما أمكنه من أموال أهل مكة فرده، و قال: إن الناس اقتسموا كسوة الكعبة و أموال الحجاج و لا أقدر على منعهم.
و كأن كل ذلك الاستثناء لهذه المدينة و هذا الحفظ العجيب لها من ملمات الدهر يشكل حفظا خاصا و عناية متميزة لهذه المدينة التي تحوي بين جنباتها أطهر بقعة ألا و هي بيت اللّه العتيق، و كأن الكلمة الخالدة التي أطلقها عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إبان الغزو الحبشي عام الفيل يتردد صداها عبر العصور (للبيت رب يحميه)..
و إنك تجد ذلك كله مثبت في القرآن الكريم كما جاء في سورة الفيل مثلا... و يقول تعالى موضحا دعاء أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يكون البيت الحرام آمنا مرزوقا طيبا، و من ثم استجابة اللّه تعالى لذلك الدعاء: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ
ص: 100
لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)، (البقرة: 125).. وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (126)، (البقرة: 126).. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)، (آل عمران: 97).. وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35)، (إبراهيم: 35).
بل و إن اللّه تعالى ذكّر كفار مكة بهذه النعمة العظيمة، و كأن هذه التذكرة تمثل قانونا خاصا بهذه المدينة العظيمة بأنها ستكون بمنأى عن أي اضطراب في حركة الأمم و الشعوب، و هذا ما حصل فعلا: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)، (القصص: 57).. و الأكثر من ذلك و الأعجب أن اللّه تعالى أمر بعدم قتال الكفار و المشركين في هذا المكان لقدسيته: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191)، (البقرة: 191).
فالآية تذكر واجب قتال الكفار و المشركين إبان المعارك بينهم و بين المسلمين في عهد النزول في أي مكان إلا عند المسجد الحرام، فانظر و تدبر لقدسية المكان بحق دم الكافر فكيف بحق دم المؤمن!.. بل و إن من مشاعر الحج أن لا يقتل صيد بر و لا تقطع شجرة، و ما ذلك إلا لتعليم الناس قدسية هذا المكان الطاهر.
يعلم كل من حج أو اعتمر مدى الاستقرار النفسي و الذهني و الروحي الذي يصيب حتى العصاة و المبتعدين عن منهج اللّه تعالى عند دخوله لهذا المكان، و قد علمتم ما ذكرنا من أمر البحوث التي بينت مركزية مكة المكرمة للطاقات و الإشعاعات الكونية، و سبحان اللّه العظيم..
عند ما أمر اللّه تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بالمناداة بالحج وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)، (الحج: 27)، تعجب سيدنا إبراهيم عليه
ص: 101
السلام، إذ كيف يمكن إيصال الصوت لكل الناس في كل الأرض، فأخبره اللّه تعالى أن اعمل بالأسباب فعليك المناداة و علينا الإيصال، فيقول بعض العلماء وصل الصوت لكل صلب رجل و جنين امرأة.. هذه الوقفة على جبل عرفات الذي يذكر بعض العلماء أن آدم و حواء عند نزولهم للأرض كل في مكان مختلف التقوا فيه لكل أجناس البشر، بل كل مشاعر الحج تنبأك بأن الوحدة بين المسلمين في هذه الأرض الطاهرة على صغر رقعتها الجغرافية مسألة حتمية من اللّه تعالى رغم أنوف كل القوى التي تريد عكس ذلك مهما بلغت قوتها، و كان اللّه تعالى يتحدى أي قوة تمنع وحدة المسلمين الروحية دون أي تمييز و تفرقة حتى و إن منعوا من الوحدة بمفهومها السياسي و الجغرافي.. فتأمل أخي الكريم أي قوة تحفظ هذا الدين؟!..
الأشكال أدناه توضح كل ما ذكرناه من حقائق، و هي مأخوذة عن موسوعة إنكارتا لعام 2003 م.. الأسئلة المطروحة و التي أود أن أطرحها على كل باحث موضوعي يدّعي العلمية و التجرد: هل يمكن أن تكون هذه الأرض التي كرمت هذا التكريم و حفظت هذا الحفظ و حملت تلك المنزلة التي ما بعث من رسول إلا و حج إليها كما يقول أهل العلم..
فهل يكون تشريع الحج لهذه الأرض في كل عام في شهر قمري هو ذي الحجة يصادف تغير و اختلاف التوقيت مع أشهر السنة الشمسية من صيف إلى شتاء و هكذا، أ يكون هذا التشريع محاطا بكل تلك الحمايات التي ذكرناها و التي أثبتتها البحوث لأجل توفير أنجح السبل لتحقيق هذه الشعيرة لتستوعب كل الناس في مكان معين و لأجل أن يغفر لهم فيعودون كيوم ولدتهم أمهاتهم، أ يكون كل ذلك من ترتيب رجل أمي عاش في بيئة لا علم لها سوى بالأشعار و التجارة و بعض شئون الزراعة؟.
ثم سؤال لأهل الإحصاء و الاحتمالات، ما هي احتمالية تجمع كل تلك الحمايات لتلك البقعة لأجل تلك الشعيرة لأجل ذلك الإنسان أن تكون مجرد صدفة؟!.. ثم أ ليس في كل ذلك ترتيب من قبل قوة معينة لأجل هدف معين، أ لا تحس أخي القارئ و بكل تجرد أن في المسألة ترتيب؟!.. نداء لأهل البحوث الذين يلهثون وراء كل ظاهرة على سخفها في هذه الحضارة أو تلك ليبحثوا بها و يخرجوا لنا بأمور لا تسمن و لا تغني من جوع، أ ليس هذه المسألة أجدر و أهم لكم كي تفهموا حقيقة وجودكم، لتعلموا أن اللّه حق و أن الإسلام حق و أن كل ما جاء به حق؟!..
اللهم اشهد، أننا قد بلّغنا، اللهم علينا البلاغ كما أمرتنا، و عليك إيصاله للناس، من أراد منهم أن يؤمن و من لم يرد..
ص: 102
ص: 103
ص: 104
ص: 105
ص: 106
في إحدى المؤتمرات العلمية العالمية في الإعجاز سئل البرفسور الفريد كرونر و هو من أشهر علماء الجيولوجيا في العالم بالأسئلة التالية:
أ - هل اكتشفتم جذورا للجبال؟ قال: نعم و جذره يبلغ حوالي 4,5 مرة قدر ارتفاعه. و بعض الجبال قد يكون جذره ممتدا إلى عمق سبعين كيلومترا و هذا الاكتشاف حديث.
ب - و ما وظيفتهما؟ قال: لتثبيت القشرة الأرضية في الطبقة السفلى و لو لا هذا لطفت القارات و اصطدمت. قال له السائل: إذا اسمع ما قاله القرآن قبل أربعة عشر قرنا:
وَ الْجِبالَ أَوْتاداً (7)، (النبأ: 7)، وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ..
(النحل: 15)، و (لقمان: 10).
أ - هل عندكم معلومات أن أرض العرب (صحراء الجزيرة العربية) كانت يوما ما بساتين؟ قال: نعم هذه مسألة معروفة لدينا و هي من الحقائق العلمية.
ب - هل عندك دليل على أنها ستعود مروجا و أنهارا؟ قال: نعم و هذه حقيقة ثابتة يعرفها الجيولوجيون و نحسبها بالتقريب.
ج - متى يكون ذلك؟ قال: هي مسألة ليست عندكم ببعيد.
د - لما ذا؟ أجاب: لأننا درسنا تاريخ الأرض في الماضي فوجدنا أنها تمر بأحقاب متعددة، منها حقبة العصر الجليدي. أي أن كمية من ماء البحر تتحول إلى ثلج و تتجمع في القطب الشمالي ثم تزحف نحو الجنوب فتغطي ما تحتها من المياه و يتغير بذلك الطقس، و من ضمنها تغير الطقس في بلاد العرب حيث يصبح باردا و تنزل الأمطار و تكون من أكثر البلاد في العالم أنهارا و مروجا و هذه حقيقة لا مفر منها. قال له السائل:
اسمع إلى حديث محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل أربعة عشر قرنا: «لن تقوم الساعة حتى
ص: 107
تعود أرض العرب مروجا و أنهارا». رواه مسلم. أي أنها كانت مروجا و أنهارا ثم تعود كذلك.
أ - إذن من أخبر محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنها كانت مروجا و أنهارا؟ فأجابه: الرومان... و هذا غير صحيح لأنها كانت قبل الرومان بملايين السنين.
ب - و لكن من أخبره أنها ستعود كذلك؟... قال: آه، هذا لا بد أنه جاء من فوق أي من عند اللّه، لقد أنطقه الحق رغم أنفه إذ أنه من غلاة الملحدين. و بعد هذه الأسئلة قال له السائل: إذا اكتب و اشهد بما كتبت! فكتب: «لقد أدهشتني الحقائق العلمية التي رأيتها في القرآن و السنة و التي لم نتمكن من التدليل عليها إلا في الآونة الأخيرة بالطرق العلمية الحديثة.. الأمر الذي يدل على أن النبي محمدا لم يصل إلى هذا العلم إلا بوحي علوي». و صدق اللّه سبحانه وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (4)، (النجم: 3 و 4).
و بعد سماعهم و مناقشتهم لكثير من الآيات القرآنية الخاصة بالفلك و البحار. و علوم الأرض و الفضاء.
1. قال البرفسور شرويدر الألماني: إن ما سمعناه و ما وجه لي من أسئلة لتشهد بأن كل ما نكتشفه نحن العلماء؛ إنما كان مسجلا من قبل الخالق العظيم. و أن هذا ليدل على أن هناك حقيقة واحدة و علما واحدا و إلها واحدا.
2. و قال البرفسور يوشي كوزاي: مدير مرصد طوكيو: إن هذا القرآن و ما فيه من حقائق علمية يدل على أن المتكلم به يصف الكون من أعلى قمة في الوجود من خارج الكون فهو يرى كل شيء في الوجود. فكل شيء أمامه واضحا. أما نحن العلماء فنبحث أبحاثا جزئية لكوكب أو نجم و لا نعرف ارتباطه بهذا الوجود. ثم قال إني أحب أن أتبع هذا الطريق(1).
و تستمر المؤتمرات العالمية لإعجاز القرآن بكل صنوفه و أشكاله اللغوية و التشريعية و الاقتصادية و العلمية و العددية، و منها مؤتمر الإعجازي العالمي الرابع عشر الذي عقد في
ص: 108
موريتانيا عام 1419 ه - 1999 م.
و كان أخيرها و ليس آخرها مؤتمر عقد في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نيسان للعام 2000 م، حضره مئات العلماء من كافة اختصاصات العلم و من مختلف الجنسيات و تبنته الجمعية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية. و كان من نتائجه أن العديد من العلماء الذين حضروا المؤتمر أقروا و اعترفوا أن القرآن الكريم يحوي حقائق مذهلة ما كانوا ليتصوروا بوجودها خصوصا و أن أغلبهم من أهل الكتاب الذين اعتادوا أن يضعوا العقل و المنطق و العلم جانبا عند قراءتهم لكتبهم المقدسة(1).
اللهم احشرنا تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا للّه الواحد القهار.. يا عزيز يا غفّار.. يا ذا الجلال و الإكرام..
اللهم آمين.. اللهم آمين.
إلى اللقاء مع الكتاب القادم و السلام عليكم و رحمة اللّه تعالى و بركاته.م.
ص: 109
1. كتاب (المنظار الهندسي للقرآن الكريم)، دار المسيرة، عمان - الأردن، ط/ 1، 1422 ه - 2001 م.
2. كتاب (المنظار الهندسي للقرآن الكريم)، دار المسيرة، عمان - الأردن، ط/ 2، 1425 ه - 2004 م.
3. كتاب (أنت و الأنترنت - جلّ ما تحتاجه من خدمات الشبكة العالمية -)، دار الرشد، ط/ 1، 1422 ه - 2001 م.
4. كتاب (القرآن منهل العلوم)، طبع الجامعة الإسلامية، بغداد، ط/ 1، 1423 ه - 2002 م.
5. كراس (مواصفات الفحوص المختبرية لأعمال الهندسة المدنية)، مع مجموعة من المختصين، 1423 ه - 2002 م.
6. كتاب (القوانين القرآنية للحضارات - النسخة المختصرة، 125 صفحة من القطع الصغير -)، طبع ببغداد عام 1424 ه - 2003 م.
7. سلسلة كتب (ومضات إعجازية من القرآن و السنة النبوية - 15 جزءا -)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
أ. التأريخ و الآثار.
ب. المادة و الطاقة.
ت. الفلك.
ث. الأرض.
ج. الرياح و السحب.
ح. المياه و البحار.
خ. النبات و الإنبات.
د. الحيوانات و الحشرات.
ذ. الطب.
ر. الصيدلة و الأمراض.
ص: 110
ز. الوراثة و الاستنساخ.
س. الجملة العصبية و الطب النفسي.
ش. الأحلام و الباراسايكولوجي.
ص. الاقتصاد و الاجتماع.
ض. آخر الزمان.
8. كتاب (القوانين القرآنية للحضارات - النسخة المفصلة، 365 صفحة من القطع الكبير)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان..
9. كتاب (تفصيل النحاس و الحديد في الكتاب المجيد)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
10. عدة بحوث في مجال الهندسة المدنية منشورة في مجلات و مؤتمرات هندسية مرموقة داخل العراق و خارجه.
11. عدة بحوث و مقالات في مجال الإعجاز القرآني منشورة في صحف و مجلات و مؤتمرات مرموقة داخل العراق.
12. عدة أعمال مرئية تلفازية و حاسوبية في محطات محلية و أخرى فضائية عربية.
1. كتاب (استنباط الحلول من أسباب النزول)، قيد التأليف.
2. كتاب جامعي عن المواد الهندسية، قيد التأليف.
3. تصاميم شبكات الخدمات المائية و الصحية، قيد الإعداد.
ص: 111
المقدمة 3 الفصل الأول: كوكب الأرض 5 جيولوجيا الأرض 10 الاستنتاج 21 الفصل الثاني: الجبال 24 السبق القرآني في الجبال 26 الفصل الثالث: البراكين و الزلازل و الهزات الأرضية 32 علم الزلازل 32 الزلازل في القرآن الكريم 40 الفصل الرابع: الخسف و الانزلاقات و الانهيارات الأرضية 48 هبوط المنشآت و خسف الأرض 48 الخسف في القرآن الكريم 49 الفصل الخامس: المعادن في الأرض 52 تكون المعادن الثقيلة في الأرض 52 الحديد 52 النحاس 64 الذهب و الفضة 65 الذهب 66 الفضة 67 البلاتين و مشتقاته 68 الأحجار الكريمة 69 الآيات و الأحاديث الوارد فيها الذهب و الفضة 70 سبب تحديد مادة السقف بالفضة 88 الفصل السادس: أرض مكة 93 الفصل السابع: شهادات و مؤتمرات 107 أعمال للمؤلف 110 فهرس المحتويات 112
ص: 112